أخوية  

أخوية سوريا: تجمع شبابي سوري (ثقافي، فكري، اجتماعي) بإطار حراك مجتمع مدني - ينشط في دعم الحرية المدنية، التعددية الديمقراطية، والتوعية بما نسميه الحد الأدنى من المسؤولية العامة. نحو عقد اجتماعي صحي سليم، به من الأكسجن ما يكف لجميع المواطنين والقاطنين.
أخذ مكانه في 2003 و توقف قسراً نهاية 2009 - النسخة الحالية هنا هي ارشيفية للتصفح فقط
ردني  لورا   أخوية > مجتمع > سياسة

إضافة موضوع جديد  إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 12/08/2006   #1
post[field7] dot
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ dot
dot is offline
 
نورنا ب:
May 2006
مشاركات:
3,276

افتراضي كتاب التاريخ السري للموساد.


بن غوريون يرسم ملامح عمل الموساد تحت إشرافه

يستمد هذا الكتاب أهميته من مؤلفه ومن منهاج تعامله مع موضوعه، أما المؤلف، غوردون توماس، فهو كاتب شهير يقيم في بريطانيا ويصل رصيده من المؤلفات الى 37 كتاباً، ترجمت إلى العديد من لغات العالم.
ومعظمها مكرس لعالم الاستخبارات، وهو في كتابه هذا يقدم تأريخاً لجهاز الموساد عقب لقاءات مع شخصيات عديدة لها صلة بشكل ما برصد أنشطة جهاز المخابرات الإسرائيلي فضلاً عن الوصول إلى الكثير من الوثائق والمصادر السرية، مما أتاح له الكشف عن أسرار لم تكن معروفة من قبل، ويلقي عليها الضوء في كتابه للمرة الأولى.

في عام 1917 أطلق اللورد بلفور وعده المعروف بإقامة «وطن قومي لليهود» في فلسطين. بدأت الحركة الصهيونية بعدها بالتحرك وشرع اليهود القلائل الذين كانوا في عين المكان بالتعبئة.
هكذا ذات يوم من أيام سبتمبر 1929 حاولوا التجمع علانية بالقرب من حائط البراق. رأى الفلسطينيون في ذلك تحديا لمشاعرهم ورشقوهم بالحجارة. وقال يومها أحد المسؤولين اليهود المشاركين بالتجمع: «قام بقاء شعبنا منذ الملك داؤود على النوعية الممتازة لاستخباراته».

كانت تلك الفكرة هي نواة قيام تنظيم استخباري وتجسسي يعد من أكثر الأجهزة ضراوة في العالم، أي الموساد. وكان الشكل الجنيني لهذا الجهاز قد تشكّل داخل منظمة «الهاغاناه» التي أنشأها اليهود في فلسطين من أجل ممارسة كل أشكال العنف لإرهاب الفلسطينيين العرب، وزودوها بجهاز مختص في التضليل وتزييف المعلومات بواسطة جواسيسهم. واعتبر ديفيد بن غوريون أن الأولوية المطلقة للهاغاناه ينبغي أن تتمثل في تعزيز شبكة استخباراتها.

وفي عام 1949 أي بعد قيام الدولة العبرية قرر بن غوريون، رئيس وزرائها آنذاك، إنشاء خمسة أجهزة سرية للعمل على صعيدي الداخل والخارج. واتخذت دوائر التجسس الأجهزة المناظرة لها في فرنسا وانجلترا نموذجا احتذت به لا سيما أن هذه الأجهزة قبلت التعامل مع الإسرائيليين الذين أقاموا علاقات أيضا مع الأجهزة السرية الأميركية.

لكن سرعان ما قامت الصراعات بين الوزراء والضباط الكبار في إسرائيل للوصول إلى المناصب العليا الحساسة، وكان كل منهم يريد أن يتولّى تنسيق الاستراتيجية العامة لإدارات الاستخبارات وتجنيد العملاء والوصول أولا إلى المعلومات المحصّلة كي يزوّد القيادات السياسية بها. وكان الصراع «مريرا بشكل خاص بين وزير الدفاع ووزير الخارجية إذ كان يريد كل منهما امتلاك حق الإشراف على أجهزة التجسس الخارجي».

منهاج العمل

في الثاني من مارس 1951 استدعى ديفيد بن غوريون رؤساء الأجهزة السرية الإسرائيلية الخمسة إلى مكتبه، وأعلن لهم قراره بجمع كل نشاطات التجسس الخارجي في جهاز واحد عمّده باسم «ها موساد لوتوم» أي «معهد التنسيق» كما أعلن في الوقت نفسه حصر مسؤولية «العمليات الخاصة» به شخصيا، بينما أشرف وزير الخارجية على الجهاز «إداريا وسياسيا».

وضمّ في الوقت نفسه ضباطا كبارا يمثلون هيئات الاستخبارات الإسرائيلية الأخرى وخاصة شين بيت»، جهاز الأمن الداخلي، و«أمان»، جهاز الاستخبارات العسكرية وممثلين أيضا عن سلاحي البحرية والطيران. واحتفظت رئاسة الحكومة بدورها في حسم أي خلاف بين مختلف الأطراف. ولخّص بن غوريون الوضع بالصيغة التالية:

«تقدمون للموساد قائمة متطلباتكم وهو الذي يقوم بتأمينها. وليس عليكم الاهتمام بمعرفة أين سوف يتوجه ولا بالسعر الذي سيدفعه»، وجاء في نص المذكرة الأولى التي وجهها بن غوريون إلى «روفن شيلواه»، أول مدير للموساد، قوله: «سيعمل الموساد تحت إمرتي، وسوف يتبع تعليماتي ويقدم لي باستمرار تقريرا عن نشاطاته».

في مايو 1951، أي بعد عدة أسابيع فقط من تأسيس الموساد رسميا، تمّ الكشف عن الشبكة التي كان قد أنشأها في العراق.واعتقلت الأجهزة الأمنية العراقية عددا من الأشخاص بينهم عميلان إسرائيليان وعشرات من اليهود العراقيين ومن العرب.

ووجهت المحكمة العراقية تهمة التجسس لثمانية وعشرين شخصا وحكمت على العميلين الإسرائيليين بالإعدام وعلى 17 متعاملا معهم بالسجن مدى الحياة. خرج العميلان الإسرائيليان من السجن بعد فترة مقابل مبلغ مالي كبير جرى وضعه في حساب سويسري باسم وزير الداخلية العراقي، كما يؤكد مؤلف هذا الكتاب.

حلّت بعد فترة وجيزة كارثة أخرى، إذ أن العميل تيودور غروس لم يكن يعمل لحساب الموساد فقط وإنما أيضا لحساب الأجهزة السرية المصرية كما أكّد ايسر هاريل رئيس جهاز شين بيت مشيرا إلى امتلاكه لـ البرهان القاطع على خيانة غروس.

سافر هاريل إلى روما وأقنع غروس بالعودة معه إلى تل أبيب بعد أن وعده بمنصب رفيع في جهاز الاستخبارات الإسرائيلية الداخلية. حوكم غروس سرا وحُكم عليه بالسجن لمدة خمسة عشر عاما، ويُفترض أنه مات قبل خروجه منه.

أدّت تلك القضية إلى استقالة روفن شيلواه وتولّي ايسر هاريل رئاسة الموساد لمدة أحد عشر عاما. وقد قوبل في البداية بقليل من الحماس من قبل ضباط الموساد، إذ كان قصير القامة، لا يتجاوز طوله مترا ونصف المتر مع أذنين منتصبتين مثل الرادار، هذا فضلا عن أنه كان يتحدث اللغة العبرية بلكنة واضحة مثل يهود أوروبا الوسطى.

وكانت ثيابه مهملة باستمرار وكأنه قد نام بها. كانت كلماته الأولى لأركان قيادته هي: «الماضي هو الماضي. ولن تكون هناك أخطاء بعد اليوم. سوف نعمل معا. ولن نتحدث لأحد إلا فيما بيننا».

في اليوم نفسه أفهم المتعاونين معه ماذا يعني بذلك، إذ عندما سأله سائقه عن الوجهة التي يقصدانها أجابه أنه سر وأخذ هاريل مكان السائق ثم عاد بعد قليل ومعه علبة من الحلوى لفريق عمله. كانت الرسالة واضحة وهو أنه هو وحده من يحق له أن يطرح الأسئلة. كانت ايماءة بسيطة، ولكنها حاسمة، إذ وجدت التعاطف لدى مرؤوسيه الذين قابلوه بفتور في البداية.

وقام هاريل بزيارة عدد من البلدان العربية سرا كي يشرف بنفسه على تجنيد عملاء لشبكات الموساد. ولم يكن يخفي تفضيله لأولئك الذين كانوا قد عاشوا في «الكيبوتزات»، الأمر الذي فسّره بالقول: «يعيش هؤلاء بالقرب من العرب ولم يتعلّموا كيف يفكرون مثلهم فقط، وإنما أن يفعلوا ذلك بسرعة أكبر».

لقاء في واشنطن

يحدد مؤلّف هذا الكتاب أهم صفات هاريل أنه كان صبورا جدا وكان شديد الحرص على المقرّبين منه بينما كان ينظر بعيون الشك والريبة لكل من ليس في دائرة هؤلاء.

واستطاع أن يثبت مواقعه أكثر بعد زيارته إلى واشنطن عام 1954 حيث التقى بـ آلان دالاس، مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وقدّم يومها الإسرائيلي ذو القامة القصيرة هدية نقش عليها العبارة التالية:

«لن ينام حارس إسرائيل أبدا ولن يدغدغ النعاس عينيه»، وهذا ما علّق عليه الأميركي بالقول: «يمكنك الاعتماد عليَّ كي تبقى عيوني مفتوحة معك».

توطدت منذ ذلك اللقاء العلاقات أكثر بين الموساد ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية التي قدّمت للجهاز الإسرائيلي كل الأعتدة والتجهيزات الضرورية من أجل التنصت وآلات التصوير الدقيقة وأجهزة عديدة أخرى اعترف هاريل يومها أنه لم يكن يعرف حتى بوجودها. بل أقام الرجلان بينهما خطا هاتفيا أحمر للتحدث مباشرة، بعيدا عن كل «الآذان الأخرى» بل وبعيدا عن مصالح وزارتي الخارجية الأميركية والإسرائيلية.

وفي عام 1961 أشرف رئيس الموساد على عملية استهدفت استقدام آلاف اليهود المغاربة إلى إسرائيل. وبعد عام انطلق «هاريل» إلى جنوب السودان من أجل دعم المتمردين الموالين لإسرائيل ضد النظام القائم. وساعد في السنة نفسها إمبراطور إثيوبيا هيلا سيلاسي الصديق القديم لإسرائيل من أجل التغلب على محاولة انقلاب عسكري.

لكن في الوقت نفسه واجه هاريل غضبا متصاعدا في الداخل من قبل اليهود المتزمتين، بمن في ذلك أشخاص داخل حكومة ديفيد بن غوريون، إذ اتهموه أنه لم يعد يحسب أي حساب لحساسيتهم الدينية، بل اتهموه بالسعي سرا للوصول إلى أعلى المراتب السياسية. وسيطر الفتور على علاقات بن غوريون وهاريل، الذي وجد نفسه مضطرا لتقديم تقرير مفصل قبل الشروع بأية عملية بينما كان طليق اليدين قبل ذلك.

تزايدت حدة الشائعات في فبراير 1962 إثر عملية خطف «يوزيل شوماشير» ابن الثامنة من قبل فرقة يهودية متطرفة جدا، كان جدّه لأمه أحد أعضائها وكانت تدعى فرقة «حرّاس جدران القدس».

سجنت الشرطة الإسرائيلية الجد فقامت مظاهرات عنيفة من قبل اليهود المتزمتين شبّهوا فيها بن غوريون بالنازيين لأنه تجرأ وسجن «عجوزا طاعنا في السن». أنذر مستشارو بن غوريون رئيسهم أن تلك القضية قد تكون سببا في هزيمته خلال الدورات الانتخابية المقبلة، بل قالوا له إنه في حالة نشوب حرب مع العرب قد «تدعم بعض المجموعات المتطرفة العدو».

استدعى بن غوريون رئيس الموساد هاريل وطلب منه إيجاد الطفل فاعترض قائلا بأن مثل هذا العمل ليس من مهمة جهازه. وينقل المؤلف عن هاريل قوله: «انخفضت الحرارة فجأة عدة درجات، وشرح لي أن هذا أمرا ينبغي تنفيذه. فأجبت أنني أحتاج على الأقل إلى قراءة ملف الشرطة. وافق رئيس الوزراء على ذلك وأعطاني ساعة واحدة من أجل ذلك». جنّد هاريل 40 من رجاله بعد قراءة الملف بغية تحديد مكان وجود الطفل. كانت المهمة شديدة الصعوبة، إذ فشل أحد عملاء الموساد - أصبح رئيسا لجهاز الشين بيت فيما بعد- في التغلغل إلى صفوف الفرقة المتطرفة. وتمّ اكتشاف عميل آخر بعد أيام من تكليفه بمراقبة مدرسة تلمودية.

وحاول ثالث أن ينخرط بين مجموعة من اليهود الذين كانوا في الطريق إلى القدس من أجل دفن أحد أقاربهم. لكن أُكتشف أمره سريعا ذلك أنه أخطأ في تلاوة الصلوات.






13-05-2007

مدونتــي :

- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا -
 


  رد مع اقتباس
قديم 12/08/2006   #2
post[field7] dot
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ dot
dot is offline
 
نورنا ب:
May 2006
مشاركات:
3,276

افتراضي


لم يثن هذا الفشل المتكرر عزيمة هاريل الذي أعلن عن اقتناعه أن الطفل موجود خارج إسرائيل وفي مكان ما بأوروبا. فأقام خلية عمل مكلّفة بالبحث عنه في باريس. ولم يتم العثور على الطفل فاتجه فريق من الموساد إلى أميركا الجنوبية والولايات المتحدة الأميركية.

ألقت الشرطة البريطانية على عشرة من عملاء الموساد كانوا قد تزيّوا بهيئة «متدينين» مع لحى مزيفة وشاركوا في الاجتماع الديني صباح يوم سبت في كنيس بضواحي لندن. لكن جرى الإفراج عنهم سرا وسريعا عن طريق تدخل السفارة الإسرائيلية لدى السلطات المعنية.
جرت في تلك الأثناء دعوة حاخام متشدد حقيقي إلى باريس للإشراف على عملية ختان أحد صبيان عائلة يهودية غنية، استقبله في المطار حاخامان بثياب سوداء على غرار أزياء المتطرفين اليهود، ولم يكونا في الحقيقة سوى اثنين من عناصر الموساد.

وقد جاء في التقرير الذي أرسلاه لمسؤولهما: «اقتيد الحاخام إلى أحد مواخير شارع بيغال من دون أن يعتريه أي شك حول طبيعة المكان. دخلت عاهرتان كنّا قد دفعنا لهما الأجر إلى غرفته وألقيتا نفسهما عليه. التقطنا له صورا ثم عرضناها عليه مع التهديد بنشرها إذا لم يخبرنا عن مكان الطفل. لكنه أقنعنا بعدم معرفته مكان وجوده فقمنا بتمزيق الصور أمامه».

هناك حاخام آخر هو شاي فراير اعترض عملاء الموساد طريقه عندما كان يقصد جنيف قادما من باريس. بدا أن هذا الاحتمال الجديد لا يؤدي إلى أية نتيجة. مع ذلك أصدر هاريل الأوامر باعتقال الحاخام في مقر الموساد بجنيف حتى نهاية التحقيق خشية أن يقوم بإخطار المجموعات اليهودية المتطرفة كلها.

هناك سبيل آخر بدا واعدا وتمثل في مادلين فراي ابنة الأسرة الأرستقراطية الفرنسية التي كانت أنقذت الكثير من الأطفال اليهود أثناء الحرب العالمية الثانية، وكانت تتردد بعد ذلك كثيرا نعلى إسرائيل حيث قابلت بعض أعضاء الفرقة المتطرفة، وكانت هي نفسها قد اعتنقت اليهودية. في شهر أغسطس 1926 حدد عملاء الموساد مكان إقامتها في إحدى ضواحي باريس.

قابلت مادلين عملاء الموساد بجفاء عندما قدّموا أنفسهم لها، فجاء هاريل نفسه لمقابلتها وشرح لها الظلم الكبير الواقع على والدي الطفل يوزيل. أكّدت مادلين أنها لا تعرف شيئا عن الأمر، فطلب منها هاريل رؤية جواز سفرها، كانت توجد تحت صورتها صورة لابنتها فأشار رئيس الموساد لأحد عناصره كي يعطيه صورة ليوزيل. كان الشبه كبيرا إلى حد التماثل بين الوجهين. فاتصل هاريل حالا بتل أبيب وقال:

«أعرف كل ما أحتاج معرفته عن مادلين من أبسط تفاصيل حياتها الغرامية عندما كانت طالبة إلى قرارها الالتحاق بالحركة اليهودية المتطرفة بعد تخليها عن مسيحيتها. لقد قلت لها، كما لو أنني أملك البرهان القاطع، إنها صبغت شعر الطفل يوزيل بغية إخراجه من إسرائيل. نفت كل شيء».

لكنها اعترفت أخيرا بكل شيء وكيف أنها سافرت كسائحة إلى حيفا بحرا. وبعد أسبوع خرجت أمام الشرطة قاصدة زيوريخ جواً بعد أن ألبست يوزيل ثياب طفلة وصبغت شعره.

أمضى يوزيل بعض الوقت في مدرسة تلمودية متطرفة في جنيف ثم اصطحبته مادلين إلى نيويورك. وعندما سألها هاريل عن مكان وجوده الراهن أعطته العنوان في بروكلين بنيويورك، وأن اسمه أصبح يانكال جيرتنر. عندها قال لها هاريل مبتسما:

«شكرا مادلين، وإنني أرغب عرض منصب عليك في جهاز الموساد. فموهبتك يمكنك أن تقدم خدمات كبرى لإسرائيل». ورفضت مادلين ذلك. طار عملاء الموساد إلى نيويورك حيث كان ينتظرهم فريق من عناصر مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي بطلب خاص من بن غوريون إلى وزير العدل الأميركي. وصل الجميع إلى العنوان.
فتحت السيدة «جيرتنر» لهم الباب، دخلوا فوجدوا الأب يصلي وبجانبه طفل شاحب وعلى رأسه القلنسوة اليهودية وخصلتا شعر طويلتان تتدليان على وجهه. فقال له أحد عملاء الموساد «مرحبا يوزيل. نحن هنا كي نعيدك إلى أهلك». هكذا مضت ثمانية أشهر منذ بداية البحث وأُنفق مليون دولار في العملية.

لم يمنع هذا النجاح الذي حققه هاريل من تقديمه استقالته بتاريخ 25 مارس 1963 بعد حملة شائعات وتشهير قادها مائير اميت، رئيس جهاز «أمان» وخلف «هاريل» على رأس الموساد. كان عمر هاريل آنذاك خمسين عاما. وانتهت باستقالته حقبة من تاريخ الجهاز الإسرائيلي.

الأولوية للتجسس

بعد عدة دقائق فقط من جلوسه خلف مكتبه الجديد استدعى أميت رؤساء الدوائر. لقد اصطفوا أمامه، ونظر إليهم بهدوء واحدا بعد الآخر، ليقول لهم بعد ذلك أنه لن تكون هناك بعد آلان مهمات البحث عن أطفال، وأعطى الأولوية للتجسس.

وبعد فترة قصيرة من استلام أميت منصبه حضر إلى السفارة الإسرائيلية بباريس شخص قدّم نفسه باسم «سلمان». وقال أنه يمكن أن يقدم، مقابل مليون دولار، إحدى الطائرات المقاتلة الأكثر مضاء آنذاك أي «الميغ-21». وختم سلمان حديثه بالجملة الغريبة التالية: «ما عليكم سوى إرسال أحدهم إلى بغداد. وهناك يقوم بالاتصال بهذا الرقم ويطلب جوزيف، ولا تنسوا تحضير المليون دولار».

عرض الدبلوماسي مضمون المحادثة على جاسوس إسرائيلي موجود في السفارة حافظ على موقعه رغم التغييرات التي قام بها مائير أميت. وأرسل الجاسوس بدوره المعلومات إلى تل أبيب مع رقم الهاتف الذي أعطاه «سلمان».

حيّرت القضية أميت، فمن جهة هناك خشية أن يكون سلمان عميلا مزدوجا جندته الاستخبارات العراقية من أجل نصب فخ للموساد. وهناك خطر الكشف عن عملاء الموساد في العراق. لكن كان إغراء الحصول على الميغ-21 كبيرا أيضا، إذ كان مسؤولو الطيران الإسرائيليون على استعداد لدفع ملايين الدولارات للحصول على المعلومات الخاصة بها.

قال أميت نفسه حول تلك القضية: «كنت أفكر بها قبل أن أنام وحالما أستيقظ، وكل الأوقات بينهما عندما تكون لديًّ دقيقة فراغ. فمعرفة السلاح المتقدم للعدو هي أولوية بالنسبة لكل جهاز استخبارات، والحصول على طائرة من هذا النوع أمر شبه مستحيل». اختار أميت للعميل الموفد إلى بغداد اسما وجواز سفر بريطانيين:

جورج بيكون الذي ذهب بصفة مدير مبيعات في شركة لندنية مختصة بتصنيع أجهزة التصوير الشعاعي الطبي. وصل إلى بغداد بطائرة تابعة للخطوط الجوية العراقية ومعه عدة صناديق من العينات، بل وأظهر كفاءة عالية حيث باع عدة أجهزة لمستشفيات عراقية.

في بداية الأسبوع الثاني لإقامته اتصل بيكون بالرقم المعني. وينقل عنه المؤلف قوله: «اتصلت من هاتف مدفوع الأجر في بهو الفندق. ذلك أن خطر التنصت أقل مما هو في الغرفة. رفع أحدهم السماعة عند الرنّة الأولى وسأل بالفارسية عن المتحدّث.

فأجبت بالإنجليزية معتذرا بغموض وكأنني قد أخطأت بالرقم. فطلب مني المتكلم - بالإنجليزية هذه المرّة - الافصاح عمّن أكون. فقلت إنني صديق لجوزيف، وهل يعرف أحدا بهذا الاسم؟ فرجاني الانتظار. قلت لنفسي إنهم يحاولون الآن تحديد موقع الهاتف الذي أتحدّث منه وأنني ربما وقعت في الفخ. لكن شخصا ودودا قال لي أن اسمه جوزيف وأنه مسرور لاتصالي. وسألني إن كنت أعرف باريس. كان هو الشخص المقصود قلت لنفسي».

جرى اللقاء ظهر اليوم الثاني في أحد مقاهي بغداد. يقول بيكون عن اللقاء: قال لي جوزيف أنه مسرور لرؤيتي (...). وتحدث عن المطر والطقس الجميل (...). فهمت أنه ليس عميلا في جهاز مكافحة التجسس، فهدأت انفعالاتي، وقلت له أن أصدقائي مهتمون جدا بالسلعة التي تحدث عنها صديقه.

فأجابني: «سلمان ابن أخي. يعيش في باريس كنادل في مقهى. جميع الندل الجيدون غادروا». ثم اقترب من الطاولة وأضاف: «أنت هنا من أجل الميغ؟ أستطيع جلبها لك. لكن هذا كلفته مليون دولار».

ثم طلب العجوز عدم التحدث حيث هما، وحددا موعدا في أحد الأماكن العامة على ضفة الفرات في اليوم التالي. لم تغمض عينا «بيكون» تلك الليلة بسبب هاجس أن فخا قد نُصب له إمّا من قبل الاستخبارات العراقية وإمّا من قبل عصابة من المحتالين الدهاة.

قدّم له موعد اليوم الثاني إيضاحات أكثر عن شخصية جوزيف ودوافعه. إنه ينتمي في الأصل إلى عائلة يهودية فقيرة.

عمل عندما كان فتى لدى عائلة مارونية غنية صرفته من الخدمة بعد 30 سنة من العمل. فوجد نفسه في الشارع وعمره 50 سنة. واعتراه وهو بتلك الحالة الحنين إلى جذوره اليهودية.

عبّر عن رغبته تلك لأخته المدعوة مانو التي كان ابنها منير قائدا لطائرة مقاتلة في سلاح الطيران العراقي. فأخبرته مانو بأنها تحلم هي أيضا بالهجرة إلى إسرائيل. لكن كيف؟

بقيت الفكرة في ذهن جوزيف، وسمع منير يردد أمامه عدة مرّات أثناء الطعام أن رئيسه لا يكف عن القول بأن الإسرائيليين مستعدون لدفع مليون دولار من أجل إلقاء نظرة واحدة على طائرته. هكذا رسخ مبلغ المليون دولار في رأسه.

وفكر جوزيف بهجرة جماعية تترك الأسرة كلها في اطارها العراق دفعة واحدة. كان منير شديد التعلق بوالدته وعلى استعداد لفعل أي شيء من أجلها، وقد يقبل الفرار بطائرته.
  رد مع اقتباس
قديم 12/08/2006   #3
post[field7] dot
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ dot
dot is offline
 
نورنا ب:
May 2006
مشاركات:
3,276

افتراضي


أما بقية أفراد العائلة فيتكفل العملاء الإسرائيليون بذلك، وهم أصحاب خبرة كبيرة في هذا الميدان. وضمن هذا الإطار ذهب «سلمان» إلى السفارة الإسرائيلية بباريس.
«ومنير؟ هل هو على اطلاع؟» هكذا سأل بيكون فأجاب جوزيف: «بالتأكيد. وهو موافق على الهرب. لكنه يريد نصف المبلغ حالا والنصف الآخر قبيل الرحيل». اندهش بيكون، فكل ما سمعه بدا ممكنا وقابلا للتحقيق. لكن ينبغي عليه أولا تقديم تقريره إلى مائير أميت. سأل هذا الأخير بعد لقاء استمر نصف يوم كامل مع بيكون عند عودته وشرح خطة جوزيف كاملة. «لكن، أين يريد أن يتم الدفع؟»، «في أحد البنوك السويسرية».

فأردف أميت: «يبدو أن جوزيف هذا لاعب ماهر، وعندما نضع المال على الحساب لن نراه بعد ذلك. فما الذي يدفعك للثقة به؟» «أثق به، إذ ليس هناك خيار آخر. فأمر «أميت» بوضع نصف مليون دولار في بنك سويسري «كريدي سويس».كان الرهان دقيقا، وليس فقط على الصعيد المالي، إذ كان يعرف أنه لن يبقى على رأس الموساد إذا تكشف أن جوزيف محتال كما يتوقع بعض العاملين معه.

الميغ التي اختفت

أخطر أميت كلاً من بن غوريون وإسحاق رابين رئيس الأركان، فأعطيا الضوء الأخضر. فأخبرهما أميت أنه سوف يسحب جميع عملاء الموساد في العراق.

قال: «في حالة الفشل، ستكون رأسي وحدها التي ستطيح. لقد شكّلت خمسة فرق. الفريق الأول مسؤول عن الاتصال بين بغداد وبيني. والتعليمات الموجهة له تنص على التزام الصمت الكامل إلا في حالة وقوع أزمة كبيرة. بتعبير آخر لم أكن أريد التحدث عن هذا الفريق تحت أية حجة كانت.

وكان على الفريق الثاني الذهاب إلى بغداد دون أن يكون أحد على علم بذلك، لا بيكون ولا عناصر الفريق الأول، فعلا لا أحد. وتمثلت مهمته في إخراج بيكون إذا حدث خلل وأيضا جوزيف إذا أمكن ذلك. والفريق الثالث مهمته أن لا تغيب عائلة جوزيف عن ناظريه. والفريق الرابع مهمته جلاء المعنيين. وكان على الفريق الخامس تأمين الصلات مع واشنطن والأتراك.

كان ينبغي على طائرة الميغ اختراق الأجواء التركية بعد مغادرة العراق قبل أن تحط عندنا. وكان ينبغي على الأميركيين الذين يمتلكون قاعدة في شمال تركيا، دفع الأتراك للتعاون عبر القول لهم أن الطائرة موجهة إلى الولايات المتحدة. وكان قد تمّ إخباري بأن العراقيين، بدافع خشية هروب أحد طياريهم، لم يكونوا يملؤون خزانات وقود طائرات الميغ إلا نصفها. وهذا ما كان باستطاعتنا أن نفعل شيئا حياله». انطلقت العملية بعد ذلك. وحصل ابن عم جوزيف على السماح له بالخروج بحجة العلاج إلى جنيف. وعندما وصل إليها بعث ببطاقة بريدية إلى بغداد قال فيها: «المنشآت الصحية ممتازة، وأنا متأكد من أنني سوف أتوصل إلى الشفاء الكامل». كانت تلك هي الإشارة المتفق عليها للتأكيد أنه جرى ايداع مبلغ نصف المليون دولار الثاني في رقم الحساب المعني في سويسرا.

أعلن جوزيف، بعد أن اطمأن إلى وصول المبلغ كاملاً إلى الحساب السويسري، للعميل الإسرائيلي «بيكون» أن جميع أفراد أسرته جاهزين للسفر. فعشية المهمة الأخيرة التي كان منير سيقوم فيها للتدرب على طائرته المقاتلة قادهم جوزيف كلهم في موكب إلى أحد الجبال «للاستمتاع بعذوبة المناخ».

لم تعترض القوات العراقية المنتشرة على عدة حواجز في الطريق على ذلك، إذ كان من المألوف أن يهجر العديد من سكان العاصمة حرارتها الشديدة كل صيف للذهاب إلى الجبال.

استقبل فريق الاتصال الإسرائيلي الذي كان موجوداً في المناطق الكردية أفراد عائلة جوزيف الذين جرى اقتيادهم إلى منطقة أخرى حيث كانت تنتظرهم طائرة هليكوبتر تابعة للجيش التركي. وكانت الطائرات تخترق الحدود من دون أية صعوبات عبر طيرانها على ارتفاع منخفض جدا بحيث لا يمكن لأجهزة الرادار أن تكتشفها.

اتصل أحد عملاء الموساد بمنير كي يخطره بأن أخته قد ولدت طفلة وأن كل شيء تم على ما يرام، كانت تلك رسالة مشفرة جديدة تعني أن عملية ترحيل أفراد العائلة قد اكتملت تماما.

في صباح اليوم التالي الذي صادف الخامس عشر من شهر أغسطس 1966، ومع شروق الشمس أقلع منير بطائرته في مهمة اعتيادية. وما إن ابتعد عن القاعدة حتى زاد قوة محركات طائرته الميغ إلى أقصى حد ممكن وبلغ الحدود التركية قبل أن يتم اتخاذ أي إجراء ضده، بما في ذلك احتمال إسقاط طائرته.
ومع اجتيازه الحدود التركية رافقت طائرته عدة طائرات من طراز فانتوم تابعة للسلاح الجوي الأميركي. لقد حطّ منير بطائرته في إحدى القواعد التركية حيث جرى تزويدها بالوقود وأقلع من جديد، وعندها تلقى رسالة جديدة صريحة وغير مشفرة جاء فيها: «عائلتك في مكان آمن وسوف تلحق بهم بعد فترة قليلة». حطت طائرة الميغ-21 بعد ساعة في أحد المطارات العسكرية الإسرائيلية.
هكذا نجح جهاز الموساد في أن ينال شهرة على صعيد التجسس. كانت تلك مرحلة مفصلية في مسيرة هذا الجهاز الذي كان قد غدا ذا باع طويل في عالم العمليات السرية.
  رد مع اقتباس
قديم 12/08/2006   #4
post[field7] dot
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ dot
dot is offline
 
نورنا ب:
May 2006
مشاركات:
3,276

افتراضي


إسرائيل تنشر الجواسيس في المطارات العربية قبيل النكسة
جد القارئ نفسه هنا على موعد مع إضاءة لمنعطف بالغ الأهمية في مسيرة جهاز الموساد، بما في ذلك إعداد هذا الجهاز لحرب يونيو 1967 ضد العرب، وكيف أفلح في أن يجمع في آن بين التعاون الوثيق مع الأميركيين ومع مد الجسور نحو جهاز المخابرات السوفييتي العتيد، «الكي جي بي». وتبرز في الصورة أيضاً قصة سقوط عميلين بارزين من عملاء الجهاز هما إيلي كوهين وولفغانغ لوتز. أمضى مائير أميت خمس سنوات على رأس جهاز الموساد (1963-196 قام خلالها بزيارات سرية إلى العديد من العواصم العربية وغير العربية. ولم يكن هناك من يتجرأ على سؤاله عن مصادر معلوماته وموارده وطرق عمله.
استطاع الموساد في ظل إدارته جمع كمّ هائل من المعلومات، وجنّد الكثير من الجواسيس في أوروبا وإفريقيا والولايات المتحدة وفي العالم العربي، حيث استطاع عملاؤه اختراق جهاز الاستخبارات الأردني الذي كان يُنظر إليه كأفضل جهاز أمني عربي وكذلك جهاز الاستخبارات العسكرية السوري الذي يوصف بأنه الجهاز الأكثر انغلاقا.
وبعد وصول أميت بفترة قصيرة إلى إدارة الموساد أمر بتعميم مذكرة على مختلف أقسام جهازه كان قد سرقها أحد عملائه من مكتب رئيس منظمة التحرير الفلسطينية آنذاك ياسر عرفات.
ومما جاء فيها: «يمتلك الموساد ملفا عن كل منّا. إنه يعرف أسماءنا وعناويننا. وتوجد فيه صورتان إحداهما لنا ونحن حاسرو الرؤوس والثانية ونحن نلبس الكوفية. وبالتالي لا يجد جواسيس الموساد صعوبة في رصدنا في أي مكان ولو كنّا بالزي المدني».
ويشير مؤلف هذا الكتاب إلى الدور الذي لعبه المخبرون الذين جنّدهم مائير أميت في الارشاد إلى مخابئ أسلحة منظمة التحرير وعلى أعضائها. وتفيد المعلومات التي يقدمها أنه مع اقتراب حرب 1967 كان للموساد مخبرون في جميع القواعد الجوية والقيادات العسكرية العامة.
وكان أميت يهتم بأبسط التفاصيل مثل «معرفة المسافة التي يقطعها طيار من موقع عمله ومكان تناول طعامه؟ وكم من الوقت يمضي أحد ضباط الأركان مثلا كل يوم في ازدحام السير بمدينة القاهرة؟ وهل لهذا الضابط القيادي خليلة؟».
وكانت «خلية الحرب النفسية داخل جهاز الموساد» تعمل باستمرار من أجل جمع ملفات حول الطيارين العرب والفرق العاملة على الأرض وأعضاء القيادات وكفاءاتهم وآليات ترقيتهم وميلهم نحو الكحول ونزوعهم الجنسي.
وكان أميت يدرس تلك الملفات بعناية حتى ساعة متأخرة في الليل أحيانا بحثا عن «الأكثر هشاشة» أمام الضغوط أو الوعود. هكذا استقبلت العديد من العائلات رسائل مجهولة المصدر تتحدث عن عادات وممارسات ابن أو زوج. وبمقدار ما كان يتم زرع البلبلة كان فرح مائير أميت كبيرا.


حديث النكسة

يشير المؤلف إلى أن مائير أميت حدد، بالاعتماد على المعلومات التي جمعها خلال فترة طويلة، لمسؤولي الطيران الإسرائيلي الساعات الأفضل للقيام بغارات خاطفة على القواعد الجوية المصرية في عام 1967. وشدد على أنه ما بين الساعة السابعة والنصف والسابعة والدقيقة الخامسة والأربعين صباحا تكون وحدات رقابة الرادار في أقصى مستوى من حيث هشاشتها.
فالفريق الليلي يكون في غاية الإنهاك بعد ساعات العمل الطويلة والفريق النهاري لا يكون شديد الحذر فضلا عن تأخر أفراده غالبا في تناول الطعام. أما الطيارون فكانوا يتناولون إفطارهم ما بين الساعة السابعة والربع والسابعة وخمس وأربعين دقيقة. ثم يتوجهون بعد ذلك إلى مواقع عملهم لارتداء زي الطيران.
تستغرق هذه العملية حوالي عشر دقائق، ويضيع أغلبهم عدة دقائق إضافية في الحمّام قبل الوصول إلى حيث توجد طائراتهم في ملاجئها. هكذا يكونون على استعداد للبداية «الرسمية» لعملهم عند الساعة الثامنة صباحا.
عندها تقوم الفرق الأرضية بإخراج الطائرات من الملاجئ لتزويدها بالوقود وتسليحها. وخلال ربع ساعة تتزاحم حول الطائرات شاحنات الصهاريج وعربات نقل الذخائر.
وبالطريقة نفسها جرى الاستخبار الدقيق عن ضباط القيادات العليا الذين لا يكونون في مكاتبهم إلا في حوالي الساعة الثامنة والربع صباحا، أما الضابط المسؤول عن إصدار القرارات فلا ينكب جديا على مراقبة حركة العمل في القواعد إلا حوالي الساعة الثامنة والنصف.
ونتيجة هذه التوصيفات كلها شرح مائير أميت أن أفضل توقيت لقيام الطائرات الإسرائيلية بغارة خاطفة على القواعد المصرية هي ما بين الساعة الثامنة والثامنة والنصف صباحا.
وفي صبيحة الخامس من يونيو 1967 قامت الطائرات الإسرائيلية بغاراتها على القواعد الجوية المصرية عند الساعة الثامنة ودقيقة واحدة وارتفعت أعمدة الدخان من شاحنات الصهاريج والطائرات التي انفجرت مع ذخيرتها. اعتبر «مائير أميت» أن عمل جهازه قد حدد وحده سير المعارك.
كان كل مجنّد جديد في صفوف الموساد يمضي ثلاث سنوات في تدريب مكثّف يخضع خلالها لمساءلات شديدة. وينتهي الأمر به ـ أو بها ـ في نهاية التدريب إلى استخدام الأسلحة وخاصة مسدس سباريتا عيار 22».
وكان العملاء يبدؤون عملهم عادة في الولايات المتحدة أو بريطانيا أو فرنسا أو ألمانيا. وكانت مهمتهم في نيويورك مثلا هي التغلغل في صفوف البعثات الدبلوماسية في منظمة الأمم المتحدة.
أما في واشنطن فقد كانت لهم مسؤولية إضافية هي «مراقبة» البيت الأبيض. وكان بعض العملاء يقومون بمهمات محددة في هذه المنطقة أو تلك حيث توجد توترات ثم يعودون بعد القيام بمهامهم.
وسّع مائير أميت كثيرا من مجال نشاطات الموساد إذ أضاف للجهاز إدارة لجمع المعلومات مكلّفة بالتجسس في الخارج وإدارة للعمل السياسي تتعاون بشكل وثيق مع الأجهزة «الصديقة» وعلى رأسها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وجهاز الاستخبارات البريطاني.
أمّا إدارة البحوث فقد جرى تقسيمها إلى 15 مكتبا يختص كل منها ببلد عربي. هذا بالإضافة إلى مكتب مختص بكل من الولايات المتحدة وكندا وأميركا اللاتينية وبريطانيا وأوروبا والاتحاد السوفييتي. ثم أضيفت لها بعد ذلك مكاتب مختصة بالصين وجنوب إفريقيا والفاتيكان.


سقوط كوهين

شكّل عملاء الموساد قوة جاهزة باستمرار لزرع الشقاق ومناخ عدم الثقة بين الدول العربية وبث إشاعات دعائية مشككة وتجنيد مخبرين تطبيقا لقاعدة «فرّق تسد» التي كان مائير أميت يؤمن بها تماما. وكان رجاله لا يترددون أحيانا في أن يتركوا خلفهم الدمار والموت. ويفتخر أميت بعميلين إسرائيليين كان وراء نشاطهما، وهما إيلي كوهين وولفغانغ لوتز. وكوهين من مواليد مدينة الإسكندرية بتاريخ 16 ديسمبر 1924. كان متدينا جدا مثل أسرته، وخرج من مصر في شهر ديسمبر 1956 بعد أزمة ثم حرب السويس في تلك السنة. وصل إلى حيفا لكنه أحس بالغربة فيها.
وجنّدته مصلحة الجاسوسية العسكرية الإسرائيلية عام 1957، ولم يعجبه عمله كمحلل فحاول الدخول إلى جهازالموساد لكن طلبه قوبل بالرفض.
وينقل المؤلف عن أميت قوله له: «لقد جرحه رفضنا بعمق. فترك الجيش وتزوج من فتاة عراقية اسمها نادية». عمل كوهين بعدها لمدة عامين في أحد مكاتب التأمين بتل أبيب.
  رد مع اقتباس
قديم 12/08/2006   #5
post[field7] dot
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ dot
dot is offline
 
نورنا ب:
May 2006
مشاركات:
3,276

افتراضي


وفي عملية تفحص لملفات «المرشحين المرفوضين» إثر بحث مائير أميت عن «نموذج خاص لعميل من أجل مهمة خاصة جدا هي الأخرى» لم يجد الشخص المطلوب بين عناصره فأعاد النظر في ملفات المرفوضين. وبدا له أن «كوهين» يمثل أفضل الإمكانيات المتوفرة. فبوشرت مراقبته سرا في الحال.
أشارت تقارير جهاز الموساد الأسبوعية إلى رتابة عاداته وتعلقه بزوجته وأطفاله. وكان الرأي النهائي به من قبل أميت أنه «صالح للخدمة».
أمضى كوهين دورة تدريبية مكثفة لمدة ستة أشهر في مدرسة الموساد. وعلّمه خبراء كيف يتعامل مع المتفجرات والقنابل الموقوتة وصناعتها من أبسط الأشياء، وتحوّل إلى قناص جيّد. وتعلم فك رموز الرسائل المشفرة وأيضا كتابتها، واستخدام جهاز البث اللاسلكي. أظهر كفاءات عالية وذاكرة قوية.
ومع ذلك بقي مائير أميت مترددا وقال عن ذلك: «تساءلت مئة مرة إذا كان إيلي صالحا بالفعل للقيام بما كنت أنتظره منه. وكنت بالطبع أُظهر له باستمرار ثقتي الكاملة به.
ولم أكن أريد خاصة أن يلاحظ خلال مهمته أنه مهدد باستمرار. ثم قلت لنفسي أن أفضل العقول في الموساد قدّموا له معارفهم وخبراتهم، وقررت القيام بالمحاولة».
وتقرر بعد تحضيرات عديدة ومعمقة ذهاب إيلي كوهين باسم جديد هو كامل أمين ثابت إلى بيونس ايريس في الأرجنتين بصفة تاجر يجيد لغة المبادلات التجارية مع سورية.
وجاء على لسان مائير أميت: «لقد تفهّم بسرعة كل ما كان بحاجة إليه مثل الفرق بين الفواتير وبوالس الشحن وبين العقود والكفالات، الخ. لقد كان حرباء حقيقية. واختفى أمام ناظري إيلي كوهين ليبرز كامل أمين ثابت، ذلك السوري المقيم في الأرجنتين والذي لم يتخلّ أبدا عن حلمه القديم في العودة إلى دمشق.
تعززت ثقة إيلي بنفسه يوما بعد يوم واستعجل الدخول في العملية وإثبات نجاحه في لعب الدور المطلوب منه. لقد فعلنا أفضل ما نستطيع لتعليمه إيقاع حياته الجديدة. والباقي عليه. كنا نعرف ذلك جميعا. ورحل من دون ضجة تاركا إسرائيل بشكل سري مثل جميع الجواسيس».
وجد كوهين بسرعة مكانة مرموقة في عالم الأعمال بالعاصمة السورية، وبالتالي تعرّف على العديد من الأصدقاء في المراكز العليا بالحكومة. ولم يتردد في المزايدة بالقول ان سوريا لن تقهر في مواجهة «العدو الصهيوني»، هكذا جرى اصطحابه مع وفد من الزائرين إلى هضبة الجولان السورية للاطلاع على التحصينات العسكرية فيها.
وهناك رأى بأم عينيه المخابئ التي توجد فيها المدافع طويلة المدى التي زوّدت روسيا بها سورية. بل وسُمح له بالتقاط صور. وكان كوهين قد أخبر تل أبيب بوصول دبابات ت-54 إلى سوريا بعد عدة ساعات فقط من استلامها. بل استطاع التوصل إلى خطة كاملة للإستراتيجية السورية الخاصة بشمال فلسطين المحتلة. كانت تلك معلومات لا تقدّر بثمن.
كان كوهين يعادل بنظر مائير أميت فرقة مدفعية كاملة. لكنه أخذ عليه تهوره قليلا. فمثلا كان مولعاً جداً بكرة القدم وغداة هزيمة الفريق الإسرائيلي خرق القاعدة الأكثر حزما في الاتصالات السرية إذ بعث إلى المسؤول عن الاتصال به رسالة تقول: «ربما أنه قد آن الأوان لنتعلم كيف نكسب أيضا في ملاعب كرة القدم». ثم تبع ذلك برسالة أخرى جاء فيها: «أتمنى عيد ميلاد سعيد لزوجتي» ثم «أتمنى عيد ميلاد سعيد لابنتي».
أعرب مائير أميت عن غضبه من سلوك جاسوسه قبل أن يردف: «إنها إحدى الإساءات المؤقتة التي تبدو في بعض اللحظات حتى لدى الأفضل» ثم أضاف: «كنت أسعى كي أضع نفسي في مكانه.
فهل كان بصدد فقدان الأمل؟ وهل كان يحاول إظهار ذلك عبر التقليل من الحذر؟ لقد أعدت في رأسي الحكاية كلها. وأخذت باعتباري مئة عامل وعامل. لكن في النهاية كان هناك عامل واحد له قيمة حقيقية وهو: هل كان لا يزال مؤهّلا للاستمرار في القيام بمهمته؟
كانت إجابة مائير أميت هي «نعم». لكن ذات مساء من يناير 1965، كان إيلي كوهين في غرفته بدمشق يستعد للقيام بعملية اتصال عبر جهاز الإرسال. وفي لحظة البدء بالإرسال وجد نفسه محاطا برجال مكافحة الجاسوسية السوريين.
بعد أن كان قد جرى التقاط مراسلاته من قبل وحدة متحركة مجهّزة بأعتدة سوفييتية كانت هي الأكثر تقدما في العالم آنذاك. طلب منه رجال الأمن السوري بث رسالة محددة للموساد. لكن فهم «أميت» من تغير نبرة الصوت أن إيلي كوهين سقط بيد السوريين الذين أعلنوا الخبر بعد يومين.
قال أميت: «اعتراني الإحساس أنني فقدت أحد أفراد أسرتي. وفي مثل هذه الحالات يطرح الإنسان على نفسه أسئلة مثل: ألم يكن ممكنا إنقاذه؟ كيف أمكن رصده؟ هل ارتكب حماقة؟ هل أوشى به أحد المقرّبين؟ هل كان يتمنى اكتشاف أمره في لا وعيه؟ مثل هذا الأمر قد يحصل أحيانا، أم كان الأمر يتعلق بمجرد سوء حظ؟ تبقى الإجابات غائبة، لكن يبقى التساؤل وسيلة لتخطي الأزمات».
لم يبح إيلي كوهين بشيء. وحاول مائير أميت إنقاذ حياته. وكان وراء الحملة الدولية التي أطلقتها زوجته نادية كوهين للدفاع عن زوجها حيث قابلت بابا الفاتيكان وملكة بريطانيا وعدداً آخر من رؤساء الدول.
وسافر أميت إلى أوروبا حيث قابل رؤساء الأجهزة السرية الألمانية والفرنسية الذين لم يستطيعوا عمل شيء. بل وقام باتصالات غير رسمية مع الاتحاد السوفييتي. وتابع مساعيه حتى يوم 18 مايو 1965 عندما خرجت من سجن المزّة العسكري بالقرب من دمشق سيارة عند الساعة الثانية صباحا وعلى متنها إيلي كوهين. كانت الوجهة هي ساحة المرجة حيث نُصبت مشنقة علّقوا فيها إيلي كوهين أمام أنظار الآلاف من السوريين وعدسات التلفزيون.


حكاية لوتز


الجاسوس الآخر الذي استولى على اهتمام مائير هو وولفغانغ لوتز اليهودي الألماني الذي وصل إلى فلسطين خلال سنوات الثلاثينات من القرن العشرين.
اختاره الموساد في قائمة من المرشحين للقيام بعمليات تجسس في مصر التي دخلها بصفة ألماني شرقي كان قد خدم في صفوف القوات الألمانية في إفريقيا خلال الحرب العالمية الثانية ولذلك قرر العودة إلى مصر التي كان قد عرفها لممارسة العمل التجاري.
بعد عامين من النشاط التجسسي اكتشفت الأجهزة المصرية الجاسوس الإسرائيلي وحُكم عليه بالسجن ربما كي يتم تبادله مع أسرى مصريين في حالة قيام حرب. حاول أميت التمكن من إطلاق سراحه بشتى الطرق. واقترحت إسرائيل مبادلة لوتز وزوجته بجميع سجناء الحرب المصريين الموجودين في السجون الإسرائيلية.
لكن الرئيس المصري جمال عبد الناصر رفض الاقتراح. فلجأ مائير أميت إلى ممارسة الضغوط النفسية. قال: «أفهمت السجناء المصريين أن بقاءهم في السجون الإسرائيلية يعود إلى رفض عبد الناصر إعادة شخصين إسرائيليين. وسُمح لهم بالكتابة إلى ذويهم، لكن هذا كله بقي دون أي صدى».
ثم تقدم أميت باقتراح آخر هو إظهار الأمر وكأنه انتصار علني للرئيس المصري من دون ذكر أية كلمة عن إطلاق سراح لوتز وزوجته.
  رد مع اقتباس
قديم 12/08/2006   #6
post[field7] dot
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ dot
dot is offline
 
نورنا ب:
May 2006
مشاركات:
3,276

افتراضي


وفي عملية تفحص لملفات «المرشحين المرفوضين» إثر بحث مائير أميت عن «نموذج خاص لعميل من أجل مهمة خاصة جدا هي الأخرى» لم يجد الشخص المطلوب بين عناصره فأعاد النظر في ملفات المرفوضين. وبدا له أن «كوهين» يمثل أفضل الإمكانيات المتوفرة. فبوشرت مراقبته سرا في الحال. أشارت تقارير جهاز الموساد الأسبوعية إلى رتابة عاداته وتعلقه بزوجته وأطفاله. وكان الرأي النهائي به من قبل أميت أنه «صالح للخدمة».
أمضى كوهين دورة تدريبية مكثفة لمدة ستة أشهر في مدرسة الموساد. وعلّمه خبراء كيف يتعامل مع المتفجرات والقنابل الموقوتة وصناعتها من أبسط الأشياء، وتحوّل إلى قناص جيّد. وتعلم فك رموز الرسائل المشفرة وأيضا كتابتها، واستخدام جهاز البث اللاسلكي. أظهر كفاءات عالية وذاكرة قوية.
ومع ذلك بقي مائير أميت مترددا وقال عن ذلك: «تساءلت مئة مرة إذا كان إيلي صالحا بالفعل للقيام بما كنت أنتظره منه. وكنت بالطبع أُظهر له باستمرار ثقتي الكاملة به.
ولم أكن أريد خاصة أن يلاحظ خلال مهمته أنه مهدد باستمرار. ثم قلت لنفسي أن أفضل العقول في الموساد قدّموا له معارفهم وخبراتهم، وقررت القيام بالمحاولة».
وتقرر بعد تحضيرات عديدة ومعمقة ذهاب إيلي كوهين باسم جديد هو كامل أمين ثابت إلى بيونس ايريس في الأرجنتين بصفة تاجر يجيد لغة المبادلات التجارية مع سورية.
وجاء على لسان مائير أميت: «لقد تفهّم بسرعة كل ما كان بحاجة إليه مثل الفرق بين الفواتير وبوالس الشحن وبين العقود والكفالات، الخ. لقد كان حرباء حقيقية. واختفى أمام ناظري إيلي كوهين ليبرز كامل أمين ثابت، ذلك السوري المقيم في الأرجنتين والذي لم يتخلّ أبدا عن حلمه القديم في العودة إلى دمشق.
تعززت ثقة إيلي بنفسه يوما بعد يوم واستعجل الدخول في العملية وإثبات نجاحه في لعب الدور المطلوب منه. لقد فعلنا أفضل ما نستطيع لتعليمه إيقاع حياته الجديدة. والباقي عليه. كنا نعرف ذلك جميعا. ورحل من دون ضجة تاركا إسرائيل بشكل سري مثل جميع الجواسيس».
وجد كوهين بسرعة مكانة مرموقة في عالم الأعمال بالعاصمة السورية، وبالتالي تعرّف على العديد من الأصدقاء في المراكز العليا بالحكومة. ولم يتردد في المزايدة بالقول ان سوريا لن تقهر في مواجهة «العدو الصهيوني»، هكذا جرى اصطحابه مع وفد من الزائرين إلى هضبة الجولان السورية للاطلاع على التحصينات العسكرية فيها.
وهناك رأى بأم عينيه المخابئ التي توجد فيها المدافع طويلة المدى التي زوّدت روسيا بها سورية. بل وسُمح له بالتقاط صور. وكان كوهين قد أخبر تل أبيب بوصول دبابات ت-54 إلى سوريا بعد عدة ساعات فقط من استلامها. بل استطاع التوصل إلى خطة كاملة للإستراتيجية السورية الخاصة بشمال فلسطين المحتلة. كانت تلك معلومات لا تقدّر بثمن.
كان كوهين يعادل بنظر مائير أميت فرقة مدفعية كاملة. لكنه أخذ عليه تهوره قليلا. فمثلا كان مولعاً جداً بكرة القدم وغداة هزيمة الفريق الإسرائيلي خرق القاعدة الأكثر حزما في الاتصالات السرية إذ بعث إلى المسؤول عن الاتصال به رسالة تقول: «ربما أنه قد آن الأوان لنتعلم كيف نكسب أيضا في ملاعب كرة القدم». ثم تبع ذلك برسالة أخرى جاء فيها: «أتمنى عيد ميلاد سعيد لزوجتي» ثم «أتمنى عيد ميلاد سعيد لابنتي».
أعرب مائير أميت عن غضبه من سلوك جاسوسه قبل أن يردف: «إنها إحدى الإساءات المؤقتة التي تبدو في بعض اللحظات حتى لدى الأفضل» ثم أضاف: «كنت أسعى كي أضع نفسي في مكانه.
فهل كان بصدد فقدان الأمل؟ وهل كان يحاول إظهار ذلك عبر التقليل من الحذر؟ لقد أعدت في رأسي الحكاية كلها. وأخذت باعتباري مئة عامل وعامل. لكن في النهاية كان هناك عامل واحد له قيمة حقيقية وهو: هل كان لا يزال مؤهّلا للاستمرار في القيام بمهمته؟
كانت إجابة مائير أميت هي «نعم». لكن ذات مساء من يناير 1965، كان إيلي كوهين في غرفته بدمشق يستعد للقيام بعملية اتصال عبر جهاز الإرسال. وفي لحظة البدء بالإرسال وجد نفسه محاطا برجال مكافحة الجاسوسية السوريين.
بعد أن كان قد جرى التقاط مراسلاته من قبل وحدة متحركة مجهّزة بأعتدة سوفييتية كانت هي الأكثر تقدما في العالم آنذاك. طلب منه رجال الأمن السوري بث رسالة محددة للموساد. لكن فهم «أميت» من تغير نبرة الصوت أن إيلي كوهين سقط بيد السوريين الذين أعلنوا الخبر بعد يومين.
قال أميت: «اعتراني الإحساس أنني فقدت أحد أفراد أسرتي. وفي مثل هذه الحالات يطرح الإنسان على نفسه أسئلة مثل: ألم يكن ممكنا إنقاذه؟ كيف أمكن رصده؟ هل ارتكب حماقة؟ هل أوشى به أحد المقرّبين؟ هل كان يتمنى اكتشاف أمره في لا وعيه؟ مثل هذا الأمر قد يحصل أحيانا، أم كان الأمر يتعلق بمجرد سوء حظ؟ تبقى الإجابات غائبة، لكن يبقى التساؤل وسيلة لتخطي الأزمات».
لم يبح إيلي كوهين بشيء. وحاول مائير أميت إنقاذ حياته. وكان وراء الحملة الدولية التي أطلقتها زوجته نادية كوهين للدفاع عن زوجها حيث قابلت بابا الفاتيكان وملكة بريطانيا وعدداً آخر من رؤساء الدول.
وسافر أميت إلى أوروبا حيث قابل رؤساء الأجهزة السرية الألمانية والفرنسية الذين لم يستطيعوا عمل شيء. بل وقام باتصالات غير رسمية مع الاتحاد السوفييتي. وتابع مساعيه حتى يوم 18 مايو 1965 عندما خرجت من سجن المزّة العسكري بالقرب من دمشق سيارة عند الساعة الثانية صباحا وعلى متنها إيلي كوهين. كانت الوجهة هي ساحة المرجة حيث نُصبت مشنقة علّقوا فيها إيلي كوهين أمام أنظار الآلاف من السوريين وعدسات التلفزيون.


حكاية لوتز

الجاسوس الآخر الذي استولى على اهتمام مائير هو وولفغانغ لوتز اليهودي الألماني الذي وصل إلى فلسطين خلال سنوات الثلاثينات من القرن العشرين. اختاره الموساد في قائمة من المرشحين للقيام بعمليات تجسس في مصر التي دخلها بصفة ألماني شرقي كان قد خدم في صفوف القوات الألمانية في إفريقيا خلال الحرب العالمية الثانية ولذلك قرر العودة إلى مصر التي كان قد عرفها لممارسة العمل التجاري.
بعد عامين من النشاط التجسسي اكتشفت الأجهزة المصرية الجاسوس الإسرائيلي وحُكم عليه بالسجن ربما كي يتم تبادله مع أسرى مصريين في حالة قيام حرب. حاول أميت التمكن من إطلاق سراحه بشتى الطرق. واقترحت إسرائيل مبادلة لوتز وزوجته بجميع سجناء الحرب المصريين الموجودين في السجون الإسرائيلية.
  رد مع اقتباس
قديم 12/08/2006   #7
post[field7] dot
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ dot
dot is offline
 
نورنا ب:
May 2006
مشاركات:
3,276

افتراضي


لكن الرئيس المصري جمال عبد الناصر رفض الاقتراح. فلجأ مائير أميت إلى ممارسة الضغوط النفسية. قال: «أفهمت السجناء المصريين أن بقاءهم في السجون الإسرائيلية يعود إلى رفض عبد الناصر إعادة شخصين إسرائيليين. وسُمح لهم بالكتابة إلى ذويهم، لكن هذا كله بقي دون أي صدى».
ثم تقدم أميت باقتراح آخر هو إظهار الأمر وكأنه انتصار علني للرئيس المصري من دون ذكر أية كلمة عن إطلاق سراح لوتز وزوجته.
رفض عبد الناصر هذا العرض الجديد. فلجأ الإسرائيليون إلى المسؤول عن عناصر الارتباط لدى الأمم المتحدة الذي سافر إلى القاهرة وحصل على وعد بـ «إطلاق سراح لوتز وزوجته» لاحقا. ثم بعد شهر «غادر لوتز وزوجته القاهرة إلى جنيف بأكبر قدر ممكن من السرية، وكانوا بعد ساعات في مكتبي»، كما صرّح أميت.
فهم مائير أميت سريعا أن عملاءه بحاجة إلى دعم لتنفيذ مهماتهم. هكذا شكل شبكة «سيانيم» أي المتطوعين اليهود للتعاون كل في مجاله. فمن يعمل منهم مثلا في وكالات للسفر يسهل تقديم سيارة لجواسيس الموساد من دون عراقيل؛ والمصرفي يقدم التسهيلات المالية المطلوبة؛ والطبيب قد يساهم بإخراج رصاصة من دون إعلام السلطات.
لم يكن مائير أميت يعترض، بالطبع، على محاولات التجسس لكنه كان يؤكد على ضرورة التخطيط الجيد لها. وكان قد أصرّ كذلك على إيجاد شبكة عالمية للصلات مع وسائل الإعلام التي كان يستخدمها ببراعة كبيرة.
فمثلا كان يتبع قيام أي اعتداء أو تفجير في أوروبا حدوث «تسريبات» إلى الصحافة بقصد إثارة مقالات في الاتجاه الذي يريده جهاز الموساد، بل والقيام بحملات التضليل الإعلامي إذا اقتضى الأمر ذلك.
وفي كل مرّة كان ينبغي «اختيار» أن تكون إسرائيل الهدف أو الضحية. وكان القرار يعود لاعتبارات سياسية محضة ترمي إلى تحويل الأنظار عن مناورة دبلوماسية تنوي إسرائيل القيام بها في الشرق الأوسط أو الحصول على التعاطف معها خاصة في الولايات المتحدة الأميركية.


بداية الانحطاط

ينقل مؤلف الكتاب عن مائير أميت قوله أن جهاز الموساد قد بدأ بالانحطاط منذ اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين في شهر نوفمبر من عام 1995، أثناء اجتماع جماهيري مؤيد للسلام. ويؤكد أميت، أثناء لقائه مؤخرا مع المؤلف، أن المدير العام للموساد «شاباتي شافيت» كان قد أخطر المقربين من رابين بإمكانية اقتراف عملية اغتيال. وقد قال أحد هؤلاء المقرّبين أن الإنذار كان غامضا إلى درجة «لا يمكن أن ينبئ معها أنه كان هناك تهديد حقيقي».
ميدان عمل الموساد هو الخارج، وكل عميل فيه ينبغي عليه المرور في المدرسة الخاصة للجهاز الموجودة بالقرب من تل أبيب. ومن الممنوع على وسائل الإعلام الإسرائيلية الكشف عن وجودها، تحت طائلة العقاب.
وقد ثارت ضجة كبيرة في تل أبيب عام 1996 عندما أفصحت صحيفة إسرائيلية عن اسم المدير العام للموساد «داني ياتوم». طالب البعض بضرورة ايداع الصحافي السجن، وليس وحده وإنما رئيس تحرير الصحيفة معه. لكن لم يتم ذلك بعد أن لاحظ مسؤولو جهاز الموساد أنفسهم أن العديد من الصحف العالمية كانت قد نشرت اسم ياتوم. وكان رأي أميت هو:
«إن الإفصاح عن اسم مدير الموساد وهو على رأس عمله أمر خطير جدا. والجاسوسية نشاط سري غالبا وغير مريح. وليس مهماً ما يفعله جاسوس وإنما تنبغي حمايته. وتمكن معاملته بقسوة داخل الجهاز ولكن على مستوى الخارج يجب عدم المساس به بل ينبغي أن يبقى مجهولا».
كان اسم «مائير أميت» المتعارف عليه عندما كان رئيسا للموساد هو «رام». وكان على اقتناع بأنه ينبغي تحقيق مقولة «إسرائيل الكبرى». كان قد انخرط في صفوف الجيش وعمل قائدا لكتيبة مدة عامين في ظل قيادة موشي ديان.
ووصل بعد ذلك إلى مرتبة قائد عمليات الجيش، أي الشخصية الثانية في القوات المسلحة الإسرائيلية. ترك صفوف الجيش إثر خلل في عمل مظلته أثناء إحدى القفزات. فسافر إلى أميركا للدراسة في جامعة كولومبيا. وبعد عودته عرض عليه موشي ديان رئاسة الاستخبارات العسكرية، ثم خلف إيسر هاريل في رئاسة الموساد بتاريخ 25 مارس 1963.
ومائير أميت هو الذي شرع بانتهاج سياسة اغتيال أعداء الموساد. وهو الذي أقام علاقات سرية مع جهاز الكي.جي.بي السوفييتي وهو الذي زاد من إيقاع استخدام النساء في الجاسوسية وقيامهن بدور «الطعم» أحيانا، الأمر الذي لم يكن بعيدا عن ولوج العديد من الدوائر. وكان يصف دائما طريقة عمله بالقول: «هذا سر، إنه سرّي».
ترك مائير اميت إدارة جهاز الموساد عام 1968، ليعيش بعدها في أحد أحياء تل أبيب، ولا يعرف ماضيه سوى أفراد أسرته المقربين، وهو لا يزال يحرص على أن يبقى بعيدا عن الأنظار. وقد طبّق حتى بعد تركه لإدارة الموساد بسنوات طويلة نفس المبدأ الذي كان يردده وهو أن «الجاسوسية مسألة ذكاء وليست مسألة عضلات».
ويبقى خصمه الأول والأخير هم العرب. وكان مائير أميت قد غادر إدارة جهاز الموساد بكل هدوء. وفي اليوم الأخير استدعى المتعاونين معه في إدارة الجهاز وقال لهم مرّة أخيرة إذا كان العمل في الموساد يطرح عليهم إشكالية أخلاقية فما عليهم سوى أن يتركوه على الفور. كانت تلك هي آخر كلماته لهم قبل أن يصافحهم مغادراً المقر من دون عودة إليه.
كانت هناك، في الواقع، أزمة تلوح في أفق العلاقات بين الموساد وأجهزة الاستخبارات الأميركية وتهدد ذلك التحالف القائم بينهما آنذاك، وبدا أنه قد تكون لها نتائج وخيمة بالنسبة لإسرائيل.
كان في قلب تلك الأزمة أحد العملاء الذين عملوا تحت أمرة مائير أميت، وهو عميل، ليس كالآخرين، إذ نال شهرة بعد تخطيطه وتنفيذه لعملية اختطاف المسؤول النازي السابق أدولف إيخمان من الأرجنتين وإعادته إلى إسرائيل حيث حوكم وأعدم، الشخص المقصود هنا اسمه رافائيل إيتان، الشهير بـ «رافي».
  رد مع اقتباس
قديم 12/08/2006   #8
post[field7] dot
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ dot
dot is offline
 
نورنا ب:
May 2006
مشاركات:
3,276

افتراضي


لكن الرئيس المصري جمال عبد الناصر رفض الاقتراح. فلجأ مائير أميت إلى ممارسة الضغوط النفسية. قال: «أفهمت السجناء المصريين أن بقاءهم في السجون الإسرائيلية يعود إلى رفض عبد الناصر إعادة شخصين إسرائيليين. وسُمح لهم بالكتابة إلى ذويهم، لكن هذا كله بقي دون أي صدى».


ثم تقدم أميت باقتراح آخر هو إظهار الأمر وكأنه انتصار علني للرئيس المصري من دون ذكر أية كلمة عن إطلاق سراح لوتز وزوجته.

رفض عبد الناصر هذا العرض الجديد. فلجأ الإسرائيليون إلى المسؤول عن عناصر الارتباط لدى الأمم المتحدة الذي سافر إلى القاهرة وحصل على وعد بـ «إطلاق سراح لوتز وزوجته» لاحقا. ثم بعد شهر «غادر لوتز وزوجته القاهرة إلى جنيف بأكبر قدر ممكن من السرية، وكانوا بعد ساعات في مكتبي»، كما صرّح أميت.

فهم مائير أميت سريعا أن عملاءه بحاجة إلى دعم لتنفيذ مهماتهم. هكذا شكل شبكة «سيانيم» أي المتطوعين اليهود للتعاون كل في مجاله. فمن يعمل منهم مثلا في وكالات للسفر يسهل تقديم سيارة لجواسيس الموساد من دون عراقيل؛ والمصرفي يقدم التسهيلات المالية المطلوبة؛ والطبيب قد يساهم بإخراج رصاصة من دون إعلام السلطات.

لم يكن مائير أميت يعترض، بالطبع، على محاولات التجسس لكنه كان يؤكد على ضرورة التخطيط الجيد لها. وكان قد أصرّ كذلك على إيجاد شبكة عالمية للصلات مع وسائل الإعلام التي كان يستخدمها ببراعة كبيرة.

فمثلا كان يتبع قيام أي اعتداء أو تفجير في أوروبا حدوث «تسريبات» إلى الصحافة بقصد إثارة مقالات في الاتجاه الذي يريده جهاز الموساد، بل والقيام بحملات التضليل الإعلامي إذا اقتضى الأمر ذلك.

وفي كل مرّة كان ينبغي «اختيار» أن تكون إسرائيل الهدف أو الضحية. وكان القرار يعود لاعتبارات سياسية محضة ترمي إلى تحويل الأنظار عن مناورة دبلوماسية تنوي إسرائيل القيام بها في الشرق الأوسط أو الحصول على التعاطف معها خاصة في الولايات المتحدة الأميركية.

بداية الانحطاط

ينقل مؤلف الكتاب عن مائير أميت قوله أن جهاز الموساد قد بدأ بالانحطاط منذ اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين في شهر نوفمبر من عام 1995، أثناء اجتماع جماهيري مؤيد للسلام.

ويؤكد أميت، أثناء لقائه مؤخرا مع المؤلف، أن المدير العام للموساد «شاباتي شافيت» كان قد أخطر المقربين من رابين بإمكانية اقتراف عملية اغتيال. وقد قال أحد هؤلاء المقرّبين أن الإنذار كان غامضا إلى درجة «لا يمكن أن ينبئ معها أنه كان هناك تهديد حقيقي».

ميدان عمل الموساد هو الخارج، وكل عميل فيه ينبغي عليه المرور في المدرسة الخاصة للجهاز الموجودة بالقرب من تل أبيب. ومن الممنوع على وسائل الإعلام الإسرائيلية الكشف عن وجودها، تحت طائلة العقاب.

وقد ثارت ضجة كبيرة في تل أبيب عام 1996 عندما أفصحت صحيفة إسرائيلية عن اسم المدير العام للموساد «داني ياتوم». طالب البعض بضرورة ايداع الصحافي السجن، وليس وحده وإنما رئيس تحرير الصحيفة معه. لكن لم يتم ذلك بعد أن لاحظ مسؤولو جهاز الموساد أنفسهم أن العديد من الصحف العالمية كانت قد نشرت اسم ياتوم. وكان رأي أميت هو:

«إن الإفصاح عن اسم مدير الموساد وهو على رأس عمله أمر خطير جدا. والجاسوسية نشاط سري غالبا وغير مريح. وليس مهماً ما يفعله جاسوس وإنما تنبغي حمايته. وتمكن معاملته بقسوة داخل الجهاز ولكن على مستوى الخارج يجب عدم المساس به بل ينبغي أن يبقى مجهولا».

كان اسم «مائير أميت» المتعارف عليه عندما كان رئيسا للموساد هو «رام». وكان على اقتناع بأنه ينبغي تحقيق مقولة «إسرائيل الكبرى». كان قد انخرط في صفوف الجيش وعمل قائدا لكتيبة مدة عامين في ظل قيادة موشي ديان.

ووصل بعد ذلك إلى مرتبة قائد عمليات الجيش، أي الشخصية الثانية في القوات المسلحة الإسرائيلية. ترك صفوف الجيش إثر خلل في عمل مظلته أثناء إحدى القفزات. فسافر إلى أميركا للدراسة في جامعة كولومبيا. وبعد عودته عرض عليه موشي ديان رئاسة الاستخبارات العسكرية، ثم خلف إيسر هاريل في رئاسة الموساد بتاريخ 25 مارس 1963.

ومائير أميت هو الذي شرع بانتهاج سياسة اغتيال أعداء الموساد. وهو الذي أقام علاقات سرية مع جهاز الكي.جي.بي السوفييتي وهو الذي زاد من إيقاع استخدام النساء في الجاسوسية وقيامهن بدور «الطعم» أحيانا، الأمر الذي لم يكن بعيدا عن ولوج العديد من الدوائر. وكان يصف دائما طريقة عمله بالقول: «هذا سر، إنه سرّي».

ترك مائير اميت إدارة جهاز الموساد عام 1968، ليعيش بعدها في أحد أحياء تل أبيب، ولا يعرف ماضيه سوى أفراد أسرته المقربين، وهو لا يزال يحرص على أن يبقى بعيدا عن الأنظار. وقد طبّق حتى بعد تركه لإدارة الموساد بسنوات طويلة نفس المبدأ الذي كان يردده وهو أن «الجاسوسية مسألة ذكاء وليست مسألة عضلات».

ويبقى خصمه الأول والأخير هم العرب. وكان مائير أميت قد غادر إدارة جهاز الموساد بكل هدوء. وفي اليوم الأخير استدعى المتعاونين معه في إدارة الجهاز وقال لهم مرّة أخيرة إذا كان العمل في الموساد يطرح عليهم إشكالية أخلاقية فما عليهم سوى أن يتركوه على الفور. كانت تلك هي آخر كلماته لهم قبل أن يصافحهم مغادراً المقر من دون عودة إليه.

كانت هناك، في الواقع، أزمة تلوح في أفق العلاقات بين الموساد وأجهزة الاستخبارات الأميركية وتهدد ذلك التحالف القائم بينهما آنذاك، وبدا أنه قد تكون لها نتائج وخيمة بالنسبة لإسرائيل.

كان في قلب تلك الأزمة أحد العملاء الذين عملوا تحت أمرة مائير أميت، وهو عميل، ليس كالآخرين، إذ نال شهرة بعد تخطيطه وتنفيذه لعملية اختطاف المسؤول النازي السابق أدولف إيخمان من الأرجنتين وإعادته إلى إسرائيل حيث حوكم وأعدم، الشخص المقصود هنا اسمه رافائيل إيتان، الشهير بـ «رافي».
  رد مع اقتباس
قديم 12/08/2006   #9
post[field7] dot
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ dot
dot is offline
 
نورنا ب:
May 2006
مشاركات:
3,276

افتراضي


الإسرائيليون يخدعون المفتشين الأميركيين في صحراء النقب

ينتقل المؤلف هنا إلى موضوعين على جانب كبير من الأهمية، أولهما مساهمة الموساد في تحويل مفاعل ديمونة من مشروع يحظى بحماس ديفيد بن غوريون إلى أمر واقع، والثاني توظيف عملاء الموساد للاغتيال كأداة للحركة السياسية، بما في ذلك اغتيال القائد الفلسطيني خليل الوزير والمناضل فتحي الشقاقي والعالم الكندي جيرالد بول ومحاولة أغتيال خالد مشعل، ثم يفتح المؤلف الباب أمام حشد من علامات الاستفهام حول اغتيال اسحق رابين، تثير الشكوك في الرواية الرسمية لمقتل رابين.
شاعت لسنوات طويلة مقولة أن إسرائيل لديها ما وصف بأنه «أفضل جيش نظامي» في منطقة الشرق الأوسط. ولكن لم يكن ديفيد بن غوريون مكتفيا بذلك، وإنما أصدر الأوامر ببناء مفاعل ذري في صحراء النقب بالقرب من ديمونة.عمل في ذلك المفاعل 2500 عالم وتقني. وصمم المهندسون منشأة على عمق 25 متراً تحت الأرض لوضع المفاعل في قلب مختبر هائل «ماخون-2». ويقوم عمل هذا المختبر على نظام فصل وإعادة معالجة المواد المشعّة، وكان قد جرى استيراده من فرنسا تحت تسمية رسمية هي «آلات لصناعة النسيج». لم يكن مفاعل ديمونة وحده كافياً لتزويد إسرائيل بالقنبلة النووية، بل كان لابد من توفير المادة الانشطارية، أي اليورانيوم المخصّب أو البلوتونيوم. لكن القوى النووية القليلة آنذاك وقّعت معاهدة التزمت من خلالها بعدم تزويد أي بلد بغرام واحد من المواد القابلة للانشطار التي كان مفاعل ديمونة بدونها منشأة غير عملية.بعد ثلاثة أشهر من نصب المفاعل ف1تحت مؤسسة صغيرة لإعادة معالجة المواد المشعّة أبوابها في معمل قديم للحديد في ابوللو ببنسلفانيا.
حملت هذه المؤسسة اسم شركة نوميك للمواد النووية وتجهيزاتها. كان مديرها العام هو سلمان شابيرو الذي كان اسمه على القوائم التي أعدّها رافائيل إيتان لليهود الأميركيين الأكثر نفوذا في المجال العلمي، كما كان اسمه موجودا على قائمة دافعي الأموال «الأكثر كرماً» لإسرائيل. كان ذلك إذن هو المدخل إلى الصناعة النووية الأميركية عن طريق شابيرو هذا، ابن الحاخام، الحاصل على شهادة الدكتوراه في الكيمياء من جامعة جون هوبكنز.
لم يبد أن الإدارة الأميركية كانت متحمسة آنذاك لحصول إسرائيل على السلاح النووي. وينقل المؤلف أن رسالة وجهها الرئيس الأميركي جون كنيدي في فبراير 1961 إلى دافيد بن غوريون يطلب فيها وضع مفاعل ديمونة في خطط التفتيش المنتظمة التي تقوم بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهذا ما اعتبره بن غوريون بمثابة «ضغط أميركي» بل وقال: «إن وجود كاثوليكي في البيت الأبيض ليس أمرا جيدا بالنسبة لإسرائيل». وطلب بن غوريون بعدها مساعدة رجل يثق به في واشنطن هو أبراهام فينبيرغ، الصهيوني المتزمت والمؤيد للتطلعات النووية لإسرائيل.
كان فينبيرغ من أغنى اليهود في الحزب الديمقراطي. ولم يكن يخفى القول أنه إذا كان قد تبرع بمليون دولار لحزب كنيدي، فإنما كان ذلك من أجل الدفاع عن قضايا إسرائيل في الكونغرس. وكانت طريقته المفضلة في العمل هي ممارسة الضغط السياسي المباشر، وقد قال صراحة لكنيدي عندما كان مرشحا: «نحن مستعدون لدفع قيمة فواتيرك إذا تركتنا نشرف على سياستك في منطقة الشرق الأوسط»، يومها اكتفى كنيدي بوعد «منح إسرائيل جميع التنازلات الممكنة».
فدفع فينبيرغ 000 500 دولار ك«بداية». كان العرض واضحا وهو أنه إذا كان الرئيس الأميركي يصر على متابعة المطالبة بتفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمفاعل «ديمونة» فإنه «عليه أن لا يعتمد على الدعم المالي لليهود خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة». ووجد فينبيرغ دعما مهما لدى وزير الخارجية الأميركي آنذاك روبت مكنمارا الذي قال للرئيس أنه يتفهم «رغبة إسرائيل في امتلاك القنبلة الذرية».
أصرّ كنيدي على موقفه وتوجب على بن غوريون قبول مبدا القيام بجولة تفتيشية. لكن كنيدي قدّم في الدقيقة الأخيرة تنازلين مهمين. فمقابل السماح بالدخول إلى مفاعل ديمونة تقوم الولايات المتحدة ببيع الدولة العبرية صواريخ أرض ـ جو من طراز هاواك. أي سلاح الدفاع الأميركي الأكثر كفاءة في عصره. ثم إن عملية التفتيش لن تجري من قبل تقنيي الوكالة الدولية للطاقة الذرية وإنما من قبل فريق أميركي حصرا وبعد برمجة الزيارة بعدة أسابيع مقدّما.
لقد خدع الإسرائيليون المفتشين الأميركيين وبنوا فوق مفاعل ديمونة الحقيقي مركزا للمراقبة كي يدفعوا أولئك المفتشين للاعتقاد أن الأمر يتعلق فعلا بمفاعل يرمي إلى تحويل صحراء النقب إلى فردوس أخضر. أمّا القسم الذي كان يتم تزويده ب«الماء الثقيل» الآتي من فرنسا والنرويج فلم يسمحوا بتفتيشه ل«أسباب أمنية». وكان يكفي للتقنيين أن يلقوا نظرة على محتوى الأوعية كي يفهموا ما فيها. وعندما وصل الأميركيون اكتشف الإسرائيليون أنه ليس فيهم من يتحدث اللغة العبرية، مما كان يقلل من حظوظ إمكانية اكتشافهم للأهداف الحقيقية لمفاعل «ديمونة».
في تلك الأثناء وافقت السلطات الأميركية على طلب تقدّمت به السفارة الإسرائيلية في واشنطن للجنة الطاقة الذرية من أجل السماح ل«مجموعة من العلماء بزيارة شركة نوميك من أجل أن يفهموا بشكل أفضل أسباب قلق المفتشين الأميركيين في ميدان معالجة النفايات النووية». ومع الموافقة على ذلك الطلب أخذ مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي ما ينبغي للمراقبة ولمعرفة إذا كان سلمان شابيرو، رئيس الشركة، يتعاون أولا مع الأجهزة السرية الإسرائيلية.
قرر رافائيل إيتان أن يقوم هو شخصيا بزيارة شركة نوميك برفقة فريق يضم عالمين كانا يعملان في مفاعل ديمونة كاختصاصيين في معالجة النفايات المشعة. كانت مهمة هذين العالمين هي إيجاد السبل لسرقة المادة القابلة للانشطار من شركة نوميك. كان رجال مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي يراقبون عن قرب الزيارة. وبدا أن تقارير المكتب تحمل الكثير من الشكوك فيما يتعلق بما كان يعرفه شابيرو عن الأسباب الحقيقية لزيارة رافائيل إيتان وأصحابه.
وأشار أحد تلك التقارير بعد شهر من تلك الزيارة إلى أن شركة نوميك قد وقعت عقد شراكة مع الحكومة الإسرائيلية من أجل تطوير «عمليات تعقيم الأطعمة والعينات الطبية بواسطة الإشعاع». بل وأشار تقرير آخر إلى «التحذير الملصق على الحاويات المعدنيّة والذي يدل على وجود مواد مشعّة خطيرة». ثم أضاف: «بسبب هذا التحذير لم يرد أحد فتح تلك الحاويات لتفحص ما بداخلها، ومنعونا نحن من عمل ذلك».
كانت السفارة الإسرائيلية في واشنطن قد أفهمت وزارة الخارجية الأميركية أن أية محاولة لفتح حاوية من الحاويات سيترتب عليه وضعها في مصاف الحقيبة الدبلوماسية التي لا يحق للسلطات في بلدان التمثيل الدبلوماسي فتحها. هكذا وباسم الحصانة رأى عناصر مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي الحاويات التي يجري تحميلها في طائرة شحن تابعة لشركة العال الإسرائيلية أمام أعينهم دون أن يستطيعوا فعل أي شيء.
أحصى مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي تسع إرساليات تمّت بتلك الطريقة خلال الأشهر الستة التي تلت زيارة رافائيل إيتان لشركة سلمان شابيرو. ورأى المسؤولون عن المكتب أن كمية كافية من المواد الانشطارية لصناعة قنبلة ذرية قد وصلت إلى مفاعل ديمونة . نفى شابيرو أن يكون قد زوّد إسرائيل بأية مواد منها، لكن مكتب التحقيقات وجد «عجز» في كمية المواد الانشطارية التي تعاد معاملتها في شركته. قال شابيرو ان ضياع اليورانيوم يعود إلى «تسربه داخل الأرض« أو «تبخره في الهواء». مثّلت الكمية المفقودة 50 كيلوغراماً ولم يتم توجيه أية تهمة لشابيرو. لكن ما يتفق عليه الجميع هو أن إسرائيل كانت بطريقها إلى تصنيع السلاح النووي.


الهدف أبو جهاد



ينقل مؤلف هذا الكتاب عن عميل أمضى ربع قرن من حياته في خدمة الموساد قوله: «كان لي الحق في أن أكذب لأن الحقيقة لم تكن تشكل جزءا من علاقتي مع الناس. كان هناك شيء واحد يهمني هو أن أستخدمهم لصالح إسرائيل». على هذا الأساس تربّى عملاء الموساد الذين كانوا يستهلون نشاطاتهم التجسسية في مهمات بالخارج. أما عدد عملاء الموساد فهو غير معروف، لكن عميل سابق للموساد هو فكتور اوستروفسكي كتب عام 1991 أن عددهم هو «حوالي 000 35 شخص في مختلف أنحاء العالم بينهم 000 20 يقومون بعمليات و000 15 نائمون، لا يقومون بأي نشاط» بينما يقوم العاملون بكل أنواع العمليات وفي مقدمتها التجسس والاغتيال.


وفي عام 1988 تولى إسحق رابين، رئيس وزراء إسرائيل آنذاك، شخصيا عملية تخطيط وتنفيذ اغتيال القائد الفلسطيني خليل الوزير، أبو جهاد. لقد قام عملاء الموساد طيلة شهرين بالرقابة المستمرة للفيلا التي كان يسكنها في ضاحية سيدي بوسعيد بالقرب من مدينة تونس. لقد راقبوا وعاينوا كل شيء من المداخل وعلو السور المحيط بها والمواد المتكون منها والنوافذ والأبواب والأقفال ووسائل الدفاع ومكان وجود الحرّاس الشخصيين ومسار حركتهم.


لقد راقبوا كل شيء وبأدق التفاصيل.

  رد مع اقتباس
قديم 12/08/2006   #10
post[field7] dot
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ dot
dot is offline
 
نورنا ب:
May 2006
مشاركات:
3,276

افتراضي


وتلصصوا كذلك على زوجة أبوجهاد عندما كانت تلعب مع الأطفال وتبعوها عندما كانت تذهب للتسوق أو إلى صالون الحلاقة. والتقطوا الاتصالات الهاتفية التي كان يقوم بها زوجها. وحسبوا المسافة بين الغرف ودرسوا ساعات ذهاب وإياب الجيران وسجّلوا أرقام السيارات التي كانت تتردد إلى المنزل وأنواعها وألوانها. لقد طبّق القتلة القاعدة التي كان قد أرساها مائير أميت «عندما كان رئيسا لجهاز الموساد والقائلة إنه أثناء عمليات الاغتيال «ينبغي التفكير مثلما يفكر الهدف وعدم التوقف عند التشابه معه إلى اللحظة التي يتم فيها الضغط على الزناد».


كان عملاء الموساد قد خططوا لمهمتهم السوداء خلال شهر كامل في موقع للموساد في حيفا، وبتاريخ 16 أبريل 1988 أُعطي الضوء الأخضر للانطلاق بالعملية. وفي تلك الليلة أقلعت عدة طائرات إسرائيلية من طراز بوينغ 707 من قاعدة عسكرية جنوب تل أبيب. وكان في الأولى إسحاق رابين وعدد من كبار الضباط الإسرائيليين.




كانوا على اتصال دائم مع فريق القتلة الذين أخذوا مواقعهم بالقرب من الفيللا التي كان يسكنها أبوجهاد وأسرته. قاد العملية عميل اسمه المستعار هو «سورد». وكانت الطائرة الثانية محشوة بآلات الالتقاط والتنصت والتشويش. أما الطائرتان الأخريتان فقد كانتا للدعم اللوجستي والتزويد بالوقود.




كانت الطائرات كلها تدور على ارتفاع عالي جدا فوق «فيللا» أبوجهاد في ضاحية سيدي بو سعيد قرب تونس وكانت على اتصال مع فريق سورد على الأرض بواسطة تردد لا سلكي خاص. وبعد منتصف ليلة 17 أبريل بقليل علم إسحق رابين ومن معه أن أبوجهاد قد عاد إلى منزله. بل أكد «سورد» أنه يسمع وقع خطوات القائد الفلسطيني وهو يصعد الدرج إلى الطابق الثاني حيث توجد زوجته ثم توجه إلى الغرفة المجاورة كي يقبل ابنه النائم ثم عاد إلى الطابق الأول حيث يوجد مكتبه.




وبعد 17 دقيقة من منتصف ليلة 17 أبريل 1988 أعطى إسحاق رابين الضوء الأخضر للشروع بعملية الاغتيال. كان سائق أبوجهاد ينام داخل سيارة المرسيدس خارج المنزل حيث كان الهدف الأول لأحد العملاء الذي أطلق عليه عدة رصاصات من مسدس كاتم للصوت. ثم قام سورد وقاتل آخر بوضع عبوة ناسفة تحت البوابة الحديدية للفيللا.




اقتلعت هذه العبوة المتفجرة الجديدة المسماة «صامتة» البوابة دون أن تحدث أية ضجة تذكر. بعد ولوج المنزل قاما بقتل الحارسين الشخصيين، ثم دخل سورد إلى مكتب أبوجهاد الذي كان بصدد مشاهدة شريط فيديو يخص منظمة التحرير الفلسطينية. همّ أبوجهاد بالوقوف فأطلق عليه سورد رصاصتين استهدفتا صدره.




ثم اتجه القاتل نحو الباب للخروج فوجد بمواجهته أم جهاد فصرخ بوجهها باللغة العربية: ادخلي إلى غرفتك. كان ابنها بين ذراعيها. ثم «تبخر» سورد وفريق القتلة الذي رافقه وسط الظلام. استغرقت العملية ثلاث عشرة ثانية. لاقى اغتيال أبوجهاد صدى عالميا كبيرا بل ينقل المؤلف عن عزرا وايزمان، الوزير الإسرائيلي قوله: «ليس باغتيال الناس يمكن لمسيرة السلام أن تتقدم
».




المسلسل يتسارع



لكن مسلسل الاغتيالات لم يتوقف، بل تسارع إيقاعه إلى هذا الحد أو ذاك. ذات مساء من أكتوبر 1995 جرى اجتماع على مستوى القيادة الإسرائيلية، وتحدد فيه الهدف الفلسطيني المقبل المطلوب اغتياله، لقد كان فتحي الشقاقي، المرجعية الدينية لتنظيم الجهاد الإسلامي. كان يومها في دمشق، وعلى أهبة التوجه إلى ليبيا. وكان يُفترض أن يمضي في طريق عودته يوما في جزيرة مالطة.





وكان «شابتاي شافيت» قد أرسل في آخر عملية له كرئيس للموساد، عميلا أسود» - كما يطلق على المخبرين من العرب في أوساط الموساد ـ إلى دمشق. وكانت مهمته هي تنشيط الرقابة الإلكترونية على منزل زعيم الجهاد الإسلامي وذلك بمساعدة أجهزة أميركية جديدة من الأكثر تقدما وذلك للتمكن من التنصت على منظومة الاتصالات التي كان يستخدمها وهي من صنع روسي. وبواسطة عمليات التنصت جرت معرفة تفاصيل رحلة فتحي الشقاقي إلى ليبيا عبر مالطة. وبالتالي لم يكن من الصعب التحضير لعملية اغتياله وتنفيذها.




فبتاريخ 24 أكتوبر 1995 سافر عميلان من جهاز الموساد إلى روما. وعند وصولهما إلى المطارين سلمهما عملاء محللون جواز سفر بريطانياً جديداً لكل منهما. ثم توجها إلى مالطة ونزلا عند وصولهما في غرفتين بفندق ديبلومات على مرفأ فاليتا. استأجر أحدهما دراجة نارية للاطلاع على معالم الجزيرة، كما قال. ولم ير أي عامل من عمال الفندق العميلين الإسرائيليين وهما يتبادلان الحديث. وعندما أشار أحد خدم الفندق لأحدهما أن حقيبته ثقيلة الوزن أجابه بغمزة عين أنها تحتوي على سبائك ذهبية.




في المساء نفسه أخطرت سفينة شحن إسرائيلية السلطات المالطية أنها تتجه إلى إيطاليا ولكنها أصيبت بعطل فني سيرغمها على البقاء في عرض البحر بمواجهة الجزيرة بانتظار القيام بإصلاح الخطأ الطارئ. كان على متن تلك السفينة شابتاي شافيت، مدير جهاز الموساد مع فريق من التقنيين المختصين بمجال الاتصالات. هكذا تم تبادل المعلومات بين الموجودين على السفينة وبين العميلين اللذين كان ثقل حقيبة أحدهما يعود إلى وجود جهاز إرسال بداخلها.




وفي الفندق نفسه قام فتحي الشقاقي بحجز غرفة له. وفي صباح اليوم التالي أطلق عليه عميلا الموساد عدة رصاصات، بعد أن كانا قد أوقفا الدراجة المستأجرة بمحاذاته وهو في طريقه للمطار عائدا إلى دمشق. بعد ساعة واحدة فقط من عملية الاغتيال انطلق من مرفأ فاليتا قارب صغير وعندما وصل إلى محاذاة سفينة الشحن الإسرائيلية «المعطلة» أخبر قبطانها السلطات المالطية أنه قد جرى إصلاح الخلل الميكانيكي «مؤقتا» ولذلك ينبغي عدم إكمال الطريق إلى إيطاليا والعودة إلى حيفا لإجراء عملية صيانة كاملة.




بعد عدة أيام فقط من اغتيال فتحي الشقاقي اغتيل إسحاق رابين، ذلك «الصقر» الذي تحول إلى «حمامة». لقد قتله يهودي متشدد اسمه إيغال أمير، وفي موقع ليس بعيدا عن مقر الموساد.لم يقتصر عملاء الموساد على استهداف القيادات الفلسطينية وإنما استهدفوا أولا الذين اعتبروهم في صفوف أعدائهم. كانت تلك هي حالة الدكتور «جيرالد بول»، العالم الكندي والخبير المعروف عالميا في ميدان صناعة المدافع.




كانت إسرائيل قد حاولت مرّات عديدة استمالته للتعاون معها لكنه رفض ذلك باستمرار، بل وقبل التعاون مع نظام صدام حسين من أجل تزويده بمدفع هائل يبلغ طوله 148 مترا ويزن 32 طنا من الأنابيب الفولاذية القادمة من شركات بريطانية. وأسس بول لهذا الغرض شركة في بروكسل ببلجيكا. جعل عملاء الموساد في هذه البلاد من التجسس على نشاطات الشركة إحدى مهامهم الرئيسية.





  رد مع اقتباس
قديم 12/08/2006   #11
post[field7] dot
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ dot
dot is offline
 
نورنا ب:
May 2006
مشاركات:
3,276

افتراضي


وتلصصوا كذلك على زوجة أبوجهاد عندما كانت تلعب مع الأطفال وتبعوها عندما كانت تذهب للتسوق أو إلى صالون الحلاقة. والتقطوا الاتصالات الهاتفية التي كان يقوم بها زوجها. وحسبوا المسافة بين الغرف ودرسوا ساعات ذهاب وإياب الجيران وسجّلوا أرقام السيارات التي كانت تتردد إلى المنزل وأنواعها وألوانها. لقد طبّق القتلة القاعدة التي كان قد أرساها مائير أميت «عندما كان رئيسا لجهاز الموساد والقائلة إنه أثناء عمليات الاغتيال «ينبغي التفكير مثلما يفكر الهدف وعدم التوقف عند التشابه معه إلى اللحظة التي يتم فيها الضغط على الزناد».


كان عملاء الموساد قد خططوا لمهمتهم السوداء خلال شهر كامل في موقع للموساد في حيفا، وبتاريخ 16 أبريل 1988 أُعطي الضوء الأخضر للانطلاق بالعملية. وفي تلك الليلة أقلعت عدة طائرات إسرائيلية من طراز بوينغ 707 من قاعدة عسكرية جنوب تل أبيب. وكان في الأولى إسحاق رابين وعدد من كبار الضباط الإسرائيليين.




كانوا على اتصال دائم مع فريق القتلة الذين أخذوا مواقعهم بالقرب من الفيللا التي كان يسكنها أبوجهاد وأسرته. قاد العملية عميل اسمه المستعار هو «سورد». وكانت الطائرة الثانية محشوة بآلات الالتقاط والتنصت والتشويش. أما الطائرتان الأخريتان فقد كانتا للدعم اللوجستي والتزويد بالوقود.




كانت الطائرات كلها تدور على ارتفاع عالي جدا فوق «فيللا» أبوجهاد في ضاحية سيدي بو سعيد قرب تونس وكانت على اتصال مع فريق سورد على الأرض بواسطة تردد لا سلكي خاص. وبعد منتصف ليلة 17 أبريل بقليل علم إسحق رابين ومن معه أن أبوجهاد قد عاد إلى منزله. بل أكد «سورد» أنه يسمع وقع خطوات القائد الفلسطيني وهو يصعد الدرج إلى الطابق الثاني حيث توجد زوجته ثم توجه إلى الغرفة المجاورة كي يقبل ابنه النائم ثم عاد إلى الطابق الأول حيث يوجد مكتبه.




وبعد 17 دقيقة من منتصف ليلة 17 أبريل 1988 أعطى إسحاق رابين الضوء الأخضر للشروع بعملية الاغتيال. كان سائق أبوجهاد ينام داخل سيارة المرسيدس خارج المنزل حيث كان الهدف الأول لأحد العملاء الذي أطلق عليه عدة رصاصات من مسدس كاتم للصوت. ثم قام سورد وقاتل آخر بوضع عبوة ناسفة تحت البوابة الحديدية للفيللا.




اقتلعت هذه العبوة المتفجرة الجديدة المسماة «صامتة» البوابة دون أن تحدث أية ضجة تذكر. بعد ولوج المنزل قاما بقتل الحارسين الشخصيين، ثم دخل سورد إلى مكتب أبوجهاد الذي كان بصدد مشاهدة شريط فيديو يخص منظمة التحرير الفلسطينية. همّ أبوجهاد بالوقوف فأطلق عليه سورد رصاصتين استهدفتا صدره.




ثم اتجه القاتل نحو الباب للخروج فوجد بمواجهته أم جهاد فصرخ بوجهها باللغة العربية: ادخلي إلى غرفتك. كان ابنها بين ذراعيها. ثم «تبخر» سورد وفريق القتلة الذي رافقه وسط الظلام. استغرقت العملية ثلاث عشرة ثانية. لاقى اغتيال أبوجهاد صدى عالميا كبيرا بل ينقل المؤلف عن عزرا وايزمان، الوزير الإسرائيلي قوله: «ليس باغتيال الناس يمكن لمسيرة السلام أن تتقدم

».






المسلسل يتسارع




لكن مسلسل الاغتيالات لم يتوقف، بل تسارع إيقاعه إلى هذا الحد أو ذاك. ذات مساء من أكتوبر 1995 جرى اجتماع على مستوى القيادة الإسرائيلية، وتحدد فيه الهدف الفلسطيني المقبل المطلوب اغتياله، لقد كان فتحي الشقاقي، المرجعية الدينية لتنظيم الجهاد الإسلامي. كان يومها في دمشق، وعلى أهبة التوجه إلى ليبيا. وكان يُفترض أن يمضي في طريق عودته يوما في جزيرة مالطة.






وكان «شابتاي شافيت» قد أرسل في آخر عملية له كرئيس للموساد، عميلا أسود» - كما يطلق على المخبرين من العرب في أوساط الموساد ـ إلى دمشق. وكانت مهمته هي تنشيط الرقابة الإلكترونية على منزل زعيم الجهاد الإسلامي وذلك بمساعدة أجهزة أميركية جديدة من الأكثر تقدما وذلك للتمكن من التنصت على منظومة الاتصالات التي كان يستخدمها وهي من صنع روسي. وبواسطة عمليات التنصت جرت معرفة تفاصيل رحلة فتحي الشقاقي إلى ليبيا عبر مالطة. وبالتالي لم يكن من الصعب التحضير لعملية اغتياله وتنفيذها.




فبتاريخ 24 أكتوبر 1995 سافر عميلان من جهاز الموساد إلى روما. وعند وصولهما إلى المطارين سلمهما عملاء محللون جواز سفر بريطانياً جديداً لكل منهما. ثم توجها إلى مالطة ونزلا عند وصولهما في غرفتين بفندق ديبلومات على مرفأ فاليتا. استأجر أحدهما دراجة نارية للاطلاع على معالم الجزيرة، كما قال. ولم ير أي عامل من عمال الفندق العميلين الإسرائيليين وهما يتبادلان الحديث. وعندما أشار أحد خدم الفندق لأحدهما أن حقيبته ثقيلة الوزن أجابه بغمزة عين أنها تحتوي على سبائك ذهبية.




في المساء نفسه أخطرت سفينة شحن إسرائيلية السلطات المالطية أنها تتجه إلى إيطاليا ولكنها أصيبت بعطل فني سيرغمها على البقاء في عرض البحر بمواجهة الجزيرة بانتظار القيام بإصلاح الخطأ الطارئ. كان على متن تلك السفينة شابتاي شافيت، مدير جهاز الموساد مع فريق من التقنيين المختصين بمجال الاتصالات. هكذا تم تبادل المعلومات بين الموجودين على السفينة وبين العميلين اللذين كان ثقل حقيبة أحدهما يعود إلى وجود جهاز إرسال بداخلها.




وفي الفندق نفسه قام فتحي الشقاقي بحجز غرفة له. وفي صباح اليوم التالي أطلق عليه عميلا الموساد عدة رصاصات، بعد أن كانا قد أوقفا الدراجة المستأجرة بمحاذاته وهو في طريقه للمطار عائدا إلى دمشق. بعد ساعة واحدة فقط من عملية الاغتيال انطلق من مرفأ فاليتا قارب صغير وعندما وصل إلى محاذاة سفينة الشحن الإسرائيلية «المعطلة» أخبر قبطانها السلطات المالطية أنه قد جرى إصلاح الخلل الميكانيكي «مؤقتا» ولذلك ينبغي عدم إكمال الطريق إلى إيطاليا والعودة إلى حيفا لإجراء عملية صيانة كاملة.




بعد عدة أيام فقط من اغتيال فتحي الشقاقي اغتيل إسحاق رابين، ذلك «الصقر» الذي تحول إلى «حمامة». لقد قتله يهودي متشدد اسمه إيغال أمير، وفي موقع ليس بعيدا عن مقر الموساد.لم يقتصر عملاء الموساد على استهداف القيادات الفلسطينية وإنما استهدفوا أولا الذين اعتبروهم في صفوف أعدائهم. كانت تلك هي حالة الدكتور «جيرالد بول»، العالم الكندي والخبير المعروف عالميا في ميدان صناعة المدافع.




كانت إسرائيل قد حاولت مرّات عديدة استمالته للتعاون معها لكنه رفض ذلك باستمرار، بل وقبل التعاون مع نظام صدام حسين من أجل تزويده بمدفع هائل يبلغ طوله 148 مترا ويزن 32 طنا من الأنابيب الفولاذية القادمة من شركات بريطانية. وأسس بول لهذا الغرض شركة في بروكسل ببلجيكا. جعل عملاء الموساد في هذه البلاد من التجسس على نشاطات الشركة إحدى مهامهم الرئيسية.




كان رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك هو إسحاق شامير ذو الكفاءات العالية في عمليات الاغتيال المخططة منذ أن كان عضوا فاعلا في جماعة «الهاجاناه» التي مارست الكثير من العمليات الإرهابية في فلسطين قبل قيام الدولة العبرية. وأصدر شامير تعليمات لناحوم ادموني، مدير الموساد، باغتيال العالم الكندي .




  رد مع اقتباس
قديم 12/08/2006   #12
post[field7] dot
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ dot
dot is offline
 
نورنا ب:
May 2006
مشاركات:
3,276

افتراضي


بعد يومين من ذلك القرار وصل عميلان للموساد إلى بروكسل قادمين من تل أبيب، واستقبلهما عميل مقيم. كان يراقب تحركات «بول» منذ أسابيع. وفي 22 مارس 1990 توجّه العملاء الثلاثة إلى حيث كان يقطن هدفهم والذي أصبح ضحيتهم في حوالي الساعة الثامنة من مساء اليوم نفسه. كان عمره آنذاك 61 سنة.

أكّد «مايكل» ابن العالم الكندي مرارا بعد ذلك أن والده كان على اقتناع تام أن عملاء الموساد يلاحقونه، لكن ما إن عاد القتلة الثلاثة إلى تل أبيب حتى بدأت إدارة الحرب النفسية في جهاز الموساد بنشر إشاعات، استخدمت فيها وسائل الإعلام، مفادها أن جيرالد بول قد اغتيل لأنه أراد أن يضع حدا لتعاونه مع نظام صدام حسين.




استهداف مشعل




لكن إذا كان شامير قد وسّع من دائرة الاغتيالات فإن بنيامين نتانياهو حدد أعداءه الرئيسيين الذين ينبغي قتلهم في قادة حركة حماس وينقل عنه المؤلف، كما قال عضو مهم في الأجهزة السرية الإسرائيلية، تصريحه: «أريد رأس هؤلاء الحاقدين في حماس، ولو كلّفني ذلك منصبي». ويضيف المسؤول في جهاز الموساد: «كان نتانياهو يريد نتائج فورية مثلما هو الأمر في ألعاب الفيديو أو في أفلام المغامرات القديمة التي يعشقها».

وكان الهدف الأول الذي حدده الموساد هو خالد مشعل، عضو المكتب السياسي لحركة حماس والذي كان عملاء الموساد في العاصمة الأردنية عمّان قد حددوا وجوده منذ فترة. قال نتانياهو على الفور: هيا ابعثوا إلى عمّان «من يصفّي حسابه«. ذلك دون أن يأبه أبدا لما يمكن لمثل تلك العملية أن تجلبه من تدهور في العلاقات مع الأردن بعد أن كان سابقه «رابين» قد نجح في إقامتها مع الملك حسين. هذا بالإضافة إلى ما قد يحرم إسرائيل من معلومات مهمة حول سوريا والعراق.

جرى سرّا تحضير فريق كوماندوز من ثمانية عملاء للموساد. كانت المهمة محددة لكل منهم بحيث يعود الجميع بعد تنفيذ الاغتيال عبر جسر «اللنبي» بالقرب من القدس. وكان السلاح المستخدم غير اعتيادي، أي ليس مسدسا كاتما للصوت، وإنما كان غازا ساما. كانت تلك هي المرة الأولى التي يتم فيها استخدام مثل ذلك السلاح من قبل الموساد، حيث كان علماء روس هاجروا إلى إسرائيل وراء تصنيعه.

وفي 24 سبتمبر 1997 وصل أعضاء فريق الدعم إلى عمان من أثينا وروما وباريس حيث كانوا قد أمضوا عدة أيام واستلموا جوازات سفر كمواطنين في تلك البلدان، بينما كان القاتلان المكلّفان بتنفيذ خطة الاغتيال يحملان جوازات سفر كندية ، وكانا قد شرحا للعاملين في فندق «انتركونتيننتال» أنهما قد جاءا بقصد السياحة، أما أعضاء فريق الدعم فقد نزلوا في السفارة الإسرائيلية غير البعيدة.

في اليوم التالي قام القاتلان باستئجار سيارتين بواسطة موظفي الاستقبال في الفندق بزعم أنما سيقومان برحلة إلى جنوب البلاد. كان ذلك عند الساعة التاسعة، وعند الساعة العاشرة كان خالد مشعل في طريقه إلى مكتبه. كان يركب قرب سائقه بينما كان ثلاثة من أطفاله يجلسون في المقعد الخلفي. وعندما وصلت السيارة إلى منطقة الحدائق أنذر السائق خالد مشعل بأنهم ملاحقون. قام مشعل فورا بالاتصال مع الشرطة وأعطاهم رقم سيارة عميلي الموساد. لكن رجال الشرطة أخبروه بعد دقائق أن السيارة المعنية مستأجرة من قبل «سائح كندي».

قام خالد مشعل بتقبيل أطفاله الثلاثة قبل النزول من السيارة أمام مكتبه كي يتابعوا هم طريقهم إلى المدرسة برفقة السائق. كان القاتلان ينتظران مع حشد أمام مكتب حماس في شارع وصفي التل. تقدم أحدهما نحو مشعل ورشّ الغاز القاتل في وجهه. ثم هرب مباشرة باتجاه السيارة التي كانت تنتظر. لكنهما لم يستطيعا الفرار إذ انطلقت عدة سيارات وراء سيارة القاتلين، وأخبر أحدهم الشرطة كي تغلق طرق الحي. حاولت سيارة ثانية تابعة لفريق الدعم الإسرائيلي التدخل وتهريب القاتلين، لكن إحدى السيارات اعترضت طريقها وأحاط رجال مسلحون فجأة بعملاء الموساد وأرغموا القاتلين على الانبطاح أرضا. وصلت الشرطة في الحال أيضا بينما نقلت سيارة إسعاف خالد مشعل إلى أحد المستشفيات. اقتيد القاتلان إلى مركز الشرطة حيث أبرزا جوازي سفريهما الكنديين وأكّدا أنهما ضحية «مؤامرة كبيرة». لكن رئيس جهاز مكافحة الجاسوسية الأردني وضع حدا ل«مهزلتهما» وأخبرهما أنه يعرف من هما.

وقد صرّح فيما بعد قائلا إن المسؤول المحلّي للموساد «أفرغ ما في جعبته واعترف أن الرجلين تابعين له وأن إسرائيل سوف تفاوض مباشرة مع الملك حسين». وينقل المؤلف عن أحد عملاء الموساد قوله عن اتصال هاتفي جرى بين الملك الأردني ونتانياهو: «لم يطرح الملك حسين على نتانياهو سوى سؤالين. بماذا يلعب؟ وهل يمتلك دواء ناجعا ضد الغاز السام المستخدم»؟. أراد نتانياهو أن ينكر في البداية كل شيء، لكنه لم يكن يعرف أن عميليه قد اعترفا بكل شيء أمام عدسة الكاميرا وأن شريطا مسجلا كان بطريقه إلى واشنطن».




سقوط الرواية الرسمية



إثر الفشل الذريع الذي عرفته تلك العملية استقال «داني ياتوم» مدير جهاز الموساد من منصبه في شهر فبراير من عام 1998، ولم يبعث له بنيامين نتانياهو الرسالة التقليدية التي تعوّد رؤساء الوزراء الإسرائيليون إرسالها إلى مدريري الموساد عند مغادرتهم الوظيفة من أجل «شكرهم على الخدمات التي قدّموها».

وكانت مواقع «ياتوم» قد اهتزت منذ اغتيال إسحق رابين، خاصة بعد أن قام الصحافي «باري شاميش» بتحقيق شخصي اعتمد فيه على تقارير طبية وعلى شهادات العديد من الحرّاس الشخصيين لرابين؛ ثم نشر في عام 1999 نتائج تحقيقه على شبكة الانترنت. وكانت تلك النتائج تشابه إلى حد كبير ما كان قد تمّ التوصل إليه من نتائج بعد مقتل الرئيس الأميركي جون كنيدي عام 1963.

وجاء في نتائج تحقيق شاميش قوله: «إن نظرية القاتل المعزول التي قبلت بها اللجنة الحكومية حول اغتيال رابين تخفي ما ربما كان محاولة اغتيال فاشلة ترمي إلى إنعاش الشعبية المترنحة لإسحاق رابين لدى الناخبين. لقد قبل إيغال أمير أن يلعب دور القاتل تنفيذا لتعليمات مسؤوله في الأجهزة السرية الإسرائيلية».

وأضاف: «لقد أطلق أمير رصاصة خلّبية لا تقتل. وقد أطلق رصاصة واحدة وليس ثلاث رصاصات كما أُعلن. وأظهر فحص مختبرات الشرطة على غلاف الرصاصة الذي وجدوه في مكان وقوع الجريمة أنه لا يتناسب مع صفات السلاح الذي استخدمه أمير. ولم يكن هناك من شاهد رابين وهو ينزف دما . وسرّ آخر هو: كيف أضاعت السيارة التي أقلّت رابين إلى المستشفى ما بين ثمانية إلى اثنتي عشر دقيقة بينما كان يُفترض ألا يستغرق نقله سوى 45 ثانية عبر الشوارع المقفرة حيث كانت الشرطة قد منعت السير من أجل الاجتماع الشعبي لنصرة السلام الذي كان رابين يشارك به؟».

لكن يبقى السر الأكثر خطورة فيما قال به شاميش هو التالي: «خلال ذلك المسار الغريب الذي سلكه سائق مدرّب إلى المستشفى أُصيب رابين برصاصتين حقيقيتين انطلقتا من مسدس حارسه الشخصي يورام روبين. هذا السلاح اختفى في المستشفى ولم يعثر له على أثر بعد ذلك. وظلّت الرصاصتان اللتان تمّ استخراجهما من جسد إسحاق رابين مفقودتين مدة إحدى عشرة ساعة. ثم انتحر حارسه روبين بعد ذلك«.

لم تكن النتائج التي توصل لها شاميش هي وحدها التي ألقت الشكوك حول الرواية الرسمية لمقتل رابين؛ بل إن شهادات «تحت القسم» أكّدت «أن شيئا ما خطيرا قد حدث وله مواصفات المؤامرة». أما أمير نفسه فقد قال للمحكمة أثناء قراءة قرار الاتهام: «إذا قلت الحقيقة، فإن النظام كله سينهار، ولدي ما يكفي كي أبيد هذه البلاد».

ما يؤكده مؤلف هذا الكتاب هو أن شاميش ليس «مأخوذا بفكرة المؤامرات« بل إنه متعقل عامة فيما يكتب
  رد مع اقتباس
قديم 12/08/2006   #13
post[field7] dot
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ dot
dot is offline
 
نورنا ب:
May 2006
مشاركات:
3,276

Exclamation


بعد يومين من ذلك القرار وصل عميلان للموساد إلى بروكسل قادمين من تل أبيب، واستقبلهما عميل مقيم. كان يراقب تحركات «بول» منذ أسابيع. وفي 22 مارس 1990 توجّه العملاء الثلاثة إلى حيث كان يقطن هدفهم والذي أصبح ضحيتهم في حوالي الساعة الثامنة من مساء اليوم نفسه. كان عمره آنذاك 61 سنة.

أكّد «مايكل» ابن العالم الكندي مرارا بعد ذلك أن والده كان على اقتناع تام أن عملاء الموساد يلاحقونه، لكن ما إن عاد القتلة الثلاثة إلى تل أبيب حتى بدأت إدارة الحرب النفسية في جهاز الموساد بنشر إشاعات، استخدمت فيها وسائل الإعلام، مفادها أن جيرالد بول قد اغتيل لأنه أراد أن يضع حدا لتعاونه مع نظام صدام حسين.




استهداف مشعل




لكن إذا كان شامير قد وسّع من دائرة الاغتيالات فإن بنيامين نتانياهو حدد أعداءه الرئيسيين الذين ينبغي قتلهم في قادة حركة حماس وينقل عنه المؤلف، كما قال عضو مهم في الأجهزة السرية الإسرائيلية، تصريحه: «أريد رأس هؤلاء الحاقدين في حماس، ولو كلّفني ذلك منصبي». ويضيف المسؤول في جهاز الموساد: «كان نتانياهو يريد نتائج فورية مثلما هو الأمر في ألعاب الفيديو أو في أفلام المغامرات القديمة التي يعشقها».

وكان الهدف الأول الذي حدده الموساد هو خالد مشعل، عضو المكتب السياسي لحركة حماس والذي كان عملاء الموساد في العاصمة الأردنية عمّان قد حددوا وجوده منذ فترة. قال نتانياهو على الفور: هيا ابعثوا إلى عمّان «من يصفّي حسابه«. ذلك دون أن يأبه أبدا لما يمكن لمثل تلك العملية أن تجلبه من تدهور في العلاقات مع الأردن بعد أن كان سابقه «رابين» قد نجح في إقامتها مع الملك حسين. هذا بالإضافة إلى ما قد يحرم إسرائيل من معلومات مهمة حول سوريا والعراق.

جرى سرّا تحضير فريق كوماندوز من ثمانية عملاء للموساد. كانت المهمة محددة لكل منهم بحيث يعود الجميع بعد تنفيذ الاغتيال عبر جسر «اللنبي» بالقرب من القدس. وكان السلاح المستخدم غير اعتيادي، أي ليس مسدسا كاتما للصوت، وإنما كان غازا ساما. كانت تلك هي المرة الأولى التي يتم فيها استخدام مثل ذلك السلاح من قبل الموساد، حيث كان علماء روس هاجروا إلى إسرائيل وراء تصنيعه.

وفي 24 سبتمبر 1997 وصل أعضاء فريق الدعم إلى عمان من أثينا وروما وباريس حيث كانوا قد أمضوا عدة أيام واستلموا جوازات سفر كمواطنين في تلك البلدان، بينما كان القاتلان المكلّفان بتنفيذ خطة الاغتيال يحملان جوازات سفر كندية ، وكانا قد شرحا للعاملين في فندق «انتركونتيننتال» أنهما قد جاءا بقصد السياحة، أما أعضاء فريق الدعم فقد نزلوا في السفارة الإسرائيلية غير البعيدة.

في اليوم التالي قام القاتلان باستئجار سيارتين بواسطة موظفي الاستقبال في الفندق بزعم أنما سيقومان برحلة إلى جنوب البلاد. كان ذلك عند الساعة التاسعة، وعند الساعة العاشرة كان خالد مشعل في طريقه إلى مكتبه. كان يركب قرب سائقه بينما كان ثلاثة من أطفاله يجلسون في المقعد الخلفي. وعندما وصلت السيارة إلى منطقة الحدائق أنذر السائق خالد مشعل بأنهم ملاحقون. قام مشعل فورا بالاتصال مع الشرطة وأعطاهم رقم سيارة عميلي الموساد. لكن رجال الشرطة أخبروه بعد دقائق أن السيارة المعنية مستأجرة من قبل «سائح كندي».

قام خالد مشعل بتقبيل أطفاله الثلاثة قبل النزول من السيارة أمام مكتبه كي يتابعوا هم طريقهم إلى المدرسة برفقة السائق. كان القاتلان ينتظران مع حشد أمام مكتب حماس في شارع وصفي التل. تقدم أحدهما نحو مشعل ورشّ الغاز القاتل في وجهه. ثم هرب مباشرة باتجاه السيارة التي كانت تنتظر. لكنهما لم يستطيعا الفرار إذ انطلقت عدة سيارات وراء سيارة القاتلين، وأخبر أحدهم الشرطة كي تغلق طرق الحي. حاولت سيارة ثانية تابعة لفريق الدعم الإسرائيلي التدخل وتهريب القاتلين، لكن إحدى السيارات اعترضت طريقها وأحاط رجال مسلحون فجأة بعملاء الموساد وأرغموا القاتلين على الانبطاح أرضا. وصلت الشرطة في الحال أيضا بينما نقلت سيارة إسعاف خالد مشعل إلى أحد المستشفيات. اقتيد القاتلان إلى مركز الشرطة حيث أبرزا جوازي سفريهما الكنديين وأكّدا أنهما ضحية «مؤامرة كبيرة». لكن رئيس جهاز مكافحة الجاسوسية الأردني وضع حدا ل«مهزلتهما» وأخبرهما أنه يعرف من هما.

وقد صرّح فيما بعد قائلا إن المسؤول المحلّي للموساد «أفرغ ما في جعبته واعترف أن الرجلين تابعين له وأن إسرائيل سوف تفاوض مباشرة مع الملك حسين». وينقل المؤلف عن أحد عملاء الموساد قوله عن اتصال هاتفي جرى بين الملك الأردني ونتانياهو: «لم يطرح الملك حسين على نتانياهو سوى سؤالين. بماذا يلعب؟ وهل يمتلك دواء ناجعا ضد الغاز السام المستخدم»؟. أراد نتانياهو أن ينكر في البداية كل شيء، لكنه لم يكن يعرف أن عميليه قد اعترفا بكل شيء أمام عدسة الكاميرا وأن شريطا مسجلا كان بطريقه إلى واشنطن».




سقوط الرواية الرسمية




إثر الفشل الذريع الذي عرفته تلك العملية استقال «داني ياتوم» مدير جهاز الموساد من منصبه في شهر فبراير من عام 1998، ولم يبعث له بنيامين نتانياهو الرسالة التقليدية التي تعوّد رؤساء الوزراء الإسرائيليون إرسالها إلى مدريري الموساد عند مغادرتهم الوظيفة من أجل «شكرهم على الخدمات التي قدّموها».

وكانت مواقع «ياتوم» قد اهتزت منذ اغتيال إسحق رابين، خاصة بعد أن قام الصحافي «باري شاميش» بتحقيق شخصي اعتمد فيه على تقارير طبية وعلى شهادات العديد من الحرّاس الشخصيين لرابين؛ ثم نشر في عام 1999 نتائج تحقيقه على شبكة الانترنت. وكانت تلك النتائج تشابه إلى حد كبير ما كان قد تمّ التوصل إليه من نتائج بعد مقتل الرئيس الأميركي جون كنيدي عام 1963.

وجاء في نتائج تحقيق شاميش قوله: «إن نظرية القاتل المعزول التي قبلت بها اللجنة الحكومية حول اغتيال رابين تخفي ما ربما كان محاولة اغتيال فاشلة ترمي إلى إنعاش الشعبية المترنحة لإسحاق رابين لدى الناخبين. لقد قبل إيغال أمير أن يلعب دور القاتل تنفيذا لتعليمات مسؤوله في الأجهزة السرية الإسرائيلية».

وأضاف: «لقد أطلق أمير رصاصة خلّبية لا تقتل. وقد أطلق رصاصة واحدة وليس ثلاث رصاصات كما أُعلن. وأظهر فحص مختبرات الشرطة على غلاف الرصاصة الذي وجدوه في مكان وقوع الجريمة أنه لا يتناسب مع صفات السلاح الذي استخدمه أمير. ولم يكن هناك من شاهد رابين وهو ينزف دما . وسرّ آخر هو: كيف أضاعت السيارة التي أقلّت رابين إلى المستشفى ما بين ثمانية إلى اثنتي عشر دقيقة بينما كان يُفترض ألا يستغرق نقله سوى 45 ثانية عبر الشوارع المقفرة حيث كانت الشرطة قد منعت السير من أجل الاجتماع الشعبي لنصرة السلام الذي كان رابين يشارك به؟».

لكن يبقى السر الأكثر خطورة فيما قال به شاميش هو التالي: «خلال ذلك المسار الغريب الذي سلكه سائق مدرّب إلى المستشفى أُصيب رابين برصاصتين حقيقيتين انطلقتا من مسدس حارسه الشخصي يورام روبين. هذا السلاح اختفى في المستشفى ولم يعثر له على أثر بعد ذلك. وظلّت الرصاصتان اللتان تمّ استخراجهما من جسد إسحاق رابين مفقودتين مدة إحدى عشرة ساعة. ثم انتحر حارسه روبين بعد ذلك«.

لم تكن النتائج التي توصل لها شاميش هي وحدها التي ألقت الشكوك حول الرواية الرسمية لمقتل رابين؛ بل إن شهادات «تحت القسم» أكّدت «أن شيئا ما خطيرا قد حدث وله مواصفات المؤامرة». أما أمير نفسه فقد قال للمحكمة أثناء قراءة قرار الاتهام: «إذا قلت الحقيقة، فإن النظام كله سينهار، ولدي ما يكفي كي أبيد هذه البلاد».

ما يؤكده مؤلف هذا الكتاب هو أن شاميش ليس «مأخوذا بفكرة المؤامرات« بل إنه متعقل عامة فيما يكتب
  رد مع اقتباس
قديم 12/08/2006   #14
post[field7] dot
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ dot
dot is offline
 
نورنا ب:
May 2006
مشاركات:
3,276

افتراضي




كان رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك هو إسحاق شامير ذو الكفاءات العالية في عمليات الاغتيال المخططة منذ أن كان عضوا فاعلا في جماعة «الهاجاناه» التي مارست الكثير من العمليات الإرهابية في فلسطين قبل قيام الدولة العبرية. وأصدر شامير تعليمات لناحوم ادموني، مدير الموساد، باغتيال العالم الكندي .


بعد يومين من ذلك القرار وصل عميلان للموساد إلى بروكسل قادمين من تل أبيب، واستقبلهما عميل مقيم. كان يراقب تحركات «بول» منذ أسابيع. وفي 22 مارس 1990 توجّه العملاء الثلاثة إلى حيث كان يقطن هدفهم والذي أصبح ضحيتهم في حوالي الساعة الثامنة من مساء اليوم نفسه. كان عمره آنذاك 61 سنة.


أكّد «مايكل» ابن العالم الكندي مرارا بعد ذلك أن والده كان على اقتناع تام أن عملاء الموساد يلاحقونه، لكن ما إن عاد القتلة الثلاثة إلى تل أبيب حتى بدأت إدارة الحرب النفسية في جهاز الموساد بنشر إشاعات، استخدمت فيها وسائل الإعلام، مفادها أن جيرالد بول قد اغتيل لأنه أراد أن يضع حدا لتعاونه مع نظام صدام حسين.


استهداف مشعل


لكن إذا كان شامير قد وسّع من دائرة الاغتيالات فإن بنيامين نتانياهو حدد أعداءه الرئيسيين الذين ينبغي قتلهم في قادة حركة حماس وينقل عنه المؤلف، كما قال عضو مهم في الأجهزة السرية الإسرائيلية، تصريحه: «أريد رأس هؤلاء الحاقدين في حماس، ولو كلّفني ذلك منصبي». ويضيف المسؤول في جهاز الموساد: «كان نتانياهو يريد نتائج فورية مثلما هو الأمر في ألعاب الفيديو أو في أفلام المغامرات القديمة التي يعشقها».


وكان الهدف الأول الذي حدده الموساد هو خالد مشعل، عضو المكتب السياسي لحركة حماس والذي كان عملاء الموساد في العاصمة الأردنية عمّان قد حددوا وجوده منذ فترة. قال نتانياهو على الفور: هيا ابعثوا إلى عمّان «من يصفّي حسابه«. ذلك دون أن يأبه أبدا لما يمكن لمثل تلك العملية أن تجلبه من تدهور في العلاقات مع الأردن بعد أن كان سابقه «رابين» قد نجح في إقامتها مع الملك حسين. هذا بالإضافة إلى ما قد يحرم إسرائيل من معلومات مهمة حول سوريا والعراق.


جرى سرّا تحضير فريق كوماندوز من ثمانية عملاء للموساد. كانت المهمة محددة لكل منهم بحيث يعود الجميع بعد تنفيذ الاغتيال عبر جسر «اللنبي» بالقرب من القدس. وكان السلاح المستخدم غير اعتيادي، أي ليس مسدسا كاتما للصوت، وإنما كان غازا ساما. كانت تلك هي المرة الأولى التي يتم فيها استخدام مثل ذلك السلاح من قبل الموساد، حيث كان علماء روس هاجروا إلى إسرائيل وراء تصنيعه.


وفي 24 سبتمبر 1997 وصل أعضاء فريق الدعم إلى عمان من أثينا وروما وباريس حيث كانوا قد أمضوا عدة أيام واستلموا جوازات سفر كمواطنين في تلك البلدان، بينما كان القاتلان المكلّفان بتنفيذ خطة الاغتيال يحملان جوازات سفر كندية ، وكانا قد شرحا للعاملين في فندق «انتركونتيننتال» أنهما قد جاءا بقصد السياحة، أما أعضاء فريق الدعم فقد نزلوا في السفارة الإسرائيلية غير البعيدة.


في اليوم التالي قام القاتلان باستئجار سيارتين بواسطة موظفي الاستقبال في الفندق بزعم أنما سيقومان برحلة إلى جنوب البلاد. كان ذلك عند الساعة التاسعة، وعند الساعة العاشرة كان خالد مشعل في طريقه إلى مكتبه. كان يركب قرب سائقه بينما كان ثلاثة من أطفاله يجلسون في المقعد الخلفي. وعندما وصلت السيارة إلى منطقة الحدائق أنذر السائق خالد مشعل بأنهم ملاحقون. قام مشعل فورا بالاتصال مع الشرطة وأعطاهم رقم سيارة عميلي الموساد. لكن رجال الشرطة أخبروه بعد دقائق أن السيارة المعنية مستأجرة من قبل «سائح كندي».


قام خالد مشعل بتقبيل أطفاله الثلاثة قبل النزول من السيارة أمام مكتبه كي يتابعوا هم طريقهم إلى المدرسة برفقة السائق. كان القاتلان ينتظران مع حشد أمام مكتب حماس في شارع وصفي التل. تقدم أحدهما نحو مشعل ورشّ الغاز القاتل في وجهه. ثم هرب مباشرة باتجاه السيارة التي كانت تنتظر. لكنهما لم يستطيعا الفرار إذ انطلقت عدة سيارات وراء سيارة القاتلين، وأخبر أحدهم الشرطة كي تغلق طرق الحي.


حاولت سيارة ثانية تابعة لفريق الدعم الإسرائيلي التدخل وتهريب القاتلين، لكن إحدى السيارات اعترضت طريقها وأحاط رجال مسلحون فجأة بعملاء الموساد وأرغموا القاتلين على الانبطاح أرضا. وصلت الشرطة في الحال أيضا بينما نقلت سيارة إسعاف خالد مشعل إلى أحد المستشفيات. اقتيد القاتلان إلى مركز الشرطة حيث أبرزا جوازي سفريهما الكنديين وأكّدا أنهما ضحية «مؤامرة كبيرة». لكن رئيس جهاز مكافحة الجاسوسية الأردني وضع حدا ل«مهزلتهما» وأخبرهما أنه يعرف من هما.


وقد صرّح فيما بعد قائلا إن المسؤول المحلّي للموساد «أفرغ ما في جعبته واعترف أن الرجلين تابعين له وأن إسرائيل سوف تفاوض مباشرة مع الملك حسين». وينقل المؤلف عن أحد عملاء الموساد قوله عن اتصال هاتفي جرى بين الملك الأردني ونتانياهو: «لم يطرح الملك حسين على نتانياهو سوى سؤالين. بماذا يلعب؟ وهل يمتلك دواء ناجعا ضد الغاز السام المستخدم»؟. أراد نتانياهو أن ينكر في البداية كل شيء، لكنه لم يكن يعرف أن عميليه قد اعترفا بكل شيء أمام عدسة الكاميرا وأن شريطا مسجلا كان بطريقه إلى واشنطن».


سقوط الرواية الرسمية


إثر الفشل الذريع الذي عرفته تلك العملية استقال «داني ياتوم» مدير جهاز الموساد من منصبه في شهر فبراير من عام 1998، ولم يبعث له بنيامين نتانياهو الرسالة التقليدية التي تعوّد رؤساء الوزراء الإسرائيليون إرسالها إلى مدريري الموساد عند مغادرتهم الوظيفة من أجل «شكرهم على الخدمات التي قدّموها».


وكانت مواقع «ياتوم» قد اهتزت منذ اغتيال إسحق رابين، خاصة بعد أن قام الصحافي «باري شاميش» بتحقيق شخصي اعتمد فيه على تقارير طبية وعلى شهادات العديد من الحرّاس الشخصيين لرابين؛ ثم نشر في عام 1999 نتائج تحقيقه على شبكة الانترنت. وكانت تلك النتائج تشابه إلى حد كبير ما كان قد تمّ التوصل إليه من نتائج بعد مقتل الرئيس الأميركي جون كنيدي عام 1963.


وجاء في نتائج تحقيق شاميش قوله: «إن نظرية القاتل المعزول التي قبلت بها اللجنة الحكومية حول اغتيال رابين تخفي ما ربما كان محاولة اغتيال فاشلة ترمي إلى إنعاش الشعبية المترنحة لإسحاق رابين لدى الناخبين. لقد قبل إيغال أمير أن يلعب دور القاتل تنفيذا لتعليمات مسؤوله في الأجهزة السرية الإسرائيلية».


وأضاف: «لقد أطلق أمير رصاصة خلّبية لا تقتل. وقد أطلق رصاصة واحدة وليس ثلاث رصاصات كما أُعلن. وأظهر فحص مختبرات الشرطة على غلاف الرصاصة الذي وجدوه في مكان وقوع الجريمة أنه لا يتناسب مع صفات السلاح الذي استخدمه أمير. ولم يكن هناك من شاهد رابين وهو ينزف دما .


وسرّ آخر هو: كيف أضاعت السيارة التي أقلّت رابين إلى المستشفى ما بين ثمانية إلى اثنتي عشر دقيقة بينما كان يُفترض ألا يستغرق نقله سوى 45 ثانية عبر الشوارع المقفرة حيث كانت الشرطة قد منعت السير من أجل الاجتماع الشعبي لنصرة السلام الذي كان رابين يشارك به؟».


لكن يبقى السر الأكثر خطورة فيما قال به شاميش هو التالي: «خلال ذلك المسار الغريب الذي سلكه سائق مدرّب إلى المستشفى أُصيب رابين برصاصتين حقيقيتين انطلقتا من مسدس حارسه الشخصي يورام روبين. هذا السلاح اختفى في المستشفى ولم يعثر له على أثر بعد ذلك. وظلّت الرصاصتان اللتان تمّ استخراجهما من جسد إسحاق رابين مفقودتين مدة إحدى عشرة ساعة. ثم انتحر حارسه روبين بعد ذلك«.


لم تكن النتائج التي توصل لها شاميش هي وحدها التي ألقت الشكوك حول الرواية الرسمية لمقتل رابين؛ بل إن شهادات «تحت القسم» أكّدت «أن شيئا ما خطيرا قد حدث وله مواصفات المؤامرة». أما أمير نفسه فقد قال للمحكمة أثناء قراءة قرار الاتهام: «إذا قلت الحقيقة، فإن النظام كله سينهار، ولدي ما يكفي كي أبيد هذه البلاد».


ما يؤكده مؤلف هذا الكتاب هو أن شاميش ليس «مأخوذا بفكرة المؤامرات« بل إنه متعقل عامة فيما يكتب

  رد مع اقتباس
قديم 12/08/2006   #15
post[field7] dot
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ dot
dot is offline
 
نورنا ب:
May 2006
مشاركات:
3,276

افتراضي



كان رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك هو إسحاق شامير ذو الكفاءات العالية في عمليات الاغتيال المخططة منذ أن كان عضوا فاعلا في جماعة «الهاجاناه» التي مارست الكثير من العمليات الإرهابية في فلسطين قبل قيام الدولة العبرية. وأصدر شامير تعليمات لناحوم ادموني، مدير الموساد، باغتيال العالم الكندي .


بعد يومين من ذلك القرار وصل عميلان للموساد إلى بروكسل قادمين من تل أبيب، واستقبلهما عميل مقيم. كان يراقب تحركات «بول» منذ أسابيع. وفي 22 مارس 1990 توجّه العملاء الثلاثة إلى حيث كان يقطن هدفهم والذي أصبح ضحيتهم في حوالي الساعة الثامنة من مساء اليوم نفسه. كان عمره آنذاك 61 سنة.


أكّد «مايكل» ابن العالم الكندي مرارا بعد ذلك أن والده كان على اقتناع تام أن عملاء الموساد يلاحقونه، لكن ما إن عاد القتلة الثلاثة إلى تل أبيب حتى بدأت إدارة الحرب النفسية في جهاز الموساد بنشر إشاعات، استخدمت فيها وسائل الإعلام، مفادها أن جيرالد بول قد اغتيل لأنه أراد أن يضع حدا لتعاونه مع نظام صدام حسين.


استهداف مشعل


لكن إذا كان شامير قد وسّع من دائرة الاغتيالات فإن بنيامين نتانياهو حدد أعداءه الرئيسيين الذين ينبغي قتلهم في قادة حركة حماس وينقل عنه المؤلف، كما قال عضو مهم في الأجهزة السرية الإسرائيلية، تصريحه: «أريد رأس هؤلاء الحاقدين في حماس، ولو كلّفني ذلك منصبي». ويضيف المسؤول في جهاز الموساد: «كان نتانياهو يريد نتائج فورية مثلما هو الأمر في ألعاب الفيديو أو في أفلام المغامرات القديمة التي يعشقها».


وكان الهدف الأول الذي حدده الموساد هو خالد مشعل، عضو المكتب السياسي لحركة حماس والذي كان عملاء الموساد في العاصمة الأردنية عمّان قد حددوا وجوده منذ فترة. قال نتانياهو على الفور: هيا ابعثوا إلى عمّان «من يصفّي حسابه«. ذلك دون أن يأبه أبدا لما يمكن لمثل تلك العملية أن تجلبه من تدهور في العلاقات مع الأردن بعد أن كان سابقه «رابين» قد نجح في إقامتها مع الملك حسين. هذا بالإضافة إلى ما قد يحرم إسرائيل من معلومات مهمة حول سوريا والعراق.


جرى سرّا تحضير فريق كوماندوز من ثمانية عملاء للموساد. كانت المهمة محددة لكل منهم بحيث يعود الجميع بعد تنفيذ الاغتيال عبر جسر «اللنبي» بالقرب من القدس. وكان السلاح المستخدم غير اعتيادي، أي ليس مسدسا كاتما للصوت، وإنما كان غازا ساما. كانت تلك هي المرة الأولى التي يتم فيها استخدام مثل ذلك السلاح من قبل الموساد، حيث كان علماء روس هاجروا إلى إسرائيل وراء تصنيعه.


وفي 24 سبتمبر 1997 وصل أعضاء فريق الدعم إلى عمان من أثينا وروما وباريس حيث كانوا قد أمضوا عدة أيام واستلموا جوازات سفر كمواطنين في تلك البلدان، بينما كان القاتلان المكلّفان بتنفيذ خطة الاغتيال يحملان جوازات سفر كندية ، وكانا قد شرحا للعاملين في فندق «انتركونتيننتال» أنهما قد جاءا بقصد السياحة، أما أعضاء فريق الدعم فقد نزلوا في السفارة الإسرائيلية غير البعيدة.


في اليوم التالي قام القاتلان باستئجار سيارتين بواسطة موظفي الاستقبال في الفندق بزعم أنما سيقومان برحلة إلى جنوب البلاد. كان ذلك عند الساعة التاسعة، وعند الساعة العاشرة كان خالد مشعل في طريقه إلى مكتبه. كان يركب قرب سائقه بينما كان ثلاثة من أطفاله يجلسون في المقعد الخلفي. وعندما وصلت السيارة إلى منطقة الحدائق أنذر السائق خالد مشعل بأنهم ملاحقون. قام مشعل فورا بالاتصال مع الشرطة وأعطاهم رقم سيارة عميلي الموساد. لكن رجال الشرطة أخبروه بعد دقائق أن السيارة المعنية مستأجرة من قبل «سائح كندي».


قام خالد مشعل بتقبيل أطفاله الثلاثة قبل النزول من السيارة أمام مكتبه كي يتابعوا هم طريقهم إلى المدرسة برفقة السائق. كان القاتلان ينتظران مع حشد أمام مكتب حماس في شارع وصفي التل. تقدم أحدهما نحو مشعل ورشّ الغاز القاتل في وجهه. ثم هرب مباشرة باتجاه السيارة التي كانت تنتظر. لكنهما لم يستطيعا الفرار إذ انطلقت عدة سيارات وراء سيارة القاتلين، وأخبر أحدهم الشرطة كي تغلق طرق الحي.


حاولت سيارة ثانية تابعة لفريق الدعم الإسرائيلي التدخل وتهريب القاتلين، لكن إحدى السيارات اعترضت طريقها وأحاط رجال مسلحون فجأة بعملاء الموساد وأرغموا القاتلين على الانبطاح أرضا. وصلت الشرطة في الحال أيضا بينما نقلت سيارة إسعاف خالد مشعل إلى أحد المستشفيات. اقتيد القاتلان إلى مركز الشرطة حيث أبرزا جوازي سفريهما الكنديين وأكّدا أنهما ضحية «مؤامرة كبيرة». لكن رئيس جهاز مكافحة الجاسوسية الأردني وضع حدا ل«مهزلتهما» وأخبرهما أنه يعرف من هما.


وقد صرّح فيما بعد قائلا إن المسؤول المحلّي للموساد «أفرغ ما في جعبته واعترف أن الرجلين تابعين له وأن إسرائيل سوف تفاوض مباشرة مع الملك حسين». وينقل المؤلف عن أحد عملاء الموساد قوله عن اتصال هاتفي جرى بين الملك الأردني ونتانياهو: «لم يطرح الملك حسين على نتانياهو سوى سؤالين. بماذا يلعب؟ وهل يمتلك دواء ناجعا ضد الغاز السام المستخدم»؟. أراد نتانياهو أن ينكر في البداية كل شيء، لكنه لم يكن يعرف أن عميليه قد اعترفا بكل شيء أمام عدسة الكاميرا وأن شريطا مسجلا كان بطريقه إلى واشنطن».


سقوط الرواية الرسمية


إثر الفشل الذريع الذي عرفته تلك العملية استقال «داني ياتوم» مدير جهاز الموساد من منصبه في شهر فبراير من عام 1998، ولم يبعث له بنيامين نتانياهو الرسالة التقليدية التي تعوّد رؤساء الوزراء الإسرائيليون إرسالها إلى مدريري الموساد عند مغادرتهم الوظيفة من أجل «شكرهم على الخدمات التي قدّموها».


وكانت مواقع «ياتوم» قد اهتزت منذ اغتيال إسحق رابين، خاصة بعد أن قام الصحافي «باري شاميش» بتحقيق شخصي اعتمد فيه على تقارير طبية وعلى شهادات العديد من الحرّاس الشخصيين لرابين؛ ثم نشر في عام 1999 نتائج تحقيقه على شبكة الانترنت. وكانت تلك النتائج تشابه إلى حد كبير ما كان قد تمّ التوصل إليه من نتائج بعد مقتل الرئيس الأميركي جون كنيدي عام 1963.


وجاء في نتائج تحقيق شاميش قوله: «إن نظرية القاتل المعزول التي قبلت بها اللجنة الحكومية حول اغتيال رابين تخفي ما ربما كان محاولة اغتيال فاشلة ترمي إلى إنعاش الشعبية المترنحة لإسحاق رابين لدى الناخبين. لقد قبل إيغال أمير أن يلعب دور القاتل تنفيذا لتعليمات مسؤوله في الأجهزة السرية الإسرائيلية».


وأضاف: «لقد أطلق أمير رصاصة خلّبية لا تقتل. وقد أطلق رصاصة واحدة وليس ثلاث رصاصات كما أُعلن. وأظهر فحص مختبرات الشرطة على غلاف الرصاصة الذي وجدوه في مكان وقوع الجريمة أنه لا يتناسب مع صفات السلاح الذي استخدمه أمير. ولم يكن هناك من شاهد رابين وهو ينزف دما .


وسرّ آخر هو: كيف أضاعت السيارة التي أقلّت رابين إلى المستشفى ما بين ثمانية إلى اثنتي عشر دقيقة بينما كان يُفترض ألا يستغرق نقله سوى 45 ثانية عبر الشوارع المقفرة حيث كانت الشرطة قد منعت السير من أجل الاجتماع الشعبي لنصرة السلام الذي كان رابين يشارك به؟».


لكن يبقى السر الأكثر خطورة فيما قال به شاميش هو التالي: «خلال ذلك المسار الغريب الذي سلكه سائق مدرّب إلى المستشفى أُصيب رابين برصاصتين حقيقيتين انطلقتا من مسدس حارسه الشخصي يورام روبين. هذا السلاح اختفى في المستشفى ولم يعثر له على أثر بعد ذلك. وظلّت الرصاصتان اللتان تمّ استخراجهما من جسد إسحاق رابين مفقودتين مدة إحدى عشرة ساعة. ثم انتحر حارسه روبين بعد ذلك«.


لم تكن النتائج التي توصل لها شاميش هي وحدها التي ألقت الشكوك حول الرواية الرسمية لمقتل رابين؛ بل إن شهادات «تحت القسم» أكّدت «أن شيئا ما خطيرا قد حدث وله مواصفات المؤامرة». أما أمير نفسه فقد قال للمحكمة أثناء قراءة قرار الاتهام: «إذا قلت الحقيقة، فإن النظام كله سينهار، ولدي ما يكفي كي أبيد هذه البلاد».


ما يؤكده مؤلف هذا الكتاب هو أن شاميش ليس «مأخوذا بفكرة المؤامرات« بل إنه متعقل عامة فيما يكتب
  رد مع اقتباس
قديم 12/08/2006   #16
post[field7] dot
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ dot
dot is offline
 
نورنا ب:
May 2006
مشاركات:
3,276

افتراضي




كان رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك هو إسحاق شامير ذو الكفاءات العالية في عمليات الاغتيال المخططة منذ أن كان عضوا فاعلا في جماعة «الهاجاناه» التي مارست الكثير من العمليات الإرهابية في فلسطين قبل قيام الدولة العبرية. وأصدر شامير تعليمات لناحوم ادموني، مدير الموساد، باغتيال العالم الكندي .


بعد يومين من ذلك القرار وصل عميلان للموساد إلى بروكسل قادمين من تل أبيب، واستقبلهما عميل مقيم. كان يراقب تحركات «بول» منذ أسابيع. وفي 22 مارس 1990 توجّه العملاء الثلاثة إلى حيث كان يقطن هدفهم والذي أصبح ضحيتهم في حوالي الساعة الثامنة من مساء اليوم نفسه. كان عمره آنذاك 61 سنة.


أكّد «مايكل» ابن العالم الكندي مرارا بعد ذلك أن والده كان على اقتناع تام أن عملاء الموساد يلاحقونه، لكن ما إن عاد القتلة الثلاثة إلى تل أبيب حتى بدأت إدارة الحرب النفسية في جهاز الموساد بنشر إشاعات، استخدمت فيها وسائل الإعلام، مفادها أن جيرالد بول قد اغتيل لأنه أراد أن يضع حدا لتعاونه مع نظام صدام حسين.


استهداف مشعل


لكن إذا كان شامير قد وسّع من دائرة الاغتيالات فإن بنيامين نتانياهو حدد أعداءه الرئيسيين الذين ينبغي قتلهم في قادة حركة حماس وينقل عنه المؤلف، كما قال عضو مهم في الأجهزة السرية الإسرائيلية، تصريحه: «أريد رأس هؤلاء الحاقدين في حماس، ولو كلّفني ذلك منصبي». ويضيف المسؤول في جهاز الموساد: «كان نتانياهو يريد نتائج فورية مثلما هو الأمر في ألعاب الفيديو أو في أفلام المغامرات القديمة التي يعشقها».


وكان الهدف الأول الذي حدده الموساد هو خالد مشعل، عضو المكتب السياسي لحركة حماس والذي كان عملاء الموساد في العاصمة الأردنية عمّان قد حددوا وجوده منذ فترة. قال نتانياهو على الفور: هيا ابعثوا إلى عمّان «من يصفّي حسابه«. ذلك دون أن يأبه أبدا لما يمكن لمثل تلك العملية أن تجلبه من تدهور في العلاقات مع الأردن بعد أن كان سابقه «رابين» قد نجح في إقامتها مع الملك حسين. هذا بالإضافة إلى ما قد يحرم إسرائيل من معلومات مهمة حول سوريا والعراق.


جرى سرّا تحضير فريق كوماندوز من ثمانية عملاء للموساد. كانت المهمة محددة لكل منهم بحيث يعود الجميع بعد تنفيذ الاغتيال عبر جسر «اللنبي» بالقرب من القدس. وكان السلاح المستخدم غير اعتيادي، أي ليس مسدسا كاتما للصوت، وإنما كان غازا ساما. كانت تلك هي المرة الأولى التي يتم فيها استخدام مثل ذلك السلاح من قبل الموساد، حيث كان علماء روس هاجروا إلى إسرائيل وراء تصنيعه.


وفي 24 سبتمبر 1997 وصل أعضاء فريق الدعم إلى عمان من أثينا وروما وباريس حيث كانوا قد أمضوا عدة أيام واستلموا جوازات سفر كمواطنين في تلك البلدان، بينما كان القاتلان المكلّفان بتنفيذ خطة الاغتيال يحملان جوازات سفر كندية ، وكانا قد شرحا للعاملين في فندق «انتركونتيننتال» أنهما قد جاءا بقصد السياحة، أما أعضاء فريق الدعم فقد نزلوا في السفارة الإسرائيلية غير البعيدة.


في اليوم التالي قام القاتلان باستئجار سيارتين بواسطة موظفي الاستقبال في الفندق بزعم أنما سيقومان برحلة إلى جنوب البلاد. كان ذلك عند الساعة التاسعة، وعند الساعة العاشرة كان خالد مشعل في طريقه إلى مكتبه. كان يركب قرب سائقه بينما كان ثلاثة من أطفاله يجلسون في المقعد الخلفي. وعندما وصلت السيارة إلى منطقة الحدائق أنذر السائق خالد مشعل بأنهم ملاحقون. قام مشعل فورا بالاتصال مع الشرطة وأعطاهم رقم سيارة عميلي الموساد. لكن رجال الشرطة أخبروه بعد دقائق أن السيارة المعنية مستأجرة من قبل «سائح كندي».


قام خالد مشعل بتقبيل أطفاله الثلاثة قبل النزول من السيارة أمام مكتبه كي يتابعوا هم طريقهم إلى المدرسة برفقة السائق. كان القاتلان ينتظران مع حشد أمام مكتب حماس في شارع وصفي التل. تقدم أحدهما نحو مشعل ورشّ الغاز القاتل في وجهه. ثم هرب مباشرة باتجاه السيارة التي كانت تنتظر. لكنهما لم يستطيعا الفرار إذ انطلقت عدة سيارات وراء سيارة القاتلين، وأخبر أحدهم الشرطة كي تغلق طرق الحي.


حاولت سيارة ثانية تابعة لفريق الدعم الإسرائيلي التدخل وتهريب القاتلين، لكن إحدى السيارات اعترضت طريقها وأحاط رجال مسلحون فجأة بعملاء الموساد وأرغموا القاتلين على الانبطاح أرضا. وصلت الشرطة في الحال أيضا بينما نقلت سيارة إسعاف خالد مشعل إلى أحد المستشفيات. اقتيد القاتلان إلى مركز الشرطة حيث أبرزا جوازي سفريهما الكنديين وأكّدا أنهما ضحية «مؤامرة كبيرة». لكن رئيس جهاز مكافحة الجاسوسية الأردني وضع حدا ل«مهزلتهما» وأخبرهما أنه يعرف من هما.


وقد صرّح فيما بعد قائلا إن المسؤول المحلّي للموساد «أفرغ ما في جعبته واعترف أن الرجلين تابعين له وأن إسرائيل سوف تفاوض مباشرة مع الملك حسين». وينقل المؤلف عن أحد عملاء الموساد قوله عن اتصال هاتفي جرى بين الملك الأردني ونتانياهو: «لم يطرح الملك حسين على نتانياهو سوى سؤالين. بماذا يلعب؟ وهل يمتلك دواء ناجعا ضد الغاز السام المستخدم»؟. أراد نتانياهو أن ينكر في البداية كل شيء، لكنه لم يكن يعرف أن عميليه قد اعترفا بكل شيء أمام عدسة الكاميرا وأن شريطا مسجلا كان بطريقه إلى
واشنطن».


سقوط الرواية الرسمية



إثر الفشل الذريع الذي عرفته تلك العملية استقال «داني ياتوم» مدير جهاز الموساد من منصبه في شهر فبراير من عام 1998، ولم يبعث له بنيامين نتانياهو الرسالة التقليدية التي تعوّد رؤساء الوزراء الإسرائيليون إرسالها إلى مدريري الموساد عند مغادرتهم الوظيفة من أجل «شكرهم على الخدمات التي قدّموها».


وكانت مواقع «ياتوم» قد اهتزت منذ اغتيال إسحق رابين، خاصة بعد أن قام الصحافي «باري شاميش» بتحقيق شخصي اعتمد فيه على تقارير طبية وعلى شهادات العديد من الحرّاس الشخصيين لرابين؛ ثم نشر في عام 1999 نتائج تحقيقه على شبكة الانترنت. وكانت تلك النتائج تشابه إلى حد كبير ما كان قد تمّ التوصل إليه من نتائج بعد مقتل الرئيس الأميركي جون كنيدي عام 1963.


وجاء في نتائج تحقيق شاميش قوله: «إن نظرية القاتل المعزول التي قبلت بها اللجنة الحكومية حول اغتيال رابين تخفي ما ربما كان محاولة اغتيال فاشلة ترمي إلى إنعاش الشعبية المترنحة لإسحاق رابين لدى الناخبين. لقد قبل إيغال أمير أن يلعب دور القاتل تنفيذا لتعليمات مسؤوله في الأجهزة السرية الإسرائيلية».


وأضاف: «لقد أطلق أمير رصاصة خلّبية لا تقتل. وقد أطلق رصاصة واحدة وليس ثلاث رصاصات كما أُعلن. وأظهر فحص مختبرات الشرطة على غلاف الرصاصة الذي وجدوه في مكان وقوع الجريمة أنه لا يتناسب مع صفات السلاح الذي استخدمه أمير. ولم يكن هناك من شاهد رابين وهو ينزف دما .


وسرّ آخر هو: كيف أضاعت السيارة التي أقلّت رابين إلى المستشفى ما بين ثمانية إلى اثنتي عشر دقيقة بينما كان يُفترض ألا يستغرق نقله سوى 45 ثانية عبر الشوارع المقفرة حيث كانت الشرطة قد منعت السير من أجل الاجتماع الشعبي لنصرة السلام الذي كان رابين يشارك به؟».


لكن يبقى السر الأكثر خطورة فيما قال به شاميش هو التالي: «خلال ذلك المسار الغريب الذي سلكه سائق مدرّب إلى المستشفى أُصيب رابين برصاصتين حقيقيتين انطلقتا من مسدس حارسه الشخصي يورام روبين. هذا السلاح اختفى في المستشفى ولم يعثر له على أثر بعد ذلك. وظلّت الرصاصتان اللتان تمّ استخراجهما من جسد إسحاق رابين مفقودتين مدة إحدى عشرة ساعة. ثم انتحر حارسه روبين بعد ذلك«.


لم تكن النتائج التي توصل لها شاميش هي وحدها التي ألقت الشكوك حول الرواية الرسمية لمقتل رابين؛ بل إن شهادات «تحت القسم» أكّدت «أن شيئا ما خطيرا قد حدث وله مواصفات المؤامرة». أما أمير نفسه فقد قال للمحكمة أثناء قراءة قرار الاتهام: «إذا قلت الحقيقة، فإن النظام كله سينهار، ولدي ما يكفي كي أبيد هذه البلاد».


ما يؤكده مؤلف هذا الكتاب هو أن شاميش ليس «مأخوذا بفكرة المؤامرات« بل إنه متعقل عامة فيما يكتب.



  رد مع اقتباس
قديم 12/08/2006   #17
post[field7] dot
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ dot
dot is offline
 
نورنا ب:
May 2006
مشاركات:
3,276

افتراضي




كان رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك هو إسحاق شامير ذو الكفاءات العالية في عمليات الاغتيال المخططة منذ أن كان عضوا فاعلا في جماعة «الهاجاناه» التي مارست الكثير من العمليات الإرهابية في فلسطين قبل قيام الدولة العبرية. وأصدر شامير تعليمات لناحوم ادموني، مدير الموساد، باغتيال العالم الكندي .


بعد يومين من ذلك القرار وصل عميلان للموساد إلى بروكسل قادمين من تل أبيب، واستقبلهما عميل مقيم. كان يراقب تحركات «بول» منذ أسابيع. وفي 22 مارس 1990 توجّه العملاء الثلاثة إلى حيث كان يقطن هدفهم والذي أصبح ضحيتهم في حوالي الساعة الثامنة من مساء اليوم نفسه. كان عمره آنذاك 61 سنة.


أكّد «مايكل» ابن العالم الكندي مرارا بعد ذلك أن والده كان على اقتناع تام أن عملاء الموساد يلاحقونه، لكن ما إن عاد القتلة الثلاثة إلى تل أبيب حتى بدأت إدارة الحرب النفسية في جهاز الموساد بنشر إشاعات، استخدمت فيها وسائل الإعلام، مفادها أن جيرالد بول قد اغتيل لأنه أراد أن يضع حدا
لتعاونه مع نظام صدام حسين.


استهداف مشعل



لكن إذا كان شامير قد وسّع من دائرة الاغتيالات فإن بنيامين نتانياهو حدد أعداءه الرئيسيين الذين ينبغي قتلهم في قادة حركة حماس وينقل عنه المؤلف، كما قال عضو مهم في الأجهزة السرية الإسرائيلية، تصريحه: «أريد رأس هؤلاء الحاقدين في حماس، ولو كلّفني ذلك منصبي». ويضيف المسؤول في جهاز الموساد: «كان نتانياهو يريد نتائج فورية مثلما هو الأمر في ألعاب الفيديو أو في أفلام المغامرات القديمة التي يعشقها».


وكان الهدف الأول الذي حدده الموساد هو خالد مشعل، عضو المكتب السياسي لحركة حماس والذي كان عملاء الموساد في العاصمة الأردنية عمّان قد حددوا وجوده منذ فترة. قال نتانياهو على الفور: هيا ابعثوا إلى عمّان «من يصفّي حسابه«. ذلك دون أن يأبه أبدا لما يمكن لمثل تلك العملية أن تجلبه من تدهور في العلاقات مع الأردن بعد أن كان سابقه «رابين» قد نجح في إقامتها مع الملك حسين. هذا بالإضافة إلى ما قد يحرم إسرائيل من معلومات مهمة حول سوريا والعراق.


جرى سرّا تحضير فريق كوماندوز من ثمانية عملاء للموساد. كانت المهمة محددة لكل منهم بحيث يعود الجميع بعد تنفيذ الاغتيال عبر جسر «اللنبي» بالقرب من القدس. وكان السلاح المستخدم غير اعتيادي، أي ليس مسدسا كاتما للصوت، وإنما كان غازا ساما. كانت تلك هي المرة الأولى التي يتم فيها استخدام مثل ذلك السلاح من قبل الموساد، حيث كان علماء روس هاجروا إلى إسرائيل وراء تصنيعه.


وفي 24 سبتمبر 1997 وصل أعضاء فريق الدعم إلى عمان من أثينا وروما وباريس حيث كانوا قد أمضوا عدة أيام واستلموا جوازات سفر كمواطنين في تلك البلدان، بينما كان القاتلان المكلّفان بتنفيذ خطة الاغتيال يحملان جوازات سفر كندية ، وكانا قد شرحا للعاملين في فندق «انتركونتيننتال» أنهما قد جاءا بقصد السياحة، أما أعضاء فريق الدعم فقد نزلوا في السفارة الإسرائيلية غير البعيدة.


في اليوم التالي قام القاتلان باستئجار سيارتين بواسطة موظفي الاستقبال في الفندق بزعم أنما سيقومان برحلة إلى جنوب البلاد. كان ذلك عند الساعة التاسعة، وعند الساعة العاشرة كان خالد مشعل في طريقه إلى مكتبه. كان يركب قرب سائقه بينما كان ثلاثة من أطفاله يجلسون في المقعد الخلفي. وعندما وصلت السيارة إلى منطقة الحدائق أنذر السائق خالد مشعل بأنهم ملاحقون. قام مشعل فورا بالاتصال مع الشرطة وأعطاهم رقم سيارة عميلي الموساد. لكن رجال الشرطة أخبروه بعد دقائق أن السيارة المعنية مستأجرة من قبل «سائح كندي».


قام خالد مشعل بتقبيل أطفاله الثلاثة قبل النزول من السيارة أمام مكتبه كي يتابعوا هم طريقهم إلى المدرسة برفقة السائق. كان القاتلان ينتظران مع حشد أمام مكتب حماس في شارع وصفي التل. تقدم أحدهما نحو مشعل ورشّ الغاز القاتل في وجهه. ثم هرب مباشرة باتجاه السيارة التي كانت تنتظر. لكنهما لم يستطيعا الفرار إذ انطلقت عدة سيارات وراء سيارة القاتلين، وأخبر أحدهم الشرطة كي تغلق طرق الحي.


حاولت سيارة ثانية تابعة لفريق الدعم الإسرائيلي التدخل وتهريب القاتلين، لكن إحدى السيارات اعترضت طريقها وأحاط رجال مسلحون فجأة بعملاء الموساد وأرغموا القاتلين على الانبطاح أرضا. وصلت الشرطة في الحال أيضا بينما نقلت سيارة إسعاف خالد مشعل إلى أحد المستشفيات. اقتيد القاتلان إلى مركز الشرطة حيث أبرزا جوازي سفريهما الكنديين وأكّدا أنهما ضحية «مؤامرة كبيرة». لكن رئيس جهاز مكافحة الجاسوسية الأردني وضع حدا ل«مهزلتهما» وأخبرهما أنه يعرف من هما.


وقد صرّح فيما بعد قائلا إن المسؤول المحلّي للموساد «أفرغ ما في جعبته واعترف أن الرجلين تابعين له وأن إسرائيل سوف تفاوض مباشرة مع الملك حسين». وينقل المؤلف عن أحد عملاء الموساد قوله عن اتصال هاتفي جرى بين الملك الأردني ونتانياهو: «لم يطرح الملك حسين على نتانياهو سوى سؤالين. بماذا يلعب؟ وهل يمتلك دواء ناجعا ضد الغاز السام المستخدم»؟. أراد نتانياهو أن ينكر في البداية كل شيء، لكنه لم يكن يعرف أن عميليه قد اعترفا بكل شيء أمام عدسة الكاميرا وأن شريطا مسجلا كان بطريقه إلى واشنطن
».


سقوط الرواية الرسمية



إثر الفشل الذريع الذي عرفته تلك العملية استقال «داني ياتوم» مدير جهاز الموساد من منصبه في شهر فبراير من عام 1998، ولم يبعث له بنيامين نتانياهو الرسالة التقليدية التي تعوّد رؤساء الوزراء الإسرائيليون إرسالها إلى مدريري الموساد عند مغادرتهم الوظيفة من أجل «شكرهم على الخدمات التي قدّموها».


وكانت مواقع «ياتوم» قد اهتزت منذ اغتيال إسحق رابين، خاصة بعد أن قام الصحافي «باري شاميش» بتحقيق شخصي اعتمد فيه على تقارير طبية وعلى شهادات العديد من الحرّاس الشخصيين لرابين؛ ثم نشر في عام 1999 نتائج تحقيقه على شبكة الانترنت. وكانت تلك النتائج تشابه إلى حد كبير ما كان قد تمّ التوصل إليه من نتائج بعد مقتل الرئيس الأميركي جون كنيدي عام 1963.


وجاء في نتائج تحقيق شاميش قوله: «إن نظرية القاتل المعزول التي قبلت بها اللجنة الحكومية حول اغتيال رابين تخفي ما ربما كان محاولة اغتيال فاشلة ترمي إلى إنعاش الشعبية المترنحة لإسحاق رابين لدى الناخبين. لقد قبل إيغال أمير أن يلعب دور القاتل تنفيذا لتعليمات مسؤوله في الأجهزة السرية الإسرائيلية».


وأضاف: «لقد أطلق أمير رصاصة خلّبية لا تقتل. وقد أطلق رصاصة واحدة وليس ثلاث رصاصات كما أُعلن. وأظهر فحص مختبرات الشرطة على غلاف الرصاصة الذي وجدوه في مكان وقوع الجريمة أنه لا يتناسب مع صفات السلاح الذي استخدمه أمير. ولم يكن هناك من شاهد رابين وهو ينزف دما . وسرّ آخر هو: كيف أضاعت السيارة التي أقلّت رابين إلى المستشفى ما بين ثمانية إلى اثنتي عشر دقيقة بينما كان يُفترض ألا يستغرق نقله سوى 45 ثانية عبر الشوارع المقفرة حيث كانت الشرطة قد منعت السير من أجل الاجتماع الشعبي لنصرة السلام الذي كان رابين يشارك به؟».


لكن يبقى السر الأكثر خطورة فيما قال به شاميش هو التالي: «خلال ذلك المسار الغريب الذي سلكه سائق مدرّب إلى المستشفى أُصيب رابين برصاصتين حقيقيتين انطلقتا من مسدس حارسه الشخصي يورام روبين. هذا السلاح اختفى في المستشفى ولم يعثر له على أثر بعد ذلك. وظلّت الرصاصتان اللتان تمّ استخراجهما من جسد إسحاق رابين مفقودتين مدة إحدى عشرة ساعة. ثم انتحر حارسه روبين بعد ذلك«.


لم تكن النتائج التي توصل لها شاميش هي وحدها التي ألقت الشكوك حول الرواية الرسمية لمقتل رابين؛ بل إن شهادات «تحت القسم» أكّدت «أن شيئا ما خطيرا قد حدث وله مواصفات المؤامرة». أما أمير نفسه فقد قال للمحكمة أثناء قراءة قرار الاتهام: «إذا قلت الحقيقة، فإن النظام كله سينهار، ولدي ما يكفي كي أبيد هذه البلاد».


ما يؤكده مؤلف هذا الكتاب هو أن شاميش ليس «مأخوذا بفكرة المؤامرات« بل إنه متعقل عامة فيما يكتب.



  رد مع اقتباس
قديم 12/08/2006   #18
post[field7] dot
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ dot
dot is offline
 
نورنا ب:
May 2006
مشاركات:
3,276

افتراضي




كان رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك هو إسحاق شامير ذو الكفاءات العالية في عمليات الاغتيال المخططة منذ أن كان عضوا فاعلا في جماعة «الهاجاناه» التي مارست الكثير من العمليات الإرهابية في فلسطين قبل قيام الدولة العبرية. وأصدر شامير تعليمات لناحوم ادموني، مدير الموساد، باغتيال العالم الكندي .


بعد يومين من ذلك القرار وصل عميلان للموساد إلى بروكسل قادمين من تل أبيب، واستقبلهما عميل مقيم. كان يراقب تحركات «بول» منذ أسابيع. وفي 22 مارس 1990 توجّه العملاء الثلاثة إلى حيث كان يقطن هدفهم والذي أصبح ضحيتهم في حوالي الساعة الثامنة من مساء اليوم نفسه. كان عمره آنذاك 61 سنة.


أكّد «مايكل» ابن العالم الكندي مرارا بعد ذلك أن والده كان على اقتناع تام أن عملاء الموساد يلاحقونه، لكن ما إن عاد القتلة الثلاثة إلى تل أبيب حتى بدأت إدارة الحرب النفسية في جهاز الموساد بنشر إشاعات، استخدمت فيها وسائل الإعلام، مفادها أن جيرالد بول قد اغتيل لأنه أراد أن يضع حدا لتعاونه مع نظام صدام حسين.


استهداف مشعل


لكن إذا كان شامير قد وسّع من دائرة الاغتيالات فإن بنيامين نتانياهو حدد أعداءه الرئيسيين الذين ينبغي قتلهم في قادة حركة حماس وينقل عنه المؤلف، كما قال عضو مهم في الأجهزة السرية الإسرائيلية، تصريحه: «أريد رأس هؤلاء الحاقدين في حماس، ولو كلّفني ذلك منصبي». ويضيف المسؤول في جهاز الموساد: «كان نتانياهو يريد نتائج فورية مثلما هو الأمر في ألعاب الفيديو أو في أفلام المغامرات القديمة التي يعشقها».


وكان الهدف الأول الذي حدده الموساد هو خالد مشعل، عضو المكتب السياسي لحركة حماس والذي كان عملاء الموساد في العاصمة الأردنية عمّان قد حددوا وجوده منذ فترة. قال نتانياهو على الفور: هيا ابعثوا إلى عمّان «من يصفّي حسابه«. ذلك دون أن يأبه أبدا لما يمكن لمثل تلك العملية أن تجلبه من تدهور في العلاقات مع الأردن بعد أن كان سابقه «رابين» قد نجح في إقامتها مع الملك حسين. هذا بالإضافة إلى ما قد يحرم إسرائيل من معلومات مهمة حول سوريا والعراق.


جرى سرّا تحضير فريق كوماندوز من ثمانية عملاء للموساد. كانت المهمة محددة لكل منهم بحيث يعود الجميع بعد تنفيذ الاغتيال عبر جسر «اللنبي» بالقرب من القدس. وكان السلاح المستخدم غير اعتيادي، أي ليس مسدسا كاتما للصوت، وإنما كان غازا ساما. كانت تلك هي المرة الأولى التي يتم فيها استخدام مثل ذلك السلاح من قبل الموساد، حيث كان علماء روس هاجروا إلى إسرائيل وراء تصنيعه.


وفي 24 سبتمبر 1997 وصل أعضاء فريق الدعم إلى عمان من أثينا وروما وباريس حيث كانوا قد أمضوا عدة أيام واستلموا جوازات سفر كمواطنين في تلك البلدان، بينما كان القاتلان المكلّفان بتنفيذ خطة الاغتيال يحملان جوازات سفر كندية ، وكانا قد شرحا للعاملين في فندق «انتركونتيننتال» أنهما قد جاءا بقصد السياحة، أما أعضاء فريق الدعم فقد نزلوا في السفارة الإسرائيلية غير البعيدة.


في اليوم التالي قام القاتلان باستئجار سيارتين بواسطة موظفي الاستقبال في الفندق بزعم أنما سيقومان برحلة إلى جنوب البلاد. كان ذلك عند الساعة التاسعة، وعند الساعة العاشرة كان خالد مشعل في طريقه إلى مكتبه. كان يركب قرب سائقه بينما كان ثلاثة من أطفاله يجلسون في المقعد الخلفي. وعندما وصلت السيارة إلى منطقة الحدائق أنذر السائق خالد مشعل بأنهم ملاحقون. قام مشعل فورا بالاتصال مع الشرطة وأعطاهم رقم سيارة عميلي الموساد. لكن رجال الشرطة أخبروه بعد دقائق أن السيارة المعنية مستأجرة من قبل «سائح كندي».


قام خالد مشعل بتقبيل أطفاله الثلاثة قبل النزول من السيارة أمام مكتبه كي يتابعوا هم طريقهم إلى المدرسة برفقة السائق. كان القاتلان ينتظران مع حشد أمام مكتب حماس في شارع وصفي التل. تقدم أحدهما نحو مشعل ورشّ الغاز القاتل في وجهه. ثم هرب مباشرة باتجاه السيارة التي كانت تنتظر. لكنهما لم يستطيعا الفرار إذ انطلقت عدة سيارات وراء سيارة القاتلين، وأخبر أحدهم الشرطة كي تغلق طرق الحي.


حاولت سيارة ثانية تابعة لفريق الدعم الإسرائيلي التدخل وتهريب القاتلين، لكن إحدى السيارات اعترضت طريقها وأحاط رجال مسلحون فجأة بعملاء الموساد وأرغموا القاتلين على الانبطاح أرضا. وصلت الشرطة في الحال أيضا بينما نقلت سيارة إسعاف خالد مشعل إلى أحد المستشفيات. اقتيد القاتلان إلى مركز الشرطة حيث أبرزا جوازي سفريهما الكنديين وأكّدا أنهما ضحية «مؤامرة كبيرة». لكن رئيس جهاز مكافحة الجاسوسية الأردني وضع حدا ل«مهزلتهما» وأخبرهما أنه يعرف من هما.


وقد صرّح فيما بعد قائلا إن المسؤول المحلّي للموساد «أفرغ ما في جعبته واعترف أن الرجلين تابعين له وأن إسرائيل سوف تفاوض مباشرة مع الملك حسين». وينقل المؤلف عن أحد عملاء الموساد قوله عن اتصال هاتفي جرى بين الملك الأردني ونتانياهو: «لم يطرح الملك حسين على نتانياهو سوى سؤالين. بماذا يلعب؟ وهل يمتلك دواء ناجعا ضد الغاز السام المستخدم»؟. أراد نتانياهو أن ينكر في البداية كل شيء، لكنه لم يكن يعرف أن عميليه قد اعترفا بكل شيء أمام عدسة الكاميرا وأن شريطا مسجلا كان بطريقه إلى واشنطن».


سقوط الرواية الرسمية


إثر الفشل الذريع الذي عرفته تلك العملية استقال «داني ياتوم» مدير جهاز الموساد من منصبه في شهر فبراير من عام 1998، ولم يبعث له بنيامين نتانياهو الرسالة التقليدية التي تعوّد رؤساء الوزراء الإسرائيليون إرسالها إلى مدريري الموساد عند مغادرتهم الوظيفة من أجل «شكرهم على الخدمات التي قدّموها».


وكانت مواقع «ياتوم» قد اهتزت منذ اغتيال إسحق رابين، خاصة بعد أن قام الصحافي «باري شاميش» بتحقيق شخصي اعتمد فيه على تقارير طبية وعلى شهادات العديد من الحرّاس الشخصيين لرابين؛ ثم نشر في عام 1999 نتائج تحقيقه على شبكة الانترنت. وكانت تلك النتائج تشابه إلى حد كبير ما كان قد تمّ التوصل إليه من نتائج بعد مقتل الرئيس الأميركي جون كنيدي عام 1963.


وجاء في نتائج تحقيق شاميش قوله: «إن نظرية القاتل المعزول التي قبلت بها اللجنة الحكومية حول اغتيال رابين تخفي ما ربما كان محاولة اغتيال فاشلة ترمي إلى إنعاش الشعبية المترنحة لإسحاق رابين لدى الناخبين. لقد قبل إيغال أمير أن يلعب دور القاتل تنفيذا لتعليمات مسؤوله في الأجهزة السرية الإسرائيلية».


وأضاف: «لقد أطلق أمير رصاصة خلّبية لا تقتل. وقد أطلق رصاصة واحدة وليس ثلاث رصاصات كما أُعلن. وأظهر فحص مختبرات الشرطة على غلاف الرصاصة الذي وجدوه في مكان وقوع الجريمة أنه لا يتناسب مع صفات السلاح الذي استخدمه أمير. ولم يكن هناك من شاهد رابين وهو ينزف دما .


وسرّ آخر هو: كيف أضاعت السيارة التي أقلّت رابين إلى المستشفى ما بين ثمانية إلى اثنتي عشر دقيقة بينما كان يُفترض ألا يستغرق نقله سوى 45 ثانية عبر الشوارع المقفرة حيث كانت الشرطة قد منعت السير من أجل الاجتماع الشعبي لنصرة السلام الذي كان رابين يشارك به؟».


لكن يبقى السر الأكثر خطورة فيما قال به شاميش هو التالي: «خلال ذلك المسار الغريب الذي سلكه سائق مدرّب إلى المستشفى أُصيب رابين برصاصتين حقيقيتين انطلقتا من مسدس حارسه الشخصي يورام روبين. هذا السلاح اختفى في المستشفى ولم يعثر له على أثر بعد ذلك. وظلّت الرصاصتان اللتان تمّ استخراجهما من جسد إسحاق رابين مفقودتين مدة إحدى عشرة ساعة. ثم انتحر حارسه روبين بعد ذلك«.


لم تكن النتائج التي توصل لها شاميش هي وحدها التي ألقت الشكوك حول الرواية الرسمية لمقتل رابين؛ بل إن شهادات «تحت القسم» أكّدت «أن شيئا ما خطيرا قد حدث وله مواصفات المؤامرة». أما أمير نفسه فقد قال للمحكمة أثناء قراءة قرار الاتهام: «إذا قلت الحقيقة، فإن النظام كله سينهار، ولدي ما يكفي كي أبيد هذه البلاد».


ما يؤكده مؤلف هذا الكتاب هو أن شاميش ليس «مأخوذا بفكرة المؤامرات« بل إنه متعقل عامة فيما يكتب.



  رد مع اقتباس
إضافة موضوع جديد  إضافة رد



ضوابط المشاركة
لافيك تكتب موضوع جديد
لافيك تكتب مشاركات
لافيك تضيف مرفقات
لا فيك تعدل مشاركاتك

وسوم vB : حرك
شيفرة [IMG] : حرك
شيفرة HTML : بليد
طير و علّي


الساعة بإيدك هلق يا سيدي 16:29 (بحسب عمك غرينتش الكبير +3)


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
ما بخفيك.. في قسم لا بأس به من الحقوق محفوظة، بس كمان من شان الحق والباطل في جزء مالنا علاقة فيه ولا محفوظ ولا من يحزنون
Page generated in 0.70547 seconds with 12 queries