عرض مشاركة واحدة
قديم 17/10/2006   #3
post[field7] dot
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ dot
dot is offline
 
نورنا ب:
May 2006
مشاركات:
3,276

افتراضي



4. الاهتمام بالباطن سبيل إلى المثالية

يتميز معظم فلاسفة الهند بأنهم "مثاليون"، بوجه أو بآخر. وتظهر مثالية الفلسفة الهندية، الهندوسية خاصة، بميلها إلى مثالية التوحيد. وتعتقد هذه الفلسفة، في غالبيتها، أن الحقيقة واحدة في مطلقها وروحية في مطلقها. ويبدو أن بعض المناهج قد اعتنق الثنوية أو التعددية، لكنه صَبَغَها بطابع الواحدية الوجودية. وإذا ما ركَّزنا تفكيرنا على ما تحتويه الفلسفة الهندية ككل، دون الانتباه إلى فروعها المختلفة، نجد أنها تشرح الحياة والحقيقة في ضوء مثالية الواحدية الوجودية. ويعود هذا إلى مرونة العقل الهندي وإلى مرونة المثالية الواحدية وديناميتها التي تتخذ أشكالاً عديدة وتعبِّر عن نفسها كوحدة – حتى في العقائد المتنازِعة. وفي الواقع، لا تُعتبَر هذه الوقائع متناقضةً بقدر ما تُعتبَر أوجهًا مختلفة للتعبير عن وحدة أساسية تكتنف الفلسفة الهندية جمعاء.

لعبت الفلسفة المادية دورها إبان مرحلة معينة في الهند. وعلى الرغم من محاولة المدارس الروحية إسكاتها، لكنها وجدت قبولاً لها عند بعض الناس. وعلى كلِّ حال، لم تستطع هذه المادية أن تستمر، وذلك لقلة أتباعها ولضآلة تأثيرها الإيجابي. لقد عرفت الفلسفة الهندية النزعة المادية، لكنها تغلَّبتْ عليها، وتقبَّلتْ المثالية، وجعلت منها النظرة الوحيدة القائمة، حتى ولو اتخذت لذاتها مضمونًا معينًا.

5. تعتمد الفلسفة الهندية على الكشف وسيلةً إلى معرفة المطلق وعلى الفكر وسيلةً إلى معرفة النسبي

الفكر والمعرفة الفكرية لا يكفيان. فعلى الرغم من أن الفكر لا يخطئ كليًّا، لكنه لا يكفي. فلكي يعرف الإنسانُ الحقيقةَ عليه أن يحظى باختبارها فعليًّا. ففي الفلسفة الهندية لا يعرف الإنسان الحقيقة وحسب، بل يحققها. أما الكلمة التي تعني "فلسفة" في الهند فهي درشنا التي تُشتَق من الجذر درش الذي يعني "الرؤيا". و"الرؤيا" هذه تعني أن نتجهز بخبرة كشفية مباشرة في الموضوع لنتحد معه. وتتعذر علينا المعرفة مادام الفكر والموضوع مختلفين أو متباعدين. وقد اعتمدت المذاهب اللاحقة للفلسفة الهندية، حتى منذ بداية المناهج، على الفكر من أجل صياغة ممنهَجة للمذاهب والمناهج، ومن أجل إيجاد تبريرات منطقية، كما اعتمدت عليه في حسم المناظرات التي كانت تقوم بين منهج وآخر. ومع ذلك، تعتمد المناهج كلها، ماعدا منهج تشارفاكا المادي، على وجود طريق أعلى لمعرفة الحقيقة، طريق أسمى من الفكر، هو الإدراك المباشر أو اختبار الحقيقة المطلقة التي لا يمكن الوصول إليها بالفكر بأيِّ شكل من الأشكال. يستطيع الفكر أن "يشير" إلى الحقيقة، لكنه لا يستطيع أن يكتشفها أو يبلغها. فإذا كان الفكر وسيلة الفلسفة بمعناها الفكري، كان الكشف الوسيلة الوحيدة لإدراك المطلق. وهكذا تعتمد الفلسفة الهندية اعتمادًا كليًّا على الكشف، وتعترف بفاعلية الفكر والذكاء عندما يطبَّقان في نطاق طاقتهما المحدودة أو فيما يناسبهما من استعمالات.

6. تعترف الفلسفة الهندية بالمرجعيات القديمة

على الرغم من اختلاف مناهج هذه الفلسفة في نطاق عودتها إلى شروتي القديمة وعلاقتها بها، فإنها تقف – الأرثوذكسي منها وغير الأرثوذكسي، باستثناء تشارفاكا – موقفًا نبيلاً وتتقبل البصيرة الكشفية التي تكلم عليها أصحاب الرؤى الأقدمون في الأوپنشاد، أكان مختبروها بوذيين أم مهافيريين (نسبة إلى مهافيرا، مؤسِّس الجينية) أم غيرهم. لقد أدرك الفلاسفة الهنود قيمة الموروث، كما أفصح عنه الأقدمون؛ ولم يخرج الفلاسفة الذين يعودون إلى الفترات المتأخرة عن كونهم شارحين للحكمة القديمة أو معلِّقين عليها. وعلى الرغم من التبدل الذي طرأ على المذاهب القديمة، لكن روحها وأفكارها الأساسية حافظت على قيمتها على مدى العصور.

والحق أن احترام المرجعيات لا يقف حائلاً دون التقدم، لأن استمرار الفكر، وإنْ لم يكن على صعيد واحد، لا يقضي على وحدة المعتقدات ولا يناقض صفاتِها الأساسية التي تقوم على الروحانية والباطنية والكشف والاعتقاد الوطيد بأن الحقيقة يجب أن تعاش، لا أن تُعرَف وحسب.

إن احترام الهنود الشديد لرائيهم الأقدمين – وإنْ يكن مبالَغًا فيه – ينبع من اعتقادهم بأن الذين يعرفون الحقيقة فعلاً هم هؤلاء الذين يحققون الحقيقة. لذلك فهم يوجهون أنظارهم نحوهم ليدركوا الحقيقة التي أدركها سالفوهم. لقد أبدعت الهند مذاهب كثيرة ومناهج فلسفية عديدة؛ وقد تم هذا الإبداع على الرغم من احترام الهنود لحكمائهم الأقدمين واعتبارهم مكتشفي الحكمة. ويظهر احترام الهنود لمكتشفي الحقيقة الأقدمين وإبداعهم المستمر في إعلانهم أن الفلسفة الهندية ليست معتقدًا دينيًّا مذهبيًّا، بل هي فكرة واحدة تدور حول موضوعات عديدة. ويبدو تحرُّر هذه المناهج من النزعة التقليدية القديمة في أن مذهب سامكهيا الأصلي، مثلاً، لا يذكر شيئًا عن إمكان وجود الله، على الرغم من وضوح الفكرة في مذهبه. ويعترف اليوگا والفيشِشكا بوجود الله، لكنهما لا يعترفان بأنه خالق العالم المادي؛ أما ميمامسا فإنه يتحدث عن الله، لكنه ينفي أهميته ويُدخِل فاعليته في باب النظام الأخلاقي للعالم. ولكي نفهم هذه الأمور فهمًا أوضح، علينا أن نعود إلى المناهج البوذية الأولى التي ترفض الإله الشخصي وإلى تشارفاكا التي تنكر وجود الإله اللاشخصي. وهذا ما يدلنا على اعتماد الفكر الفلسفي الهندي على مقوماته الأولى والقديمة على الرغم من اختلافه معها.

7. ضرورة النقل لروح الفلسفة الهندية ونهجها

تعود هذه الفكرة إلى رِگ فيدا، حيث أدرك الراؤون أن "الدين الحق" يشتمل على جميع الأديان: الله واحد، لكن الناس يدعونه بأسماء مختلفة. وتعترف الفلسفة الهندية، بطريقتها التأليفية، بالمظاهر المتعددة للتجربة والحقيقة. فالدين والفلسفة، المعرفة والسلوك، الكشف والفكر، الإنسان والطبيعة، الله والإنسان، الظاهر والباطن، مظاهر تنسجم كلها في الميل "التأليفي" للعقل الهندي. ويميل الهندوسي إلى الاعتقاد بأن المناهج الستة، بالإضافة إلى اختلافاتها وفروعها الثانوية، ينسجم بعضها مع بعض وتتكامل في الرؤيا الكلِّية الواحدة.

ولدى مقارنتها بالفلسفة الغربية، بموقفها التحليلي حيال المعرفة والتجربة، تكون الفلسفة الهندية "تأليفية". فالنصوص الأساسية لهذه الفلسفة لا تهتم لمظهر واحد للتجربة والحقيقة، بل تهتم لمحتوى النطاق الفلسفي كلِّه. فالميتافيزياء، والإپستمولوجيا، والأخلاق، والدين، وعلم النفس، إلخ، مسالك لا ينفصل أحدها عن المسالك الأخرى؛ بل إن الفكر يتعامل معها في وحدتها الطبيعية كمظاهر لحياة وتجربة واحدة أو لحقيقة واحدة شاملة.

هذه الرؤيا التأليفية للفلسفة الهندية هي التي حققت هذا التسامح الديني والفكري الذي نراه في الفكر الهندي خلال العصور. والمنازعات الحديثة بين الجاليات الدينية القائمة لأسباب سياسية ليست من فعل العقل الهندي، بل هي خصم لدود لعبقريته الفريدة الساعية إلى التكيف والتسامح الذي يجمع الفرق والملل ضمن حقيقة واحدة وحياة واحدة.

*

بالإضافة إلى هذه الصفات النظرية والعقلية الملازمة للفلسفة الهندية، نجد وحدةً فكريةً متماسكةً أساسيةً في الحقل العملي. ولهذه الوحدة أوجُه عديدة. ففي الدرجة الأولى، تنبع مواضيع فلسفات الهند – هندوسية وبوذية وجينية وتشارفاكا – من القضايا العملية لحياة الإنسان ومن قصوره وآلامه التي تتألق في ذروته – باستثناء عقيدة تشارفاكا – في الانعتاق الكامل. وفي كلِّ حالة، بما فيها التشارفاكا، يتسم الموضوع بالواقعية أكثر من النظرية، وذلك لأن تشارفاكا لا يهتم بالنظري لذاته، بل لعيش حياة اللذة، من حيث إن هذه تُبرِز نمطًا آخر من أنماط الحياة. لذا فإن غاية الحياة في الهندوسية والبوذية والجينية واحدة في الجوهر: مفهوم "الانعتاق" (مُكشا) هو الموضوع الرئيسي في الهندوسية والجينية، تمامًا كما يتحقق في النيرفانا، غاية البوذية. أما المعنى الدقيق للانعتاق فإنه يختلف بين المدارس الهندوسية والبوذية ذاتها؛ لكن المعاني الأساسية لـمُكشا (الانعتاق) والنيرفانا ("الفناء") هي الغبطة التي تعني التحرر من الشقاء والألم والانعتاق من دورة التجسد من جديد (سمسارا). وأحيانًا، يبدو الهدف سلبيًّا، إذ يشير فقط إلى التحرر من الألم ومن التقمص؛ ومع ذلك، فهو يعني العمل الإيجابي من أجل تحقيق حياة أغنى وأكمل والوصول إلى الغبطة الأبدية. فالروح تعمل من جديد على تحقيق صفائها الأصلي لتتحد مع المطلق وتقيم علاقتها مع الله بمجرد الوجود الأزلي للروح النقية في فرديتها، وفي كلِّ الأحوال، تتحرر من قصورها وتورُّطها في الحياة.

13-05-2007

مدونتــي :

- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا -
 


  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.08649 seconds with 11 queries