الموضوع: المرشدية
عرض مشاركة واحدة
قديم 08/02/2009   #7
شب و شيخ الشباب mhsen77
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ mhsen77
mhsen77 is offline
 
نورنا ب:
Nov 2008
المطرح:
بين البيت و الشغل ما عم افضى لشي تاني
مشاركات:
1,497

إرسال خطاب MSN إلى mhsen77 إرسال خطاب Yahoo إلى mhsen77
افتراضي سلمان المرشد من الزعامة الى المشنقة


سلمان المرشد من الزعامة الى المشنقة .. بقلم : خولة غازي
يثير تحقيق الكاتب والباحث السوري محمد جمال باروت لمذكرات احمد السياف اسئلة شائكة عن المساحات المطموسة والمسكوت عنها في التاريخ السوري الحديث وهو يحاول في عملية التحقيق المعمقة ان يسلط الضوء على هذه المساحة وينقلها من مساحة الصمت الى مساحة الصوت وان ينقل السردية التاريخية من الرؤية الاحادية البعد الى الرؤية الحوارية المتعددة الابعاد ، ويستفز باروت في مقدمته حقا المؤرخين السوريين الذين صرفوا النظر لاعتبارات وادعاءات شتى عن هذه المساحات ، ويبدي قدرا كبيرا من التحدي لهم مدشنا في الواقع عملية الغوص الموضوعية والتحليلية التاريخية والنقدية لاول مرة في مدرسة التاريخ السوري الحديث في تلك المساحات المسكوت عنها والتي لم يهدأ جمرها بعد ، وفي مقدمة هذه المساحات الفصل المسكوت عنه في التاريخ السوري الحديث الذي نقل المرشد زعيم العشائر الغسانية العلوية من الزعامة الى المشنقة .
والجديد في هذه المذكرات انها تقدم سردية مختلفة اشد الاختلاف عن السردية الرسمية وشبه الرسمية التي سوقتها ومولتها حكومة سعد الله الجابري يومئذ حول اعدام سلمان المرشد ، والكتاب مثير على مستوى سردية احمد السياف وعلى مستوى الوثائق والمراجع النادرة التي عاد اليها المحقق بدقة كبيرة الى درجة اننا لانعرف حتى الان في الكتب التاريخية التحليلية عودة من هذا النوع والكم ، ومن هنا حولت عملية التحقيق مجريات سردية السياف لتجربته مع كل من ابراهيم هنانو وسلمان المرشد الى معرض نقدي تحليلي للتاريخ السوري الحديث عموما والمسكوت عنها خصوصا ، فهو اشبه بمسرح يقف عليه جميع اللاعبين الاجتماعيين والسياسيين في تلك الفترة مكشوفين امام النظارة ، وهذا يعطي مقاربة المحقق للتاريخ الاسلوب الحواري الذي يضع كل لاعب في فضائه بقدر مايوضح لنا اللعبة الكلية القائمة خلف صراعات واستقطاب القوى وتناقضات المصائر في مرحلة عاصفة من التاريخ السوري الحديث هي مرحلة الانتقال من الانتداب الفرنسي الى الاستقلال .
ومثل كل محقق يتجرد باروت عن المواقف التحيزية تجاه اي لاعب من اللاعبين ليقدم الفاعلين الاجتماعيين وكأنهم يسردون حكايتهم بأنفسهم في ذلك المسرح الانتقالي العاصف الذي هز سورية يومئذ من اقصاها الى اقصاها ونعني به الحبكة او العقدة التي تفجرت حول قضية سلمان المرشد ، يخترق باروت في تحقيقه السردية الرسمية جذريا ويسرد التاريخ الممنوع الاخر وهو في كل ذلك لايفعل سوى التحقيق المعمق لما كتبه احمد السياف .
فسلمان المرشد وفق التحقيق اعلن في عام 1923 في بيئة تعج بالانقسامات والصراعات العشائرية والمذهبية عن قرب ظهور المهدي المنتظر وسرعان ماتحولت دعوته الدينية الخلاصية الى حركة اجتماعية خلاصية عمت مناطق الجبل الاعلى في الساحل السوري ومنطقة جبل الحلو في حمص وأخذت شكل تمردات وعصيانات على سلطات الانتداب حيث امتنع الاهالي عن الضرائب وقام بعضهم بطرد الاقطاعيين من قراهم وتسبب ذلك بقيام السلطات الفرنسية بنفي سلمان المرشد مع تسعة من ابرز مريديه الى مدينة الرقة لمدة سنتين ، حيث عاد المرشد في نهاية النفي في اواخر العام 1927 الى عرينه في جوبة برغال ، وفي الثلاثينات وتحديدا في عام 1936 اصطف المرشد مع القائمة الوحدوية ضد القائمة الانفصالية ، وساهم مساهمة فعالة في الفوز الساحق للقائمة الوحدوية في مناطقه وكان من بين من ترشحوا على قائمته المجاهد عمر البيطار قائد ثورة صهيون قضاء الحفة في العشرينات ، وقد تبنى المرشد الخط الاتحادي في مواجهة الخط الانفصالي واستطاع ان يلعب على التناقضات الفرنسية وعلى التناقضات مابين الاطراف التي اعتمد عليها الفرنسيون في الحكم كي يعزز نفوذه وسيطرته فشكل في منطقة سادتها الفوضى
لعقود طويلة نوعا من ادارة ذاتية كفلت الامن مقابل سيطرته على حركة تجارة التبغ مما ادى الى اعتراف الفرنسيين به كأمر واقع وعدم قدرتهم على لعب اي دور في مساعدة خصمه علي اغا بدور زعيم عشيرة الدراوسة وحامل وسام جوقة الشرف الفرنسي والذي كان من ابرز منافسي المرشد في منطقته ، ولقد مسح المرشد زعامة علي بدور في الارض ولم يستطع الفرنسيون ان يفعلوا شيئا .
بعد اعلان استقلال سورية في عام 1941-1943 اعيد انتخاب المرشد في عضوية المجلس النيابي السوري في اطار القوائم الوطنية ، وكان من ابرز ماتقدم به هو مطالبته هو بالحاق قضاء الحفة بمحافظة حلب كتعبير عن ولائه للحكم الوطني الجديد وعن رفضه للكيانية المصطنعة التي اقامها الفرنسيون تحت اسم دولة العلويين مدعيا ان قضاء الحفة مرتبط اقتصاديا وثقافيا بحلب .
في هذه الفترة كانت الدسائس الفرنسية والبريطانية قد وصلت الى اوجها ، ودعم البريطانيون رجالات الكتلة الوطنية في العودة الى الحكم ، وقد اعتمدوا في سياق حساسيتهم مع الفرنسيين سياسة استئصال كل من عمل مع الفرنسيين او تعامل معهم وفي هذا السياق ، غير انهم اضطروا للاعتماد على اخلص الخلصاء للفرنسيين في سبيل مقاومة المرشد ، وادت هذه المشاحنات مع تمفصلها بنوع معقد مابين الريف والمدينة مابين سلمان المرشد واقطاعيي المدينة على خلفية استيلاء المرشد في عام 1939 على مزرعة سطامو الخصبة واعادتها للفلاحيين ، ليتم تبني التخلص من الزعامات العشائرية القوية في سورية التي كانت تنتقل من الانتداب الى ٍالاستقلال وكان في مقدمة هذه الزعامات زعامتان كبيرتان زعامة سلمان مرشد في جبل العلويين وزعامة سلطان باشا الاطرش في جبل العرب ، واستطاع البريطانيون بعد ان وضعوا في اولى جدول اعمالهم تحطيم المرشد ان يحركوا عملية تسيير المرشد نحو المشنقة لكنهم لم يفهموا قط لا المرشد ولا البلد ولم يستوعبوا حجم ونوع التمايزات والتي حاولوا التلاعب بها
حاول المرشد الذي تمييز بحسه العملي ان يبدي اقصى ضروب الولاء للحكم الوطني فنسق علاقة ايجابية وثيقة مع فارس الخوري رئيس المجلس النيابي الذي غدا صديقا له وينزله في بيته ، كما لعب دورا كبيرا في عملية انتقال الجنود من جيش الشرق الى الجيش الوطني الجديد الملحق بالحكومة الوطنية والفرنسيين ، وفي عام 1945 القى فخري البارودي في المجلس النيابي كلمة المرشد التي وضع فيها نفسه وعشائره تحت تصرف الحكم الوطني ، غير ان كل هذا لم يشفع له اذ كانت زعامته قد باتت تشكل خطرا حقيقيا على الحكام الجدد ، ومن هنا اثيرت القضايا ضد المرشد كان قبع خلفها خصومه من اقطاعيي المدينة ومن بعض الزعامات العشائرية الاخرى ، وفي هذا الفصل على وجه التحديد يلعب احمد السياف دور الوسيط مابين حكومة سعد الله الجابري الخاضعة لنفوذ اقطاعيي المدينة وما بين سلمان المرشد حيث يقدم لنا في مذكراته سردية مختلفة كليا عن السردية الرسمية وفوق ذلك يقدم لنا معلومات معتم عليها ، وخلاصة سرديته ان المرشد قد وافق على التسوية على الرغم من انها قد حملت الغرم له والغنم لخصومه ، وانه تجاوب بشكل كامل مع رغبات الحكومة لنزع الذريعة عن تنفيذ المخطط المبيت
ضده ، فأعلن مزيدا من الالتصاق بالحكومة الوطنية ورفض حضور مؤتمر نقورو على الرغم من انه يؤيد قرارت المؤتمر.
ويبين لنا السياف ان ماتم لم يكن سوى كمين اعدته الحكومة للتخلص من زعامته وان من يقبع خلفها لم يكن سوى البريطانيون الذين كانوا من ابرز النافذين لدى الحكام الجدد والاقطاعيون في منطقة المرشد الذين كانوا على صلة وثيقة بالضباط البريطانيون ليقدم سلمان المرشد في النهاية الى المحاكمة بتهمة "الخيانة العظمى"
ولكن المثير في محاكمة المرشد انه قد قال في اول المحاكمة حين طرحت عليها القضايا المثارة ضده انه لايهتم بكل هذه القضايا بل تهمه قضية واحدة وهي قضية اتهامه الظالم بالخيانة العظمى وهو الذي نفاه الفرنسيون الى الرقة وناصر القوائم الوحدوية ومد يده الى الحكومة الوطنية ‘ وفي نهاية المحاكمة حين عرض عليه طلب تخفيف الحكم بالاعدام اعلن وانه قد برأته المحكمة من تهمة الخيانة العظمى فهو لايطلب العفو بل يطلب الموت موصيا ان يلف جسده بالعلم الوطني .
وهذا يعني ان المحاكمة برأت المرشد من تهمة الخيانة العظمى ، والمثير هنا ان شهادة صاحب المذكرات احمد السياف امام المحكمة مع بعض شهادات اخرى رفضت الرضوخ لتعليمات الحكومة بتقديم شهادات زور لدفع المرشد بالخيانة قد قلبت مجريات المحاكمة كليا ، حيث لم تستطع المحكمة ان تحكم عليه سوى جنائيا بتهمة قتل زوجته الاسطورية هلالة داوود الملقبة بام فاتح ، مع ان عملية قتله لها قد تمت في ظروف الكمين والهجوم الذي اعدته الحكومة ضد المرشد وليس العكس ، وقد قتلها المرشد كي لاتقع بين "مخالب الذئاب" وبناء على طلبها .
ويروي السياف في مذكراته تفاصيل الساعات القليلة التي فصلت مابين مغادرته جوبة برغال ومابين مداهمة قوات الجيش والدرك لمعقل المرشد ، ويكشف عن ان المرشد وقد عرف بالمخطط المبيت ضده لم يقم بأية مقاومة وامر رجاله بوقف اطلاق النار وسلم نفسه في محاولة لانقاذ عشيرته ، غير ان الانتقام كان كبيرا حيث تم اعدامه ونفي العشرات من ابنائه ووجوه عشيرته الى المنطقة الشرقية .
يروي السياف هذه التجربة ويكشف خفاياها ويقدم اول سردية من نوعها في التاريخ السوري عن هذا الفصل المكتوم والذي مايزال مسكوتا عنه ، ويبين هذا الفصل بشكل عميق تفسيرا لما حدث لاحقا في هذا التاريخ من صراع مابين الريف والمدينة وتغيرات مواقع السلطة نتيجة لذلك .
بقي ان نقول ان احمد السياف قد كان من ابرز المقربين لابراهيم هنانو ، كما كان من ابرز المقربين لسعد الله الجابري رئيس الحكومة السورية يومئذ ، وقد ثمن شهادته المخالفة لتعليمات الحكومة بأن اقيل من منصبه كأول مدير وطني لشركة الريجي التي كانت تمثل يومئذ اكبر مورد من موارد الخزينة العامة ، لينتقل السياف بعد هذا الفصل الدامي الذي نقل المرشد من الزعامة الى المشنقة ، الى صفوف المعارضة ضد الحزب الوطني الحاكم ليتحول من قريب للجابري الى احد ابرز اعدائه
وقام المحقق هنا ولاول مرة في مدونات التاريخ السوري الحديث بنشر برقيات محافظ اللاذقية عادل العظمة الى كل من رئيس الحكومة سعد الله الجابري ووزير الداخلية صبري العسلي ، وهذه البرقيات والاوراق لم تنشر في مذكرات عادل العظمة الذي تولى عملية قيادة وتنفيذ الفتك بالمرشد وتنفيذها والتي حققتهاالمؤرخة خيرية قاسمية ، ولكن باروت نشرها في عملية التحقيق وتبين هذه البرقيات مجريات التورط الحكومي المتعمد والمدروس في عملية تلفيق التهم ضد المرشد وسوقه الى المشنقة .
هذا الكتاب يروي صفحة دامية في تاريخ الانتقال من الاستقلال ويقدم رؤية عميقة في التسامح وفي احترام الاصوات المتعددة في التاريخ وفي الدعوة الى الاندماج الوطني والاجتماعي خارج عملية التشويه والتنميطات التي تعرضت لها جماعات كثيرة في سورية وفي مقدمتها جماعة المرشد التي تحولت بعد موته الى الدعوة المرشدية والتي تنتسب الى ابنه مجيب ، وماتزال هذه الدعوة مستمرة وقائمة كمذهب ديني في سورية ، على الرغم من الحكومات المتعاقبة حتى عام 1970 قد مارست اضطهادا منهجيا وصل الى حد الحملات العسكرية ضد المرشديين واصدرت قانونا يجرم كل من ينتسب الى الطائفة المرشدية من ستة اشهر الى سنتين مع الغرامة ، وعلى الرغم من هذا كله واظب المرشديدون بالتمسك بمعتقدهم والدفاع عنه ليشكلوا الان احدى الهويات الثقافية والدينية في المجتمع السوري ،
و تكمن اهمية التحقيق في انها تلقي اضواء كاشفة ومكثفة عن طبيعة تشكل الدعوى المرشدية وابرز معتقداتها ومفاهيمها ، كما تلقي ضوءا مكثفا حول دورها اللاحق في احباط انقلاب رفعت الاسد ضد شقيقه في العام 1984-1983 وتعتبر هذه الاضاءات الاولى من نوعها في هذه الدعوة ، ولقد باتت مذكرات السياف مع عملية التحقيق المعمقة التي قام بها باروت مرجعا لاغنى عنه في دراسة تاريخ الفترة الانتدابية والتحول الى الاستقلال وفي تفسير العديد من الظواهر في التاريخ السوري اللاحق ،
وكأن المذكرات تقول لنا ان التاريخ لايمكن ان يصمت فهذه حقيقة ماجرى للمرشد يتم كشفها بعد حوالي خمسين عاما من اعدامه لتشكل نوعا من الحقيقة -الصدمة ، ومذكرات السياف مع تحقيق باروت له هما في كل المعايير نوع من الصدمة .
* المذكرات جاءت باصدار خاص بعنوان شعاع قبل الفجر:مذكرات احمد نهاد السياف ، تقديم و تحقيق محمد جمال باروت


المصدر شام برس
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.06213 seconds with 11 queries