الموضوع: الأسد بباريس
عرض مشاركة واحدة
قديم 14/07/2008   #10
شب و شيخ الشباب الإصلاحي
عضو
-- أخ لهلوب --
 
الصورة الرمزية لـ الإصلاحي
الإصلاحي is offline
 
نورنا ب:
Sep 2006
المطرح:
السجن الكبير
مشاركات:
307

افتراضي


الزيارة التي يقوم بها الرئيس السوري بشّار الأسد إلى باريس هي لا شك الحدث الديبلوماسي الأهم هذا الأسبوع في منطقة المشرق العربي. غير أن فهم خلفيّات هذه الزيارة وأبعادها يتطلّب الغوص في مجمل الوضع الديبلوماسي للنظام السوري


الحالي، وهو وضع على درجة عالية من التعقيد. ذلك أن سورية اليوم هي نقطة تتقاطع عليها استراتيجيات إقليميّة ودوليّة عديدة ومتناقضة، بينما الوضع الداخلي فيها معرّض لكل الاحتمالات. لذا، من الضروري مقاربة معطيات الوضع الديبلوماسي للنظام السوري بهدوء ودقة، وبأمانة مهنيّة. وهذا ما سنحاول القيام به في هذا الملف الذي استندنا في إعداده على: - مقالات نشرت أخيراً في وسائل الإعلام العربيّة والعالميّة. - دراسات صدرت عن بعض المؤسسات والمراكز الدوليّة المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط. - تقارير ديبلوماسيّة ومعلومات حصلت عليها «المحرر العربي» عبر متابعة مكاتبها ومراسليها لملفات المشرق العربي.


من يقرأ كتابات بعض المعلـّقين في صحف المشرق العربي هذه الأيّام يتراءى له أن زيارة الرئيس السوري بشّار الأسد إلى باريس هي الدليل الساطع على أن سورية تمكنت من «كسر الحصار» ومن تحقيق «خرق ديبلوماسي» مهم... صحيح أن هذه الزيارة هي الأولى التي يقوم بها الرئيس بشّار الأسد إلى فرنسا منذ 2002، وصحيح أن الرئيس السوري لم يدعَ إلى زيارة أي دولة غربيّة منذ أمد طويل. يوحي ذلك بأن هناك على الأقل بعض اللين في الضغط الهائل الذي يتعرّض له النظام السوري منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري في بيروت في 14 شباط/ فبراير 2005، وأن مرحلة السنوات الثلاث العجاف التي اجتازها من يومها قد انتهت الآن. غير أن مراجعة المعطيات التي جعلت هذه الزيارة ممكنة تسمح بتقييم أدق لهذه الزيارة: - الدعوة التي وجّهت إلى الرئيس بشّار الأسد هي لحضور المؤتمر التأسيسي لـ«الاتحاد من أجل المتوسط»، وهو إطار تعاون جديد بين الدول الأعضاء في «الاتحاد الأوروبي» والدول التي لا تنتمي إلى «الاتحاد الأوروبي» ولكنها مطلة على البحر المتوسط أو قريبة منه. هذا المؤتمر التأسيسي سيعقد في باريس في 12 الجاري (اليوم). وهو حدث تاريخي، دعي إليه جميع قادة الدول المعنية ـــ وعددها 43 دولة ـــ من دون أي استثناء. أي تماماً كما تدعو «منظمة الأمم المتحدة»، مثلاً، قادة جميع الدول الأعضاء فيها لحضور الجمعيّة العامة السنويّة. لا يمكن إذن اعتبار حضور المؤتمر التأسيسي لـ«الاتحاد من أجل المتوسط» بمثابة انتصار ديبلوماسي، طالما أن لسورية حقاً مكتسباً بسبب الجغرافيا في الانتماء إلى هذا التجمّع الدولي الجديد. لكن من الأمانة القول أيضاً إن هذا المؤتمر يشكـّل إطلالة ديبلوماسيّة دوليّة ومناسبة للخروج، ولو لساعات قليلة، من الإطار الضيّق والخانق الذي يعيش فيه النظام السوري. - «المكسب» الفعلي للرئيس بشّار الأسد من زيارته إلى باريس هو اللقاء الثنائي الذي سيعقده مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في 12 الجاري، أي عشيّة المؤتمر التأسيسي لـ«الاتحاد من أجل المتوسط». الرئيس ساركوزي لن يلتقي بشكل ثنائي وفي قصر الأليزيه إلا عدداً محدوداً من القادة الذين سيشاركون في المؤتمر. بكلام آخر، هو قرّر اغتنام فرصة وجود الرئيس الأسد في باريس للالتقاء به. لم تكن فكرة عقد لقاء ثنائي بين الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والسوري بشّار الأسد واردة لو لم تقدّم سورية في الأشهر الماضية سلسلة من المؤشّرات والأدلة على «حسن نواياها»: - تصفية القائد العسكري لـ«حزب الله» عماد مغنيّة في دمشق. وهي عمليّة تمّت إمّا على يد الأجهزة السوريّة مباشرة وإما بتغاضٍ متعمّد منها. - تخفيض مستوى العرقلة والتعطيل في لبنان (القبول بـ «اتفاق الدوحة»، تسهيل انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهوريّة، إلخ...). - التوقف عن الاغتيالات السياسيّة في لبنان. - الدخول في مفاوضات سلام جديّة ـــ وإن غير مباشرة ـــ مع إسرائيل. - بدء الابتعاد بشكل تدريجي ـ ولكن بشكل فعلي وملموس ـ عن إيران. - القبول باستقبال بعثة التفتيش الدوليّة التي أرسلت إلى سورية للتحقيق في المعلومات عن برنامج نووي مزعوم، بعد عملية تدمير الموقع الغامض قرب دير الزور. - تخفيف اللعب بالنار في الملف العراقي، أو أقله الحد من تمرير المتطرفين الإسلاميين والأسلحة إلى العراق عبر الحدود السوريّة. - التعامل بشيء من المسؤوليّة مع الملف الفلسطيني، عبر التواصل مع السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة بدل تخوينها وبدل الاستمرار في حث المنظمات الفلسطينيّة المعارضة على التصلّب في وجه السلطة الوطنيّة. في كل ما قالته مصادر الرئاسة الفرنسيّة، سواء رسميّاً أو بشكل غير رسمي ولكن علني أمام الصحافيين، كان هناك تشديد على هذا «التحوّل» في السياسة الخارجيّة السورية. تكفي مراجعة حرفيّة لما صدر عن الدوائر الفرنسيّة لكي يتبيّن أن لقاء ساركوزي مع الأسد يهدف إلى «تشجيعه» على المثابرة في هذا الخط «الجديد». ولكن أيضاً _ وهذه نقطة أساسيّة _ إلى «توضيح الأمور» معه، أي إلى الحصول منه على تعهّدات واضحة بالخروج من الازدواجية والالتباس والتوقف عن اللعب على الحبلين... كل من يتابع الرئيس ساركوزي يعرف أنه يقبل بتقديم تنازلات مبدئية ويقبل بالتعاطي مع شخصيات لا يشعر بقرب أخلاقي معها (من فلاديمبر بوتين إلى معمّر القذافي إلى بشّار الأسد)، ولكن الشرط الأوّل بالنسبة له هو أن يحترم محدثه الوعود وما يتم الاتفاق عليه. هذا يعني أن لقاء ساركوزي _ الأسد سيكون إمّا ثغرة للحظة في الحصار الديبلوماسي المفروض على النظام السوري، وإمّا أن يقدّم الرئيس السوري خلاله التزامات لا لبس فيها، وهنا «مربط الفرس» كون هذه الالتزامات المطلوبة منه صعبة وليس من السهل عليه تنفيذها. ولفهم أهميّة هذا اللقاء، لا يجب النظر إليه على أساس أنه مجرّد اجتماع بين الرئيس السوري ورئيس دولة غربيّة ومهمّة. فهو في الواقع لقاء بين رئيس سورية (وهي دولة محاصرة ديبلوماسيّاً تختنق ببطء)، ورئيس فرنسا (وهي الدولة المكلفة ضمناً من قبل الأسرة الدوليّة بمتابعة ملفي لبنان وسورية عن كثب). ففرنسا كان لها الدور الأساسي والمحوري في كل السياسة الدوليّة تجاه لبنان منذ صيف 2004 (أي منذ القرار 1559)، وتجاه سورية منذ ربيع 2003 (أي منذ سقوط بغداد ورغبة «صقور» الإدارة الأميركيّة يومها بمتابعة «المشوار» حتى دمشق، وهذا ما رفضته فرنسا في حينه بشكل حاسم). باختصار، فرنسا هي الباب الذي يجب أن تلجّه سورية إذا ما أرادت أن تتنفس دوليّاً. ولقاء ساركوزي بالأسد يهدف بكل بساطة إلى تبليغه بـ«دفتر الشروط»، سيّما وأن ساركوزي عاد لتوّه من اليابان حيث شارك في قمّة «مجموعة الثماني» وهو بالتالي يعرف بدقة ما هي أجواء كبار دول العالم حول المشرق العربي حاليّاً (أنظر أدناه الفقرة حول: ما هو المطلوب دوليّاً من النظام السوري؟).


لا يلتقي الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي مع الرئيس السوري بشّار الأسد فقط «باسم» الأسرة الدوليّة لـ«تشجيعه» على منحاه الجديد وللحصول منه على «تعهّدات» واضحة. إضافة إلى ذلك، وإضافة إلى المصالح الطبيعيّة والمعروفة لفرنسا في المنطقة عموماً، وفي المشرق خصوصاً، ثمّة دوافع شخصيّة عدة لدى الرئيس ساركوزي: - فكرة إنشاء «الاتحاد من أجل المتوسط» هي فكرة شخصيّة طرحها الرئيس ساركوزي. هذه الفكرة لم تكن أبداً موجودة قبل وصوله إلى سدة الرئاسة الفرنسيّة في أيّار (مايو) 2007. وهو اقترح إنشاء هذا «الاتحاد» منذ الكلمة الأولى التي ألقاها بعد دقائق قليلة من فوزه في الانتخابات الرئاسيّة (في صالة غافو، في باريس، مساء الأحد 6/5/2007) ساركوزي يعتبر أن هذا «الاتحاد» هو الإطار الذي سيسمح بحل العديد من المشاكل المستعصية في المنطقة. وأن هذا «الاتحاد»، إذا ما انطلق فعلاً، سيكون ربما الإنجاز الأهم في حياته السياسيّة، أي أنه سيكون العمل الذي سيتركه للتاريخ. لذا، فإنه يولي هذه الفكرة اهتماماً خاصاً. - يحلم الرئيس ساركوزي بأن يلعب دوراً تاريخيّاً في التوصل إلى السلام في منطقة الشرق الأوسط. الذين يعرفونه عن كثب يقولون إنه معجب بالرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر لأنه تمكن من التوصل إلى اتفاق كامب دايفيد في 1978 بين إسرائيل ومصر. ومعجب أيضاً بالرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون لأنه تمكن من التوصل في 1993 إلى اتفاق واشنطن بين إسرائيل والفلسطينيين. وهو يحلم بشيء مماثل لنفسه، مثل اتفاق سلام بين إسرائيل وسورية، أو حتى اتفاق الحل النهائي بين إسرائيل والفلسطينيين (وهذا ما يفسّر الاهتمام الخاص الذي أولاه للخطاب الذي ألقاه أخيراً في «الكنيست» الإسرائيلي وجرأة المواقف التي اتخذها). - ما يعزز هذه الرغبة بلعب دور تاريخي في االشرق الأوسط هو أن لدى الرئيس ساركوزي «عقدة نفسيّة» واضحة تجاه بعض أسلافه، لا سيّما الرئيس العملاق شارل ديغول، والرئيس الذكي فرنسوا ميتران، والرئيس الأب جاك شيراك. هؤلاء الرؤساء الثلاثة اهتموا عن كثب بالشرق الأوسط لكنهم لم يحققوا، برأيه، أي إنجاز تاريخي فيه. هو يريد أن يبرهن أنه قادر على تخطيهم، أي على التوصل إلى نتيجة تاريخيّة. - للرئيس ساركوزي علاقة داخليّة عميقة، حميمة، بإسرائيل. بسبب جذوره العائلية اليهوديّة، سيّما وأنه تربّى على يد أمّه اليهوديّة بعد أن انفصل عنها والده المسيحي. ولأنه ترعرع في المرحلة التاريخيّة التي كانت أوروبا تكتشف فيها تفاصيل المأساة التي تعرض لها اليهود في الحرب العالمية الثانية. وهو يحلم بأن يكون له ـــ إضافة إلى الدور التاريخي في إحلال السلام في المنطقة ــ دوراً مهماً في ضمان أمن إسرائيل وأمن اليهود. لتحقيق هذه الأحلام والرغبات الشخصيّة، يحتاج الرئيس ساركوزي إلى بناء علاقات واضحة مع جميع الأطراف المعنيين في المنطقة. هذا ما دفعه إلى توضيح الأمور مع ليبيا (بعد إطلاق سراح الممرضات البلغاريات وبعد استقباله العقيد معمّر القذافي في الأليزيه). وإلى التكلم بصراحة فائقة مع الإسرائيليين ومع الفلسطينيين (في زيارته الأخيرة إلى إسرائيل والأراضي الفلسطينيّة). وهذا ما يفسر اهتمامه الخاص بلبنان (عبر الزيارة الاستثنائيّة في تنظيمها التي قام بها لتهنئة العماد ميشال سليمان). وهذا ما دفعه إلى القيام بسلسلة طويلة من الزيارات واللقاءات مع قادة مصر والأردن وتونس والجزائر والمغرب. وهذا ما يدفعه إلى الالتقاء بالرئيس السوري. لا يمكن فهم ما يجري من دون هذا البعد الشخصي لدى الرئيس الفرنسي. كل ما سبق لا يعني ابداً أن الأمور سائرة حكماً نحو انفتاح كامل ونهائي بين فرنسا والنظام السوري. أحلام ساركوزي الشخصيّة ومنهجيّته المباشرة لا يمكن أن تلغي المعطيات السياسيّة والديبلوماسيّة والقانونيّة التي تحيط بسورية. بكلام آخر: «الانفتاح» الفرنسي على النظام السوري له حدود مفروضة سلفاً. و«جرعة الأوكسيجين» التي يعطيها ساركوزي إلى الأسد محكومة بقواعد صارمة لا يمكن تناسيها أو القفز فوقها: - علاقة فرنسا مع النظام السوري ستنحصر دوماً في الإطار المتوافق عليه مع الولايات المتحدة الأميركيّة، التي لا تريد تخفيف الحصار على النظام السوري إلا إذا قبل بجميع الشروط. - علاقة فرنسا مع النظام السوري يجب أن تكون متجانسة مع قواعد السياسة الخارجيّة التي يعتمدها «الاتحاد الأوروبي» وهي قواعد يدخل فيها إلى حد ما الجانب المبدأي والمعنوي وملف حقوق الإنسان. وكل ذلك لا يسمح للنظام السوري بأن يحلم بالكثير. - علاقة فرنسا مع النظام السوري لا يمكن أن تتطوّر إلاّ إذا احترمت سورية القرارات الدوليّة المتعلقة بلبنان وبها... ومنها القرار 1559 والقرار 1701. وإلأّ إذا قبلت سورية بما تطلبه منها الأسرة الدوليّة (مثلاً: تسهيل عمليات التفتيش حول البرنامج النووي السوري المزعوم). - علاقة فرنسا مع النظام السوري لا يمكن أن تتجاهل العقوبات الدوليّة، لا سيّما الأميركية، المفروضة على سورية. وذلك لأسباب سياسيّة بديهيّة، ولكن أيضاً قانونية واقتصاديّة، كون هذه العقوبات تطال الشركات الفرنسيّة والأوروبيّة إذا ما تعاطت مع سورية بشكل يخرق العقوبات الأميركيّة. - علاقة فرنسا مع النظام السوري محكومة بمتطلّبات القانون الدولي، لا سيّما في موضوع المحكمة ذات الطابع الدولي المكلفة معاقبة قتلة الرئيس رفيق الحريري والمسؤولين عن الاغتيالات ومحاولات الاغتيال الأخرى التي حدثت في لبنان منذ 1/10/2004. أي لا يمكن لعلاقة فرنسا مع النظام السوري أن تتطوّر إذا ما رفضت سورية التعاون مع المحكمة الدوليّة. - علاقة فرنسا مع النظام السوري محكومة بحدود علاقات سورية عربيّاً. فمثلاً، لا يمكن لفرنسا أن تتجاهل أن السعودية ومصر، وهما دولتان أساسيتان في علاقات فرنسا مع العالمين العربي والإسلامي، هما في حال قطيعة عميقة مع بشّار الأسد. ناهيك عن المصالح النفطية والاقتصادية والمالية الواسعة التي لفرنسا مع السعودية، وكذلك، وإن بدرجة أقل، مع مصر. - علاقة فرنسا مع النظام السوري لا يمكن أن تخرج عن الحدود التي تفرضها الصداقة الوثيقة بين ساركوزي وإسرائيل. بكلام آخر، الإسرائيليون لا يمكن أن يتركوا فرنسا تنعش الأسد أكثر مما يريدون هم. - علاقة فرنسا مع النظام السوري لا يمكن أن تذهب بعيداً بسبب الصورة السيئة جداً للنظام السوري لدى الرأي العام الفرنسي والأوروبي، لا سيّما في أوساط النخب الثقافيّة. ولا أدل على ذلك من الكم الهائل من المواقف المستنكرة للقاء ساركوزي مع الأسد وحتى لإمكانية حضوره في 14/7/2008 الاحتفالات بالعيد الوطني الفرنسي، علماً أن الدعوة لحضور هذه الاحتفالات وجهت لجميع القادة المشاركين في المؤتمر التأسيسي لـ«الاتحاد من أجل المتوسط» الذي سيجري عشيّة ذلك، أي في 13/7/2008. وهذه النقطة ـــ أي الصورة السيئة جداً للنظام السوري ـــ تكتسب أهميّة إضافيّة، كون الانتقادات منهمرة حاليّاً على الرئيس ساكوزي بسبب واقعيّته الديبلوماسيّة منذ وصوله إلى الرئاسة، وتناسيه الواضح للشعارات الجريئة التي طرحها خلال حملته الانتخابية حول ضرورة وضع المعيار الديموقراطي وملف حقوق الإنسان في أساس العلاقات الديبلوماسيّة بين فرنسا ودول العالم. فمع انهيار شعبيته بشكل غير مسبوق، لم يعد الرئيس ساركوزي قادراً سياسياً اليوم على الاستمرار في استجلاب الانتقادات ضده. والعلاقة مع بشّار الأسد أمر مسيء فعلاً لصورته داخليّاً. - علاقة فرنسا مع النظام السوري ستكون كذلك محكومة بخبرة الديبلوماسيّة الفرنسيّة الحافلة مع هذا النظام (ومع المنظّمات التي تدور في فلكه). فمن اغتيال السفير الفرنسي في بيروت لوي دو لامار في 1981... إلى اغتيال «صديق فرنسا» الرئيس رفيق الحريري في 2005... مروراً بالعمليّة التي تعرض لها الجيش الفرنسي (61 قتيلاً) في بيروت في 1983... وبعشرات عمليات الاغتيال التي شهدها لبنان... صار الفرنسيون يعرفون تماماً ازدواحية النظام السوري. وهذا الحذر لديهم ازداد بعد أن راهنوا على بشّار الأسد منذ البداية. فقد استقبله الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك في قصر الأليزيه منذ 1999، وعند وفاة الرئيس حافظ الأسد في 2000، كان الرئيس شيراك هو الرئيس الغربي الوحيد الذي حضر الجنازة... ومن ثم استقبل الرئيس الجديد بشّار الأسد في «زيارة دولة» في باريس في 2001.. وقام بزيارة رسميّة إلى دمشق في 2002.. غير أن آمال الفرنسيين خابت بعد أن رأوا ما قام به الرئيس السوري الجديد ليس فقط في لبنان، بل أيضاً في العراق وفي فلسطين... وصاروا يقيّمون بشكل قاسٍ دوره في المحور الإيراني... ويعرفون رصيده القمعي الداخلي... كل هذه المعطيات تفرض على الرئيس ساركوزي، أياً كانت رغباته، المزيد من الحذر، والتعاطي مع النظام السوري على أساس عدم تسليفه أي شيء بل القبض منه مسبقاً... بهذا المعنى، تاريخ النظام السوري وزن هائل سيبطّئ ويعرقل كل عملية انفتاح عليه. قد تثير العلاقة بين النظام السوري وتركيا الاستغراب لأسباب تاريخيّة وجغرافيّة وسياسيّة عديدة. لكن الحقيقة هي أن هذه العلاقة ليست مجرد علاقة حسن جوار، بل هي صارت خياراً استراتيجيّاً أخذه النظام السوري تدريجيّاً. وليس صدفة أن ترعى تركيا مباحثات السلام بين سورية وإسرائيل. ذلك أن هناك ما يمكن وصفه بـ «تقاطع كبير» في المصالح بين تركيا والنظام السوري في هذه المرحلة: - تركيا تبحث عن تعزيز دورها الإقليمي في الشرق الأوسط، لا سيّما في العالم العربي. وهذا الدور يصعب بناؤه لأسباب تاريخيّة (الصراع الطويل بين الأتراك والفكرة العربيّة)، ولأسباب سياسيّة (علاقة تركيا الوثيقة مع إسرائيل واندراجها الدائم في الأحلاف الغربيّة في المنطقة). تركيا بحاجة إلى رأس جسر في العالم العربي. وهذا ما تقدّمه سورية لها الآن. لقد حضر رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان جلسة انتخاب رئيس الجمهوريّة في لبنان (في 25/5/200. وهو قام هذا الأسبوع (في 10/7/200 بزيارة إلى بغداد، كانت أوّل زيارة لقائد تركي إلى العراق منذ 18 سنة، وقع خلالها مع العراق على اتفاقية تعاون استراتيجي وعلى إنشاء مجلس أعلى للتعاون بين الدولتين. وتركيا تتطلع إلى دور إسلامي، مما يتناقض حكماً مع الدور الإيراني ومع الدور السعودي. غير أن سورية تساعدها على بناء هذا الدور أيضاً لأنها في مرحلة عداء مع السعوديّة وجفاء مع إيران. - النظام السوري يعتبر أن تركيا تشكّل ضمانة كبيرة له، كقوة أطلسيّة وأوروبيّة وإسلاميّة في آن، لها علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة ومع إسرائيل ومع الدول الأوروبيّة. كل هذا يدفع العديد من المحللين إلى الجزم بأن العلاقة بين سورية وتركيا صارت اليوم العلاقة الاستراتيجيّة الأولى لسورية، أي أنها حلـّت ـــ في أولويّات النظام السوري ـــ مكان العلاقة مع إيران. العلاقة الحالية بين إيران وسورية موضوع تساؤلات عديدة من قبل المحللين والخبراء منذ بضعة أشهر. هناك مجموعة متكاملة من المعطيات توحي بأن هذه العلاقة تراجعت في الفترة الأخيرة، وأن هناك نوعاً من الطلاق الصامت بين طهران ودمشق (راجع «المحرر العربي» العدد 653 الصادر في 14 الشهر الماضي). ويبدو أن هذه العلاقة، التي تحمل في أساسها عدداً كبيراً من التناقضات البنيوية العميقة، قد بدأت بالتدهور منذ حرب صيف 2006 بين «حزب الله» وإسرائيل، ومن ثم تسارع هذا التدهور بعد اغتيال عماد مغنية، وبعد انكشاف أمر المفاوضات السوريّة _ الإسرائيليّة، ومع نمو العلاقة السورية _ التركيّة، وبعد موافقة سورية على المشاركة في «الاتحاد من أجل المتوسط، إضافة إلى تمايزات عديدة تراكمت بين طهران ودمشق في لبنان أو العراق أو فلسطين. ناهيك عن أن النظام السوري شعر أن هذا التحالف مع طهران صار الآن أكثر كلفة منه فائدة. إذاً، العلاقة الإيرانيّة _ السوريّة متدهورة ضمناً، لكنها متينة ظاهراً. ذلك أنه ليس في صالح أي من الطرفين الكشف عن هذا التصدع العميق في العلاقة بينهما، لأن الإقرار بهذه الأزمة سيضعف كلاً منهما. باختصار، يمكن القول إن بين النظامين الإيراني والسوري توافق قوي على نقطة واحدة اليوم ألا وهي الادعاء بأن كل شيء بينهما لا يزال على ما يرام. بالطبع، تؤكد سورية رسميّاً وفي كل مناسبة أن علاقاتها الإقليميّة «ليست موضع نقاش»... لا في مباحثات السلام الجارية مع إسرائيل... ولا في الاتصالات الجارية مع فرنسا والأسرة الدوليّة... ولا في الوساطات التي تجري أحياناً مع الرياض والقاهرة... لكن الحقيقة هي أن فصل سورية عن إيران ليس فقط الهدف الذي يسعى إليه الغرب والعرب وإسرائيل في آن... بل هو النتيجة الطبيعية لسيرورة عودة دمشق إلى الأسرة العربيّة والدوليّة. ذلك أن كل ما هو مطلوب من النظام السوري سيؤدي حكماً إلى ابتعاده عن المحور الإيراني.
يتبع.

لا صراع حضارات بل صراع كيانات سياسية فالثقافات
لا تتناحر وإنما تتفاعل.....والحضارات لا تتصادم وانما تتلاقح.
......understood seek first to understand then to be
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.07497 seconds with 11 queries