عرض مشاركة واحدة
قديم 09/09/2008   #17
شب و شيخ الشباب achelious
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ achelious
achelious is offline
 
نورنا ب:
Oct 2006
المطرح:
الغدّ
مشاركات:
2,008

افتراضي


وكان عثمان يمضى يوم راحته الاسبوعية في بيت ســــعاد ويجىء مبكرا ويحاول ملاعبة الغلام ومداعبته .. ولكن عطفه لم يكن طبيعيا .. كان متكلفا .. كان مجاملة للأم .. ولكن سعاد لم تكن قد خبرت بعد طباع خطيبها أو وصلت إلى أعماقه .. واقترب يوم الزفاف .. تحدد يوم الخميس الأول من الشهر التالى وكان الخطيبان في فرحة وسعادة متصلة .. وكان عثمان بك يتعشى مع سعاد كل ليلة ويبقى في بيتها إلى منتصف الليل .. وذات ليلة تعشى حلمى ونام مبكرا .. وعندما جاء عثمان لم يره كما اعتاد ، وكانت سعاد في هذه الليلة سعيدة .. وازينت وبدت في ثوب من الساتان الوردى ، خلعت السواد وبدت كأجمل عروس رأتها العين .. وكانا يتحدثان في وفاق ومحبة .. وقررا الانتقال في أول الشهر إلى شقة جديدة على كورنيش النيل لتكون العش الهنى .. وبدا كل شىء ممتعا وسارا في تلك الساعة .. وعندما ضمها إلى صدره ليقبلهـا لم تمانع أو تعتذر بوجود حلمى .. ولفرط السعادة التى غمرته وهو يعانقها نسى أن حلمى موجود في البيت أصلا .. ثم خطر في ذهنه خاطر .. لماذا لايدخل حلمى أية مدرسة داخلية .. قرر أن يعرض عليها هذا الخاطر بعد الزواج ..

وجاء عثمان إلى بيت سعاد ذات صباح مبكرا يصحبها إلى السوق لشراء بعض الأشياء اللازمة لهما في البيت الجديد .. وكان حلمى قد ذهب إلى المدرسة .. وفيما هما جالسان في الصالة أحسا بهزة عنيفة فذعرا وارتجفا .. وعرفا أنه زلزال .. وبعد أن مرت الهزة العصبية .. جرت الأم إلى التليفون تتحدث مع المدرسة فوجدت الخط مشغولا .. فظلت تتحرك في البيت دون وعى وهى شاردة وقد ساورها القلق القاتل . وبعد قليل سمعت من الجيران أن الزلزال أحدث ذعرا في بعض المدارس ومات بسبب هذا أطفال .. فابيضت عيناها من الفزع وخرجت بملابس البيت تعدو إلى المدرسة .. وكان من يراها وهى تجرى في الشارع يتصور أنها جنت ، فقد كانت تجرى على شريط الترام ولا تحس بالسيارات المسرعة التى تكاد تدهسها .. ومـع أنها مـذ نزلت مـن البيت كانت تود أن تركـب " تاكسى " .. ولكنها لم تركب ووجدت طاقتها العصبية تدفعها إلى الحركة والعدو .. وهى لاتحس بشىء مما حولها ، وبعد عشر دقائق رجعت إلى نفسها وركبت " تاكسى " إلى المدرسة .. وبقى عثمان في البيت لم يخرج وراء سعاد .. وكان يود أن يسأل الناس ليتحقق من أن الزلزال وقع فعلا في المدرسة التى فيها حلمى بالذات .. وأن البناء انقض على الغلام وحده .. كان يود أن يتأكد من هذا وجعله هذا الخاطر سعيدا ومبتهجا وظهر البشر على وجهه ..

ودخلت عليه هدى لما علمت بذهاب سعاد إلى المدرسة .. وقالت له :
ـ كان لازم تروح معاها .. يا عثمان بك ..
ـ علشان إيه .. ؟
ـ وجودك يريح أعصابها ..
ـ دى طارت من غير ماتتكلم ..
ـ طبعا .. أم ..
ـ اضربى للمدرسة علشان نطمئن .. دى غابت .. باين مات ..
ـ حرام عليك .. تقول كده .. وتجيب سيرة الموت على لسانك دول أطفال ..
ـ بصراحة .. مش حا أستريح أنا وسعاد ما دام الواد دا عايش ..
ـ ليه .. تقول كده .. وكان وجهه يفيض بشرا للأمنية التى يتمناها في تلك اللحظة .. ويرجو أن تكون قد تحققت ..
ـ تفتكر ولا قدر الله إن جرى حاجة .. حتتجوزك سعاد ..
ـ طبعا .. وتكون كلها لى ..
ـ لأ .. انت غلطان .. ودا تفكير حيوان مش انسان .. سعاد حتتجوزك علشـان تربى الواد .. وتكون أب له .. قبل ما تكون جوز لها .. انت ما تعرفشى سعاد .. تتمنى الموت لابنها في الساعة المشئومة دى .. حـرام ..لازم تنزل حالا وراها .. وتخليها تحس بأنك راجل نبيل .. وانسان .. وكانت سعاد قد دخلت البيت وبيدها حلمى .. وسمعت الحديث كله .. سمعت كل ما قاله عثمان .. ولكن عندما دخلت عليهما الغرفة لم تظهر ذلك .. كانت فرحتها بعودة ابنها تطغى على كل عواطفها ولم يستطع عثمان أن يخفى انقباضه لنجاة الغلام فاسود وجهه .. ثم فتح فمه دون أن ينطق بحرف .. ودخل حلمى الغرفة واحتضنته هدى .. وقبلته .. وأخذت المرأتان تتحدثان وتقصان ما وقع لهما ..
وكان عثمان جالسا في صمت ووجهه أبيض .. وكانت سعاد تنظر اليه وهو جالس باحتقار شديد ومقت أشد وتود لو تطرده من بيتها .. وأخذت هدى تضحك وتحاول أن تعيد البهجة إلى الخطيبين .. بكل ما تستطيع المرأة من حيل .. ولكن بعد أن خرجت هدى من البيت عاد الوجوم والصمت .. وتكشفت نفساهما .. وأصبح كل منهما يرى وجه صاحبه خالصا من كل قناع وزيف ..
وتحدث عثمان وردت عليه سعاد في فتور .. ولما نهض ليخرج لم تستبقيه كعادتها للغداء .. بل فتحت له الباب على مصراعيه .. وعلى بسطة السلم ألقت وراءه بشىء صغير .. سمع رنينه وانحنى والتقطه .. وعندما أدار رأسه إليها .. كانت في تلك اللحظة قد أغلقت الباب في وجهه بعنف ..

_____________________________
نشرت القصة بمجلة الجيل في 19-12-1955 وأعيد نشرها بمجموعة الأعرج في الميناء لمحمود البدوى 1958

لا أحتاجُ لتوقيعٍ .. فالصفحةُ بيضا
وتاريخُ اليوم ليس يعاد ..

اللحظةُ عندي توقيعٌ ..
إن جسمكِ كانَ ليَّ الصفحات
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04411 seconds with 11 queries