أخوية  

أخوية سوريا: تجمع شبابي سوري (ثقافي، فكري، اجتماعي) بإطار حراك مجتمع مدني - ينشط في دعم الحرية المدنية، التعددية الديمقراطية، والتوعية بما نسميه الحد الأدنى من المسؤولية العامة. نحو عقد اجتماعي صحي سليم، به من الأكسجن ما يكف لجميع المواطنين والقاطنين.
أخذ مكانه في 2003 و توقف قسراً نهاية 2009 - النسخة الحالية هنا هي ارشيفية للتصفح فقط
ردني  لورا   أخوية > فن > أدب > القصة و القصة القصيرة

إضافة موضوع جديد  إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 01/02/2008   #37
صبيّة و ست الصبايا سرسورة
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ سرسورة
سرسورة is offline
 
نورنا ب:
Nov 2005
المطرح:
syria-homs-damascus
مشاركات:
2,252

افتراضي


صورة وثوب حرير وقارورة عطر نهاد سيريس


في إحدى المرات, وبينما كان أصحاب البيت غائبين, استطاع احد اللصوص الوصول الى فرندة الطابق الثاني بخفة ونشاط ثم قام بقص دائرة في زجاج الباب تتسع ليده بوساطة أداة خاصة ودخل الى الشقة. انتقل فوراً الى غرفة نوم الزوجين وراح يعبث في الخزانة والجوارير باحثاً عن المصاغ والمجوهرات, الا انه أثناء ذلك وجد الخزانة مملوءة بثياب الزوجة الحرير فوقف يتشممها ثوباً ثوباً فتملكه سحر طغى على قلبه فرَّق حاله. أمضى وقتاً طويلاً وهو يفعل ذلك, إلا انه تذكر ما جاء من أجله فترك الثياب وعاد للبحث عما خف وزنه وغلا ثمنه, فانتقل الى الخزائن الأخرى وقبل أن يفتحها وجد بروازاً فيه صورة امرأة مركوناً بجانب السرير فجلس وقرّب البطارية التي كان يستعين بها لإنارة طريقه وراح يتمعن في الصورة.

كانت المرأة في الصورة غريبة الجمال, تشع سحراً لا يمكن تفسيره سوى بسبب جمال عينيها ودقة أنفها وأناقة تسريحتها. كانت المرأة تبتسم بسعادة من دون أي تصنع أو تظاهر. اكتشف اللص سر سعادتها في جمالها وصحتها. كانت في منتصف العشرينات من عمرها, شقراء الشعر ويفتر فمها عن أسنان بيض مرصوصة لا شائبة فيها. ظل الرجل يتمعن في رسم المرأة حتى أنه نسي نفسه. منذ مدة طويلة لم تسحره امرأة مثل هذه, بل قل انه لم يسبق له أن وجد نفسه مسحوراً في هذا الشكل في سنينه الأربعين كلها. حياته كلها قضاها في جو من القباحة, فقد نام في السجن ست سنين لم يشعر خلالها بأية بهجة مصدرها جمال أو رقة أو نعومة. كما أن أمه (رحمها الله) كانت سليطة اللسان وبشرة يديها خشنة وموجعة حين كانت تصفعه, وكان وجهها نحيلاً وشفتاها مزمومتين لا تنفرجان إلا عن صراخ وعويل وشكوى. أما نفيسة التي ورطته بنفسها فتزوجها فقد كانت لئيمة وصاحبة مشكلات حتى انها طلقته وهو في السجن.

كان ثوب نوم المرأة الحرير مركوناً على السرير فقرَّبه منه وراح يتلمس نعومته وهو يتابع النظر الى الصورة. وجد نفسه يحلِّق في ملكوت من النعومة والسكون والجمال, ولكي يعيش اللحظة في شكل كامل أمسك بالثوب وراح يتشممه وهو يجمع نسيجه بيديه على وجهه بينما كانت امرأة الصورة تبتسم له. شعر بحنان طاغٍ فنسي بريق الذهب فنهض ودس الثوب والصورة وقارورة عطر نسائي لطيفة التصميم في حقيبته الصغيرة المعلقة على كتفه ثم خرج بالطريقة نفسها التي دخل بها.

شغلت المرأة ذهنه, بل قل انه أحبها. صار كل ليلة يطفئ النور المبهر ويترك مصباح الحمام مشعولاً (لم يكن يملك مصباحاً ليلياً) ثم يتمدد على سريره ويغرق في تلمس أشياء المرأة وشمّها والنظر اليها. في الواقع أصبح ينتظر الليل بفارغ الصبر لكي يعود الى طقسه. من وقتها أصبح أكثر ليونة وأكثر هدوءاً وصار يتلاطف مع أطفال العمارة ويمنحهم الفرنكات. ثم اشترى شريطاً لفيروز وأضاف أغانيها الى طقسه الليلي وأصبح كثير التنهد.

بعد مدة جد نفسه مدفوعاً الى الشارع الذي يقع فيه بيت المرأة والذي دخله ليسرقه. كان يريد أن يكحّل عينيه برؤية صاحبة الصورة وجهاً لوجه. تحمم وقص شعره وحلق ذقنه عند المزين "قصر الملوك" ثم ارتدى قميصاً نظيفاً ولمع حذاءه وانطلق. كان الشارع هادئاً في وضح النهار وليس مثل حارته التي بدأ يزهق من ضجيجها, أما البناية التي يقع في طابقها الثاني بيت المرأة فقد كانت أنيقة ونظيفة وذات ألوان محببة. صار يروح ويأتي أمام البناية ولكن الفرندة اياها ظلت مغلقة. لاحظ, بنظره القوي, انهم قد أصلحوا زجاج بابها. لم يشعر بأسف في داخله لأن اقتحامه بيت المرأة أتاح له تلك المشاعر التي بدأ يحس بها في نفسه. ثم انه لم يسرق "حبيبته" ولم يستول على مصاغها وكل ما فعله انه استعار منها ثوب نومها الحرير وصورتها وقارورة عطرها. وجد مكاناً ظليلاً يستطيع منه رؤية فرندة المرأة, فوقف فيه وراح ينتظر. كان كل شيء هادئاً ومسالماً يشبه الى حد بعيد السلام الذي كان يشعر به وهو يحتل كيانه. لو سأله أحد ما في تلك اللحظة عما به لقال انه عاشق, وان العشق جميل وان المرأة هي أجمل ما في الكون. إلا أن صوت محرك سيارة مقبلة من الخلف عكر عليه أحلامه, بخاصة حينما توقفت بطريقة رعناء, ونزل منها ثلاثة رجال يحملون المسدسات. حين ذلك استفاق ليجدهم يمسكون به بطريقة آلمته في شدة ثم أدخلوه برعونة في السيارة فتمزق قميصه. أجلسوه في الوسط ووضعوا يديه في الكلبشات وراح أحد الرجال يضغط على عنقه بقوة ثم انطلقت السيارة.
ارادوا اثناء التحقيق معه في قــسم الشرطة ان يشير الى المكان الذي خبأ فيه المجوهرات التي ادعت المرأة انها فقدتها تلك الليلة.

ان الحياة كلها وقفة عز فقط.......

شآم ما المجد....أنت المجد لم يغب...
jesus loves me...
  رد مع اقتباس
قديم 25/02/2008   #38
صبيّة و ست الصبايا butterfly
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ butterfly
butterfly is offline
 
نورنا ب:
Jan 2006
المطرح:
قلب الله
مشاركات:
14,333

افتراضي


لوحات قصصية
جمانة طه
اجتماع
في الخارج. الليلة عمياء، المطر بحر، والبرد يصهر القلوب المتعبة والجسوم الهزيلة. وفي الداخل. ثريات تضيء كأنها النهار، ورجال مكتنزون دفئاً وترفاً. ها هم يلتئمون حول طاولة مستديرة، يناقشون مصائر أمم وحياة شعوب. ويوقعون بأقلامهم المذهبة، على عقود بيع وتصنيع أسلحة نووية وغير نووية. وحالما انتهوا من مهمتهم، خرجوا، وأعلنوا أمام الصحافة وكاميرات التلفزيون أن اجتماعهم كان بهدف الحفاظ على بيئة صحية نظيفة، يسعد فيها الأطفال، وتزدهر فيها الطبيعة والإنسانية.‏
حلم
كان عازباً. وكان حلم الحب، يمتد رخياً رضياً على مساحة قلبه وعمره. تزوج، فهرم الحب وانكمشت المساحات.‏

خيبة

أية مغامرة حملتها، على أن تمنحه رؤاها وأغانيها؟! أية مغامرة حملتها، على أن تتأبط حبه تميمة وتعويذة؟!‏
لخيبتها، لم يكن سوى ظل رجل!.‏
حبّ
ولدت عمياء. وعندما أحبّت، شعّ الضياء في قلبها، فزهت في عينيها الألوان.‏
مفاجأة
ملأت كفّها بحفنة من تراب الوطن. حدَّقتْ فيه، وجدتْهُ مملوءا دبابات وأسلاكاً شائكة.‏
تفاصيل لا معنى لها
أحبها حتى الفناء، وتجاهلته حتى العدم.‏
وبين هذا الحب وهذا التجاهل، حصلت تفاصيل لا معنى لها. انتهت به إلى مشفى الأمراض النفسية. وانتهت بها إلى بيت الزوجية، مع رجل تحبه حتى الفناء ويتجاهلها حتى العدم.‏
اللاعب واللعبة
كانت تلتقيه ثلاث مرات أسبوعياً. وكان في كل مرة، وبعد أن ينهي سهرته معها يعيدها إلى منزلها. تماما كما يعيد الطفل لعبته إلى الخزانة، بعد اللهو بها.‏
وفي يوم، ضاق اللاعب باللعبة. تركها في الخزانة، ومضى يبحث عن لعبة أكثر شباباً وتجدداً.‏

أم الشهيد
لم أعد أذكر، كم مرّ من الوقت وأنا أنظر في الجريدة، إلى صورة تجمع بين أم جنوبية وابنها الشهيد. كانت منحنية عليه، لصيقة به وكأنها تسكب قلبها في صدره، لتعيد إليه أنفاسه الضائعة.‏
كانت عيناها مفتوحتين مثل عيني صقر، وكانت نظراتها حانية مثل أوراق ورد. بمحبة تأملت الصورة، وبزهو علقتها فوق سريري.‏
إنْ حدث ومررتم بهذه الأم، أرجوكم أن تمرّوا بهدوء. وإذا سلمتم عليها، أرجوكم أن تسلّموا بخشوع. كي لا توقظوا النائمْين في قلبها: ابنها والوطن.‏

جولة
تمنيتُ لو أنها كانت معه في جولته السياحية العالمية.‏
فقال لها: كنت معي كما دائماً. قلبي يحملك في نبضاته، في حله وترحاله.‏
نبتت على شفتيها زهرات لها شكل القبلات.‏


حوارية
قال: أحبك...‏
قالت: أنا أكثر..‏
قال: أخاف من الهجر.‏
قالت: مستحيل أن يحصل.‏
قال: المساء جميل.‏
قالت: وجودك أجمل..‏
أطرقت قليلاً، وأطبقت جفنيها على فرح يرقص في عينيها. وحين فتحتهما، لم تجد غير مسجلة صغيرة ينطلق منها صوت أم كلثوم بتلك الحوارية الجميلة!

انك " فقير إلى الآخر " كما هو فقير إليك " وأنك محتاج إلى الآخر ، كما هو محتاج إليك
الأب جورج

- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا -
 

- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا -
 



- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا -
 


  رد مع اقتباس
قديم 16/03/2008   #39
شب و شيخ الشباب BL@CK
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ BL@CK
BL@CK is offline
 
نورنا ب:
Apr 2007
المطرح:
Aleppo-Syria
مشاركات:
4,345

افتراضي


الخِتان


استقبلني الطبيب بابتسامة مشجعة ، أخذّ نفسا عميقا ، شمٌّر قليلا عن أكمامه كمن يُعلمني أنه يوليني كامل اهتمامه . كبحت رغبتي بالضحك إذ تخيلت كم سأفاجئه بطلبي ، بالتأكيد يظنني مريضة . أحسست فجأة باضطراب شديد إذ نسيت المقدمة التي تدرٌبت عليها مرارا لبدء حديثي معه . لعله لاحظ ارتباكي فابتدرني قائلا :
أرجو أن تثقي بي ثقة مطلقة و أن تعتبرينني صديقا يفهمك ويساعدك ، لا ترتبكي ولا تخجلي فالمرض النسائي مثله مثل أي مرض .

كنت أعرف أنه طبيب أمراض النساء الأكثر شهرة في المدينة وبأنه يتمتع بأخلاق مهنية عالية ، عقصت شعري بملقط أخرجته من حقيبتي كعادتي دوما لشحذ تفكيري ، بدا وجهي مقروءا وصريحا في حضرة الطبيب . وضعت رجلا علي رجل كي أوهمه أني مسترخية ولست خائفة . قلت له منتبهة للهجة صوتي الغريبة عني :
في الواقع أنا لا أشكو من أي مرض نسائي ، إنما قصدتك لسبب آخر .
قال مبتسما ابتسامة مشجعة :
مهما كان السبب فأنا سأدعمك وأساعدك بكل طاقتي .
أشكرك ، قلبي حدثني منذ البداية أنك لن تخيٌب ظني وأنني سأجد مرادي عندك.
استأذنني ليشعل سيجارة قائلا : كلي إصغاء لك .
ياه ... كيف نسيت السيناريو الذي حضٌرته ، اللعنة علي ذاكرتي كم صارت تخذلني ، لكني استجمعت شجاعتي المتهورة وقررت أن أقذف دفعة واحدة بالكلام الذي حاولت تزويقه .
أريد أن تجري لي عملية الختان .
جمدٌته جرأتي ، حلٌّ بيننا صمت م كهرب ، استدارت عيناه دهشة ، حدٌّقّ بي متشككا بما سمعه ، ابتسمت ، قلت له : لم تخطئ في فهم ما أرمي إليه .. أقولها مرة ثانية ، أريد أن أ جري عملية الختان .
سّحّب نفسا عميقا من سيجارته وقال وهو يتفحصني كأنه يبحث عن بذرة اضطراب عقلي : منذ ثلاثين عاما أمارس عملي كطبيب أمراض نساء ولم يسبق أن طلبت امرأة هذا الطلب ؟!.
وافقته مؤكدة : أعترف أنه طلب غريب .
هل لي أن أعرف أسبابه ؟
أتمني لو تعفيني من حديث موجع .
لكني لست آلة ، أؤمر بكذا فأنفٌذ ! .. أنا طبيب ومهنتي إنسانية قبل أي اعتبار ، إن شابة مثلك في عقدها الثالث ، متعلمة وناجحة في عملها ، جميلة و....
قاطعته : أعرف ما ستقول .. أنتّ تري طلبي غير معقول أليس كذلك ؟.. لعلك تظن أني مجنونة .
أبدا ، أبدا ، لكن أتمني لو نتحاور حول هذا الطلب اللاإنساني ، هذا الطلب أقصد الخِتان الذي لن يشوهك جسديا فحسب ، بل نفسيا ، ثم أظنك قرأت عن الآثار النفسية المؤلمة بل والكارثية لعمليات ختان الفتيات . كيف يعشن عمرهن بكآبة وألم و لا يشعرن بأية متعة علي الإطلاق ... تلك المتعة التي هي مادة الحب ، وأصل التواصل بين المرأة والرجل .


التقطت طرف الخيط ، فدٌبت في الحماسة ، قلت له : أشكرك علي كلامك ، فأنا أعرفه واسمح لي أن أكمل ما قلته لكن باتجاه آخر ، فحين تنعدم إمكانية الحب بين رجل وامرأة ، حين تتحول الحياة إلي انتظار طويل منهك للأعصاب ، لحبي لن يتحقق وأرجو ألا تسألني لماذا ؟ لأن الحياة معقدة وسريعة كدولاب يدور ويدور ، يطعن العواطف الرقيقة و لاتبقي إلا العواطف ، أقصد الغرائز الفظٌة كالحصي الباردة ، كنت أحس بألم وأنا أشرح ما بنفسي ، لكنني أعرف أن عليٌ إقناع الطبيب كي يختنني .
قال: الحب ، ليس له عمر معين ، وأنتِ لا تزالين شابة .


استأذنته بتدخين سيجارة محاولة أن أقنعه :
حاول أن تفهمني ، أرجوك ... رغم أن كلامي يبدو أغرب من أن تستوعبه ، لا لشيء سوي لأنه غير مألوف ، لقد تعبت من حالتي ، من حالة التوق للحب ، لحب إنساني صادق منزٌه عن الأغراض ، لم يحصل ، وأعرف أنه لن يتحقق ، لقد عشت سنوات طويلة مسرفة في الانقياد لعواطف الحب والحنان ، لكني لم أجنِ سوي الوحدة العميقة الأشبه بالصقيع ، لا تنظر إليٌ بهذه الطريقة أرجوك ، لكأنك تقول لي أنه حين يكون في رأس المرأة أفكار كهذه فمن العار أن تعلنها ، أنا تعيسة رغم نجاحي في عملي ، تعيسة لأني أربط سعادتي وانسجامي النفسي والعاطفي بالحب .. بالرجل الحلم . أتعرف صار توقي الشديد للحب حِملا لا فائدة منه ، إنه ي شعرني أني ميتة
و أنا لا أزال حية ، ي شعرني أن شبابي ي هدر لأني لا أذوب بين أحضان رجل يحبني لذاتي ولست بالنسبة له شهوة عابرة .


اقرأ السؤال في عينيك : كيف لم تلتقِ برجل حياتك ؟!..
أقول لكّ : أنا نفسي لا أعرف ، لعله الحظ كما يقال وأظنك تعرف أن هنالك آلاف من النساء الوحيدات مثلي و المتلهفات للحب . ياه ... لو تعرف كيف أن مزاجي الحزين والكئيب في غياب الحب يصيبني بداء غريب هو داء الخّرس ، إذ أظل أياما لا أنطق بكلمة منطوية علي ذاتي وحزينة ...
لم أترك للطبيب فرصة السؤال أو الاستيضاح ... كنت أستبق أسئلته من شدة استعجالي للبوح.
أتدهشكّ شجاعتي ، معك حق ، فالحزن يبث في النفس الشجاعة ، لقد مللت من انتظار الحب الذي به تتحقق أنوثتي وشخصيتي ... أتعرف أن الشجاعة والحزن صفتان متلازمتان ؟!...
قاطعني رغما عني : لكنك يا سيدتي ، لا تزالين شابة والفرص أمامك كثيرة .
الفرص!... هذا هو وجعي ، الانتظار والحلم ... لقد تعبت من انتظار الفرص ، من التوق للحب ، فحين أسافر في رحلة أحس بوخز ألم كوني وحيدة و حين ألبس ثيابا جميلة أحس بغصٌة ، إذ لا يوجد رجل حميم يحبني و ي طريني . وكل يوم أتناول طعامي وحيدة متخيلة طيف رجل ... و في الليل ، الليل حالة خاصة لأنه يجسٌد لي وحدتي ، أتعرف صرت أندهش حين أتفرج علي لقطات غرامية في الأفلام ، لكأن هؤلاء بشر من طينة أخري لا أنتمي إليها .
إلي متي سأعيش أقرأ عن الحب أو أشاهده ، إنما لا أعيشه ، وكل مساء أتدثٌر بغطاء بارد لا يحمل سوي رائحة وحدتي .
أدركت أن الطبيب يداري تأثره ، لكن في عينيه تعاطف شديد معي ، ربما صراحتي الخارقة وصدقي الغريب قد صدماه ، بدا مفلسا لا يعرف كيف يرد علي .
أخذت نفسا عميقا ، حلٌّ بيننا صمت مترقب ، تابعت كلامي .


أرجوك أيها الطبيب ، لا تخذلني ، حين سأجري عملية الختان سأرتاح من أكثر شيء يعذب الإنسان الأمل ... الأمل أو السراب _ لافرق ستريحني من ألف تنٌهدة وحسرة كل يوم علي رجلي أتمناه و لا يوجد ، عندها _أقصد بعد العملية سأكون سعيدة تماما وقد تحررت من
وجع الغريزة ومن توق الحب وسأستمتع بما تقدمه لي الحياة من مباهج ، سأكون مكتفية بذاتي وسأعود لبساطة الخلق الأولي ... كائن لا جنسي .
لكن ، ألم تعيشي تجارب عاطفية من قبل ؟... فلِمّ أنتِ يائسة من احتمال تكرارها .
ضحكت من قلبي ، أجل عشت تجارب ممسوخة وقصيرة العمر ، ألا تعرف يا دكتور أن الفرح سطحي و أن المرارة تترك وشما عميقا في الذاكرة فأرجو أن تعفيني من تفاصيل تجاربي ، صدقني أنا مصممة علي العملية .
ابتسم الطبيب بمرارة : كم يحزنني أن هذه الرغبة طالعة من أعماقك .
غامت نظرة الطبيب ، أحسست أنه لم يعد يراني ، انتفضّ عن كرسيه كما لو أن فكرة مرعبة قذفته من مكانه ، اقترب مني وسألني بقلق كأنه يحدٌث نفسه :
هل لديك صديقات يرغبن بإجراء هذه العملية ؟.....
كان ذعره يتكاثر كدوائر تتوالد من نقطة ...
أجبته بابتسامة ، احتار كيف يفسرها ... في عينيٌ تصميم و في عينيه ذهول ... وبين ذهوله وتصميمي لّمّحنا طيف آلاف النساء الراغبات بالخِتان .



د . هيفاء بيطار

ويحَ زمَنٍ أصبَحَ فيهِ عاشِقُ الوطَنِ يُهان ..

ويُشطَبُ مِن ذاكرةِ عشقِهِ ..

ومِن قائِمَةِ بني الإنسان !!



.
  رد مع اقتباس
قديم 05/07/2008   #40
صبيّة و ست الصبايا The morning
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ The morning
The morning is offline
 
نورنا ب:
Sep 2006
المطرح:
Chicago
مشاركات:
7,423

افتراضي النمور في اليوم العاشر


النمور في اليوم العاشر


رحلت الغابات بعيداً عن النمر السجين في قفص، ولكنه لم يستطع نسيانها، وحدق غاضباً إلى رجال يتحلقون حول قفصه وأعينهم تتأمله بفضول ودونما خوف وكان أحدهم يتكلم بصوت هادئ ذي نبرة آمرة: إذا أردتم حقاً أن تتعلموا مهنتي، مهنة الترويض، عليكم ألا تنسوا في أي لحظة أن معدة خصمكم هدفكم الأول، وسترون أنها مهمة صعبة وسهلة في آن واحد.
انظروا الآن إلى هذا النمر: إنه نمر شرس متعجرف، شديد الفخر بحريته وقوته وبطشه، ولكنه سيتغير ويصبح وديعاً ومطيعاً كطفل صغير.. فراقبوا ما سيجري بين من يملك الطعام وبين من لا يملكه، وتعلموا.
فبادر الرجال إلى القول إنهم سيكونون التلاميذ المخلصين لمهنة الترويض.
فابتسم المروض مبتهجا، ثم خاطب النمر متسائلا بلهجة ساخرة: كيف حال ضيفنا العزيز؟ قال النمر: أحضر لي ما آكله، فقد حان وقت طعامي.
فقال المروض بدهشة مصطنعة: أتأمرني وأنت سجيني؟ يالك من نمر مضحك!! عليك أن تدرك أني الوحيد الذي يحق له هنا إصدار الأوامر. قال النمر: لا أحد يأمر النمور.
قال المروض: ولكنك الآن لست نمراً.
أنت في الغابات نمر.
وقد صرت في القفص، فأنت الآن مجرد عبد تمتثل للأوامر وتفعل ما أشاء.

قال النمر بنزق: لن أكون عبداً لأحد.
قال المروض: أنت مرغم على إطاعتي؛ لأني أنا الذي أملك الطعام.
قال النمر: لا أريد طعامك.
قال المروض: إذن جع كما تشاء، فلن أرغمك على فعل ما لا ترغب فيه.
وأضاف مخاطباً تلاميذه: سترون كيف سيتبدل؛ فالرأس المرفوع لا يشبع معدة جائعة.
وجاع النمر، وتذكر بأسى أيامًا كان فيها ينطلق كريح دون قيود مطارداً فرائسه.
وفي اليوم الثاني أحاط المروض وتلاميذه بقفص النمر، وقال المروض: ألست جائعاً؟ أنت بالتأكيد جائع جوعاً يعذب ويؤلم.. قل إنك جائع فتحصل على ما تبغي من اللحم.
ظل النمر ساكتاً، فقال المروض له: افعل ما أقول ولا تكن أحمق.
اعترف بأنك جائع فتشبع فوراً.
قال النمر: أنا جائع.
فضحك المروض وقال لتلاميذه :ها هو ذا قد سقط في فخ لن ينجو منه.
وأصدر أوامره، فظفر النمر بلحم كثير.
وفي اليوم الثالث قال المروض للنمر: إذا أردت اليوم أن تنال طعاماً، فنفذ ما سأطلب منك.
قال النمر: لن أطيعك.
قال المروض: لا تكن متسرعاً، فطلبي بسيط جداً .
أنت الآن تحوم في قفصك، وحين أقول لك: قف، فعليك أن تقف.
قال النمر لنفسه: إنه فعلاً طلب تافه، ولا يستحق أن أكون عنيداً وأجوع.
وصاح المروض بلهجة قاسية آمرة: قف.
فتجمد النمر تواً، وقال المروض بصوت مرح: أحسنت.
فسر النمر، وأكل بنهم، بينما كان المروض يقول لتلاميذه: سيصبح بعد أيام نمراً من ورق.
وفي اليوم الرابع، قال النمر للمروض: أنا جائع فاطلب مني أن أقف.
فقال المروض لتلاميذه: ها هو ذا قد بدأ يحب أوامري.
ثم تابع موجهاً كلامه إلى النمر: لن تأكل اليوم إلا إذا قلدت مواء القطط.
وقلد مواء القطط، فعبس المروض، وقال باستنكار: تقليدك فاشل.
هل تعد الزمجرة مواء. فقلد النمر ثانية مواء القطط، ولكن المروض ظل متهجم الوجه، وقال بازدراء: اسكت.. اسكت.. تقليدك ما زال فاشلاً.
سأتركك اليوم تتدرب على مواء القطط، وغداً سأمتحنك.
فإذا نجحت أكلت أما إذا لم تنجح فلن تأكل. وابتعد المروض عن قفص النمر وهو يمشي بخطى متباطئة، وتبعه تلاميذه وهم يتهامسون متضاحكين.
ونادى النمر الغابات بضراعة، ولكنها كانت نائية.
وفي اليوم الخامس، قال المروض للنمر: هيا، إذا قلدت مواء القطط بنجاح نلت قطعة كبيرة من اللحم الطازج.
قلد النمر مواء القطط، فصفق المروض، وقال بغبطة: عظيم! أنت تموء كقط في شباط.
ورمى إليه بقطعة كبيرة من اللحم.
وفي اليوم السادس، وما إن اقترب المروض من النمر حتى سارع النمر إلى تقليد مواء القطط، ولكن المروض ظل واجمًا مقطب الجبين، فقال النمر: ها أنا قد قلدت مواء القطط.
قال المروض: قلد نهيق الحمار.
قال النمر باستياء: أنا النمر الذي تخشاه حيوانات الغابات، أُقلد الحمار؟ سأموت ولن أنفذ طلبك!
فابتعد المروض عن قفص النمر دون أن يتفوه بكلمة.
وفي اليوم السابع، أقبل المروض نحو قفص النمر باسم الوجه وديعا، وقال للنمر: ألا تريد أن تأكل؟
قال النمر: أُريد أن آكل.
قال المروض: اللحم الذي ستأكله له ثمن، انهق كالحمار تحصل على الطعام.
فحاول النمر أن يتذكر الغابات، فأخفق، واندفع ينهق مغمض العينين، فقال المروض: نهيقك ليس ناجحاً، ولكني سأعطيك قطعة من اللحم إشفاقاً عليك.
وفي اليوم الثامن، قال المروض: سألقي مطلع خطبة، وحين سأنتهي صفق إعجاباً.
قال النمر: سأصفق.
فابتدأ المروض إلقاء خطبته، فقال: “أيها المواطنون.. سبق لنا في مناسبات عديدة أن أوضحنا موقفنا من كل القضايا المصيرية، وهذا الموقف الحازم الصريح لن يتبدل مهما تآمرت القوى المعادية، وبالإيمان سننتصر” .
قال النمر: لم أفهم ما قلت.
قال المروض: عليك أن تعجب بكل ما أقول، وأن تصفق إعجاباً به.
قال النمر: سامحني أنا جاهل أُميٌّ وكلامك رائع وسأصفق كما تبغي.
وصفق النمر فقال المروض: أنا لا أحب النفاق والمنافقين ستحرم اليوم من الطعام عقاباً لك. وفي اليوم التاسع جاء المروض حاملاً حزمة من الحشائش، وألقى بها للنمر، وقال: كل، قال النمر: ما هذا؟ أنا من آكلي اللحوم.
قال المروض: منذ اليوم لن تأكل سوى الحشائش.
ولما اشتد جوع النمر حاول أن يأكل الحشائش فصدمه طعمها، وابتعد عنها مشمئزاً، ولكنه عاد إليها ثانية، وابتدأ يستسيغ طعمها رويداً رويداً.
وفي اليوم العاشر اختفى المروض وتلاميذه والنمر والقفص؛ فصار النمر مواطناً، والقفص مدينة.


ذكريا تامر

من يومها صار القمر أكبر :)

______

- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا -
 

  رد مع اقتباس
قديم 16/07/2008   #41
شب و شيخ الشباب achelious
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ achelious
achelious is offline
 
نورنا ب:
Oct 2006
المطرح:
الغدّ
مشاركات:
2,008

افتراضي


Week End

امرأة
رجل
وطفل مدلل يقود شاحنة, وعجوز لاتعرف أنها ستموت بعد ساعة بجلطة دماغية حادة, وشرطي يتحرك مثل آلة كهربائية, ودكان فيه كل شيء ما عدا السجائر,
طريق محفورة الجوانب, شجرة كئيبة وحيدة لا يسقيها أحد, بناية من عشرة طوابق تميل نحو اليمين قليلا كمعجزة عمرانية, وقط نافق على حافة الرصيف, تراب على شكل خط طويل تتسلى فيه الريح, شاب يشير بإصبعه الوسطى لآخر خلفه,وصبيه يكاد يقتلها شبقها, تحلم بدعوة عاجلة من عشرة رجال سود إلى عشاء على سرير, جامع يدعو الناس ويفرقهم, وكنيسة تقرع و"لمن تقرع هذي الأجراس", هاتف عمومي, وكيس نايلون يطير في السماء, ولا غيوم.... ولا غيوم.
جدار بأسماء عصابات, وعشاق وصور زعماء وشعارات قومية وإسلامية, وزاوية مظلمة صغيرة رطبة من بول الماة, وإشارة حمراء دائما لا يراها أحد, بائع جوال يغني للخيلر والبطاطا, وامرأة منقبة تأكل سندويشة فلافل بصعوبة, زوجها يحمل لها محفظتها وابنهما حليق الرأس, مراهقة تتأكد من أن لباسها الداخلي يظهر من فوق بنطالها, وشاحنة تحمل أكياس الإسمنت والسائق شعره طويل ويغني, حادث يقع بين سيانرتين من النوع ذاته, وأسرة من خمسة أفراد يضحكون جميعا ما عدا الأم تكتفي بابتسامة عريضة, وسيارة الأسعاف تم بسرعة وخلفها سيارة إطفاء وفي السماء عمود دخان أسود... ولا غيوم..... ولاغيوم .
طفل يمشي خطواته الأولى ويسقط, ينهض قليلا ثم يسقط وخلفه خادمة إثيوبية بشامة على أنفها وبنطال أزرق فاقع, تمشي خلفه بسعادة ومعها زجاجة حليب وهاتف جوال تنقل فيه الحادث السعيد لوالديه, ممرضة تنتظر سيلرة المشفى التي تأخرت وتفكر بطبيب التخدير الذي قال لها أمس إنها أجمل ممرضة رآها في حياته, ولوحات إعلانية لأطباء ومهندسين, وشركة للملاحة البحرية, ومطعم شعاره خروف يضحك بشاربين مفتولين وطربوش, المتأمل لكي المبلابس, الحزين لتوريد العمالة, عصفور يغط يحمل قطعة خبز يابسة ويرتفع, تسقط من منقاره... يعود ليلتقطها بقوة أكبر ويمضي نحو السماء....
ولاغيوم ....ولا غيوم.
وفي المقهى انا, أنا من من وصل قبل خمس ساعات وبع الساعة,بقهوتين ونصف علبة سجائر ونادلة مؤخرتها ناتئة كورم في ظهرها, كتبت رسائل مطمئنة للجميع, أني بخير وآكل جيدا, ومديري في العمل يحبني, وأوفر القليل من المال لشراء بيت أموت فيه حين أكبر بما فيه الكفاية, والرسائل كلها انتهت بعبارة قبلاتي للجميع, المشتاق فلان, وأنا في الحقيقة لا أشعر بالشوق لأحد, المرأة المجاورة تصلح مكياجها بمرة صغيرة,تضع أحمر الشفاه على شفتها السفلى وتمص, تنكش شعرها بكلتا يديها وتعود للتدخين, والنظر إلى الساعة, والنادلة تلمس دون أن يراها أحد مؤخرتها الناتئة تفكر بعملية تجميل ربما, ورجل يوقع شيكات لرجل آخر,وفي الزاوية شخص أعرفه ادعيت أني لا أراه, فكرت بالمنزل, بالإستلقاء أمام التلفاز, أن آخذ أكبر قسط من الراحة, وفي الذهاب إلى البحر, وأحد المراكز التجارية,وشراء حذاء جديد لونه أسود, وبطاريات للساعة الجدارية النتوقفة منذ أسبوع, ومسامير فولاذ لأعلق بعض اللوحات, والذهاب إلى السنما, بحثت في هاتفي عن رقم امرأة أعرفها أدعوها إلى العشاء فلا أجد, تنتابني كآبة خفيفة لا معنى لها, فأمضي تاركا النادلة صاحبة المؤخرة تمسح آثاري لتشعر الزبون الجديد أنه أول من يجلس على هذه الطاولة, بهدوء وأغنية ومكيف أشق الطريق إلى المنزل بقليل من الإثارة أشعرها تدغدغ خصيتي, امرأة صينية تحمل مظلة حمراء وجهها أملس متعرق, وبيدها كيس أعرف محتواياته, أتمهل قربها, تتمهل بتردد, أقترب أكثر أفتح النافذة تلفحني الرطوبة.... اصعدي... تتردد للحظة قبل أن تمد رأسها من النافذة, تستكين لبضع ثوان لهواء المكيف البارد, تبقي كيسها بين رجليها النحيلتين ومن دون ان تتكلم تشير بأصابعها إلى الرقم خمسة.
أقول.... خمسة؟
تعطيني هاتفها بعد أن كتبت بأرقامه رقم خمسين, ثم يظهر صوتها الأشبه بتصادم أربع طناجر نحاسية
فاك وتكتب 50
فاك + مساج+ ساك تكتب 100
فاك+ مساج+ ساك+ فيلم تكتب 150
تستاء من عدم تفاعلي, تلكزني بمعدن مظلتها في رقبتي, أبتسم وأهز رأسي, وأتذكر أن تحت وسادتي واقيا ذكريا قديما جدا, أرفع صوت المذياع, أشعل سيجارة, وأنطلق مسرعا ونظري عالق في السماء...... ولاغيوم.... ولاغيوم.

حازم سليمان
  رد مع اقتباس
قديم 27/07/2008   #42
شب و شيخ الشباب achelious
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ achelious
achelious is offline
 
نورنا ب:
Oct 2006
المطرح:
الغدّ
مشاركات:
2,008

افتراضي


قُبلات من أجل العراق

الهاجس الذي لفها كثوب تقوى وطالعها في ثنايا الساعة لا يتزحزح، لا يترنح، لا يكف عن بعث الخشية في أوصالها. فهذا زمن وذاك زمن آخر، وكلاهما يحترق على أطراف يومها وعنادها. وها هي شمعة الشباب تذوب في ظلمات روحها دون أن تشق درباً للرؤية، ودون أن تُنير. فهي تريد الخلاص، أو الانطلاق، أو التحرر من القبلات الباردة في نهاية يوم متعب. هي تريد أن تشيع زمناً من الوصايا، وزمناً من ليالي السوق إلى الاستثمار بعصا الواجب. هي تعلم، وهم لا يعترفون: النهايات تتكون قبل أن تُدون.
الهاجس الذي طالع "حُسنية" كضربة نحس، ينمو سريعاً في عراء الرغبة، يشدها نحو مواجهات لا يُعرف عصيها، أو مدى دفقها، أو ملامح امتداداتها. انقضى نحو عامين من التظلل في خيمة الكتمان والحرص ومحاولة النسيان. العاصفة المدوية في صدرها تقوى وتشتد مع الأيام، وتكاد أن تمزق صبرها وحلمها. وحيلتها على حالها؛ متجمدة من الخوف والشقاء في ركن ميت من الفعل. الصراخ ممنوع، والاحتجاج معصية، واغتصاب القبلات من شفتيها المارقتين عن الشهوة فيه من الفضائل فضيلة السترة والطاعة والعفة!
وهذا الرجل المشدوه بجرائد تفيح منها رائحة الدم والقتل والبارود لا يعبأ بمعاناتها. يرجع إلى البيت من مكتبه مقلعاً عن الكلام والابتسام والسلام. يمشط ذقنه في أريكته، ويفتح شهيته لكلمات المذيع في التلفاز وهو يهرب من خبر سيء إلى خبر مؤلم. يكتئب على هدى هموم الساعة، فيرمق "حُسنية" شرراً، أو قهراً، أو عجزاً، ويشفع من اللحظة بالنوم والشخير. يتركها فريسة لملل الليل الطويل. ليلها صاخب بنداءات العوز في دائرة الشعور بالوحدة الضيقة. في الواقع، ليلها يتواصل مع نهارها منذ أن ركب "شارون" خيل غروره وعنجهيته واستعلائه وتحدى الأطفال والحجارة وقُراء الصحف والطالع والمصير في ساحاتهم المقدسة.
يوم ذاك، عاد زوجها من مقاهي الكلام الفارغ في ساعة متأخرة من السهرة. بدا محتقناً بالغضب والانكسار. رمقها بفجور وامتعاض، وانكب على المائدة يعلك غيضه. وبعد حين من اجترار المرارة بنهم، نهض متباطئاً وجرها من يدها كالخروف إلى السرير. داعب جسدها البارد بعنف وعدوانية. قبل شفتيها الميتتين وهو شارد الذهن. أحست "حُسنية" بقشعريرة وكادت أن تتقيأ. لكن زوجها لا ينتبه، لا يهتم، لا يكترث. جيش الحجارة يجب أن يكبر ويتنوع. جيل جديد يجب أن يتكون على وقع العجز ويمحو عار الآباء.
ومن حيث انتهى من احتقانه أغمض عينيه وتاه وراء الأحلام. نهضت "حُسنية" من السرير بهدوء، وركضت إلى الحمام. بصقت على شفتيها. غسلت شفتيها، وطالعت بقايا القهر في مقلتيها الحزينتين. ناجت ربها:
- أستعين بك وحدك. أرحمني من القبلات التائهة.
ومضى الزمن يرسم في أوراق أيامها نكبة في كل نكبة وهزيمة في كل هزيمة وخيبة في كل خيبة. عيونها دائماً شاخصة إلى السماء بحثا عن أمل أو فراغ تُضيع وجودها في أفاقه. لكن صور الموت والدمار والتحدي عن بعد والقبلات المتشنجة بالعجز تنتزع منها كل بارقة أمل، تحرمها من الشعور بالطمأنينة، تقذفها إلى بربرية الوحدة والقنوط. تسمع من حين إلى حين عن مظاهرات تخنق الشوارع. زوجها هو الذي يقود تلك المظاهرات، وهو الذي يكتب الشعارات، وهو الذي يعد ويتوعد، وهو الذي يجعلها تبصق على شفتيها. وفي مثل هذه الحالات، كانت "حُسنية" تنطوي على ذاتها وتبكي في حجرتها المغلقة على همومها ومعاناتها، وتتذكر:
- وماذا ينفع الصراخ في ملعب كرة قدم؟
أسئلتها تكاثرت وتعقدت وثقلت مع تكاثر شعبية "شارون" بين أوساط اليهود. حرجها كبر أمام جسدها المغتصب يوماً بعد يوم، وكذلك أمام الرجل المقاتل من خلال قراءة الصحف والمسبة والإدانة. لجأت إلى الابتهال لله كي لا تكره نفسها. كانت "حُسنية" متيقنة من أنها لا تملك مفاتيح الخروج من هذه الدائرة. يمكنها أن تمزقها وحسب، ويمكنها أن تنجو من فعلتها هذه أو لا تنجو. وهاجس الخلاص لا يدعها لحظة واحدة.
قبل بضعة أيام كادت أن تختنق بضجيج يأتي من خلف البحار فيمزق آذان الشوارع. هو ليس مفاجئ تماماً، لكنه مزعج للغاية. هي لا تحتمله لأن مغتصبها في الليالي والعتمة لا يحتمله. كانت متيقنة من ذلك، فمسها الذعر ككيد شيطان. وها هو ينام على صخب الجرائد والحناجر التي تلعن القادم والآتي وابتهال المؤمنين إلى الله. ومع طلائع الفجر المتمزقة بالنور والنار أيقظتها أنياب زوجها في ساعة مبكرة من الصباح. كان هلوعاً وعيونه تلمع بالجنون. عجنها بقبضاته وعصبيته. عضها بدل أن يقبلها. أنهكها ولم يتركها. لم تفهم "حُسنية" شيئاً، وإن كان الظن قد راودها بأن إسرائيل أنجبت شاروناً جديداً. قال في نهاية المطاف موضحاً:
- من المرجح أن يحتاج العراق أطفال حجارة، يجب أن نستعد.
نظرت إليه بأسى، بهدوء، برباطة جأش، وقالت كلمة قاطعة:
- العراق يحتاج شيئاً آخر. الطلاق.

محمد الدروبي

لا أحتاجُ لتوقيعٍ .. فالصفحةُ بيضا
وتاريخُ اليوم ليس يعاد ..

اللحظةُ عندي توقيعٌ ..
إن جسمكِ كانَ ليَّ الصفحات
  رد مع اقتباس
قديم 02/10/2008   #43
شب و شيخ الشباب omaralwfhy
مسجّل
-- اخ حرٍك --
 
الصورة الرمزية لـ omaralwfhy
omaralwfhy is offline
 
نورنا ب:
Oct 2008
مشاركات:
11

افتراضي


مشكوور جدا
والله موضوع حلو وغني
  رد مع اقتباس
إضافة موضوع جديد  إضافة رد


أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لافيك تكتب موضوع جديد
لافيك تكتب مشاركات
لافيك تضيف مرفقات
لا فيك تعدل مشاركاتك

وسوم vB : حرك
شيفرة [IMG] : حرك
شيفرة HTML : بليد
طير و علّي


الساعة بإيدك هلق يا سيدي 14:01 (بحسب عمك غرينتش الكبير +3)


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
ما بخفيك.. في قسم لا بأس به من الحقوق محفوظة، بس كمان من شان الحق والباطل في جزء مالنا علاقة فيه ولا محفوظ ولا من يحزنون
Page generated in 0.19688 seconds with 13 queries