الموضوع: أسبوع وكاتب - 2
عرض مشاركة واحدة
قديم 14/07/2008   #228
صبيّة و ست الصبايا ليندا
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ ليندا
ليندا is offline
 
نورنا ب:
Sep 2006
مشاركات:
1,130

افتراضي مقنطف من كتاب ،،،،


السؤال الذى لا يتوقف عن مواجهتى منذ بدأت أكتب وإلى اليوم هو: هل أنا كاتب سياسى أم كاتب قصص..أم هل أنا سياسى أم أديب؟

والغريب أنى أترك هذا السؤال للناس
ولا أسأله أبداً لنفسى..ربما لأنى لم أتعمد يوماً الكتابة فى السياسة أو كتابة القصص..أى أنى لم أضع نفسى أبداً فى موضع الكاتب المحترف المتخصص فى الموضوعات السياسية أو الموضوعات الأدبية، حتى فى دراساتى منذ كنت طالباً لم تنحصر هواياتى فى الأدب وحده أو فى السياسة وحدها، وكنت خلال الحركات الوطنية أقضى يومى كله فى مظاهرات الطلبة السياسية ثم أعود إلى البيت لأقرأ قصصاً لا علاقة لها بالسياسة ولا بالحركات الوطنية، وقد استغرقتنى القراءة خلال سنوات الجامعة وكنت أقرأ كثيراً خارج مقررات كلية الحقوق ولكنى أيضا لم أتخصص فى اختيار ما أقرأه، وقد قرأت أيامها عن كل المذاهب والدراسات السياسية على مر التاريخ وفى الوقت نفسه قرأت عشرات من الإنتاج القصصى العالمى، وكنت أقرأ كهاو لا كدارس، كنت أهوى القراءة السياسية كما أهوى القراءة الأدبية، وكنت أحس دائما عندما أقرأ كأنى سائح يطوف بالآثار الفكرية لكل الشعوب وهو ما لا أزال أحس به كلما قرأت كتاباً جديداً.
وربما كان عدم قدرتى على استكمال شخصية المحترف سواء كسياسى أو أديب هو الذى وضعنى دائماً موضع المتفرج من بعيد، فلم أنضم يوماً إلى حزب أو هيئة أو تجمع سياسى بل وضعت نفسى خارج كل الأحزاب وكل الهيئات وهو ما دفعنى إلى إطلاق تعبير " الشارع السياسى " حيث أقف بعيداً عن مسئولية الإحتراف السياسى، أقف فى الشارع وهو التعبير الذى أصبح بعد ذلك شائعاً وأصبح له اثره فى تقدير آراء وتصرفات محترفى لسياسة، كل منهم يريد أن يكسب الشارع السياسى، وفى الوقت نفسه فإن عدم استكمالى لشخصية الاحتراف الأدبى أي شخصيتى كأديب محترف، هو ما جعلنى بعيداً عن كل التنظيمات والتجمعات الأدبية، بل إنى كنت صاحب فكرة إنشاء نادى القصة ثم صاحب فكرة إقامة المجلس الأعلى للفنون والآداب، ورغم ذلك فقد وجدت نفسى منعزلاً عن نادى القصة وعن المجلس الأعلى لمجرد أنى لا أستطيع بحث ومناقشة ما يخص الإحتراف الأدبى لأنى لا استطيع أن أعيش شخصية المحترف، ولذلك عشت واقفاً فى الشارع الأدبى كما انا واقف فى الشارع السياسى.
وهذا الجمع بين السياسة والأدب هو الذى حير الناس فى تحديد شخصيتى ككاتب والواقع إنى عندما بدأت أكتب وأنشر كتبت قصصاً وخواطر وإنطلاقات أدبية وفنية، ولكنى أول ما عرفت عند الناس لم أعرف ككاتب قصة وإنما عرفت ككاتب سياسى، وذلك رغم أنى كنت أكتب آرائى السياسية وانطلاقاتى القصصية فى وقت واحد وكانت تنشر معاً فى مجلة روزاليوسف، وفى أعداد روزاليوسف التى نشرت فيها قضية الأسلحة الفاسدة –مثلاً- كنت أنشر فيها ايضا قصة النظارة السوداء، ولكن الذى قدمنى إلى القراء أيامها هو أن الأقلام كانت تعيش فى جو واسع من الحرية السياسية، وهذه الحرية هي التى قدمتنى ككاتب سياسى قبل أن أعرف ككاتب قصص، ثم بدأت حرية الأقلام بعد ذلك تتقلص سياسياً حتى لم يعد هناك مجال للتعبير عن كل آرائى، فبدأ القراء يعرفوننى ويكتفون بى ككاتب قصة.
والواقع أنى اساساً أرفض تقسيم نفسى غلى كاتب سياسى وكاتب قصصى، لأنى لا أعتبر الفكر السياسى يتطلب التخصص أو هو فكر فكر مقصور على المتخصصين، إن الفكر السياسى هو مزيج من كل انطلاقات الفكر الآدمى، أي أن كل بنى آدم يعيش وهو يفكر سياسياً مهما اختلفت الطبقات ومهما اختلفت المستويات، والفلاح الأمى عندما يناقش تصرفات شيخ الخفر –مثلاً – فهو فى الواقع ودون تعمد ودون وعي يدير مناقشة سياسية تقوم على نفس المنطق الحوارى الذى يتناقش به رئيس وزراء مصر مع رئيس الولايات المتحدة، وست البيت عندما تناقش الأسعار وعلاقاتها بالبقال أو الخياطة أو الغسالة هى فى الواقع تناقش الوضع السياسى المتحكم فى تنظيم الإدارة وهي مناقشة تنتهى دائماً بلعن الحكومة والوزير ورئيس الوزراء وربما انتهت إلى ثورة.
وهذا هو الذى يجعل كاتب القصة لا يستطيع أن يتحرر من فكره السياسى، وكل القصص حتى القصص العاطفية بما فيها قصة روميو وجولييت تدور حول مجتمع سياسى.
وربما كان ما دفع البعض إلى تصور أنى متخصص فى كتابة القصة هو أنى تعودت أن أجمع قصصى فى كتب، ولكنى لم اجمع آرائى السياسية فى كتاب، ولا أدرى لماذا؟
ربما لأنى اعتبرت أن آرائى السياسية متعلقة غالباً بالأحداث، والأحداث تمر وتنتهى وينسها القارئ وينسى معها التعليق عليها أو الراي فيها، فإذا جمعت هذه الآراء فى كتاب فإنى يجب أن أعد لكل رأي مقدمة طويلة تسجل وتفسر الأحداث التى بنيت عليها هذا الرأي حتى يستطيع القارئ ان يستوعبها، أي أنى مضطر أن أسجل التاريخ المصرى الذى عشته، وأنا لست من كتاب التاريخ.
وربما كان السبب فى عدم حرصى على جمع آرائى السياسية فى كتاب هو إنى تصورت إن الناشرين لا يرحبون بنشر الكتب السياسية إلا فى مناسبات محددة كما تهافتوا على نشر كتب الذكريات بعد وفاة عبد الناصر، ولذلك اغنيت نفسى عن المحاولة واكتفيت بجمع القصص فى كتب يضمن الناشر سعة مجال توزيعها، إلى أن التقيت بالأستاذ عبد المنعم منتصر، وهو رجل أعمال شاب أخذته هوايته للقراءة إلى التفكير فى إضافة مشروع جديد إلى مشروعاته بإقامة دار للنشر، وهو يعتقد إنى ظلمت نفسى بعدم جمع آرائى السياسية فى كتب، بل إنه كما أحسست من رأيه يعتبرنى كاتباً سياسيا قبل أن أكون كاتب قصة، وهو رأي عدد كبير ممن يشرفوننى بقراءة ما أكتب.
والأستاذ عبد المنعم منتصر بريد ان أجمع آرائى السياسية فى كتاب، وبدأت أراجع نفسى وأراجع ما كتبته، والواقع أن التعليق السياسى قد يكون منطلقاً عن حدث ولكنه ليس مرتبطاً ارتباطاً كاملاً بهذا الحدث حتى يضيع وينسى مع تغير الأحداث، إن التعليق فى الغالب يقوم على دراسة وتسجيل وتفسير مبادئ سياسية تعتبر ركيزة لكل فكر سياسى مهما تغيرت الأحداث، أي أن ما أكتبه ليس تعليقاً ولكنه دراسة قائمة بذاتها، وكان من الخطأ أنى أهملت جمعها فى كتب تبقى لتقرأ.
واقتنعت بأن أبدأ فى نشر أرائى السياسية فى كتب.
واخترت سلسلة من الدراسات والآراء بدأت كتابتها منذ شهر نوفمبر عام 1978 ولم تنشر فى صحف القاهرة واغلبها متعلق بتقديرى للتقييم السياسى الخاص بالمفاوضات بين مصر وإسرائيل بعد مبادرة الرئيس أنور السادات بزيارة القدس ثم بأثر أحداث إيران على تطورات المنطقة التى نعيش فيها سياسياً.
وارجو أن يشجعنى هذا الكتاب على استكمال جمع آرائى السياسية فى كتب أخرى.
إحسان عبد القدوس




(((كانت هذه مقدمة كتاب خواطر سياسية التى كتبها إحسان عبد القدوس بنفسه))


و اخيراً توفّي إحسان عبد القدوس في الثاني عشر من شهر يناير عام 1990 عن عمر يناهز 61 عاما .



لا تحلموا بعالم جديد
فخلف كل قيصر يموت
قيصر اخر جديد
وخلف كل ثائر يموت
احزان بلا جدوى
ودمعة سدى

،،أمــل دنقل
:
((We ask the Syrian government to stop banning Akhawia ))
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04583 seconds with 11 queries