عرض مشاركة واحدة
قديم 20/08/2008   #62
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


لا أينعت ولا حان قطافها



»ربما يرغب ريتشارد بيرل أن يكون في الموجة الأولى من العسكريين الأميركيين المتوجهين إلى بغداد«. بهذه العبارة سخر سيناتور أميركي من »أمير الظلمات« الذي يُقال عنه إنه أمضى وقتاً إضافياً في العمل من أجل الدفع نحو الحرب ضد العراق. وتجد هذه العبارة تفسيراً لها في ملاحظة قالها أحد العاملين مع كولن باول: »ثمة خبرة عسكرية في الطابق السابع من وزارة الخارجية أكثر ممّا في مكتب وزير الدفاع كله«!
عندما فتح النقاش الجدي في الإدارة حول النهج الواجب اتباعه حيال بغداد لاحظت الصحافية مورين رود، بسخريتها اللاذعة، أن »المدنيين نظموا انقلاباً ضد العسكر«.
ولكن من هم هؤلاء المدنيون؟
الذين احتموا بهم لاحظوا قاسماً مشتركاً بينهم: لم يسبق لواحد منهم أن خاض حرباً علماً أنهم، في معظمهم، في سن كانت تفرض عليهم التجنيد الإلزامي في فيتنام.
الرئيس جورج بوش نفسه لم يدخل الجيش في فترة الحرب و»تطوّع« في الحرس الوطني في تكساس. وهذا سلوك اتبعه »أبناء النافذين« حسب ما يقول كولن باول نفسه في مذكراته.
نائب الرئيس ديك تشيني تجنّب الخدمة بحجة أنه كان يملك »أولويات أخرى في الستينيات«.
وزير الدفاع دونالد رامسفيلد قاد طائرات عسكرية بين حربي كوريا وفيتنام من دون أن يشهد ولو معركة واحدة.
لويس ليبي، الرجل الأول في مكتب تشيني، أمضى تلك الفترة العصيبة في جامعتي بال وكولومبيا.
بول وولفويتز وبيتر رودمان اهتما بتحصيل العلم أكثر من خدمة العلم. أما دوغلاس فيث فكان... دون السن.
إليوت ابرامز، المسؤول عن ملف الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي، والصديق الصدوق لأرييل شارون، حصل على إعفاء لدواع صحية. وفعل جون بولتون مثله وهو، حالياً، الرجل الثالث في وزارة الخارجية، ويتميّز باستسهال الدعوة إلى استخدام السلاح النووي.
يبلغ عدد الذين وقعوا على »مشروع العقد الأميركي الجديد« 32 شخصاً. والبيان التأسيسي (إنجيل المحافظين الجدد) يدعو إلى حروب على العراق وسوريا ولبنان وإيران وفلسطين... بين هؤلاء ثلاثة فقط خدموا »عسكريتهم« أما الباقون فتهرّبوا.
ريتشارد بيرل بين المتهرّبين. أمضى حرب فيتنام زميل دراسة مع وولفويتز في جامعة شيكاغو. ولما تخرّج انضم إلى تيار في الحزب الديموقراطي هو الأكثر حماسة ل... الحرب! وهو اليوم يحرّض على القتال ويؤسس الشركات التي يجني منها أموالاً وفيرة مقابل خدماتها العسكرية والأمنية.
فرانك غافني (من »معهد السياسة الأمنية« والصديق الجديد للجنرال ميشال عون) اختفى عن الأنظار زمن الحرب.
ينتمي هؤلاء جميعاً إلى البنية الضاغطة في اتجاه العدوان. وفي حين يطلق البعض عليهم صفة »الصقور« يميل البعض الآخر إلى أنهم، كطيور، أقرب إلى الدجاج منهم إلى أي شيء آخر. وينسب هذا البعض الثاني إليهم »ميزتين«: الأولى هي التهرّب من الخدمة العسكرية، والثانية هي الدعوة إلى حل المشاكل السياسية بوسائل عسكرية. وفي الإمكان أن نضيف ميزة ثالثة: أنهم، جميعاً، من أشد أنصار النسخة الليكودية المتطرفة عن إسرائيل ومن أشد رافضي أي تسوية في المنطقة.
شكّل الأشخاص المشار إليهم محرّك القوة الدافعة للحرب على العراق. ولجأوا، في سبيل ترجيح رأيهم، إلى بناء منظومة متكاملة من الأفكار (لعب المؤرخ برنارد لويس دوراً كبيراً في ذلك). والغاية من هذه المنظومة تسويق الحرب والسجال ضد من يعارضها أو يدعو إلى التمهّل في خوضها.
قالوا إن العراقيين سيهبّون إلى ملاقاة »جيش التحرير« الأميركي، وأن معارضين مثل أحمد الجلبي، نافذين جداً في الداخل وممثلين له، أكدوا أن الجيش والشعب سينحازان إلى كل من ينقذهم من الديكتاتور. حسموا في أن العراقيين سيرحّبون بمستشارين يعملون لصالحهم. روّجوا أن في الإمكان نزع عروبة العراق باسم ثنائية القومية. اعتبروا أن لا أسهل من تحويل البلد منطلقاً للهجوم على إيران وسوريا والفلسطينيين والسعودية. أصروا على تبني الأفكار الاستشراقية حول غياب أي هوية وطنية جامعة أو قومية.
استنتجوا من كل ما تقدم أن الحرب نزهة غير مكلفة لا مادياً ولا بشرياً وأن ثمراتها مغرية جداً. وتمكّنوا، بهذا الأسلوب، من إسكات معارضيهم، ومن استغلال أجواء ما بعد 11 أيلول. ووضعوا ذلك كله في سياق منظور يرمي إلى إعادة تشكيل العالم بعد انتهاء الحرب الباردة ويلقى دعماً من مؤسسات صناعية ضخمة في عالمي الأسلحة والنفط. وركزوا على أن منطلق إعادة التشكيل هذه هو التغيير الجذري للشرق الأوسط وعلاقاته وثقافته وتحويل الجلبي إلى رمز للاقتصادي الجديد وكنعان مكية إلى رمز للمثقف الجديد.
لقد أثّر هذا المناخ الثقافي السياسي في وضع الخطة العسكرية للغزو والقائمة على فرضية »الثمرة الناضجة التي حان قطافها«. نقول »أثّر« فقط لأن العسكريين المحترفين حاولوا جهدهم تعديلها وسعوا، مدعومين من باول (صاحب العقيدة المخالفة لما يجري تطبيقه)، ومن المخابرات، إلى إنتاج تسوية لا تعكس في الميدان الخرافات الإيديولوجية الغرضية لحزب الحرب.
وإذا كانت هذه الخطة العسكرية تواجه، اليوم، المتاعب التي تواجهها فلأنها، بالأساس، مبنية على سوء تقدير سياسي يعامل العراق على أساس »أينعت وحان قطافها«.
هل يبرّر ذلك الانتقال، من الجانب العربي، نحو تفاؤل يستعيد اللغة الانتصارية التقليدية؟ كلا. إن الولايات المتحدة تتمتع، بحكم انفرادها، بأفضلية لم يمتلكها أحد قبلها: لا وجود لخصم كوني قادر على استثمار أخطائها وتحويل تورّط جزئي من جانبها إلى مأزق استراتيجي.
إن في إمكان واشنطن تعديل خطط الحرب. وفي إمكانها التوقف عند محطة وفتح مفاوضات سياسية. وفي إمكانها البحث عن تسويات مع قوى إقليمية ودولية. ولكن شرط أي من هذه الخيارات هو ألا تستمر أميركا في ارتكاب »خطيئة العجرفة«، وأن يقودها ذلك إلى إعادة تركيب التوازنات ضمن الإدارة نفسها.
وفي انتظار المجريات اللاحقة، وفي ضوء ما هو حاصل حالياً، وبشكل خاص في ظل مفاجأة العراق لنفسه وللعرب وللعالم، يمكن المغامرة بإطلاق استنتاج ولو مبكر: لن يكون العراق، بغض النظر عن النتائج العسكرية للحرب، أرضاً صديقة للاحتلال الأميركي. وإذا صدق هذا الاستنتاج فإن له ما بعده.

25/3/2003

قم واضرب المستحيل بقبضتك اليسرى
انت تستطيع ذلك
http://themanofpapers.wordpress.com
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04105 seconds with 11 queries