عرض مشاركة واحدة
قديم 04/05/2008   #191
شب و شيخ الشباب mnhoos
شبه عضو
-- اخ حرٍك --
 
الصورة الرمزية لـ mnhoos
mnhoos is offline
 
نورنا ب:
Sep 2006
مشاركات:
50

إرسال خطاب MSN إلى mnhoos
افتراضي


-مناقشة فكرية لموضوع "التراث"
في هذا المقال أريد التركيز على رؤية زياد للتراث الفني المحلي وقد بدأ بطرح هذا الموضوع في المسرحية الثانية "نزل السرور" حيث يسخر على لسان بركات المطرب وقيصر الملحن من التراث. من "هيهات يا بو الزلف" و"دلعونا" ومن "شلح الزنبق" و"نبع المي" و"الطير الشادي" و"كتف الوادي" وإلخ.. ("أبو الزلف" و"دلعونا" ينتميان حقاً إلى التراث أما التعابير الأخرى فتنتمي إلى المدرسة الرحبانية التي يبدو أن زياداً لا يفرقها عن التراث وهو غاضب منها بنفس قدر غضبه من التراث)
كما رأينا خصص زياد مسرحية كاملة "شي فاشل" للسخرية من التراث ومن المدرسة الرحبانية وهو يصلي التراث بنيران حامية بل يلجأ لأجل هذا الغرض إلى خلق مشهد لا معقول في مسرحية واقعية هو مشهد هجوم يقوم به "أبو الزلف" بالذات لتخريب مشروع مسرحية رومنسية تزيف الواقع اللبناني.
إذا كان زياد لا يفصل بين التراث الموسيقي الرحباني، برؤاه الحالمة (والحاملة لأيديولوجيا اجتماعية طوبوية تصور المجتمع اللبناني بصورة وردية زائفة) وبين "التراث" عموماً، أي التراث الموسيقي العربي و التراث الشامي و اللبناني جزء منه، فإن هذا في نظري خطأ فادح يقع فيه زياد، وهو السبب الذي يجعله يسير في اتجاه فني ضال.
سأذكر كلمة "ضال" غير آبه بصيحات الاستنكار التي قد تنطلق من حناجر بعض أصحابنا من أنصار المدرسة المبتذلة التي تسود "مقولاتها" الآن بعد انهيار مدرسة الالتزام في الخمسينات والستينات. هذه المدرسة السطحية الجديدة القديمة ما هي إلا كاريكاتور للمدرسة الأوروبية التي رفعت شعار "الفن للفن" فهم يستهجنون "الأحكام الأيديولوجية" على الفن وأقول: لندعهم في أوهامهم التي تناسب النزعة الارتزاقية وعدم الرغبة في تحمل مسؤولية موقف من القضايا الملحة للجماعة.
وخطأ زياد وخيم العاقبة لأنه يأتي من شخص ذي مصداقية شخصية. إنه يأتي من شخص أثبت على الزمان التزاماً ونزاهة ولا يأتي من شخص انتهازي لا يأخذه أحد على محمل الجد.
ثمة أسباب وجيهة "لزعل" زياد من المدرسة الرحبانية التي استخدمت بعض التراث ودمجته في عملها الفني الذي يمكن تأويله في شكل من أشكال التأويل السياسي- التاريخي على أنه دفاع عن النظام الاجتماعي- السياسي اللبناني القائم، عن النزعة الانعزالية المركزة على "الخصوصية اللبنانية" (ولأجل الأمانة فإن هذا ينطبق فقط على جزء من التراث الرحباني ولكنه جزء مهم وفي المقابل ثمة أعمال رحبانية مثل "رجال الصوان" فيها بعد نضالي مختلف) غير أن "التراث" بمعناه العام ما هو إلا الجذور الحية للجماعة، وإذا أردنا قلع هذه الجذور فسوف يصبح المجتمع بلا مناعة، ريشة في مهب الريح، وهذه الدعوة إلى قلع الجذور الثقافية هي بالذات الخطيئة الأصلية العظمى للثقافة العربية الحديثة. وهي تكون مفهومة حين تأتي من أشخاص هم بانتمائهم الطبقي عملاء للإمبريالية الغربية مثل لطفي السيد ولكنها لا تكون مفهومة حين تأتي من فنان أثبت التزاماً وطنياً مطلقاً مثل زياد رحباني.
وعلى أساس هذا الضلال الخطير في الوعي الاجتماعي- التاريخي يقوم ضلال في الوعي الفني قاد زياداً إلى تجاربه الموسيقية الأخيرة منفرداً أو "مورطاً" والدته وهو يخطئ إذا استصغر شأن الرفض الجماهيري لهذه التجارب ومن المؤسف أن نراه مقتنعاً ببعض الأطروحات الاستشراقية عن الموسيقى العربية (التي يرددها أيضاً الدكتور فؤاد زكريا) التي تحتقر هذه الموسيقى بحجة أنها موسيقى لا تستطيع الانفصال عن الكلمات.
برأيي أن هذه الحجة لا تصمد لأي مناقشة جدية وما هي إلا تعبير عن العنصرية والاستعلاء إذا أتت من الغرب أو عن عقدة النقص والاستلاب إذا أتت من عندنا ولا تستند في واقع الأمر إلا إلى الاعتقاد الاستلابي التالي: "كل ما يميز العرب هو أدنى وكل ما يميز الغرب هو أعلى".
وقد ناقشت مراراً بعض المثقفين العرب الحديثين الذين كانوا يرون بجدية أن المرء لا يكون متحضراً ما لم يسمع بتهوفن باستمتاع وتفهم وقلت لهم: هل يمكن أن نقول إن المرء لا يكون متحضراً إذا لم يسمع الموسيقى الصينية باستمتاع وتفهم؟ هل نصف الغالبية الساحقة من الأوروبيين الذين لا يرون في الموسيقى الصينية إلا شيئاً يشبه مواء القطط بأنهم "غير متحضرين" أو "لا يفهمون بالموسيقى" (تشبيه هذه الموسيقى بمواء القطط سمعته من امرأة أوروبية لم تكن بالمناسبة لا عنصرية في الأساس ولا جاهلة) أم نصف كل من لا يفهم الموسيقى التقليدية العربية الصعبة (السماعيات والبشارف والأدوار والموشحات) ولا يستمتع بها (والذين لا يفهمون هذه الموسيقى يشكلون غالبية العرب المعاصرين وكل الغربيين) بأنه غير متحضر أو لا يفهم في الموسيقى؟ ولماذا يجب عليّ أن أفهم بتهوفن وسترافنسكي والموسيقى الأحدث ولا يجب عليهم أن يفهموا الموسيقى العربية؟
والجواب الصحيح في رأي هو التالي: ليس "من الواجب" لا فهم الموسيقى الصينية ولا العربية ولا الأوروبية وإنه يكفي أن يفهم المرء واحداً من هذه الأنواع من الموسيقى لنحكم عليه بأنه يتذوق الموسيقى، وما من نوع من هذه الأنواع هو "أحسن" من الأنواع الأخرى أو هو "متقدم" عليها تماماً كما أنه ما من لغة هي خير من لغة أخرى، والأمر في الموسيقى (كما في الفن وكما في اللغة) يختلف كلياً عنه في التكنولوجيا أو في العلم الطبيعي فالعلاقة بين الموسيقى العربية والموسيقى الغربية لا تشبه العلاقة بين العربة التي يجرها الحصان والسيارة ولا العلاقة بين نظرية بطليموس في الفلك ونظرية كوبيرنيكس!
2-عن البناء المسرحي في مسرح زياد الرحباني:
لن نتطرق هنا إلى مسرحية زياد الأخيرة حتى كتابة هذا المقال "بخصوص الكرامة والشعب العنيد".
مسرحيات زياد الخمس ("سهرية"،"نزل السرور"، "بالنسبة لبكره شو"، "فيلم أميركي طويل"، "شي فاشل") لا تتماثل في درجة إتقان البناء المسرحي، فهذا البناء يشكو من اختلال هام ناتج أساساً عن الحدث المصطنع غير المقنع في "نزل السرور" وعن عدم فهم الموضوع الأساسي الذي ينبني عليه الحدث في مسرحية فيلم أميركي طويل (وهو موضوع المرض النفسي والعلاج النفسي والربط غير الصحيح بين هذا الموضوع والوضع السياسي) وبالمقابل تتمتع مسرحيتا "بالنسبة لبكره شو" و"شي فاشل" ببناء مسرحي متماسك ومقنع، ولن نذكر "سهرية" التي كانت تجربة مراهقة لم تتضمن أكثر من "اسكتشات" مسلية.
ولعله من الشيق أن نلاحظ أن نجاح زياد في البناء المسرحي كان يتفق مع صحة رؤيته العامة لموضوع كل مسرحية، فإن رؤيته للحركة الثورية في "نزل السرور" كانت وهمية وبعيدة عن الحركة الثورية في الواقع اللبناني، على حين تألق في "بالنسبة لبكره شو" التي تفضح واقع التركيبة البرجوازية التابعة للاقتصاد اللبناني وفي "شي فاشل" التي يتطرق فيها زياد فيها إلى الموضوع الذي يعرفه جيداً: واقع السيكولوجيا الجماعية اللبنانية المتناقضة مع الادعاءات الأيديولوجية الوهمية التي تتحدث عن مجتمع لبناني متماسك متحاب لا توجد فيه حتى.. الطائفية!
وأياً كان حكمنا على البنية العامة للمسرحية الزيادية فلا بد من ذكر تألق زياد الدائم في الحوار العفوي والسلس الممتلئ بالنكات اللاذعة وابتعاده الدائم عن كل مثالية في رسم الشخصيات ولعل هذا ناتج عن سمة شخصية فيه أهم ميزاتها الصدق وانعدام "المزاودة"!
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04371 seconds with 11 queries