عرض مشاركة واحدة
قديم 21/12/2008   #4
شب و شيخ الشباب self directive
شبه عضو
-- أخ لهلوب --
 
الصورة الرمزية لـ self directive
self directive is offline
 
نورنا ب:
Dec 2008
المطرح:
دبي
مشاركات:
81

افتراضي تزييف التاريخ (4) - تمحيص التاريخ


تمحيص التاريخ

في الفترة التي أعقبت الحرب العالميّة الأولى و إلى قيام الحرب العالميّة الثانية , أدركت بعض الأمم أنّ كتابة التاريخ يجب أن يكون تحت إشراف عصبة الأمم و معهد التعاون الفكري , ثمّ بعد الحرب الثانية توبع العمل تحت رعاية هيئة الأمم المتحدة و منظّمة الأونيسكو , و لكن ظهر أن التواريخ المدوّنة لم تكن تضمن الغاية المنشودة من المصداقيّة , لأنّها لم تكن تكتب بإخلاص بل بتحيّز و اتّجاه معيّن ألا و هو تمجيد أعمال الوطن و تبرير أخطائه , و نقد أعمال و سياسة سائر البلدان و لا سيّما عندما لا تتماشى و مصالحه . و بذلك أصبح التاريخ وسيلة للتضليل لا للتعريف بالحقائق و تكوين مجتمع صالح. و مثال ذلك أنّ كلّ شخصٍ يقرأ في تاريخ بلاده أنّها كانت عُرضةً للمظالم و المطامع , و ضحيّةً بريئة للغاصبين , و قلّما يجد ذِكراً للأخطاء التي ارتكبتها , و الحروب التي يجب أن تتحمّل مسؤوليّتها , و الفظائع التي لم تبالِ بارتكابها , و لئن جاء ذِكر شيءٍ من هذا فإنّما يكون في مقام المُدافِع لا المُعتدي.

و هكذا تتكوّن لدى القارئ الذي تعوزه عناصر المقارنة و روح النقد , هذه الأفكار المضلِّلة و تنطبع في ذهنه, فيعتقد أنّ مواطنيه كانوا عِبر التاريخ و العصور عنوان الفضيلة, و أنّ الأمم الأخرى أممٌ معتدية ظالمة , و بذلك يُصبح هذا الإنسان شذِراً إلى غيره ’ متأثّراً بهذه الأفكار.

و بهذا الصدد قال البروفيسور (بيتر هيل) : إنّ التاريخ الذي يُدرَّس في اتّجاهٍ معيّن يصنع المتطرّفين و المتعصّبين , و التاريخ الذي يُدرَّس على وجهيه يشحذ روح النقد و يجعل المرء أكثر إنسانيّةً و إنصافاً.من هنا تتّضح ضرورة مراجعة الكتب المدرسيّة و كتابتها من جديد بتلك الروح , لأنّ أكثر ما يعانيه العالم اليوم من خلافاتٍ و بغضٍ للآخر المختلف , إنّما يرجع في أصله إلى الفكرة الأولى التي انطبعت في أذهان التلاميذ عن الشعوب الأخرى.
إنّ اكتشاف الباحث المؤرِّخ لما هو (تحت التاريخ) يساعد بالتدريج على إيجاد عالم يقدّر كلّ أصالةٍ في الفكر , و لا يقتصر على الأنواع التي كانت تقدّرها الطبقات الأرستقراطيّة فيما مضى . و في هذا العصر الذي كثُر فيه الخوف من التغيّرات متزايدة السرعة , كثيراً ما يؤدّي هذا الخوف إلى حالة من الجمود نحسبه خطأً علامة الإستقرار , لذا فإنّ تعمّق الباحث في العقل غير الواعي للأجيال الماضية , و كيف كانت عقائدهم و نزعاتهم في تعارضٍ مع اعترافاتهم , يمكن أن يفرغ علينا تواضعاً شافياً حين ننظر إلى ذاتنا . تكوّن عمليّة الإستنباط هذه , مع الإستعانة بباقي أدوات الفكر , ما يُدعى بفلسفة التاريخ .

إنّ مجرى التاريخ متّصل غير منفصل , برغم ما يبدو لمن يقلّب صفحاته متنقّلاً بين عصوره و حوادثه , إذ يجد حروباً غيّرت وجه الأرض فأقامت ممالكَ على أنقاض ممالكٍ أخرى , و يجد ثوراتٍ هدّت معالم الإجتماع , فجعلت العالي سافلاً و السافل عالياً , و يجد طائفةً من العباقرة في السياسة و العلم و الأدب برزوا على معاصريهم , و صبغوا الحضارة بصبغٍ جديدة هي صبغتهم الخاصّة.

من المعروف أنّ غريزة التملّك كانت كبيرة الأثر في جمع الثروة المادّيّة التي اقتضاها سير الحضارة و انتقالها من أدوارها الأولى. و لا تزال ثمّة شعوب و جماعاتٍ لا تسدّ رمقها و لا تصيب مساك عيشها , إلاّ من الصيد و جمع الثمار البرّيّة , كقبائل (البونان) في (بورنيو) و هم سكّان الغابات , و من الملاحظ أنّهم امتازوابالرقّة و لطف المعشر , فلا تجد حروباً نشبت مع غيرهم و لا نزاعاتٍ بينهم . ذلك أنّ غريزة التملّك لم تلعب دوراً كبيراً في مسالك حياتهم . فعندما بدأ الإنسان بانتقالٍ مرحليّ في ممارسة الزراعة , أخذت هذه الغريزة تُحدِث أكبر الأثر في الجماعة , و ذلك لكون الحبوب و الغلال تصلح للإختزان كضربٍ من الثورة , و أكثر الحضارات التي نمت و تطوّرت كثيراً ما قامت على أساس جمع الحبوب و اختزان الغلال . فكانت الحبوب من أهمّ رؤوس الأموال و أكبر السلع التجاريّة شأناً , و لا يخفى ما كان لتجارة من أثرٍ بالغٍ في التطوّر الإجتماعيّ . و كان من أثر تلك الغريزة قيام الجماعات البشريّة بتحرّكاتٍ رسمت مناحٍ عدّة في وجه المعمورة , و لعلّ أكثر صفحات التاريخ البشريّ مستغرقة في وصف قصّة انتشار الإنسان و هجرته و غزوه و فتوحاته و استعماره .الإنتشار , وعلى خلاف الهجرة, هو انتقال الجماعات إلى أصقاعٍ غير مأهولة للإستيطان فيها . أمّا الغزو فكان دخول أقوامٍ عنوةً أرض أقوامٍ أخرى أوفر منهم ثروةً و أكثر ثقافةً ز و كان الفتح إغارة قُبيلٍ من النّاس استقرّ!وا و أثّروا كالرومان على بلاد قومٍ آخرين دونهم في الثقافة و الرخاء كالغال لسيادتهم و حُكمهم و الظفر بسلطان المجد و ابتزاز مواردهم أيضاً . و يقتضي الغزو ذهاب شطرٍ من القوم الغازين أو انتقالهم جميعاً إلى الأرض الجديدة للإستقرار فيها , أمّا الفتح فإنّ الفاتحين لا يغيّرون مقامهم إلاّ على القدر الكافي للإشراف على البلد المفتوح و استغلال موارده.

إنّ كثرة التزاوج بين الغزاة و المغزوّين أحدثت آثارها البيولوجيّة و معقّباتها الإجتماعيّة , حتّى لم تترك جنساً من الأجناس على أصله , و لم تدع أرضاً يمكن أن يدّعي أهلها أنّهم مواطنوها الأوّلون , باستثناء بعض المناطق التي لم تكن عرضةً للمطامع , او التي يتعذّر الوصول إليها.

و جاء عهد الإستعمار بانتقال أقوامٍ من أوطانهم إلى أقاليمٍ أُخضِعت لها من الوجهة السياسيّة , وكانت بداية هذه الحركات في القرن السابع عشر , و ظلّت قائمة إلى القرن الماضي , و قد جعلت أهدافها أمريكا و أفريقيا و أستراليا , و ليس من شكّ في أنّ الدول الكبيرة إنّما تلتمس الظفر بمستعمراتٍ لأسبابٍ اقتصاديّةٍ أوّلاً , و للسيطرة و المجد ثانياً , فإنّ المستعمرات كانت كفيلة لها بالمواد الأوّليّة , و هي أيضاً أسواق نافقة لتصريف منتجاتها , و منفذٌ لتخفيف عن زحمة السكّان في بلادها . يقودنا بحثنا في العقل غير الواعي للعصور الماضية إلى تفاصيل وافية و نتائج ثابتة , حتّى نحصل على أدلّة بالمعنى المألوف في الوثائق التاريخيّة , و الواقع أنّ طريقة البحث هذه تمثّل وجهة جديدة تماماً , و انقلاباً في التفكير المعهود . إنّنا بذلك نضع الماضي على سرير التحليل النفسيّ .
و معرفة الحاضر تزيد من فهمنا للماضي , و التعرّف على المفهومات التي استحدثها علماء الإجتماعيّات لتحليل العمليّات الإجتماعيّة المعاصرة , بسهّل التحرّي عن العمليّات المشابهة التي تواجهنا في المدوّنات التاريخيّة . و يحدث العكس أيضاً لأنّ معرفة تاريخ الماضي تنير فهمنا للحاضر , و تقوم في الوقت ذاته بشحذ أدوات التحليل و توسيع نطاق الشواهد التي تستخدمها العلوم الإجتماعيّة غير التاريخيّة .

إنّ المؤرّخين , على غرار النّاس العاديّين , يقعون أحياناً في استخدام لغة البلاغة , و يتحدّثون عن حدثٍ ما بوصفه (حتميّاً) , في حين أن كلّ ما يقصدونه هو أنّ تضافر العنصر الذي يدفع المرء إلى توقّع ذلك الحدث كان قويّاً للغاية .

يرى ابن خلدون أنّ الحضارات تتعاقب عليها أطوار ثلاثة : هي طور البداوة , و طور التحضّر , و طور التدهور . ففي طور البداوة تجمع النّاس رابطة العصبيّة على ما هو ضروريّ , ثمّ تطلب الغلبة على القبائل الأخرى حتّى تستتبعها و تلتحم بها . و لا تظفر الجماعة باللإنتصار و السيادة إلاّ إذا اعتمدت على مبدأ دينيّ أو سياسيّ , حيث تتشكّل الدولة , بعد أنّ تمّ لها فتح الأمصار و أصبحت تنعم ببحبوحةٍ و عيشٍ كريم . على أنّ تقدّم الحضارات يتوقّف على ثلاثة أشياء , هي مزايا الأرض و مزايا الحكومة , و مزايا السكّان . بعد ذلك يأتي طور التدهور حيث يرى ابن خلدون أنّ عوامل تحضُّر الدولة هي ذاتها عوامل تدهورها . و أوّل هذه العوامل هي العصبيّة , و محاولة الملك التفرُّد بالحكم و التخلّي عن أبناء قبيلته , و بالتالي الإستعانة بالموالي . و العامل الحاسم في تدهور الدولة هو الترف الذي يفسّره ابن خلدون بأسبابٍ اقتصاديّة و أخلاقيّة و نفسيّة .

إنّ التقدّم في التاريخ – و على عكس التطوّر في الطبيعة – يستند إلى تناول الموارد المكتسَبة . و تشمل هذه الموارد الممتلكات المادّيّة و كذلك القدرة على التحكّم بالبيئة و تحويلها و استخدامها . و بالفعل فإنّ هذين العنصرين مترابطان بشدّة و يؤثّر الواحد منهما في الآخر . إنّ كارل ماركس ينظر إلى العمل الإنسانيّ بوصفه أساس الصرح الإجتماعيّ بأسره , و تبدو هذه الصيغة مقبولة إذا ما أُعطيت كلمة (العِلم) معنىً واسعاً بما فيه الكفاية .إذ أنّ مجرّد مراكمة الموارد لن تجدي إلاّ إذا ترافقت ليس مع تزايد المعرفة و الخبرة الفنّيّة و الإجتماعيّة فحسب , بل و مع تزايد الحكّم ببيئة الإنسان بالمعنى الأوسع .

ولا يجوز أن يبدأ التاريخ من مرحلة معينة دون أخرى أو أبراز فكرة محددة على حساب أخرى . إنّ الأفكار و الوقائع تجري في نسق معيّن , فكلّ واقعة مرتبطة بأخرى , و أخريات .و تتضمّن الوقائع علاقات , و الملاحظة توجّه إلى كلّ من الوقائع , و علاقتها بالوقائع الأخرى في آنٍ واحد.و على هذا فلا ينبغي أن يتعدّى كون المؤرّخ أكثر من جامع للأخبار , و إنّما يكون كمحقّق و باحث و مجرّب أيضاُ .

إن التوق إلى تعليل التاريخ عميق الجذور إلى حدّ أنّنا مُعرَّضون , إذا لم نمتلك وجهة نظر بناءه في الماضي , للإنزلاق إلى أحد أمرين : الغيبيّة أو الشكّيّة .

أحسن خمس شغلات بهلدنيا, هي تلات شغلات, الحب و الحرب!... و بعضهم يفضّلون مجبرين, الأكل و النوم.. بقى إنتيه و حظّ الدي إن إيه اللي اسلقّيتو عن اللي خلّفك
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.05220 seconds with 11 queries