الموضوع: أسبوع وكاتب - 3
عرض مشاركة واحدة
قديم 20/08/2009   #120
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


ثم نلتقي في شعر محمود في هذه المرحلة كثيرا برمز الصليب واستخدامه للصليب كرمز له مبرراته، ففلسطين هي ارض المسيح، ومأساة المسيح اقترنت بالصلب، لذلك الصليب مقترن بفلسطين قديما وحاضرا، من هنا يتخذه الشاعر رمزا ليعبر به عن المأساة الفلسطينية، وهي مأساة معادلة لمأساة الصلب ولتاج الشوك والمسامير في اليدين وفي القدمين، يقول درويش في قصيدة "صدى الغابة": "من غابة الزيتون/ جاء الصدى/ وكنت مصلوبا على النار/ اقول للغربان:/ لا تنهشي/ فربما ارجع للدار/ وربما تشتي السماء ربما/ تطفئ هذا الخشب الضاري/ لانزل يوما عن صليبي/ ترى/ كيف اعود حافيا عاري؟!
ومحمود درويش يرى في المسيحية روحا دينية مقاتلة "ليست صليبية، فتفسيره لها تفسير نضالي فهي في وجدانه دعوة الى التقدم والانفتاح والى النضال والوقوف في وجه الآلام الكبيرة وكما يقول السيد المسيح في انجيل متى "الاصحاح العاشر العدد 34": "لا تظنوا اني جئت لألقي سلاما على الارض ما جئت لألقي سلاما بل سيفا". يقول درويش في احدى قصائده (مع المسيح):
"ألو/ اريد يسوع/ نعم! من انت؟/ انا احكي من اسرائيل وفي قدميّ مسامير واكليل/ من الاشواك احمله/ فأي سبيل/ أختار يا ابن الله أي سبيل؟/ أأكفر بالخلاص الحلو/ أم امشي/ ولو امشي واحتضر؟/ اقول لكم يجيبه السيد المسيح: اماما ايها البشر. وكما يوظف السيد المسيح رمزا يوظف النبي العربي محمدا كذلك فهو يقول في قصيدة "مع محمد": "ألو/ اريد محمد العرب/ نعم! من انت؟/ سجين في بلادي/ بلا ارض/ بلا علم/ بلا بيت/ رموا اهلي الى المنفى/ وجاؤوا يشترون النار من صوتي/ لأخرج من ظلام السجن/ ما افعل؟ ويجيبه الرسول العربي: تحدّ السجن والسجان/ فان حلاوة الايمان/ تذيب مرارة الحنظل.
هذا هو محمود درويش في مرحلته الاولى، شاعر صاغته النكبة وصقلته المأساة التي شرب مرها وذاق معها عذاب الفقر وذل العوز وغاص في مقلاتها. هذا هو محمود الذي ينحاز في كل ما صدر عنه الى فقراء الوطن، والذي تبصّر منذ تفتحه بالرؤية الثورية وتسلح بالفكر الاشتراكي التقدمي، ومتح من الموروث الفلسطيني والعربي والعالمي المنفتح، فولج عالم الشعر واثقا صادقا مخلصا مؤمنا بعدالة قضيته، يعاني ويتحدى ويسجن من اجلها. انه شاعر مأساة. فلسطين همه وهاجسه يوظف لأجلها كل طاقاته الشعرية وكل طاقته الفنية بصور رائعة و"مبنى استعاري" جميل متجدد وموسيقى عذبة دافقة ومفردات انيقة متناغمة منسجمة فيصير العادي بين يديه دهشة يلتحم الأنا بالقضية، وتندغم الذات بالوطن، ويمتزج الخاص بالعام، ويتوحد العدل بالحرية، ولا نهاية للنضال الفلسطيني لأنه عادل حتى التحرر فها هو يقول: "مليون عصفور/ على اغصان قلبي/ يخلق اللحن المقاتل".
كفى محمود درويش هذه المرحلة ليصل الى القمة، ولكنه ليس شاعرا من هؤلاء الذين يتغيون الشهرة ويتربعون على القمم، انما هوطامح الى المزيد فالمزيد وحين سئل مرة ما هي القصيدة الاجمل التي قلتها يوما، قال تلك التي لم اكتبها بعد.

شُذَّ، شُذَّ بكل قواك عن القاعدة
لا تضع نجمتين على لفظة واحدة
وضع الهامشيّ إلى جانب الجوهريّ
لتكتمل النشوة الصاعدة
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.02506 seconds with 11 queries