الموضوع: حوارات
عرض مشاركة واحدة
قديم 03/01/2008   #138
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


فعلا، فأنتَ توصف دائما بالرجل الخفر، المتحفظ، الغامض، المنسحب. هل تعتقد أن الكاتب يجب أن ينعزل عما حوله، وما رأيك في ظاهرة نجومية الأدباء التي نرصدها اليوم لدى البعض، خصوصا في الغرب، بفضل آليات الاعلان والترويج والتسويق؟
هذا اللهاث وراء النجومية امر فظيع من دون شك، والكتابة هي حتما عمل انعزالي، ولكن عندما نُصدر كتابا، يتحتّم علينا أن نرافقه: ألا يرافق الأهل خطوات ابنهم الأولى؟ لا يمكننا أن نختبىء ونقول: "ها هو الكتاب ولد، وعليه أن يشق دربه بنفسه". بعض الذين يختبئون، على غرار ميلان كونديرا مثلا، إنما يخدمهم هذا الإختباء بالذات، كعامل ترويجي. أكرر، لقد أدركنا للأسف زمنا تؤدي فيه وسائل الاعلام دورا رئيسيا، زمن غزت فيه الكتب غير الأدبية رفوف المكتبات بنسبة 80 في المئة: كتب الاسفار، والشهادات، والمذكرات...الخ: إنها كتب تجتاح مساحة المكتبة وتسرق منا القرّاء: قد تقولين لي إن قارئا عاديا يدخل الى مكتبة لن يختار على الارجح كتابا لإيكو او لكونديرا، وستكونين على حق: لكنه كان ربما ليقرأ هذا الكتاب لو لم يكن أمامه كتاب آخر عن الفتاة التي عاشت تجربة الستار اكاديمي أو عن الشاب الذي هزم تماسيح أدغال الأمازون! انه اجتياح اللاأدب واللاكتب لعالمنا. لذلك علينا ان ندعم الكتاب. أن نحميه ونعينه على الصمود. حتى صديقي لو كليزيو، الذي كان مثال الكاتب "المتوحش" والمتوحّد والمنعزل، رضخ الآن وصار يجري مقابلات على الراديو والتلفزيون ويقوم بحفلات توقيع عندما يصدر كتابا جديدا. إنه وضع مؤلم ومرير لكنه الواقع. المهم ان يفعل الكاتب ذلك باحترام، محافظا على كرامته وكرامة أدبه، أي ألا يذهب الى أي مكان، ويلبي فورا أي دعوة. فالأدب مثل الحرية: إنه غير قابل للمفاوضات والتنازلات، وهو، خصوصا، لا يحتمل المساومة.
* لقد سبق أن نشرتَ كتابين يحملان طابعا اوتوبيوغرافيا، هما "الكاتب العام" و"رباط الأخوّة". هل تؤمن بنظرية أن كل رواية هي في شكل ما سيرة ذاتية؟
طبعا، فالكاتب يتغذى دائما من نفسه. مثلا، كتبتُ أخيرا رسالة الى اوجين دولاكروا أتناول فيها موضوع رحلته الى المغرب عام 1832، التي بعدما عاد منها لم يرسم سوى بلادي طوال ثلاثين عاما تقريبا. وادركت في لحظة ما أني ، إذ كنت أكتب عنه، أكتب عن مغربي أنا من خلال رسومه وحياته. ذلك لأقول إن الكاتب، حتى عندما يؤلف كتاب خيال علمي، لا يسعه أن ينسحب كليا مما يكتب. لا اؤمن بالكتابة المحض موضوعية. إننا ننهب انفسنا وحيواتنا باستمرار. لكننا نخترع أيضا، بالتأكيد، ولحسن الحظ، عالما غير موجود، ونكتب لكي نمحو في شكل ما وجوهنا. فالكاتب لا يمشي قط عاريا، ولا يسلّم نفسه للقرّاء على نحو كامل. فضلا عن اني لا أملك على ما أظن ما يكفي من التعقيدات لكي أكون أنا شخصيات كل رواياتي. تعلمتُ أن افرض مسافة بيني وبين ما أكتب، إذ يجب الا نرهق الكتاب والقارىء بصورتنا. أغرف من الحياة التي تدور من حولي أيضا، ومن الناس الذين أعرفهم وألتقيهم، ولذلك غالبا ما يتملكني الشعور بأني أسرق الآخرين عندما أكتب.
* وما المشاعر الأخرى التي تنتابك أثناء الكتابة؟
أعيش خصوصا حالا من القلق الهائل، لاني لا أنفك أخاف من ان اخيّب القراء. يتكرر الخوف والتوق نفسيهما مع كل كتاب جديد، فالكتاب الذي نشرناه هو دائما اقل أهمية من ذلك الذي نحلم بكتابته. اتخيل ردود الفعل الممكنة، يجتاحني انعدام الرضى وتتآكلني الشكوك. أخشى الضياع وفقدان صرامتي وتشددي.
* وهل يدفعك هذا الخوف من التخييب الى القيام بمساومات؟ الى المراعاة والمجاملة؟
ابدا على الاطلاق، بل على العكس من ذلك، إنه خوف يدفعني الى تجاوز نفسي وبذل كل ما اوتيت من طاقة بغية تقديم شيء ذي قيمة. أحيانا أثق بكتابتي وأحيانا لا، ولذلك أتقدّم دائما من الكلمة بتواضع وخشوع. من ناحية أخرى، لقد تقبّـلتُ واقع ان لا يمكن المرء إرضاء الجميع، وان لا مفر من وجود اشخاص لا يحبوننا، لا بل ثمة أيضا اولئك الذين ينتقدوننا عن جهل. لقد عانيت الكثير جرّاء هذا الخبث في حياتي.
* أعرف أنك واجهت مشكلات كثيرة مع كتابك "تلك العتمة الباهرة" الذي يروي قصّة أحد السجناء في سجن تازمامارت. فما قصّة هذين الكتاب والجدل؟
فعلا، عشتُ تجربة مؤلمة للغاية مع هذا الكتاب على مستويين، اولا من حيث المضمون، لأنه كتاب موجع جدا وقد كتبته وعشته بكل جوارحي، وثانيا على المستوى الشخصي، لأن السجين المعني وشقيقه خدعاني وأوقعاني في فخ بشع جدا. إذ كنتُ قد وقّعتُ مسبقا اتفاقا مع السجين حول القصّة، وأرسلت اليه المخطوطة قبل النشر، فكتب لي رسالة موافقة يصفه فيها بالرائع، ثم وقّع بدوره عقدا رسميا مع دار النشر. لكنه ما أن قبض الشيك، وبعد ما لا يزيد على خمسة عشر يوما على صدور الكتاب، سارع الى عقد مؤتمر صحافي يزعم فيه أنه لم يوافق يوما على إصداري هذا الكتاب. كان يريد على ما يبدو ان يبرىء نفسه إزاء السلطات المغربية. وهنا استولت الصحافة طبعا على القضية ووقفت ضدي، وحولتني وحشا استغلاليا، رغم كل ما أبرزته من وثائق: ففرصة الإنقضاض عليّ كانت أجمل من أن تضيع هباء. ذلك أحد أمثلة الخيانة. كل يوم نتعلم أشياء جديدة عن النفس الانسانية وعن قدرة الانسان على الطعن. ولقد رددتُ في الواقع على تلك المسألة من خلال قصّتين وردتا في مجموعتي القصصية الأخيرة "قصص حب سحرية" (سوي، 2003)، هما "حمّام"، و"المغتصب"، اتناول فيهما موضوع الغدر والخيانة.
* ثمة قصّة ايضا في المجموعة نفسها التي ذكرتها، مستوحاة من 11 أيلول. أنت الشرقي المقيم في الغرب، كيف ترصد الانقسام المزعوم بين هذين العالمين في حياتك اليومية، وهل تؤيّد ما يُحكى عن أدب ما قبل 11 أيلول وأدب ما بعده؟
لا ، هذه تسمية خاطئة ولن تصحّ يوما. أما في ما يتعلّق بـ 11 ايلول في ذاته، فهو كارثة الحقت الضرر بالعالم العربي اكثر مما أذت الغرب. لقد هشّمتنا وهشّمت صورتنا. تلك الكارثة هي التي أفسحت أمام الاميركيين فرصة اجتياح العراق. وفي رأيي أن 11 ايلول خدم مصالح الأميركيين اكثر من اللازم. لأجل ذلك، يؤلمني اجتياح اللاعقلاني للعالم العربي، الذي لم يزل يرفض الاعتماد على الوقائع والحقائق والمنطق. انه امر متعب للغاية. رغم هذا، من الضروري أن نميز بين أميركا البنتاغون، التي هي فظاعة مطلقة، وأميركا الثقافة التي تعطينا أدبا وموسيقى وفنونا وسينما- لا أعني الهوليودية طبعا- غنية ومثيرة جدا للاهتمام. لا يمكن وضع الجميع في المرتبة نفسها: بوش مجرم وابله، ولكن هناك فنانون ومثقفون اميركيون رائعون يعارضون سياسته بشجاعة. لذلك يجب عدم المزج بين جنسية الانسان أو عرقه أو دينه وبين سياسة بلاده. مثلا، أنا اليوم أفصل في شكل واضح وحاسم بين السياسة الاسرائيلية التي أدينها وأستنكرها واعارضها الى اقصى الحدود ومن دون اي لبس، وبين أن يكون المرء يهوديا، الذي يعادل بالنسبة إلي واقع أن يكون مسلما أو مسيحيا أو بوذيا الى آخره. لا استطيع ان احكم على إنسان بناء على انتمائه الديني او العرقي. وهذا الخلط أمر شائع، خصوصا في عالمنا العربي العزيز.
* "عالمنا العربي العزيز" هذا، لقد كتبتَ عنه الكثير، ومن أجرأ ما كتبت ربما مقالك الأخير في النوفل اوبسرفاتور في عنوان "السجن العربي"، حيث تساءلت: "ما العوامل المشتركة بين هؤلاء الملايين من العرب؟ أتراها ال أنظمة سياسية ال مشكوك في شرعيتها، أم مسلسل ال إخفاقات ال داخلية، أو اله زائم ال متعاقبة، أو نزيف الأدمغة، أ و تلك ال لغة ال كلاسيكية التي يتكلمها المثقفون فحسب، وهم غالبا من عزلون عن الشعب ؟". ما مآخذكَ على هذا العالم؟
هل لديكِ حقا كل ما تتطلبه إجابة كهذه من وقت؟ في الحقيقة، بات من الضروري ان يجري العرب بدورهم فحصا لضمائرهم. إننا نعاني من نقص مهلك وفتّاك في الحرية والخيال، نغذّي الخبث والحقد، لا نقول ما نفكر فيه، وحتى مخيّلتنا هي مخيّلة تحديدية وقمعية، ولذلك نعيش حالا من الانحطاط الرهيب، انحطاط هو عبئنا الأكبر. مثلما سبق أن كتبت، سوف يصبح لل عالم العربي وجود فعلي عندما تقوم وحدته، ليس على اللاعقلانية الدينية أو الميول الظلامية، ولا على الخطابات الرنانة و اللازمات والشعارات المملة كما في أغنيات أم كلثوم الجميلة؛ وإنما على مشروع اقتصادي جد ي ، وعملة موحدة، و إلغاء الحدود والتأشيرات، وعلى حرية ممارسة الديمقراطية بكل ما لها وما عليها. ينبغي علينا أن نتواضع و أن نبدأ بالإعتراف بانقساماتنا وخياناتنا و ان عد ا م كفا ي تنا. لننظف بيوتنا قبل أن نتهم الآخرين، و ل نحاول أن نستحق من جديد إرث أسلافنا، اولئك الذين حملوا اللغة والثقافة العربيتين إلى أوج الحضارات.
* وما موقفك من قضية الحجاب التي أثيرت أخيرا في فرنسا، وفي قرار شيراك منع ارتدائه في المدارس؟
أنا رجل علماني، اذا أنا ضد كل مظاهر اجتياح الدين للمساحة العامة. أؤيد منع ارتداء الحجاب في المدارس او في أحواض السباحة، أؤيد رفض مبدأ أن تكون معالجة النساء حكرا على الطبيبات في المستشفيات العامة، أؤيد الحؤول دون فرض البعض رؤيتهم الخاصة للحياة على الآخرين. هذه ظلامية تريد ان تنخر مجتمعا علمانيا ناضل الكثير ودفع أثمانا باهظة لكي يحقق علمانيته هذه. إنها نوع من الرقابة غير المقبولة. كأنك توشحين جزءا من شاشة السينما بالسواد لأنك ترفضين بعض مشاهد الفيلم، فتفرضين على سواك أيضا هذه العتمة رغما عنهم.
* في الحديث عن السينما، نعرف أنك مفتون بهذا الفن، فأي إسهام قدّمه هذا الإفتتنان بالصورة لكتابتك؟
أعطتني السينما الكثير الكثير. لقد تعلّمتُ أن أروي قصصي من خلال مشاهدتي الأفلام. كنتُ محظوظا بمشاهدة أفلام عظيمة عندما كنتُ فتيا، وكان هذا الفنّ شغفي الأكبر منذ طفولتي. كنّا نرتادها يوميا شقيقي وأنا بعد انتهاء الدروس، من الخامسة الى السابعة مساء، إذ أقنعنـا والدينا بأنها جزء من الواجبات المدرسية. فريتز لانغ، هاورد هوكس، اورسون ويلز، الخ... هؤلاء المخرجون العظماء علموني كيف أجعل قصصي متماسكة، كيف أفرض شخصياتي وأحرّكها. لا بل اني أردت في مرحلة ما ان اقوم بدراسات في السينما، أول وصولي الى باريس، ولا أذكر في المقابل أن كان عندي طموح بأن أصبح كاتبا. أعشق في السينما الشعر ولعبة التلميح وفنّ استثمار الوقت...
* وأنت، ألا تشعر بمرور الوقت؟
افكّر فيه كثيرا. يكفي أن انظر في المرآة وأرى عواقب تساقط شعري. لم يكن تقبّل ذلك بالأمر السهل (يضحك). لكني أشعر في الوقت نفسه بأن أبوّتي تحميني من مرور الوقت، وبأن وجود أبنائي يساعدني في الاستسلام لهذا الوحش القاهر، أو على الأصحّ في التحايل عليه. أحاول كذلك الإعتناء بنفسي. لستُ من هواة الرياضة لكني انتبه الى ما آكله واحرص على الا يزيد وزني. كما انني مارست في مرحلة من المراحل رياضة اليوغا، رغم أنها كانت نوعا من اليوغا الفكرية والتأملية أكثر منها جسدية. لذلك، إذا كان لدي من خوف حقيقي على مستوى مرور الوقت، فهو من دون شك الخوف من المرض ومن الانهيار الجسدي والعقلي، أما الشيخوخة في ذاتها فلا أهابها: شباب أولادي يدرأ خطرها عنّي، مما يشفع الى حدّ بعيد، أعترف، بمساوىء مؤسسة الزواج...
* أجل، أعلم أن لديك رأيا "شجاعا" في هذه المؤسسة...
لنعترف بأن الزواج ليس أمرا طبيعيا، وإن كانت بعض صيغه ناجحة طبعا. نتزوج في الواقع لكي نؤطر أنفسنا داخل المجتمع. إنه محض رضوخ للقوانين. من النادر ان يكون الشريكان متكافئين، لذلك تبرز في الزواج ضرورة من اثنتين: إما القيام بمساومات، أو إتقان لعبة السيطرة. والمرأة هي التي تسيطر غالبا، لكنها تمنح الرجل وهم أنّه هو المسيطر. ثمة حاجة الى الكثير من الذكاء بغية قبول الآخر كما هو. الحب بين إنسانين أمر استثنائي الى حد أنه من غير المقدّر له أن يُحصر في زمان ومكان وشروط وقيود، وذلك ما يفعله الزواج بالضبط. لكن هذا الأخير مثل الديموقراطية: لم يتوصل الناس بعد الى صيغة افضل لإنجاب الاطفال وتربيتهم!
* الطاهر بن جلون، لقد حقّقتَ الكثير ونلتَ شهرة واسعة وتُرجمتَ الى لغات لا تُعدّ وحزتَ جوائز لا تُحصى، ويرد اسمك بين المرشحين المحتملين لجائزة نوبل. إلام تصبو في هذه المرحلة من حياتك؟
إلام أصبو؟ (يبتسم). حسناً، الى الهدوء، الى الصفاء، على ما أعتقد. الى السلام الداخلي. وسيكون من الرائع أيضا أن يتاح لي عيش الشغف من جديد.
* الشغف والسلام الداخلي؟ توقان لا يجتمعان على الاطلاق. أرى أن عليك ان تختار بينهما...
سأختار الشغف إذن. (صمت). الشغف بالتأكيد.

شُذَّ، شُذَّ بكل قواك عن القاعدة
لا تضع نجمتين على لفظة واحدة
وضع الهامشيّ إلى جانب الجوهريّ
لتكتمل النشوة الصاعدة
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.06896 seconds with 11 queries