الموضوع: أسبوع وكاتب - 3
عرض مشاركة واحدة
قديم 21/08/2009   #123
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


يستمر محمود قائلا، لا بل راويا:

"راح احمد يلتقي بضلوعه ويديه كان الخطوة – النجمة/ ومن المحيط الى الخليج- من الخليج الى المحيط/ كانوا يعدون الرماح/ واحمد العربي يصعد كي يرى حيفا ويقفز/ احمد الآن الرهينة/ تركت شوارعها المدينة، أتت اليه/ لتقتله/من الخليج الى المحيط، من المحيط الى الخليج/ كانوا يعدون الجنازة/ وانتخاب المقصلة.
انا احمد العربي – فليأت الحصار/ جدي هو الاسوار – فليأت الحصار/ وانا حدود النار – فليأت الحصار/ وأنا احاصركم/ احاصركم/ وصدري باب كل الناس فليأت الحصار.

ما يجعل هذه المطولة جميلة تهز قارئها او متلقيها هو تعدد الاصوات فيها وثنائية الخطاب القصصي كما في المقطع التالي:

يا ايها الولد المكرس للندى/ قاوم!/ يا ايها البلد – المسدس في دمي/ قاوم/ الآن اكمل فيك اغنيتي/ وأذهب في حصارك/ والآن اكمل فيك اسئلتي/ واولد من غبارك/ فاذهب الى قلبي تجد شعبي/ شعوبا في انفجارك. ويختتم محمود درويش هذه الملحمة بصوت يصرخ ألما وحلما وبنبرة "واثقة" حيث يقول: كتبتْ مراثيها الطيور وشردتني/ورمت معاطفها الحقول وجمعتني/ فاذهب بعيدا في دمي! واذهب بعيدا في الطحين/ لنصاب بالوطن البسيط وباحتمال الياسمين.
يا احمد اليومي!/ يا اسم الباحثين عن الندى وبساطة الاسماء/ يا اسم البرتقالة/ يا احمد العادي!/ كيف محوتَ هذا الفارق اللفظي بين الصخر والتفاح/ بين البندقية والغزالة!/ لا وقت للمنفى واغنيتي/ سنذهب في الحصار/ حتى نهايات العواصم/فاذهب عميقا في دمي/ اذهب براعم/ واذهب عميقا في دمي/ اذهب خواتم/ واذهب عميقا في دمي/ اذهب سلالم/ يا احمد العربي قاوم!
فاذهب عميقا في دمي واذهب عميقا في الطحين/ لنصاب بالوطن البسيط وباحتمال الياسمين.

ثم يتبدل الصوت وتتبدل النبرة فيخاطبنا الشاعر عن احمد الزعتر ويقول:

وله انحناءات الخريف/ له وصايا البرتقال/ له القصائد في النزيف/ له تجاعيد الجبال/ له الهتاف/ له الزفاف/ له المجلات الملونة/ المراقي المطمئنة/ ملصقات الحائط/ العَلم/ التقدم/ فرقة الانشاد مرسوم الحداد/ وكل شيء كل شيء كل شيء/ حين يعلن وجهه للذاهبين الى ملامح وجهه.
يا أحمد المجهول!/ كيف سكتنا عشرين عاما واختفيت/ يا احمد السري مثل النار والغابات/ اشهر وجهك الشعبي فينا/ واقرأ وصيتك الاخيرة؟/
أخي احمد!
وأنت العبد والمعبود والمعْبد
متى تشهد
متى تشهد
متى تشهد؟

واذا انتقلنا الى "قصيدة بيروت" سنجد نفس الظواهر والسمات التي وجدناها في "احمد الزعتر"، بمعنى سنجد وتلاقي الاضداد والنص الملحمي والصور المركبة والتجريد والزخم والتناص والاتكاء على الرمز، فلنسمع مقاطع منها، تقطر حزنا لأنه سيفارق المدينة التي احب يقول:

تفاحة للبحر، نرجسة الرخام/ فراشة غجرية. بيروت شكل الروح في المرآة/ وصف المرأة الاولى، ورائحة الغمام/ بيروت من تعب ومن ذهب، واندلس وشام/ فضة. زبد. وصايا الارض في ريش الحمام/ وفاة سنبلة. تشرد نجمة بيني وبين حبيبتي بيروت/ لم اسمع دمي من قبل ينطق باسم عاشقة تنام على دمي.. وتنام/ من مطر على البحر اكتشفنا الاسم، من طعم الخريف وبرتقال القادمين من الجنوب، كأننا اسلافنا نأتي الى بيروت كي نأتي الى بيروت.
من مطر بنينا كوخنا، والريح لا تجري فلا نجري، كأن الريح مسمار على الصلصال تحفر قبوَنا فننام مثل النمل في القبو الصغير كأننا كنا نغني خلسة/ بيروت خيمتنا/ بيروت نجمتنا/ سبايا نحن في هذا الزمان الرخو/ أسلمنا الغزاة الى اهالينا/ فما كدنا نعض الارض حتى انقض حامينا على الاعراس والذكرى فوزعنا اغانينا على الحراس/ من ملك على عرش/ الى ملك على نعش/ سبايا نحن في هذا الزمان الرخو/ لم نعثر على شبه "نهائي" سوى دمنا/ ولم نعثر على ما يجعل السلطان شعبيا/ ولم نعثر على ما يجعل السجان وديا/ ولم نعثر على شيء يدل على هويتنا/ سوى دمنا الذي يتسلق الجدران/ ننشد خلسة بيروت خيمتنا/ بيروت نجمتنا.
هذه المرارة القاسية التي تفوح في ارجاء القصيدة هي المسيطرة ولكنها تنفرج في النهاية وتنفتح على الاصرار حيث يقول:

احرقنا مراكبنا، وعلقنا كواكبنا على الاسوار
نحن الواقفين على خطوط النار نعلن ما يلي:
بيروت تفاحة/ والقلب لا يضحك/ وحصارنا واحة/ في عالم يهلك/ سنرقّص الساحة/ ونزوّج الليلك.
ثم يقول:

لم نولد لنسأل: كيف تم الانتقال الفذ مما ليس عضويا الى العضوي؟ لم نولد لنسأل:
قد وُلدنا كيفما اتفق/ انتشرنا كالنمال على الحصيرة/ ثم اصبحنا خيولا تسحب العربات/ نحن الواقفين على خطوط النار/ احرقنا زوارقنا/ وعانقنا بنادقنا/ سنوقظ هذه الارض التي استندت الى دمنا/ سنوقظها، ونخرج من خلاياها ضحايانا/ سنغسل شعرهم بدموعنا البيضاء/ نسكب فوق ايديهم حليب الروح كي يستيقظوا/ ونرش فوق جفونهم اصواتنا:
قوموا ارجعوا للبيت يا احبابنا/ عودوا الى الريح التي استلت جنوب الارض من اضلاعنا/ عودوا الى البحر الذي/ لا يذكر الموتى ولا الاحياء/ عودوا مرة اخرى/ فلم نذهب وراء خطاكم عبثا/ مراكبنا هنا احترقت/ وليس سواكم ارض ندافع عن تعرجها وحنطتها/ سندفع عنكم النسيان، نحميكم/ بأسلحة صككناها لكم من عظم ايديكم/ نسيجكم بجمجمة لكم/ وبركبة زلقت/ فليس سواكم ارض نسمّر فوقها اقدامنا/ عودوا لنحميكم/ ولو انا على حجر ذبحنا/ لن نغادر ساحة الصمت التي سوّت اياديكم/ سنفديها ونفديكم.
ثم يختتم بقوله:

نحن الواقفين على خطوط النار نعلن ما يلي: لن نترك الخندق/ حتى يمر الليل/ بيروت للمطلق/ وعيوننا للرمل/ في البدء لم نخلق/ في البدء كان القول/ والآن في الخندق/ ظهرت سمات الحمل.
وبعد خروج الفلسطينيين من بيروت يطل محمود درويش مع ملحمة رائعة هي "مديح الظل العالي" وهي تحتوي ايضا على نفس موتيفات وتقنيات القصائد السابقة، يقول فيها:

بحرلأيلول الجديد/ خريفنا يدنو من الابواب
بحر للنشيد المر. هيأنا لبيروت القصيدة كلها
بحر لمنتصف النهار/ بحر لرايات الحمام، لظلنا، لسلاحنا الفردي/ بحر للزمان المستعار/ ليديكَ، كم من موجة سرَقتْ يديك/ من الاشارة وانتظاري
ضع شكلنا للبحر. ضع كيس العواصف عند اول صخرة
واحمل فراغك... وانكساري
.. واستطاع القلب ان يرمي لنافذة تحيته الاخيرة،
واستطاع القلب ان يعوي، وان يعد البراري
بالبكاء الحر
ثم يقول مخاطبا الفلسطيني المقاوم:

خذ بقاياك، اتخذني ساعدا في حضرة الاطلال. خذ قاموس ناري وانتصر/ في وردة ترمى عليك من الدموع/ ومن رغيف يابس، حاف وعار/ وانتصر في آخر التاريخ/ لا تاريخ الا ما يؤرخه رحيلك في انهياري/ قلنا لبيروت القصيدة كلها، قلنا لمنتصف النهار/ بيروت قلعتنا/ بيروت دمعتنا/ ومفتاح لهذا البحر/ كنا نقطة التكوين/ كنا وردة السور الطويل وما تبقى من جدار/ ماذا تبقى منك غير قصيدة الروح المحلق في الدخان قيامة وقيامة بعد القيامة.
خذ نثاري/ وانتصر فيما يمزق قلبك العاري/ ويجعلك انتشارا للبذار/ قوسا يلم الارض من اطرافها جرسا لما ينساه سكان القيامة من معانيك.
انتصر/ ان الصليب مجالك الحيوي، مسراك الوحيد من الحصار الى الحصار.
بحر لأيلول الجديد. وأنت ايقاع الحديد تدقني سحُبا على الصحراء، فلتمطره لأسحب هذه الارض الصغيرة من إساري.
لا شيء يكسرنا/ وتنكسر البلاد على اصابعنا كفخار، وينكسر المسدس من تلهفك. انتصر، هذا الصباح، ووحد الرايات والامم الحزينة والفصول بكل ما اوتيت من شبق الحياة،
بطلقة الطلقات/ باللاشيء/ وحدنا بمعجزة فلسطينية..
بيروت قصتنا/ بيروت غصتنا/ وبيروت اختبار الله/ جربناك جربناك. من اعطاك هذا اللغز؟ من سمّاك؟
وفي مقطع آخر منها يهاجم الحكام العرب الذين وقفوا متفرجين على جراح الفلسطيني وموته يقول:

هي هجرة اخرى/ فلا تكتب وصيتك الاخيرة والسلاما/ سقط السقوط، وأنتَ تعلو/ فكرة/ ويدا/ و... شاما!
كسروكَ، كم كسروك كي يقفوا على ساقيك عرشا
وتقاسموك وأنكروك وخبؤوك وأنشؤوا ليديك جيشا
حطّوك في حجر.. وقالوا: لا تسلّم/ ورموك في بئر وقالوا: لا تسلم/ وأطلت حربك، يا ابن امي، الف عام الف عام، الف عام في النهار/ فأنكروك لأنهم لا يعرفون سوى الخطابة والفرار.
ثم يجلد العرب على تقصيرهم وخياناتهم فيقول:

نحن البداية والبداية والبداية. كم سنة
وأنا التوازن بين ما يجب؟/ كنا هناك. ومن هنا ستهاجر العرب/ لعقيدة اخرى وتغترب
قصب هياكلنا/ وعروشنا قصب/ في كل مئذنة حاو ومغتصب/ يدعو لأندلس/ ان حوصرت حلب.
وأنهي بهذا المقطع الذي يلخص مأساة الفلسطيني، يقول محمود في نفس القصيدة:

"وطني حقيبة/ وحقيبتي وطني/ ولكن... لا رصيف، ولا جدار/ لا ارض تحتي كي اموت كما اشاء/ ولا سماء حولي/ لأثقبها وادخل في خيام الانبياء.


واخيرا هذا هو شعر درويش في المرحلة الثانية مرحلة المنفى والحصار والخروج من بيروت. وقد رأينا كيف تطور هذا الشعر وانفتح ليعانق كل تقنيات القصيدة الحديثة مع محافظته على الموسيقا والايقاع وهذه هي فرادة محمود وتفرده وتميزه

شُذَّ، شُذَّ بكل قواك عن القاعدة
لا تضع نجمتين على لفظة واحدة
وضع الهامشيّ إلى جانب الجوهريّ
لتكتمل النشوة الصاعدة
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.06370 seconds with 11 queries