عرض مشاركة واحدة
قديم 20/08/2008   #64
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


الديموقراطية والتطلّب القومي



إن الرأي العام يختار إعلامه ويصنعه ربما أكثر ممّا يصنع الإعلام الرأي العام. وربما تنطبق هذه الملاحظة أكثر في ما يخص المرئي والمسموع.
ليس من باب الصدفة، والحالة هذه، أن تكون »فوكس« حسمت السباق لصالحها ضد »سي. ان. ان« في الولايات المتحدة. فهي أكثر التصاقاً بمزاج الحرب العدوانية وأقل مهنية. وبما أن الرأي العام الأميركي متحمّس للحرب بأكثرية واضحة فلقد انعكس ذلك على نسبة المشاهدة.
لقد شهدنا في الأسابيع الماضية سباقاً بين الفضائيات العربية. ومَن يعرف طبيعة المناقشات في غرف التحرير، ومَن يلاحظ درجات الإقبال يجد ربطاً محكماً بين تغطية تدين الحرب وبين ارتفاع عدد المشاهدين. القناة الأكثر نجاحاً هي التي تُكثر من صور القتلى المدنيين، وتُظهر الدمار، وتتوقف عند الأسرى المدنيين، وتستخدم قاموساً شديد الانحياز ضد »الغزو« و»العدوان«. ليست وظيفة الفضائيات، العربية أو غيرها، مخاطبة العقل. تكتفي باستفزاز المشاعر. والمشاعر العربية إلى جانب العراق.
لهذا السبب وليس لغيره تحوّل وزير الإعلام العراقي محمد سعيد الصحاف إلى ظاهرة شعبية. قد يقول قائل إنه لا يقول الحقيقة، وانه سخيف وسوقي، وشتّام، وديماغوجي... وليس مستبعداً أن تكون هذه الأوصاف صحيحة خاصة إذا حوكم
الرجل بمعيار مخاطبة الرأي العام الأجنبي. غير أننا، هنا، أمام نوع من التشاوف الذي يخطئ تماماً في تعيين التطلّب العربي. فالمواطن العادي يرى في الصحاف شخصاً شجاعاً، حاضراً في أرض المعركة، تعبوياً، جريئاً، رافعاً للمعنويات. لقد أعطى وجهاً لما أبداه العراقيون من مقاومة. وتحدث بلغة تلبي حاجة نفسية لدى الكثيرين. وتحوّل غيابه إلى علامة خطر. واستفاد كثيراً من شبق عام إلى تصديقه. وساعده في ذلك، أن الجانب المعتدي ارتكب هفوات إعلامية بائسة.
إن شعبية الصحاف استفتاء يؤكد الرفض العربي العارم للعدوان. وهو عارم إلى حد أنه أقدم على معالجة الذاكرة فمحا منها ما كان يمكن أن يؤاخذ الصحاف عليه.
ثمة مثال آخر على الانحياز الشعبي. إذا أجري استقصاء للرأي يقول: من تفضل قناة الجزيرة أم صاحب قناة الجزيرة؟ هل هناك من يشكّك في النتيجة. الجواب محسوم. ويمكن، هنا أيضاً، توجيه اتهامات لا تحصى لهذه الفضائية. غير أن هذه الاتهامات لا تلغي إطلاقاً وجود تطلّب قوي لدى الجمهور العادي على موقف نضالي ولو رافق ذلك تأفف من هموم مهنية مؤكدة.
إن من واجب أي مسؤول أميركي أن يطرح على نفسه السؤال التالي: لماذا اختارت الحكومة القطرية الصديقة خطاً سياسياً إعلامياً ل»الجزيرة« مناهضاً للخط الذي تتبعه الدوحة؟ الجواب، هنا أيضاً، واضح. إن »الجزيرة« هي الستر الذي يفترض به تغطية عورة العلاقة مع واشنطن. ولذلك فإن الولايات المتحدة لا تمتنع عن تسويق النموذج القطري السياسي ولكنها تمارس اضطهاداً في حق الجزيرة يصل إلى حد القتل العمد.
* * *
تقود هذه المقدمات إلى تدعيم سجال مع »حزب الحرب« الأميركي. إن عليه أن يختار بين حالين: إما عالم عربي ديموقراطي ومعارض لسياسات واشنطن، وإما عالم عربي قمعي ومسوق إلى تأييد هذه السياسات. أما العالم العربي الديموقراطي والمؤيد للولايات المتحدة فهو ضرب من »الغول والعنقاء والخل الوفي«.
يدخل أقطاب من الحزب المشار إليه في نقاشات للدفاع عن وجهة نظرهم. يقولون: نعم في الإمكان فرض الديموقراطية والصداقة مع أميركا بقوة السلاح. والدليل أن هذا ما حصل في اليابان وألمانيا. يقولون: نعم في الإمكان فرض الديموقراطية بقوة السلاح حتى في مجتمع تعددي. يقولون: نعم في الإمكان التوصل إلى الديموقراطية حتى من دون تقاليد سابقة راسخة. والدليل أن هذا ما حصل في عدد من بلدان أوروبا الشرقية...
يتناسى هؤلاء حقائق بديهية.
ففي الحالتين الألمانية واليابانية تولّد شعور كاسح لدى الشعبين بأنهما عوقبا على عدوان قاما به. ولقد أدى ذلك إلى نشوء وعي، متفاوت بين البلدين، بأن الهزيمة القاسية والدموية كانت هي الطريقة الوحيدة لتحررهما من نزعة عدوانية. لا ينطبق هذا النموذج على الوضع العربي. فالشعور العام لدى العرب هو أنهم، على امتداد قرن ونيف، ضحية اعتداءات متلاحقة تبدأ بالتقسيم، وتمر بالخدائع، وتصل إلى قيام إسرائيل وما استتبع ذلك من قهر (مستمر) كانت الولايات المتحدة، في خلاله، راعية الاضطهاد والمسؤولة عن انكسارات كبرى. ليس في الأمر »بارانويا«. هذه حقيقة لا تفعل الولايات المتحدة سوى تعزيزها كل يوم. ولذا سيكون مستحيلاً النظر إلى حرب أميركية على بلد عربي بصفتها فعل تحرير له وللمنطقة يقود إلى ديموقراطية موالية.
لا بل، أكثر من ذلك، ينظر العرب إلى أي خلل في المقاومة العراقية للغزو بصفتها نتيجة طبيعية لنقص... الديموقراطية. وهم يعرفون أن العراق مستهدف لأسباب لا علاقة لها بالاستبداد (وإن كان يوفر ذرائع قابلة للتسويق) وأن الاستبداد هذا مسؤول عن ضعف النجاح في رد الاستهداف.
إذا كان المثالان الألماني والياباني لا ينطبقان على الحالة العربية فإن الحالة الأوروبية الشرقية أقل انطباقاً.
نحن هنا أمام شعوب قادتها ظروفها التاريخية إلى دمج تطلّبها القومي، ضد الاتحاد السوفياتي، بإيديولوجيا الخصم الدولي لموسكو، الديموقراطية السياسية والليبرالية الاقتصادية. غير أن الأصل كان التطلع القومي.
أما العرب فإن الشرط التاريخي لتحقيق مشروعهم القومي هو وضعهم، رغماً عنهم، في مواجهة مع المستعمرين القدامى والجدد. لذلك حصل الدمج، في مرحلة ما، بين »التحرر الوطني« و»الاشتراكية«. ولذلك، أيضاً، وحتى مع تبدد الأوهام في ما يخص »الطريق اللارأسمالي«، فإن كل ما يحصل لا يغيّر شيئاً من حدة التطلب القومي. لذا لا يمكن نقل تجربة أوروبا الشرقية حيث التحرر الوطني يقود إلى أفضل العلاقات مع الولايات المتحدة ما دام مديناً لها. إن واشنطن بحكم تعريفها لمصالحها في الشرق الأوسط، تجعل التحرّر العربي في حالة صدامية معها. ولا تعود الديموقراطية، بهذا المعنى، سوى الشكل التنظيمي للحياة العامة الذي يسمح باحتمال تحقيق ولو انتصار ما ضد سياسة الإلحاق التي شرعت تأخذ شكلاً كولونيالياً بائداً.
* * *
لقد كان »حزب الحرب« الأميركي حاسماً أمس في محاولته لتغييب صورة الحرب، أي لتغييب الرأي العام عن الحرب. والأمر غريب بعض الشيء لحرب تُخاض تحت عنوان »الثورة الديموقراطية«. هناك من يزعم أن هذا السلوك سيبقى غالباً وأن الصراع من أجل الديموقراطية سيبقى من مسؤولية القوى العربية الأكثر جذرية في تعيين التناقض بين مصالح المنطقة والمصالح الأميركية، وخاصة تلك المصالح المنظور إليها من زاوية حلف المتطرفين في أميركا وإسرائيل. ليس في الإمكان تمرير هذه المصالح في وضح النهار. لن تمر إلا إذا أعقب إطفاء الشاشات غرق العرب في ظلام مديد.

9/4/2003

قم واضرب المستحيل بقبضتك اليسرى
انت تستطيع ذلك
http://themanofpapers.wordpress.com
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04766 seconds with 11 queries