عرض مشاركة واحدة
قديم 30/10/2006   #34
شب و شيخ الشباب ashor
مسجّل
-- اخ حرٍك --
 
الصورة الرمزية لـ ashor
ashor is offline
 
نورنا ب:
Jan 2006
مشاركات:
22

افتراضي من روائع الأدب الآشوري المعاصر


مقطع قصير من قصة ( بابنا المغلق ) للكاتب الآشوري ميشيل لازار عيسى
ترجمها إلى العربية الأديب الآشوري آدم دانيال هومه


في عام ( 1862 ) و عمري لا يناهز الثامنة ( كعمر ولدي يوسف الآن ) ، ككل الآباء الواعين و الغيورين على مصلحة أبنائهم ، أرسلني والدي إلى إحدى المدارس التابعة للكنيسة كي أحصل على قسط من العلوم الدينية و الدنيوية ، و كأي طفل لبيب و مجتهد كنت شغوفاً و مولعاً بالعلم إذ تمكنت خلال ثلاث أعوام أن أستوعب كل تعاليم معلمنا ( إيليا بطرس ) ، ثم أُفدت بعدها لمتابعة دراستي في مدرسة عليا و ذلك بمؤازرة السيد (اسحق ) مالك قرية ديلامّا و الذي كان والدي يعمل لديه بصفة محاسب لمحاصيله الزراعية ، و وكيل نزيه و مخلص لأعماله ، و الذي لازال يمارس عمله ذاك بكل همة و صدق ( إذا لم يزل على قيد الحياة ) .

كان أخي بنيامين أكبر مني سناً ، و لكني كنت متفوقاً عليه في الدراسة ، لذا كان يحسدني لأنه كان مصاباً بداء الأنانية ، ذلك المرض الخبيث الذي يقف عقبة في كأداة في طريق نجاح و تقدم أي إنسان .
بعد ست سنوات من مواظبتي على الدرس و التحصيل ، و تفوقي المستمر ، وقعتُ على حين غرة في شباك ما يسمى الحب ، أسير جمال إستر ابنة سيدنا و مولانا إسحق .

لم تكن عبادتي لجمال إستر من وحي تعاليم أساتذتي الأبرار ، و لكنها كانت نتيجة القوة السحرية الكامنة في عينيها ، أضف إلى ذلك أحاديث الهوى و الغرام و قبلات البراءة التي كنا نتبادلها . كل ذلك جعلنا نسرف في الغي و ننفر من الدراسة ، و نمقت العلم ، و لا نضع في الحسبان ما يتقوَّله الناس علينا .
منذ ذلك اليوم أصبح كلانا ينحدر من علياء العلم و الفضيلة رويداً رويداً ، و صرنا مثار اهتمام ، ثم ما لبث أمرنا أن افتضح أخيراً في أرجاء القرية ، فمنعت إستر – إثر ذلك – من متابعة دراستها ، و صرت بدوري عدواً لدوداً لأبي و أمي و أخي ، و كرهت الحياة ، و طفح قلبي بالحقد على تلك القرية و كل هذا العالم .

أحياناً كثيرة كانت تحرضني روحي الشريرة على قتل والدي لأنه كان يسدي لي النصح الذي كنت أشتمُّ منه رائحة التوبيخ و التأنيب ، فقد كان يتحسر بمرارة لضياع مستقبلي ، و لربما كان أخيراً يمقتني حتى الموت و ذلك لأني في أحد الأيام و أنا ( كعادتي اليومية ) جالس في غرفتي كئيباً – و سم الموت يقطر من وجهي – أتصفح كتاباً ضخماً يبحث في الأخلاق و آداب السلوك بينما فكري شارد حيث إستر ، فتحت أمي الباب و دخلت تُقَدم رِجلاً و تؤخر أُخرى و هي تتهيب وَجَلاً و وجهها يموء و ينمُّ عن الخوف . و ما أن وَقَفَت بجانبي حتى إنخرطَتْ في بكاء مرير يقطع نياط القلوب ( بينما قلبي كالصخر الصلد ) و بَدَأَتْ ترجو و تتوسل إليَّ أن أقطع علاقتي بـ (إستر) لأني لازلت صغير السن إضافة إلى أنها ابنة أغنياء و نحن أناس فقراء و بأمس الحاجة إلى أشياء كثيرة أهم و أولى من ذلك ، كما أنه ليس لنا أي شأن يذكر لأن بصمات الفقر و الإملاق قد دَمَغَتْ جباهنا ، و وجهاء و أشراف القوم لا يكلفون أنفسهم عناء الاهتمام و التفكير بنا ، أضف إلى ذلك كله أن لي أخاً أكبر مني و لازال يتابع دراسته و لم يفكر في الزواج بعد ، و ما إلى ذلك من النصائح و الإرشادات و التوجيهات التي ليس لها أول و لا آخر ، و أنا جالس أُحملق فيها كالنمر الشرس المفترس . صوتها المسموم ينفذ من آذاني و يتوغل إلى أعماق قلبي ، و كلماتها تلسع وجهي كأنها الجمر المتقد ، و عيناي تنظران شذراً إلى الدموع المنهمرة على خديها ، و إلى شعرها الأشعث المكلل بالشيب . كان كل ذلك جعلني أتصورها ملاك الموت منتصباً فوق رأسي يحاول نزع روحي ، فنهضت واقفاً أزعق و أُزمجر موجهاً إليها الكثير من الكلمات البذيئة و ناعتاً إياها بشتى الصفات القبيحة التي لا يليق ذكرها هنا .
لكنها دنَت مني أكثر فأكثر و هي باسطة ذراعيها المرتعشتين و أمسكت بكتفي و غمرتني بقبلاتها التي تعبر عن كل ما يكنه قلب من حب و حنان ، و دمعها يبلل خدي . و لكني كهمجي مجنون رفعت ذلك الكتاب الذي كنت أُطالع فيه و ضربته بكل ما أوتيت من قوة على رأسها ، فجحظت عيناها و داخَت ثم وقعت على الأرض كجثة هامدة مغشياً عليها ، ثم ما لبث الكتاب أن انسل من بين أصابعي و وقع على الأرض مفتوحاً تتراءى بين سطوره أقوال الحكمة أمام ناظري ، و لكن لم يكن بمقدور عينيَّ أن تبصرها أو تعيها لأن غشاوة من اللاوعي و فقدان الإحساس و الشعور كانت تخيم عليها ، كما كان قلبي الأعمى لم يرحم أمي المغمى عليها من جراء فعلتي الشنعاء و ما جنته يداي الآثمتان و عقلي الأحمق ( لعنة الله عليَّ ) .

دخل والدي مسرعاً و هو يصرخ و يهدد بعد أن صاح باسمي مرات – في الخارج – ينذرني بأن أكون مهذباً و أتحلى بالأخلاق الحسنة ، و لما وقع بصره على والدتي اصطبغ وجهه بحمرة الغضب ، و قدحت عيناه شراراً ، و بسرعة و بقوة هائلة انهال بصفعة على وجهي دون أن يتفوه بكلمة ، و بينما أنا في كل حين كنت أحاول التذرع بأبسط حجة لأُنفس عن كربتي و وجهتها فرصة سانحة فرفعت قبضة يدي اليمنى و ضربتها – بكل ما أوتيت من عنفوان الشباب - على فمه ، فتقهقر على إثرها مترنحاً و ارتطم بالطاولة و أوقع محبرتي على الطاولة ، و وقف بعيداً عني مدهوشاً و مرتعباً و الدم ينزف من فمه و عيناه طافحتان بدموع الكمد و الغضب الناري ، لكنه تَكَتَفَ عاجزاً عن الإتيان بأي شيء لأنه غير قادر على مقارعتي بسبب كبر سنه و شيخوخته . و عندما رأيته شاحب الوجه ، و الدم يسيل بهدوء من شفتيه المرتعشتين شبهته بقائدٍ مغلوب ٍ على أمره على يد عدو قوي شرس لا يعرف الرحمة .
و في غمرة هيجان غضبي كرهته جداً ، نسيت في تلك اللحظة حبه الأبوي و سعيه الدؤوب من أجل تربيتي و تأمين مستقبلي ، فأمسكته من كتفه و دفعته خارجاً بعنف كأنه خادمي الغير مطيع بينما أنا ولده من دمه و صلبه و على شبه صورته ، و أخرجته بأسلوب قذر و مشين لا أتمكن من تصويره كتابة ( لقد كنت بحق مجرماً و أثيماً ) ....................

دمتم في عناية الرب
أخوكم : آشور

المحبة لا تسقط أبداً
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04393 seconds with 11 queries