عرض مشاركة واحدة
قديم 14/03/2009   #56
شب و شيخ الشباب قرصان الأدرياتيك
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ قرصان الأدرياتيك
قرصان الأدرياتيك is offline
 
نورنا ب:
Jan 2008
مشاركات:
1,446

افتراضي بين هذا وذاك!


الثّلاثاء 9 كانون الأوّل 2008 (روما)


بين هذا وذاك!
عزلتي في عربةِ القطار تدفعني إلى التقيّؤ!! والقلمُ ينكزُ خاصرتي لأخرجَه من عتمةِ الرّداء فيُطلق العنانَ لحبرِه الأسود البليد. لأخرجنّه إذاً، ولأتقيّأنَّ ما تبقّى في ذاكرتي من الأمسِ الذي كانَ يوماً وحيداً... ولربّما كانَ مثلي! أذكرُ البارحة في منتدى "الأخويّة" حيثُ التقيتُ منسِّقة صغيرةَ السنِّ منفعلة محكومة كالآخرين بأوهامٍ سيقَتْ إليها عبر جسورٍ ممتدّةٍ فوق الرّمال، عاجلتني بكلمةٍ أشعلتْ فيَّ ما أحاولُ إطفاءَه منذ أيّام، فنزلتُ معها إلى الحضيض وأسمعتُها ما لاقَ بكلمتِها، لكنّي لا أحملُ منها ومن عباراتها وردودها إلا الأسف!!! تلاها أحدُ المتقاعدين يسألُ عن الشّمسِ في منتصف النّهار، وأعقبَه آخرٌ أفرغَ في الصّفحةِ ما حفظَه من دروسِ الأيّام السّابقة وما تعلّمه على أيدي صنّاع الأقنعة وأساكيم الرّياء!
لكنَّ ذلكَ خمدَ فجأةً مثلَ جمرٍ ألقي في قاعِ بحرٍ باردٍ، عندما حادثتني صديقةٌ عزيزةٌ على قلبي، ثمَّ تلقّيتُ اتّصالاً هاتفيّاً من أفضل أصدقائي وأقربهم مودّةً ومعرفةً إليَّ، فأنسياني هرطقات البشر في زمن الإلحاد المُميت! ضحكنا حتّى ارتوينا، وكأنّنا جليسين وحيدين في قاعةٍ تحملُ مائدتُها ممّا لذَّ وطاب، ثمَّ تبادلنا آخر الأخبار، وحدّثته عن بحثي عبثاً عن سكنٍ وعملٍ في مدينةٍ حكمت العالمَ يوماً!
فأمّا الآنَ فالقطارُ يمشي الهُوينة مقترباً من مدينةٍ فارغةٍ من كلِّ شيءٍ ما عدا الموت والشّتاء. عبرنا الجسرَ وإلى يميننا وشمالِنا تراكضت الأشجارُ والأسوارُ وسككُ الحديدِ وتلالٌ من رملٍ وبشرٍ راح هؤلاء يدخّنون ويشربون ويسافرون كما راحَ قائدُ القطارِ يصفّرُ مُعلناً عن رحيلٍ آخر!
أكلتُ إحدى قطعتي شوكولاده تْويكْس منتظراً رصيفاً جديداً أتنفّسُ فيه دخاناً كئيباً مثل وجه البائسين. آهٍ... تذكّرتُ أنّي البارحة شربتُ جميعَ لفافاتي وأحرقتُها، وعليَّ الآن أن ألفَّ أخرى جديدة قبل الوصول المُقبل!

Mors ultima ratio
.
www.tuesillevir.blogspot.com
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.05369 seconds with 11 queries