عرض مشاركة واحدة
قديم 17/10/2006   #2
post[field7] dot
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ dot
dot is offline
 
نورنا ب:
May 2006
مشاركات:
3,276

افتراضي


الفترة الرابعة – وهي المرحلة المدرسية – هي تلك التي كُتِبَتْ فيها الشروح على السوترا من أجل توضيحها. ولم تُكتَب الشروح على السوترا وحدها، بل وُضِعَتْ تفسيراتٌ لهذه الشروح، وتعليقات على تلك، إلخ. ومن الصعوبة بمكان أن نحدد تواريخ دقيقة لتلك الفترة الممتدة من زمن السوترا حتى القرن السابع عشر. وتُعَد أدبياتها توضيحيةً بالدرجة الأولى، وجدليةً أو تنظيريةً بالدرجة الثانية. وقد تناقشت جماعات من المعلِّمين طويلاً واختلفت في صدد تفاصيل العقائد الفلسفية مع ممثلي المدارس الأخرى. وأحيانًا، نجد أن الشراح مائلين إلى الغموض أكثر من التوضيح؛ لذا نجد المنطق الغامض يحل محل التوضيح والفلسفة. وتُعتبَر النماذج الرفيعة من الشروح قيِّمة، ولا تقل منزلةً عن واضعي المناهج أنفسهم. ويؤخذ شنكرا، مثلاً، – وهو كاتب إحدى الشروح الشهيرة على السوترا، على مذهب الفيدنتا – على أنه فيلسوف أفضل من بادَرايَنا، الرائي، الذي كتب الفيدنتا سوترا الأصلية (برهما سوترا) ذاتها. وقد شاعت في تلك الفترة مناقشات غير فلسفية وغير جديرة بالتقدير نسبيًّا. ومن ناحية أخرى، وُجِدَ إبانها أعظم فلاسفة الهنود، الذين نذكر منهم، بالإضافة إلى شنكرا، كومارِلا، شريدهَرا، رامانوجا، مَدهفا، فاتشَسپَتي، أودَيَنا، بهاسكَرا، راگهوناتها، وسواهم. وبالفعل، كان هؤلاء مبدعي مناهجهم الخاصة، ولم يكونوا مجرد معلِّقين على المناهج القديمة: ففي لباس المعلِّقين، عرضوا أفكارًا جديدة تمت بصلة إلى الأفكار القديمة. ويدل هذا الأمر على احترام الفلاسفة الهنود لفلسفاتهم القديمة وتعلُّقهم بها واعترافهم بالأصالة الفلسفية، كما يدل على الإبداع الفكري المتصل بعقلهم وبصيرتهم.

وفي الوقت الذي كانت فيه الفترة المدرسية تزدهر وكانت تفاسير الأفكار القديمة تدوَّن، فقدت الفلسفةُ الهندية روحها الدينامية حين وقعت الهند فريسة العدوان الأجنبي في القرن السادس عشر. ولوقت طويل، ظل الهنود الذين يحصِّلون ثقافةً إنكليزية يخجلون من موروثهم الفلسفي، ويفتخرون بأن يكونوا في تفكيرهم كالأوروبيين وبأن يقتفوا خطى الإنكليز في حياتهم وفكرهم. وقد أدى إحياء الإنكليز للثقافة إلى إحياء مماثل، غير مقصود، للفكر الهندي. وقامت في هذه الفترة حركاتُ إصلاح وطنية (مثل "برهمو سَماج" و"آريا سَماج") لعبت دورًا هامًّا في بعث نهضة فلسفية ودينية في الهند. وفي العصر الحديث – ونعني بعد قيام الحركة الوطنية وحصول الهند على استقلالها – اعتُبِرَتْ عمليةُ إحياء الفلسفة الهندية أعظم عمل نهضتْ له الهند.

وفي القرن العشرين، تأثر الفكر الهندي بالفكر الأوروبي، كما تأثر هذا الأخير بالفكر الهندي من خلال كتَّابه وشعرائه وفلاسفته وحكمائه. والحق أن إحياء الوعي الهندي والتعلق بعظمة فلسفته أدى، منذ عهد قريب، إلى تطوير "لهجة وطنية" في الفلسفة والسياسة. أما نزوع المتطرفين إلى الحطِّ من النتائج التي نجمت عن احتكاك الفكر الأوروبي بالفكر الهندي فقد اعتُبِرَ علامةً سيئة. واليوم، يفكر الهنود على غرار آبائهم: فهم يعتمدون على الأسُس القديمة ويقيمون انسجامًا بينها وبين الأسُس الحديثة. ولا شك أن تطور الفلسفة الهندية في المستقبل سيقترب من الفلسفة الأوروبية، وذلك في سبيل إحداث تأليف بين الفلسفتين.

روح الفلسفة الهندية وخصائصها

الفلسفة الهندية معقدة للغاية. وخلال العصور، تعمق العقل الفلسفي الهندي في دراسة الأوجُه المتعددة للخبرة الإنسانية وللعالم الخارجي. وعلى الرغم من أن بعض الطرق، مثل الطريقة التجريبية للعالم الحديث، كانت أقل تقدمًا من غيرها، لكن النتائج التي بلغتْها الفلسفةُ الهندية في معرفة الحقيقة كانت عميقة ومتنوعة، تمامًا كالموروثات الفلسفية الأخرى. والحق أن المناهج الهندية الستة الأساسية، ومناهجها الثانوية العديدة، ومدارس البوذية الأربع الرئيسة، والمدرستين التابعتين للجينية، ومادية تشارفاكا، تُعَد براهين على أن تنوع الآراء في الفلسفة الهندية أمر لا ريب فيه. وهكذا يصعب علينا أن نصف الفلسفة الهندية ككل بصفات أو طرق معينة، كما يصعب تطبيقها على جميع المناهج العديدة والثانوية للفكر الفلسفي الهندي التي تطورت خلال أربعة آلاف سنة تقريبًا. غير أن ثمة ما نستطيع أن نميِّز به هذه الفلسفة عن غيرها. ويمكن لنا أن نوضح هذه الميزات باتجاهات العقل الفلسفي الهندي أو بـ"وجهات النظر" التي شرحها الهنود في فلسفاتهم.

1. تتركز قيمة الفلسفة الهندية في الفكر الروحي

يُعتَبر الدافع الروحي هامًّا في حقلَي الحياة والفلسفة. إذ تنظر الفلسفة الهندية إلى الإنسان على أنه كائن روحي في طبيعته، وتهتم لمصيره الروحي، كما توحِّده مع وجود روحي في جوهره. لكن هذه النظرة لا تنطبق على مدرسة تشارفاكا المادية: باستثناء هذه المدرسة المادية، لا يُعتبَر الإنسان أو الكون ماديين من حيث الجوهر؛ كما أن نجاح الإنسان وازدهاره لا يشكلان هدفًا للحياة الإنسانية. وترتبط الفلسفة بالدين ارتباطًا وثيقًا، وذلك باعتبار الدين تأملاً فلسفيًّا، لأن الدافع الرئيس في الفلسفة والدين كليهما يكمن في السلوك سلوكًا روحيًّا في الحياة الأرضية وفي بلوغ خلاص الإنسان في علاقته بالكون. وهكذا تكون الفلسفة الهندية كلها، من بدايتها في الفيدا إلى الوقت الحاضر، قد جاهدت لتحقيق إصلاح اجتماعي–روحي في البلاد. وفي هذا السبيل، اتخذ الأدب الفلسفي أشكالاً عديدة، ميثولوجية وشعبية أو فنية وعلمية، وذلك لكي يرتقي بها إلى مستوى الحياة الروحية. حقًّا إن المسائل الدينية كانت، ومازالت، سبب عمق وقوة وغاية العقل والروح في الفلسفة الهندية.

2. تتيقن الفلسفة الهندية من علاقة الفلسفة بالحياة

يتحقق هذا التطبيق العملي للفلسفة في الحياة في كلِّ مدرسة فلسفية هندية تقريبًا. وعلى الرغم من أن الغزارة الطبيعية والازدهار المادي قد عبَّدا الطريق لإشراق فكر فلسفي، لكن الفلسفة لم تُعتبَر، مع ذلك، رياضةً ذهنيةً قط. لذا برزت العلاقة الوثيقة بين النظرية والواقع، بين العقيدة والحياة، في الفكر الهندي. وتبحث كل مدرسة فكرية هندية عن الحقيقة لا لذاتها، بل لتجعل الناس أحرارًا. ولا يعني هذا البحث شيئًا من الذرائعية لأنه أعمق وأعظم منها بكثير. فالحقيقة لا تقاس بالواقع والعمل فقط، بل تُعَد المرشد الوحيد للعمل والقائد الوحيد للإنسان الذي يفتش عن الخلاص. وينطلق كل منهج فلسفي هندي من مشكلات الحياة المأسوية والعملية، ويبحث عن الحقيقة لكي يحل مسألة شقاء الإنسان في العالم الذي يجد نفسه فيه. وهكذا لم تكن التعاليم الهندية مجرد كلمات أو معتقدات مدرسية. فكل معتقد في هذه الفلسفة يعمل على تفتيح قلب الإنسان وتحويل طبيعته. في الهند تعاش الفلسفة لأنها فلسفة حياة – وهذا لأنه لا يكفي أن نعرف الحقيقة، بل لا مناص لنا من أن نحياها. لذا لا يهدف الهندي إلى معرفة الحقيقة المطلقة وحسب، بل يسعى إلى تحقيقها ليتحد معها.

إن ما يؤكد العلاقة الوثيقة القائمة بين النظر والعمل، بين الفلسفة والحياة، في الفلسفة الهندية، هو التشديد على الطهارة الأخلاقية كضرورة حتمية لطالب الفلسفة أو الباحث عن الحقيقة. وفي هذا الصدد، يدعو شنكرا إلى التمييز بين الأبدي وغير الأبدي؛ وهذا يعني أنه يعلِّم الطالب أن يتحلَّى بمزية التساؤل ويحثه على الكف عن الرغبة في ثمار العمل، في هذه الحياة أو في الحياة المقبلة، كما يطالبه بأن يتنكر لكلِّ الرغبات البسيطة والدوافع الذاتية. ويدعو شنكرا إلى ضبط النفس، ونكران الذات، والصبر، وسكينة الذهن، والإيمان؛ كما يشدد على التحرر لتسهيل بلوغ الغاية العليا للحياة.

3. تتصف الفلسفة الهندية بموقفها وتقرُّبها الباطنيين من الحقيقة

تتصل الفلسفة اتصالاً وثيقًا بمعرفة الذات. وتنطلق هذه الفلسفة من العالم الخارجي أو من العالم الداخلي، من طبيعة الإنسان الفطرية، أي من ذات الإنسان (أتما). وفي سيرها لبلوغ الحقيقة، اهتمت الفلسفة الهندية بحياة الإنسان الداخلية أكثر مما اهتمت بالعالم الخارجي وبالطبيعة المادية. والعلم المادي، على الرغم من تطوره في العصر الذهبي للحضارة الهندية، لم يُعتبَر الطريق الذي يؤدي إلى الحقيقة التي لا توجد إلا في الداخل. فالعقل، وليس الموضوع، يحظى باهتمام الفلسفة الهندية. وهكذا يُعتبَر علم النفس وعلم الأخلاق فرعين للفلسفة؛ وهما بهذه المثابة أهم من العلوم التي تدرس الطبيعة المادية فقط. ولا يعني قولنا هذا إن العقل الهندي تغاضى عن دراسة طبيعة العالم المادي؛ بل على العكس، تفوقت الهند في بحوثها العلمية عمومًا، وفي العلوم الرياضية، كالجبر والفلك والهندسة بخاصة، واشتهرت بتطبيق هذه العلوم الأساسية في مجالات عديدة من النشاط الإنساني، وفي الوقت ذاته، أحرز الفكر الهندي تقدمًا في ميادين علم الحيوان والنبات والطب. لكن الهنود شعروا، منذ وقت طويل جدًّا، بأن روح الإنسان الباطنة هي المفتاح أو السر الوحيد لحقيقته وحقيقة الكون، وهي ذات دلالة أسمى من العالم المادي أو الخارجي.

13-05-2007

مدونتــي :

- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا -
 


  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.05398 seconds with 11 queries