أخوية  

أخوية سوريا: تجمع شبابي سوري (ثقافي، فكري، اجتماعي) بإطار حراك مجتمع مدني - ينشط في دعم الحرية المدنية، التعددية الديمقراطية، والتوعية بما نسميه الحد الأدنى من المسؤولية العامة. نحو عقد اجتماعي صحي سليم، به من الأكسجن ما يكف لجميع المواطنين والقاطنين.
أخذ مكانه في 2003 و توقف قسراً نهاية 2009 - النسخة الحالية هنا هي ارشيفية للتصفح فقط
ردني  لورا   أخوية > فن > المكتبة > قرأت لك

إضافة موضوع جديد  إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 09/01/2008   #19
صبيّة و ست الصبايا butterfly
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ butterfly
butterfly is offline
 
نورنا ب:
Jan 2006
المطرح:
قلب الله
مشاركات:
14,333

افتراضي


الملفات المرفقة

- لا تقم بإستخدام برامج تنزيل او تسريع تنزيل المرفقات .
- لا تقم بتنزيل اكثر من مرفق بنفس الوقت.
مخالفة هذا او ذلك يؤدي للحجب الأوتوماتيكي لعضويتك عن المرفقات كاملة و عدم قدرتك على تصفح وتنزيل اي مرفقات بشكل دائم.


نوع الملف : zip OnssiLehaj.zip‏ (2.30 ميغا بايت, 5 قراءة)

انك " فقير إلى الآخر " كما هو فقير إليك " وأنك محتاج إلى الآخر ، كما هو محتاج إليك
الأب جورج

- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا -
 

- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا -
 



- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا -
 



آخر تعديل butterfly يوم 31/03/2009 في 18:42.
  رد مع اقتباس
قديم 22/06/2008   #20
شب و شيخ الشباب achelious
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ achelious
achelious is offline
 
نورنا ب:
Oct 2006
المطرح:
الغدّ
مشاركات:
2,008

افتراضي


فكرة عن الله


فكرتي عن اللّه ليست اللّه. مَن هو، ما هو اللّه؟
لا نعرف، ومن واجب خشوعنا أمام هذه الحقيقة أن تقودنا إلى الاستنتاج أن اللّه قد يكون أفضل ما في تصوراتنا عنه.
ما معنى أفضل؟ المعنى البسيط،
الأسرع إلى مراودة الذهن حين تُلْفَظ الكلمة: الخير، المحبّة، طاقة الخَلْق. أي: نقيض الموت والعدم واللامبالاة.
ونقيض التعصّب طبعاً.
والتحجّر والإرهاب والانتقام.
اللّه في التصوُّر الطيّب هو الإيجاد الطيّب، الإيجابي، المفرح.
فكرتكَ عن اللّه ليست اللّه إلاّ بمقدار ما تكون طيّبة.
وهي مجرّد فكرة عنه، فلا تَحْسَبْها قانوناً.
إنْ هي إلاّ الفكرة الأقلّ إساءة.
اللّه، في حال آمنّا بوجوده،
لا يريدنا أن نفرض على الآخرين وجوده بالطقوس والشرائع بل أن نُحسَّه عَبْر محبّتنا للآخر،
للآخر المختلف عنّا خصوصاً، والمختلفة فكرته عن اللّه.
حياة اللّه من حرصنا على حياتنا وحياة جميع الأحياء لا من قتالنا الدموي لأجل شيء، حتّى لو ظننّاه حقّاً وحقّاً لا يُعلى عليه.
فلا شيء لا يُعلى عليه أكثر من حياة الكائن الحيّ.


عدد السبت ١٤ حزيران ٢٠٠٨

لا أحتاجُ لتوقيعٍ .. فالصفحةُ بيضا
وتاريخُ اليوم ليس يعاد ..

اللحظةُ عندي توقيعٌ ..
إن جسمكِ كانَ ليَّ الصفحات
  رد مع اقتباس
قديم 19/03/2009   #21
شب و شيخ الشباب achelious
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ achelious
achelious is offline
 
نورنا ب:
Oct 2006
المطرح:
الغدّ
مشاركات:
2,008

افتراضي


اشربْ

أتعرفُ النساءُ مقدارَ رغبةِ الرجالِ فيهنّ، ويتمنّعنَ تأجيجاً للشوق، أم يجهلن، حارماتٍ الطبيعة تناغماتٍ لا تُعوّض؟ أيدرينَ مقدارَ الفراغ الحرّاق الذي تشعر به الأحضان غير المُشْبَعَة، السواعدُ غير المُشْبَعَة، المسافات غير المعبورة؟ الطبيعة تبكي من فراغٍ كهذا. المدن تنهار قلوبُها. العالم يتقلّص.
أكرهُ يوم المرأة العالمي. كل امرأةٍ تشعر بنظرات الرجال عليها، لا بد أن تكره هذا اليوم. الشجرة أيضاً تكره يومها الرسمي. والطفل، والعامل، والأرض، والمقاومة. جميع الأيام المستفردة أيام محنّطة. مصمودة كمومياء. أعيادٌ هي في الحقيقة مآتم. المفروض مرفوض. المرأةُ عَصَبُ كلِّ لحظة، لا ذكرى يوم في السنة. ولا لزوم للإيضاح أن المقصود بالمرأة، دائماً ودون التباس، هو المُشتهاة. أمّا كيف تكون هكذا دائماً ودون التباس، فهذا شأنها وواجبها، وعلى الآخرين شرفُ الشهوةِ أو بؤس غيابها. هذا هو حكم المقادير، ولا عبرةَ بالاستثناءات. لا يُحْلَمُ بغير السحر. الفتنةُ واجب الحياة تجاه ضحاياها البشر. اسألِ الأولاد، الذين تخفق عيونهم للعَجَب أكثر ممّا تخفق قلوبهم. اسأل روّاد السينما، الذين يلعنون لحظة انتهاء الفيلم لأنّها تقطع عليهم تلك الرعشات. اسأل المنخطفين، كيف يستيقظون من انخطافاتهم كتَدَحْرُج المتسلّق من أعلى الجبل.
لا أحدَ يعود من لمسة السحر عودة الابن الشاطر، فكلُّ العائدين تنخلع روحهم.
مَن يَصنع لنا فراغاتنا هو نحن. ولكنْ كيف كنّا سننجو لولا فراغاتنا؟

آخر تعديل achelious يوم 19/03/2009 في 18:11.
  رد مع اقتباس
قديم 19/03/2009   #22
شب و شيخ الشباب achelious
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ achelious
achelious is offline
 
نورنا ب:
Oct 2006
المطرح:
الغدّ
مشاركات:
2,008

افتراضي


أتذكّرُ ما كتبت، ما أكتب، وأقول إن ثمّة ظواهرَ استعراضية، إكزيبيسيونيّة، لدى بعض الكُتّاب، وأنا منهم، يجب التغلّب عليها باسم الذوق إن لم يكن لأجل الترفّع.
قد يُعْتَرَض: وماذا يتبقّى للكاتب إذا قمعنا فيه الذات؟ على أنه سؤال سفسطائي. لا الكاتب عنصر لازم ولا الكتابة مخنوقة في هذا الخندق دون سواه. ل
ينظر الكاتب إلى العالم حواليه، من أصغره إلى أكبره، وإلى مشاكل الآخرين، إلى مباهجهم وهمومهم، وإلى ما وراء.
ولينم على شؤونه فليس القارئ ممرّضاً ولا القارئةُ أُمّاً. بالكاد مَن يَقرأ يقرأ، فلا نُندّمه.

■ ■ ■
... يُجاب على ذلك، في جملة ما يُجاب، أنه إذا كانت المطالعة هرباً من الذات، فالكتابة إبحارٌ في الذات. على الأقلّ الكتابة الوجدانيّة.
يُجاب على الإجابة: كلُّ الكتاباتِ مشروعة ومُشرعة على مختلف أنواع العيون، شرطَ أن تقيم حواراً أو يجري التيّار بينها وبين القارئ.
إلى آخره ممّا لا يُغني عن البرهان.

■ ■ ■
... دعنا من المراجعات، انظر إلى هؤلاء المحجّبات في الطريق، إلى التباين المثير بين النقاب والغنج، بين التستُّرِ وما يوحيه، انظر إلى الوجه المنوَّرِ تحت الحجاب، إلى ألوان الحُجُب بين أصفر وفيروزي، إلى هذا المغناطيس الذي يقول لك: هذا أنا وهذا أنت، أيُّنا سيكون أقوى؟ انظرْ إلى ما تقوله قسماتٌ تُكذّب الكلمات، إلى المصابيح المغطّاةِ بمصابيح، إلى الفضيلة الأكثر إغراءً من أيِّ صراخ.
دع عنكَ لومي. كلُّ شيءٍ حَرّاقٌ من بعيد.
ومن وَسَط.
ومن قريب.
دع عنكَ أيّامكَ واشرب كأسَ عينيكَ حتّى النوم.
  رد مع اقتباس
قديم 19/03/2009   #23
شب و شيخ الشباب achelious
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ achelious
achelious is offline
 
نورنا ب:
Oct 2006
المطرح:
الغدّ
مشاركات:
2,008

افتراضي


■ الحرف اللاتيني

كُتّاب العربيّة أجرهم عظيم، أولاً لأن أخويّة صغيرة من الأصدقاء يقرأونهم، وثانياً لأنهم يكتبون بلغة يكرهها الغرب، والغرب يمتلك مفاتيح العالميّة والإدخال إلى «الحضارة الحيّة». الحرف اللاتيني هو السرّ. لسنا وحدنا منبوذين، بل جميعُ الذين يكتبون بغير الحرف اللاتيني، واللغات المنبوذة هذه تُعدُّ بالمئات.
لا يزال الغرب، بعدما تحوّلت الكرة الأرضيّة شققاً مفتوحة بعضها على بعض، إذا أراد «إنعاش» ثقافة ما، صينية أو هندية أو عربية، ينقل إلى لغاته ما ينتخبه منها، كما يفعل السائح بكاميرا الذكريات. يبدأ الغرب بالإنارة ثم ينتقل إلى التلقُّحِ فالمصادرة.
يُكرّهكَ بتراثك ثم «يعيد اكتشافه» ثم يسطو عليه. وأنت المتفرّج العاجز، مطوَّحُ به كالبهلول، أو، في ردّة فعلٍ سلبية، متعصّب متزمّت معقَّد مثل قضيب الزعرور.
لا يزال السرّ في الحرف اللاتيني، إلى أن تدركه لعنةُ التآكل.
أمنيةٌ من صميم الحسد.
  رد مع اقتباس
قديم 22/06/2009   #24
شب و شيخ الشباب ..AHMAD
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ ..AHMAD
..AHMAD is offline
 
نورنا ب:
Jan 2008
مشاركات:
4,906

افتراضي


ليس هنـــاك جـــواب - أنسي الحاج

حتّى النهاية

ليس هناك جواب. الأجوبة المُعطاة تغلق الأبواب، والأسئلة تحاكِم.
والإنسان يسترحم.
ربّما بعض الجواب أَن نبتسم، أن نُبَلْسِم، وأن نحنو. ليس هو جواب القوّة، ولكنه جواب قويّ.
الشفقة التي تحدّثنا عنها لا تصدر من فوق، بل تَشعّ من شقوق جدران الانغلاق وتَغْمر.
الجواب أمومة. وأبوّة أمومة. وأخوّة أمومة. وانحرافٌ أمومي.
من الأوّل الجواب هو الأمومة، وحين ينقطع حبل السرّة يهيم الجواب على وجهه ويخبط الكائنُ في الخضمّ.
قبل الجواب لم يكن سؤال، إذ لم يكن الكائن. المشكلة هي الخَلْق. مشكلة الخالق مع الخليقة ومشكلة الخليقة مع نفسها. الخَلْق افترى. ما الذي وسوس للخالق حتى يلعب؟ متعة تشكيل العدم؟ الضجر؟ أيّة اندفاعةٍ هي التي تبعث الحياة في الغياب فيتشكّل الوجود، ثم يأخذ في النموّ حتّى الموت؟ وهل صحيح أن الإنسان لم يكن معدّاً للموت بل للبقاء وأن خطيئته أوقعت به؟ ولماذا لا يُتَدارك هذا الخطأ؟ لأسبابٍ جماليّة؟ حتّى لا يختنق العالم بالأحياء؟ حتّى لا ينقطع الشوق والحلم؟ إذاً، هذه كلّها أهمّ من الديمومة؟ هل الموت أفضل من الديمومة؟ ألا يُحتمل الإنسان غير هذا الوقت العابر؟ هل الخالق لا يحتمل خليقته أم هو فعل الخلق محدود المفاعيل؟ أتتفوّق التحفة الأدبيّة والفكريّة والفنّية على خلق الخالق فتدوم في ذاتها لا في تناسلها فحسب، بينما يضمحلّ الإنسان في ذاته، ولا قيمة للقول إنه يستمر عبر ذريته فليس هو مَن يستمر بل النوع، كالشجر والنبات؟ وإذا كانت المشكلة في الأرض وصغر حجمها فلماذا لا يتمدّد البشر إلى الكواكب والمجرّات؟ وهل ينجح الخَلْق من عدم وتفشل الخليقة في التمدّد؟ وإذا كان كذلك، ومرّة أخرى، فلماذا تُعاقَب الخليقة، والعلّة هي في فعل الخلق غير المكتمل!؟ وإذا كانت العلّة في المخلوق، أليس المسؤول عنها هو الخالق؟ ألا يتحمّل الفنّان مسؤوليّة لحنه ولوحته وقصيدته؟
يبدأ السؤال ولا تنتهي الأجوبة، وإن جاءت بصيغة تساؤل.
يرهقنا السؤال ويستنفدنا. ونرهقه ونستنفده. ونُرْهق المسؤول، وقد لا يكون مسؤولاً. ويضرب الرأسُ الجدار. وماذا لو كان السؤال مغلوطاً والأجوبة نتاج سوء النيّة؟ ننطلق من مبدأ كون الحياة في الحضور هي الأجمل، وهي القاعدة... وماذا لو كان الغياب هو الأجمل، وهو بالذات لبّ الحضور؟ كنّا نظن أنه كلّما تقادم بنا السير في الحياة تعاظَمَ برهان وجودنا، ولكن ماذا لو كان العكس هو الصحيح؟ ماذا لو كان الغياب كلّما تقدّم في ابتلاعنا، تقدَّم في كشف برهان حضورنا؟
اجتهاد آخر يدفعه الرفق بالذات.
على نقيض القوّة والتألُّه.
الانحلال لا في ماء الرغبة هذه المرّة، بل تحت سيل الألم. تحت وابل الخوف. في الكأس العملاقة الغامضة.
اخرجْ من وجودك إلى عدمك وأنت حيّ، وانظر.
انظر إلى الحجر الذي ينزاح عن الباب، وخَلْفه المجهول، المجهول الذي لم يكن في حياتك ما هو أشدّ حضوراً منه، فهل تصرخ عليه؟ هل تنظر إليه؟ هل تذهب إليه؟ هل يأتي إليك؟... أم يتفاداك في اللحظة القصوى كما سعيتَ إلى تفاديه يوم كنتَ حاكماً في وعيك، متحكّماً في جسدك، على قدم المساواة مع قَدَرك؟
حتّى النهاية ستتردّد الأسئلة، حاملة نظرات هذا المخلوق المشلَّع، العظيم، المظلوم،
شهيد الخَلْق.
حتّى النهاية، وفي سهول ما بعدها.

■ ■ ■

بَطَل

بطلي لا يقصد إلى اللذّة بل إلى الهرب، لا يقامر ليربح بل لينفق توتّره، ولا يسترسل في مباذله ليحقّق غزوة بل ليتخلّص من الرقابة على نفسه. بطلي هارب لا ليلتقي ذاته ويفهمها بل لينسى ذاته ويطلّ على مَشاهد تُشبع نهمه إلى طي الصفحات، إلى تكرار اللحظات واجتيازها، إلى امتحان القدرة على استهلاك الذات، جسداً وروحاً، فرداً وأُمّة، صدقاً وكذباً، وداعةً وتوحُّشاً، امتحاناً متواصلاً يريد أن يصل إلى خلق الندم، الندم المؤرّق الهائل، المفترس، الندم فاعلُ التغيير، ولكن ليس ندم البطل على أعماله، بل ندم العناصر التي كوّنته على إجرامها في التقصير معه،
ندم اللحم الذي كوّن لحمه على توريثه ما وَرَّثه،
ندم القادر على التدخّل لأنه لم يتدخّل،
ندم المتفرّج الساخر والمشاهد البليد،
نَدَمُ كونٍ بأسره على كونه، بَدَل أن يوجّه طاقةَ بطلي نحو الاستكانة، سلَّط عليها جداول الجمر، وبَدَل أن يجعل تَهتّك بطلي يدمّره باكراً وينهيه، تركه يعود من سقوطه كلّ مرّة أكثر جوعاً إلى استهلاك جديد.
وما ظنَّه حلقات من النسيان يَغْلب بها ما لا قدرة له على مواجهته، تبيّن أنها دروب ثانية تفضي إلى المواجهة.

■ ■ ■

صدّقني أنا

لا يضيف الإنسان إلى رصيده غير العمر. هوان يزايد على هوان. السكوت عنه ضيق والشكوى مذَلّة. ولا بهجة إلا بين باب وباب. لكَ من الزمن أَشعّةُ أيّام والباقي ظلام. ولا يسهل الاستعطاء إلّا على المُرائي، فالمُخْلِص تتجاذبه كراماته متصايحة بعضها على بعض. ولا تحسبْني أنا. لستُ أنا. مَن تَراه إنما هو يدٌ لنَفْح سواه.
أنا أداة ساهية لقوى شرّيرة. هكذا لمَ أشعر بحَرَج مع ضحاياي، فقد حَمَتْني الغفلة. وحين بدأتُ أدرك أذاي كانت أركان الشرّ قد بدأت تُخْلي داري. لا تصدّق الأحبّاء، صدّقني أنا العارف بما جرى. لم أرحم ولم أخجل، اندفعتُ كنسرٍ يغطّ ويطير فوق زَبَد البحر وفي فمه الغنائم لا تعرف أتفرح لمجدِ أن يحظى بها نسر، أم تبكي موتها.

■ ■ ■

أنت وهو

إعطاؤه ثقة بنفسه سيطلق فيه شياطين قوّة لن تعرف حدوداً، قوّة كان يكبتها مركَّبُ النقص، وما أحسنه من مركّب يلجم التهافت والصفاقة ويؤخّر تفتُّحَ الأزهار الزائفة.
إعطاؤكِ إيّاه ثقة بنفسه، وهذا لديكِ انطلاقة سماح وعطف، سيُفْرج عنده عن الشهوة المعتقلة، ولن يقف عند موانع. وأنتِ التي ما كان ببالها الانجراف، سوف تنجرفين، وأنتِ التي كانت تنظر إليه من رفعة مشاعرها الأموميّة، ستستيقظ فيكِ حِمَمُ الهوى جرّاء اندفاعته العمياء، وإذا مانعتِ فلن تؤدّي ممانعتكِ إلّا إلى تأجيج شهواتكما.

■ ■ ■

الملهى البلدي

يقول كارل كراوس إن سرّ المحرّض هو في ظهوره بمثل غباء جمهوره حتّى يحسب هذا الجمهور أنه بمثل ذكاء المحرّض. هذا الآن موسم التحريض الانتخابي في لبنان، وهو من الملاهي البلديّة المشوّقة. أما معادلة كراوس فلا تنطبق إلّا على بضعة زعماء، في حين تندرج الأكثريّة الساحقة من المرشحين والخطباء في خانةِ الأدنى مستوى عقليّاً من أي جمهور كان.
بين مآثر هذه الأكثريّة نجاحها في تجريد الكلام من المعنى. وبين ملامح الهزل في الطاحونة الانتخابية أن يبدأ المرشّح بعبارة ولا يعرف كيف يخرج منها. فقد بلغ الانحدار حدّ الفشل في حفظ الكليشيهات. وحين لا يحسن المرء الكلام الببغائي بعد سقوطه في امتحان الكلام العفوي، فماذا يبقى؟ يبقى البعد الإقليمي ـــــ الدولي الكامن وراء المعركة، وهو ما لا سلطة للمرشحين عليه. كما يبقى الاستعراض الجسدي، وهو ما يشاهده المضطر إلى التجوّل في الأحياء وبين المناطق، حيث اكتفى مرشحون بعرض ملابسهم وابتساماتهم على صور اللافتات العملاقة كأنهم ماركات ويسكي أو ببسي. وهناك مَن يريدون إنقاذ ما لا يحتاج إلى إنقاذ. فضلاً عن المتظارفين، وهم طبقة طامحة إلى تجديد السماجة.
كان بعض المنى أن تنطوي المعركة على هزل يُضحك بلا ادّعاء، إلّا أن المضحك اقتصر على البليّة، وشرّها انتفاءُ الحدود بين السخيف والمعقول. صار الهزل هو فضيحة المهرّج لا نجاحه، هو البكاء يأساً من فراغ المسرح رغم احتشاده بالممثّلين.
الناس ناضجون دوماً لمَن يجرفهم، حتى لو كانوا في قاع المنحدر، شرط لا أن يكون الخطيب أذكى منهم بل أن يلامس كلامه همومهم الحقيقيّة ويجيب عنها بذكاء ويقترح حلولاً، ولو كانت ديماغوجيّة. الواقع يُلزمنا القول إن السياسيين والخطباء، خارج إطار العلاقة الطائفية، لا تربطهم بالجمهور وشائج. صحيح أننا لم نكن لنتوقَّع معجزات من هذه المعركة، لكنّنا نفاجأ، رغم مناعتنا المكتسبة، بهذا الحجم الهائل من التخلُّف السياسي والتراجع الأخلاقي والحماقة العامة.
شعب هكذا مرشّحوه لماذا لا يُدفّعهم؟ شعب بهذه السذاجة لماذا لا يخدعه قادته؟ لعلّ المعاهدة الوحيدة الثابتة عبر النزاعات السياسيّة اللبنانيّة، بالإضافة إلى العشائريّة والطائفيّة، هي الفساد. وما ينافس الفساد ليس النزاهة، على كونها متوافرة عند البعض، بل الترهيب. وقد يجتمعان.
في 7 حزيران سيذهب اللبنانيّون إلى موعد آخر مع سوء التفاهم.


عدد السبت ٣٠ أيار ٢٠٠٩

- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا -
 

  رد مع اقتباس
قديم 22/06/2009   #25
شب و شيخ الشباب ..AHMAD
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ ..AHMAD
..AHMAD is offline
 
نورنا ب:
Jan 2008
مشاركات:
4,906

افتراضي


أنسي الحاج - اعزفــــــي لنــــــا
التجدّد هو أن تُنْكر رصيدك. انفِ شائعات حياتك. ما سيحصل هو الشراع، وإلاّ فحَجَرٌ أنت، فراغٌ سماؤك. عشها سلفاً فتستحق المفاجأةُ تسميتها. انهبْ أَمامك، لن تنهب أكثر من سراب. لا خطّ يفصل بين عافية واعتلال، فكلاهما موجة، وما بين موجة وموجة عدمٌ أسرعُ من الطير، وما بين طير وطير هواء يلاحق هواء إلى هاوية.
تقول «النكبة». أيّهما أكبر: نكبة تُنْشَر على السطوح أم نكبة مكتومة؟ أيّهما أكبر: مليون أم واحد؟ السؤال خطأ، تُقذف الكرة من مرمى إلى مرمى، لا فرق بغير الضوضاء. النكبتان نكبة. الفاصل هو الأسلوب.
يلحق بنا الشكل في السرّاء والضرّاء. يلحق بنا ليعطينا أملاً. لا شكل الواقع، فلا وجود للواقع، بل شكل الخيال. لا وجود إلاّ لما يرسو في الخيال.
اليوميّات، مُذلّة، كريهة، مرفوضة. الشكل هو الحساسية لا الإحساس، هو الانطباع. الحياة انطباع لا غير. الروائح، الملامس، المذاقات، الوعكات، الأدواء، الشفاءات، المعجزات، انطباع بانطباع. مَن ذا له صبرٌ على الحياة العمليّة؟ نقضيها عند أقاصيها. ليت بالإمكان التحكّم في وظائف الجسد! ظلمُ التكوين لا يُحْتَمل، لا تُحتمل الحاجة ولا الرضوخ ولا العجز. بالكاد يُحتمل الهرب. لا يحتمل الاختلاط ولا الوحدة. لا تُحتمل كواسر الوجود، لا تُحتمل في عينين أرقّ من الهواء، لا تطاق الحياة خارج الأسطورة، في غياب هدهدة الحكايات. مرفوض نتنُها، زَنَخُها، مردودٌ عَكَرها، مردودٌ ما يقال لنا أنه طبيعي، مردودٌ الطبيعي، غير إنساني إلاّ ما يُرهف الشعور ويحتضنه، وما يلاعب الحواس ويزيدها شجواً، وما يوسّع جمال الذهن.
ما نحن لولا لمسة المُرْعش، لولا الكَمَنْجات؟
■ ■ ■
الرفيقة الكمنجات، تَطْلَع أنغامها من جوارح الأجنحة، من أحشاء الجوارح، عبر أسلاكٍ تخترق الجدران من الجحيم إلى السماء، تخترق التعبير من ناره إلى مائه وبالعكس، من وعيه إلى لاوعيه وبالعكس، تقف على رؤوس الأشجار فوق رؤوس الجبال، تُظلّل الطفل والعجوز، تُشبشب المفاصل المتيبّسة، تبدّد ضبابَ الوهنِ عن العيون، الرفيقة الكمنجات، كُوني عند المهدِ فيسهل المرور، وكوني مع مراحل المسيرة، واختمي عند الختام، لستِ رفيقةً فقط بل أنتِ حناجر الملائكة، تمرّين بي كما يمرّ الهواء في السنابل، كما تَمرّ المرئيّات قبل العمى، تمرّين بأسماعٍ هي اختُكِ، أسماع هي أوتار، أوتارٌ هي ألحان، ألحانٌ هي سلالات تسهر على الأقوياء حين يضعفون وعلى الضعفاء حتّى يشتدّوا، أو حتّى يذهبوا بأمان، أو حتّى يَخطفوا حياتهم بأنفسهم فتنيمهم الغفلة على زندها. الرفيقة الكمنجات لا تشبهين عازفيكِ ولا سامعيكِ، تحرّككِ أنامل تجهل ما تفعل، لا تصغي إلى ما تفعل، أنامل هي أرواح ثانية رُكّبتْ على الأيدي. أنتِ الذكريات المُنْقذة، مع أنّكِ لم تكوني شريكةً فيها، لكنّكِ شريكة دائمة لكلّ سحر. وأنتِ الدموع التي تشرق في العهد الأخير، دموعُ ضلوعٍ عَصَرها الأسى فأضحت خمراً، ودموع كبرياء خالجها ضميرها فانكسر ظهرها كما تميل الحورة فجأةً تحت الريح. وأنتِ المسؤولة عن هذه الدموع لأنّكِ تستثيرينها ولا تذرفينها، وتحتفظين برصانتكِ بينما تَسْبحين بالمأخوذين إلى مروج الذهب، وتصبحين كالمعشوق البارد، يقول مفعوله ما لا يقوله فعله، وكلّما اعتصَمْتِ بحيادك المهنيّ تَفكّكَ برودُ السامعِ وتحلَّلت صلابته وصار الرجل أشبه بالمرأة والمرأة كمنجة، ولا تدري أأنتَ السامع المراقب أم من أعماقك تنساب هذه اللازوردات وتتفجّر تلك الزوابع. كم في العازفين من جمود العاشق المنصرف إلى إمتاع المعشوقة! وكم في هذه الآلات من جبروت الدماغ الزعيم! وكم تستدعي دموعنا المتدحرجة من الأوتار، كم تستدعي من انفصال الفاعل عن المفعول به! يا لهذه الغربة الفاحشة الخصب، يا لهذا الوقار المنظَّم مُفتَّق الحنايا! يا لتبادل الجهل ما أكرمه بين هاتين الضفّتين! لا تَدَعينا نلمسكِ بأيدينا أيّتها الكمنجات! رفقاً بالكمنجات! ورفقاً بما تفعله بنا! لندع هذا التحويل العجيب لحال طبيعته، ولننسحب زمناً.
■ ■ ■
الكثير يقال في هذا البحر المغناطيسي. ولكن حذار الضجيج والمناسبة إصغاء! وكيف الكلام والألفاظ أصوات، العبارات أنغام، الأنغام سَحْقٌ لكلّ ما ليس هي، الأسماء نوطات، الذكريات أغانٍ، الأغاني أعناق الآلهة، الآلهة في نخاعنا الشوكي... كيف التعبير عن الإكسير والتعابير ماتت، والكائنات ماتت، ولم يبقَ غير ذَهَب الكمنجات وقلوبها، غير دموع الكمنجات وأكبادها، غير إلهِ الكمنجات؟ تُمطر ألحاناً، تُمطر الألحانُ كائناتها الكاملة، تُمطر الألحان أشكالاً لا يُشتهي أكمل منها، تُمطر نساءَنا المحلومات، ومعبوداتنا العتيقة والجديدة، تُمطر أفكارنا التي ليست أكثر من مشاعرنا، وما من عالمٍ غير مشاعرنا، وما من أوزانٍ غير أوزانها، ولا قوافٍ غير قوافيها، نثرها هو البحر، وإيقاعاتها أجراس الإيمان وضربات الكفر، تُمطر دروباً خضراء، قرىً للمراهقة الدائمة، تُمطر مواقدَ في الغرف الباردة، غُرف الغرباء والغريبات الحميمة، غرف الهواجس والملابس، غرف المراهقة المسكونة بالأشكال، المتعتعة سكراً بالأشكال، بالتدويرات والظلال والنبرات المفاجئة واللمس الخفيف المختلَس، تُمطر الأعالي والمنحدرات، الأشكال الباعثة على الرؤى، الأشكال التي تتسلّم أو ترفض أوراق اعتماد المضامين، الأشكال التي تَصْنَع أنفاسنا وعيوننا ونبضنا وأحلامنا، الأشكال التي هي أحلامنا ولا أحلام لنا سواها، تُمطرُ الكمنجاتُ بلا لحظة سقوط، بلا ملل، ومن دون عازفين، من دون عازفين يشاغب حضورهم على أرواحِ الكمنجات، تُمطر ما يُغشّي زجاجَ نفوسنا بضبابِ السعادةِ التي لا تُغْفَر.
■ ■ ■
الله العريق القِدَم هو هذا، والله المقبل هو هذا، والله الراهن الفاقد أهله الباحثُ عن أوطانه، هو هذا.
إلهُ أنوارِهِ وعيوننا المفتوحة، والتي لا تُغْمَضُ إلاّ على انخطاف.
إلهٌ نواتُهُ لَهَبُ الإلهامِ الخلاّق الذي يتجدّد كلّما اشْتَعَل، إلهٌ يتراءى كأجمل ما يكون في ثنايا فكرة، تحت إزميل نحّات، في عطرٍ خلاّب، على صفحة كتاب، وعند سفحِ الرفيقة الكمنجات.
ولا تَسَلْ حينها عن منطق، إنّك في حضرة السحر الأعظم للكون كما كان في النشأة، الكون مغتسلاً بشِعر الأعماق، مضيئاً متلألئاً بحبٍّ ليس هو الحبّ، ساحراً ومسحوراً بجمالٍ ليس هو الجمال، منبجساً من الظلمات شمساً كعمود النار، لا يعرف رماداً، لا يعرف هبوطاً، لا يناله دمار، ولا يعرف غير السحر، السحر التام، لا يعرف غير أن يكون تمام السحر.
■ ■ ■
كلُّ بركانٍ عرضة للانطفاء إلاّ بركانُ الشاعر، فيظلُّ يتأجّج مهما ترامت حوله الصحراء واستشرى الفراغ. غير ضروري أن يكون في حالة كتابة ليكون في حالة غليان: أحاسيسه ورؤاه، وحتّى تجعّداتِ شيخوخته، تجعله واقفاً على مفترق الطرق. ويخسر رفاقاً ومسرّات في عزلته لكنه يزداد اتحاداً بكيانه، شروقه حريّة وغروبه شروق.
■ ■ ■
... وتعود الروافد، الجداول والأنهار، تعود الجذور كلّها إلى منبعها: الخيال، الخيال الكلّي الطوبى.
الكائنات مجرّد مادة أوّليّة للخيال. حتّى ما كان منها فوّاراً بالفتنة موّاراً بالإغراء، غزيرَ خَصْبِ الاحتمالات والافتراضات، لا بدَّ له من حضانة الخيال. فالتتمّة هناك والعصمة هناك.
كم هم شجعان أهل الواقعيّة! أمّا نحن فننتمي إلى جالية العصافير، المحتاجة على الدوام إلى خمر السراب.
بلى، امرأة الشاعر خياليّة. بلى، وطن الشاعر خيالي. بلى، العالم، العالم القابل للتحمُّل، هو ما يبنيه أو يعدّله خيال الشاعر. الشكر لمَن يتوكّل بالواقع كما هو، بالمرأة كما هي، بالرجل كما هو، بالطبيعة كما هي، بالعلاقات كما هي، بمجرى التاريخ كما هو. الشكر، التقدير، الإعجاب. هؤلاء أبطالٌ حقّاً، هؤلاء جرّاحو الحياة. أمّا نحن فننتمي إلى الهشاشة، عيوننا تخاف باهرَ الضوء، وأصابعنا تريد أن تظلّ عمياء.
نحن جبناء الواقع، بقايا البحر، يتامى الرقّة والعَبَث الطفولي، نعيش وأيدينا تارة فوق عيوننا وطوراً فوق آذاننا من فرط التحاشي. ولا يمكن إنقاذنا.
اعزفي لنا هلاكنا أيّتها الكمنجات...

عدد السبت ٦ حزيران ٢٠٠٩


  رد مع اقتباس
قديم 22/06/2009   #26
شب و شيخ الشباب ..AHMAD
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ ..AHMAD
..AHMAD is offline
 
نورنا ب:
Jan 2008
مشاركات:
4,906

افتراضي


علـــــى الحافّـــــة - أنسي الحاج

المجهول الذي ينتظرنا، هل يعرف أنه ينتظرنا؟
إن لم يكن يعرف، فهو مجرّد صدفة أشدّ عجزاً منّا.
وإن كان يعرف (على نحو المعرفة الإلهيّة، مثلاً) فما أعظم ملَلَه! إذ، فيمَ يحلم وكل الزمان منقشعٌ له وحاصلٌ في معرفته؟
لا بدّ أن يكون للمجهول مجهول. من الصعب أن يكون هناك «كائن» يعرف كلّ شيء وليس بعده أو وراءه أو خارجه أو فوقه أو دونه مناطق مُغلقة عليه وتستهويه أو تروّعه.
يُصوَّرُ الله أنّه العارفُ العليم بالغيب والأقدار والذي لا قَبْله ولا بعده. الجبّار الأعلى والعلاّمةُ الأكبر. ألا يُمسي بهذا، اليائس الأكبر وسجين الوحدة المُطْلَقَة؟ شهيدُ وَعْيه، ولا مفاجأة؟ نفهم عند ذاك أن يَقْبل بأن يُسلّيه الشيطانُ بحكايةِ امتحان أيّوب، وتظهر الخلائق لديه دُمىً، ابتُدعت لتموت لا لأن الموت شرطٌ للحياة بل لأن الموت التذاذٌ للخالق، وأمّا الحياة فسلوى تُمهّد للموت كما هي المداعبة تمهيد لما بَعْدها.
■ ■ ■
لكن هذه الصورة تنهار إذا حَذَفْنا عاملَ الزمن. يصبحُ العلاّمةُ الأكبر مقيماً في اللامحدود واللانهائي، وخارج ما نعرفه. الضجر قد لا يصيبه والمعرفة لا تَحدّه. وقد لا يكون حدود ذاته. هو الله ومع هذا «وراءه» ما يستهويه، ما يَشدّه. هو الله، وحاجاته ليست ممّا نعرفه عن الحاجة. هو الله ولكنّه لا يتسلّى كما نتخيّل التسلية. هو الله ولكنّه ليس «إلهنا» إلاّ قليلاً...
■ ■ ■
كيف استطاع نوح، بعدما اختبَر وحده وعائلته النجاة من الطوفان، أن لا يَشْعر بالذَنْب؟
■ ■ ■
... وتُشارِعُ، وفي حرصكَ على الحقّ، تتردّد وتحار، وتَقْلق أن لا تتحامل. وأنت الذي يُصْلَب لا تعرف لمَ، تخاف على شعور تاركك، تخاف عليه من كلمة جارحة.
ويحملك الشعور بجميل ذاتك على الظن أنّكَ خيرُ الكائنات، وإلاّ لما كنتَ مؤرّقاً بهاجس الحقّ وأنت بين أنياب الشدّة.
■ ■ ■
لو تغلّبَ قايين على قهْرِه من تفضيل الله هديّة أخيه، لحوَّلَ غَيْرته إلى اعتمال داخلي، ولعلّه كان سيتعالى في نظر الله، وربما سيلجئه إلى مراجعة الذات كما حصل مع أيّوب.
كان ينقص روّاد الخطيئة والمُحمَّلين مسؤوليّة تأسيس موتنا (آدم وحوّاء، قايين...) مهارةً في التمثيل تلجم عفويّتهم ولا تفضحهم أمام الخالق. حتّى القَتَلة بينهم، كسيّدنا قايين، لم يتسع شرّهم للخبث، فأوقع بهم انفعالهم.
■ ■ ■
أن تكون مَلاكاً، تبرئة لكَ. أن تكون شيطاناً هو أيضاً تبرئة لك.
■ ■ ■
في لحظاتِ العبور من الحياة إلى الموت يتصاعد قاع الذاكرة إلى أديمها وتتلألأ الصور الأشدّ بساطة ممّا كان يُظنّ.
يمكن إجراء بحثٍ مقارِن بين سفْر أيّوب وكتاب «جوستين» لدوساد، (مع التناسي المؤقت للقسم الأخير من السفْر حيث يعود الله ويكافئ الفضيلة).
دوساد متأخّر في اكتشاف بؤس الفضيلة، في تعرية تواطؤ القوى على «الملعوبات»، لكنّه متقدّم في تزكية الرذيلة وإغداق البراهين على «خيراتها».
إنّه الفتنة التي بقي أيّوب تحت أسوارها ولم يقتحمها. فعذابُ أيّوب لم يزدوج بالشهوة. وحرماناته لم تكتمل بحرمان الحريّة، فطفقَ يُمعن في البِرّ ولم يعدمه الألم الشعور بأنّ ثمّة أمراً غامضاً قد يبرّر تلك المظالم رغم أنه يعرف أنّه لا يستحقّها.
عوضَ هذا التواضع الساحق، انفجر دوساد بكبرياء مجنونة، وتبشيره بالرذيلة والجريمة هو، فوق ما هو، انتقامُ المنكوبِ الذي لم يسمع جواباً من السماء. وسمع في المقابل من الأرض أجوبة قاهرة.
■ ■ ■
فكرة التهتُّك الكونيّ كما عَرَضَها دوساد في كتابه «قصّة جولييت» يريدها منفصلة عن فكرة الله لاغيةً لها وبرهاناً على التغائها. فالحريّة هي نقيض الإيمان.
رجالُ الإيمان يقول بعضهم إنه يتماشى والحريّة، ولكنّه لم يذهب إلى حدّ زواج فكرتَي الله والتهتُّك الكونيّ. دوساد مِتْراس والإيمانيّون متراس.
حتّى تيلار دوشاردان لم تجمح به فلسفته التطوريّة إلى مبلغ كهذا. لعلّنا نرى شيئاً من هذا التزاوج في نحوٍ بدائي عند شخص كراسبوتين، وفي تصرّفاته لا في كلامه، حيث بقي مُراعياً وربّما واقعاً في سذاجة ذاته، لا مُرائياً.
لماذا يُراد لفكرة الحريّة (الحريّة الأكثرُ، الأشدّ ابتعاداً) عَبْر التهتُّك الكونيّ أن تكون عدوّةً لفكرة الله؟ لأنّ الله أُريدت له صُوَر الفضيلة المتقشّفة، القمعيّة، غير الملتبسة. حتّى جاء المسيح قائلاً إن الله حبّ.
من المستحيلات التقليديّة الجَمْع بين الليل والنهار. لكنّ الحلّ هو في اجتماعهما.
والحائلُ بينهما خطٌّ وهميّ يبدأ باجتيازه الأطفال ثم يتوقفون.
■ ■ ■
بين دُعاةِ الويل والثبور وعظائم الأمور وشخصيّة «متناقضة» وملتبسة مثل راسبوتين، العطف يجتذبه راسبوتين. جَمَع شَبَق الإيمان إلى شَبَق الغريزة الجنسيّة. كان وحشاً فيهما وذا اجتراحات. والأهمّ الأبلغ، فَرَحَهُ. لم يكن بومةً إلاّ أيّاماً عندما تنبّأ بانهيار روسيا القيصريّة إذا قَتَلَهُ النبلاء. وهو ما تمّ. والحقيقة لم يكن بومةً بل كان بين سَكْرة وسَكْرة يقرأ الطالع منبّهاً وقد زاده استبصاراً الخوف على مصيره الشخصي.
أنبياء التوراة، وإلى حدّ ما يوحنّا المعمدان، روّادُ رعب تسمعهم فتقول لمَ الحياة. وأضحك ما يُضحك في ما يتعلق بنا نحن سكّان أرض فينيقيا وجوارها، أننا نطرَبُ لتقريعات شعراء التوراة وأنبيائها ومعظمها تجريح بـ«أجدادنا» وبآلهتهم التي ما كانت، في بداية الأمر كما في نهايته وبعدهما، سوى آلهة لجميع الروّاد من كلّ صنف، وقد ضاق بها ذرعاً إله إسرائيل المتملّك الغيور وكهنتُهُ الدمويّون العنصريّون.
هنالك بعضُ الرغبةِ الشرّيرة في كلّ ارتماء وكلّ تجديد، لعلّها تشبه ما كان يعتمل في النفس أثناء عبور حوّاء وآدم من الباب الشرقي في الجنّة إلى أسفل الصخرة، في السهل المنخفض، حيث قادهما الملاك المرافق إلى هناك بدايةً للمنفى، واختفى.
■ ■ ■
أسطورةُ اليهوديّ التائه (كلّما انقضت مئة سنة أضيفت إلى سنّه الأصليّة ـــــ الثلاثين ـــــ وظلّ حيّاً ومحروماً راحةَ الضميرِ وطمأنينة الغفران وراحة الموت) ستبقى ناشزة ما بقيت ملصقة بيسوع الناصري.
فثمّة روايتان: أنّ المسيح أراد، أثناء حمله الصليب إلى الجلجلة، أن يستريح عند عتبة بابِ إسكافٍ، فرفضه هذا، فقال له يسوع: «إني سأرتاح، وأمّا أنتَ فتظلّ تائهاً حتى مجيئي».
وأخرى عن خادم بيلاطس البنطي، وأن المسيح في أثناء اقتياد اليهود له، توقّف لحظة عند بوابةِ قصر بيلاطس حيث كان الخادم يحرس، فأقبل هذا إليه ولطمه على وجهه قائلاً باحتقار: «امشِ يا يسوع، أسرع. لماذا تتوقّف؟». فنظر إليه يسوع ـــــ على ما تضيف الرواية ـــــ بقسوةٍ وأجابه: «إنّي ذاهب، ولكن أنتَ سيكون عليك الانتظار حتّى عودتي».
الروايتان تُركّزان على حقد المسيح. كيف يكون هو المسيح ويَحْقد؟ وعلى إسكافٍ هنا وخادمٍ هناك؟
في الأناجيل غضباتٌ عديدة للمسيح أشهرها ما حصل في الهيكل مع التجّار، ولكنّها مجلوّة تارة بالمثاليّة وطوراً بالمحبّة. المحبّة التي قال بها الناصريّ هي قدسُ أقداسه.
ولئن كان من يهوديّ تائه فهو، على صورة الهولندي الهائم فوق محيطاته، ذلك الإنسان الخالد في حلمه بالمطلق، والذي لا يُعتقه ـــــ حسب فاغنر في أوبرا «المركب الطَيف» ـــــ إلاّ حبٌّ يفتديه. وقد لا يعتقه الحبّ ولا التوبة ولا الموت ولا العودة ـــــ لا عودة مسيحٍ ولا عودة الروح ذاتها وإن تكرّرتْ ـــــ لأنّ الحياةَ عِقابُ نَفْسها.
أو ثواب نفسها.
أو حياد نفسها.
ولكنْ ما لنا ولهذه الاجتهادات. ثمّة خَلَل في لبّ القصّة، وهو الحكْم على ذلك الشخص بأن يظلّ... حيّاً!
حكْم؟ وهل أجمل من تنفيذ حكْمٍ كهذا؟ وأين العذاب في أن يظلّ المرءُ حيّاً، وأن يظلّ، فوق هذا، ساعياً إلى الحبّ؟
بصَرْف النظر عمّن أصدر الحكْم، محسودٌ هو المحكوم.. يهوديّاً كان أم هولنديّاً. لقد استعاد في لحظة، ما فَقَده الإنسان منذ آدم.
■ ■ ■
تقول إنك ذاهبٌ إلى العدم، لكنّك تظلّ تعلّل النفسَ بأن أحداً هناك لم ينخدع بيأسك، وأنّه يُعدّ لكَ مفاجأة سارّة.

عدد السبت ١٣ حزيران ٢٠٠٩

  رد مع اقتباس
قديم 22/06/2009   #27
شب و شيخ الشباب ..AHMAD
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ ..AHMAD
..AHMAD is offline
 
نورنا ب:
Jan 2008
مشاركات:
4,906

افتراضي


تداعيـــات حـــول عاصـــي الرّحبانـــي - أنسي الحاج

غداً تحلّ الذكرى السنوية لغياب عاصي الرحباني. سنحاول في هذه الكلمات إضافة بعض التداعيات.
كان عاصي الرحباني سيّالاً في التأليف، كما كان متمهّلاً في التعبير الشفهي. وحين يجلس إلى مكتبه ليكتب أو إلى آلته ليلحّن كان الوقت عنده يتوقّف. ولم يكن يحتاج إلى أكثر من شرارة لتتدفّق قريحته: لفظة، ذكرى، طيفُ فكرة، الباقي نهرٌ لا ينتظر غير إشارة ليطيح سدّاً كأنه مستعار.
منذ استهلّ مسيرته في ريعان الصبا، بدا كأنه يختزن خبرة ومعرفة كبيرتين، هو الشرطي البلدي في انطلياس، الشرطي الأكثر رقّة من وتر الكمان، والقوي الجبّار الذي يُشعِركَ بأنه قادر على المستحيل. إنه لسرٌّ هذا الإعجاز. سرّ أيضاً تلك الإحاطة الموسوعيّة بالكاراكتيرات، والجمع بين الإسهاب في الجدل الشفهي والشرح التفصيلي، والإيجاز والتكثيف في الكتابة. سرّ أيضاً وأيضاً تمكّنه من الاستحواذ على متابعة المستمع عندما تغنّي فيروز حكاية، مهما تكن طويلة وأيّاً يكن موضوعها.
قلائل يستوقفهم الوجه البشري كما كان يستوقف عاصي الرحباني. وسرعان ما كانت فراسته تطلع بنتيجةٍ تراوح بين الحكم والتكهُّن. كان مأخوذاً بمعرفة المخبّأ في الصدور، ولم يصرفه استغراقه في أفكاره الشاردة وراء لحن أو نغم أو فكرة عن استيعاب ما يدور حواليه.
وكانت له ثلاث بهجات: بهجة الفطرة وبهجة الفضول وبهجة الشاعريّة. ولعلّها واحدة. ولم تتعارض طفولته مع بطريركيّته ولا شفافيته مع سلطانه. وبقَدْر تواضعه كان تقديره لنفسه ولدور الفنّان، فلم يساوم على كِبَر هذا الدور، وحافظ عليه متقدّماً على العروش والأمجاد.
وما الحاجةُ إلى سلطات والفنّ أعظمُ سلطة؟ لا الفن كنتيجة جهد فحسب بل كسياقِ عَمَل. وهكذا كان إدمانُ الشغل عند عاصي الرحباني أشبه ما يكون بإدمان السلطة ـــــ إدمان مُنْهك لسلطة هي الوحيدة التي تعطي «الشعب» ذهباً محلّ التراب ونعمةً محلّ الخداع والترهيب. سلطة مثلّثة الأقانيم. ولم يقلّ إدمان صاحبة الصوت لحرفة الإسعاد هذه شغفاً وتشدّداً عن شغفِ عاصي ومنصور وتشدّدهما. الترهُّب وتسليط كل الذات على العمل. وسرعان ما جاءت النتيجة سلطة آسرة للقلوب بلغت حجم مملكة. لم يكن لأحدٍ من الثلاثة هواية غير العمل ولا عمل غير هذه الهواية.
أشبع عاصي الرحباني جوعه إلى الواقع بابتكار الأحلام والأوهام حتّى جعل منها تراثاً وتربية. ونبش من الماضي الريفي ما يلائم مسيرته التحديثيّة، منقذاً الفولكلور من الفوضى والانحلال وربّما من الانقراض. لقد حوَّل الأحلام والأوهام والحكايات إلى واقعٍ، بل إلى حقيقة أشدّ حضوراً وحيويّة من الواقع وأكثر حقّاً من الحقيقة، حتى باتت المرارةُ الكبرى لدى فريقٍ من النخبة (وربّما من العامّة أيضاً) متأتّية من انهيار ذلك الحلم وكأنه انهيار الواقع. وفي ردّ فعلٍ ينطوي على تقدير هائلٍ وإنْ غير مباشر لقمّة هذا البنيان، انبرى النقد يعاتب الإرث الرحباني الفيروزي كيف أنه «عيّشنا في وهم»، وذلك بدلاً من نقد الذات وتعرية لعبة الأمم التي ضحّت بلبنان.
ومن جملة النقد للفن الرحباني تركيزه على الجذور. لم يكن هذا التركيز بدافعٍ عنصري ولا حتّى سياسي بالمعنى المتداول، بل كان حمايةً للهُويّة من الابتلاع، وبالهويّة يجب أن نفهم الجوهر الكياني لا الحدود الجغرافيّة. إنه الطفل الذي يذود عن طفولته. الريفي الذي يحرص على تقاليده الكريمة من الانجراف في تلوّث المدينة.
لا يمكن الخَلْق بلا معالم. ولا معالم بلا هويّة. كان الرحبانيان يردّدان أنهما يكتبان للإنسان وعن الإنسان في المطلق، وهذا صحيح ولكنْ بغير المعنى التجريدي: إنسانهما ابن بيئتهما انطلاقاً وابن الإنسانية بعد ذلك. إن امتداد جذورهما في هذه البيئة وبَشَرها مكّنهما من أن يبسطا جناحيهما خارج الحدود.
بين عاصي ومنصور قاسمُ حدسٍ مشترك: الأول بغريزتَي الفرح والقوّة، والآخر بغريزة الليل. ويأتي صوت فيروز على الدوام جسراً للقمر والشمس معاً وقرباناً مضيفاً إشراقاته وظلاله وخالعاً على الكلام رداء السحر.
تسلّل عاصي الرحباني، تلك القوة الهادئة والساطعة من قوى الطبيعة، إلى نفوس أشخاصه المسرحيين تارةً بفهمهم كأنّه هم وطوراً بفرض رؤيته لهم فرضاً عليهم شاؤوا أم أبوا، من الشحّاذ إلى الملك، ومن بنت الشعب إلى الأمير فخر الدين. تلك كانت شخصيته: متبحّرٌ في التشخيص حدَّ عالِم المختبر، وحاسم في الاستنتاج حَسْم الغزاة. إنه الواقعي والرؤيوي، وقلّما خانه انطباعه. ملحّنُ الإرادة وملحّن الإلهام، شاعرُ الذاكرة وشاعر ما سيصبح في الذاكرة. لقد حوّل كيميائي التناغم هذا، البداهة إلى أركان والهواجس والرواسب إلى حلاوة وطلاوة. ومن شدّة التركيز والبلورة بات يحسب، وأكثر فأكثر كلّما دنا من النهاية، أنه «ابن الوعي»، كما كان يحلو له القول بشيءٍ من التوتر، وإنّ نظريّات اللاوعي في الكتابة والفنّ هراء، فلا شيءَ يُذْكَر خارج الوعي، غير منتبهٍ أنّ نتاجه هو بالضبط ثمارُ لاوعيه وقد جلاها وعيه.
وكان ـــــ والشيء بالشيء يُذْكَر ـــــ يشارع، مثلاً، في فرويد وضدّ نظريّة إرجاع قسم كبير من المشكلات النفسيّة والعصبيّة إلى الكبت الجنسي. وبعد قليل، وفي غمرة العفويّة، تستشفّ من آرائه ما لا يتعارض كثيراً وتلك النظريّة.
ولعلّ أساس التعارض هنا - ولسنا في مقارنة - هو الفرق عموماً بين العالم والفنّان، فالأول، ولا سيما فرويد، يريد تنوير الإنسان على فَهْمٍ أعمق لنفسه، والفنّان يحاول أن يخلق عالماً رديفاً يُعيّش فيه الإنسان بسلام مع نفسه. واحدٌ يتوخّى المعرفة للمعرفة وآخرُ يسعى إلى مراحم.
نعود إلى صدام الحلم والواقع.
نعود إلى الذين انجرحوا لأن الواقع بَصَّرَهم بغير ما ناموا على إيقاعه.
ومن الاستخفاف تجاوز هذه الحرقة كأنّها عارضٌ سطحي، فهي مسألة كبرى مطروحة على العقل وأكثر ما يتحدّانا في الخَلْق الشعري والفنّي جديّةً وخطورة:
هل كان الفنّ الرحباني الفيروزي خادعاً أم مخدوعاً؟ وهل كان عاصي الرحباني ساذجاً أم شيطاناً؟
الجواب هو أن عاصي الرحباني قوّة من الطبيعة بلغت من إيمانها بنفسها حدّ اجتراح المعجزات كما بلغت من سذاجتها حدّ تصديق أحلامها. ولا خادعَ ولا مخدوع بل مُسْعِدٌ وسعيد. ولا شيطانَ غير الوحي، وتلك الملاحات التي لم يعرف سرّها غير صاحبها.
وحين يعتب الناس على فنّانيهم فإنما يعتبون على آلهتهم.
والعاتبون قد يجدون عزاءهم في أن للعمارات الرحبانيّة الفيروزيّة تتمّات لم تتم. إمّا أنها لم تحصل وإمّا أن ظروف الحرب ذهبتْ بها. وقبل ذلك ظروف مرض عاصي، وكأنها كانت رمزاً آخر من رموز معاناة لبنان. لقد انْلَجَمَ الحلم وانجرح جناحه قبل أن يصفعه الواقع. والواقع دائماً صفّاع، وهذه طبيعةُ الصراعِ بين أرض الإنسان وفضائه. والحلم لا يهزمه تسفيهُ اليقظة بل إن هذا التسفيه يضاعف الشغف به ويؤكد صدقه، فضلاً عن الحاجة إليه.
إن الخَلْق حلم، والأمل والجمال والتّوق حلم، والحياة بلا حلم مستنقع، وما إن ينتبه المرء إلى كونه حالماً في رقاد أو راقداً في حلم حتى يموت، كما يقول الحديث. والخَلْق الفنّي، وعلى الأخصّ منه ما يريد نشر الأمل والفرح، هو أعلى درجات الحلم، حيث تبلغ طاقة الحياة ذروة تخطّي ذاتها.
إرادة جبّارة جعلت ناسَ الورق يحلّون في المخيّلة الشعبية محلَّ ناسِ اللحم والدم، فصار الواحد يظنّ نفسه أو يتمنّى أن يكون ظلاًّ لناسِ الورقِ هؤلاء. إرادةٌ جبّارة نفختْ روحها القرويّة في العالم العربي كلّه زارعةً فيه، على أجنحةِ صوتِ فيروز الاستثنائي، شكلاً جديداً من أشكال الشغف.
لم يرحم عاصي الرحباني نفسه ولم ترحمه الحياة. وكان يردّد دوماً: لا بدَّ من رحمةٍ أخيرة.
رحمة، أجملُها ما أبدعه وتركه للناس كنزاً لا يَنْضُب.


عدد السبت ٢٠ حزيران ٢٠٠٩
  رد مع اقتباس
قديم 03/07/2009   #28
شب و شيخ الشباب achelious
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ achelious
achelious is offline
 
نورنا ب:
Oct 2006
المطرح:
الغدّ
مشاركات:
2,008

افتراضي


ذلـــــك كـــــان المكســـــب
http://www.4shared.com/file/115753386/b9a01a28/___online.html
عدد السبت ٢٧ حزيران ٢٠٠٩

  رد مع اقتباس
إضافة موضوع جديد  إضافة رد



ضوابط المشاركة
لافيك تكتب موضوع جديد
لافيك تكتب مشاركات
لافيك تضيف مرفقات
لا فيك تعدل مشاركاتك

وسوم vB : حرك
شيفرة [IMG] : حرك
شيفرة HTML : بليد
طير و علّي


الساعة بإيدك هلق يا سيدي 23:28 (بحسب عمك غرينتش الكبير +3)


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
ما بخفيك.. في قسم لا بأس به من الحقوق محفوظة، بس كمان من شان الحق والباطل في جزء مالنا علاقة فيه ولا محفوظ ولا من يحزنون
Page generated in 0.17013 seconds with 15 queries