الموضوع: أسبوع وكاتب - 2
عرض مشاركة واحدة
قديم 03/08/2008   #258
شب و شيخ الشباب achelious
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ achelious
achelious is offline
 
نورنا ب:
Oct 2006
المطرح:
الغدّ
مشاركات:
2,008

افتراضي


قصة مدينتين

يفتتح ديكنز «قصة مدينتين» بعبارة من أشهر عباراته على الإطلاق هي : «كان ذلك الزمن أفضل الأزمنة، وكان أسوأها» حيث يروي قصة تدور أحداثها في مدينتين هما لندن وباريس.

في لندن نتعرف على لوسي مانيت، إبنة الطبيب الفرنسي ألكساندر مانيت، الذي كانت تحسبه ميتاً، ثم تفاجأ بأنه كان مسجونا في الباستيل، ولا تعلم بوجوده إلا بعد إطلاق سراحه، واجتماعه بها في لندن.
هنا يصور ديكنز شخصية الأب الذي أنهكته سنوات السجن الطويلة، حيث كان يعمل صانع أحذية خلال تلك الفترة، وهو يخرج أدواته بين الفينة والأخرى ويعود إلى تلك المهنة، كأنه ينسى واقعه الجديد. يتم استدعاء الأب وابنته للشهادة في قضية خيانة يتهم فيها تشارلز دارني، وهو شاب فرنسي لطيف تعجب به لوسي، ويبرأ من تهمته على يد محام شاب يشبهه إلى حد مذهل اسمه سيدني كارتن.
يبوح كارتن للوسي بحبه رغم علمه بأنه غير جدير بها، ويتمنى لها حياة سعيدة مع من تحب، ويعدها أن يقدم لها يوماً ما يثبت جدارته بحبها.

في باريس، يسجل ديكنز أحد مشاهده الأكثر تأثيرا في الذاكرة على الإطلاق، حيث يسقط في الشارع برميل خمر من عربة تحمله، وينكسر في الشارع، ويتدافع الناس لشربه قبل أن تمتصه الأرض، وفي هذه الأثناء يغمس أحدهم يده في الوحل النبيذي ويكتب على الحائط كلمة «دماء»، كأنه يتنبأ بما ستؤول إليه الأمور في فرنسا. في مشهد تالٍ، تدوس عربة الماركيز ايفرموند طفلا فتقتله، ثم يلقي هذا الماركيز إلى والد الطفل بقطعة نقدية كتعويض، إلا أن الأب يرفضها، ويتبع العربة إلى القصر. هنا، نجد أن هذا الشخص هو عم دارني، بطل القصة، والذي عندما يعلم بما حدث يعلن تبرؤه من إرث عائلته، ويقرر مغادرة القصر.
في اليوم التالي يتم العثور على الماركيز مقتولا، وإلى جانبه رسالة تحمل اسم جاك، وهو الاسم الذي كان الثوار يطلقونه على أنفسهم (حزب اليعاقبة). في اليوم التالي يتم إعدام والد الطفل، ويغادر دارني القصر عائدا إلى انجلترا، حيث يبوح بحبه للوسي، ويتقدم للزواج منها بعد أن يعدها بإخبار والدها بأصله، وعندما يفعل ذلك يوم زواجهما يفاجآن بعودة الأب إلى صنع الأحذية.
تأخذنا الأحداث مرة أخرى إلى باريس عام 1789 زمن الثورة الفرنسية، حين يتم القبض على شخص يدعى جابيل، وهو المسئول عن قصر آل ايفرموند، فيستنجد بتشارلز دارني لإنقاذه، ورغم علم هذا الأخير بخطورة ذهابه إلى فرنسا، إلا أنه يذهب لإنقاذ جابيل. في فرنسا، يتم القبض على تشارلز، ويودع السجن، ثم تذهب زوجته ووالدها إلى فرنسا لإنقاذه، ويستخدم والدها نفوذه مع الثوار حتى يحصل دارني على حريته.
هناك شخصية أخرى تأخذ دورها في الأحداث هنا، وهي مدام دوفارج، التي نراها سابقاً تجلس في محل زوجها وتحيك الصوف طوال الوقت، وترسم في نسيجها أسماء أعداء الثورة الذين تخطط لإعدامهم. هذه السيدة ستلعب دوراً في الأحداث فيما بعد. يعتقل تشارلز ثانية في نفس الليلة، ويحاكم، وأثناء محاكمته يقدم دورفارج وثيقة كتبها الدكتور مانيت بخط يده يوم كان في السجن، يحكي فيها عن ليلة جاء في طلبه الأخوين ايفرموند، وهما والد تشارلز وعمه، وأخذوه إلى بيتهما حيث كانت امرأة هناك تعاني سكرات الموت، ويعلم مانيت أن أحد الأخوين قد اغتصبها، وقتل أخاها.
تموت هذه المرأة في تلك الليلة، ويقوم الأخوان بالقبض على الطبيب وإيداعه السجن خوفا من أن يصبح شاهداً على أفعالهما، هذا السجن الذي يقضي فيه سنين طويلة، وهو يلعنهما في هذه الوثيقة، ويطلب الموت لهما حتى آخر سلالتهما.
نعلم هنا أن تلك المرأة هي أخت مدام ديفارج، وأن الشاب المقتول أخاها، وهي تأخذ على عاتقها مهمة تصفية آل ايفرموند حتى آخر سلالتهم، كما طلب مانيت في تلك الوثيقة التي أودعها جدار زنزانته، قبل أن يعلم بأن أحد أبنائهم سيصبح صهره، وأن حفيدته ستكون أيضا من تلك السلالة.
تحكم المحكمة بإعدام تشارلز دارني، ويقرر تنفيذ الحكم بحقه بعد يوم واحد. في هذه الأثناء يسمع سيدني كارتن عن مخطط لإعدام لوسي وابنتها كذلك، فيهربهما ويعيدهما إلى لندن.
في هذه الأثناء تشعر مدام ديفارج بأن هناك خطة للهرب، فتأتي إلى منزل لوسي محاولة وقفها، إلا أن خادمة لوسي تقوم باحتجازها ريثما يهربون، ويحصل بينهما عراك يؤدي إلى مقتل دوفارج بسلاحها الناري. يتوجه كارتن إلى السجن حيث يطلب زيارة دارني، ويقنعه بأن يتبادلا ثيابهما، ويكتب رسالة توضيحية، ثم يقوم بتخديره بمساعدة صديق له، ويسحب مساعده دارني خارج السجن، بينما يقبع كارتن هناك بانتظار إعدامه في اليوم التالي. تنتهي القصة بأن يتم تهريب دارني إلى لندن، بينما يعدم كارتن الذي قدم روحه فداء للمرأة التي يحب، حتى يكون جديراً بحبها كما وعدها ذات يوم، وهو مقتنع أنه يكتسب بتضحيته قيمة ومعنى لحياته.

في القصة الكثير من التفاصيل المدهشة، والشخصيات المرسومة بدقة، وهي ذات حبكة مثيرة مليئة بالمفاجآت، بالإضافة إلى أن ديكنز يستغلها لإيصال بعض قناعاته، كإمكانية الإحياء والتغيير الدائمة، التي تتجلى عندما يضحي كارتن بحياته. فهو من جهة يقدم حياة أفضل لغيره، ومن جهة أخرى يكتسب بعداً جديداً لحياته التي تكللت بهذه التضحية، فيموت قرير العين.

يطرح ديكنز أيضا أهمية التضحية، حيث يضحي الثوار بكل غال وثمين في سبيل الحرية التي يدركون صعوبتها، والثمن الضخم الذي سيدفعونه من دمائهم من أجلها.
كما يرى ديكنز أن الثورة تميل حتماً إلى القمع والعنف، فهو رغم دعمه للقضية التي استوجبت الثورة إلا أنه يشير إلى ما يرتكبه الثوار من شرور. ديكنز من جهة يدين قمع الفلاحين الذي كان يحدث، ومن جهة أخرى يدين طريقتهم في القضاء عليه، ومحاربة العنف بالعنف، حيث يتحول من كان يعاني من الاضطهاد إلى اضطهاد الآخرين بنفسه.
وديكنز يعتمد في القصة أسلوب الراوي، لكن الراوي يبقى مجهولاً، ويمكن ببساطة اعتباره أنه هو ديكنز نفسه. ويلاحظ باستمرار أن الراوي يسبغ عواطفه الجياشة بصورة واضحة على الشخصيات الطيبة، مثل كارتون، دارني، مانيت الأب والابنة. وفي المقابل، فهو ينتقد الشخصيات التي لا تثير غير الكراهية بسبب قسوتها، مثل مدام دوفارج، لكنه يحاول أن يجد لها عذراً مخففاً، ألا وهو القمع الذي كانت هي ضحية له.
ويستغل ديكنز شخصية الراوي - المجهولة - ليكشف لنا مقدار معرفته بتفاصيل الأحداث ورأيه فيها. فهو لا يكتفي بإماطة اللثام عن الأفكار والعواطف والدوافع التي تجيش في نفوس شخصيات القصة، ولكنه يسرد، بلسان الراوي وبقلم المؤرخ، مجريات الأحداث ويعلق عليها بثقة تامة.

وفي الختام، لا بد من الإشارة إلى أن ديكنز قدم لنا صورة واقعية للصراع الطبقي، ولعل أكثر جوانبها إثارة هو الصراع الذي كان يعتمل في نفس دارني ويجعله في نهاية الأمر يقرر التخلي عن طبقته لما مارسته من قمع واضطهاد ضد عامة الناس وفقرائهم.


لا أحتاجُ لتوقيعٍ .. فالصفحةُ بيضا
وتاريخُ اليوم ليس يعاد ..

اللحظةُ عندي توقيعٌ ..
إن جسمكِ كانَ ليَّ الصفحات
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.05276 seconds with 11 queries