عرض مشاركة واحدة
قديم 10/06/2006   #106
شب و شيخ الشباب krimbow
أميـــــــــ
 
الصورة الرمزية لـ krimbow
krimbow is offline
 
نورنا ب:
Mar 2005
المطرح:
damscus-syria
مشاركات:
4,822

افتراضي


فصل

وإذ قد تبين بما ذكرنا بأقسام عقلية أنه لا يخلوأحد من الناس

من أن يكون داخلاً في أحد تلك الأقسام الأربعة، فنريد أن نذكر أخلاق أبناء الدنيا وطباعهم، وأخلاق أبناء الاخرة وسجاياهم، ليعرف الفرق بينهم.
أعلم يا أخي- أيدك الله وإيانا بروح منه- بأن أخلاق بني الدنيا هي التي ركزتها الطبيعة في الجبلة من غير كسب منهم ولا اختيار ولا فكرة ولا روية ولا اجتهاد ولا كلفة، فهم يسعون فيها ويعملون عليها مثل البهائم في طلب منافع الأجساد ودفع المضرة عنها، كما قال الله تعالى ذكره:" يأكلون كما تأكل النعام، والنار مثوى لهم." وأما أخلاق أبناء الآخرة فهي التي اكتسبوها باجتهادهم، إما بموجب العقل والفكر والروية، وإما باتباع أوامر الناموس وتأديبه، كما سنبين، وتصير عند ذلك عادة لهم بطول الدؤوب فيها وكثرة الاستعمال لها، وعليها يجازون ويثابون، كما ذكر الله تعالى بقوله:" وأن ليس للإنسان إلا ما سعى، وأن سعيه سوف يرى، ثم يجزاه الجزاء الأوفى".
وأعلم يا أخي- أيدك الله وإيانا بروح منه- بأنك إذا أنعمت النظر بعقلك، وفكرت برويتك، وتأملت أوامر الناموس ونواهيه وأحكامه وحدودهه وترغيبه وترهيبه ووعده وعيده وزجره وتهديده، عرفت وتبينت أن أكثر اوامره هي بخلاف ما في طباع الناس، ونواهيه عما هو في الجبلة مركوزة من تركب الشهوات، أوطلب الراحة والنعيم والتلذذ، وما هومركوز في الجبلة، وذلك أنه أمر بالصيام وترك الأكل والشرب عند شدة الجوع والعطش، وبالطهارة عند البرد، وبالقيام في الصلاة وترك النوم على الفراش الوطيء، وبالمواساة عند القلة وشدة الحاجة، وبالتعفف عند هيجان الشهوة، وبالحلم عند سورة الغضب، وبالشجاعة عند المخاوف، وبالعفوعند المقدرة، وبالعدل عند الحكومة؛ وبالصبر عند الشدائد، وبالرضى عند مر المقادير، وبحسن العزاء عند المصائب، وبالاجتهاد والتشمير عند الكسل، وبصدق القول عند شدة الخوف منه، وبالسخاء عند شدة الفقر، وبوفاء العهد عند المغيب، وبالزهد في الدنيا عند التمكن منها، وما شاكل هذه الأفعال والأعمال والأخلاق والسجايا التي في الجبلة خلافها، وفي الطباع مركوز غيرها، ويروى في الخبر إنه سئل رسول الله- صلى الله عليه وآله- عن معنى قول الله عز وجل:" خذ العفو، وأمر بالعرف، وأعرض عن الجاهلين" فقال: جمع في هذه الآية مكارم الأخلاق، وهي سبعة: عفوك عمن ظلمك، وإعطاؤك من حرمك، وصلتك لمن قطعك، وإحسانك إلى من أساء إليك، ونصيحتك لمن غشك، واستغفارك لمن اغتابك، وحلمك عمن أغضبك.
وأعلم يا أخي بأن هذه هي أمهات أخلاق الكرام من أولياء الله الذين أشار إليهم بقوله: " وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً؛" إلى آخر الآية، وقوله:" رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً" وهي أخلاق الملائكة الذين أشار إليهم بقوله جل ثناؤه:" الذين يحملون العرش، ومن حوله" الآية.
انظر الآن يا أخي- أيدك الله وإيانا بروح منه- إلى ما ذكرناه من أخلاق الكرام، وتفكر فيها إن كنت تريد أن تكون من أولياء الله وأهل جنته، ومن حزب ملائكته الكرام البررة؛ فاقتد بهم وتخلق بأخلاقهم باجتهاد منك وروية، وعناية شديدة، وكثرة استعمال لها، وطول دربة بها، لتصير لك عادة وطبيعة وجبلة مركوزة، وتبقى في نفسك مصورة عند المفارقة، ودع أخلاق إخوان الشياطين وجنود إبليس أجمعين، وأعلم علماً يقيناً بأن ليس يصحب الإنسان بعد الموت عند مفارقة النفس الجسد، ويبقى معه من كل ما يملك في الدنيا من المال والأهل والمتاع، إلا ما كسبت يداه من هذه الأخلاق والأعمال المشاكلة لها، والعلوم والمعارف والآراء التي اعتقدها وأضمرها كما قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: إنما هي أعمالكم ترد إليكم. وقال الله- جل ثناؤه-: " ووجدوا ما عملوا حاضراً".
وأعلم يا أخي بأن أخلاق بني الدنيا وسجاياهم إنما جعلت طبيعة مركوزة في الجبلة، لأنهم وردوا إلى الدنيا جاهلين غير مستعدين لها، فأزيحت عللهم في ذلك. فأما أبناء الآخرة فصارت أخلاقهم مكتسبة معتادة، لأنهم أزيحت عللهم قبل ورودهم إلى الآخرة، بما أعلموا بها وأخبروا عنها وبشروا بها وأنذورا منها وجدوا في طلبها، وأوضح لهم طريقها وأزيحت عللهم فيما يحتاجون إليه من البيان والاستطاعة والقدرة والهداية والأمر والنهي والوعد والوعيد والترغيب والترهيب وما شاكل ذلك مما هوبين واضح في أحكام النواميس وحدودها، وفي موجبات العقول وقضاياها، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل والعقول المركوزة. وإذ قد تبين بما ذكرنا ما العلة وما السبب في كون أخلاق أبناء الدنيا مركوزة في الجبلة، وأخلاق أبناء الآخرة مكتسبة معتادة، فنريد أن نبين أن من الأخلاق المكتسبة ما هي مذمومة وما هي محمودة، وإن المحمودة منها ما هي بمموجب العقل وقضاياه، ومنها ما هي بموجب أحكام الناموس وأوامره، وهكذا حكم المذمومة منها.
وأعلم يا أخي بأن كل عاقل ذكي القلب إذا نظر بعقله وتفكر برويته في أحوال الناس، وميز بين طبقاتهم، واعتبر تصاريف أمورهم في دنياهم، عرف وتبين له بأن منهم خاصاً وعاماً وملوكاً وسوقة، ويعلم ويتبين له بأن أخلاق الملوك وسجاياهم وآداب أتباعهم ومن يصحبهم وينادمهم خلاف أخلاق العامة والسوقة؛ ويعلم بأنه لا يترك أحد من العامة والسوقة أن يدخل إلى مجالس الملوك إلا بعد أدب وعلم وسكون ووقار وهيبة وجلالة، فيكون في هذا دلالة له، فيعلم إنه لا يمكن أحداً من الناس ولا يليق به ولا يثق أن يصعد إلى ملكوت السموات وسعة الأفلاك والدخول في زمرة الملائكة إلا بعد عناية شديدة في تهذيب نفسه وإصلاح أخلاقه وصحة اعتقاده وحقيقة معلوماته، فيجتهد عند ذلك في إصلاح ما هوفاسد منها، ويتجنب ما هومذموم بحسب ما توجبه قضية عقله، ويؤدي إليه اجتهاده كما هومذكور في كتب السياسة الفلسفية.
وأعلم يا أخي إنه لما لم يكن في مكنة كل عاقل أن يفعل ما وصفنا، إذ كان يحتاج فيه إلى عناية شديدة وبحث دقيق ونظر قوي، خفف الله تعالى ذلك عليهم، وبعث واضعي النواميس الإلهية مؤيدين مع الوصايا المرضية، وأمرهم بامتثال أمرهم ونهيهم، فبنوا لهم الهياكل والمساجد والبيع ومواضع الصلوات وبيوت العبادات، وأمروهم بالدخول إليها بعد طهارة ونظافة ولبس الزينة بسكينة ووقار وأدب وورع وخشوع وتسبيح واستغفار، وترك أشياء كانت مباحة لهم، وجائزاً أن يفعلوا في بيوتهم وأسواقهم ومجالسهم وطرقاتهم: كل ذلك ليكون دلالة لكل عاقل فهم إنه هكذا ينبغي أن تكون سيرة من يريد أن يدخل الجنة ويعرج بروحه إلى ملكوت السموات، طول عمره وأيام حياته كلها، لتصير عادة له وجبلة وطبيعة ثابتة، فيستحق ويستاهل أن يعرج بروحه إلى هناك كما ذكر الله تعالى بقوله:" إليه يصعد الكلم الطيب، والعمل الصالح يرفعه" يعني روح المؤمن. فإذا تفكر كل عاقل فيما يسمع من الخطب على المنابر في كل الديانات والملل في الأعياد والجمعات، تبين له حقيقة ما قلنا وصحة ما وصفنا.
وأعلم يا أخي أن لواضعي النواميس وصايا كثيرة مفننة، لأن دعوتهم عموم للخاص والعام جميعاً، أعني أتباعهم، مختلفوالأحوال، فبينوا لكل طبقة ما ينبغي ويصلح لها، ولكن الذي عمهم كلهم هي الدعوة إلى الإقرار بما جاؤوا به والتصديق لهم بما خبروا عنه من الأمور الغائبة، علم ذلك أتباعهم أولم يعلموا، هذا هوالإيمان كما قال تعالى:" يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً" فآمنوا بالله ورسوله. ثم أمرهم بعد هذا بأشياء، ونهاهم عن أشياء كثيرة هي معروفة معلومة عند علماء أهل الشريعة وفقهائهم، ولكن آخر ما ختمها به قوله:" واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون" ويروى في الخبر أن هذا آخر ما نزل من القرآن.
وأعلم يا أخي- أيدك الله وإيانا بروح منه- بأن أوامر الله تعالى لعباده مماثلة لأوامر الملوك، وذلك أن من سنة الملوك والخلفاء وكثير من الرؤساء، ومن آدابهم إنهم إذا تفرس أحدهم في أحد أولاده اوعبيده النجابة والفلاح، عني به أفضل عناية، في تعليمه وتأديبه ورياضته، وحماه من اللعب واللهو والانهماك في الشهوات، ونهاه عن ترك الآداب، وسوء الأخلاق وما لا يليق بأخلاق الرؤساء والعقلاء والأخيار: كل ذلك ليتخرج ويكون مهذباً متهيئاً لقبول ما يراد منه أن يكون خليفة لمولاه ومكان أبيه في الرياسة والملك، وهكذا كان تأديب الله تعالى لأنبيائه ورسله وأوليائه من المؤمنين فيما أمرهم به من أتباع رضوانه، ونهاهم عنه من أتباع هوى أنفسهم كما قال تعالى:" وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى، فإن الجنة هي المأوى" وهكذا أيضاً إن كثيراً من أولاد الملوك وعبيدهم إذا احس من أبيه أومولاه ما ذكرنا، أخذ نفسه بامتثال أمره ونهيه وترك شهواته وأتباع هواه: كل ذلك لما يرجومن المر الجليل والخطب العظيم، فهكذا حكم أولياء الله من المؤمنين الذين يرجون لقاء الله.
وأما المتخلفون والمدابير؛ من أولاد الملوك والرؤساء وعبيدهم الأشقياء الذين لا يرجون ما يوعدون، فهم لا يقبلون ما يؤمرون ولا يسمعون ما يقال لهم، ولا يفكرون فيما يقال من الترغيب والترهيب، بل يسعون ليلهم ونهارهم في طلب شهواتهم وارتكاب هوى أنفسهم، فلا جرم أنهم يحرمون ما ينال إخوانهم من الرياسة والأمر والنهي والسلطان والعز والكرامات. فأما هؤلاء المدابير من أولاد الملوك فلا يصلحون لشيء غير أن يكونوا رهائن عند أعدائهم أومعتقلين عند إخوانهم، فهكذا يا أخي حكم الكافرين والمنافقين والفاسقين في الآخرة، يحرمون ما ينال المؤمنين من الكرامات والقرب والمراتب والدرجات والسرور واللذات، عقوبة لهم لما تركوا من وصية ربهم، وارتكبوا هوى أنفسهم، وضلوا عن الهدى، وحرموا الثواب والجزاء كما قال الله تعالى: " أفرأيت من اتخذ إلهه هواه، وأضله الله على علم، وختم على سمعه وقلبه، وجعل على بصره غشاوة" الآية.
وإذ قد تبين بما ذكرنا أن تأديب الله للمؤمنين مماثل لتأديب الملوك لأولادهم، فنقول: أعلم يا أخي أن وعده ووعيده وعذابه للكافرين والمنافقين والفاسقين مماثل لوعيد الطبيب المشفق الحكيم لولده الجاهل العليل، كما بينا في رسالة الآلام واللذات. وقد ذكر الله وعده للمؤمنين ووعيده للكافرين والمنافقين في القرآن في نحومن ألف آية مثل قوله تعالى:" وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار" الآية. وإنما جعل الله- جل ثناؤه- ثواب المؤمنين الجنان ونعيم الآخرة، لأن الإيمان خصلة تجمع فضائل كثيرة ملكية، وشرائط كثيرة عقلية، فللمؤمنين علامات يعرفون بها ويتميزون على الكافرين والمنافقين. وقد بينا طرفاً من هذا العلم في رسالة الإيمان وخصال المؤمنين، ولكن نحتاج أن نذكر في هذه الرسالة طرفاً منها ليكون تذكاراً وموعظة للغافلين، كما أمر الله تعالى بقوله:" وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين".

عندما تتأجج نار التحششيش .. تنأى الحشائش بالحشيش الحشحشش ..
وحشيشة التحشيش .. عمر أحشش ..
حش الحشائش في حشيش محشش ..
حشاش يا أخا الحشيش ..
حشش على تحشيش محششنا القديم ..
سوريا الله حاميا
jesus i trust in you
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.10585 seconds with 11 queries