التنشئة المسيحية

[fr.samir]

التنشئة الروحية: في الاتحاد بالله والبحث عن المسيح:
تكمل التنشئة الإنسانية وتوجه المرشح للكهنوت إلى حياة الاتحاد بالله والبحث عن المسيح. لأن الحياة الروحية هي حياة الله في الإنسان، وعلى الكاهن أن يمتلك الله ويعيش صداقته، قبل أن يعطيها للبشر. وهذا ما نسميه "عدوى اللقاء".
يركز المجمع الفاتيكاني في قراره "التنشئة الكهنوتية" على حياة الاتحاد بالثالوث الأقدس، ويطلب من الكاهن بقوة سيامته، أن يعيش الألفة الروحية والسر الفصحي مع المسيح الكاهن، بالتأمل بكلام الله، بالاشتراك الفعلي في الأسرار المقدسة، في محبة العذراء، في تلاوة الفرض الإلهي، وبالالتفاتة نحو البؤساء والأولاد والمرضى والخطأة وغير المؤمنين. من هذا النص نتبين قيمة روحية جوهرية للدخول في صداقة حميمة مع الرب، وهي التفتيش عن يسوع للإقامة معه: "أين تسكن؟ تعاليا وانظرا... وأقاما عنده ذلك اليوم"(يو1/37-39). وللإقامة مع الرب، يرشدنا القرار المجمعي إلى طرق ثلاث هي:
المثابرة في تأمل كلام الله: بقراءة وصلاة وإصغاء في التواضع والمحبة لله المتكلم. فالكاهن هو الناطق الرسمي بكلام الله، ينقله إليه ويستنير به قبل أن ينقله للبشر وينيرهم. "إن كل رجال الإكليروس ملتزمون بأن يكبوا على قراءة الكتب المقدسة قراءة روحية متواترة، وعلى دراستها دراسة عميقة. ويأتي في طليعة هذا الإكليروس كهنة المسيح والشمامسة الإنجيليون، والمدرسون النظاميون للتعليم المسيحي".
الاشتراك الفعال في أسرار الكنيسة المقدسة: التنشئة الليتورجية ضرورة إيمانية، من أجل تغذية حياة الكاهن الروحية واتحاده بالله بواسطة الأسرار، وخاصة سر الإفخارستيا ذكرى تضحية المسيح وموته وقيامته، حيث يعطى طعاماًً، وتمتلىْء النفس نعمة ويوهب المجد الآتي. فالكاهن هو قبل كل شيء خادم الذبيحة الإلهية، وبدونها لا وجود له. منها يستمد قداسته، ومن فيضها رسالته واكتساب الفضائل. ويسبق هذا السر ويتكامل معه سر التوبة وما يوليه من عزاء وفرح وطمأنينة. ففي عالم خفّّ فيه مفهوم الخطيئة وتأثيرها على حياة الإنسان واتزانه، تدعو الكنيسة كل المسيحيين، وخاصة رجال الإكليروس، إلى اعتناق سر التنقية للعودة إلى الله. فعلى كهنة الغد أن يتربوا على فضيلة التوبة، ويدركوا أنها هي حالهم الثابته لعيش المصالحة الدائمة. منها ينبع معنى التروض والممارسة الروحية والتضحية والتجرد وقبول الألم والصليب، اقتداءًً بالمسيح وامتداداًً لنهجه وتعاليمه.
خدمة المحبة تجاه "الأصاغر": لاكتشاف يسوع فيهم واكتشافهم في يسوع. فالإنسان هو منذ البدء، قيمة الإله الخالق وقمة حبه. بالخلق جعله على صورته ومثاله، وبالتجسد أخذ طبعه البشري وصار مثله. والكاهن يكون رجل محبة بقدر ما تشمل الجميع محبته، ويكون الفقير حصته، فإن اعتنى به اغتنى. ويقول الأب فاريون بهذا المعنى:" كم هو صعب أن نبشر بالطاعة إن لم نختبرها كحرية، وأن نبشر بالتواضع إن لم نختبره كعظمة، وأن نبشر بالفقر إن لم نختبره كغنى، وأن نبشر بالصلاة إن لم نختبرها كتنفس حيوي".

[fr.samir]

التنشئة الفكرية: فهم الإيمان:
إنها ترتبط ارتباطاًً وثيقاًً بالتنشئة الإنسانية والروحية، وتشكل مطلباًً ملحاًً لإداء الخدمة الكهنوتية ومستلزمات التبشير الجديد: "على الكهنة أن يقيموا وزناًً للتنشئة الفكرية في مجالات التربية والممارسة الراعوية، لأن خلاص إخوتهم وأخواتهم يلزمهم تحصيل معرفة أعمق للأسرار الإلهية". ويطلب من كاهن اليوم، تجاه اللامبالاة الدينية والشك في قدرة العقل على بلوغ الحقيقة المطلوبة وتقدم الأساليب العلمية والتكنولوجية، أن يكون على مستوى بارز ومتقدم من التنشئة الفكرية والتحصيل الثقافي على أنواعه. ويقول البابا بولس السادس:"لقد صار المسيح معاصراًً لجماعة من الناس ونطق بلغتهم؛ فمن واجب الأمانة للمسيح أن يظل الكاهن معاصراًً لأهل زمانه".

لكن مهما كان المستوى الفكري عالياًً عند الكاهن، تبقى دراسة اللاهوت مرتكزه الطبيعي والأهم، لأنه يصدر عن الإيمان ويقود إليه، وبالتالي يتميز بملامح كريستولوجية ومعطيات كنسية تفيد الكاهن وتساعده في حياته الشخصية وخبرته الروحية ونشاطاته الراعوية. وبالمقابل، فإن التنشئة اللاهوتية تصطدم بعوائق تلاثة هي: العلاقة ما بين السلطة التعليمية في الكنيسة والنقاشات اللاهوتية، التوفيق بين الصرامة العلمية في علم اللاهوت وغايته الراعوية، والتطعيم المتبادل بين الإنجيل والثقافات الأخرى. ويشير البابا أخيراًً، إلى أهمية مكافحة انخفاض المستوى اللاهوتي والفكري، بتكثيف المطالعات والتخصص، وبتشجيع الأساتذة على مواجهة التحدي المطروح على إنسان اليوم، بإعطائه الأجوبة الموجودة في إنجيل العلم والحياة، إنجيل يسوع.

[fr.samir]

التنشئة الراعوية: الاشتراك في محبة يسوع المسيح الراعي الصالح:
تهدف التنشئة الكهنوتية إلى إعداد مرشحين للكهنوت، ليكونوا من عداد الرعاة الصالحين، وليخدموا بتجرد وإخلاص النفوس الموكلة إليهم، بالكلمة والصلاة، والاحتفال بذبيحة القداس، وخدمة الرعايا، عملاًً بنهج المسيح الذي جعل من حياته خدمة للآخرين. فقوام هذه التنشئة هو اقتناء الحس الراعوي وإيجاد الوسائل لتحقيقه على ضوء الإيمان وطبقاًً للمبادىء اللاهوتية والراعوية؛ فالرعية هي الخلية الحية لمختلف النشاطات والخبرات. واقتداءًً بالمسيح الذي أشفق على شعبه قولاًً وعملاًً، على الكاهن أن يكون انعكاساًً لمحبة الكنيسة، فيطالب بنصرة حقوق الإنسان وكرامته، محترساًً من السقوط في الأيديولوجيات الزائفة التي تحاول خنق التعاليم الكنسية، ومدركاًً أن الكنيسة هي سر وشركة ورسالة، ومؤمناًً بأن العالم لا يفتدى إلاّّ بصليب المسيح.