عرض مشاركة واحدة
قديم 21/10/2006   #2
post[field7] dot
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ dot
dot is offline
 
نورنا ب:
May 2006
مشاركات:
3,276

افتراضي


فالذي احتقر في صغره وكان موضوعا للسخرية والقمع النفسي والفكري... وكان ممسوخ الهوية "أعني قمع صوت الأنا" يتشكل لديه أسلوب عصابي في التعامل مع الآخرين يدفعه من بدايات شبابه إلى أن يعمل على "ردّ اعتباره" لنفسه واعلاء صوت "الأنا" من خلال النيل ممن يتخذه ضحية من هؤلاء الآخرين بإذلاله والاعتداء عليه . وبتكرار الضحايا يجري تضخيم "الأنا" وصولا لأن يكون بحجم صورة "البطل" في ذهن صاحبه، التي تكون عند العصابي بلا حدود .
والإرهابي ـ في اجتهادنا ـ عصابي، بمعنى أنه يفقد المرونة في التعامل مع الأمور ولا يجد إلا حلا واحدا لكل قضية يسيطر عليه ويكون هذا الحل قسريا ، بمعنى يجبره على إن يقوم به ، ويجعله حرونا عنيدا حتى لو كان فيه فناؤه .
ويعد النظام التربوي بمؤسساته التعليمية من الابتدائية إلى الجامعة القناة الأكثر تأثيرا في تشكيل القيم لدى التلاميذ والطلبة ، وأول من يحدد لهم الطريق الى ثقافة معينة. والباحث في الأنظمة التربوية العربية يجد أنها تقوم على تكريس علاقات السلطة الخاصة بالنظام الأبوي ، وتسعى الى الضبط الاجتماعي بدلا من توظيف الحرية المترتبة عن المعرفة. فالتعليم عندنا يقوم على التلقين وحشو الذاكرة الذي ينتج بالضرورة عقلا يأخذ بالأمور كما لو كانت مسلمات دون أن يتحاور معها بفكر ناقد . فتلقين الطالب تفسيرا واحدا أو رأيا واحدا، وإجباره على تبنيه، واحدة من السمات السلطوية البارزة في مناهجنا التربوية التي نجم عنها أن الطالب (حتى الجامعي) تعود على الخضوع والعجز، وغلق كل نوافذ عقله إلا النافذة التي تضخ عليه المعلومات ليودعها في مخازن الذاكرة . وبهذا صاغ النظام التربوي العربي عقولا عودها على أن " تستقبل" لا على أن "تحاور" . وجعل من هذه العقول أشبه بحصان العربة، لا ترى إلا الذي أمامها في خط مستقيم ، وإن استدارت فبتوجيه من سائسها . وللأسف فأن "السائس" لها من أصحاب الفتاوى المتشبع بثقافة الحقد ضد سلطة أو قوة يرى فيها أنها طاغية أو باغية وأنه لا سبيل الى إيقافها عند حدها إلا بالعنف. ولهذا السبب فأنه سهل على الشباب المحبط والعقول التي لا ترى إلا حلاّ واحدا لكل أزمة ، تّلقي الفتاوى والعمل بها دون نقاش .
أما موضوع السلطة ، فذلك هو مرض العرب المزمن منذ ما يزيد عن ألف وثلاثمائة سنة . فقد كانت ولا تزال أقرب إلى "التسلط" منها إلى "السلطة". ذلك أن السلطة في المفهومين الفلسفي والأخلاقي ضرورة اجتماعية (لتنظيم أمور المجتمع)، وضرورة نفسية (لتحقيق العدالة بين الناس)، فيما يتضمن مفهوم "التسلط" معاني الظلم، والقهر، والإكراه، والتشديد، والعنف، والإرهاب ... وهو الأقرب لواقع الحال في مجتمعاتنا العربية . فضلا عن أن السلطة لدينا تتفرد بالثروة والبذخ والترف السفيه . ومعروف أن المجتمع الذي يضع قيمة كبيرة على الأمور المادية ، تتمتع فيها فقط جماعات قليلة في السلطة تأكل لحم الغزلان المطّعم برائحة الهيل فيما يأكل الفقراء خبز النخالة (كما حصل في العراق)، فانه تبرز في هذا المجتمع حالة الإحساس بانعدام العدالة الاجتماعية لدى الجماعات المحرومة منها ، فيظهر بينهم من يعمد الى تجاوز قيم المجتمع ونظامه ليأخذ حقه بسيفه .
والمفارقة أن عامة العرب رسمت صورة عن السلطة العربية مشابهة لصورة أحمد عبد الجواد (سي السيد في ثلاثية نجيب محفوظ) الذي يحل لنفسه اللهو الحرام ، ويحرّم على أهل بيته اللهو الحلال . فنشأت حالة من "اغتراب" الفرد العربي عن سلطته، نجم عنها فقدان المعنى أو الهدف من الحياة ، فصار معظم الشباب العربي موزعا بين القديم والحديث ، سواء نزع قسم منهم إلى السلفية ، أو اتجه آخر إلى تقليد الغرب ، فكلا الحالين يمثل الاغتراب عن السلطة والمجتمع والذات .
ومحنة نفسية ثقافية وقيمية أخرى يعيشها الشاب العربي ، هي أنه يملك تاريخا مجيدا و يحمل في الوقت نفسه صورة سلبية عن ذاته . وبين هاتين الصورتين(الحالين) يعيش حالة مأزقية . فتاريخه يحدثه بالأمجاد فيما حاضره يصفعه بالانكسارات وبما يحاول أن يذلّه . وما يزيد من هذه المحنة أن السلطة في مجتمعاتنا العربية تعمق إحساس الفرد بمشاعر الإحباط ، وتمارس آلية "الإسقاط " بأن تتنصل عن مسؤولياتها وترميها على قوى خارجية ، فوضعته في حالة نفسية مأزقية : أما أن يستكين لها و يقبل بالأمر الواقع بأي تخريج نفسي مخفف ، واما أن يخاصمها ويبحث عن "سلطة" أخرى ، يجد فيها ذاته...ولقد وجدها في "الجامع" و "أهل الفتوى".
فقد التقط بعض أئمة الجوامع من الذين أفتوا بقطع الرؤوس ، من التاريخ الإسلامي وفقهه ما يشبع الحاجات النفسية لدى بعض الشباب العرب المتشبعين بثقافة الإحباط والانكسار النفسي ، ويحرضّهم على " الجهاد" لتغيير واقع متخم فعلا بالظلم وتخلخل أو انعدام العدالة الاجتماعية وتحلل من قيم يرون فيها الأصالة والهوية ، فاحتقنوا بما يثير لديهم غريزة العدوان وشرعية الانتقام . وأهملوا الضفة الأوسع من الدين التي تدعو إلى التسامح والحوار واصلاح الحال بالتي هي احسن ، ومتى يكون الجهاد فرضا موجبا. وغيّبت قوى الإصلاح الديني وصارت مهمشة ، فكانت فوضى الفتاوى التي انشغل بها الناس الآن بعد أن كانوا منشغلين بالفكر والثقافة والسياسة .
وللحقيقة فان قطع رؤوس الخصوم وذبحهم ذبح الشاة ، ليس جديدا في تاريخنا العربي و الإسلامي .فقد ذبح السلف ابن بنت نبيهم . وما كان الذابحون من عامة الناس . فالذين نحروا رأس الحسين كانوا أبناء صحابة ، وجرى المشهد أمام أنظار صحابة أيضا . وطافوا بالرؤوس (الحسين وأصحابه) في أمصار العرب والإسلام .
وقتل معاوية عمر الخزاعي ورفع رأسه على رمح من الموصل حتى دمشق، ثم رموا رأسه في حجر زوجته الرهينة . ورمى هشام بن عبد الملك رأس الإمام زيد بن علي في حجر والدته . ورمي رأس مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية في حجر ابنته . ورمى أبو جعفر المنصور رأس إبراهيم أخي النفس الزكية في حجر والده عبد الله بن الحسن . ورمي رأس المعتز بالله في حجر جاريته . ورمي رأس ابن الفرات في حجر والده الوزير قبل ضرب عنق الأخير ...والقائمة طويلة ، فحكام العرب والإسلام كانوا يتفردون بحفظ رؤوس الخصوم بخزائن في مقرات إقامتهم !.
ولا يختلف التخريج الفقهي للذبح في ((دين السلطة)) و ((ثقافة العنف)) وفتاوى القائلين بـ ((حلال الدم )) التي أشاعها السلف عن ذبح الخلف لشباب من الكورد والشيعة في الفلوجة، وذبح عميدة كلية الحقوق وزوجها في الموصل ، ومئات مشاهد الذبح الأخرى ، من أطباء وعلماء وأكاديميين الى عمال قمامة ... لا نملك إزاءها سوى موقف الحلاّج (الحسين بن منصور) حين جاءوا به الى منصة الإعدام ، فصعد وضحك حتى دمعت عيناه . وشرّ البلية ...أن النابشين في موروثنا الفقهي عما يحرق الحاضر، يفتي به ليس فقط بعض من يضع العمامة على رأسه ، بل وقيادات أحزاب وكتل دينية يدعون الى العدالة والفضيلة !.
نكرر ما بدأنا به :
إن الارهابي لا يولد إرهابيا ، إنما نحن الذين صنعناه : الأسرة والمدرسة والجامع والسلطة التي لم تقم العدل بين الناس .
وفي أدبنا العربي قول بليغ :
ألقاه في اليم مكتوفا وقال له
إياك إياك أن تبتل بالماء
وفي الإنجيل أيضا مقولة بليغة :
" إذا فسد الملح فبماذا نمّلح ؟! "

13-05-2007

مدونتــي :

- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا -
 


  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04033 seconds with 11 queries