الموضوع: سقوط التغيير
عرض مشاركة واحدة
قديم 06/11/2009   #3
شب و شيخ الشباب sheldi
عضو
-- أخ لهلوب --
 
الصورة الرمزية لـ sheldi
sheldi is offline
 
نورنا ب:
Apr 2008
مشاركات:
281

افتراضي m


ضربة قوية
هذا عن تركيا. أما بالنسبة إلى مصر فالصورة تبدو أكثر تعقيداً لسببين:
الأول، ان بلاد الكنانة لا تستطيع أن تبقى مجمدة إقليمياً كما كانت منذ توقيع اتفاقات أوسلو في العام 1979، فيما هي تشاهد تركيا وإيران تتنافسان لاحتلال مواقع قيادية في عقر دارها العربي. وقد كان لافتاً هنا ألا يستبعد بول سالم، مدير مركز كارنيغي للشرق الاوسط، أن تُقدم مصر على الانسحاب من عملية السلام مع إسرائيل، ليس فقط بسبب رفض هذه الأخيرة حل المسألة الفلسطينية والتخندق بدلاًَ من ذلك في “ذهنية القلعة” (على حد تعبيره)، بل أيضاً لان تركيا بالتحديد تكاد تصبح الناطق الرسمي باسم القضية الفلسطينية، الأمر الذي قد يسدد ضربة قوية وتاريخية للدور المصري المركزي في المنطقة العربية. والسبب الثاني أن هذه الانقلابات الإقليمية تتساوق مع ازمات داخلية عاصفة تمر بها مصر هذه الأيام.
الرئيس المصري مبارك نفى باستمرار انه يّعد نجله جمال، وهو مصرفي سابق ويشغل حالياً منصباً سياسياً حساساً ورفيعاً في الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم، لخلافته. لكن جمالاً كان القوة المحرّكة للإصلاحات الليبرالية الاقتصادية خلال السنوات الخمس الماضية، ويلعب دوراً متعاظماً في تشكيل السياسات المحلية. والتكهنات حول مسألة الخلافة عادت إلى السطح خلال الأشهر الأخيرة وسط تكهنات بأن ثمة خططاً لحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة جديدة، وفي خضم حملات كثيفة شنّتها السلطة لاعتقال أعداد كبيرة من الاخوان المسلمين. وقد استنتج البعض من ذلك أن النظام ربما بدأ بتحضير الاجواء لمرحلة انتقال سلسة للسلطة إلى حضن جمال مبارك، عبر التخلّص من البرلمان الذي يسيطر على خُمس مقاعده الاخوان المسلمون. ويقول محمد حبيب، نائب مرشد الأخوان المسلمين،: “ لاحظنا التحرك السريع للأحداث. فكلما كان ثمة شيء مثل الانتخابات، يعمد النظام إلى محاولة وقف أي نشاط سياسي أو اجتماعي. إنه يسُكت أصوات المعارضين كي يمرر ما يريد بهدوء ومن دون نقاش”.
لكن، حتى لو استمر تأجيل مسألة الخلافة مجدداً في الانتخابات الرئاسية في العام 2011 وترشّح مبارك لولاية جديدة، فإن السؤال حول من سيخلفه وما إذا كان الخليفة هو جمال مبارك سيطفو مجدداً على السطح ليلقي ظلالاً كثيفة على الأوضاع الراهنة في مصر وعلى احتمالات تقدمها نحو ديمقراطية حقيقية.
في المرحلة الراهنة، لا يرى المصريون أي خليفة غير جمال مبارك في المشهد السياسي، خصوصا وأن صعوده في الحزب الحاكم والاهتمام الكبير الذي تعطيه أجهزة الإعلام المصرية لنشاطاته، يوحي بأن ثمة محاولة داخل النخب الحاكمة لبلورة إجماع حوله كرئيس.
لكن، حتى إذا ما كان العديدون في مصر وخارجها يرون في فكرة الوراثة أمراً صادماً أو مستغرباً، إلا أن المحللين يقولون إن هذا التطور قد لا يثير مقاومة مدنية واسعة أو غضباً متفجراً في الداخل. فالمصريون أصلاً لم يكونوا يختارون قادتهم، وهم يفهمون أنه رغم وجود مظاهر رسمية لديمقراطية برلمانية، إلا أن القرار الحاسم يُتخذ في داخل المؤسسة الحاكمة، وأن أفضل ما يمكنهم الحصول عليه هو طلب موافقتهم عبر انتخابات شكلية.
بالطبع، التوقّع أنه إذا تقرر أن يصبح جمال مبارك رئيساً، فهذا يجب أن يتم بعد انتخابات يترشح فيها باسم الحزب الحاكم. وبموجب الدستور، يجب ان يأتي منافسوه من أحزاب المعارضة الشرعية التي لا يملك أي منها أي شعبية واسعة، بسبب القيود المستمرة منذ عقود على جهودهم للتواصل مع الناخبين وتجديد أحزابهم داخلياً. كذلك، سيكون من الصعب للغاية على أي مستقل مرتبط بالأخوان المسلمين أن يترشح بسبب الشروط القاسية التي يضعها دستور 2005.
لكن إذا لم يكن جمال مبارك هو الرئيس الجديد، فمن سيكون؟
يعتقد المحللون (“فاينانشال تايمز”) أنه سيأتي حتماً من داخل الجيش او أجهزة الامن أو الحزب الحاكم. بيد ان المسألة الحقيقية (يضيف المحللون) لا تكمن في ما إذا كان المصريون سيقبلون جمال مبارك رئيساً ام لا، بل ما إذا كان سيكون مقبولاً من المؤسسة العسكرية التي جاء من صفوفها كل الرؤساء منذ العام 1952 . وهذا أمر لايزال في عالم الغيب، لأن الجيش لا يفصح عن آرائه حيال الامور السياسية علناً. لكن البعض يعتقد ان المنافس الأكثر احتمالاً لجمال مبارك على الرئاسة هو اللواء عمر سليمان، مدير المخابرات الذي يعمل كرجل المهمات الصعبة في قصر الرئاسة، على غرار العلاقات مع إسرائيل والمصالحة الفلسطينية- الفلسطينية. صحيح أن سليمان لم يقل مرة أنه يسعى إلى منصب الرئاسة، إلا أنه إذا لم يحاول مبارك خلال حياته فرض نجله عبر أي نوع من العمليات الجراحية ، فلا يستبعد أن يصبح عمر سليمان رئيساً.
أين واشنطن؟
أين واشنطن من كل هذه التمخضات الخطيرة المصرية؟
إنها حتماً لا تقف فوق السور المُطل على القاهرة لتتفرج على الأحداث، بل هي تتحرك على كل الجبهات وتضع كل السيناريوات التي ستضمن مصالحها العليا في أكبر دولة عربية. وهذا ليس بالأمر المستغرب أو المفاجئ. فمنذ العام 1979 تحولّت مصر إلى الركيزة الرئيس للهيمنة الاميركية على الشرق الأوسط. وأي تغيير جذري فيها يغيّر هذا الواقع، قد يحيل هذه الهيمنة إلى ركام وأشلاء.
أخيراً، نشر “مجلس الأمن القومي” الأميركي (الذي يقال، وعن حق، أنه مركز الأبحاث الذي “يختار” من سيكون رئيس أميركا، وبالطبع غالبية قادة العالم) تحليلاً أورد فيه السيناريوات الآتية لمسألة الخلافة المصرية:
مصر حليف صعب لكن حاسم للولايات المتحدة، وهي جنباً إلى جنب مع السعودية والأردن والمغرب ودول الخليج الصغيرة، ساعدت على خلق نظام إقليمي يجعل من غير المكلف نسبياً للولايات المتحدة ممارسة قوتها، وبالتالي فإن اللااستقرار الحاد في مصر سيضر كثيرا بالمصالح الأميركية، خصوصا وأن مصر تمر الآن في مرحلة انتقالية سياسية، فالرئيس مبارك ناهز الحادية والثمانين ويعاني من مشاكل صحية متعددة. ومن الواضح ان نجله جمال يُعد لخلافته، لكن ليس من الواضح بعد متى. والأهم ان عملية الوراثة قد تثبت انها صعبة، إذ بدأت من الآن الأجنحة المختلفة في داخل النظام وخارجه تناور لتحسين فرصها بعد مغادرة مبارك المشهد. وكل هذا يجري وسط تدهور في الأوضاع الاقتصادية والبيئية والاجتماعية في مصر، التي فاقمت منها الأزمة الاقتصادية العالمية.
ثمة سيناريوهان يمكن بموجبهما للجيش المصري أن يتدخل في عملية الانتخابات الرئاسية. الأول، أن تؤدي الإجراءات الدستورية إلى وصول جمال مبارك او شخص آخر إلى الحكم، لكنه يفشل في ممارسة السلطة بحكمة، الأمر الذي يؤدي إلى تدهور الأوضاع. وحينها قد تتحرك أجهزة الامن الداخلي بقيادة وزارة الداخلية لإحكام سيطرتها بهدف منع حدوث المزيد من اللااستقرار. وفي حال فشلت الوزارة في ذلك، يُجبر الجيش على التدخل.
السيناريو الثاني هو ان يقوم الجيش بانقلاب قصر، إذا ما رأى ان انتخاب جمال مبارك أو أي شخص آخر يهدد العلاقات الدقيقة بينه وبين الرئاسة. وبالطبع، أي اضطرابات شعبية وسياسية واسعة تثير الشكوك بشرعية الرئيس الجديد، ستكون مبرراً ممتازاً لانقلاب القصر هذا، أما مؤشراته الرئيس فستكون اندلاع اضطرابات شعبية واسعة او تلكؤ المؤسسة العسكرية في إعلان دعمها للرئيس الجديد.
صحيح ان سيطرة الجيش على السلطة ستؤثر في المصالح الاميركية في مجالي حقوق الإنسان والديمقراطية، إلا أن هذا التدخل في خاتمة المطاف لن يكون ضربة كارثية لهذه المصالح في المنطقة، خصوصا وأن واشنطن لها خبرة مديدة مع الانقلابات العسكرية وستتأقلم بسهولة نسبياً مع الانقلاب الجديد المحتمل.
3- الخيارات الأميركية لمنع أزمة خلافة في مصر تعتمد على الأهداف الاميركية الأوسع. فإذا ما اعتقد المسؤولون الاميركيون أن من شأن سياسة تستند إلى الاستقرار السلطوي” هي أفضل وسيلة لضمان المصالح الأميركية في مصر والمنطقة العربية، فإن مقاربة واشنطن حينها لمنع ازمة الخلافة هي إبقاء النظام السياسي الراهن الذي يضمن استمرارية حقبة حسني مبارك في عهد خلفه.
أما إذا ما قررت المؤسسة العسكرية المصرية تعيين مرشحها لقمع الاضطرابات الداخلية، فلن يتوافر لواشنطن خيارات كثيرة، وسيكون عليها التأقلم مع هذا التدخل العسكري.
4-سيناريو سيطرة الإسلاميين على السلطة احتمال بعيد جداً. ورغم أن إسلاميي مصر لينّوا خطابهم وباتوا يتحدثون بلغة إصلاحية، إلا أن اندفاعهم إلى السلطة لن يخدم المصالح الاميركية. ومن المهم الملاحظة هنا أنه، وعلى عكس التدخل العسكري الذي قد تقبله الولايات المتحدة وربما تحبه أيضاً، فإن استيلاء الإسلاميين على مصر ستكون له مضاعفات كارثية على المصالح الاميركية في الشرق الاوسط. فالإسلاميون يعارضون كل مجالات السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، وأي اضطراب يثيره الإسلاميون سيحد إلى حد كبير من قدرة النظام المصري على التعاون مع الولايات المتحدة. أما إذا ما قلب الإسلاميون النظام، فستشعر كل المنطقة بمضاعفاتها الكبرى، وستخسر الولايات المتحدة مدخلها إلى قناة السويس، وسيلغي قادة مصر الجدد معاهدة السلام مع إسرائيل، وسيشعل الإسلاميون النيران في كل المنطقة. ولذا، فقد “تنصح” الولايات المتحدة كبار الضباط المصريين الإمساك بزمام الأمور لمنع استيلاء الإسلاميين على السلطة. قد تكون المحصلة دموية، لكن التدخل العسكري سيحفظ النظام المصري الذي يعتبر حاسماً للغاية بالنسبة إلى المصالح الأميركية في الشرق الأوسط.
هل وصلت رسالة “مجلس العلاقات الخارجية”؟
يفترض ذلك، فأميركا لن تسمح بتغيير النظام في مصر، حتى ولو غرقت هذه الأخيرة في بحر من الدماء. لكن الآن ومع الانحسار الكبير للنفوذ الأميركي في الشرق الأوسط، قد لا يكون في وسع واشنطن الإمساك بمقاليد الأمور تماماً في مصر، خصوصا إذا ما شعر أي خليفة لمبارك بأن مصلحة الأمن القومي المصري باتت تتطلب وضع مسافة عن العلاقات مع إسرائيل (وأميركا) أو حتى الانسحاب من عملية السلام معها، لتمكين مصر من منافسة تركيا وإيران على النفوذ في المنطقة العربية.
كما هو واضح، المشهد الشرق الأوسطي، من القاهرة إلى اسطنبول ومن طهران إلى تل أبيب، يبدو في غاية التعقيد وربما الخطورة أيضاً. وهي خطورة ستتفاقم كل يوم، إذا ما تأكدت القوى الإقليمية المعنية بأن واشنطن ليست مصابة هذه الأيام بمجرد زكام عابر، بل بأنفلونزا خنازير عاتية!
سعد محيو

سأفتح نوافذي لكل رياح العالم شرط ألا تقتلعني من جذوري
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.05938 seconds with 11 queries