عرض مشاركة واحدة
قديم 19/08/2008   #38
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


وصل سيلفيو بيرلوسكوني الى واشنطن حاملاً رأس غيرهارد شرودر. تبعه طوني بلير حاملاً رأس جاك شيراك. وكانا مرّا في اسبانيا عشية وغداة بيان الدول الثماني (أصبحوا 9) للاطمئنان الى حسن سير العملية الموجهة لشق القارة الأوروبية، أي لجعلها تنطق بلسانين، أي لإسكاتها.
لقد بات في وسع جورج بوش القول إن أوروبا ليست ضد سياسته. فهناك من ارتضى، باسم التضامن الأطلسي، ضرب التضامن الأوروبي. وذهب بعض الغلاة الى حد الحديث عن عزلة المانيا وفرنسا مستعيداً توصيف دونالد رامسفيلد لهما: أوروبا القديمة.
تقضي الحقيقة القول إن لا مفاجأة في البيان المشار اليه. فأوروبا لم تكن موحدة يوماً حتى يمكن الحديث عن انقسامها. وليس سراً ان أوروبا السياسية، في ما يخص الأمن والسياسة الخارجية، لا زالت مشروعاً يحبو. وكل ما كشفت عنه المسألة العراقية هو ان القارة بعيدة جداً عن ان تبدأ مسيرتها التوحيدية بحيث يتحول انفتاح الأسواق وإسقاط الحدود واعتماد اليورو الى أمن مستقل يسند سياسة خارجية مستقلة.
ان تقرير الأمر الواقع هذا لا يلغي ظاهرتين. الأولى، والأقل أهمية، هي ان البرلمان الأوروبي اقترع ب287صوتاً مقابل 209 ضد أي عمل عسكري انفرادي. غير ان البرلمان لا صلاحيات له في هذا المجال. الظاهرة الثانية، والمهمة، هي ان المزاج الأوروبي العام، وبنسبة تقارب 80 في المئة، يعارض حرباً خارج الشرعية الدولية. ومع ان بون تبدو أكثر تصلباً من باريس في نزعتها السلمية، ومع ان شيراك أرسل اشارات مرتبكة فإن أكثر من ثلاثة أرباع الفرنسيين يريد ممارسة حق النقض في حال قررت واشنطن التصويت، في مجلس الأمن، على قرار بحرب غير مبررة.
لا ضرورة لتقديس استطلاعات الرأي. ولا منطق في الدعوة الى اعتمادها مرشدا سياسياً. ولكن ثباتها خلال الشهور الماضية، والتباين المستمر الذي تظهره بين ضفتي الأطلسي، يشيران الى ان الشعوب الأوروبية أكثر تقارباً مما يظهره صدور البيان الانشقاقي. ولعل الجديد هو انه بات يصعب اعطاء معنى لهذا
التقارب الا انه دعوة الى أخذ مسافة عن السياسة الأميركية التي تمثل الادارة الحالية لحظة شديدة الرعونة فيها.
ليس في أوروبا، بشرقها وغربها، من يعادي الولايات المتحدة. ولكن الواضح ان قوى كثيرة باتت تجد نفسها متعارضة مع سياسات شديدة الليبرالية، والانانية، والغطرسة.
إن دعاة أوروبا الأوروبية يريدون التحالف مع الولايات المتحدة. ولكنهم يريدون، في الوقت نفسه، بلورة شخصية مستقلة تعتبر انها، بسبب قدمها وتجربتها وتأريخها وموقعها، قادرة على المساهمة في ارساء العلاقات الدولية على قاعدة احترام التعدد والاحتكام الى معايير متفق عليها.
يتواجه هؤلاء مع المتحمسين لأوروبا الأطلسية التي تكتفي بكونها سوقاً حرة، وتتوسع على هذا الأساس، وتخوض، ربما، مواجهات »نقابية« مع واشنطن، ولكنها تترك للشقيق الأكبر الحق شبه الاحتكاري في الأمن والسياسة والدولية.
ويقدم البيان الأخير نموذجاً عما يمكن ان تنحط اليه أوروبا حال استسلامها للولايات المتحدة في صياغة وعي العالم.
القول اننا، اليوم، »أمام خطر أعظم لا يماثله خطر« يكاد يكون مضحكاً في فم أوروبي يعرف تماماً مخاطر القرن العشرين. ورواية 11 أيلول على أساس ان الهجمات كانت ضد »القيم« ليس إلا، تنسف أي رغبة في الاسهام بجعل العلاقات الدولية أكثر توازناً والادعاء ان أميركا انقذت أوروبا مرتين بسبب »الإقدام والكرم وبعد النظر« يرفضه أي عاقل يعرف القليل عن تاريخ أميركا. والتخوف من ان يكون العراق خطراً مميتاً على الأمن العالمي وعلى العلاقات عبر الأطلسي لا يفعل سوى التشكيك برجاحة المتخوف. والزعم ان الفشل في مواجهة التهديد العراقي »يعني التخلي عن مواطنينا والعالم أجمع« لا يساوي بروباغندا تافهة من الدرجة العاشرة.
إن ثمة ما يخيف فعلا في تحويل هذا »النص« الى برنامج. لا تعود الرداءة هي المعيار بل القوة القادرة على ممارسة »الرداءة«.
يمكن القول ان المشروع الأوروبي، بالمعنى النبيل للكلمة، هو ضحية حرب لم تقع بعد. فلقد بات واضحاً ان الأطلسية هي، من وجهة نظر أميركية، شرط الأوروبية. والأطلسية، بمعناها الجديد، لم تعد حلفاً مؤسساً على مصالح مشتركة و»قيم« مشتركة. اصبحت مجرد اداة من أدوات استلحاق القارة أو دول فيها بحيث يمكن »اصطياد« أعضاء جدد واستخدامهم ضد بلدان مجاورة. أما الاداة الأخرى فهي تحويل توسيع الاتحاد الأوروبي الى وسيلة لتذويب »الشخصية« الأوروبية وإغراق النواة الصلبة للقارة بوافدين يستقوون بأطلسيتهم على أوروبيتهم.
وتدعم هذه المعطيات الرأي القائل بأن العدوان المحتمل على العراق يستهدف، بصورة غير مباشرة، حلفاء للولايات المتحدة يظهرون نزعات استقلالية. انه محاولة لهندسة العلاقات الدولية وفق ميزان قوى جديد يضمن لواشنطن أرجحية كاسحة في المدى المنظور وحيال دول أو مجموعات دول لا مجال لمنازعات عسكرية معها.
وبهذا المعنى يمكن القول إن العراق ليس هو الموضوع في خلافات قد تبرز بين الولايات المتحدة ودول متوسطة النفوذ. ومع ما في هذا الكلام من جرح للنرجسية لدى النظام العراقي فإن الواضح ان بغداد هي مجرد عنوان لصراعات تتجاوزها وتتجاوز المنطقة وتتناول العلاقة الثنائية بين كل عاصمة على حدة وبين المركز الامبراطوري. ولهذا السبب، بالضبط، تحول سؤال الحرب المتوقعة الى محور من محاور الحياة السياسية الداخلية في معظم بلدان الأرض، وفي معظم التجمعات الاقليمية.

1/2/2003

قم واضرب المستحيل بقبضتك اليسرى
انت تستطيع ذلك
http://themanofpapers.wordpress.com
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04341 seconds with 11 queries