الموضوع: حوارات
عرض مشاركة واحدة
قديم 06/06/2008   #277
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


حوار مع د. جميل حمداوي حول الرواية العربية

دروبيون13 فبراير 2008 هدير البقالي
فنانة تشكيلية وكاتبة من مملكة البحرين
  • تعتبر الرواية الفن الأكثر تأثيراً وتعبيراً عن تجليات الكتابة، ويكاد ذلك ينطبق على تاريخ البحث عن هوية شخصية داخل الفن الروائي، وهوية تتآلف مع الروائي وشخصياته، وبين هذا وذاك، بروز الرواية كجنس أدبي مستقل عن ذاتها لكونها فن متعدد الأصوات، ألا يعني ذلك بلوغ الرواية مرحلة متقدمة من الوعي المعرفي خلافاً لبقية الأجناس الأدبية الأخرى؟
من المعروف أن عصرنا هذا هو عصر السرد بامتياز، ولم يعد للشعر تلك المكانة التي كان يتباهى بها في العصور الماضية وبداية القرن العشرين مع المدرسة الإحيائية والرومانسية بتياراتها ومدارسها الإبداعية ( الديوان، وأپولو، والرابطة القلمية، والعصبة الأندلسية)، وشعر التفعيلة في مرحلته الأولى، بل أصابه الكساد إلى حد كبير مع ظهور الشعر المنثور وشعر الانكسار بسبب التجريد المجاني والإيغال في الغموض والانسياق وراء الإبهام. لذا، حلت الرواية محل الشعر، فأصبحت أكثر الأجناس الأدبية قدرة على تشخيص الذات والواقع والكتابة الروائية خلقا وإبداعا ونقدا. وغدت هذه الرواية تقارب التاريخ وتفلسف المجتمع وتنقد الذات العربية من خلال منظورات خاصة ذاتية وموضوعية ، وصارت تطرح الأفكار الإيديولوجية على محك النقاش من خلال استعمال الپوليفونية وتعدد الأصوات كما في روايات نجيب محفوظ ومحمد برادة وعبد الله العروي.

كما صارت الرواية ملتقى المعارف والفنون وخزان الأفكار، فتنامى وعي الروائي بالمقارنة مع وعي الشاعر وخاصة في روايات الأطروحة كما عند عبد الكريم غلاب في روايتيه ” دفنا الماضي ، والمعلم علي”، ومبارك ربيع في روايته:” الريح الشتوية”، ومحمد عزيز الحبابي في روايته” جيل الظمإ”، والطاهر وطار في رواياته التي يمجد فيها الثورة الاشتراكية الجزائرية كما في ” الزلزال” ، و” اللاز”، و” عرس بغل”،و” العشق والموت في الزمن الحراشي”.
وكل من يتصفح الرواية التراثية أيضا فإنه سيجد نفسه أمام خطاب جمالي زاخر بالحمولات الثقافية والمعرفية والتاريخية كما عند جمال الغيطاني في” الزيني بركات” و” التجليات ” ، ورضوى عاشور في ” ثلاثية الأندلس” ، وأحمد توفيق في روايته” جارات أبي موسى”، وبنسالم حميش في روايتيه:” مجنون الحكم”، و”العلامة”

ومن هنا، لم تكتف الرواية بتشخيص الذات كما في الكثير من الروايات الرومانسية كروايات أحمد حسين هيكل و المنفلوطي وإحسان عبد القدوس ويوسف السباعي وعبد الحليم عبد الله …. أو تصوير الواقع ونقده كما في روايات نجيب محفوظ وعبد الرحمن الشرقاوي وتوفيق الحكيم وعبد الكريم غلاب ومبارك ربيع….، بل تعدت ذلك إلى مساءلة آليات الكتابة الروائية كما عند محمد برادة في رواية ” لعبة النسيان” ، وعبد الله العروي في روايته”أوراق”. ومن ثم، يمكن القول بأن الرواية مسلك من مسالك التثقيف ونشر المعرفة والعلم وتشكيل الوعي لدى القارئ المفترض.
  • إن النزعة الشكلية للرواية أخذت تتناغم مع المعطيات الحديثة للنص، في التصورات والبناءات من جهة، ومن جهة أخرى تعرية الدلالات المبهمة للروائي، في استنطاق النص وتفكيك مفاهيمه، من خلال الغوص في أدوات الروائي والإمساك بتقنيته الفنية، فكيف تنظر للروائي حينما يسقط في التنظير والتحليل النقدي؟ وهل تراهن على قدرة الناقد الثقافي في تفكيك آليات الرواية؟
إذا كانت الرواية العربية قد سخرت جميع طاقتها الإبداعية والسردية لتصوير الذات ونقل الواقع وتسجيله ونقده، فإن الرواية العربية بعد نكسة حزيران 1967 م من القرن العشرين، وبعد انتشار المناهج النقدية المعاصرة كالبنيوية والتفكيكية والسيميائية، واكتساح فكر مابعد الحداثة للساحة الثقافية العربية، انساق الروائي العربي بلهفة كبيرة وراء مستجدات الرواية الغربية مستعملا تقنية تداخل الأزمنة كما في روايتي” الوشم” و” الوكر ” لعبد الرحمن مجيد الربيعي، وتوظيف فلاش باك وخلخلة الأزمنة في رواية “موسم الهجرة إلى الشمال” للصالح الطيب، وتشغيل نظرية القراءة كما عند المنظرين الألمانين: يوس Yauss وإيزرIzer لدى المغربي عمرو والقاضي في روايته” طائر في العنق” ، وحميد لحميداني في روايته:” رحلة خارج الطريق السيار”، واستعمال تقنية البوليفونية والحوارية في رواية ” أوراق” لعبد الله العروي، ونقد الكتابة الروائية كما في:” لعبة النسيان” لمحمد برادة، ورواية” رحيل البحر” لمحمد عز الدين التازي علاوة على توظيف فضاء العتبة عند جيل السبعينيات كصنع الله إبراهيم وجمال الغيطاني وبنسالم حميش وعبد الله العروي…
ولكن هذا التجريب الروائي تحول عند البعض إلى تمارين وتطبيقات سردية وتطبيق ما تبثه السرديات النقدية بشكل مفتعل ومصطنع دون عفوية إبداعية وخلفية نظرية عربية تؤطر هذا التجريب، لأن القارئ العربي ما زال لم يشبع نهمه من الروايات الكلاسيكية والرومانسية.
وظهرت كرد فعل على هذا التجريب الرواية التراثية التي تنهل آلياتها السردية من التراث كما هو الحال عند بنسالم حميش وجمال الغيطاني ورضوى عاشور وأحمد توفيق ومحمود المسعدي في روايته” حدث أبو هريرة قال…”، كما ظهرت مجموعة من الروايات الإسلامية مع الروائي المصري نجيب الكيلاني كرد فعل على الرواية الغربية ذات التصورات الإيديولوجية الشكاكة.
أضف إلى ذلك ، أنه لابد اليوم من ناقد جديد موسوعي الثقافة، قادر على تفكيك الرواية وتركيبها، ومتمكن من آليات الفهم والتفسير قصد الإحاطة بجميع قضايا النص وخباياه الشعورية واللاشعورية، له دراية كبيرة بمفاتيح القراءة والتقويم والتوجيه. أي تستوجب الرواية الحديثة اليوم قارئا ثقافيا له باع كبير في مجموعة من المعارف والعلوم والفنون لكي يعطي للرواية نكهتها الخاصة ولذتها الإبداعية الحقيقية من خلال تبني مناهج نقدية حداثية معاصرة .
  • تتبنى بعض الروايات منحنى الخرافات والتعاويذ وعوالم شاذة بعض الشيء، فترتحل باتجاه الميثولوجيا والميتافيزيقيا، وبالطقوس الغرائبية على المجتمع، قد تكون ساحرة ومفتنة للراوي، وقد تكون مثيرة لمتعة القارئ وحده، ألا تجد بذلك متعة تقترن بالروائي خاصة لإثارة خاصية السرد؟
من المعروف أن الرواية العربية لم تكتف بتصوير الذات والواقع والكتابة ، بل تناولت مواضيع مثيرة كالمواضيع البورنوغرافية مع الروائي محمد شكري في” الخبز الحافي” ، والطيب صالح في روايته” موسم الهجرة إلى الشمال “، أو مواضيع إيروسية كرواية المغربي عبد الحكيم أمعيوة ” بعيدا عن بوقانا”، كما تناولت موضوع السجن السياسي ومصادرة حقوق الإنسان كما في روايات صنع الله إبراهيم وجمال الغيطاني وعبد الرحمن منيف وعبد الرحمن مجيد الربيعي….
كما عالجت الرواية العربية مواضيع إنسانية واقعية عبر أجواء أسطورية وميثولوجية وميتافيزيقية كما في رواية:” بدر زمانه” لمبارك ربيع ، و” طوق السراب ” ليحي بزغود، ورواية:” أوديسا الصعود والهبوط والحب” لمحمد الصاوي، وانتقلت الرواية أيضا من العوالم الخرافية إلى العوالم الفانطاستيكية الغرائبية للتأشير على انتقال الإنسان من العقل والوعي إلى اللاعقل واللاوعي قصد التنديد بمواصفات الواقع الدنيئة ومواضعاته المهترئة واحتقار السلطة التي تنشر الإجرام والظلم ، ونقد الإنسان الذي علبته حضارة الأرقام وحنطته الماديات، وهذا واضح في رواية “سماسرة السراب ” لبنسالم حميش، ورواية ” أحلام بقرة ” لمحمد الهرادي، ورواية” الجرذان” ليحي بزغود، ورواية “نوار اللوز” للجزائري واسيني الأعرج

ولم يوظف هذا الخطاب الفني والجمالي والمرجعي الأسطوري والفانطاستيكي إلا لهدفين أساسين: الهدف الأول يراد به إمتاع القارئ المفترض ودغدغته ذهنيا ووجدانيا وفنيا، والهدف الثاني هو أن الروائي يستمتع بعمله الذي حقق فيه لذة النص عن طريق تحريك القطب الفني والقطب الجمالي لإثارة المتلقي المحتمل الذي سيدخل في علاقة تفاعلية مع النص انسجاما مع توقعاته، أو تخييبا لأفق انتظاره، أوتأسيسا لذوق جديد
.
  • يعتمد الروائي إلى حد كبير على ذائقته الأدبية، في البحث عن أصول الأشياء وكشف خفايا النص، فتراه أحياناً يراهن على مستويات اللغة في الإيقاع والتشكيل، والتأويل والتفسير، فيا ترى، أتراهن في محيط لغتك على القارئ الافتراضي أم على لغوية الكتابة، وهل تكتفي بمستويات معينة من اللغة؟
لايمكن لأي روائي عربي أن يحقق شهرة أدبية إلا إذا تمكن من اللغة السردية تمكنا كبيرا، وبالتالي، كان قادرا على تطويعها وتسخيرها في التعبير والتجسيد والتجريد مستعملا الطاقة البلاغية بكل آلياتها الفنية وأدواتها المجازية والرمزية والإحالية، مع إتقان كيفية توظيف لغة التشبيه والاستعارة والمجاز المرسل أو العقلي واستخدام الكنايات والرموز والأساطير من أجل خلق نص أدبي ممتع ومتنوع. وينبغي أن تكون لغة الروائي سليمة من الأخطاء والهفوات، تنساب عذوبة وصفاء وسلاسة.
لذا، فقد رأينا مجموعة من اللغات تستعمل طوال مسيرة الرواية العربية وهي : اللغة الرومانسية، واللغة الواقعية، واللغة الطبيعية، ولغة التجريد والشاعرية الرمزية، واللغة التراثية. كما يلتجئ الروائي إلى المزج أيضا بين العربية الفصحى والعامية المحلية، أو الانفتاح على اللغات الأجنبية الأخرى للتعبير عن ظاهرة المثاقفة أو التعبير عن خاصية الاحتكاك الحضاري والانفتاح على الآخر.
ومن الروايات التي تشتغل على اللغة التراثية نذكر:” الزيني بركات” لجمال الغيطاني، ورواية:” مجنون الحكم “، ورواية:”العلامة” لبنسالم حميش، ورواية ” جارات أبي موسى”لأحمد توفيق . وتتقابل هذه اللغة مع اللغة الشاعرية الرمزية أو ما يسمى عند إيڤ تادييه Yve Tadiéبالمحكي الشاعري كما نجد ذلك في روايات أحمد المديني ولاسيما روايته ” زمن بين الولادة والحلم”، ورواية ” سوانح الصمت والسراب” للروائي المغربي جلول قاسمي.

وعليه، فهناك من الروائيين من يستعمل لغة عادية واقعية في أبعادها التعبيرية والتأثيرية ، وهناك من يستعمل لغة شاعرية لخلخلة الجنس الروائي ونسفه داخليا وتحويله إلى خطاب شاعري رمزي مغلف بالتجريد ، وهناك من ستعمل لغة متعددة الأصوات كالتهجين والباروديا والتناص والحوارية وتشغيل صورة اللغة والطاقة البلاغية وتنويع الأساليب كما في العديد من الروايات التراثية عند جمال الغيطاني وبنسالم حميش ومحمد برادة وإميل حبيبي ورضوى عاشور ومحمود المسعدي.
ومن ثم، فكثير من الروائيين العرب مهووسون بلغة الكتابة لتخييب أفق انتظار القارئ كما هو حال رواية إميل حبيبي” الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل” التي تقوم على المستنسخات النصية والإكثار من الإحالات التناصية والمزاوجة بين لغة معاصرة ولغة تراثية، وكل هذا من أجل خلق قارئ افتراضي واع بالعمل الأدبي
.
وينتج عن هذا الطرح، أن لكل رواية قارئها، ويتنوع هذا القارئ حسب طبيعة الرواية ، فننتقل من قارئ عاد يحب قراءة الروايات الكلاسيكية إلى قارئ مثقف واع يستطيع قراءة الروايات التجريبية والنصوص الحداثية. لذا، تبقى اللغة مؤشرا حقيقيا على طبيعة جودة الرواية ومصداقيتها الفنية. كما أن هناك من الروائيين من يستحضر القارئ في الكتابة أثناء انكتابها، وهناك من يتكئ على اللغة وآليات الكتابة والإبداع لكسب الحداثة والسبق الفني

شُذَّ، شُذَّ بكل قواك عن القاعدة
لا تضع نجمتين على لفظة واحدة
وضع الهامشيّ إلى جانب الجوهريّ
لتكتمل النشوة الصاعدة
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.05660 seconds with 11 queries