عرض مشاركة واحدة
قديم 11/02/2008   #3
شب و شيخ الشباب Moonlights
عضو
-- أخ لهلوب --
 
الصورة الرمزية لـ Moonlights
Moonlights is offline
 
نورنا ب:
Nov 2007
المطرح:
فوق جبل بعييييييد
مشاركات:
263

افتراضي هشام شرابي وحكاية الجمر والرماد


هشام شرابي وحكاية الجمر والرماد
د. هشام شرابي

د. معجب الزهراني
قابلت الباحث الاجتماعي الفلسطيني المتميز هشام شرابي في منتصف الثمانينيات كنت في رحلة علمية الى واشنطن حيث كان يعمل ويقيم ومن بين اهداف الرحلة زيارة مكتبة الكونجرس والافادة مما يتضمن قسم الكتب العربية والشرقية من بحوث ونصوص تتصل بموضوع أطروحتى للدكتوراة عن صورة الغرب في الرواية العربية الحديثة ومقابلة هشام شرابي وحليم بركات وميخائيل سليمان وغيرهم ممن تناول علاقات المثقفين العرب بالغرب في نصوص معرفية او ابداعية اما ادوارد سعيد الذي كان الشخصية الابرز بعد كتابه «الاستشراق» فقد علمت انه لن يحضر فعاليات مؤتمر خريجي الجامعات الامريكية العرب في بالتيمور ولذا لم انتظر مقابلته رغم توقي الشديد اليها. بعد بضعة ايام قضيتها في مكتبة الكونجرس بحثاً عما يجب الاطلاع عليه او تصويره من المراجع والمصادر ذهبت الى جامعة واشنطن لمقابلة هشام شرابي وحليم بركات اللذين حددت معهما موعدين في اليوم نفسه حين قابلت الباحث الفلسطيني البارز فوجئت ببساطة روحه وحميمة حديثه وبذلك الحماس المشوب باليأس النبيل في كل مرة يتجه فيها الحديث عن علاقات المثقف العربية بمجتمعه وبالثقافات الغربية الحديثة الجذابة والمهيمنة فوجئت بهذه الخصال الخلقية والذهنية لأن كثيرين من مثقفينا ما ان يتحقق لهم النجاح في اعمالهم وكتاباتهم حتى يتحولوا الى شخصيات معقدة سلطوية تلف وتدور حول اناها المتضخمة حتى وان تكلفت التواضع مظهراً. هشام شرابي ينتمي الى جيل الاحلام الكبيرة التي عادة ماتبنتها الخطابات الايديولوجية الكفاحية سواء كانت ذات صبغة تقدمية حداثية او ذات طابع تقليدي فبينما يتشكل وعي المثقف ضمن خطاب كهذا ويكتسب من المعرفة مايكرسه ممثلاً له ومشاركاً فعالاً فيه تتلبسه المهمة الرسالية والدور البطولي حتى لكأنه يجمع بين شخصية الشاعر والقائد البطل والمنظِّر الحكيم الخبير البصير. في كتابه «الجمر والرماد» كان هشام شرابي قد عبر بشفافية وعمق عن تجاوزه لهذا النموذج التراجيدي الهزلي في الوقت نفسه. فالطموحات الكبيرة لجيله تكسرت واحدها بعد الآخر لا لكونها غير مبررة او غير نبيلة في ذاتها وانما لأنها غير ممكنة التحقيق عملياً في شروط مجتمع تعاني نخبه تبعات التخلف الذي تعمق في مختلف المجالات طوال قرون وتكاد اشكال حراكه الثقافي كلها تخضع لرقابة صارمة حد العنف من قبل القوى الغربية او من قبل سلطات الاستبداد المحلية ذاتها. المخرج الامثل الذي اتجه اليه هشام شرابي وامثاله تمثل في التخلي عن الموقف الايديولوجي الوثوقي بطبيعته والانحياز القوي الى المواقف النقدية التي تسمح هي وحدها باكتشاف الخلل والبحث في علله وأسبابه من دون التعلق بالقدرة على اقتراح الحلول وتنفيذها في الحال. هذا التحول الى الموقف النقدي يجد مرجعيته في عاملين اساسيين توقف عندهما مطولاً . هشام شرابي في «الجمر والرماد» و«المثقفون العرب والغرب» ثم في كتابه المتميز حقاً عن «البنية البطركية» - الابوية - السائدة في المجتمعات العربية عموماً. العامل الاول يتمثل في تجربة الحياة والعمل الاكاديمي في امريكا حيث لا مجال لغير المعرفة العقلانية العملية التي يحرص عليها كل باحث للنجاح في عمله ضمن مؤسسة اكاديمية لم تكن النظريات الكبرى مجال اهتمامها قط كما هي حال الجامعات الاوروبية العريقة وعلى الاخص في ألمانيا وفرنسا. والعامل الثاني هو توالي الاحداث الكارثية في المشرق العربي حتى ان بعضها بلغ من الحدة والخطورة درجة تهمشت عندها القضية الوطنية القومية الكبرى قضية فلسطين. فالحروب الاهلية في لبنان ثم الحروب القومية والمذهبية التي اشعلها النظام العراقي البائد كانت - ولاتزال - احداثاً صادقة للوعي مثيرة للمخاوف الجدية على المصير الجماعي لشعوب ليس لديها الكثير من الامكانيات لمجابهة معضلات التخلف والحروب الداخلية والخارجية في الوقت نفسه .واذا كان هشام شرابي ممن عبر عن كل هذه المعضلات بجرأة وعمق في كتاباته المشار اليه آنفاً فإن خطابه العام ظل يفتقد باستمرار الى ذلك الوهج الفكري الذي نجده في كتابات ادوارد سعيد وعبدالله العروي وسمير امين وعبدالكبير الخطيبي وامثالهم رغم ان اطروحاته لاتقل اهمية عما طرحوه وبلوره كل منهم بطريقته الخاصة ومرد ذلك في اعتقادنا ان الباحث لم يحرر خطابه من المواقف الايديولوجية الوثوقية الا ليخضع لنزعة مدرسية صارمة وجافة تثق في المعرفة الجاهزة وتستثمرها اكثر مما تنقدها وتحاورها وتخرج عنها وعليها من حين لحين هكذا تتحول القضايا الاجتماعية الثقافية الى «موضوعات للدراسة تبحث بمعزل عن السياقات التاريخية والحضارية الكبرى فكتابه «الجمر والدمار» من اهم السير الذاتية الفكرية في السياق الادبي العربي الحديث وكتابه عن «البنية البطركية» في مجتمعاتنا من اوائل الدراسات الرائدة في هذا المجال ومع ذلك لم يترك اي من العملين اصداء ولم تتخلق له اصداء واسعة ممتدة في الخطاب الثقافي بسبب تلك اللغة الجافة في المقام الاول.
السؤال الذي سيظل مطروحاً علينا بعد رحيل الباحث المفكر هو. إلى أي مدى ستحاور جهوده واجتهاداته في سياقات يبدو جلياً ان المعرفة ليست من اولويات انشغالاتها؟ انها صيغة اخرى للقول بأن فتن الخطاب التسلطي السائد وحروبه المتوالية بمختلف الاشكال لاتزال تجعل كل باحث جاد نسخة مكررة من ذلك الشخص الذي قبض طويلاً على الجمر وتحمل المعاناة بصبر ونبيل ليجد يده في نهاية المطاف مملوءة بالرماد وبقايا الجروح!

We ask the Syrian government to stop banning Akhawia and all Syrian sites

القمر بيضوّي عالناس
والناس بيتقاتلوا .
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.08388 seconds with 11 queries