عرض مشاركة واحدة
قديم 19/08/2008   #48
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


الأزمة ووعي الأزمة



مَن زعم أننا عصاة على التغيير؟ ها نحن ننسف طقوسنا. اعتدنا أن ننتقل من الهزيمة إلى النقد الذاتي إلى الإعداد لهزيمة تالية. ها نحن نعبر من الهزيمة إلى الهزيمة من دون عناء التوقف عند محطة المراجعة متظاهرين أننا نحاول التفكير في »معنى النكبة«.
نركب قطار التدهور السريع. ونستغني به عن أكذوبة الاحتفال بجلد النفس التي هي، في حقيقة الأمر، قابلة الأفكار الأكثر تردياً. نستعيض عن جمال عبد الناصر بمسوخ الناصرية. وننحط من صدام حسين إلى »بقايا نظام صدام حسين«. ونحوّل فيصل القاسم إلى أمين عام الجماهير العربية، وأسامة بن لادن إلى مرشد روحي، وعنتر الزوابري إلى قائد ميداني، وسعد الدين إبراهيم إلى رمز النضال الديموقراطي، و»بنك المدينة« إلى نموذج الليبرالية الاقتصادية، والانتخابات بالتعيين إلى ممارسة للتعددية، وتفجير المقاهي إلى تحرير فلسطين، إلخ...
لقد بتنا نرى في الاحتلالات التي نتعرض لها مآزق المحتلين، وفي تصعيد عنف الاحتلال تصديراً لمآزق الخصوم حتى لم يعد مفهوماً لماذا جرى اختيارنا هدفاً تنصب عليه هذه »المآزق«، خاصة إذا ازدادت تأزماً.
إن كل إطلاق نار، عندنا، مقاومة. وكل مأدبة منتدى فكري. وكل رصف للكلمات مطالعة. وكل
إنفاق استثمار. وكل رشوة إعادة توزيع للثروة. وكل إحسان مكرمة. وكل إضراب عطلة. وكل تنظيم عشيرة. وكل طائفة أمة. وكل بلد عربي جار خصم. وكل مؤسسة مشتركة مزحة. وكل حاكم إله. وكل برلمان غرفة صدى. وكل فكرة سلعة. وكل جامعة حضانة.
نعجز عن إنتاج وعي مطابق يكون جذرياً في واقعيته، ممسكاً بالأحوال في جوهرها ومجاريها العميقة، مميزاً بين القشرة التي نراها والعمارة التي تحملها، محلياً قدر الواجب وكونياً قدر الإمكان، مدركاً مشاكل اللحظة وتحديات المستقبل، محدداً المعضلات الملموسة والعلاجات المتاحة.
لم يسبق أن كان التفارق بهذا الهول بين الأزمة ووعي الأزمة. ولم يسبق أن كان المواطن العادي، إلى هذا الحد، متفرجاً، أو مزنراً بحزام ناسف، أو متسكعاً عند أبواب دعاة »التجسير« و»ردم الهوة« المتشكلين بصفتهم الجناح المتنوّر المزعوم لسلطات عربية موغلة في الفشل.
لا يطال الفشل تحقيق إنجاز فحسب. إنه فشل في أن نكون فاشلين. وفي وقت تنحو نزعة الرفض نحو دموية عبثية، تتحول محاولة التكيّف إلى مسخرة، خاصة عندما يقال فيها إنها نتيجة قرارات حرة وليست رعباً، ممّا كان يسميه ياسين الحافظ، »خبطة الحذاء الاستعماري فوق جباهنا«.
لم ننجح في شيء ضد الولايات المتحدة. غير أننا سننجح في إحباط »الديموقراطية القادمة فوق دبابة«. وسينشأ تواطؤ غريب من نوعه بين ثلاثة أقانيم: كذب الادعاء الأميركي، رعونة العداء لما هو أجنبي، الحالة ما قبل المجتمعية لبلداننا. والأفق الواضح لهذا النجاح دوام المستنقع الحالي وزيادة البعوض الطنان فوقه.
... وقل إن هناك من أخذ على أدونيس رثاءه لبيروت. وقل إن هناك من يستطيع الادعاء بأن فورة المعارض، والمنتديات، والزيارات، والأيام الثقافية، وأسابيع السينما أو المسرح، تشكّل حياة جديرة بهذا الاسم تغني وتراكم وتحدث تقدماً.
لو تأخرت محاضرة أدونيس شهراً لكانت الأيام زوّدته بالكثير. ولكن المأساة هو أن الزاد نفسه كان استخدم من قبل الذين اعترضوا عليه وساجلوه من أجل المفاخرة بما تحتضنه المدينة سواء كان إنتاجاً محلياً أو انعكاساً للرثاثة العربية.
لكل الحق في امتلاك وجهة نظر نقدية في بيروت ومآلها، أي لكل الحق في مخالفة ما قاله الشاعر وكاد يعتذر عنه. ولكن ما لا يجوز تمريره هو هذا الخلط الغريب بين نشاطية تفوح لها رائحة المباخر وبين هموم أصلية، عميقة، يتم التعبير عنها بعيداً عن قصور المؤتمرات. ويكاد المرء يقول إن العلنية تهمة أو انها حمّالة تهمة. فلا شيء يرجى من الاحتفال، والأبهة، والفخامة، والاستعراض، ومآدب التكريم، وتحويل المآسي إلى عنصر... ترفيهي. لا شيء يرجى إلا الإدراك أن انحطاطنا ووعينا يسيران في خطين متوازيين، ومتعارضين فوق ذلك!

6/12/2003

قم واضرب المستحيل بقبضتك اليسرى
انت تستطيع ذلك
http://themanofpapers.wordpress.com
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.03998 seconds with 11 queries