عرض مشاركة واحدة
قديم 19/08/2008   #37
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


»ثورة محافظة« ضد أميركا أيضاً



أُطلق وصف »القوة الفائقة« على الولايات المتحدة الأميركية تمييزاً لها عن »القوة العظمى«. اعتبر صاحب العبارة، وزير الخارجية الفرنسية السابق أوبير فدرين، أنه لم يسبق لدولة أن جمعت في نفسها عناصر الأرجحية الكاسحة السياسية، والاقتصادية، والتكنولوجية، والثقافية، والعسكرية.
اعتبر كثيرون أن الولايات المتحدة، وهي وليدة ثورة، لا تملك مشروعاً للتصدير فحسب وإنما القدرة على ذلك أيضاً. وجاء انتهاء »الحرب الباردة« ليحسم في تفوّق هذا النموذج ما دفع البعض إلى ادعاء »نهاية التاريخ«. وبالعودة إلى عناصر القوة المذكورة يتبيّن أن جزءاً من النفوذ الأميركي في العالم كان مستمداً ممّا يسميه البعض »القوة الوديعة«.
إن ما جرى في الأيام القليلة الماضية، وفي جلسة مجلس الأمن أمس مثلاً، يدل على اضطراب حقيقي في وزن العوامل المشكّلة للقوة الأميركية. لم ينفع الوزن السياسي إلا في تهديد المؤسسات الدولية بدل تأمين انحيازها فكان ما كان من سحب مشروع القرار الثلاثي. ولم يجدِ الوزن الاقتصادي نفعاً في شراء كمية الأصوات المطلوبة لتأمين أكثرية من 9 دول. ولم يكن الوزن

الثقافي مهدداً بفقدان جاذبيته كما هو اليوم. وهكذا وجدت واشنطن نفسها أمام اضطرار اللجوء إلى القوة العارية المستندة إلى، والمستفيدة من، تكنولوجيا عسكرية شديدة التقدم.
وفي آخر استقصاء رأي أُجري في أوروبا يتأكد أن شعبية الإدارة الحالية في تراجع مريع. فقياساً باستقصاء أجري في حزيران الماضي تراجعت النظرة الإيجابية إلى سياسة أميركا من 61 في المئة إلى 25 في ألمانيا، ومن 63 إلى 31 في فرنسا، ومن 70 إلى 34 في إيطاليا، ومن 79 إلى 50 في بولندا، ومن 75 إلى 48 في بريطانيا... ولا فرق في حجم التراجع بين »أوروبا القديمة« أو »أوروبا الجديدة«.
وعندما أعلنت واشنطن أن التحالف الداعم لها يضم 45 دولة تبيّن أن الثلث خجول من نفسه، والثلث كناية عن دول شيوعية سابقة حديثة العهد بالديموقراطية، والثلث الأخير يتمحور حول العصبية الأنغلوساكسونية. ويوضح ذلك كفاية النجاح في تبديد الحالة التي نشأت بعد تفجيرات 11 أيلول والتي جعلت دولاً كثيرة جداً تنحاز إلى الوجهة الأميركية في مكافحة الإرهاب.
إلا أن نظرة مدققة إلى سياسات الإدارة تؤكد أن التعاطف هو الاستثناء لأن الوضع في 10 أيلول لم يكن كذلك. فبين وصول جورج بوش إلى البيت الأبيض وبين سقوط البرجين مارست الولايات المتحدة سياسات، وأعلنت عن خطط وبرامج وتوجهات، استفزازية لمعظم سكان المعمورة. لقد انسحبت من معاهدات ومواثيق دولية، وانكفأت عن سياسات، وامتنعت عن المشاركة في مجهودات دولية، وبدا أن فريق الصقور، بجناحيه اليميني والمحافظ، ماضٍ في فرض أسلوب فوقي في التعاطي مع الآخرين. ولذا لمّا هبّ حلف الأطلسي يعرض خدماته في حرب أفغانستان طُلب منه أن يبقى على حدة. واختير العراق هدفاً تنفيذاً لمضمرات سابقة وامتحاناً لقدرة الجميع على الالتحاق غير المشروط بالمركز الأمبراطوري. وسرعان ما اكتشف الكثيرون أن واشنطن غير معنية بتأمين شروط قيادتها لهم لأنها ماضية نحو الهيمنة. وأنها تريد فعل ذلك مستندة إلى تفوقها العسكري الكاسح بدرجة حاسمة. ولقد أدى ذلك إلى ارتداد قطاعات شعبية واسعة عن الانجذاب نحو الولايات المتحدة بحيث أن لا وجود لأكثرية شعبية تؤيدها إلا في... إسرائيل.
يقول فريد زكريا في مقاله الأخير في »نيوزويك«: »سافرت حول العالم وقابلت مسؤولين رفيعي المستوى في الحكومات من عشرات الدول خلال العام الماضي. يمكن أن أورد أن كل دولة تعاملت الإدارة معها تشعر بالمهانة منها باستثناء بريطانيا وإسرائيل«. وضع عنواناً لمقاله »الإمبراطورية المتغطرسة« وحاول أن يجيب على سؤال: »لماذا تخيف أميركا العالم«. كنا بلماذا يكرهنا العرب والمسلمون فصرنا بخوف العالم كله.
* * *
إن مكوّنات »القوة الفائقة« التي ذكرها فدرين تخضع، حالياً، لترتيب جديد. ويتم هذا الترتيب لصالح البُعد العسكري التكنولوجي بصفته الأداة الرئيسية لفرض الهيمنة. والمهم في الموضوع ما شرع يلاحظه عدد من الساسة والمثقفين الأميركيين: هل سيرتد المشروع الأميركي الكوني على الداخل الأميركي؟ هل تقود حملة التجييش باسم الحروب اللامتناهية إلى المضي قدماً في إعادة صياغة العلاقات الداخلية في الولايات المتحدة نفسها؟
إن ما يبرّر طرح مثل هذين السؤالين هو أن أصحاب مشروع الهيمنة الخارجية يملكون أجندة تهتم بتفاصيل الحياة الأميركية. إن التضييق على الحريات الفردية هو وجه من وجوهها فحسب. أما في الحقيقة فإن الموضوع هو الانقضاض على كل ما نجا من العاصفة الريغانية وهو ذو صلة بالرعاية، والتوازن الاجتماعي، والعلاقات العرقية، وحقوق النساء، وأوضاع الأقليات الخارجة عن الخط القويم، والمسؤولية المدنية للشركات وأصحاب الرساميل، وحظوظ المهمشين في قدر من الحماية، وحريات الإبداع والخروج عن المألوف، والمعتقدات الإيمانية العقلانية، والدور الإنساني للدين، واستقلالية الدولة عن الغيبيات، إلخ...
ليس صدفة أن البيئات ذات الصلة بهذه العناوين هي البيئات التي تصدر عنها، في الولايات المتحدة، معارضة الحرب: من نيويورك تايمز، إلى نيويورك ريفيو اوف بوكس، إلى هوليوود، إلى الكنائس الرسمية، إلى أوساط يسارية في الحزب الديموقراطي، إلى ورثة حركات الحقوق المدنية، إلى جمعيات الدفاع عن حق الاختلاف... ليست المعارضة هنا رفضاً للحرب من أجل الديموقراطية المزعومة، ولا رفضاً للخروج عن مجلس الأمن، ولا، طبعاً، محبة بنظام صدام حسين. فهذه البيئات أيّدت ثلاث حروب لبيل كلينتون خارج الشرعية الدولية (البوسنة، هايتي، كوسوفو) ولكنها، اليوم، ترفض لإدراكها الصلة العميقة بين هذا الشكل المحدد من الاتكال على القوة العسكرية وبين مشروع داخلي شديد المحافظة والرجعية والانغلاق.
إن معارضي الحرب الأميركيين إنما يدافعون عن أنفسهم وحرياتهم والصورة التي يريدونها لبلادهم والتي ساهموا في صنعها. وهم يفعلون ذلك ضد خصوم محليين يتصرفون على أساس أنه آن الأوان للخلاص، ليس من أعداء الخارج فحسب، بل من أشكال »الفجور« الداخلي الداعي إلى ثقافة »مضادة«، وإلى قدر من العدل، وإلى تنظيم لعلاقات الأقوام، وإلى الدفاع عن قيم أوروبية في أميركا، وإلى إلغاء عقوبة الإعدام، وإلى عولمة أقل وحشية...
كلا، إن الإدارة الحالية لا تختصر بلادها. ومن الخطأ اليأس من الأميركيين الذين قد يدفعون، مثل غيرهم، ثمن الجنوح إلى فرض »الثورة المحافظة« على العالم كله وعلى الولايات المتحدة أيضاً. وإذا كان صحيحاً أن »الثورة المحافظة« هو مشروع لأميركا أولاً قبل أن يكون لسواها فإن الرهان واجب على دور للأميركيين أنفسهم في إحباطه.

20/3/2003

قم واضرب المستحيل بقبضتك اليسرى
انت تستطيع ذلك
http://themanofpapers.wordpress.com
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04921 seconds with 11 queries