أخوية  

أخوية سوريا: تجمع شبابي سوري (ثقافي، فكري، اجتماعي) بإطار حراك مجتمع مدني - ينشط في دعم الحرية المدنية، التعددية الديمقراطية، والتوعية بما نسميه الحد الأدنى من المسؤولية العامة. نحو عقد اجتماعي صحي سليم، به من الأكسجن ما يكف لجميع المواطنين والقاطنين.
أخذ مكانه في 2003 و توقف قسراً نهاية 2009 - النسخة الحالية هنا هي ارشيفية للتصفح فقط
ردني  لورا   أخوية > فن > المكتبة

إضافة موضوع جديد  إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 18/08/2006   #181
شب و شيخ الشباب ملك _الحب
مسجّل
-- اخ طازة --
 
الصورة الرمزية لـ ملك _الحب
ملك _الحب is offline
 
نورنا ب:
Aug 2006
مشاركات:
5

افتراضي


السلام عليكم

ثانكيووووو فري متش هذا الكتاب كنت أدورو من زمان

بس يا ليت تكملوا


ولك خالص تقديري وتحياتي


تشاااااااااوووو
  رد مع اقتباس
قديم 23/08/2006   #182
شب و شيخ الشباب ملك _الحب
مسجّل
-- اخ طازة --
 
الصورة الرمزية لـ ملك _الحب
ملك _الحب is offline
 
نورنا ب:
Aug 2006
مشاركات:
5

افتراضي


هايااااااااااااااات أخوي كريمووووووووووو

أنا عم استنى باقي الكتاب
لانو انا بدي اقراه برمضان للتسلية


تشاااااااااااااووو
  رد مع اقتباس
قديم 23/08/2006   #183
صبيّة و ست الصبايا ليووش
شبه عضو
-- اخ حرٍك --
 
الصورة الرمزية لـ ليووش
ليووش is offline
 
نورنا ب:
Aug 2006
المطرح:
بالبيييييت
مشاركات:
64

افتراضي


ميرسي عالكتاب الحلو
  رد مع اقتباس
قديم 24/08/2006   #184
شب و شيخ الشباب krimbow
أميـــــــــ
 
الصورة الرمزية لـ krimbow
krimbow is offline
 
نورنا ب:
Mar 2005
المطرح:
damscus-syria
مشاركات:
4,822

افتراضي


نتابع ...

فصل واعلم يا أخي بأن الصورة المقوّمة لذات الماء والهواء
كليهما الرطوبة المتولدة من امتزاج الأجزاء المتحركة والساكنة جميعاً، وذلك أن اليبوسة، لما كانت متولّدة من شدّة حركة أجزاء الهيولى كلّها، أومن شدة سكونها كلّها، كما بيّنا قبل، وكانت الرطوبة ضدّاً لها، دلّت على أنها متولّدة من مزاج الأجزاء المتحركة والساكنة.
وأما الصورة المتمّمة لذات الماء فهي كثيرة الأجزاء الساكنة الغليظة، وقليلة الأجزاء المتحركة اللطيفة. ولما كانت الصورة المتمّمة لذات الماء كثيرة الأجزاء الساكنة الغليظة، وقليلة الأجزاء المتحركة اللطيفة، صارت مُشاكلةً للأرض في البرودة، وصار مركزها مما يلي مركز الأرض. وأما الصورة المتمّمة لذات الهواء فهي كثيرة الأجزاء اللطيفة المتحرّكة، وقليلة الأجزاء الغليظة الساكنة. ولما كانت الصورة المتمّمة لذات الهواء كثيرة الأجزاء اللطيفة المتحركة، صارت مُشاكلةً للنار في الحرارة، وصار مركزها مما يلي مركز النار.
واعلم يا أخي بأنه لما كانت الصورة المقومة للأجسام الفلكية هي شدة اليبوسة المتولدة من شدة الحرارة المتولدة من شدة سرعة الحركة؛ وكانت الصورة المقوّمة للأجسام الأرضية اليبوسة المتولدة من شدة البرودة المتولدة من شدة السكون الذي هوضد حركة الغليان، صارت الأجسام الأرضية مُشاكلةً للفلكية في اليبوسة، ومضادّةً لها في الحركة، ولما كانت حركتها حول المركز صار سكون هذه في المركز، لأن المضادّ يفرّ من ضدّه إلى أبعد الأماكن؛ وأبعد الأماكن في المحيط هوالمركز.
ولما كانت الصورة المقوّمة للماء والهواء هي الرطوبة المتولدة من امتزاج الأجزاء المتحركة والساكنة، وكانت الرطوبة مضادّة لليبوسة، صار موضِعُها ما بين المحيط والمركز. ولما كانت الصورة المتمّمة لذات الماء هي كثيرة الأجزاء الغليظة الساكنة فيه، صار الماء مُشاكلاً للأرض في البرودة، وصار مركزه مما يلي مركزها. ولما كانت الصورة المتمّمة لذات الهواء كثيرة الأجزاء اللطيفة المتحركة، صارت مُشاكلةً للنار في الحرارة، وصار مركزها مما يلي مركزها. فقد بان يا أخي بهذا الشرح أن الأجسام بعضها مشاكلٌ لبعضٍ في طبيعةٍ ما، مضادّ في طبيعة أُخرى. ومن أجل مُضادّة طباعها تباينت مراكزها؛ ومن أجل مُشاكلتها تجاوزت مراكزها. ولما ترتبت هذه الأجسام مراتبها، صار كلّ واحد في مركزه الخاصّ به واقفاً، بلا مَماسِكَ ولا عَمَدٍ، لا ثقيلاً ولا خفيفاً. ولا تخرُجُ من مواضعها إلاّ بعارضٍ قاهر لها، فإذا خلت رجعت إلى موضعها الخاص بها؛ فإن منعها مانعٌ وقع التنازع بينهما، فإن كان النزوع إلى ناحية المحيط يُسمّى خفيفاً وإن كان إلى ناحية مركز العالم يسمى ثقيلاً. ولما ترتبت الأكر وقف كل واحد من هذه الأركان في موضعه الخاصّ به، محيطاتٍ بعضها ببعضٍ، مستديراتٍ، إلاّ الماء فقد منعته العناية الإلهية والحكمة الربانية من الإحاطة بالأرض من جميع الجهات، لأنه لوأحاطت كرة الماء بكرة الأرض من جميع الجهات، لَمُنِعَ كون الحيوان والنبات على وجه الأرض. ولكن جُعلت للمياه مستنقعاتٌ في الأرض وهي البحار والآبار، وقد ذكرنا في رسالة جغرافيا صورة الأرض كميّة الجبال والبحار والأنهار والأقاليم والبلدان، ولكن لا بدّ أن نذكر منها ما يُحتاج إلى ذكره هذا هُنا.

عندما تتأجج نار التحششيش .. تنأى الحشائش بالحشيش الحشحشش ..
وحشيشة التحشيش .. عمر أحشش ..
حش الحشائش في حشيش محشش ..
حشاش يا أخا الحشيش ..
حشش على تحشيش محششنا القديم ..
سوريا الله حاميا
jesus i trust in you
  رد مع اقتباس
قديم 24/08/2006   #185
شب و شيخ الشباب krimbow
أميـــــــــ
 
الصورة الرمزية لـ krimbow
krimbow is offline
 
نورنا ب:
Mar 2005
المطرح:
damscus-syria
مشاركات:
4,822

افتراضي


فصل اعلم يا أخي بأن الأرض كرة واحدة


بجميع ما عليها من الجبال والبحار والأنهار والعُمران والخراب، وهي واقفة في الهواء في مركز العالم، والهواء محيط بها ملتفٌّ عليها من جميع جهاتها؛ وأن البحر الأعظم موضعه تحت مدار برج الحمل، ممتدّ من المشرق إلى المغرب. وأما سائر البحار فشُعَبٌ وخُلْجانٌ تأخذ من البحر الأعظم، وتمتد إلى ناحية الشمال، وهي سبعة أبحُرٍ، فمنها بحر الروم، وبحر القُلزُم، وبحر فارس، وبحر الصين، وبحر الهند، وبحر ياجوجُ وماجوجُ، وبحر جُرجان؛ وبين كل بحر منها وبين الآخر جزائرُ وبراري وعمران وجبال وآجام وأنهار تبتدئ من الجبال وتنتهي إلى البحار. وأن الجبال أُصولها راسية في الأرض، ورؤوسها شامخة في الهواء شاهقةٌ، وبين هذه الجبال أوديةٌ غائرة، وفي جوف الجبال مغارات وأُهوية. وأن الأرض باطنُها كثير التخلخل، وظاهرها مختلف التربة، ومنها طينيةٌ وسَبْخةٌ ورملةٌ وحصىً وأحجار صُلبة وبِقاعٌ مختلفة. وسبب اختلاف هذه كلها بحسب مُسامتات الكواكب ومَطارح شُعاعاتها عليها من الآفاق، وممرّات درجات الفلك على سمت تلك البقاع، ومنها يكون الكون والفساد في هذه الأجسام التي تحت فلك القمر.
واعلم يا أخي بأن هذه الأركان الأربعة يستحيل بعضها إلى بعض، فيصير الماء تارةً هواء، وتارةً أرضاً، وهكذا أيضاً حكم الهواء، فإنه يصير تارةً ماءً، وتارةً ناراً؛ وكذلك النار، وذلك أن النار، إذا أُطفِئت وخمدت صارت هواءً، والهواء إذا غَلُظ صار ماء، والماء إذا جمد صار أرضاً، وعكس ذلك أن الأرض إذا تحلّلت ولطفت صارت ماءً، والماء إذا ذاب صار هواءً، والهواء إذا حمي صار ناراً، وليس للنار أن تلطف فتصير شيئاً آخر، ولا للأرض أن تغلظ فتصير شيئاً آخر. ولكن إذا اختلطت أجزاء هذه الأركان بعضها ببعضٍ، كان منها المتولِّدات الكائنات الفاسدات التي هي المعادن والنبات والحيوان. وأصل هذه كلّها البخارات والعُصارات إذا امتزج بعضُها ببعضِها، فالبخار ما يصعد من لطائف البحار والأنهار والآجام في الهواء من إسخان الشمس والكواكب لها بمطارح شُعاعاتها على سطوح البحار والأنهار والآجام. والعُصارات مما ينجلب في باطن الأرض من مياه الأمطار، وتُخلط بالأجزاء الأرضية، وتغلُظ، فتُنضجها الحرارة المُستبطِنةُ في عمق الأرض.
واعلم يا أخي بأن أول ما يستحيل هي الأربعة الأركان إلى هذين الخليطين، أعني البخار والعصارات، ويكون هذان الخليطان هيولى ومادةً لسائر الكائنات الفاسدات التي تحت فلك القمر، وذلك أن الشمس والكواكب إذا سخَّنت المياه بإشراقها على سطح الأرض والبحار والآجام والأنهار، قلّلت المياه، ولطّفت أجزاء الأرض، وصارت بخاراً ودخاناً. والبخار والدخان يصيران سحاباً، والسحاب يصير أمطاراً، والأمطار إذا بلّلت التراب واختلطت الأجزاء الأرضية بالأجزاء المائية، تتكون منها العُصارات، والعُصارات تكون مادةً وهيولى للكائنات التي هي المعادن والنبات والحيوان. وقد أفردنا لكل نوع منها رسالة منفردةً، وبيّنا فيها كيفية تكونها منها وتركيبها ونشوئها ونمائها وبلوغها إلى أقصى مدى غاياتها، ثم كيفية فسادها وبلاها واستحالتها وبدئها رجوعها إلى هذه الأركان الأربعة التي تتكون منها.
واعلم يا أخي أن الكون والفساد هما ضدّان لا يجتمعان في شيء واحد في زمان واحد، لأن الكون هوحُصول الصورة في الهيولى، والفساد هوانخلاعها منها؛ فإذا فسد شيء منها فلا بدّ أن يتكون شيء آخر، لأن الهيولى إذا انتُزعت منها صورة أُلبست أُخرى. فإن كانت التي أُلبست أشرف سمّي كوناً، وإن كانت أدون سمّي فساداً. مثال ذلك أن يصير التراب والماء نباتاً، ويصير النبات حبّاً وثماراً، والثمار والحبّ يصيران غذاء، والغذاء يصير دماً ولحماً وعظماً، فيكون من ذلك حيوانٌ. والفساد أن يحترق النبات فيصير رماداً، ويموت الحيوان فيصير تراباً.
واعلم يا أخي أن جسدك، الذي تختصّ به نفسك، أحد الكائنات الفاسدات، وما هوبالنسبة إلى نفسك إلاّ كدار سُكنت، أوكلباس أُلبسَ، فلا تكوننّ كلّ همّتك وأكثر عنايتك بتزويق هذه الدار، وتطْريةِ هذا اللباس، فإنك تعلم بأن كل مسكنٍ يخرب، وكل لباس لا بد أن يَبلى. ولكن اجعل بعض أوقاتك للنظر في أمر نفسك، وطلب معرفة جوهرها، ومبدئها ومعادها، فإنها جوهرةٌ خالدة أبدية الوجود، ولكن تنتقل لها حالٌ بعد حالٍ كما قيل:
إجهد على النفس واستكمل فضائلها، فأنت بالنفس لا بالجسـم إنـسـان
كما رُوي في الخبر أن ابن أبي طالب، صلوات الله عليه، قال في خُطبة له: إنما خُلِقتم للأبد، ولكن من دارٍ إلى دارٍ تُنقَلون، من الأصلاب إلى الأرحام، ومن الأرحام إلى الدُّنيا، ومن الدُّنيا إلى البرزخ، ومن البرزخ إلى الجنة أوإلى النار.
  رد مع اقتباس
قديم 24/08/2006   #186
شب و شيخ الشباب krimbow
أميـــــــــ
 
الصورة الرمزية لـ krimbow
krimbow is offline
 
نورنا ب:
Mar 2005
المطرح:
damscus-syria
مشاركات:
4,822

افتراضي


فصل واعلم يا أخي بأن الجنة
إنما هي عالمُ الأرواح،


وكله صورةٌ روحانيّة، لا هيولى جرمانية، بل حياة محضةٌ وراحةٌ ولذّة وسرور وغبطة، لا يعرض لها الكون والفساد، ولا التغير والبِلى، لأنها هي دار الحيوان، لوكانوا يعلمون. فإذا كانت الدار هي الحيوان، فما ظنُّك يا أخي بأهل الدار كيف حالهم، فإنه يقصُر الوصف عنهم إلاّ بالاختصار، كما ذكر الله تعالى في كتابه على لسان تبيه محمد، صلى الله عليه وسلم، فقال: "فيها ما تشتهيه الأنفُسُ تَلذُّ الأعين، وأنتم فيها خالدون".
واعلم يا أخي أن النار وجهنّم هي عالم الأجسام التي تحت فلك القمر، الذي هودائمٌ في الكون والفساد والتغيير والاستحالة والبلى، وأن أهلها "كلما نضِجت جُلودُهم بدّلناهم جُلوداً غيرها ليذوقوا العذاب" فازْهَد يا أخي في غرور هذه الدار كما زهد أنبياء الله، عزّ وجلّ، وأولياؤه والفلاسفة الحكماء، فقد علمتَ بأنها ليست بدار المقام، فاستعدّ للرحلة والانتقال باختيارٍ منك لا مُكرهاً ولا مجبراً قبل فناء العمر وتقارب الأجل.
واعلم أنه لا يستوي لك هذا إلاّ بعد أن تعرف فضل الآخرة على الدنيا، معرفةً صحيحة بلا شكّ ولا تقليدٍ، لأن جبلة الإنسان أن لا يزهد في الحاضر العاجل، ولا يرغب في الغائب الآجل، إلاّ بعد معرفة فضل الآجل الغائب على العاجل الحاضر.
واجتهد يا أخي في معرفة طلب ما أشار إليه أنبياء الله تعالى في الكتب المُنزلة على ألسنتهم، المأخوذة عن الملائكة معانيها في وصف نعيم الجنان وسعادة أهلها، وصِفة النيران وشقاوة أهلها، وما أشار إليه أيضاً الفلاسفة والحكماء في رموزهم في وصف عالم الأرواح، ومدحِ أهلها، وذمّهم عالم الأجسام، وسُوءِ ثنائهم على أهلها. ولعلك تتصوّر بعقلك ما تصوّروا، وتُشاهد بصفاء جوهر نفسك ما شاهدوا بصفاء جوهر نفوسهم، فتنتبه نفسك من نوم الغفلة ورقدة الجهالة، وتعيش عيش السُّعداء العلماء، وترتقي في المعارف، تعلوهِمّتك نحوملكوت السماء، وتكون في الآخرة من السعداء. وفّقك الله أيها الأخ وإيانا وجميع إخواننا حيث كانوا في البلاد للرشاد، إنه رؤوف رحيمٌ بالعباد.
وإذ قد فرغنا من ذكر الأركان الأربعة التي هي دون فلك القمر، وهي النار والهواء والماء والأرض، ووصفنا ما يخصّ كلّ واحدة من الصور المقوِّمة المُبلّغة له إلى أفضل حالاته، وبيّنا كيفيّة استحالات بعضها إلى بعض، وأخبرنا أن أول ما يتحلل من البُخارات، ومن البخارات تنعقد العُصارات، ومن العصارات تتكون الكائنات التي هي المعادن والنباتات والحيوانات، فنختم هذه الرسالة ونبدأ بعدها برسالة أُخرى نذكر فيها البخارات الصاعدة في الهواء، ونصف كيفيّة حوادث الجومنها في رسالة أُخرى، وهي الملقبة برسالة الآثار العلويّة وحوادث الجوّ.
تمت رسالة الكون والفساد ويتلوها رسالة الآثار العلوية.
  رد مع اقتباس
قديم 24/08/2006   #187
شب و شيخ الشباب krimbow
أميـــــــــ
 
الصورة الرمزية لـ krimbow
krimbow is offline
 
نورنا ب:
Mar 2005
المطرح:
damscus-syria
مشاركات:
4,822

افتراضي


الرسالة الرابعة في الآثار العلويّة
وهي الرسالة الثامنة عشرة من رسائل إخوان الصفاء
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، آلله خيرٌ أمّا يُشركون؟
فصل


اعلم أيها الأخ البار الرحيم، أيدك الله وإيانا بروحٍ منه، أنه لما فرغنا من ذكر الأركان الأربعة، أردنا أن نذكر في هذه الرسالة الملقّبة بالآثار العلوية حوادث الجووتغييرات الهواء وكيفية حدوثها بتأثيرات الأشخاص الفلكية فيها، ولكن من أجل أنّ كثيراً من الناس العقلاء يظنون أن المطر ينزل من السماء من بحرٍ هناك، وأن البرد يقع من جبالٍ، ثم يستشهدون على صحة ظنونهم بقوله، عزّ وجل: "وأنزلنا من السماء ماءً طهوراً." وقوله تعالى: "ويُنزِّل من السماء من جبالٍ فيها من بردٍ." ولا يعرفون معاني قوله سبحانه، ولا تفسير آيات كتابه، جلّ ثناؤه، احتجنا أن نذكر فيها طرفاً لتزول الشكوك والشُّبهة.
  رد مع اقتباس
قديم 24/08/2006   #188
شب و شيخ الشباب krimbow
أميـــــــــ
 
الصورة الرمزية لـ krimbow
krimbow is offline
 
نورنا ب:
Mar 2005
المطرح:
damscus-syria
مشاركات:
4,822

افتراضي


فصل في ماهيّة الطبيعة

كان الذين يتكلمون في الحوادث الكائنات، التي دون فلك القمر، من الحكماء والفلاسفة، يَنسُبون هذه الآثار والأفعال كلّها إلى الطبيعة؛ وكما أن أقواماً من العلماء يُنكرون أفعالها، وينكرون الطبيعة أيضاً أصلاً، احتَجنا أن نذكر معنى قولهم: الطبيعة، ونبيّن أن الذين أنكروا أفعالها ذهب عليهم معنى الطبيعة، ولم يعرفوها، فمن ذلك أنكروا أفعالها.
واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروحٍ منه، أن الطبيعة إنما هي قوةٌ من قوة النفس الكلّية، مُنبثَّة منها في جميع الأجسام التي دون فلك القمر، ساريةٌ في جميع أجزائها كلّها، تسمى باللفظ الشرعي الملائكة الموكَّلين بحفظ العالم وتدبير الخليقة، بإذن الله، وتُسمى باللفظ الفلسفي قُوىً طبيعية، وهي فاعلة في هذه الأجسام بإذن الباري، جلّ ثناؤه. والذين أنكروا فعل الطبيعة إنما ذهب عليهم معنى هذه التسمية، وظنّوا أنها متوجهة نحوالجسم، والجسم، من حيث هوجسمٌ، لا فعل له البتة بالإجماع من الفريقين، بدلائل قد صحّت وبراهين قد قامت.
واعلم يا أخي بأن الذين أنكروا فعل الطبيعة يقولون إنه لا يصحّ الفعل إلا من حيٍّ قادرٍ، وهوقول صحيح، ولكن يظنون أن الحي القادر لا يكون إلا بجسم، إذا كان على هيئةٍ مخصوصةٍ بأعراضٍ تحلّه بزعمهم، مثل الحياة والقدرة والعلم ما شاكلها، ولا يدرون أن مع هذا الجسم جوهراً آخر روحانيّاً غير مرئيٍّ، وهي النفس، وأن هذه التي وصفوها من الأعراض بأنها حالةٌ من الجسم، هي التي تُظهرها فيه، أعني النفس بفعلها في الجسم.
واعلم يا أخي إنما ذهب على الذين أنكروا فعل الطبيعة علم النفس، وخفي عليهم معرفتها، من أجل أنهم طلبوا إدراكها بالحواس، فلم يجدوها، فإنما عرفوا ذلك بالأفعال الصادرة عنها في الأجسام، وذلك أنهم اعتبروا أحوال الجسم، فوجدوه المجرَّده لا فعل له البتة، ولا للأعراض الحالّة فيه، وإنما الأفعال كلّها للنفس، وأما الجسم وأعراضه فإنها للنفس بمنزلة أدواتٍ وآلاتٍ لصانعٍ يُظهر بها ومنها أفعاله، كما يُرى ذلك من الصُّنّاع البشريين، فإنهم بأدواتٍ جسمانية يُظهرون صِناعتهم في الأشياء، مثال ذلك النجار فإنه يُظهر أفعاله في الخشب الذي هوجسمٌ طبيعيٌ بآلاتٍ وأدواتٍ جسمانية، كالفأس والمنشار والمِثقب وما شاكلها، وكلها أجسام صناعيَّة، وأجسام الصُّنّاع هي أيضاً من الأجسام الطبيعية، وهي آلات لنفوسهم، وأدواتٌ لها يُظهرون بها صناعتهم وأفعالهم، كما بيّنا في رسالة تركيب الجسد ورسالة الصنائع العمليّة. وإذ قد بان ما الطبيعة وأنها قوّةٌ من قوى النفس الكلّية والفلكيّة، وأنه لا فعل إلا للنفس، وأنها تفعل أفعالها بقوّتها في الأجسام، وأن الأجسام كلّها آلاتٌ وأدواتٌ ومفعولاتٌ لها، كما أن الفكر والعلم آلاتٌ للنفس في إدراك المعلومات والمعقولات، وإخراجها من القوّة إلى الفعل، فنرجع الآن إلى ذكر الأجسام البسيطة التي دون فلك القمر، ونقول إنها الهيولى الموضوع للطبيعة، وهي فاعلةٌ فيها الأشكال والصُّور، صانعةٌ منها الحيوان والنبات والمعادن، وإن الأشخاص الفلكية لها كالأدوات للصانع، وذلك أن الفلك يدوم دورانه حول الأرض في كل أربعٍ وعشرين ساعة دورةً واحدة، وبحركات كواكبه ومطارح شُعاعاته في سمك الهواء على سطح الأرض والبحار وإسخانها لها، يحلّل المياه فيُصيّرها بخاراً، ويلطّف أجزاء التراب فيصيّرها دخاناً، وتخلطان، ويكون منهما المِزاجات كما يكون من أصباغ المصوّرين،
  رد مع اقتباس
قديم 24/08/2006   #189
شب و شيخ الشباب krimbow
أميـــــــــ
 
الصورة الرمزية لـ krimbow
krimbow is offline
 
نورنا ب:
Mar 2005
المطرح:
damscus-syria
مشاركات:
4,822

افتراضي


فصل في ماهيّة الطبيعة

كان الذين يتكلمون في الحوادث الكائنات، التي دون فلك القمر، من الحكماء والفلاسفة، يَنسُبون هذه الآثار والأفعال كلّها إلى الطبيعة؛ وكما أن أقواماً من العلماء يُنكرون أفعالها، وينكرون الطبيعة أيضاً أصلاً، احتَجنا أن نذكر معنى قولهم: الطبيعة، ونبيّن أن الذين أنكروا أفعالها ذهب عليهم معنى الطبيعة، ولم يعرفوها، فمن ذلك أنكروا أفعالها.
واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروحٍ منه، أن الطبيعة إنما هي قوةٌ من قوة النفس الكلّية، مُنبثَّة منها في جميع الأجسام التي دون فلك القمر، ساريةٌ في جميع أجزائها كلّها، تسمى باللفظ الشرعي الملائكة الموكَّلين بحفظ العالم وتدبير الخليقة، بإذن الله، وتُسمى باللفظ الفلسفي قُوىً طبيعية، وهي فاعلة في هذه الأجسام بإذن الباري، جلّ ثناؤه. والذين أنكروا فعل الطبيعة إنما ذهب عليهم معنى هذه التسمية، وظنّوا أنها متوجهة نحوالجسم، والجسم، من حيث هوجسمٌ، لا فعل له البتة بالإجماع من الفريقين، بدلائل قد صحّت وبراهين قد قامت.
واعلم يا أخي بأن الذين أنكروا فعل الطبيعة يقولون إنه لا يصحّ الفعل إلا من حيٍّ قادرٍ، وهوقول صحيح، ولكن يظنون أن الحي القادر لا يكون إلا بجسم، إذا كان على هيئةٍ مخصوصةٍ بأعراضٍ تحلّه بزعمهم، مثل الحياة والقدرة والعلم ما شاكلها، ولا يدرون أن مع هذا الجسم جوهراً آخر روحانيّاً غير مرئيٍّ، وهي النفس، وأن هذه التي وصفوها من الأعراض بأنها حالةٌ من الجسم، هي التي تُظهرها فيه، أعني النفس بفعلها في الجسم.
واعلم يا أخي إنما ذهب على الذين أنكروا فعل الطبيعة علم النفس، وخفي عليهم معرفتها، من أجل أنهم طلبوا إدراكها بالحواس، فلم يجدوها، فإنما عرفوا ذلك بالأفعال الصادرة عنها في الأجسام، وذلك أنهم اعتبروا أحوال الجسم، فوجدوه المجرَّده لا فعل له البتة، ولا للأعراض الحالّة فيه، وإنما الأفعال كلّها للنفس، وأما الجسم وأعراضه فإنها للنفس بمنزلة أدواتٍ وآلاتٍ لصانعٍ يُظهر بها ومنها أفعاله، كما يُرى ذلك من الصُّنّاع البشريين، فإنهم بأدواتٍ جسمانية يُظهرون صِناعتهم في الأشياء، مثال ذلك النجار فإنه يُظهر أفعاله في الخشب الذي هوجسمٌ طبيعيٌ بآلاتٍ وأدواتٍ جسمانية، كالفأس والمنشار والمِثقب وما شاكلها، وكلها أجسام صناعيَّة، وأجسام الصُّنّاع هي أيضاً من الأجسام الطبيعية، وهي آلات لنفوسهم، وأدواتٌ لها يُظهرون بها صناعتهم وأفعالهم، كما بيّنا في رسالة تركيب الجسد ورسالة الصنائع العمليّة. وإذ قد بان ما الطبيعة وأنها قوّةٌ من قوى النفس الكلّية والفلكيّة، وأنه لا فعل إلا للنفس، وأنها تفعل أفعالها بقوّتها في الأجسام، وأن الأجسام كلّها آلاتٌ وأدواتٌ ومفعولاتٌ لها، كما أن الفكر والعلم آلاتٌ للنفس في إدراك المعلومات والمعقولات، وإخراجها من القوّة إلى الفعل، فنرجع الآن إلى ذكر الأجسام البسيطة التي دون فلك القمر، ونقول إنها الهيولى الموضوع للطبيعة، وهي فاعلةٌ فيها الأشكال والصُّور، صانعةٌ منها الحيوان والنبات والمعادن، وإن الأشخاص الفلكية لها كالأدوات للصانع، وذلك أن الفلك يدوم دورانه حول الأرض في كل أربعٍ وعشرين ساعة دورةً واحدة، وبحركات كواكبه ومطارح شُعاعاته في سمك الهواء على سطح الأرض والبحار وإسخانها لها، يحلّل المياه فيُصيّرها بخاراً، ويلطّف أجزاء التراب فيصيّرها دخاناً، وتخلطان، ويكون منهما المِزاجات كما يكون من أصباغ المصوّرين،
  رد مع اقتباس
قديم 24/08/2006   #190
شب و شيخ الشباب krimbow
أميـــــــــ
 
الصورة الرمزية لـ krimbow
krimbow is offline
 
نورنا ب:
Mar 2005
المطرح:
damscus-syria
مشاركات:
4,822

افتراضي


فصل في ماهيّة الطبيعة

كان الذين يتكلمون في الحوادث الكائنات، التي دون فلك القمر، من الحكماء والفلاسفة، يَنسُبون هذه الآثار والأفعال كلّها إلى الطبيعة؛ وكما أن أقواماً من العلماء يُنكرون أفعالها، وينكرون الطبيعة أيضاً أصلاً، احتَجنا أن نذكر معنى قولهم: الطبيعة، ونبيّن أن الذين أنكروا أفعالها ذهب عليهم معنى الطبيعة، ولم يعرفوها، فمن ذلك أنكروا أفعالها.
واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروحٍ منه، أن الطبيعة إنما هي قوةٌ من قوة النفس الكلّية، مُنبثَّة منها في جميع الأجسام التي دون فلك القمر، ساريةٌ في جميع أجزائها كلّها، تسمى باللفظ الشرعي الملائكة الموكَّلين بحفظ العالم وتدبير الخليقة، بإذن الله، وتُسمى باللفظ الفلسفي قُوىً طبيعية، وهي فاعلة في هذه الأجسام بإذن الباري، جلّ ثناؤه. والذين أنكروا فعل الطبيعة إنما ذهب عليهم معنى هذه التسمية، وظنّوا أنها متوجهة نحوالجسم، والجسم، من حيث هوجسمٌ، لا فعل له البتة بالإجماع من الفريقين، بدلائل قد صحّت وبراهين قد قامت.
واعلم يا أخي بأن الذين أنكروا فعل الطبيعة يقولون إنه لا يصحّ الفعل إلا من حيٍّ قادرٍ، وهوقول صحيح، ولكن يظنون أن الحي القادر لا يكون إلا بجسم، إذا كان على هيئةٍ مخصوصةٍ بأعراضٍ تحلّه بزعمهم، مثل الحياة والقدرة والعلم ما شاكلها، ولا يدرون أن مع هذا الجسم جوهراً آخر روحانيّاً غير مرئيٍّ، وهي النفس، وأن هذه التي وصفوها من الأعراض بأنها حالةٌ من الجسم، هي التي تُظهرها فيه، أعني النفس بفعلها في الجسم.
واعلم يا أخي إنما ذهب على الذين أنكروا فعل الطبيعة علم النفس، وخفي عليهم معرفتها، من أجل أنهم طلبوا إدراكها بالحواس، فلم يجدوها، فإنما عرفوا ذلك بالأفعال الصادرة عنها في الأجسام، وذلك أنهم اعتبروا أحوال الجسم، فوجدوه المجرَّده لا فعل له البتة، ولا للأعراض الحالّة فيه، وإنما الأفعال كلّها للنفس، وأما الجسم وأعراضه فإنها للنفس بمنزلة أدواتٍ وآلاتٍ لصانعٍ يُظهر بها ومنها أفعاله، كما يُرى ذلك من الصُّنّاع البشريين، فإنهم بأدواتٍ جسمانية يُظهرون صِناعتهم في الأشياء، مثال ذلك النجار فإنه يُظهر أفعاله في الخشب الذي هوجسمٌ طبيعيٌ بآلاتٍ وأدواتٍ جسمانية، كالفأس والمنشار والمِثقب وما شاكلها، وكلها أجسام صناعيَّة، وأجسام الصُّنّاع هي أيضاً من الأجسام الطبيعية، وهي آلات لنفوسهم، وأدواتٌ لها يُظهرون بها صناعتهم وأفعالهم، كما بيّنا في رسالة تركيب الجسد ورسالة الصنائع العمليّة. وإذ قد بان ما الطبيعة وأنها قوّةٌ من قوى النفس الكلّية والفلكيّة، وأنه لا فعل إلا للنفس، وأنها تفعل أفعالها بقوّتها في الأجسام، وأن الأجسام كلّها آلاتٌ وأدواتٌ ومفعولاتٌ لها، كما أن الفكر والعلم آلاتٌ للنفس في إدراك المعلومات والمعقولات، وإخراجها من القوّة إلى الفعل، فنرجع الآن إلى ذكر الأجسام البسيطة التي دون فلك القمر، ونقول إنها الهيولى الموضوع للطبيعة، وهي فاعلةٌ فيها الأشكال والصُّور، صانعةٌ منها الحيوان والنبات والمعادن، وإن الأشخاص الفلكية لها كالأدوات للصانع، وذلك أن الفلك يدوم دورانه حول الأرض في كل أربعٍ وعشرين ساعة دورةً واحدة، وبحركات كواكبه ومطارح شُعاعاته في سمك الهواء على سطح الأرض والبحار وإسخانها لها، يحلّل المياه فيُصيّرها بخاراً، ويلطّف أجزاء التراب فيصيّرها دخاناً، وتخلطان، ويكون منهما المِزاجات كما يكون من أصباغ المصوّرين،
  رد مع اقتباس
قديم 24/08/2006   #191
شب و شيخ الشباب krimbow
أميـــــــــ
 
الصورة الرمزية لـ krimbow
krimbow is offline
 
نورنا ب:
Mar 2005
المطرح:
damscus-syria
مشاركات:
4,822

افتراضي


ثم إن قوى النفس الكلية الفلكية السارية في جميع الأجسام المسمّاة الطبيعية، تنقُش وتصوّر وتصوغ من تلك المِزاجات والأخلاط أجناس الكائنات التي هي الحيوان والنبات والمعادن، بإذن الله، عزّ وجلّ. ولما كان أول اختلاط ومزاجٍ يحدث في هيئة هذه الأركان، هوتغيرات الهواء وحوادث الجولسهولة انفعاله، وسرعة استحالته، احتجنا أن نذكر حال الهواء أولاً، ثم حال المياه، ثم حال بقاع الأرض فنقول: إنا قد بيّنا في رسالة السماء والعالم أن كرة الهواء محيكة بكرة الأرض من جميع جهاتها، وأن سمكها من ظاهر سطح الأرض إلى أدنى فلك القمر، مثل قطر الأرض ستّ عشرة مرةً ونصفها، وذلك أن قطر الأرض ألفان ومائةٌ وسبعة وستون فرسخاً، فيكون سمك الهواء 35758 فرسخاً.
واعلم يا أخي بأن سمك الهواء ينفصل بثلاث طبائع متبايناتٍ، إحداهما مما يلي سطح الأرض، والأُخرى هي الوسط بينهما، وذلك أن الهواء الذي يلي فلك القمر هونار سموم في غاية الحرارة، يسمى الأثير، والذي في الوسط باردٌ في غاية البرودة، يسمى الزَّمهرير، والذي يلي سطح الأرض مُعتدل المزاج في موضع دون موضع، يسمى النسيم. والعلّة في اختلاف هذه الطبائع الثلاث هوأن الهواء المماس لفلك القمر، لدوام دورانه معه وسرعة حركته، قد حمِيَ حمياً شديداً، حتى صار ناراً سَموماً، ثم إنه لما كان مُنهبطاً إلى أسفل كان أبطأ لحركته وأقلّ لحرارته، وكلما قلَّت الحرارة غلبت البرودة، فلا يزال كذلك إلى أن يصير في غاية البرودة التي تسمى زمهريراً. والذي يلي سطح الأرض معتدل المِزاج في موضع دون موضع، ولا يكون سمك كرة الأثير، بالإضافة إلى كرة الزمهرير، إلاّ شيئاً يسيراً. ولولا مَطارح شعاعات الشمس والقمر والكواكب على سطح الأرض، وانعكاسها في الهواء، وإسخانها له، لكان المُماسّ لظاهر سطح الأرض أشدّ برداً مما سواه، كما يعرض ذلك تحت قطب الشمال، وذلك أنه يصير هناك ستة أشهر ليلاً كلّه، فيبرد الهواء برداً شديداً، وتجمد المياه، ويُظلم الجوويَغلظ ويهلك الحيوان والنبات. وأما في مُقابلة هذا الموضع، مما يلي قطب الجنوب، يكون في هذه الأشهر الستة نهاراً كلّه، فيدوم إشراق الشمس على تلك البقاع، ويتصل انعكاس شُعاعاتها في الهواء، فيُحمى ويُسخن إسخاناً شديداً، حتى يصير ناراً سموماً مُحرقةً للحيوان والنبات. وعلّة أُخرى هي أن الشمس في وقت مُسامتتها لهذه البقاع تكون قريبة من الأرض، لأن حضيضها في آخر القوس. وأما إذا كانت في البروج الشمالية فإن تحت قطب الشمال يكون أيضاً ستة أشهر نهاراً كلّه، ولكن لا تسخن تلك البقاع كإسخانه البقاع التي تحت قطب الجنوب، لأنها تكون بعيدةً من الأرض، مرتفعةً في الفلك، لأن أوجها في آخر الجوزاء.
ثم اعلم يا أخي بأن بين بُعدها في الأوج، وبين قربها في الحضيض، مقدار قطر الأرض مائة مرّةٍ، وهذا مقداره 216755 فرسخاً. ومن أجل هذا صار العامر من الأرض في الربع الشمالي من خط الاستواء إلى نيّف وست وستين درجةً، وهوبين ممر رأس الحمل على سمت الرأس، إلى حيث ممر الكفّ الخضيب على سمت الرأس، وفي هذا الربعالأقاليم السبعة، كما بيّنا في رسالة جغرافيا، ووصفنا فيها ما في كل إقليم من المدن والجبال والبحار والأنهار.
واعلم يا أخي أن على سمت هذه الأقاليم يخترق من الهواء النسيم أكثر، وفي هذه البلدان تعتدل الطبائع. ونريد أن نذكر سمك كرة الغيم والنسيم وأكثر ما ترتفع، وذلك تارةً يزيد في سمكه وارتفاعه، وتارةً ينقُص من ذلك، بحسب زوايا شُعاعات الشمس والكواكب المنعكسة في طرفي النهار وأنصافه، وأيام الشتاء والصيف، وذلك أيضاً بحسب ارتفاعات الشمس والكواكب من الآفاق وممراتها على سمت البقاع.
  رد مع اقتباس
قديم 24/08/2006   #192
شب و شيخ الشباب krimbow
أميـــــــــ
 
الصورة الرمزية لـ krimbow
krimbow is offline
 
نورنا ب:
Mar 2005
المطرح:
damscus-syria
مشاركات:
4,822

افتراضي


فصل واعلم يا أخي بأن
الزوايا التي تَحدث من انعكاس شُعاعات الكواكب

والشمس، من وجه الأرض ثلاثة أنواع:


حادةٌ وقائمة ومنفرجة. وهذه الزوايا كلّها مُسخِّنة للمياه والأرض والهواء، محرِّكةٌ لها، ولكن أشدُّها إسخاناً الزوايا الحادّة، ثم القائمة، ثم المنفرجة. ولما كانت الزوايا المنفرجة، بعضُها أشدّ انفراجاً من بعضٍ، والحادة بعضها أحدّ من بعض، والزوايا القائمة كلّها متساويةٌ، احتجنا أن نبيّن متى تكون الزوايا منفرجةً، ومتى تكون قائمةً، ومتى تكون حادةً، فنقول:
  رد مع اقتباس
قديم 24/08/2006   #193
شب و شيخ الشباب krimbow
أميـــــــــ
 
الصورة الرمزية لـ krimbow
krimbow is offline
 
نورنا ب:
Mar 2005
المطرح:
damscus-syria
مشاركات:
4,822

افتراضي


إنه إذا ابتدأت الشمس من الأُفق أوالقمر أوأيّ كوكبٍ كان، وأشرقت على سطح الأرض والبحار، فإن زوايا شُعاعاتها كلّها تنعكس منفرجةً في غاية الانفراج، ثم لا تزال كلّما ارتفعت قلّ انفراجها وتضايقت، حتى إذا صار الارتفاع خمساً وأربعين درجةً، صارت زوايا انعكاس الشعاع كلّها قائمة في تلك البقعة حسب. فإذا زاد الارتفاع نقصت الزوايا وضاقت وصارت حادةً، وكلما ارتفعت وزاد ارتفاعها، زادت الزوايا حِدّةً إلى أن تُسامت الكواكب البقعة، فتنتبق الزوايا وتلتقي الأضلاع. فإذا زالت إلى ناحية المغرب، انفصلت الأضلاع واتفتحت الزوايا الحادة في غاية الحدة، وكلما انحطت الشمس أوأي كوكب كان، ازدادت الزوايا انفراجاً، إلى أن يصير الارتفاع من جهة المغرب خمساً وأربعين مرةً ثانية، وتضير الزوايا كلّها قائمةً مرةً أُخرى. فإذا نقص الارتفاع عن خمس وأربعين درجة، صارت الزوايا كلّها منفرجةً. وكلما انحطت الكواكب إلى المغرب، انفرجت الزوايا إلى وقت المغرب، فتصير كلّها في غاسة الانفراج، كما كانت غُدوة. فمن أجل هذا صارت أنصاف النهار أشدّ حرارة من طرفيه، لأن الزوايا بالغدوات والعشيّات تكون منفرجةً، وفي أنصاف النهار حادةً، وفيما بين الوقتين قائمةً. ويكون الجومتوسطاً ما بين الحر والبرد، ولا تكون أنصاف نهار الشتاء شديدة الحر، كما تكون أنصاف نهار الشتاء شديدة الحر، كما تكون أنصاف نهار الصيف، لأن ارتفاع الشمس في الشتاء لا يبلغ خمساً وأربعين درجة.
وإذ قد فرعنا من ذكر ما احتجنا إلى ذكره فإنّا نقول: إن أكثر ما يكون سمك كرة النسيم ستة عشر ألف ذراعٍ ارتفاعاً في الهواء، وأقلّه ما يطابق سطح الأرض. ومن الدليل على أن أكثر ما يكون سمك كرة النسيم هذا المقدار هوأن أعلى جبل يوجد في الأرض لا يجاوز ارتفاع رأسه في الهواء هذا المقدار، وأن أعلى هذه الجبال لا يبلغ ارتفاع الغيوم رؤوسها، وإنما يمنعها شدة البرد المُفرط هناك، لأن الرافع للغيوم في الهواء هي حرارة الجومن إسخان الكواكب له بمطارح شعاعاتها، وانعكاس تلك الشعاعات من سطح الأرض والبحار على زوايا حادةٍ، كما بيّنا قبل، وأنه أحد ما يتكون الزوايا على سطح الأرض. فأما في الهواء فإنه كلما ارتفع فإن أضلاع تلك الزوايا تنفرج وتتسع، وتقبل التسخين هناك، ويضعف فعلها ويضمحل تأثيرها في العلوفيغلب البرد هناك.
واعلم يا أخي أن أول ما يقبل الهواء من التغييرات والاستحالات هوالنور والظلمة والحرّ والبرد، ثم ما يحدث فيه اختلاف الرياح من كثرة البخارات المتصاعدة، والدخانات الساطعة المُطبِقة، وتتبعها الروابع والهالات والضباب والغيوم والرعود والبروق والصواعق والهزّات، ثم الأمطار والطَّلُّ والندى والصقيع والثلوج وقوس قزح والشُّهُبُ وكواكب الأذناب، وما يتبع هذه من هيجان البحار والمَدّ والجزر في البحار والأنهار.
واعلم يا أخي أن هذه التغييرات التي تكون في الجوّ، لمّا كان يحدث بعضها في سمك كرة النسيم، وبعضها في سمك كرة الزمهرير، وبعضها في سمك كرة الأثير، وبعضها في السطوح المشتركة بينها، نحتاج إلى تفصيلها واحدةً واحدةً، ونبدأ أولاً بشرح حال السطوح. وذلك أن السطوح نوعان: مشتركةٌ ومُتداخلة، فالمشتركة مثل سطح الماء والهواء، والسطح الذي بين الدُّهن والماء، فإنه ليس بين الجسمين إلاّ فاصلٌ مشترك يفصل أحدهما عن الآخر فصلاً وهمياً فقط. وأما السطح المتداخل فمثل سطح الماء الواقف في الطين والرمل، فإن الأجزاء الأرضية مُتداخلةٌ لأجزاء الماء، وأجزاء الماء مُتداخلةٌ لأجزاء التراب، فلا يكون بينهما فاصل مشترك يفصل بينهما.
واعلم يا أخي أن من السطوح ما يقارب طبيعة الجسمين المُتماسين، ومنهما ما لا يقارب، مثل سطح الهواء من أسفل مما يلي الهواء، فإن تلك الأجزاء ألطف من سائر الأجزاء التي تلي أسفل مما يلي الأرض، كذلك سطح الهواء المحيط بالنيران التي عندنا، فإنه يكون أسخن من سائر أجزائه البعيدة عن النار، وكذلك سطح النار مما يلي الهواء المحيط به أقلّ حرارة من سائر أجزائه الباقية. وأما سطوح الأجسام الصّلبة مثل الحديد والخشب والحجر وما شاكلها، إذا تجاوزت فلا يعرض لها هذا الوصف.
  رد مع اقتباس
قديم 24/08/2006   #194
شب و شيخ الشباب krimbow
أميـــــــــ
 
الصورة الرمزية لـ krimbow
krimbow is offline
 
نورنا ب:
Mar 2005
المطرح:
damscus-syria
مشاركات:
4,822

افتراضي


وإذ قد فرغنا من ذكر ما احتجنا إلى ذكره، فإنا نقول إن سطح كرة الأثير الذي يلي فلك القمر مشتركٌ غير متداخل الأجزاء، وكذلك سطوح أُكر الأفلاك الكواكب كلّها. وقد ظن كثير من الطبيعين أن بين كرة الزمهرير والأثير سطحٌ متداخل غير مشترك، وليس الأمر كما ظنوا، بل هوكما بيّن بعد. فأما بين سطح كرة النسيم وبين كرة الزمهرير فتبيّن أنه غير مشترك بل متداخل كسطح النار والهواء والأرض. وأما سطح كرة النسيم مما يلي الأرض فتبيّن أنه متداخل الأجزاء أيضاً إلى عنق الأرض، بحسب تخلخل الأجزاء الأرضية إلى نهايةٍ ما، ثم يقف ولا يدخل إلى أكثر من ذلك. ومن الدليل على ذلك ما يعرِض لحافري المعادن إلى أسفل حتى إنهم ربما يحتاجون لترويح النسيم هناك بالمنافخ والأنابيب، ليستنشقوا النسيم وتُضيء سُرُجُهم هناك. فمتى انقطع النسيم لعارضٍ طفئت سرجهم واختنق من كان في المعادن فمات. ولا يمكن أن يكون في المواضع التي لا يخترقها النسيم حيواناتٌ كما بيّنا في رسالة الحيوان.
واعلم يا أخي أن الهواء بحرٌ واقف، لطيف الأجزاء، خفيف الحركة، سريع السيلان، سهل القبول للتغيرات والحوادث. وقد بيّنا في رسالة الحاسّ والمحسوس كيفية قبوله للنور والظلمة والأصوات والروائح، وكيفية قبوله البرد والحرّ في رسالة الكون والفساد. ونريد أن نصف في هذا الفصل كيفية حدوث الرياح، وكمية أنواعها وجهاتها، واختلاف تصاريفها، وما العلّة المُحرِّكة لها في وقتٍ دون وقتٍ، وفي بلدٍ دون بلد، ونبيّن أيضاً كيفية سياقة الغيوم من البحار إلى البراري والقفار ورؤوس الجبال، وكيف تهزّ السحاب حتى يهطل القطر. ولكن نحتاج قبل ذلك أن نذكر حالات القمر ومنازله واتصالاته بالكواكب التي هي الموجبة لإثارة البُخارات والدُّخانات والتسخين الموجبة لكون الرياح فنقول: إن للقمر ثمانيةً وعشرين منزلاً، كما ذكر الله تعالى: "والقمر قدّرناه منازل حتى عاد كالعُرجون القديم".
واعلم يا أخي أن لهذه المنازل خواصّ يظهر تأثيرها في هذه الأركان الأربعة، وفي المكنونات منها عند نزوله يوماً بيومٍ وليلةً بليلةٍ. وللشمس والكواكب أيضاً اتصالاتٌ بالكواكب بعضها ببعضٍ يقوى فعلُها، وتأثيرها فيها يطول شرحه، وهي مذكورةٌ في كتب النجوم. ولكن نذكر منها ما لا بدّ من ذكره في هذا الفصل، وذلك أن من تلك المنازل ما يقوى أفعاله في إثارة البخار من البحار والبطائح والآجام، ومنها ما يقوى أفعاله في إثارة الدخانات من وجه الأرض والبراري، ومنها ما يقوى فعله في تبريد الهواء وزيادة الماء، ومنها ما يقوى فعله في إسخان الهواء ونقصان المياه، وخاصة إذا اتفق نزول القمر بمنزلٍ واتصاله بكوكبٍ مشاكلٍ فعله لخاصيّة المنزل.
واعلم أن الريح ليست شيئاً سوى تموّج الهواء بحركته إلى الجهات الس، كما أن أمواج البحر ليست شيئاً سوى حركة الماء وتدافع أجزائه إلى الجهات الأربع. وذلك أن الماء والهواء بحران واقفان، غير أن أجزاء الماء غليظة ثقيلة الحركة، وأجزاء الهواء لطيفةٌ خفيفة الحركة.
واعلم يا أخي أن أحد أسباب حركة الهواء هوأن صعود البخار، من البحار والبراري والقفار، أثار من البحار بخاراً رطباً، ومن البراري والقفار دخاناً يابساً، أصعدتها بحرارتها في الهواء، فيدفع الهواء بعضه بعضاً إلى الحهات، فيتسع المكان للبخارين الصاعدين، فإن كان الدخان اليابس أكثر، كانت منه الرياح، لأن تلك الأجزاء، إذا صعدت إلى أعلى كرة النسيم وبردت ومنعها برد الزمهرير عن الصعود إلى فوق، عطفت عند راجعةً إلى أسفل، ودافعت الهواء إلى الجهات الأربع، فكانت منها الرياح المختلفة.
واعلم أن الرياح كثيرة التصاريف في الجهات الست، ولكنّ جملتها أربعة عشر نوعاً، منها عند جموع الناس أربعٌ، وهي الصَّبا والدَّبور والجنوب والشمال. وذلك أن الهواء إذا تموّج من المشرق إلى المغرب، يسمّى ذلك التموج ريح الصّبا. وإذا تموج من الجنوب إلى الشمال يسمى التيمُّن. وإذا تموج من المغرب إلى المشرق يسمى دبوراً، وإذا تموج من الشمال إلى الجنوب يسمى الجِرْبِيَاءَ. فأما ما كان تدافعه إلى ما بين هذه الجهات فيسمى النَّكبْاء وهذه ثمانية أنواع.
وأما التي تهبّ من أسفل إلى فوق، فمنها تكون الزوابع، وهما ريحان تلتقيان وتصعدان، كما يلتقي الماء في الكرَّادات وعند نزوله في البَلاليع والثُّقب.
  رد مع اقتباس
قديم 24/08/2006   #195
شب و شيخ الشباب krimbow
أميـــــــــ
 
الصورة الرمزية لـ krimbow
krimbow is offline
 
نورنا ب:
Mar 2005
المطرح:
damscus-syria
مشاركات:
4,822

افتراضي


وأما التي تهبّ من فوق إلى أسفل، فمنها الرّيح الصَّرْصَر التي أهلكت عاداً، وذلك أنها نفخت عليهم غربيّ ديارهم من خلل الغيم من كرة الزَّمهرير التي فوق كرة النسبم ثمانية أيام ولياليها، كما ذكر الله تعالى. وإذ ذكرنا ماهية الريح وكمية أنواعها، وجهات هبوبها، فإنا نريد أن نذكر علّة تصاريفها في الجهات، وما الغرض منها، وذلك أن أحد الأغراض من تصاريفها هوأن تسوق الغيم من سواحل البحار إلى البلدان البعيدة والبراري المقصودة بها؛ وأيضاً فإن أحد الأغراض من الجبال الشامخة الطوال المسطوحة على بسيط الأرض شرقاً وغرباً وجنوباً وشمالاً هوأن تمنع الرياح من سوق السحاب إلى غير البلدان والبراري المقصودة بها. وذلك أن هذه الجبال الراسيات تقوم لمنع الرياح أن تنصرف إلى كل الجهات إلاّ الجهة المقصودة بها، مقام المُسنيّات والبريدات للأنهار والسواقي المانعة لها أن تفيض المياه إلاّ إلى المزارع والمواضع المقصودة بها. وذلك أن كثيراً من البلدان والبراري بعيدةٌ من سواحل البحر، ولولم تكن هذه الجبال الطوال الشامخة، المانعة للرياح، السائقة للغيوم، لما وصلت السحاب والأمطار إلى تلك البلدان والبراري، كما أن الأنهار والسواقي إذا لم تكن لها مُسنيّات وبريداتٌ فاضت لأى الآجام والغدران والبطائح، حيث يقل الانتفاع بها، فلا تبلغ إلى البلدان البعيدة إلاّ بأنهار تُحفر وبَريدات تُعمل. وهذه الجبال الشامخة غرضٌ آخر، وذلك أن في أجوافها مغاراتٍ وأُهْوِيَّةً واسعة، فإذا هطلت في الشتاء في رؤوسها الأمطار والثلوج، وذابت، غاصت المياه في تلك المغارات والأُهوية، وصارت فيها كالمخزونة. وفي أسفل تلك الجبال منافذ ضيقةٌ تخرج منها المياه المخزونة في تلك المغارات والأهوية وهي العيون، وتجري منها جداول، وتجتمع بعضُها إلى بعضٍ، وتسيل منها أودية وأنهار تجري بين المدن والقرى والسوادات، فتسقي، وهي راجعةٌ إلى البحار والآجام والغدران في ممرِّها، الزُّروع والأشجار ومواضع العشب والكلأ؛يفضُل منها ينصبُّ إلى البحار والآجام والغدران. وتُلطِّفها الشمس وتُصعِدُها بخارا من الرأس، وتكون منها الغيوم والسحاب، وتسوقها الرياح إلى المواضع المقصودة بها، كما كان عامَ أَولَ، وذلك دأبها أبداً، ذلك تقدير العزيز العليم.
  رد مع اقتباس
قديم 24/08/2006   #196
شب و شيخ الشباب krimbow
أميـــــــــ
 
الصورة الرمزية لـ krimbow
krimbow is offline
 
نورنا ب:
Mar 2005
المطرح:
damscus-syria
مشاركات:
4,822

افتراضي


فصل فانظر يا أخي إلى هذه العناية الإلهية الكلّية، والسياسة الربّانية الحكيمة،
وتفكّر فيها، واعتبرها لعل نفسك تنتبه من نوم الغفلة ورِقدة الجهالة، وتنفتح لها عين البصيرة، فتنظر بنور العقل إلى هذا الصانع الكيم المدبّر لهذه الأمور، كما نظرت بعين الجسد إلى هذه المصنوعات التي نحن في ذكرها، فتكون من الشاهدين الذين مدحهم الله تعالى فقال: "إلاّ من شهد بالحقّ وهم يعلمون" وقال: "وأشهدهم على أنفسهم، ألست بربكم؟ قالوا: بلى شهِدنا" ثم قال: "شَهِد الله أنه لا إله إلاّ هو، والملائكة وأُولوالعلم، قائماً بالقسط، لا إله إلاّ هوالعزيز الحكيم." وإذا قد فرغنا من ذكر الرياح، فسنذكر الغيوم والأمطار والنَّدى والجليد والضباب والطّلّ والسحاب والرعود والبروق والبّرّد، إذ كانت موادّها البُخارات الصاعدة كما ذكرنا قبل.
واعلم يا أخي أنه إذا ارتفعت البخارات في الهواء، وتدافع الهواء إلى الجهات، ويكون تدافعه إلى جهة أكثر من جهة، ويكون من قُدّام له جبال شامخة مانعة، ومن فوق له بَرْدُ الزمهرير مانع، ومن أسفل مادة البخارين متصلةٌ، فلا يزال البخاران يكثران ويغلظان في الهواء، وتتداخل أجزاء البُخارَين بعضها في بعض، حتى يسخن ويكون منها سحابٌ مؤلّفٌ مُتراكمٌ، وكلما ارتفع السحاب بردت أجزاء الخارين، وانضمت أجزاء البخار الرَّطْب بعضها إلى بعضٍ، وصار ما كان دخاناً يابساً ريحاً، وما كان بخاراً رطباً ماءً وأنداءً. ثم تلتئم تلك الأجزاء المائية بعضها إلى بعضٍ، وتصير قَطراً بَرَداً؛ وتثقُل فتهوي راجعةً من العُلْوإلى السُّفْلِ، فتسمى حينئذٍ مطراً. فإن كان صعود ذلك البخار الرطي بالليل، والهواء شديد البرد، منع أن تصعد البخارات في الهواء، بل جمّدها أولاً فأولاً، وقرّبها من وجه الأرض فيصير من ذلك ندىً وصقيعٌ وطلٌّ. وان ارتفعت تلك البخارات في الهواء قليلاً، وعرض لها البرد، صارت سحاباً رقيقاً، وإن كان البرد مُفرطاً جمّد القَطْر الصِّغار في حلل الغيم، فكان من ذلك الجليد أوالثلج؛ ذلك أن البرد يجمّد الأجزاء المائية، ويختلط بالأجزاء الهوائية، فينزل بالرّفق، فمن أجل ذلك لا يكون لها على وجه الأرض وقعٌ شديد، كما يكون للبرد والمطر. فإن كان الهواء دفيئاً ارتفع البخار في العلو، وتراكم السحاب وطبقاتٍ بعضها فوق بعض، كما يُرى في أيام الربيع والخريف، كأنها جبال من قطن مندوف، مُتراكمة بعضُها فوق بعض. فإذا عرض لها برد الزمهرير من فوق، غلظ البُخار وصار ماءً، وانضمّت بعضها إلى بعض، وصارت قطراً، وإذا عرض لها الثقل أخذت تهوي من أعلى سمك السحاب، ثم تتراكم وتلتئم تلك القطر الصّغار بعضها إلى بعضٍ، حتى إذا خرجت من أسفلها، صارت مطراً كبيراً. فإن عرض لها بردٌ مُفرطٌ في طريقها جمدت وصارت برداً قبل أن تبلغ إلى الأرض، فما كان منها من أعلى السحاب هوالذي يصير برداً، وما كان من أسفل السحاب كان مطراً مختلطاً مع البرد.
ومن أحبّ أن يعلم صدق قولنا، ويتصوّر كيفية وصفنا صعود البخارين، وكيفية تأليف السحاب منها ونزول القطر، فلينظر إلى تصعيدات المياه وتقطيرها، وكيف يعمل منها أصحابها مثل تصعيد ماء الورد والخلّ المُصعّد، وما شاكلها، ومثل البُخارات الصاعدة في بيت المّامات، وكيفية تقطير الماء من سقوفها، وذلك أن سطح كرة الزمهرير الذي يلي كرة النسيم، والجبال الشامخة حوالي البحار تقوم لمنع البخارين الصاعدين، اللذين يتكوّن منهما السحاب والأمطار، أن يتبدّدا، ويتغشّيا حيطان الحمّامات وسقوفها لمنع البخار الصاعد فيها أن يتبدّد ويتغشّى. وأيضاً فإنها تقوم مقام القَرْع والإنبيق، في تصعيد رطوبتها وتقطيرها. وبمثل هذين يدبّر أصحاب الصنعة عقاقيرهم في تصعيد رطوباتها وتقطير مياهها.
وأما البروق والرعود فإنهما يحدُثان في وقت واحد، ولكنّ البرق يسبق إلى الأبصار قبل الصوت إلى المسامع، لأن أحدهما روحانيّ الصورة وهو الضوء، والآخر جسمانيّ وهو الصوت كما بيّناه في رسالة الحاس والمحسوس. وأما علّة حدوثهما فهي البخاران الصاعدان إذا اختلطا في الهواء، والتفّ البخار الرطب على البخار اليابس الذي هوالدخان، واحتوى برد الزمهرير على البخار الرطب، وضغطهما، فانحصر البخار اليابس في جوف البخار الرطب، والتهب في جوف البخار الرطب، وطلب الخروج دفعةً، وانخرق البخار الرطب، وتفرقع من حرارة الدخان اليابس، كما تتفرقع الأشياء الرطبة إذا احتوت عليها النار دفعةً واحدة، وحدث من ذلك قرعٌ في الهواء، واندفع إلى جميع الحهات، كما بيّنا في رسالة الحاس والمحسوس، كيفية الصوت، وانقدح من خروج ذلك البخار اليابس الدخانيّ صوت يسمى البرق، كما يحدث من دخان السراج المنطفئ إذا أُدني من سراج مشتعل ثم ينطفئ. وربما يذوب ذلك البخار ويصير ريحاً، ويدور في جوف السحاب، ويطلب الخروج، فيُسمَع له دويٌّ وتقرقرٌ، كما اسمع من الجوف المنفتح ريحاً. وربما ينشق السحاب دفعةً واحدة بشدّة، فيكون من ذلك صوتٌ هائل يُسمى صوت الصاعقة، كما يحدث من الزِّقِّ المنفوخ إذا وقع عليه حجر ثقيل فيشقُّه.
  رد مع اقتباس
قديم 24/08/2006   #197
شب و شيخ الشباب krimbow
أميـــــــــ
 
الصورة الرمزية لـ krimbow
krimbow is offline
 
نورنا ب:
Mar 2005
المطرح:
damscus-syria
مشاركات:
4,822

افتراضي


فصل واعلم يا أخي أنه لولا العِناية الإلهية
ورحمة الباري، جلّ جلاله،


بأن جعل سمك كرة النسيم عالياً، ومركز السحاب مرتفعاً بعيداً عن الأرض بمقدار الحاجة إليه، وجعل من شأن السحاب إذا انخرق أن يطلب البخار الصعود إلى فوق، وجعل من شأن قرع الهواء إذا حدث أن تكون حركته إلى فوق، لكانت أصوات الرعد أضرّت بأسماع الحيوانات الضعيفة وقتلتها، كما يكون ذلك في بعض الأحايين، وذلك أن السحب إذا تراكمت وتكابست، يضغط بعضها بعضاً إلى أسفل، حتى تقرب من الأرض، وتحدث الرعود، ويخرق السحاب من أسفل، ويقرع الهواء ويندفع إلى وجه الأرض، فيكون من ذلك صوتٌ هائلٌ هوالصاعقة، فإنها تقتل كثيراً من الحيوانات القريبة منها ومن الناس أيضاً، كما فُعِلَ بقوم شُعيبٍ وصالح، عليهما السلام. فإذا منعهما السحاب المتراكم، رجعت مُنحطّةً إلى الأرض، فأحرقت ما أتت عليه من الحيوان والنبات، ولكن قلّ ما تُحرق الأجسام الرخوة، لأنها نارٌ لطيفة تنفُذ في مسامها. وأما الأجسام الصلبة فلتكابُس أجزائها وتمانُعها تتغلب عليها وتُذوِّبُها وتُحرقها. وأما الهالة التي تكون حول الشمس والقمر فإنها تدلُّ على المطر ورطوبة الهواء، وذلك أنها تحدث في أعلى سطح كرة النسيم وقت ما يرتفع البخار إلى هناك، ويأخذ يتألف منه الغيم، وعِلَّتُها أن النيِّرين إذا أشرقا على ذلك السطح انعكس شعاعهما، من هناك إلى فوق، وحدث من ذلك الانعكاس دائرةٌ كما يحدث من إشراقهما على سطح الماء. ويشفّ رسم تلك الدائرة من تحت ذلك الغيم الرقيق، كما يشفّ من وراء البلّور والزُّجاج، ويكون مركز تلك الدائرة مُسامتاً للبقعة التي يمر بها مَسقِطُ الحجر الخارج من مركز النيّرين إلى مركز الأرض. فكل من كان من الناظرين ممّن يمرّ ذلك النيّر على سمت رأسه سواءً، فإنه يرى مركز تلك الدائرة من فوق رأسه، ومن كان خارجاً من تحته إلى إحدى الجهات، فإنه يرى مركزها في الجهة المقابلة لموضعها، ويكون قطر هذه الدائرة أبداً مثل سمك كرة البخار مرتين، قلّ ذلك السمك أوكثُر، وتقديرها أكثر ما يكون اثنين وثلاثين ألف ذراع، لأن سمك كرة النسيم أكثر ما يكون ستة عشر ألف ذراع كما بيّنا قبل.
وأما قوس قزح فإنه يحدث في سمك كرة النسيم عند ترطيب الهواء مُشبعاً، ولا يكون وضعه إلاّ مُنتصباً قائماً، وحَدبَته إلى فوق مما يلي سطح كرة الزمهرير، وطرفاه إلى أسفل مما يلي وجه الأرض، ولا يكاد يحدث إلاّ في طرفي النهار في الجهة المقابلة لموضع الشمس مَشرِقاً أومغرباً، ولا يُرى منها إلاّ أقلّ من نصف محيط الدائرة، إلاّ أن تكون الشمس في الأُفق سواءً، فإنها عند ذلك تُرى في نصف محيط الدائرة سواءً، لأن الخط الخارج من مركز جرم الشمس يمرّ مُماساً مما يلي وجه الأرض ومركز هذه الدائرة، فيُرى القوس قائماً منتصباً مستوياً. وإذا كانت الشمس مرتفعة فإنها تُرى أقل من نصف محيط الدائرة، وكلما كان الإرتفاع أكثر كان القوس أقل وأصغر، لأن القوس يكون مائلاً مُنحطاً إلى الجهة المقابلة لموضع الشمس.
واعلم يا أخي أن بين وتر هذا القوس وبين قُطر دائرة الهالة التي تقدم ذكرها نِسبةً متساويةً. وأما علّة حدوث هذا القوس فهي أيضاً إشراق الشمس على أجزاء ذلك البخار الرطب الواقف في الهواء، وانعكاس شُعاعها منه إلى ناحية الشمس. وأما أصباغه التي تُرى فهي أربعة مطابقة للكيفيّات الأربع التي هي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة؛ ولخاصّيّة الأربعة الأركان التي هي النار والهواء والماء والأرض؛ ولفصول الزمان الأربعة وهي الصيف والخريف والشتاء والربيع؛ ولمُشابهة الأخلاط الأربعة وهي الصفراء والوداء والدم والبلغم؛ ولمُشاكلة ألوان زهر النبات والشجر. لأن هذه القوس إذا حدثت وكانت أصباغها مُشبعة تدل على ترطيب الهواء وكثرة العشب والكلإ وزكاء ثمر الشجر وحب الزرع، فيكون ظهورها ورؤيتها كالبشارة قدّمتها الطبيعة للحيوان والناس، مُنذِرةً بريف الومان وخصبه.
وأما ما يقوله العامة وهوأن حُمرتها تدل على إرهاق الدماء في تلك السنة وصُفرتها تدل على الأمراض، وزُرقتها تدل على الجدب، وخُضرتها تدل على الخصب، وعلى حسب كثرتها وقلتها تكون دلالتها؛ فإن هذا يكون دليلاً عند الزاجر على أصله وفرعه، وقد بينا ذلك في رسالة الزَّجر والفِراسة.
  رد مع اقتباس
قديم 24/08/2006   #198
شب و شيخ الشباب krimbow
أميـــــــــ
 
الصورة الرمزية لـ krimbow
krimbow is offline
 
نورنا ب:
Mar 2005
المطرح:
damscus-syria
مشاركات:
4,822

افتراضي


وأما ترتيب ألوانها فإن الحمرة أبداً تمون فوق الصُفرة والصُفرة دونها، والزُرقة دون الخُضرة. فإن وجدت قوساً أُخرى دونها، ترتّبت هذه الألوان في القوس السُّفلى عكس ذلك. وشرح العلة في ذلك يطول لأنه لا يفهمه إلاّ المُرتاضون بالأشكال الهندسية والأمور الطبيعية والنِّسَب التأليفيّة.
وقد بينا فيما تقدم أن السحاب لا يرتفع من وجه الأرض في الجوأكثر من ستة عشر ألفذراع، وأن أقربه ما كان مُماساً لوجه الأرض ولكنّ ذلك في الندرة في وقت من الأوقات وبلدٍ دون بلدٍ، لأنه لوكان السحاب، في كل وقت وكل بلد، مارّاً مُماساً لوجه الأرض، لأضرّ ذلك بالحيوان والنبات، ولمنع الناس من التصرّف، كما يُرى ذلك يوم الضَّباب وفي البلدان القريبة من سواحل البحار، مثل البصرة والأنطاكية وطَبَرِسْتانَ لقربها من البحار، يُرى أغفل ما يكون الإنسان، حتى إذا جاء الطَّلُّ والمطر والضّباب مِقداراً ما، يُضيّق الصدر ويأخذ النفس وتبتلُّ الثياب والأمتعة، وأيضاً لوكان السحاب كلّه قريباً من وجه الأرض، لأضرّ الرعد والبرق بأبصار الحيوان وأسماعها؛ ولوكان بعيداً شديد الارتفاع في الهواء بحيث لم يكن يُرى، لكانت الأمطار والثلوج تجيء مُفاجأةً، والناس والحيوان عنها غافلون غير مستعدين لتحرُّز منها. فكان يكون في ذلك ضررٌ عظيم عام.
فلا تنظر يا أخي إلى فعل الطبيعة، وتفكّر في هذه الحكمة الإلهية والعناية الربانية كيف رفعت هذه الأشياء في الهواء بمقدار الحاجة إليها، فلا بعيدٌ مفرطٌ ولا قريب جداً، إذا كان في كلا الأمرين ضررٌ على الناس والحيوان والنبات.
  رد مع اقتباس
إضافة موضوع جديد  إضافة رد



ضوابط المشاركة
لافيك تكتب موضوع جديد
لافيك تكتب مشاركات
لافيك تضيف مرفقات
لا فيك تعدل مشاركاتك

وسوم vB : حرك
شيفرة [IMG] : حرك
شيفرة HTML : بليد
طير و علّي


الساعة بإيدك هلق يا سيدي 17:13 (بحسب عمك غرينتش الكبير +3)


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
ما بخفيك.. في قسم لا بأس به من الحقوق محفوظة، بس كمان من شان الحق والباطل في جزء مالنا علاقة فيه ولا محفوظ ولا من يحزنون
Page generated in 0.40169 seconds with 12 queries