الموضوع: وليد معماري
عرض مشاركة واحدة
قديم 27/04/2008   #11
شب و شيخ الشباب abosleman
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ abosleman
abosleman is offline
 
نورنا ب:
Aug 2006
المطرح:
السقيفة...
مشاركات:
2,726

افتراضي


مملكة النسيان

ولدتُ في غرفة طينية يضيؤها قنديل معلق على ساموك خشبي.. وقرب موقد مشتعل، زاد في الإنارة التي تحتاجها (الداية)... وفي تلك الأيام كانت زوايا أزقة القرية تضاء ليلاً بالفوانيس التي وقودها من الكيروسين (زيت الكاز)، بعد المغرب بساعة، وتطفأ من قبل عامل، كان يعرف باسم "الدومري"، في العاشرة ليلاً.. ما عدا الليالي المقمرة في الصيف، حيث الإنارة الربّانية كانت تسهّل على الناس رؤية دروبهم..
ثم جاءت الكهرباء بنعمتها، ربما عام 1954، عبر جهود جمعية فلاحية تعاونية، لا علاقة لها بالدولة.. تعمل (أي الكهرباء) بعد المغرب بساعة، وتطفأ في الساعة الحادية عشرة ليلاً.. وكان المستفيدون من نعمة الكهرباء، لا يدفعون ثمن فواتير.. بل اشتراكاً شهرياً متساوياً في القيمة، حيث لم تكن ثمة مراوح، ولا برادات، ولا غسالات، ولا مكيفات.. ما كان موجوداً هو (لمبات) الإنارة التي ساعدت كثيراً من الطلاب على مضاعفة جهودهم الدراسية.. ومن ثم التفوق بشكل ملحوظ على أبناء قرى القناديل والفوانيس!..
ولادتي الثانية تمت في مدينة دمشق، ولكن من دون معونة (داية)، حيث الكهرباء كانت تجري مثل جريان نهر بردى بفروعه السبعة دون انقطاع.. وتلك كانت أعجوبة.. واستمرت الأعجوبة منذ عهدي بالمدرسة الابتدائية، وحتى تخرجي من الجامعة في أوائل الثلث الأخير من القرن المنصرم... ولا أدعي بأن الكهرباء (غير المقننة) هي سبب تخرجي.. فقد تخرجت بدرجة (مقبول جداً) على الرغم من وجود الكهرباء!!..
الآن.. بعد هذا العمر المرسوم على إيقاع التوتر العالي، أضحت الكهرباء من الضروريات، حيث الحاسوب هو أداة مهمة في مجريات عملي.. وكذلك الرّاسل (أي الفاكس)، حيث ستنقطع الاتصالات بيني وبين العالم، حين انقطاع الكهرباء..
مسؤولو الانقطاعات الكهربائية يقولون أن ارتفاع نسبة الاستهلاك، زاد عن الحد المتوقع.. ودرجات حرارة الطقس زادت عن حدها... ورأيي، أن كل ميزانيات الدول تترك هامشاً واسعاً للكوارث.. إلا حكومتنا.. فهي تتوسع في إشاعة الطيف الواسع لمشاريع الاستثمار، وتغفل عن الطيف الضيق لدخل المواطن ذي الدخل المهدود..
وذات يوم، مضى وانقضى، ضاعفت وزارة الكهرباء تسعيرة (فواتيرها) المستحقة على المواطن المنتوف، ضمن عقد إذعان معروف.. ولم تحسب حساب يوم تقصر فيه الكهرباء عن تلبية حاجات المواطن الملهوف... وحجتها أن مياه سد الفرات تدنت إلى مستوى لا يشغّل إلا نصف عنفات توليد الكهرباء.. وعلى عيني العنفات، وحزب العدالة والتنمية التركي، لكني أذكر أن مخترعاً سورياً، ابتدع مصيدة للرياح افترض أنها ستركب شرقي مدينة حمص، يمكن لها أن تولد عبر عنفاتها ما يزيد عن كهرباء السد.. وقد أعطي المخترع يراءة اختراع، ومكافأة خمسة آلاف ليرة.. وصل إلى جيبه منها ألف ليرة (بعد الفلترة).. وأما اختراعه فقد دفن في أضابير مملكة النسيان..
وأخشى أننا نحن الذين اخترعنا مملكة الشمس، ما نزال غارقين في ممالك الأحلام الجميلة..


العدد 166 (1687) 4 ــ 11 آب 2007


كان اسمه.. .
لا تذكروا اسمه!
خلوه في قلوبنا...
لا تدعوا الكلمة
تضيع في الهواء، كالرماد...

"We ask the Syrian government to stop banning Akhawia"
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.03863 seconds with 11 queries