عرض مشاركة واحدة
قديم 21/12/2008   #1
شب و شيخ الشباب self directive
شبه عضو
-- أخ لهلوب --
 
الصورة الرمزية لـ self directive
self directive is offline
 
نورنا ب:
Dec 2008
المطرح:
دبي
مشاركات:
81

افتراضي تزييف التاريخ - ضرورة إعادة كتابة التاريخ


بقلم : Self Directive

إن التاريخ إذا كان يسعى إلى إدراك الماضي البشري , فإنّ الإدراك هو غير التوهّم أو التخيّل و التصوّر , سواء أكان هذا أو ذاك عن وعي أم عن غير وعي.فالشعوب في مراحلها البدائيّة حين يغلب الوهم على المنطق العقلاني , و الخيال على النقد , و التصوّر على التحقيق, تتناقل أحداث ماضيها مضخّمة مفعمة بالبطولات – بطولات الآلهة و بطولات البشر , فتروي الخرافات و تنشد الملاحم , و لا تلتزم الواقع كما حدث فعلاً .و لقد بقي هذا العنصر الوهميّ ملتصقاً بالمجهود التأريخي يؤثّر فيه , إلى أن انتظم علم التأريخ الحديث في القرن الأخير فدعا إلى التحرّر من هذا العنصر, و إلى مجابهة الماضي و أخباره بأدوات النقد و التحقيق التي تتميّز بها المعرفة العلميّة.و للأسف فلا تزال الكثرة من الناس تتوهّم ماضيها و ماضي غيرها , و لا تدركهما أو تعيهما حقّاً.إن ما كُتب من التاريخ سواء في القديم أو في الحديث , قد أخذ شكل التركيز على الحكّام و الشخصيّات , أكثر منه على الإنسان العاديّ , فبدلاً من تاريخ الشعب وجدنا ما يسمّى بتاريخ البلاط. فالكثير من جوانب تاريخنا كتبها أناس مأجورون من قبل الملوك.

كما لم نعن في كتابة تاريخنا بتاريخ الإقتصاد و الإجتماع و الفكر , و التي هي محاور رئيسيّة في منهاج المدرسة الحديثة في التاريخ. تلك المدرسة التي تهدف إلى الإفادة من التاريخ في إصلاح شؤون المجتمع , و وضع الحلول المناسبة لمشكلاته , بمعنى توظيف التاريخ في خدمة المستقبل , و ليس دراسته من أجل الماضي كماضٍ فقط.و مع حلول منتصف القرن التاسع عشر بدا للباحث أنّه كانت هنالك محاولات جديّة لتفسير التاريخ بأسلوب علميّ , فقد برزت نظريّات طبيعيّة تؤكّد أنّ الجغرافيا و المناخ و الغذاء هي الأساس الذي يشرح التطوّر الإجتماعي , و إنّه لمن الجدير بالذكر التنويه بأنّ (باكل) و هو رائد هذا الميدان لم يفته اعتبار العقل البشري كعامل من عوامل التقدّم الإجتماعي. و قد برزت في ذلك الحين بعض النظريّات الإقتصاديّة , كتلك التي قال بها كارل ماركس , و التي تحاول أن تردّ التطوّر الإجتماعي إلى أنّه تفسير لعوامل اقتصاديّة كالإنتاج و التوزيع و صراع الطبقات الذي يخلقه الإنتاج و التوزيع. و مع أنّ أساس نظريّة ماركس و إنجلز كان ماديّاً , إلاّ انّهما أدركا حقّاً أهمّيّة العوامل الآنيّة كالعقل و النظم , و اعترفا بأنهّا تلعب دوراً أساسيّاً في التاريخ . و ها هو المنحى الأنثروبولوجي يغدو مهمّاً أكثر فأكثر في مجهوداتنا لفهم المجتمع البشري.

يبدأ التاريخ حين يبدأ الناس في التفكير بانقضاء الزمن ليس بمعايير السياقات الطبيعيّة - دورة الفصول , أمد الحياة البشريّة - و إنّما بوصفه سلسلة من الأحداث المحدّدة التي ينخرط فيها الناس و يؤثّرون فيها , بصورة واعية. إنّ التاريخ بكلمات (بوركهاردت) هو انقطاع مع الطبيعة يحدثه استيقاظ الوعي" فالتاريخ هو النضال المديد للإنسان - عبر استخدامه عقله - لكي يفهم بيئته و يفعل يها. و لكن الفترة الحديثة قد وسّعت هذا المفهوم , فالإنسان الآن يفهم و يفعل ليس في بيئته فحسب , و إنّما في نفسه كذلك. و قد أضاف هذا بعداً جديداً إلى التاريخ.

ضرورة إعادة كتابة التاريخ

إنّ التاريخ المدوّن هو بمثابة سجن للإنسان , فهو يعيقه عن النظر إلى الواقع بتجرّد و موضوعيّة , لأنّه يخلط بين أفق الإنسان الفرد و أفق محيطه , يخلط بين الذّات و الموضوع , بين الأنا و غير الأنا , بين العالم و المعلوم , بين النسبيّ و المطلق. و ممّا يساعد على ذلك و يعزّزه - كما هو نتيجة له - هي سطحيّة التفكير , الناشئة عن تكوّن المفاهيم في العقل بطريقة انطباعيّة تقوم على التأثّر لا على الدراسة و التحليل و النقد . و نقطة الضعف هذه أصبحت ظاهرة عمّت الجموع البشريّة التي لازالت تقبع تحت وطأة القهر , سجينة ظلمات التاريخ , سجن الإنسان الأكبر , و الذي ما فتئنا نجترّ صفحاته الخاوية من أيّ معنىً من معاني الإنسانيّة الإيجابيّة , التي تدفع الجموع لتحقيق العدل و إحقاق الحقّ و نشر الجمال سلوكاً و المنطق مرجعاً و العلميّة منهجاً. إذ أن أغلب الأحداث المدوّنة كانت تُعدُّ في المطابخ السياسيّة بعيدةً عن أعين الجمهور , حيث كان يجري لها من الرتوش و الإخراج ما يخفي دوافعها الحقيقيّة , لتضليل الحشود و لإضفاء الشرعيّة على أفعال سلطات البطش و الجشع.

إنّ ما كتب من التاريخ تنقصه الموضوعيّة , فنجد غياب العقلانيّة و تسليط أساليب النقد على هذا التاريخ , فجزء كبير من التاريخ تغلب عليه النظرة الرومانسيّة العاطفيّة , أكثر من النظرة المتّزنة العقلانيّة , و اتي هي في حقيقتها تعويض عن مجابهة الحقيقة و هروب منها , تماماً كما يفعل المصاب بأحلام اليقظة.إن الأفراد و الأمم عندما تكون سطوة الماضي قويّة نافذة , و صورته مستولية على النفس متحكّمة بالعقل , يتوقّف النشاط لديهم و تخفّ حيويّتهم , اكتفاءً بما حقّق و قناعةً به و استكانةً إليه , فينحصر الجهد و النشاط في محاولة إعادة مجرى التاريخ و رسم الحاضر على صورة الماضي.هذا الجمود يتطلّب أوّلاً ممارسة النقد الذاتي , ليزيل نير السطوة المتحكّمة , بتمييزه بين الصالح و الفاسد , و الزائل و الباقي , والنافع و الضار , فيغدو بذلك مبدأ النقد الذاتيّ عامل نهوضٍ أساسيّ.يقول في هذا الصدد د . قسطنطين زريق : إن للثقافة التأريخيّة المحترمة للماضي , فعل تركيز و توطيد و تأصيل . أمّا عندما نعمد إلى نقد الماضي , فإنّها تغدو أداة إطلاقٍ و تحرير, تحرّرنا من سطوة الجهل و من غرور الوهم و التواكل , و تهيب بنا إلى تحرّي الحقيقة مهما يكن طلبها شاقّاً و تكاليفها عسيرة . إنّها تنمّي في نفوسنا القدرة على مجابهة نتائج هذا التحدّي و استساغتها مهما يكن منظرها مؤذياً و طعمها مرّاً . إنّها تطرد الخوف من قلوبنا و تبعث فينا الجرأة و تكسبنا المتانة العقليّة و الخلقيّة و النفسيّة التي تصمد أمام الواقع و تعلو عليه . إنّها تصفّي أصالتنا ممّا علق بها من أدران , و تعيد الحياة و النشاط إلى جذورها , فتجعلها أصالة ً إيجابيّةً مثمرة , لا أصالة ادّعاءٍ وتيهٍ و ارتداد.

إنّ التركيز و التحرير عملان متناقضان ينفي أحدهما الآخر و يزيل أثره . و إنّ ما ينتجه الأوّل من تثبيتٍ و توطيد , ينقصه ما في الثاني من انطلاقٍ و انعتاق.إنّهما على العكس , عملان متكاملان يقوّي أحدهما الآخر و ينمّيه , و لئن كان بينهما تناقضٌ و اصطراعٌ داخلي , فإنّ هذا الإصطراع ذاته - هذا التجاذب و التنافر - هو عامل من عوامل النمو و الإغتناء و الخصب و الإبداع.فكلٌّ من الإتجاهين يتغلّب بإيجابيّته على سلبيّة الآخر , فتعزّز إيجابيّة كلّ منهما و إيجابيّتهما المشتركة.و بهذا تبلغ الثقافة التأريخيّة الداعية إلى معرفة النفس و نقدها, المركّزة المحرّرة , المؤصّلة المتسامية - تبلغ هذه الثقافة غايتها , و تحدث آثارها المنشودة في الفكر و العمل , في فهم الحياة و في صنعها.

إنّ ما يدفعنا لإعادة كتابة تاريخنا , أنّ التاريخ مقوّم من مقوّمات النهضة , و عمودٌ أساسيٌّ في الهيكل البنائي لشخصيّة الأمّة. فالتاريخ بحسب رأي المؤرّخ الفرنسي (ميشيليه) هو "رؤية من الداخل و عمليّة بثّ كاملة". فالتاريخ هو عاملٌ أساسيّ في تعميق الهويّة , فالتاريخ هو الذاكرة القوميّة للشعوب , و ذاكرة الشعوب كما هي ذاكرة الأفراد , إن أصابها خلل , انسحب هذا الخلل على الكيان العام لهذه الأمة , حتّى إذا استعيدت هذه الذاكرة الجماعيّة , سهل علاج هذه الأمّة.

من هذا القول , و ما يتعلّق منه بإعادة بناء الشخصيّة , ما يجعلنا نحدّد ثلاثة أمور :الأمر الأوّل أنّه لا بدّ من معرفة أبعاد تاريخنا جميعها , الجيّد منها , و غير الجيّد. فترات الإستشراق و التقدّم , و فترات الظلام و التخلّف . تماماً كما نقوم بالتعرّف على أبعاد شخصيّة مريض الذاكرة , و الذي لا بدّ له من تحليلٍ كاملٍ لماضيه , حتّى يعي هذا الماضي وعياً دقيقاً , فتعود إليه ذاكرته و يستردّ عافيته.و الأمر الثاني هو أنّ التاريخ المكتوب بصدق , و الذي يتّصف بصفة الشموليّة , له دور كبير في تطهير الشخصيّة , فمريض الذاكرة يتطهّر من عيوبه و آفاته , إذا أخرجنا ما في لاوعيه إلى ساحة الوعي , و مافي لاشعوره إلى ساحة الشعور , فلا تعود الأمور غير المرتّبة في عقله الباطن تؤثّر تأثيراً سلبيّاً على عقله الواعي و ممارساته الظاهرة.الأمر الثالث أنّه بالدراسة التحليليّة لتاريخنا , نحرّر شعبنا من الكوابح التي تشدّه إى الوراء و تعيقه عن الإنطلاق , فنحقّق له بذلك تفجيراً لطاقاته المبدعة , و نسير به نحو الثورة الحقيقيّة على الذات , هذه الثورة التي تحقّق المعجزات , و تدخل من جرّائها الشعوب التاريخ من أوسع أبوابه.و في ذلك نستطيع من خلال وعي ذاتنا , و معرفة آفاق شخصيّتنا , و الوقوف على معاني الإبداع و القوّة فيها , بعد أن نكون قد تعرّفنا على عوامل الضعف و التخلّف من أجل أن نتجنّبها و نبتعد عنها , نقوم بنهضة حقيقيّة تفعّل وجودنا لصالحنا و صالح عموم الإنسانيّة.

ممّا تقدّم نلخص إلى :إن غاية التاريخ هي إدراك الماضي كما كان , لا كما نتوهّم انّه كان , لهذا لا بدّ من مستوىً عالٍ من المنهجيّة التاريخيّة . فلا تاريخ بدون بحثٍ عميق و استقصاءٍ عريض , كما أنّه لا تاريخ بدون نقد . و هذه المنهجيّة تقتضي مزيداً من العلميّة , بمعنى تسليط منطق العلم على التاريخ, فلا بدّ إذاً من الموضوعيّة , نرى أنّ بعض علماء الحديث قد شرعوا في الإهتمام بالموضوعيّة , و تحرّي الحقيقة فيما يذهبون إليه , كما حرصوا على التأكيد من الأخبار و الروايات , فسلّطوا عليها سيف النقد , و أوجدوا ما عُرِفَ بعلم الجرح و التعديل.من المتطلّبات الأساسيّة في التأريخ , ميّزة التجرّد . حيث أنّها مزيّة مطلوبة في كلّ علم , مفروضة على كلّ باحث, و التجرّد يلزمه الحرّيّة لكتابة التاريخ , هذه الحرّيّة التي تحرّر افنسان من سجن التاريخ , إذ لا بدّ منها حتّى نكتب تاريخنا بموضوعيّة و صدق, و من أجل أن تتلاقح الآراء للوصول من خلال الحوار إلى الحقائق , و إلاّ فسيبقى التاريخ مكبّلاً آسراً لنا و لطاقاتنا , و أسيراً لمغالطاتنا و أوهامنا.الدقّة في النقل , و الدقّة في التفكير و التعبير , شرط أساسيّ صريح من شروط أيّ بحثٍ علميّ , و هي في صميم تقليد العلم المتراكم , و من أهمّ عوامل تقدّمه و رقيّه. و الدقّة تتطلّب تفسير الأحداث التاريخيّة و تحليلها تحليلاً دقيقاً , فلا ينبغي الإكتفاء بذكر الأحداث بدقّة , بل لا بد من تفسيرها. يجدر بي هنا أن أشير إلى مسألة هامّة بالنسبة للدقّة في التفسير لدى المنهجيّة العلميّة للدراسة التاريخيّة , ألا و هي تحليل التغيّر عبر الزمن.على ضوء هذه الإعتبارات يمكن الإحاطة بكيفيّة إعادة كتابة التاريخ , للبدء في عمليّة صقل شخصيّتنا القوميّة بأصالة و وضوح.

أحسن خمس شغلات بهلدنيا, هي تلات شغلات, الحب و الحرب!... و بعضهم يفضّلون مجبرين, الأكل و النوم.. بقى إنتيه و حظّ الدي إن إيه اللي اسلقّيتو عن اللي خلّفك
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.07184 seconds with 11 queries