عرض مشاركة واحدة
قديم 21/12/2008   #2
شب و شيخ الشباب self directive
شبه عضو
-- أخ لهلوب --
 
الصورة الرمزية لـ self directive
self directive is offline
 
نورنا ب:
Dec 2008
المطرح:
دبي
مشاركات:
81

افتراضي تزييف التاريخ (2) - تحريف التاريخ


تحريف التاريخ

حقائق التاريخ – المشتملة على جميع نواحي وجود الإنسان – لا تصل إلينا مطلقاً بصورة بحتة , لأنّها لا توجد و لا يمكن أن توجد بصورة بحتة , فالماضي لم يعد موجوداً , و لكن يمكن تتبّعه بفضل الطرق الفنّيّة التي تعطينا أدلّة تمدّنا بها العلوم الطبيعيّة و التقنيّة , عن طريق البحث العلمي في الآثار الماديّة الباقية , و أيضاً نقرأه في المؤلّفات و الوثائق التاريخيّة , و لكن علينا أن نعي أن الحقائق التي وصلت إلينا بشكلٍ مكتوب تنعكس من خلال ذهن من قام بتدوينها , فيترتّب على ذلك أنّنا إذا ما تناولنا في البحث عملاً تاريخيّاً يجب أن لا يكون اهتمامنا الأوّل منصبّاً على الحقائق التي يتضمّنها , و إنّما على المؤرّخ أو المؤلّف الذي كتبها . فغالباً ما يستعين المؤرّخ بخياله في إتمام الوقائع و تأويلها , فهو يصل إلى نتائج كان يرمي إليها منذ البداية متأثّراً بأهواءه , يهديه إيمانه أكثر ممّا يهديه حبّ استطلاعه , فخياله في تأويل الوقائع ليس محايداً.

يرى الباحث المنقّب من خلال ما رواه المؤرّخون المثبتون , و ما ذكرته مؤلّفاتهم , أنّه ليس إلاّ أحاديث خرافة أو أقاصيصٌ مُفتراة , كانوا قد قصدوا منها إلى تمجيد فريقٍ من الناس تمجيداً فيه أطنابٌ و أسراف , و إلى تحقير فريقٍ آخر تحقيراً لا إنصاف فيه . ثمّ تدال الناس هذه المفتريات أجيالاً تلو أجيال , فقرّت في أذهانهم كأنّها حقائق , حتّى قام بعضٌ من علماء و باحثي هذا العصر بالتنقيب عن آثار الماضي و فحص أسانيده , و استعانوا بالعلوم المساعدة كعلم الآثار و الأبيغرافيا و الكرونولوجيا و غيرها , مرتكزين بذلك على أدوات العقل في التفكير المنطقيّ من تحليل و تفكيك و تركيب , إلى مقارنة و قياس و تمحيص , فأماطوا اللثام عن كثيرٍ من تلك الأكاذيب الذائعة , فبيّنوا لنا أن المؤرّخين القدماء قد عظّموا أناساً لا يستأهلون التعظيم , و ظلموا آخرين لم يقترفوا ما نُسِبَ إليهم زوراً.إنّ عدم المصداقيّة التي دوّن بها أولئك المؤرّخين , إنّما تعود على فشلهم في تحرير أنفسهم من العوامل المؤقّتة الدخيلة على الإنسان , و على رأسها الوطن و الدِّين. كما ترجع أيضاً على من قام منهم بتلبية أهواء الملوك و القادة المُغرضة.إنّ المؤرِّخ كغيره من النّاس , يتأثّر بالدّين الذي وَجَدَ نفسه مُلزَماً باعتناقه , كما يتأثّر بمعطيات الوطن الذي ورثه , و أخلاقيّات و سلوكيّات الجماعة التي ينتمي إليها .و لا يجدر بنا أن نصبّ عمليّة البحث التاريخيّ على العنصر الوثائقيّ فقط , إذ من الأحرى بنا أن نولي بالدراسة شخص المؤرّخ أو المؤلّف ذاته , و أهواءه المستمَدّة من بيئته , مراعين بذلك الطبيعة الظرفيّة الزمكانيّة آنذاك . و بما أنّه لم يحدث تغييرٌ جليلٌ في طبيعة الأمزجة الإجتماعيّة في الفترات التي عاشها من عاصر و نقل ما وصل إلينا من وثائق و أخبار , حتّى يومنا هذا , فإنّه من السهل القيام بالمقارنات و تحليل الماضي الُمنصرم على ضوء الحاضر المُعاش .

إنّ ما يدفع المؤرّخين عادةً إلى التحريف و الكذب (مؤلّفي الوثائق – مدوّني الوقائع) هو :
1- أن يحاول المؤلِّف أن يجتلب لنفسه منفعةً عمليّة , و يريد أن يخدع القارئ للوثيقة لدفعه إلى القيام بعمل أو صرفه عنه . و لتحديد الأقوال المتّهمة ينبغي أن نتساءل عن المصلحة التي اعتقد المؤلِّف نفسه أنّها له , و ذلك عن طريق البخث في ميوله الفرديّة التي اكتسبها من ميول الجماعة التي ينتمي إليها , كالأسرة , الإقليم , الوطن , الطبقة الإجتماعيّة , الدين السائد , الحزب السياسيّ . و لكنّ هذه الإنتماءات قد تتعارض مصالحها أحياناً , فيجب علينا أن نميّز الجماعة التي يتشيّع إليها أكثر من غيرها , و التي كان يعمل لها .
2- أن يكون المؤلَّف في موقفٍ أرغمه على الكذب , و هذا ينطبق على جميع الحالات التي يكون فيها في حاجةٍ إلى كتابة ما يتوافق مع القواعد و العادات الشائعة .
3- أن يكون المؤلِّف يستشعر عطفاً أو كراهيةً لجماعةٍ من الناس (أمّة , أسرة , فرقة , مدينة , إقليم , حزب) أو لمجموعٍ من المذاهب و المؤسّسات (دين , فلسفة , فرقة سياسيّة) , ما دفعه إلى تشويه الوقائع ابتغاءَ أن يُعطي فكرةً حسنةً عن أصدقائه , و سيّئةً عن خصومه في الإنتماء أو التوجُّه .
4- أن يكون المؤلّف قد انساق وراء غرورٍ فرديٍّ أو جماعيّ , فكذب ابتغاء تمجيد شخصه أو الجماعة التي ينتمي إليها , و قال ما اعتقد أن يُحدِث في القارئ تأثيراً ينطوي على ما يؤكّد أنّه هو أو بني جماعته كانوا ذوي مناقب جليلة . و هنا لا يصحّ , عند البحث في هذه النقطة , القيام بعمليّة قياس الغايات إن قمنا بتقمّص دوره , فلعلّه إنّما كذب ابتغاء أن ينسب لنفسه و لقومه أفعالاً تبدو لنا ذميمةً شائنة , بينما كانت هي بالنسبة إليه و لقومه أفعالاً محمودة , و الأمثلة في هذا كثيرةٌ سواء في التاريخ القديم أم الحديث منه .
5- أن يكون المؤلّف أراد تملُّق الجمهور , أو على الأقل أراد أن يتجنّب الصدام معه . فتراه يُعّبِّر عن العواطف و الأفكار المتّفقة مع أخلاق جمهوره و البدع السائدة عنده . حتّى و إن كان هو ذا عواطف و أفكارٍ مخالفة , فإنّه يشوّه الوقائع و يلائم النصّ ابتغاء التكيّف مع أهواء جمهوره .6- أن يكون المؤلّف قد حاول تملُّق الجمهور بميولٍ أدبيّةٍ , فشوّه الوقائع لجعلها أجمل حسب تصوّره للجمال و بحسب الذائقة العامّة المعاصرة لمؤلّفاته .و لدينا في تاريخنا في هذا الشأن مثالٌ بارزٌ صَبَغَ التاريخ من بعده بلون ما شوّه للأسباب التي ذكرناها .

و من الأنواع المعتادة في التشويه الأدبي :
- التشويه الخطابيّ : و هو أن ننسب إلى الأشخاص مواقفاً و أعمالاً و عواطفاً , بكلماتٍ تنمُّ عن النُبل , و هذا ميلٌ معهودٌ لدى مبتدئي فنّ المتابة و التأليف .
- التشويه الملحمتيّ : هو أن يُجمِّل الحكايا بإضافة تفاصيلٍ جذّابةٍ مشوّقةٍ , و خِطَبٍ يدّعي أنّ أناساً ألقوها , و أسماء أشخاصٍ و ختّى أرقاماً , و ذلك أنّ ذِكر تفاصيل دقيقة توهم الصدق .
- التشويه الدرامي : و هو أخطر أنواع التشويه , حيث يحشد المؤلّف الوقائع ابتغاء زيادة قوّتها الحبكويّة , و ذلك بأن يركّز على لحظةٍ واحدةٍ أو شخصٍ واحدٍ أو جماعةٍ واحدةٍ , وقائع مشتّتة .

و هنا ندرج بعضاً من الأمثلة التي نالت قسطاً كبيراً من التزييف , و تناقلتها الأجيال بالتواتر و بالتسليم بما قد كُتِب :

يقول المؤرّخون أنّ الإسكندر المقدوني بكى حين دخلت جيوشه أرض الهند , لأنّه بذلك كان قد أخضع كلّ أرضٍ معمورةٍ في أيّامه , فلم تعد ثمّة أقاليمٍ يغزوها و يسودها . و لكن يوجد من الأدلّة ما يُثبِت أنّ جيوشه كانت قد هُزِمت أمام الجيوش الهنديّة , و أنّه اضطرّ إلى أن يرجع القهقرى مهزوماً .

كما أراد المؤرّخون الإشادة بشجاعة الإغريق و بسالتهم , فيؤكّدون أنّه حين احتشدت جيوش الفُرس الزاحفة تحت أمرة (اكزرسيس) عند ممرّ (ترموبيلي) , تصدّى لها ثلاثمائة إغريقيّ فقط ! فانهالوا على كتائب الفُرس تقتيلاً حتّى كادوا يردّونها على أعقابها . و لكن البحث التاريخيّ يُثبت أنّ جنود الإغريق لم يكونوا ثلاثمائة , بل كانوا اثني عشر ألف جندي على الأقل . و أنّهم لم يصمدوا لقوّات الفرس التي أودت بهم جميعاً .

و بالغوا في الحطّ من تاريخ (نيرون) حتّى صار مضرب المثل في البغيّ و العسف . فاتّهموه بأنّه أمر بقتل أمّه , مع أنّها قُتلت دون أن يدري , اتّهموه بأنّه أمر بإحراق روما ليشاهد النيران تلتهم معالمها و تفتك بأهلها , بينما هو ينشد الأغاني و يعزف على (الكمان) لاهياً . و الحقّ أنّ النار التي أحرقت روما شبّت قضاءاً و قدراً , و أمّا (الكمان) فلم يُخترَع إلاّ بعد عهده بمئات السنين!

و أضفى المؤرّخون على (قسطنطين الأوّل) صفات القداسة , فلم يعد اسمه يُنطق إلاّ مسبوقاً بلقب قدّيس ..... لماذا ؟ ألأنّه قتل زوجته , و ولدين من أولاده , و نفراً جمّاً من أهله ؟

كما قام المؤرّخون بتقديم مفهومٍ سطحيّ للحروب الصليبيّة , حيث اختزلوه إلى بُعدٍ دينيٍّ فقط , و دوّنوها على أنّها الحروب التي وقعت في سورية في نهاية القرن الحادي عشر . بينما هي بمفهومها العلميّ الحروب التي ارتكزت على أسسٍ اقتصاديّة سلطويّة توسّعيّة كما هي دينيّة . تعود إلى القرن الثامن , بدأت معاركها الأولى في سهل (اللوار) و (الرين) , وُجّهت نحو الوثنيّة بادئ الأمر , ثمّ إلى إلى الإسلام و الوثنيّة معاً , ثمّ إلى الإسلام وحده بعد انحلال الوثنيّة , و لم تكن المعارك المتوالية التي وقعت في سورية و مصر بين المسلمين و الفرنج منذ وجود (فروادى بويون) إلى (لويس التاسع) إلاّ طوراً من أطوار ذلك الصراع العامّ . ففي الوقت الذي انهارت فيه صروح العالم الرومانيّ الشامخة لأسبابٍ عدّة , انقضّ الإسلام على أنقاضها في آسيا ة أفريقيا و شادوا منها دولاً جديدة . ثمّ حاول أن ينفذ إلى سويداء النصرانيّة من المشرق و المغرب معاً , فلاقى خيبته الحاسمة في المشرق أمام أسوار القسطنطينيّة , و لاقى ذات الهزيمة في الغرب فوق ضفاف (اللوار) , و ارتدّت الوثنيّة في نفس الوقت على ضفاف (الرين) أمام نفس أولئك الفرنج الذين وقفوا فلإسلام سدّاً .فوق هذه البسائط و في مهاد تلك المعارك الحاسمة , معارك الحياة و الموت , قدّرت النثرانيّة فداحة الخطر الذي يهدّد كيانها من تدفّق الإسلام و الوثنيّة , لتنشأ في المجتمع النصرانيّ فكرة صراعٍ غامضة استحالت إلى فكرة الحروب الصليبيّة.

أحسن خمس شغلات بهلدنيا, هي تلات شغلات, الحب و الحرب!... و بعضهم يفضّلون مجبرين, الأكل و النوم.. بقى إنتيه و حظّ الدي إن إيه اللي اسلقّيتو عن اللي خلّفك
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.05226 seconds with 11 queries