عرض مشاركة واحدة
قديم 19/08/2008   #47
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


هنا الوردة ...



هنا الوردة ...
يكاد المرء لا يصدق ما يقرأ. إن هناك، بين القادة الفلسطينيين، من يدعو العرب والمسلمين إلى »ترك مأزق شارون ليتطور«. يبدو أن صاحب الدعوة هو الذي لا يصدق ما يقرأ، أو أنه يقرأ بنظارات خاصة لا تجعله يرى الانهيارات المتتالية في العالمين العربي والإسلامي. ينتمي الرجل إلى فئة مبتلية تعتبر كل إنجاز لخصم مشكلة وقع فيها. وآخر إنجازات هذه الفئة ما تطلق عليه »الاعتقال المأزقي«، قاصدة بذلك الهزيمة الساحقة التي أنزلها صدام حسين بالمحتلين الأميركيين بتركهم يقبضون عليه. لسنا ندري ما كان الوصف لو أن جورج بوش هو المسجون، ولكننا ندري أن المتفائلين الأبديين اغتبطوا كثيراً لسقوط بغداد بالطريقة المعروفة معتبرين أن ذلك فخ سيطبق على الأميركيين ويشكّل محطة تالية في الهزائم النازلة بهم منذ »أم المعارك«!
الاتهام الذي يوجهه القائد الفلسطيني المشار إليه يطال من يرمي طوق نجاة لشارون فيقبل بعدم إدانة وثيقة جنيف ويمتنع عن النضال لإسقاطها، أو يتعاطى مع »خريطة الطريق« ولا يرى فيها مجرد وسيلة لإنقاذ إسرائيل مما تتخبط فيه.
ليست المشكلة في تعريض كل من »الوثيقة« أو »الخريطة« لنقد. المشكلة هي في الإيحاء بأن كلاً منهما، أو أياً منهماً، وسيلة فك الطوق عن رئيس الوزراء الإسرائيلي المحاصر، والموضوع في موقع دفاعي.
إن اقتراح محاربة شارون بتركيز جهد فلسطيني وعربي ضد »وثيقة جنيف« حراثة في البحر. لا »يفيد« ذلك إلا في تشتيت الصف وتحويل الفوضى إلى ما يشبه الفتنة. وهو يقوم على فرضية أن الكل صهاينة لا فرق بين أقصى اليسار وأقصى اليمين، بمعنى أن الشعارات والسياسات يجب أن تتبرأ من ملامسة دنس التمييز والبناء عليه. وهو لا يقيم أي وزن لرأي عام عالمي أو فلسطيني يرى القطاع الأكبر منه سياسة شارون المتطرفة عبر »الوثيقة«. أي ان هذا الاقتراح هو الذي يمنع مشكلة الاحتلال من أن تتطور لأنه يساعد في تبرئة المحتل، ويوفر للإدارة الأميركية فرصة التملص من تحديد مضمون ل»رؤية« الدولتين.
إن الدعوة لتركيز جهد لإسقاط »الوثيقة« حرب على طواحين
هواء. إنها عملية انتحارية، ليس ضد رواد مقهى هذه المرة، وإنما ضد وهم هو وهم بالضبط لأنه أرقى، بما لا يقاس، من موازين القوى الحالية بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
إن ما قد لا نخسره بالحرب ضد الوثيقة نخسره في الحرب ضد الخريطة. يؤدي ذلك إلى مزيد من الهشاشة في وضع السلطة الوطنية، وإلى استعداء اليسار والوسط في إسرائيل، أي إلى إرغامهما على الالتحاق أو مزيد من الالتحاق بالخيار الشاروني، وإلى توتير العلاقة مع المجموعة الدولية، رأياً عاماً وحكومات، وإلى تجاهل مجلس الأمن وقراره الأخير، وإلى توفير ذريعة إضافية لبوش من أجل الانفكاك عن وثيقة يدّعي رعايتها...
إن ما يبدأ خطأً في التقدير ينتهي خطيئة في السياسة. وخطأ التقدير هو اعتبار شارون في مأزق والحركة الوطنية الفلسطينية في حالة هجوم. ينتج عن ذلك اعتبار يقول إن إسقاط »الوثيقة« و»الخريطة« هو بعض من فائض الجهد لا يحول دون إحكام الحصار على شارون، وقطع مخارج الطوارئ عليه، وسجنه في دوامة معضلته لأن تباشير القضاء النهائي عليه وعلى دولته أقرب منالاً من أي وقت آخر.
هذا هو تمام العدمية. وهذا هو المدخل المفضل لتبديد ما تبقى من قوة في خوض معارك لا هي ضرورية ولا حاسمة. إن انتقاد وثيقة جنيف ممكن. وكذلك امتلاك وجهة نظر في الخريطة وأوالياتها وأوجه قصورها. غير أنه من غير الجائز وصول عمى الألوان إلى حيث يستحيل التمييز بين مخاطر »حلول افتراضية« وبين خطر »الحل« الواقعي، الملموس، الجاري تنفيذه.
الوردة هنا فلنرقص هنا، قال أحدهم. ويقصد أنه يتعيّن تحديد الحيز الحقيقي للمواجهة في كل لحظة. وهذا الحيز في فلسطين، اليوم، هو ضد المشروع الشاروني المعبَّر عنه في »خطاب هرتسليا«.
فشارون يضع الفلسطينيين أمام الخيار: إما الحرب الأهلية وإما »الحل« من طرف واحد. أي إما تطبيق القراءة الإسرائيلية ل»خريطة الطريق« وإما مواجهة خطر ضم قسم من الضفة، وتقطيع أوصال الأرض المحتلة، وضرب التواصل بين الفلسطينيين، وقطع صلتهم بالمحيط إلا لأغراض التجارة أو... الرحيل. ولا يمضي يوم، ولا تمضي ساعة، إلا وهذا الحل الزاحف يتقدم من دون أن يبدو في الأفق إجماع على مقاومته وإحباطه. ثمة معارضة جذرية تطلق النار في غير اتجاه، وثمة حكومة تدفن رأسها في الرمال مراهنة على »اجتماع مثمر«، وثمة وسطاء يتصرفون وكأن سحر الكلام دواء، وثمة »رعاة« يعرفون أنهم يكذبون عندما يكتشفون جملة في كلام شارون توحي بأنه وفيّ لالتزامات.
لقد بات صعباً تصديق دعاة »ترك مأزق شارون يتطور«. لا يعقل أن هؤلاء لا يعاينون الخط البياني التنازلي للوضع العربي والإسلامي وللوضع الدولي المحيط بقضيتهم. ولا يعقل أن ما يميّزهم عن البن لادنية يتعطل في هذا المجال بالضبط. إن التفسير الممكن لسلوكهم هو أنهم يضبطون سياساتهم على إيقاع الصراع على السلطة وليس على إيقاع الصراع على الأرض. فإذا وضعنا هذه الفرضية في الحسبان بات ممكناً فهم الكثير مما يبدو متناقضاً وغير عقلاني. فهل هذا هو الموضوع فعلاً؟ وهل هذا ما يختبئ وراء الكلام الكبير؟ هل هذه هي الوردة التي يرقصون حولها؟ هل يدركون الآثار »التعبوية« لخطابهم؟ هل يعتذرون من أحمد ماهر؟

23/12/2003

قم واضرب المستحيل بقبضتك اليسرى
انت تستطيع ذلك
http://themanofpapers.wordpress.com
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.81835 seconds with 11 queries