عرض مشاركة واحدة
قديم 19/08/2008   #49
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


»جنيف« ... حاجة فرنسية



تسبّب »مبادرة جنيف« مشكلة فلسطينية. وتشكّل إحراجاً لإسرائيل الليكودية. وتطرح تحدياً على واشنطن يُرغم كولن باول على تذكير من يهمه الأمر »أنا وزير خارجية الولايات المتحدة« حتى لا يتصرف معه أرييل شارون وكأنه وزير خارجيته.
إلا أن »مبادرة جنيف«، التي لن تقدم حلاً فورياً للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي، تجعل الأوروبيين سعداء. أكثر من ذلك أنها تبدو مثل حاجة فرنسية داخلية ملحّة.
منذ اندلاع الانتفاضة الثانية وثمة شيء يحصل في فرنسا. فشبان الهجرة، وهم بالملايين، يتماهون مع شبان الأرض المحتلة. يعبّرون عن غضبهم، واحتقاناتهم، ورفضهم للتمييز ضدهم، وضيقهم بالغيتوات التي يعيشون فيها، بالاتجاه نحو انطواء إتني قد ينفجر غضباً ضد أجهزة السلطة، أو ضد المحلات التجارية، أو ضد مواطنين يهود.
يحصل ذلك في ظل انطواء مماثل يصعد بين الأخيرين ويجعلهم يغلّبون يهودية معينة على الانتماء إلى الجمهورية، خاصة عندما تبدو لهم متجاهلة لمخاوفهم أو مقصّرة في حمايتهم. ولا يتردد قطاع من هؤلاء في التماهي مع سياسات أرييل شارون، ورفض أي انتقاد لها، وتقديمها بصفتها الخيار الوحيد المتاح لرد التهديد الوجودي الذي تتعرض له »الدولة اليهودية الوحيدة في العالم«.
وينمو، في هذا السياق، صراع جديد على موقع الضحية. فالشبان العرب والمسلمون يعتبرون أنفسهم موضع اضطهاد وعنصرية يرون لهما صورة يومية مضخمة في ما يحصل في فلسطين. ويرد الشبان اليهود، أو شبان يهود، بأنهم يُحشرون في موقع الأقلية المطاردة تماماً كما هي حال إسرائيل في »البحر العربي« المحيط بها.
وفي حين يقول الأوائل إن »الإسلاموفوبيا« هي السمة الأولى للوضع الفرنسي الراهن، يقول الأخيرون إن انبعاث اللاسامية هو الخطر الأول لاتصاله بشياطين الماضي الفرنسي ولارتفاع درجة الخطر في هذه »الشياطين« عن تلك الموجودة في الماضي الكولونيالي.
تدخلت عناصر كثيرة في تسعير هذا التوتر.
لقد اندفع مسؤولون إسرائيليون إلى تصنيف فرنسا بأنها البلد الأكثر عداءً لليهود في أوروبا. وتأسّس على ذلك مطالبة هؤلاء

بالهجرة وعرض المساعدات عليهم في حال قرّروا الانتقال إلى أرض ميعادهم. ووصلت المبالغات، هنا، إلى حد استوجب ردوداً من يهود فرنسيين يرفضون هذا الخيار ويصلون إلى حد تحميل سياسة شارون بعض المسؤولية عمّا يحصل ل»الدياسبورا«.
ولوحظ أن مثقفين فرنسيين، من الحريصين جداً على متانة العلاقات الأوروبية الأميركية، ومن المحتجين على موقف جاك شيراك في حرب العراق، وعلى ما يعتبرونه انحيازاً إلى الجانب الفلسطيني، لوحظ أن هؤلاء طبّقوا على النزاع الفلسطيني الإسرائيلي النظريات السائدة حالياً عن خطر الإرهاب وضرورة محاربته، وصمتوا عن قول كلام نقدي في حق الحكومة اليمينية في إسرائيل. ولم يجد هؤلاء تبريراً لعزلتهم في بيئتهم إلا تحميل الإعلام مسؤولية الترويج لصورة مزورة عن النزاع.
ثمة مثقفون يهود بين هؤلاء طبعاً. ولكنهم، في هذا المجال، صدروا عن موقف لا علاقة له بهذا الانتماء وإنما بتصوّر أعم لما يجب أن يكون عليه الموقف الغربي من التهديد الأصولي الإسلامي خالطين بين برجي نيويورك ومخيم جنين.
تداخل هذا الجو المؤدي إلى تقوقع مع قضايا أخرى من نوع مشكلة الحجاب من أجل أن تجد فرنسا نفسها مهددة بمخاطر تراجع المثال الجمهوري، والعودة القوية للطوائف والجماعات ما دون الوطنية، وهو أمر يجب وضعه في إطار التهديدات الأصلية لفكرة الدولة الأمة المتمثلة في العولمة، وتحويل بعض السيادة إلى أوروبا، وتعزيز اللامركزية على حساب العاصمة.
لا يمكن الإطلالة على الموقف الفرنسي من مبادرة جنيف إلا على قاعدة هذه الخلفية، وهي خلفية تجعل دعم المبادرة حاجة وطنية داخلية.
ليس الحديث هنا عن موقف الدولة الفرنسية فحسب. فهذه لم تُحدث مفاجأة بما فعلت. فالمعروف أنها مع حل متوافق عليه، ومع تصوّر لمضمون الحل قريب لما ورد في الوثيقة، ومع اتخاذ مسافة عن شارون تخدم، في ما تخدم، رد التحية له على مواقف كثيرة بينها الاحتقار الذي يعامل به مندوبي أوروبا، والفيتو الذي يضعه على أي لقاء بياسر عرفات.
إن الحديث هنا هو عن النخبة الفرنسية والرأي العام الفرنسي.
لقد أدى »استيراد النزاع الشرق الأوسطي« إلى فرنسا، وتداخله مع قضايا العولمة والعولمة البديلة، والانغلاقات المذهبية والطوائفية، وإعادة تموضع القوى السياسية الفرنسية حياله، ووفرة الإنتاج الفكري، ومحاولات توسيع مجال تهمة »اللاسامية« لتطال كل انتقاد لإسرائيل، واندماج النقاشات حول فلسطين بتلك الخاصة بحرب العراق بتلك الخاصة بمصير العلاقات الأوروبية الأوروبية ومع الولايات المتحدة، وانفجار قضية الحجاب... إلخ. أدى ذلك كله إلى نوع من »الحرب الداخلية الباردة والمنخفضة التوتر«.
وبدا، لفترة، أن النصاب السياسي والثقافي المؤمّن لانتقاد شارون لا يكفيه موازنة ذلك بالهجوم اللاذع والمحق على العمليات ضد مدنيين إسرائيليين. كان لا بد من أن يتوازن نقد شارون بتأييد لتيار إسرائيلي آخر حتى لا تبدو مواقف فرنسية صباً للزيت فوق نار »الحرب« الفلسطينية الإسرائيلية. وجاءت مبادرة جنيف، بالمشاركة الإسرائيلية فيها، هدية من السماء.
لقد سمحت بإطلاق مبادرات أهلية كثيرة داعية إلى دعمها ورعايتها وتبنيها وجعلها جزءاً من السياسة الخارجية الفرنسية في حين أنها، في الواقع، ضرورة داخلية (لا بأس في ذلك، وربما كان أفضل). ومن يقرأ، اليوم، العرائض الفرنسية المؤيدة للمبادرة، فسيفاجأ بتواقيع لأشخاص أمضوا السنوات الأخيرة في سجالات حادة ضد بعضهم تبادلوا خلالها اتهامات في منتهى الخطورة. ومن الواضح، جداً، أن وظيفة المبادرة تبريد الأجواء المحتقنة في فرنسا، وتوليد توافقات تمتص التوترات، والسعي نحو هدنة عربية إسلامية يهودية تنعكس على المناخ العام.
لقد حاول بعض المنضمين بحماسة إلى تأييد المبادرة، تقديمها بصفتها وثيقة ضد شارون وعرفات على قدم المساواة. غير أن ذلك يبدو تبريراً من أجل تغطية انسحابهم من الزاوية التي حشرهم فيها صمتهم عن رئيس الوزراء الإسرائيلي وارتكاباته ولو أنهم، حتى إشعار آخر، سيرفضون الاعتراف بذلك.
لقد تسبّبت الانتفاضة الفلسطينية الأولى في تصديع مشروع عمل عربي يهودي مشترك في فرنسا تحت عنوان مكافحة العنصرية. وأوصلت الانتفاضة الثانية الصدع إلى حافة خطيرة لأنها طرحت سؤال المواطنية والقيم الكونية ضد الانغلاق الطوائفي.
ثم جاءت المبادرة لتوجد مخرجاً يسمح بالتأسيس لوئام ما، لوئام يعيش عبره الفرنسيون صيغة التعايش بين يوسي بيلين وياسر عبد ربه، وهي ليست بالضرورة الأفق الأكثر احتمالاً لما قد يعيشه الإسرائيليون والفلسطينيون.
أي إنجاز أكثر من وضع ألين فينكلكروت وبيار أندريه تاغييف إلى جانب طارق رمضان وباسكال بونيفاس!

2/12/2003

قم واضرب المستحيل بقبضتك اليسرى
انت تستطيع ذلك
http://themanofpapers.wordpress.com
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04728 seconds with 11 queries