عرض مشاركة واحدة
قديم 26/09/2006   #3
شب و شيخ الشباب skipy
عضو
-- قبضاي --
 
الصورة الرمزية لـ skipy
skipy is offline
 
نورنا ب:
Sep 2006
مشاركات:
660

افتراضي 3


بعد استنارته، نشر المستنير [بوذا] تعاليمه لأربع وأربعين سنة أخرى، قبل دخوله في حالة نيرفانا عام 480 ق.م. تقريباً. وكان أكثر ما شغل باله، قبل غيابه، أن يشعر المؤمنون "أن التعاليم سوف تكون معلّمهم".
لقد فهم غاوتاما بوذا أن هدف فيض قوته الخفيّة وغايته هما نشر هذه التعاليم، وهنا لابد على واحدنا أن يلاحظ أن بوذا ذاته لم يترك أية كتابات. ويمكن للمرء بالتالي الافتراض أن السانغا تناقلت تعاليم بوذا الأصليّة شفويّاً بنوع من الحرص عظيم. وبعد موت المستنير بزمن طويل كتبت أخويّة الرهبان تعاليمه وسجّلتها في التريبتاكا (شريعة بالي)، أي كتاب تعاليم المستنير، الذي يُعرف أيضاً "بالسلاّت الثلاث".
حين نقرأ عن تعاليم المستنير، لا يهمنا كثيراً ما إذا كانت قد تم تناقلها موضوعيّاً وكلمة كلمة. بل ما فهمته أخويّة الرهبان البوذيين حتى يومنا الحالي على أنه الكلمة الموثوقة، عبر تاريخ يمتد على مدى ألفين وخمسمئة سنة.
تعاليم بوذا:
لقد أطلق غاوتاما بوذا "دولاب الحقيقة" كي يري الطريق إلى الخلاص. وكان مراراً يؤكّد في هذا السياق، أن الالتزام، تركيز الذهن والحكمة هي الطرق الثلاث المركزيّة في الدرب البوذيّة إلى السعادة الفائقة، أي الخلاص. فقد افترض أن الجنس البشري بحاجة إلى الخلاص.
القانون (الكتب البوذيّة المقدّسة)، كما تصفها "السلاّت الثلاث"، والتي هي أساساً تعاليم بوذا (ذارما)، تقسّم كما يلي:
"السلّة الأولى" هي "سلّة قوانين الأخويّة".
"السلّة الثانية" هي "سلّة التراتيل".
"السلّة الثالثة" هي "سلّة العقائد" (النقاشات الماورائيّة لتعاليم بوذا).
تكمن نواة هذه التعاليم في معرفة "الحقائق النبيلة الأربع" وفي قوانين "الطريق النبيلة الثُمانيّة". تتناول "الحقائق النبيلة الأربع" علل المعاناة البشريّة ومعالجتها، في حين أنّ "الطريق النبيلة الثُمانيّة" - يُرمز إليها بالدولاب ثماني الأشعة – تُهدي إلى سواء السبيل عمليّاً وتفسّر كيف يمكن الحصول على العلاج.
الحقيقة الأولى من الحقائق النبيلة الأربع هي حقيقة المعاناة. الولادة معاناة، التقدّم في السن معاناة، المرض معاناة، التوحّد مع الأمور غير المحبّبة معاناة، الانفصال عن الأمور المحبّبة معاناة، عدم حصولك على ما ترغب معاناة. بكلمات أخرى، عناصر الوجود في هذا العالم معاناة. عناصر الوجود هذه تدعى أيضاً "ذارما"، مع أننا نستخدم عموماً التعبير "تعاليم" عوضاً عن "ذارما". بكلمات أخرى، فإن المفهوم ذارما معقّد للغاية وله طبقات معان كثيرة. وبحسب تعاليم بوذا، لا ينظر للإنسان على أنه كينونة، بل كمخلوق مكوّن من عناصر إفراديّة لا حصر لها، هي الذارمات، والتي هي في حركة مستمرّة، فالإنسان بالتالي هو نتيجة فعليّة لمؤثّرات متحدة من هذه التأثيرات المختلفة. من هنا، وحدها فقط نتيجة هذا التدفق من العناصر المختلفة يمكنها أن تعطي انطباع الوحدة. إن مفهومي: "الأنا" و"الأنا ذاتي" هما خداع للنفس. ليس وحده الجسد البشري يتأثر، بل أيضاً النفس البشريّة، كون النفس أيضاً تمثّل مرحلة انتقاليّة للذارما.
الحقيقة النبيلة الثانية تتعلّق بالإجابة على السؤال عن أصل المعاناة. إن افتقاد المعرفة يؤدّي بالإنسان إلى أن يشغل ذاته بالأمور التافهة وأن يتوق ويعطش خلف المتع. وهذا يحدث سلسلة تفاعلات، والتي تقود إلى سلسلة تناسخات واستمرارية معاناة، النتيجة النهائية لها هي الموت ثانية.
يجب النظر إلى هذه الرغبات والمتع وغيرها من المشاعر البشريّة على أنها سبب المعاناة التي لا يمكن أن تنتهي إلاّ بكسر هذه السلسة من أجل الدخول في النيرفانا، الحقيقة الأخيرة، اللاشخصيّة.
الكارما مثبتة بإحكام في دائرة التناسخ. ويجب النظر إلى هذا المفهوم على أنه المحصّلة الكلّيّة لكلّ ما هو أخلاقي من صفات وأفعال وأفكار. الكارما تخزّن وتدوّن الأفعال البشريّة. لا شيء ضائع، وطبيعة التناسخ محدّدة بها. الإنسان محكوم بإرادة العيش مادام في هذا العالم، حيث أن شكل تناسخه حدّد عبر الكارمات مجتمعة. لكنه لا يعرف شيئاً عن وجوده السابق. على المرء أن يلاحظ أنه لا توجد فقط كارما خيّرة، بل أيضاً كارما شريرة، وأنه يمكن الموازنة بين الاثنتين، كلّ مقابل الأخرى، في التطوّر اللاحق للشخص. وبحسب تعاليم بوذا، يُحدّد إطار الخير والشر من خلال ثلاثة قوى محرّضة هي الجشع والكراهية وخداع الذات من ناحية، وفقدان الجشع وفقدان الكراهية وفقدان خداع الذات من ناحية أخرى. من هنا، فالحياة هي رقعة محدّدة منطمرة في آلية كارما عنيدة لا ترحم، والتي – كما ذكرنا آنفاً – لا تنسى شيئاً وتخزّن كلّ شيء ولها تأثير على سلسلة التناسخات.
الحقيقة النبيلة الثالثة هي الحقيقة التي تهتم بإنهاء المعاناة. وهذه تعني نكران الذات والتحرر والتخلّي عن كل الرغبات والمشاعر وما يتوق إليه الإنسان.
الحقيقة النبيلة الرابعة تظهر الطريق إلى إنهاء المعاناة. وهذه هي "الطريق النبيلة الثُمانيّة"، المكوّنة من العناصر التالية:

الطريق القويمة في النظر إلى الأشياء.
التفكير القويم.
الكلام القويم.
الفعل القويم.
أسلوب العيش القويم.
الجهد القويم في كل شكل للكينونة.
الوعي القويم.
التأمّل القويم.

المرحلة الأولى من هذه الطريق، أي "الطريق القويمة في النظر إلى الأشياء"، تفترض أنّ الإنسان يثق بتعاليم بوذا. والبوذيّون، وهنا نتحدّث أساساً عن البوذيين من غير رجال الدين، وضعوا، بهذه الطريقة، حجر الأساس لحياتهم اللاحقة بالنظر إلى الطريق التي سيسيرون على هديها.
إن المراحل الأخرى من "الطريق النبيلة الثُمانيّة" يمكن تصنيفها ضمن إطار الأبعاد الأخلاقيّة، حيث المرحلة الثامنة، أي "التأمّل القويم"، حاسمة. والشخص الذي يرتحل على طول الدرب الأخلاقيّة كلّها يصل إلى الحق " بالتأمّل القويم ". يصل هذا التأمل إلى هدفه دون أن يتأثّر بالمسائل الزمنيّة، ويغوص عميقاً داخل الذات. وتصف التريبيتاكا مجموعتين للمراحل الأربع كل في هذه الصيرورة.
"الطريق النبيلة الثُمانيّة" ليست مستقلّة بذاتها، بل يمكن اعتبار أن لديها وظيفة أن تقود باتجاه الخلاص. إنها تؤثّر بأفعال المؤمن وتشجّعه كي يعيش بأخلاقيّة.
لقد تمرّكزت رسالة المستنير دائماً حول مشكلة الخلاص، حيث الإنسان ذاته هو الذي يستطيع أخذ الفعل، أي، أن يفدي ذاته. إن هدف الخلاص هو النيرفانا، التي هي بحدّ ذاتها غير جذّابة للغاية حتماً. وبالمقارنة مع الجنّة أو النعيم السماوي في الديانات الأخرى، تقدّم النيرفانا مفهوماً يصعب جدّاً على غير البوذي فهمه أو تعريفه. تبدأ النيرفانا حين تصل كل أنواع الكفاح إلى نهايتها، حين تحرز كل المشاعر والانفعالات حالة راحة. إنها تًحَرُّرُ تركَ آلة التناسخ التي لا ترحم، التحرّر من المرض والموت، ونهاية كل أنواع المعاناة في الحياة البشريّة. تتضمّن النيرفانا الانخماد أو التبعثر في الهواء، ويمكن فهمها بأفضل ما يمكن حين يقارن المرء فراغ النيرفانا بالدخان المندفع الذي يتبدّد ببطء من تلقاء ذاته.
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.05728 seconds with 11 queries