عرض مشاركة واحدة
قديم 11/01/2008   #55
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


ومن العلامات المهمة، والمثيرة للدهشة، في علاقة نجيب محفوظ بالسينما المصرية، سلوكه الفريد مع السينمائيين الذين تعاملوا معه، والذي سن به سنة غريبة، حين أعلن أنه غير مسئول عن العمل السينمائي المأخوذ عن رواياته وأعماله القصصية، فما تصنعه السينما جنس فني مختلف عن الروايات والقصص التي سطرها قلمه، وقد فتح بذلك الباب علي مصراعيه لكتاب السيناريو الذين يعطون أنفسهم الحق في تجاوز كل الحدود، وتغيير ملامح الأعمال الأدبية، وأحيانا مسخها، فقد أعطاهم كبير كتاب مصر الرخصة! وعلي أي حال، فقد قتلت بحثًا قضية العلاقة بين الشريط السينمائي والعمل الأدبي المعتمد عليه، وهي قضية تتداخل في تحديدها عوامل متعددة، منها: قيمة كاتب السيناريو وثقافته وقدراته الفنية، وزمن كتابة السيناريو، ومدي تطابقه أو ابتعاده عن زمن أحداث العمل الأدبي الأصلي.
فماذا عن النموذج الذي نتناوله الآن شريط «ليل وخونة» للمخرج الراحل أشرف فهمي؟
واضح أن أشرف فهمي كان يريد أن يقول إن لديه وجهة نظر مغايرة في محفوظ، فقد خاض تجربة التعامل مع نصوص محفوظية ـ «التعامل للمرة الثانية» ـ في عملين: «وصمة عار»، الذي عالج فيه رواية «الطريق» وكان حسام الدين مصطفي قد سبق أن قدمها في شريط يحمل العنوان الأصلي للرواية. أما العمل الثاني، فهو هذا الشريط «ليل وخونة» الذي عالج فيه رواية «اللص والكلاب» التي كان كمال الشيخ قد سبقه إلي معالجتها في شريط يحمل عنوان الرواية الأصلي، أيضًا. إن قيام أشرف فهمي بذات الفعل مرتين يؤكد رغبته في طرح وجهة نظر مغايرة، وهذا حق طبيعي، وربما يأتي غيره ويقدم لنا رؤية ثالثة للص والكلاب.. ولماذا نقول «ربما يأتي» فقد حدث فعلاً وجاء من قدم لنا «اللص والكلاب» للمرة الثالثة في الشريط السينمائي «الهروب» من إخراج عاطف الطيب وسيناريو مصطفي محرم الذي أباح لنفسه أن يقول إنه هو كاتب القصة والسيناريو والحوار! وعلي أي حال، ففي تاريخ الفن أمثلة كثيرة لتعدد تجارب التناول الفني لعمل أدبي بعينه.. انظروا ـ علي سبيل المثال لا الحصر ـ إلي الشيكسبيريات التي عولجت في مدارس فنية وفكرية مختلفة، وصبغتها رؤي ومذاهب سياسية شديدة التباين، وفي قوالب متعددة، سينما، ومسرح ومعزوفات موسيقية وأوبريتات وباليهات.
إذن، هو حق طبيعي أن يقول فنان إن لي وجهة نظر مغايرة.
وحق طبيعي لنا، نحن جمهور المشاهدين، أن نتساءل، في بعض الحالات: ما الضرورة؟ هل هي مجرد الرغبة في خوض «مغامرة» فنية؟ هل هي مسألة «استسهال»؟ هناك طريق معبد، شقه آخرون، فلماذا لا ندوسه نحن أيضًا؟
أغلب الظن أن نية المخرج والسيناريست كانت طيبة، إذ رغبا في التعرض للتغيرات الحادة والرهيبة التي حرثت المجتمع المصري في الثمانينيات من القرن الماضي، وذلك عبر رواية محفوظ، ولكن السؤال الذي يلي تقديم حسن النية، هو: لماذا تم ذلك من خلال اللص والكلاب، بالذات، بينما يوجد ـ عند محفوظ وعند غيره من الأدباء المعاصرين ـ عشرات الروايات والقصص التي تتعرض للموضوع مباشرة، ولا تجعلنا بحاجة لأن نعتمد علي عمل بعيد نسبيا، ونلوي أذرعته، لنرغمه علي أن يقول ما نريد أن نقوله نحن، عن أحوال «هذه الأيام»؟! إن المزلق الذي تتعرض له مثل هذه المغامرة، يتمثل في أن المشاهد المتابع الواعي تكون لديه مرجعيته الخاصة، المستمدة من العمل الأدبي، ومن المعالجة أو المعالجات السابقة، وتظل هذه المرجعية حاضرة تحاوره، بل وتخيم علي وعيه، وهو يشاهد الشريط بل إنها قد تفسد عليه متعة المشاهدة.
إذن، ففد كان ثمة ما «يسد» في هذا المجال، ويقوم بالمطلوب ويرضي رغبة المخرج في المشاركة في حوار حول أحوال الوطن في زمن ما، فهل كانت المسألة مجرد استغلال لصيت نجيب محفوظ والضجة التي تزايدت حول اسمه، بعد حصوله علي نوبل؟
ثم إن الفيلم، علي مستوي الطرح النقدي، لم يقدم لنا لغة سينمائية متميزة مختلفة عن سابقه، بل كان ـ كرأي بعض النقاد ـ مجرد توليفة ـ سينمائية تجارية، من موجة سينما الثمانينيات، التي كانت تغازل مشاعر وحواس طبقات «خلفتها» الظروف الاجتماعية والاقتصادية الانفتاحية والتطبيعية، فرضت ذوقها، حتي يومنا هذا، علي المسرح والأغنية والسينما في مصر، بصفة عامة.
وفي رأينا فإن «ليل وخونة» يحاول أن يدين الحل الفردي، في زمن اتجه فيه الجميع إلي هذا النوع من الحلول، واتبعوا مبدأ «لينج كل بجلده!» و«ليهبر من يستطيع، بقدر ما يستطيع، ويجري!» وهي فرصة الاستثمار الحقيقي لانتصار جيشه في حرب حقيقية مع العدو الصهيوني، وتكفلت متتابعة الأحداث التي أعقبت الحرب بتغيير ملامح المجتمع المصري، بل زورتها. غير أن الشريط عرض هذه القضية الخطيرة بصورة لا تخلو من سذاجة، ولا تحترم عقلية المتفرج العادي، ناهيك عن عقلية المستنير، بل إننا كنا نتصور، في بعض المشاهد من شريط «ليل وخونة» أن المخرج والسيناريست قد نسيا هدفهما، وأنهما ينتصران للحل الفردي، لا يدينانه!
وقد تعمد شريط «ليل وخونة» أن يتباعد عن الرواية، مقتربًا من الحادثة الأصلية الشهيرة، التي أقام عليها نجيب محفوظ البناء الروائي للص والكلاب، حادثة سفاح الإسكندرية محمود سليمان فتغير اسم البطل من سعيد مهران إلي صلاح سليمان، وتغيرت مهنة الأستاذ المثقف المحرض من الكاتب الصحفي «رؤوف علوان» إلي المحامي محسب، كما تغير ـ دون ضرورة ـ اسم «نبوية» الزوجة الخائنة إلي «سناء» واسم «نور» البغي، إلي «قمر» واسم «عاشور عليش» ، «صبي» سعيد مهران، الذي خانه في غيبته إلي «شقرون»، والأخير هو اسم لشخصية محفوظية في رواية أخري، بل إنه اسم من نحت محفوظي خالص. فهل كانت هذه التغييرات رغبة من صانعي الشريط في الابتعاد أكثر، عن رواية نجيب محفوظ؟ لماذا إذن، تصدر اسم الكاتب «تيترات» الشريط؟ أعتقد أن جانبًا من الإشكالية كان يمكن أن ينتفي لو جاء في هذه «التيترات» أن الشريط «مأخوذ» عن رواية كذا، لنجيب محفوظ، وليس «قصة: نجيب محفوظ».

شُذَّ، شُذَّ بكل قواك عن القاعدة
لا تضع نجمتين على لفظة واحدة
وضع الهامشيّ إلى جانب الجوهريّ
لتكتمل النشوة الصاعدة
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04940 seconds with 11 queries