عرض مشاركة واحدة
قديم 13/08/2008   #22
شب و شيخ الشباب قرصان الأدرياتيك
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ قرصان الأدرياتيك
قرصان الأدرياتيك is offline
 
نورنا ب:
Jan 2008
مشاركات:
1,446

افتراضي


الأربعاء 28 أيّار 2003
جونيه- لبنان

ها قدْ بلغَ هذا الشّهرُ أيضاً قبرَه، تنقصُه ثلاث ساعات! ما زلتُ في مكاني وفي تلك الغرفةِ الصّغيرة في رحبِ منزلٍ أقتربُ بخوفٍ وترقّب من الامتحانات الجامعيّة الأخيرة... ستكون الأخيرة أليسَ كذلك؟ تساءَلَ. قَدْ لا تكون، أجابَ! وبين هذا وذاكَ قمتُ نافضاً نفسي وراكلاً حالي، خطوتُ نحوَ البابِ... غبتُ قليلاً وعُدتُ بعد أن أعددتُ كأساً من الشّاي الثّقيل على الطّريقة العراقيّة الرّيفيّة. فتحتُ دفاترَ ذاكرتي وتذكّرتُ حلمَ البارحة...
كانت روحي تهيمُ بين الأوجاعِ، وكآبةٌ لا نبعَ لها تحلّقُ فوقها وتحاولُ عبثاً أن تبتني لها عشّاً فوق ذراها، بينما هجعَ الصّمتُ في خلوته وراح يجلدُها بسكينته. طالتْ وامتدّت فعانقت الأوجَ وما كنتُ أعلمُ في الحقيقة إن كانت روحي تلكَ ترغبُ في تسلّقِ السَّماءَ سعياً نحو إكليلِ النّهاية!
أحداثٌ أخرى وقعتْ هناكَ حيث لا رغبة ولا إرادة، هناك في الحلم... نزلتُ فيه إلى مثوى الأمواتِ حيث البكاء وصريف الأسنانِ، لأرى وجوه الموتى وأجسادهم البالية، وأيّ رؤية! كانَ الدّرجُ حجرياً ملتفّاً معلّقاً في الظّلامِ يغرقُ في أغوارِه، وأنا أواصلُ السّيرَ منحدراً وأخيراً تحسّستُ الدرجة الأخيرة، حاولتُ أن أميّزَ بعدَها شيئاً، فكان ذلك عبثاً! تجرّأتُ على النّظرِ إلى الأسفل لتقع عيناي على عتمةٍ لم ألقَ لها مثيلاً سوداءَ تبلعُ الليلَ المهجور. اصطكّت الأسنانُ وارتعدت الفرائصُ حتّى أنَّ الدّودَ فيّ اهتزَّ طرباً فقد شارفَ مبغاه. كنتُ مُلزَماً عليه، عليّ أن أقفزَ في حضنِه، وفعلتُ مُغمَضَاً. كانَ كلُّ شيءٍ يتحوّلُ ويختلطُ، ينفعلُ ويصرخُ متألّماً، أين أنا؟ كنتُ في قلبِ الموت!!! ما عدتُ أقدرُ على التمييز فامتزجَ الضّحكُ بالبكاءِ وقهقهات المائتين تركضُ دامعةً، الأصواتُ والكلامُ والأجسادُ التي نزعت عنها بشرتها... كلّه وسط ظلامٍ لا يُدرَك... وقعتُ في مكاني والعرقُ يغمرني وأنفاسي تتقطّع، وجدتُ غرفتي كما كانت وفراشي يمتدُّ كفرسٍ حانية.
أقفلتُ ذاكرتي وختمتُها بالشّمعِ الأحمر وعُدتُ إلى نفسي أرتشفُ الشّايَ مستمعاً إلى أمَّ كلثومٍ تنشدُ:
أمل حيـاتي يا حبّ غـالي مـا ينتـهيـش
يا أحلى غنـوة سـمعها قلبي ولا تتنسـيش
خـدْ عمري كلّه بس النّهار ده خلّيني أعيش
خلّيني جنبك في حضنِ قلبك...
وسيبني أحلم يا ريت زماني مـا يصحنيـش.

Mors ultima ratio
.
www.tuesillevir.blogspot.com
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.10186 seconds with 11 queries