الموضوع: حوارات
عرض مشاركة واحدة
قديم 09/01/2008   #228
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي





- لم يسبق أن كان حضورك بمثل هذا الوضوح منذ صائفة العام 2003. فأنت لم تصدر العديد من الأعمال الجديدة فحسب بل إنك جُلت عبر العالم كي تشارك في الندوات العالمية المنظَّمة حول أعمالك- من لندن الى كوامبرا Coimbra مرورا بباريس كما انك تسافر هذه الأيام الى ريو دي جانيرو. كما خُصص لك فيلم ثانٍ (دريدا، من اخراج آمي كوفمان وكيربي ديك، بعد الفيلم الأول الرائع: مع العلم أن دريدا D`ailleurs Derrida الذي أنجزته صفا فتحي سنة 2000). وخُصصت لك الكثير من الأعداد من بعض المجلات مثل ماغزين ليترير وأوروبا على وجه الخصوص كما أفردت لك كراسات هيرن Cahiers de l`Herne جزءا من أجزائها وكان غنيا بوجه خاص من حيث النصوص غير المنشورة التي ستصدر في الخريف. النشاط غزير في سنة واحدة، ومع ذلك فلا سرّ لديك، إنك...

٭ لتبُح بالأمر، إنني مصاب بمرض على جانب من الخطورة، تلك حقيقة وإنني أخضع لوسائل علاجية رهيبة. لكن لنترك ذلك جانبا، إذا شئت، فلسنا هنا من أجل تقرير صحي- عامّ او سرّي...

- فليَكُنْ. لكن لنعد في مدخل هذا الحوار الى أطياف ماركس Spectres de Marx (غاليليه، 1993). وهو عمل حاسم وكتابٌ يوقع مرحلة معينة، مخصص بأكمله لمسألة تتعلق بالعدالة في المستقبل ويُسْتسهَلّ بهذه الفاتحة المُلْغَزة:
»أحدُهُم أي أنت أو أنا يتقدم ليقول: اريد أن أتعلم فن العيش أخيرا«. بعد أكثر من عشر سنوات أين وصلت اليوم بشأن هذه الرغبة في »فن العيش
«؟

٭ الأمر يتعلق على وجه الخصوص بـ»أممية جديدة« وهو عنوان فرعي وفكرة محورية للكتاب. ومن وراء »المواطنية العالمية« cosmopolitisme ومن وراء »مواطن العالم« والدولة القومية العالمية الجديدة، يستبق هذا الكتاب كل الضرورات العاجلة »ذات النزعة العالمية المغايرة« قد يفرض علينا كما كنت أقول سنة 1993 عددا كبيرا من التحولات في القانون الدولي وفي المنظمات التي تسيّر نظام العالم (صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية ومجموعة الثماني، إلخ. ومنظمة الامم المتحدة بالخصوص التي لابد من تغيير ميثاقها في الأقل وتكوينها ومكان اقامتها أولا- أي أبعد ما يكون هذا المكان عن نيويورك...)

أما بخصوص القاعدة التي ذكرتها »تعلّم فنّ العيش في الأخير« فقد خطرتْ لي بعد أن أنهيت الكتاب. وهي تلعب أولا، لكن بجدّ بمعناها المشترك. فتعلُمُ فن العيش يعني النضج والتربية أيضا. ومخاطبةُ أحد الناس لتقول له: »سأعلّمك فن العيش« أحيانا بلهجة متوعّدة يعني انك تقول له سأكوّنك، بل أروّضك، ثم إن اللُّبس في هذا اللعب يهمني أكثر، هذا التأوه ينفتح أيضا على مساءلة أكثر صعوبة وهي: هل ان العيش من الأشياء التي يمكن تعلمها؟ وتدريسها؟ هل من الممكن أن نتعلم بواسطة الاختصاص discipline أم عن طريق التدرّب، عن طريق التجربة أم التجريب، كيف نَقْبل بالحياة بل كيف نؤكدها؟ ينعكس عبر الكتاب بأسره صدى هذا الانشغال بالموروث وبالموت. وهو انشغال يؤرق كذلك الأولياء وأطفالهم: متى ستصبح مسؤولا؟ كيف ستجيب في النهاية عن أمر يهم حياتك ويهم اسمك؟
وفيما يخصني- للاجابة دون مواربات على سؤالك- فإنني لم أتعلم أبدا فن العيش.؟ الأمر غير مطروح البتة! فتعلُّم فن العيش يفترض ضمنيا تعلّم الموت وأن يُدمج المرء في حسابه لقبول ذلك، حالة الموت المطلق (دون نجاة ودون بعث ودون خلاص [على يد المسيح]- ولا يصح الأمر بالنسبة الى الذات بل بالنسبة الى الآخر كذلك. ومنذ افلاطون لا يزال الأمر الفلسفي القديم قائما: حقيقة التفلسف تعني أن نتعلم كيف نموت.

إنني أعتقد بهذه الحقيقة دون الخضوع لها، وبصورة متناقضة. لم اتعلم القبول بالموت، كلنا أحياء مع تأجيل الموت (وينطبق التأكيد من وجهة النظر الجيوسياسية لكتاب أطياف ماركس- في عالم لا متكافئ أكثر من أي وقت مضى- على مليارات الأحياء، سواء أكانوا من البشر أم لم يكونوا، وقد مُنع عنهم- بالإضافة الى »حقوق الانسان« الأساسية التي ترجع الى قرنين من الزمن والتي تغتني بلا انقطاع - حقّهُم أولا في حياة جديرة بأن تُعاش). لكنني أظل غير قابل للتربية بالنسبة الى الحكمة المتعلقة بتعلم الموت. لم أتعلّم بعد ولم أكتسب أي شيء بهذا الصدد. وزمن وقت التنفيذ يضيق بشكل متسارع. ولا يعود ذلك الى مجرد كوني وريثا مع آخرين لعديد الأشياء الحسنة أو الرهيبة: ففي كثير من الاحيان، بحكم ان معظم المفكرين الذين أجد نفسي مُلحقا بهم قد ماتوا، يتم التعاطي معي بوصفي الباقي على قيد الحياة survivant : أي الممثل الأخير لـ»جيل« هو جيل الستينيات اجمالا؛ وهو أمر وإن لم يكن صحيحا تماما، فهو لا يوحي إليّ باعتراضات فقط بل بمشاعر تمرّد ممزوج بشيء من الكآبة. وبما ان بعض المشاكل الصحية علاوة على ذلك اصبحت ملحة، فإن مسألة البقاء او التأجيل التي سكنتني تماما على الدوام، في كل لحظة من لحظات حياتي، بصورة ملموسة ودون كلل، تتلوّن اليوم بلون آخر.

لقد اهتممت دائما بهذه المبحثية thematique الخاصة بالبقاء الذي لا ينضاف معناه لفعل العيش او فعل الموت. فالبقاء شيء أصلي: والحياة تعني البقاء. إن البقاء بالمعنى الشائع يعني مواصلة الحياة لكن كذلك الحياة بعد الموت. وبصدد الترجمة يشدّد فولتر بنجامين على التمييز بين البقاء بعد الموت من جهة uberleben مثلما يمكن لكتاب ان يعيش بعد موت مؤلفه او طفل ان يواصل الحياة بعد موت الوالدين وبين مواصلة الحياة من جهة أخرى fortleben living on . كل التصورات التي ساعدتني على العمل ولا سيما تصور الأثر او تصور الطيفي spectral كانت مرتبطة بـ»البقاء« بوصفه بعدا بنائيا. فهذا البعد لا ينحدر من فعل العيش أو فعل الموت. وهو لا يعدو أن يكون »المأتم الأصلي« وهذا الأخير لا ينتظر الموت الذي يعتبر »فعليا«.

- قد استعملت كلمة »جيل« وهو مفهوم دقيق الاستخدام، يتكرر في كتاباتك فكيف يتم تحديد ما ينتقل من جيل الى جيل بالنسبة إليك؟

٭ انني استخدم هنا هذه الكلمة بصورة فضفاضة تقريبا. يستطيع المرء ان يكون معاصرا و»خارج التاريخ« بالنسبة الى جيل سابق او جيل قادم. وحقيقة ان يكون المرء وفيّا للذين ينتسبون الى »جيلي« وأن أنصّب نفسي حارسا لتراث متمايز لكنه مشترك ذلك يعني شيئين: أولا التمسك بوجه الاحتمال- ازاء كل شيء وازاء الجميع- بمقتضيات متفق عليها بدءاً بلاكان الى ألتوسير ومرورا بلفيناس وفوكو وبارط وديلوز وبلانشو وليوتار وسارا كوفمان... الخ.!
دون ذكر العديد من المفكرين الكتّاب والشعراء والفلاسفة أو المحللين النفسيين الاحياء لحسن الحظ الذين كنت و ريثهم ايضا، وآخرين بلا ريب من الخارج وهم أكثر عدداً وأحياناً أكثر قرابة.


إنني أشير هنا من خلال الكناية metonymie الى جبلّة ethos للكتابة والتفكير، عنيدة بل غير قابلة للفساد incorruptible (تلقبنا هيلين سيكسو Helene Sixous بـ»غير القابلين للفساد«)، ودون تنازل بالنسبة الى الفلسفة، وهي لا تستسلم لعملية التخويف مما قد يفرضه علينا الرأي العام ووسائل الاتصال أو الاستيهام الخاص بجمهور القراء ذي التأثير المُرهب، من تبسيط وكبت. وذلك ممّا يفسّر الميل الصارم للتجويد raffinement والمفارقة والصعوبة المنطقية [للجمع بين رأيين متعارضين aporie ].

هذا التفضيل يبقى كذلك ضرورة. وهو لا يجمع فقط الاسماء التي ذكرتها بصورة اعتباطية تقريبا أي بصورة غير عادلة بل كذلك الوسط الذي كان يدعمهم. كان الامر يتعلق بنوع من العهد الذي قد انقضى وقتياً وليس بهذا الشخص او ذاك وحسب. فلابد من انقاذ ذلك او احيائه من جديد بأي ثمن. وهذه المسؤولية اليوم مسؤولية عاجلة وهي تستدعي حربا لا تلين على الرأي الجامد Doxa وعلى الذين اصبحنا نسميهم بالـ»مثقفين الاعلاميين« وعلى الخطاب العام الذي تحدد شكله السلطات الاعلامية المحتكرة بدورها بين أيدي مجموعات اللوبي السياسي- الاقصادي التي تهيمن في الغالب على قطاع النشر وعلى المجال الاكاديمي كذلك؛ في الاوساط الاوروبية والعالمية دائما بطبيعة الحال. المقاومة لا تعني وجوب تحاشي وسائل الاعلام. بل يجب، عندما تتوفر الامكانية، تطوير هذه الوسائل ومساعدتها على التنوع وتوظيفها من اجل تلك المسؤولية.

وفي الوقت نفسه، لا يجب أن ننسى أن في ذلك العهد »السعيد« لا شيء حقا قد كان يخدم المصالحة. كانت الاختلافات والخلافات على اشدها في ذلك الوسط الذي يمكن نعته بأي شيء ما عدا أن يكون متجانسا مثل ما قد يمكن جمعه على سبيل المثال تحت تسمية بلهاء من نوع »فكر٨٦« الذي غالبا ما يهيمن اليوم الشعار mot d`odre الخاص به وعنصر التهمة chef d`accusation على الصحافة وعلى الجامعة. غير ان هذا الوفاء- وان اتخذ احيانا شكل الخيانة والانزياح، لابد من الوفاء لتلك الاختلافات، أي مواصلة المناقشة. إنني فيما يخصني أواصل المناقشة- على سبيل المثال مع بورديو، لا كان، ديلوز، فوكو الذين يهمونني دائما اكثر بكثير من أولئك الذين تتهافت الصحافة عليهم اليوم (مع بعض الاستثناءات بطبيعة الحال)،. إنني أحافظ على هذا السجال حيا لكي لا يصبح مسطحا او ينحدر الى الاساليب التحقيرية.

ما قلته عن جيلي صالح بطبيعة الحال بالنسبة الى الماضي من التوراة الى افلاطون وكنط وماركس وفرويد وهيدغر، إلخ. لا أريد أن اتخلى عن أي شيء، لا يمكنني ذلك. أنتَ تعلم ان تعلّم فن العيش مسألة نرجسية دائما: نريد أن نعيش ما استطعنا سبيلا، نريد أن ننجو وأن نثابر وأن ننميّ كل تلك الأشياء التي- وان اصبحت في غاية الضخامة والقوة بالنسبة الى الذات- فهي تنتمي مع ذلك الى هذه »الأنا« الصغيرة، وهي أشياء تطغى على هذه الاخيرة من كل جانب.

عندما يًطلب مني التخلي عما ساهم في تكويني وعما أحببت الى حدّ بعيد فكأنما يُطلب مني أن أموت، في ذلك الوفاء ثمة نوع من غريزة الحفاظ على الوجود instint de conservation . إن التخلي مثلا عن صعوبة في الصياغة ، عن طيّة، عن مفارقة، عن تناقض اضافي لأن ذلك لم يُفهم بل لأن هذا الصحفي الذي لا يحسن قراءة هذا التناقض- بل انه لا يحسن قراءة عنوان الكتاب نفسه- يعتقد بأن القارئ أو المستمع لن يفهم أكثر وبأن النسبة المتابعة [في وسائل الاعلام] او مورد رزقه سيتأثران- كل ذلك يمثل بالنسبة لي بذاءة غير مقبولة. كأنما يُطلب مني أن أنحني وأن أخضع للاستعباد- او ان أموت لفرط البلاهة.

شُذَّ، شُذَّ بكل قواك عن القاعدة
لا تضع نجمتين على لفظة واحدة
وضع الهامشيّ إلى جانب الجوهريّ
لتكتمل النشوة الصاعدة
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.05032 seconds with 11 queries