عرض مشاركة واحدة
قديم 30/10/2007   #1
شب و شيخ الشباب sam031
مسجّل
 
الصورة الرمزية لـ sam031
sam031 is offline
 
نورنا ب:
Oct 2007
مشاركات:
9

افتراضي هموم الخصوصية السورية


الخصوصية السورية!! مصطلح غريب كنت اسمعه دون ان افهم سبب ترديده فضلا عن معناه ، فما معنى ان تردد امة اهم مبادئ حزبها الحاكم انها امة واحدة من المحيط الهادر الى الخليج الثائر بان لها خصوصية !! و اذا كان المعنى صعب ان يفسر فهناك سؤوال مشروع ما نوع هذه الخصوصية ؟! فالامر محيّر و لكن لا عجب من هذه المصطلحات فكل يوم يخرج علينا البعث العظيم بمعجزة جديدة في فن الخطابة و الادب و الانشاء ، و هناك من الامثلة الكثير التي لا يمكن ان تحصر لضيق العُمر ، فقد تحررت اراضي كثيرة في حفل خطابي واحد ، و توحدت على ايديهم البلاد العربية في بيت شعر واحد ، و رفع الناتج القومي و القوة الشرائية للعملة و تقلصت نسبة التضخم و حلت ازمة البطالة بتصريح ملهم واحد ، و اقمنا المعامل و تطورت الصناعات في حفلة دبكة صغيرة وبيتين عتابا و ميجانا ، و رفعنا العلم السوري فوق الجولان و اقمنا الصلاة في القدس و استعدنا سيناء و واخرجنا المحتل من العراق في حفل تخريج طلبة الكلية الحربية مع مهرجان خطابي ثوري ( فوق البيعة )!!

الحقيقة بأنني أؤمن بأن لنا خصوصية خاصة جدا عن باقي شعوب العالم ، حتى اننا من تطرف خصوصيتنا اصبحنا ننتمي لهذا العالم فقط بالاسم و الشكل الخارجي و رسم على الخريطة لملأ الفراغ ، و هذه الخصوصية تستطيع ان تحسها و تلسمها بكلتا يديك و لكن عبثاً انك تفهما و تعرف سببها و منشأها ، و لكن تستطيع الشعور بها بتغيب أي تواجد سوري على الساحة العربية بكافة الاصعدة و المجالات ، فهناك حالة احباط عامة جاءت نتيجة لحالة خذلان طويلة ( مستمرة ) لذلك فقدنا الاحساس بأي اهتمام بالشأن العام ، و قد تولد لدينا احساس بأن هذا الشأن لا يعنينا فالبلد يوم بعد آخر تثبت لنا بأننا لسنا ابنائها و لم تعد لنا !! و أي حديث عن أي قطاع في البلد من الممكن ان يعرض صاحبه لخطر الجر و الشحط فلا توجد أي حصانة من أي نوع تحميه قانونية أو انسانية ، ولا يوجد جهة تكون مرجع لتثأر له و تسترد حقه ، و هذا الشعور بدأ يكبر و اصبح خصوصية سورية لفت البلاد و توارثتها الاجيال ، فلا نجد الى اليوم احد يتكلم عن هموم الشعب السوري ، عن آماله ، عن طموحه و احلامه و معاناته ، بل اكثر من ذلك يوجد حوله تعتيم و اعماء داخلي و تجاهل خارجي وصل لدرجة الوقاحة عن ذكر أي خبر عنه من الممكن ان تعمل على فك اسر يحيا به او حتى برامج اعلامية عنه تحرره من قيد من قيوده ، و كأن هناك مؤامرة ضده فحتى مثقفونا و الفنانون السوريين تجاهلوا هذا الشعب فلا يملكون القدرة و الجرأة على رفع رسالة او اعلان حالة او توقيع عريضة كما نرى في باقي الدول العربية اقل ما يمكن و هم بالتالي تجاهلوا معاناتهم و تجاهلوا سمو رسالتهم التي من أهم مبادئها ان تبني الانسان و تحرره ، لذلك لا اؤمن كثير بالفن السوري ( المقتصر على المسلسلات الترفيهية ) و اعتبره طفرة فنية سوف يزول قريبا لانه ابن غير شرعي للفن الحقيقي الذي لا يقبل ان يكون في الحياد ، و لانه حاله شاذه لا يعبر عن الواقع التي يحياه ، و لا أقرأ لأي كاتب سوري يكتب من داخل سوريا ، لانه مهما حاول مجاهدا و ناضل لنقل الصورة ( القاتمة ) الحقيقية للواقع السوري فإنه لن يصل الى واقع البشاعة و لن يستطيع نقل الحقيقة الجارحة ، و لانه لايملك بين يديه ادوات لحصانة نفسه من المسائلة عن مخالفة القانون بممارسته لحرية الرأي التي تجرمها الدولة بعد ان حذفت تلك المصطلحات السامية من حرية رأي و تفكير و اعتقاد من الذاكرة الشعبية للامة السورية ( ينفع عنوان اطروحة ) ، و لذلك لا يتمتع المثقف السوري الذي قبل بهذا الواقع المرير و قبل بتجزيء القيم الانسانية الى اجزاء و قبل بالحلول البديلة و انصاف الحقوق الموهوبة له بالامانة الادبية و الفنية و الامانة الانسانية التي تحتم عليه رفع الغطاء عن اعين الشعب و توعيته لاحداث صدمة فكرية شعبية للتعرف على الحقوق المسلوبة ، و العمل على ايصال معاناة شعبه و وطنه بواقعيتها لاحداث ثورة فكرية من أجل التغيير .

و الخصوصية السورية بأنك لا تسمع عن اي انجازات ابداعية و فكرية ثقافية فنية سورية و ذلك بسبب الطابع الواحد في الحياة الذي يعيشه المواطن السوري و عدم وجود اختلافات في الاراء بما يخص الحياة العامة ، او اختلاطات مع ثقافات اخرى تحفزه على التفكير و التأمل و المقارنه و ذلك بسبب الجو السياسي السائد على الطابع الواحد و عدم قبول الاخر او الاستماع اليه و فرض عوائق امام الثقافات الاخرى القادمة من الخارج خوفا من تفتح العقول !! و ايضا هنالك سبب عدم وجود منظمات او هيئات تعنى برعاية الشباب و المواهب و تنميتها ان كانت اعلامية او طلابية او شبابية جادة قادرة على تفعيل اهدفها في خلق جيل مبدع حر او حتى تنشأتها ، و ليست مؤسسات لعمليات غسيل المخ كمنظمة طلائع البعث و منظمة شبيبة الثورة !! لان ذلك كان و ما زال في ذهن النظام من رفاهيات الحياة و ترف المثقفين و الفنانين الذي يحيون في بروجهم العاجية .

جميع هذه الظروف اجتمعت في ظل نظام واحد فرضها على الشعب خلال نصف قرن ( بشكل منهجي مدروس كاستراتيجية حكم و بقاء ) ادت بشكل حتمي الى تراجع الاعمال السورية بشتى الميادين الفنية و الثقافية والفكرية ، و من ثم تغيبنا بشكل نهائي من خريطة الابداع العربي و تمركزنا في نطاق التنظير الخطابي و الثورجي و تصدير شعارت قومية فاشلة . و لكن للامانة باننا حققنا خطوات جبارة في مجال الطبخ فقد دخلنا موسعة غينس للارقام القياسية عدة مرات عند ابتكارنا اكبر قرص كبة و اطول سيخ كباب و اكبر طنجرة محشي و اكبر كلمات متقاطعة في العالم .

الخصوصية السورية التي زرعت الخوف و الرهبة في نفوس المواطنين جعلتهم يتننازلوا عن النصيب الاكبر من انسانيتهم و حقوقهم ، و جعلتهم يغضون البصر عن أي حديث من الممكن ان يهم الرأي العام او ينتقد الاوضاع الحياتية اليومية البسيطة لانها كانت و ما تزال تطال اصحاب الرقاب الوطويلة و الجبين العالي ، او احدا من عائلاتهم و ما اكثرهم ، او فرع من فروع قبيلتهم و طائفتهم و ما اقواهم ، فذكر أي سوء في البلد تلقائيا يعني انك تذكرهم فقد دمجوا نفسم بالبلد و اصبح البد هم و هم البلد و نحن مجرد سياح في بلد اصبح مصيف ( فاشل على الصعيد السياحي ) .

بهذا من الممكن ان نفهم معنى الخصوصية السورية ، فالصمت خصوصية سورية . السيوف المسلطة فوق رقاب العباد خصوصية سورية ، تشويه سمعة الشعب خصوصية سورية . الجهل و التعتيم و الاعماء خصوصية سورية . التوريث و تعديل الدستور في خمس دقائق خصوية سورية . الاحتفاظ بحق الرد خصوصية سورية ، و الرد يمكن ان يأخذ اشكال ثقافية خصوصية سورية .

هذه الخصوصية من الخذلان و التواطئ علّمت المواطن الاقوال المأثورة الحميدة كالـ ( العين لا تقاوم المخرز ، بدنا نمشي جمب الحيط و نقول يارب السترة و الي بيتجوز امي بقله ياعمي ) ، و تعلم الحكمة بالانحناء عن الرياح العاصفة ، و لكن بالمقابل كانت ردة فعله بديهية و منطقية قابلها بحالة داخلية غير معلنة من الشماتة عند فشل مخطط او خسارة مشروع ، ساهم بشكل مباشر او غير مباشر بتردي حالة التطور بكافة جوانبه بسبب اللامبالاة التي حظي بها ، و اصبح معدوم الاحساس و الضمير لديه قد استشهد على عتبة الشعارات و الخطب لذلك منحووه حرية الافساد و الفساد ، و بعد ذلك يريدون وضعه امام مسؤوليات كبيرة و هموم عظيمة فمواجهة الامبريالية و القوى الاستعمارية و اسرائيل رأس حربة الاستعمار كانت واجبه ، تحقيق اهداف الامة العربية و المحافظة عليها كانت قدره الذي كتبه الله له كما قال الرئيس ( قدر السوريين المحافظة على الأمة العربية ) ، ارغموه بتبني مواقف و ادخلوه تحالفات و اصبح يباع و يشترى به و لم تطلق رصاصة في الهواء من اجل القضية الاصلية ، اشبعوه خطب ليلا نهارا عن المقاومة و عن الجيش الذي لا يقهر بسبب توجيات القائد الحكيمة ، سرقوا اللقمة من فمه و فم اطفاله و وصبر على حرمانهم في سبيل التوازن الاستراتيجي مع العدو ، و في النهاية اختراق طائرات العدو اجوائنا المقدسة ، تحليق فوق قصر الرئيس و غارة على مرفق حكومي ( أيا كان نوعه ) و عملية كوماندوس هوليودية في وضح النهار و لم تطلق رصاصة في الهواء بل جاء الرد الحكيم الهادئ بأننا " لن ننجر وراء استفزازات العدو و لن نجعله يحدد مكان و زمان المعركة " و " الغارة اثبتت فشل استخباراتي اسرائيلي اميركي " !!!!!

على العموم كنت اظن عند سماع تلك الاعجوبة ( الخصوصية السورية ) انها اغنية يقصد بها الحضارات التي عرفت كيف تحب هذه الارض ، و التاريخ العتيق الذي تعبق به روائح جدرانها . كنت عاشق رومنسي عندما تصورت ان ( الخصوصية السورية ) تمثل ( صبية ) جميلة مملوؤة خجل و حياء تمشي بدلال اسمها سورية ، فيها من الانوثة ما يغري غريزتك لتتجرأ و تحضنها ، و فيها من الكبرياء و الشموخ و عزة النفس ما يجعلك تهاب النظر الى عيناها مباشرة حتى لا تهوي رهبة منها .

كنت حالم عندما خطر ببالي للحظة واحدة بأن ( الخصوصية السورية ) هي حالة العشق و الهيام الذي يحيون بها جهابذة الخطابة للمواطن و الارض التي انجبت ذلك السوري و منحته اخلاقه و ابائه و كرامته و روحه الحرة .

كنت امارس الجنون و النرجسية عندما فسرت هذه الخصوصية بأنها تميز عن باقي شعوب الارض و اننا نفوق الامم لاننا اخترنا لنكون في هذه الارض ..
و لكن تهاوت تلك الخواطر و الافكار و تحطمت امام صخور ( خصوصيتهم السورية ) ، سورية التي يريدونها و التي نريد .
فنحن نريدها قديسة و هم يريدونها غانية .
نحن نريدها ان نحصنها كياقوته و هم يريدونها متشردة .
نحن نريدها متميزة و هم يريدونها أمية جاهلة تفقه في أمور الطبخ و التطريز و الرضاعة و التدبير المنزلي .
نحن نتمسك بها في غربتنا و هم يمنحونها تأشيرات خروج ( بلا عودة ) .
و بخصوصيتهم لا استطيع ان احيا ، فلي سوريتي الخصوصية و لهم خصوصيتهم السورية .

حسام ...

عندما أشتاقُ للوَطَنْ
أحملهُ معي إلى خمَّارة المدينَهْ..
وأضعُهُ على الطاولَهْ
أشربُ معه حتى الفجرْ
وأُحَاورُه حتى الفجرْ
وأتَسكَّعُ معه في داخل القنِّينة الفارغَهْ..
حتى الفجرْ..
وعندما يَسْكرُ الوطنُ في آخر الليلْ..
ويعترفُ لي أنَّه هو الآخرُ.. بلا وَطَنْ..
أُخْرِجُ منْديلي من جيبي
وأمسحُ دموعَهْ..
( نزار قباني )
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.06268 seconds with 11 queries