الموضوع: أسبوع وكاتب ...
عرض مشاركة واحدة
قديم 23/07/2007   #360
صبيّة و ست الصبايا elinde
عضو
-- قبضاي --
 
الصورة الرمزية لـ elinde
elinde is offline
 
نورنا ب:
Jul 2007
مشاركات:
526

افتراضي


ياسمين فتاة حمصية تدرس في دمشق، وتعيش في المدينة الجامعية التي بقي منها الاسم فقط، لان عدد الطلاب الذين يسكنون هناك يقل من عام الى عام، ولأنها تحولت الى سكن لأقرباء واولياء القائمين على امرها، او لأن اولاد كبار المسؤولين وأصدقاءهم استولوا على اكثر من نصف ابنية المدينة، ولأنها تحولت الى احدى المعالم التاريخية، والسياحية، والجنسية الجغرافية لمدينة دمشق بكاملها. ومن يزور دمشق ولايزور المدينة الجامعية كأنه لم يزرها، حتى يمكن القول انه لكل مواطن سوري وطنان، بيته والمدينة الجامعية!
وبعد يومين ذهبت ماري الى المدينة الجامعية وما ان اقتربت منها حتى ظنت انها اخطأت العنوان وانها امام وحدة عسكرية لان المدينة محمية بعناصر المخابرات المسلحين ببنادق روسية الصنع، وبعيون اخطر من تلك البنادق التي يحملونها، وسألت طالبة عن كيف يمكنها الذهاب لزيارة شابة في الوحدة (n)، وقالت تلك الطالبة انها ذاهبة الى هناك ودَعَتْها لمرافقتها، وعلى مكتب الدخول، بعد اسئلة واجوبة مع الحراس سمحوا لها بالدخول واخبروها انها تستطيع البقاء حتى الساعة الثامنة، والساعة كانت وقتها حوالي الرابعة بعد الظهر.
سارت ماري برفقة الفتاة التي بقيت صامتة، ولم تتكلم، وكانت حزينة ومهمومة وتفكر في شيء ما. ماري ما ارادت ان تكون البادئة في الكلام. وحين اقتربتا من الوحدة المطلوبة، قالت الفتاة لماري كيف يمكنها الوصول الى المكان اللازم لها، وودعتها وذهبت باتجاه آخر. دخلت ماري الى الوحدة، وهناك طلبت منها المسؤولة في الطابق الاول جواز سفرها، وكذلك اسم ورقم غرفة من تزور، وبعد مداولات قصيرة سمحوا لها بالصعودعلى الدرج الى الطابق (b) لأن المصاعد لاتعمل. وصلت الى الغرفة المطلوبة ودقت الباب. وبسرعة فتح الباب وانعقد لسان ماري من الدهشة لأن ياسيمين كانت بتسريحة اوربية وبثياب اوربية وبدون حجاب، حتى ان ياسمين قرأت في عيني ماري الدهشة التي اعجبتها، ورحبت بماري بفرح وحبور، واستقبلتها بحفاوة وكأنها يعرفان بعضها البعض منذ الف عام، او اكثر!
ياسمين حضرت طاولةما لها اخت بالنسبة لطلاب الجامعة الذين يعيشون على الأكلات السريعة والفلافل والحمص والمخللات، كان عليها الكثير من الأطعمة المعدة في البيت والتي يجلبها لها اخوها مرة كل اسبوع الى دمشق. ماري تذوقت هذه الأطعمة، بعضها اعجبها كثيرا وبعضها لم يعجبها، وبعد قليل جاءت زميلة ياسمين التي تسكن معها، واسمها رنا، وهي طالبة من اللاذقية تدرس الحقوق، وهي من اسرة عريقة في معارضة النظام، ابوها كان في السجن واخوها كذلك لأنهما كانا شيوعيين. وكالعادة عندما تبدأ الأحاديث في سوريا، بدأن الحديث عن السياسة واهل الكياسة، ودار الحديث حاميا هذه المرة بين ياسمين ورنا حتى يبدو انهما نسيتا ماري ووجودها، وكل منهما توجه الحديث المقنع لماري الحكم، وماري جلست تستمع الى كل هذه الأحايث، وتذكرت كل ما قيل عن احداث ربيع اوربا، ومظاهرات الطلبة والبير كامو وجان بول سارتر، وخيل اليها انها تعيش الآن لحظات شبيهة بلحظات تلك الأحداث.
ياسمين في حمص، في المدرسة تعرفت على طالبة اسمها أنيسة، درست في المدرسة، قيل ان اباها كان شيوعيا. وتحادثتا كثيرا وقرأتا كثيرا، وتعرفت ياسمين على الأدب العربي الحديث، والأدب الروسي، والآداب الأجنبية الأخرى. وفي السنة الأخيرة من المدرسة حدث ان جاءت سيارة من فرع المخابرات اخذت انيسة، التي عادت فقط في نهاية العام الدراسي، وكأنها شخص آخر جاء من مجرات اخرى، وسرعان ما وضعت يدها على نفسها، انتحرت، وعرفت ياسمين من ام انيسة ان الأخيرة تعرضت للتعذيب والاغتصاب، ولم تتحمل نفس وروح تلك الطفلة التي ارادت تنظيم هذا العالم، انطلاقا من مخيلتها كطفلة، لم تتحمل اذى، وشقاء، وقسوة هذا العالم، قسوة اجهزة المخابرات السورية، قسوة اجهزة الغستابو الجديد للنازيين الجدد الذين يحكمون البلاد بالحديد والنار، ويتحكمون بمصائر الناس والعباد.
ياسمين، على فكرة، تكتب مذكراتها، واحلامها، وتكتب الشعر، والقصة، ولكنها لاتنشر اعمالها، فقط اهلها وصديقاتها واصدقاؤها المقربون يعرفون ذلك. كانت تنظر الى العالم من منظار آخر، ترى شقاء الانسان فيه، وآلامه، ومعاناته واوجاعه، ولا تفهم لماذا تحول الانسان الى آلة طاحون بدون روح يطحن كل شيء! واما رنا فكانت ككل المثقفين اليساريين يكرورون عبارات لايفهمون معناها، ومبناها، كان يعجبهم وقع بعض الكلمات، حتى انهم كانوا حين ينطقون بها، ينطقونها ببطء وتلذذ، ويستمعون الى صداها، يتحدثون عن الصراع الطبقي والمطرقة والمنجل وثورة البروليتاريا (الكلمة الساحرة) و الصراع الـ أيدلوجي ... الخ. وكثيرا ما كانت ياسمين ترد على رنا بأن الشيوعيين مثلهم مثل الإسلاميين يكرورون اقوالا لايعرفون معناها ومأخوذة من عصر لايناسب عصرنا وواقعنا، كلمات محفوظة عن ظهر غيب كما يحفظ الاسلاميون بضع آيات من قرآنهم، وتجيء ظهورهم من المتعة عندما يردودون كلماتهم وعبارتهم تلك. وكانت ياسمين تقول لرنا عن أي صراع طبقي وبروليتاريا تتحدثين ونحن في كل سوريا ليس عندنا مصنع واحد، حتى الفلاحون عندنا لايزرعون ولا يحصدون! بلادنا صحراء ونحن بدو! نحن جراد! حتى جيشنا الذي هجم على لبنان كما يهجم الجراد على حقل اخضر التهم كل اخضر ويابس واكل كل مايأكل وترك وراءه الخراب، والدمار. نصف عساكرنا اصبحوا اغنياء من سرقاتهم من لبنان، حتى النوافذ والأبواب قبَّعوها واخذوها، ما تركوا حجرا على حجر هناك. ما فعله جيشنا في لبنان لم تفعله اسرائيل في الضفة الغربية، ولاتسمح لنفسها بفعله! ولم تفعله امريكا في العراق، ولاتسمح لنفسها بفعله! ونحن كل ما عندنا هذه الشعارات الجوفاء المتعفنة، وهذه الـ بسم، وهذه ال صدق، وهذه الـ عن فلان ان علان قال ومال، وجال، وصال، حتى تحولت حياتنا الى أن فلان قال عن فلان، والى قيل وقال! انا اعتقد ان الناس الجيدين قد تم حصدهم عن بكرة ابيهم، ونحن احفاد اولئك المقطعين الموصلين الانبطاحيين المتلونين مثل حرباء، من نحن؟ نحن؟ حتى لااعرف من نحن، ولا احد في الدنيا يعرف من نحن!. نحن ويل وسيل، نحن صحراء وقارات من القحل والمحل وليس هناك من سبيل لإيقافه. كل شيء عندنا لاكما عند البشر. نحن خلقنا وابقي علينا لكي نكون عبرة ودرسا للآخرين لكي لايكونوا كما نحن. واعتقد ان الله لاعلاقة له بهؤلاء الناس وبهذه المنطقة، هؤلاء هم نحن. عندي صديقة تعيش في لندن فرت هي وابوها وامها واختها من هول ماعندنا، من هول وبطش حكامنا، وهول ورعب رجال الدين عندنا، كتبت لي تقول ان اولئك الذين فروا من هذا الجحيم ينقلوه معهم الى هناك، ينقلون صحراءهم ومواشيهم وخيمهم وبعيرهم ويطلقونها ترعى في الحدائق الجميلة الخضراء هناك وتحصد الأخضر واليابس، يقتلون بناتهم وزوجاتهم باسم الشرف والدين، لمجرد انهن يتغنين بالربيع فيهن، ويحلمن بإطلالته، لمجرد ان الفتاة تمشي مع شاب، فماذا نرجو من هؤلاء القتلة؟! حتى انه خطر ببالي، نحن نستورد الثيران الهولندية لتحسين انسال ابقارنا، ونستورد الشتلات، لتحسين شتلاتنا، وبتلاتنا، ونحن نحتاج الى ذلك التحسين في الانسال، والأنساب، والجنس والنوع!
ماري كانت تنظر الى ياسمين ولاتصدق ماتسمع! وهل فعلا الأمور سيئة الى ذلك الحد؟ وياسمين كانت هذه المرة اكثر وضوحا، وأبلغ تعبيرا، ورنا التي اعتادت على الحوار والثرثرة، والأخذ والرد سكتت، وكأنها ،ولأول مرة، ترى ياسمين التي احمرت وتألقت، وشعت عيناها، وهي لم ترها من قبل هكذا، في مثل هذا الحال، ومثل هذا التألق ، ونطقت بعبارة خرجت اتوماكيكيا وكأنها صلاة: "انت، ما أجملك، وما أرهبك ياياسمين"!
اعتذرت ياسمين من الجميع، وعلى انها كانت طول الوقت تتكلم، واقترحت تغيير الجو، بأن يمشين قليلا في المدينة الجامعية. ماري وافقت، اما رنا فقالت انها ستلحق بهما، ويمكن لا، لأنها تريد أن تحضر اكلة تبولة، ووافق الجميع. وما ان خرجت ماري وياسمين التي ارتدت الحجاب الذي يغطي الشعر فقط وبحيث يبقى الوجه مفتوحا، والذي دهش ماري حتى الأعماق، كيف يستطيع مرء يفكر كما تفكر ياسمين، ومع ذلك ترضى ان تلبس الحجاب؟ وخطر بذهنها ان، ان تسأل ياسمين فيما بعد.
أما رنا، فأسرعت الى دفتر مذكراتها، وبدأت بتدوين ما سمعته من ياسمين، خصوصا، وأنه من السهل الكتابة عندما يكون كل شيء طازج، فقط خذ وسجل. ونسيت في حمة التسجيل التبولة، وغير التبولة، سيما وأن ياسمين عادت ومعها ماري التي بدت مصفرة وترتجف وكأن شيئا ما رهيبا قد حصل للتو! واستفسرت رنا عما حصل من ماري التي كانت طول الوقت تتمتم تارة بالفرنسية وتارة بالعربية بشكل غير مفهوم. وبعد ذلك توجهت الى ياسمين وسألتها "شو صار، شوصار، إلِّيلي (قولي لي)؟" وبدأت ياسمين تقص على رنا ما جرى معهما، وقالت: "ما ان خرجنا من الوحدة واتجهنا باتجاه الوحدة (هـ) حتى سمعت ماري صوت شبيها بصوت انفجار، انا اعني انفجار قنابل طلابنا، طلاب كلية الطب، واستفسرت ماري عن هذا الصوت، فقلت لماري عما يجري عندنا في المدينة، خصوصا، وان طلابنا لايقرؤون، وليس في المدينة الجامعية مكتبة، او صالات رياضية، او مدينة العاب، او نواد، او حلقات بحث، او رسم، او رقص ... الخ، هناك نادي واحد هو الاجتماعات الحزبية البعثية، واجتماعات اتحاد شبية الثورة والتي فيها يتحدثون عن الامبرلالا والإسرائيلالا، وعن ان اهدافنا "وحدي حلوي شقرا"، عفوا، "وحدة حرية اشتراكية"! ولذلك يلجأ الطلاب لتمضية الوقت باجراء مباريات فيما بينهم، حيث يقوم الطلاب بشراء اكياس نايلون كبيرة الحجم تتسع لعشرة ليترات وحتى لعشرين ليترا، وهناك من تبجح بأنه ملأ كيسا بثلاثين ليترا من الماء، ويرمون بهذه الأكياس المليئة بالماء من البلاكين على القطط، او الكلاب التي تبحث عن بقايا الأطعمة في الحديقة بالقرب من حائط مبنى الوحدة، وعادة يقوم الطلاب بشراء اطعمة شهية للقطط والكلاب لإستدراجها الى تحت البلاكين، ومن ثم ليتم انزال تلك الضربات الجوية الماحقة والدقيقة الاصابة بصواريخ جو ارض، والتي تصل دقة اصابتها الى بضعة سنتمترات، وهذا ما لم تستطع الدول الكبرى المصنعة للصواريخ ان تصل اليه في دقة اصابة صواريخها، ولكنهم هناك لايعرفون عن منجزات سورية، وبالضبط منجزات طلاب كلية الطب في تقنية صناعة الصواريخ الدقيقة الاصابة. اقول يقوم الطلاب باسقاط تلك الأكياس من الطابق العاشر او الحادي عشر على القطط او الكلاب والتي تنمعس، وتنهرس تحت هذا الضغط وتتحول الى ما يشبه رغيف الخبز! وبعد ذلك يتم تناقل، وتدوال تلك الانتصارات المذهلة على الأعداء. وذلك الذي يحقق اصابات دقيقة وماحقة يعتبر بطلا قوميا بين الطلاب"!
 
 
Page generated in 0.06300 seconds with 11 queries