أخوية  

أخوية سوريا: تجمع شبابي سوري (ثقافي، فكري، اجتماعي) بإطار حراك مجتمع مدني - ينشط في دعم الحرية المدنية، التعددية الديمقراطية، والتوعية بما نسميه الحد الأدنى من المسؤولية العامة. نحو عقد اجتماعي صحي سليم، به من الأكسجن ما يكف لجميع المواطنين والقاطنين.
أخذ مكانه في 2003 و توقف قسراً نهاية 2009 - النسخة الحالية هنا هي ارشيفية للتصفح فقط
ردني  لورا   أخوية > فن > المكتبة

إضافة موضوع جديد  إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 09/06/2006   #55
شب و شيخ الشباب krimbow
أميـــــــــ
 
الصورة الرمزية لـ krimbow
krimbow is offline
 
نورنا ب:
Mar 2005
المطرح:
damscus-syria
مشاركات:
4,822

افتراضي


فصل في أن أصل صناعة الموسيقى للحكماء

أعلم يا أخي- أيدك الله وإيانا بروح منه- بأن الصنائع كلها استخرجتها الحكماء بحكمتها، ثم تعلمها الناس منهم، وبعضهم من بعض، وصارت وراثة من الحكماء للعامة، ومن العلماء للمتعلمين، ومن الأساتذة للتلامذة.فصناعة الموسيقى استخرجتها الحكماء بحكمتها، وتعلمها الناس منهم، واستعملوها كسائر الصنائع في أعمالهم بحكمتها، وتعلمها الناس منهم، واستعملوها كسائر الصنائع في أعمالهم ومتصرفاتهم بحسب أغراضهم المختلفة. فأما استعمال أصحاب النواميس الإلهية لها في الهياكل وبيوت العبادات، وعند القراءة في الصلوات، وعند القرابين والدعاء والتضرع والبكاء، كما كان يفعل داود النبي- عيه السلام- عند قراءة مزاميره، وكما يفعل النصارى في كنائسهم، والمسلمون في مساجدهم من طيب النغمة ولحن القراءة، فإن كل ذلك لرقة القلوب، ولخضوع النفوس ولخشوعها، والانقياد لأوامر الله تعالى ونواهيه، والتوبة إليه من الذنوب، والرجوع إلى الله- سبحانه وتعالى- باستعمال سنن النواميس كما رسمت.
وأعلم يا أخي- أيدك الله وإيانا بروح منه- أن أحد الأسباب التي دعت الحكماء إلى وضع النواميس، واستعمال سننها، هوما قد لاح لهم من موجبات أحكام النجوم من السعادات والمناحس، عند ابتداء القرانات وتحاويل السنين من الغلاء أوالرخص، أوالجدب أوالخصب، أوالقحط أوالطاعون والوباء، أوتسلط الأشرار والظالمين، وما شاكلها من تغيرات الزمان وحوادث الأيام. فلما تبين لهم ذلك طلبوا حيلة تنجيهم منها إن كانت شراً، وتوفر حظهم فيها إن كانت خيراً، فلم يجدوا حيلة أنجى ولا شيئاً أنفع من استعمال سنن النواميس الإلهية التي هي الصوم والصلاة والقرابين والدعاء عند ذلك بالتضرع إلى الله تعالى- جل ثناؤه- بالخضوع والخشوع والبكاء والسؤال إياه أن يصرف عنهم ذلك، ويكشف ما قد أوجبته أحكام النجوم من المناحس والبلاء، وكانوا لا يشكون أنهم إذا دعوا الله بالنية والإخلاص ورقة القلب والبكاء والتضرع والتوبة والإنابة؛ أن يصرف عنهم ما يخافون، ويكشف عنهم ما هم مبتلون به، ويتوب عليهم؛ ويغفر لهم، ويجيب دعاءهم، ز يعطيهم سؤالهم. وكانوا يستعملون عند الدعاء والتسبيح والقراءة ألحاناً من الموسيقى تسمى" المحزن" وهي التي ترقق القلوب إذا سمعت، وتبكي العيون، وتكسب النفوس الندامة على سالف الذنوب، وإخلاص السرائر وإصلاح الضمائر. فهذا كان أحد أسباب استخراج الحكماء صناعة الموسيقى، واستعمالها في الهياكل وعند القرابين والدعاء والصلوات.

وكانوا أيضاً قد استخرجوا لمناً آخر يقال له" المشجع" كانت تستعمله قادة الجيوش في الحروب والهيجاء، يكسب النفس شجاعة وإقداماً. واستخرجوا أيضاً لحناً آخر كانوا يستعملونه في المارستانات؛ وقت الأسحار، يخفف ألم الأسقام والأمراض عن المريض، ويكسر سورتها، ويشفي من كثير من الأمراض والأعلال. واستخرجوا أيضاً لحن آخر يستعمل عند المصائب والأحزان والغموم في المآتم، يعزي النفوس ويخفف ألم المصائب، ويسلي عن الاشتياق، ويسكن الحزن. واستخرجوا أيضاً لحناً آخر يستعمل عند الأعمال الشاقة والصنائع المتعبة مثل ما يستعمله الحمالون والبناؤون وملاح الزواريق وأصحاب المراكب، يخفف عنهم كد الأبدان وتعب النفوس.
واستخرجوا أيضاً ألحاناً أخر تستعمل عند الفرح واللذة والسرور في الأعراس والولائم وهي المستعملة في زماننا هذا. وقد تستعمل هذه الصناعة للحيوانات أيضاً مثل ما يستعمله الجمالون من الحداء في السفار وفي ظلم الليل، لينشط الجمال في السير، ويخفف عليها ثقل الأحمال، ويستعملها رعاة الغنم والبقر والخيل عند ورودها الماء من الصفير ترغيباً لها في شرب الماء؛ ويستعملون لها أيضاً ألحاناً أخر عند هيجانها للنز والفساد، وألحاناً أخر عند حلب ألبانها لتدر؛ ويستعمل صياد الغزلان والدراج؛ والقطا وغيرها من الطيور ألحاناً في ظلم الليل، يوقعها بها حتى تؤخذ باليد؛ وتستعمل النساء للأطفال ألحاناً تسكن البكاء، وتجلب النوم. فقد تبين بما ذكرنا أن صناعة الموسيقى يستعملها كل أحد من الأمم، ويستلذها جميع الحيوانات التي لها حاسة السمع، وإن للنغمات تأثيرات في النفوس الروحانية، كما أن لسائر الصنائع تأثيرات في الهيوليات الجسمانية، فنقول الآن: إن الموسيقى هي الغناء، والموسيقار هوالمغني، والموسيقات هوآلة الغناء، والغناء هوألحان مؤلفة، واللحن هونغمات متواترة، والنغمات هي أصوات متزنة، والصوت هوقرع يحدث في الهواء من تصادم الأجسام بعضها ببعض، كما بينا في رسالة" الحاس والمحسوس" ولكن نحتاج أن نذكر من ذلك في هذه الرسالة ما لا بد منه.

عندما تتأجج نار التحششيش .. تنأى الحشائش بالحشيش الحشحشش ..
وحشيشة التحشيش .. عمر أحشش ..
حش الحشائش في حشيش محشش ..
حشاش يا أخا الحشيش ..
حشش على تحشيش محششنا القديم ..
سوريا الله حاميا
jesus i trust in you
  رد مع اقتباس
قديم 09/06/2006   #56
شب و شيخ الشباب krimbow
أميـــــــــ
 
الصورة الرمزية لـ krimbow
krimbow is offline
 
نورنا ب:
Mar 2005
المطرح:
damscus-syria
مشاركات:
4,822

افتراضي


فصل في كيفية إدراك القوة السامعة للأصوات

فأما كيفية إدراك القوة السامعة للأصوات، فأعلم يا أخي أن الأصوات نوعان: حيوانية وغير حيوانية؛ وغير الحيوانية أيضاً نوعان: طبيعية وآلية.
فالطبيعية هي كصوت الحجر والحديد والخشب والرعد والريح وسائر الأجسام التي لا روح فيها من الجمادات، والآلية كصوت الطبل والبوق والزمر والأوتاد وما شاكلها. والحيوانية نوعان: منطقية وغير منطقية، فغير المنطقية هي أصوات سائر الحيوانات الغير الناطقة، وأما المنطقية فهي أصوات الناس، وهي نوعان: دالة وغير دالة. فغير الدالة كالضحك والبكاء والصياح، وبالجملة كل صوت لا هجاء له؛ وأما الدالة فهي اكلام والأقاويل التي لها هجاء.وكل هذه الأصوات إنما هي قرع يحدث في الهواء من تصادم الأجرام، وذلك أن الهواء لشدة لطافته وخفة جوهره وسرعة حركة أجزائه، يخلل الأجسام كلها، فإذا صدم جسم جسماً آخر، انسل ذلك الهواء من بينهما، وتدافع وتموج إلى جميع الجهات، وحدث من حركته شكل كروي، واتسع كما تتسع القارورة من نفخ الزجاج فيها، وكلما اتسع ذلك الشكل ضعفت حركته وتموجه، إلى أن يسكن ويضمحل. فمن كان حاضراً من الناس وسائر الحيوانات الذي له أذن بالقرب من ذلك المكان، فبتموج ذلك الهواء بحركته يدخل في أذنيه إلى صماخيه؛ في مؤخر الدماغ، ويتوج أيضاً ذلك الهواء الذي هناك، فتحس عند ذلك القوة السامعة بتلك الحركة وذلك التغيير.

وأعلم أن كل صوت له نغمة وصفية وهيئة روحانية، خلاف صوت آخر، وإن الهواء من شرف جوهره ولطافة عنصره يحمل كل صوت بهيأته وصفته، ويحفظها لئلا يختلط بعضها ببعض، فيفسد هيأتها، إلى أن يبلغها إلى أقصى مدى غاياتها عند القوة السامعة، لتؤديها إلى القوة المتخيلة التي مسكنها مقدم الدماغ، وذلك تقدير العزيز الحكيم الذي جعل لكم السمع والأبصار والفئدة، قليلاً ما تشكرون. وإذ قد فرغنا من ذكر ماهية الأصوات وكيفية حل الهواء، وكيفية إدراك القوة السامعة لها، فنذكر الآن كيفية حدوث أنواعها من تصادم الأجسام بعضاً ببعض، فنقول: إن كل جسمين تصادما برفق ولين لا تسمع لهما صوتاً، لأن الهواء ينسل من بينهما قليلاً قليلاً، فلا يحدث صوتاً، وإنما يحدث الصوت من تصادم الأجسام، متى كان صدمها بشدة وسرعة، لأن الهواء عند ذلك يندفع مفاجأة، ويتموج بحركته إلى الجهات الست بسرعة، فيحدث الصوت، ويسمع كما بينا في فصل قبل هذا. والأجسام العظيمة، إذا تصادمت كان صوتها أعظم، لأنها تموج هواء أكثر. وكل جسمين من جوهر واحد، مقدارهما واحد، وشكلهما واحد، نقرا نقرة واحدة معاً، فإن صوتيهما يكونان متساويين، فإن كان أحدهما أجوف، كان صوته أعظم، لأنه يصدم هواء كثيراً داخلاً وخارجاً. والأجسام الملس أصواتها ملساء، لأن السطوح المشتركة التي بينها وبين الهواء ملساء.
والأجسام الخشنة تكون أصواتها خشنة، لأن الشطوح المشتركة بينها وبين الهواء خشنة. والأجسام الصلبة المجوفة كالأواني والطرجهارات؛ والجرار، إذا نقرت طنت زماناً طويلاً، لأن الهواء في جوفها يتردد ويصدمها مرة بعد مرة، وتاروبعد أخرى، إلى أن يسكن، فما كان منها أوسع، كان صوتها أعظم، لأنه يصدم هواء كثيراً داخلاً وخارجاً. والبوقات الطوال كان صوتها أعظم، لأن الهواء المتموج فيها يصدمها في مروره مسافة بعيدة. والحيوانات الكبيرة الرئات، الطويلة الحلاقيم، الواسعة المناخر والأشداق، تكون جهيرة الأصوات، لأنها تستنشق هواء كثيراً وترسله بشدة.
فقد تبين بما ذكرنا أن علة عظم الصوت إنما هي بحسب عظم الأجسام المصوتة وشدة صدمها وكثرة تموج الهواء في الجهات عنها فنقول:إن أعظم الأصوات صوت الرعد وقد بينا علة حدوثه في رسالة الآثار العلوية، ولكن نذكر هنا ما لا بد منه. أما علة حدوثه فهو أن البخارين الصاعدين في الجومن البحار والبراري إذا ارتفعا في الهواء، واختلطا، واحتوى البخار الرطب اليابس الذي هوالدخان، واحتوى الزمهرير على البخارين الرطب واليابس، وحصرهما انضغط البخار اليابس في جوف البخار الرطب والتهب، وطلب الخروج، فدفع البخار الرطب وخرقه، فيقرقع البخار الرطب من حرارة ذلك الدخان اليابس، كما تفرقع الأشياء الرطبة إذا احتوت عليها حرارة النار دفعة واحدة، ويحدث من ذلك قرع في الهواء، ويندفع إلى جميع الجهات، وينقدح من خروج ذلك الدخان اليابس في جوف السحاب ضوء يسمى البرق، كما يحدث من دخان السراج المنطفئ إذا أدني من سراج مشتعل، ثم ينطفئ وربما يذوب من ذلك البخار الرطب شيء من جوف السحاب، ويصير ريحاً، ويدور في خلل السحاب، وجوف الغيوم، ويطلب الخروج، ويسمع له دوي وتقرقر، كما يسمع الإنسان من جوفه، إذا كان يعرض له ريح وانتفاخ، وربما ينشق السحاب دفعة واحدة مفاجأة، فتخرج تلك الريح، ويكون منها صوت هائل يسمى صاعقة. فهذه علة صوت الرعد وكيفية حدوثه. فأما أصوات الرياح وعلة حدوثها فهي أن الرياح ليست شيئاً سوى تموج الهواء شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً وفوقاً وتحتاً، فإذا صدم في حركته وجريانه الجبال والحيطان والأشجار والنبات، وتخللها حدث من ذلك فنون الأصوات والدوي والطنين مختلفة الأنواع، كل ذلك بحسب كبر الأجسام المصدومة وصغرها، وأشكالها وتجويفها، ويطول شرحها.
  رد مع اقتباس
قديم 09/06/2006   #57
شب و شيخ الشباب krimbow
أميـــــــــ
 
الصورة الرمزية لـ krimbow
krimbow is offline
 
نورنا ب:
Mar 2005
المطرح:
damscus-syria
مشاركات:
4,822

افتراضي


وأما أصوات المياه في جريانها وتموجها وتصادمها مع الجسام، فإن الهواء، للطافة جوهره وسيلان عنصره، يتخللها كلها، ويكون حدوث تلك الأصوات وفنون أنواعها بحسب تلك الأسباب التي ذكرناها في أمر الرياح. وأما أصوات الحيوانات ذوات الرئة، واختلاف أنواعها وفنون نغماتها، فهي بحسب طول أعناقها وقصرها، وسعة حلاقيمها وتركيب حناجرها، وشدة استنشاقها الهواء وقوة إرسال أنفاسها من أفواهها ومناخرها، يطول شرحها. وأما أصوات الحيوانات التي ليست لها رئة كالزنابير والجراد والصرصر؛ وما شاكلها، فإنها تحرك الهواء بجناحين لهما سرعة وخفة، فيحدث من ذلك أصوات مختلفة كما يحدث من تحريك أوتار العيدان، وتكون فنونها واختلاف أنواعها بحسب لطافة أجنحتها وغلظها وطولها وقصرها وسرعة تحريكها لها. وأما الحيوانات الخرس كالسمك والسرطان والسلاحف وما شاكلها، فهي خرس لأن ليس لها رئة ولا جناحان.
وإن اختلاف تلك الأصوات يكون بحسب شدة يبسها وصلابتها، وكمية مقاديرها من الكبر والصغر والطول والقصر والسعة والضيق؛ وفنون أشكالها من التجويف والتقبيب والثقب وقوة الصدمة وما يعرض فيها من الأسباب كما سنبين ذلك في موضعه.
وأما فنون أصوات الآلت المتخذة للتصويب كالطبول والبوقات والدبادب والدفوف والسرناي والمزامير والعيدان وما شاكلها، فهي بحسب أشكالها وجواهرها التي هي متخذة منها، وكبرها وصغرها وطولها وقصرها وسعة أجوافها وضيق ثقبها ورقة أوتارها وغلظها، وبحسب فنون تحريك المحركين لها.
ونحتاج أن نذكر من هذا الفن طرفاً إذ كان أحد أغراضنا من هذه الرسالة تبيان ماهية الموسيقى الذي هوألحان مؤتلفة ونغمات متزنة، وهوالمسمى الغناء، ولما تبين، بما ذكرنا، أن الغناء إنما هوألحان مؤتلفة، واللحن هونغمات متزنة، والنغمات المتزنة لا تحدث إلا من حركات متواترة بينها سكنات متتالية، احتجنا أن نذكر أولاً ما الحركة وما السكون، فنقول: إن الحركة هي النقلة من مكان إلى مكان في زمان ثان، وضدها السكون وهوالوقوف في المكان الأول في الزمان الثاني.
والحركة نوعان: سريعة وبطيئة، والحركة السريعة هي التي يقطع المتحرك بها مسافة بعيدة في زمان قصير، و البطيئة هي التي يقطع المتحرك بها مسافة أقل منها في ذلك الزمان بعينه. والحركتان لا تعدان اثنتين إلا أن يكون بينهما زمان سكون، والسكون هووقوف المتحرك في مكانه الأول زماناً ما كان يمكنه أن يكون متحركاً فيه حركة ما. وإذ قد فرغنا من ذكر ما احتجنا أن نبينه فنقول الآن: إن الأصوات تنقسم من جهة الكيفية ثمانية أنواع، كل نوعين منها متقابلان من جنس المضاف، فمنها العظيم والصغير والسريع والبطيء والحاد والغليظ والجهير والخفيف. فأما العظيم والصغير من الأصوات فبإضافة بعضها إلى بعض، والمثال في ذلك أصوات الطبول، وذلك أن أصوات طبول المواكب، إذا أضيف إلى أصوات طبول المخانيث، كانت عظيمة، وإذا أضيفت إلى أصوات الكوس كانت صغيرة. وأصوات الكوس إذا أضيفت إلى أصوات الرعد والصواعق كانت صغيرة، والكوس هوطبل عظيم يضرب في ثغور خراسان عند النفير يسمع صوته من فراسخ.

فعلى هذا المثال يعتبر عظم الأصوات وصغرها بإضافة بعضها إلى بعض.وأما السريع والبطيء من الأصوات بإضافة بعضها إلى بعض، فهي التي تكون أزمان سكونات ما بين نقراتها قصيرة بالإضافة إلى غيرها، والمثال في ذلك أصوات كوذينات؛ القصارين ومطارق الحدادين فغنها سريعة بالإضافة إلى أصوات دق الرزازين؛ والجصاصين؛ وهي بطيئة بالإضافة إليها، وأما بالإضافة إلى أصوات مجاذيف الملاحين فهي سريعة. وعلى هذا المثال يعتبر سرعة الأصوات وبطؤها بإضافة بعضها إلى بعض. وأما الحاد والغليظ من الأصوات بعضها إلى بعض فهي كأصوات نقرات الزير؛ وحدته، بالإضافة إلى نقرات المثنى؛ والمثنى إلى المثلث؛ والمثلث إلى البم؛ فإنها تكون حادة. فأما بالعكس فإن صوت البم بالإضافة إلى المثلث، والمثلث إلى المثنى، والمثنى إلى الزير فغليظة. ومن وجه آخر أيضاً فإن صوت كل وتر مطلقاً غليظ بالإضافة إلى مزمومه أي مزموم كان. فعلى هذا القياس تعتبر حدة الأصوات وغلظها بإضافة بعضها إلى بعض. وأما الخفيف والجهير من الأصوات فقد تقدمت إبانتهما عند ذكر علتهما في الفصل الأول. والأصوات تنقسم من جهة الكمية نوعين، متصلة ومنفصلة. فالمتصلة هي التي بين أزمان حركة نقراتها زمان سكون محسوس، مثل نقرات الأوتار وإيقاعات القضبان. وأما المتصلة من الأصوات فهي مثل أصوات المزامير والنايات والدبادب والدواليب والنواعير وما شاكلها.
والأصوات المتصلة تنقسم نوعين: حادة وغليظة، فما كان من النايات والمزامير أوسع تجويفاً وثقباً، كان صوته أغلظ؛ وما كان أضيق تجويفاً وثقباً، كان صوته أحد. ومن جهة اخرى أيضاً ما كان من الثقب إلى موضع النفخ أقرب، كانت نغمته أحد، وما كان أبعد، كان أغلظ.
فصل في امتزاج الأصوات وتنافرها أعلم يا أخي- أيدك الله وإيانا بروح منه- أن أصوات الأوتار المتساوية الغلظ والطول والخرق إذا نقرت نقرة واحدة كانت متساوية؛ وإن كانت متساوية في الطول، مختلفة في الغليظ، كانت أصوات الغليظ أغلظ وأصوات الدقيق أحد؛ وإن كانت متساوية في الطول والغلظ، مختلفة في الخرق، كانت أصوات المخروقة حادة، وأصوات المسترخية غليظة؛ وإن كانت متساوية في الغلظ والطول والخرق، مختلفة في النقر، كان أشدها نقراً أعلاها صوتاً.
وأعلم بأن الأصوات الحادة والغليظة متضادان، ولكن إذا كانت على نسبة تأليفية ائتلفت وامتزجت واتحدت، وصارت لحناً موزوناً، واستلذتها المسامع، وفرحت بها الأرواح، وسرت بها النفوس؛ وإن كانت على غير النسبة تنافرت وتباينت، ولم تأتلف ولم تستلذها المسامع، بل تنفر عنها وتشمئز منها النفوس، وتكرهها الأرواح. والأصوات الحادة حارة تسخن مزاج أخلاط الكيموسات؛ الغليظة وتلطفها. والأصوات الغليظة باردة ترطب مزاج أخلاط الكيموسات الحارة اليابسة. والصوات المعتدلة بين الحادة والغليظة تحفظ مزاج أخلاط الكيموسات المعتدل على حالته كيلا يخرج عن الاعتدال. والأصوات العظيمة الهائلة الغير المتناسبة إذ وردت على المسامع دفعة واحدة مفاجأة، أفسدت المزاج وأخرجت عن الاعتدال، وتحدث موت الفجأة، ولها آلة صناعية كان اليونانيون يستعملونها عند الحروب، ويفزعون بها نفوس الأعداء، ويسد النافخون فيها آذانهم عند استعمالها وتحريكها. والأصوات المعتدلة المتزنة المتناسبة تعدل مزاج الأخلاط، وتفرح الطباع، وتستلذ بها الأرواح، وتسر بها النفوس.
فصل في تأثر الأمزجة بالأصوات أعلم يا أخي- أيدك الله وإيانا بروح منه- بأن أمزجة الأبدان كثيرة الفنون، وطباع الحيوانات كثيرة الأنواع، ولكل مزاج وكل طبيعة نغمة تشاكلها، ولحن يلائمها لا يحصي عددها إلا الله عز وجل. والدليل على حقيقة ما قلنا، وصحة ما وصفنا، أنك تجد إذا تأملت لكا أمة من الناس ألحاناً ونغمات يستلذونها ويفرجون بها، لا يستلذها غيرهم ولا يفرح بها سواهم، مثل غناء الديلم والأتراك والأعراب والأرمن والزنج والفرس والروم وغيرهم من الأمم المختلفة الأسن والطباع والأخلاق والعادات. وهكذا أيضاً أنك تجد في الأمة الواحدة من هذه أقواماً يستلذون ألحاناً ونغمات، وتفرح نفوسهم بها، ولا يسر بها من سواهم.

وهكذا ايضاً ربما تجد إنساناً واحداً يستلذ وقتاً ما لحناً ويسره، ووقتاً آخر لا يستلذه بل ربما يكرهه ويتألم منه. وهكذا تجد حكمهم في مأكولاتهم ومشروباتهم وفي مشموماتهم وملبوساتهم وسائر الملاذ والزينة والمحاسن، كل ذلك بحسب تغيرات أمزجة الأخلاط، واختلاف الطبائع، وتركيب الأبدان، والأماكن والأزمان، كما بينا طرفاً من ذلك في رسالة الأخلاق.
  رد مع اقتباس
قديم 09/06/2006   #58
شب و شيخ الشباب krimbow
أميـــــــــ
 
الصورة الرمزية لـ krimbow
krimbow is offline
 
نورنا ب:
Mar 2005
المطرح:
damscus-syria
مشاركات:
4,822

افتراضي


فصل في أصول الألحان وقوانينها

أعلم يا أخي- أيدك الله وإيانا بروح منه- أن لكل أمة من الناس ألحاناً من الغناء وأصواتاً ونغمات لا يشبه بعضها بعضاً ولا يحصي عددها كثرة إلا الله تعالى الذي خلقهم وصورهم وطبعهم على اختلاف أخلاقهم وألسنتهم وألوانهم، ولكن نريد أن نذكر أصول الغناء وقوانين الألحان التي منها يتركب سائرها، وذلك أن الغناء مركب من الألحان، واللحن مركب من النغمات والنغمات مركبة من النقرات والإيقاعات، وأصلها كلها حركات وسكون كما أن الأشعار مركبة من المصاريع، والمصاريع مركبة من المفاعيل، والمفاعيل مركبة من الأسباب والأوتاد والفواصل، وأصلها كلها حروف متحركات وسواكن، كما بينا ذلك في كتاب العروض. وكذلك الأقاويل كلها مركبة من الكلمات، والكلمات من الأسماء والفعال والأدوات، وكلها مركبة من الحروف المتحركات والسواكن، كما بينا في كتاب المنطق. ومن يريد أن ينظر في هذا العلم، فيحتاج أن يرتاض أولاً في علم النحووالعروض مما لا بد منه، وقد ذكرنا في رسالة المنطق ما يحتاج إليه المتعلم والمبتدئ، ونحتاج أن نذكر ها هنا أصل العروض وهوميزان الشعر وقوانينه، إذ كانت قوانين الموسيقى مماثلة لقوانين العروض، فنقول: إن العروض هوميزان الشعر يعرف به المستوي والمزحف؛ وهي ثمانية مقاطع في الشعار العربية وهي هذه: فعولن، مفاعيل، متفاعلن، مستفعلن، فاع لاتن، فاعلين، مفعولات، مفاعلتن. وهذه الثمانية مركبة من ثلاثة أصول وهي: السبب، والوتد، والفاصلة. فالسبب حرفان: واحد متحرك، وآخر ساكن أومتحرك، مثل قولك: هل لم وما شاكلها. والوتد ثلاثة أحرف، اثنان متحركان، وواحد ساكن، مثل قولك: نعم وبلى وأجل وما شاكلها. والفاصلة أربعة أحرف: ثلاثة متحركة، وواحد ساكن، مثل قولك: غلبت فعلت وما شاكلها. وأصل هذه الثلاثة حرف ساكن وحرف متحرك، فهذه قوانين العروض وأصوله.
وأما قوانين الغناء والألحان فهي أيضاً ثلاثة أصول وهي السبب والوتد والفاصلة. فأما السبب فنقرة متحركة يتلوها سكون، مثل قولك: تن تن تن تن، ويكرر دائماً. والوتد نقرتان متحركتان يتلوهما سكون، مثل قولك: تنن تنن تنن تنن، يكرر دائماً. والفاصلة ثلاث نقرات متحركة يتلوها سكون، مثل قولك: تننن تننن تننن تننن. فهذه الثلاثة هي الأصل والقانون في جميع ما يركب منها من النغمات، وما يركب من النغمات في جميع اللغات من الألحان، وما يتركب منها من الغناء في جميع اللغات. فإذا ركبت من هذه الثلاثة الأصول اثنين اثنين كانت منها تسع نغمات ثنائية، وهي هكذا: نقرة ونقرتان مثل قولك: تن تنن، وتكرر دائماً. ومنها نقرتان ونقرة مثل قولك تنن تن، وتكرر دائماً. ومنها نقرة وثلاث نقرات مثل قولك: تن تننن، ويكرر دائماً. ومنها نقرتان ونقرتان مثل قولك: تنن تنن، ويكرر دائماً. ومنها ثلاث نقرات وثلاث نقرات مثل قولك: تننن تننن. ومنها ثلاث نقرات ونقرتان مثل قولك: تننن تنن، ويكرر دائماً. ومنها ثلاث نقرات ونقرة مثل قولك: تننن تن، ويكرر دائماً. ومنها نقرة وسكون قدر نقرة، وهي الأصل والعمود، مثل قولك: تن تن تن تن، ويكرر دائماً. فهذه جملة النغمات الثنائية.
وأما الثلاثية فهي عشرة تركيبات: نقرة ونقرتان، وثلاث نقرات، ونقرتان ونقرة وثلاث نقرات، ونقرة وثلاث نقرات ونقرتان، وثلاث نقرات ونقرة ونقرتان، ونقرتان وثلاث نقرات ونقرة، وثلاث نقرات ونقرتان ونقرة، ونقرة وثلاث نقرات ونقرة، ونقرتان وثلاث نقرات ونقرتان، وثلاث نقرات ونقرة وثلاث نقرات، وثلاث نقرات ونقرتان وثلاث نقرات. فهذه جميع أنواع الإيقاع المركبة من النقرات: ثلاثة منها مفردة، وتسعة ثنائية، وعشرة ثلاثية، فذلك اثنا وعشرون تركيباً.

والذي تركب من هذه في غناء العربية ثمانية أنواع وهي: الثقيل الأول وخفيفه، والثقيل الثاني وخفيفه، والرمل وخفيفه، والهزج وخفيفه، وهذه الثمانية الأجناس هي الأصل ومنها يتفرع سائر أنواع الألحان، وإليها تنسب، كما أن الثمانية مقاطع يتفرع سائر ما في دوائر العرض. فقد تبين بما ذكرنا إن كل صناعة من الرياضيات أربعة أصول، منها يتركب سائرها، وتلك الأربعة أصلها واحد، كما بينا في رسالة الأرثماطيقي كيفية تركيب العدد من الواحد الذي قبل الاثنين؛ وفي رسالة جومطريا بينا بأن النقطة في صناعة الهندسة مماثلة للواحد في صناعة العدد؛ وفي رسالة الاسطرنوميا بينا إن الشمس وأحوالها من بين الكواكب كالواحد في العدد والنقطة في صناعة الهندسة؛ وفي رسالة النسب العددية بينا أن نسبة المساواة أصل وقانون في علم النسب كالواحد في صناعة العدد؛ وفي هذه الرسالة قد بينا أن الحركة كالواحد، والسبب كالاثنين، والوتد كالثلاثة، والفاصلة كالأربعة، وسائر نغمات الألحان والغناء مركبة منها، كما ان سائر الأعداد من الآحاد والعشرات والماين والألوف مركبة من الأربعة والثلاثة والاثنين والواحد؛ وفي رسالة المنطققد بينا أيضاً أن الجوهر كالواحد، والتسع المقولات الأخر كتسعة الآحاد: أربعة منها متقدمة على باقيها، وهي الجوهر والكم والكيف والمضاف، وسائرها مركبة منها. وفي رسالة الهيولى بينا أن الجسم مركب من الجوهر والطول والعرض والعمق، وسائر الأجسام مركبة من الجسم المطلق. وفي رسالة المبادئ بينا أن الباري- جل ثناؤه- نسبته من الموجودات كنسبة الواحد من العدد، والعقل كالاثنين، والنفس كالثلاثة، والهيولى كالأربعة، وسائر الخلائق مركبة من الهيولى والصورة المخترعين من النفس الكلية، والنفس الكلية منبعثة من العقل الكلي، والعقل مبدع بأمر الباري جل ثناؤه، أبدعه الله لا من شيء، وصور فيه جميع الأشياء بالقوة والفعل. وغرضنا من هذه الرسائل كلها أن نبين لأهل كل صناعة وحدانية الباري- جل ثناؤه- من صناعتهم، لتكون أقرب إلى فهمهم، وأبين لحجتهم، وأوضح لبرهانهم، وهكذا فعلنا في سائر الرسائل. ونبين أيضاً كيفية حدوث الموجودات بعضها من بعض، بإذن الله- جل ثناؤه- وحسن عنايته، وإتقان حكمته، ودقة صنعته، فتبارك الله رب العالمين وأحسن الخالقين وأرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. ونرجع الآن إلى ما كنا فيه فنقول: إن كا نقرتين من نقرات الأوتار وإيقاعات القضبان فلا بد من أن يكون بينهما زمان سكون طويلاً كان أوقصيراً؛ وإنه إذا تواترت نقرات تلك الأتار وإيقاعات تلك القضبان، تواترت أيضاً سكونات بينهما، ثم لا تخلوأزمان تلك السكونات من أن تكون مساوية لأزمان تلك الحركات، أوتكون أطول منها؛ وإذا كانت أقصر منها فالمتفق عليه بين أهل هذه الصناعة أن زمان الحركة لا يمكن أن يكون أطول من زمان السكون الذي هومن جنسه، فإن كانت أزمان السكونات مساوية لأزمان الحركات في الطول، ولا يمكن أن يقع في تلك الأزمان حركة أخرى، سميت تلك النغمات عند العمود الأول، وهوالخفيف الذي لا يمكن أن يكون أخف منه، لأنه أن وقعت في تلك الأزمان حركة أخرى صارت نغمتها متصلة بنغمة النقرة التي قبلها والتي بعدها، وصار الجميع صوتاً متصلاً؛ وإن كانت أزمان السكزنات طولها بمقدار ما يمكن أن يقع فيها حركة أخرى سميت تلك النغمات العمود الثاني والخفيف الثاني، وإن كانت أزمان تلك السكونات أطول من هذه بمقدار ما يمكن أن يقع فيها حركتان، سميت تلك النغمات الثقيل الأول، وإن كانت تلك الأزمان أطول من هذه بمقدار ما يمكن أن يقع فيها ثلاث حركات سميت تلك النغمات الثقيل الثاني. وهذا الذي ذكرناه ووصفناه على ما يوجبه القياس والقانون، فأما على ما يعرفه أهل هذا الزمان ووصفناه على ما يوجبه القياس والقانون، فأما على ما يعرفه أهل هذا الزمان من المغنين وأصحاب الملاهي من الخفيف والثقيل فهو غير هذا وسنذكره بعد هذا الفصل.

وأعلم يا أخي بأنه إذا زادت أزمان السكونات التي بين النقرات والإيقاعات على هذا المقدار من الطول، خرج من الأصل والقانون والقياس أعني من أن تدركها وتميزها القوة الذائقة السمعية، والعلة في ذلك أن الأصوات لا تمكث في الهواء زماناً طويلاً إلا ريثما تأخذ المسامع حظها من الطنين، ثم تضمحل تلك الأصوات من الهواء الحامل لها المؤدي إلى المسامع، كما بينا في فصل قبل هذا. وهكذا أيضاً طنين الأصوات لا يمكث في المسامع زماناً إلا ريثما تأخذ القوة المتخيلة رسومها.
ثم تضمحل من المسامع تلك الطنينات. وإذا طالت أزمان السكونات بين النقرات والإيقاعات وزادت على المقدار الذي تقدم ذكره، اضمحلت النغمة الأولى وطنينها من المسامع قبل أن ترد النغمة الأخرى، فلا تقدر القوة المفكرة أن تعرف مقدار الزمان الذي بينهما، فتميزهما وتعرف التناسب الذي بينهما، لأن جودة الذوق في المسامع هي معرفة كمية الأزمان التي بين النغمتين، وما بين أزمان السكونات وبين أزمان الحركات من التناسب والمقدار. وعلى هذا المثال يجري حكم سائر المحسوسات والقوى الحاسة المدركة لها. ولك أن القوة الباصرة أيضاً لا تقدر أن تعرف مقدار أبعاد ما بين المرئيات إلا إذا كانت متقاربة في الأماكن، وأما إذا بعد ما بينها من الأماكن كما بعد ما بين المسموعاعت بالأزمان، فلا تقدر القوة الباصرة أن تدركها وتميز البعد ما بينها إلا بآلات هندسية كالذراع والشل والباب والقبضة والأصابع، كما بينا في رسالة الجومطريا. وهكذا إذا بعد ما بين أزمان الحركات بطول أزمان السكونات، فلا تقدر القوة الذائقة السامعة أن تدركها وتعرف بعد ما بينها إلا بآلات رصدية كالطرجهارات؛ والشياهين؛ والاصطرلاب؛ وما شاكلها من آلات الرصد. فأما إن كانت قريبة أدركها السمع وميزها الذوق، كما هومعروف في العروض. فقد تبين بما ذكرناه من العلة في أزمان السكونات التي بين النقرات، أنه إذا زاد طولها على المقدار المذكور خرج من الأصل والقانون. وعلة أخرى أيضاً وهي أن النغمة الواحدة إذا وردت على القوة السامعة لا يمكث فيها صوتها إلى أن يضمحل إلا بمقدار زمان ثلاث نقرات أخرى من أخواتها، بين كل واحدة زمان سكون أحدهما. فتكون جملتها ثمانية أزمان فحسب، مثل هذا الشكل: اه اه اه اه الألف علامة السكون، والهاء علامة المتحرك. وإذ فرغنا من ذكر مقادير أزمان الحركات والسكونات وما بينهما من البعد والتناسب، فنريد أن نذكر أيضاً طرفاً من أمر الآلات المصونة وكيفية صناعتها وإصلاحها، وما التام الكامل منها.
  رد مع اقتباس
قديم 09/06/2006   #59
شب و شيخ الشباب krimbow
أميـــــــــ
 
الصورة الرمزية لـ krimbow
krimbow is offline
 
نورنا ب:
Mar 2005
المطرح:
damscus-syria
مشاركات:
4,822

افتراضي


فصل في كيفية صنناعة الآلات وإصلاحها

أعلم يا أخي- أيدك الله وإيانا بروح منه- بأن الحكماء قد صنعوا آلات وأدوات كثيرة لنغمات الموسيقى وألحان الغناء، مفننة الأشكال، كثيرة الأنواع، مثل الطبول والدفوف والنايات والصنوج والمزامير والسرنايات والصفارات والسلباب والشواشل والعيدان والطنابير والجنك والرباب والمعازف والأراغن والأرمونيقي وما شاكلها من الآلات والدوات المصوتة. ولكن أتم آلة استخرجتها الحكماء، وأحسن ما صنعوها الآلة المسماة بالعود. ونحتاج أن نذكر من كيفية وصنعها وإصلاحها واستعمالها،وكمية نسب ما بين نغمات أوتارها و طولها وغلظها ورقتها نقراتها، طرفاً شبه المدخل والمقدمات ليكون تنبيهاً لنفوس الطالبين للعلوم الفلسفية، والناظرين في الآداب الرياضية؛ ونبين لهم دقائق الحكمة وأسرار الصنائع التي هي كلها دلالة على الصانع الحكيم الذي هوالباري- تبارك وجل ثناؤه-وهوالذي خلق الصناع وألهمهم الصنائع الأول والحكم والعلوم والمعارف، والله أحسن الخالقين وأحكم الحاكمين.

ولكن نبدأ أولاً بذكر ما قال أهل هذه الصناعة، فإنه قد قيل: استعينوا في كل صناعة بأهلها، فنقول: إن أهل هذه الصناعة قالوا: ينبغي أن تتخذ الآلة التي تسمى العود خشباً طوله وعرضه وعمقه يكون على النسبة الشريفة، وهي أن طوله مثل عرضه ومثل نصفه، ويكون عمقه مثل نصف العرض، وعنق العود مثل ربع الطول، وتكون ألواحه رقاقاً متخذة من خشب خفيف، ويكون الوجه رقيقاً من خشب صلب خفيف يطن إذا نقر. ثم يتخذ أربعة أوتار بعضها أغلظ من بعض على النسبة الأفضل، وهوأن يكون غلظ البم مثل غلظ المثلث ومثل ثلثه، وغلظ المثلث مثل غلظ المثنى ومثل ثلثه، وغلظ المثنى مثل غلظ الزير ومثل ثلثه، وهوأن يكون البم أربعاً وستين طاقة إبريسم؛ والمثلث ثمانياً وأربعين طاقة، والمثنى ستاً وثلاثين طاقة، والزير سبعاً وعشرين طاقة إبريسم. ثم تمد هذه الأوتار الأربعة على وجه العود مشدودة أسفالها في المشط، ورؤوسها في الملاوي فوق عنق العود، فعند ذلك تكون أطوالها متساوية، وهي في دقتها وغلظها مختلفة على هذه النسبة:" سد مح لوكز" ثم يقسم طول الوتر الواحد بأربعة أقسام متساوية، ويشد دستان؛ الخنصر عند الثلاثة الأرباع مما يلي عنق العود، ثم يقسم طول الوتر من الرأس بتسعة أقسام متساوية، ويشد دستان السبابة على التسع مما يلي عنق العود؛ ثم يقسم طول الوتر عند دستان السبابة إلى المشط بتسعة أقسام متساوية، ويشد دستان البنصر على التسع منه، فإنه يقع فوق دستان الخنصر مما يلي دستان السبابة.
ثم يقسم طول الوتر عند دستان الخنصر مما يلي المشط بثمانية أقسام، ويزاد عليها هذا الدستان أعني دستان الوسطى يشد بحيال نقطة من الوتر بينها وبين دستان الخنصر ثمن ما بين الخنصر إلى المشط، فيصير نسبة نغممة الوسطى هذه إلى نغمة الخنصر مثلها، فما بقي من الوتر فوق. ويشد عند ذلك دستان الوسطى، فإنه يقع فيما بين دستان السبابة والبنصر. فهذا هوإصلاح العود ونسب الأوتار ومواضع الدساتين.

فأما كيفية إصلاح النغم ومعرفة ما يكون بينها من النسب، فهو أن يمد الزير ويحزق؛ بحسب ما يحتمل أن لا ينقطع؛ ثم يمد المثنى فوق الزير ويحزق ثم يزم بالخنصر وينقر مع مطلق الزير، فإذا سمعت نغمتاهما متساويتين فقد استويا، وإلا يزاد في حزق المثنى وإرخائه حتى يستويا. ثم يمد المثلث ويحزق ويزم بالخنصر، وينقر مع مطلق المثنى حتى تسمع نغمتاهما متساويتين، وإلا يزاد في الحزق والإرخاء حتى يستويا ويسمع نغمتاهما كأنهما نغمة واحدة. ثم يمد المثلث ويحزق ويزم بالخنصر، وينقر مع مطلق المثنى حتى يسمع نغمتاهما متساويتين كانهما نغمة واحدة. ثم يمد البم ويحزق ويزم بالخنصر، وينقر مع مطلق المثلث، فإذا سمعت نغمتاهما متساويتين كأنهما نغمة واحدة، فقد استويا. وإذا استوت هذه الأوتار على هذا الوصف وجدت نغمة مطلق كل وتر بالإضافة إلى نغمة مزمومة بالخنصر مثله ومثل ثلثه في الغلظ والثقل؛ ويوجد أيضاً نغمة كل وتر مزموم بالخنصر مثل نغمة الوتر الذي تحته مطبقاً بالسواء، وأيضاً نغمة مطلق كل وتر مثل نغمة مزمومة بالسبابة ومثل ثلثه سواء؛ ويوجد أيضاً نغمة مطلق كل وتر ضعف نغمة الوتر الذي تحته وهوالثالث منه مزموماً بالسبابة؛ ويوجد أيضاً نغمة سبابة كل وتر منه مثل نغمة بنصره ومثل ثمنه سواء؛ ويوجد أيضاً نغمة وسطى كل وتر مثل نغمة خنصره ومثل ثمنه سواء. وبالجملة ما من وتر ولا دستان من هذه الأوتار والدساتين إلا ولنغماتها نسبة بعضها إلى بعض. ولكن منها ما هي فاضلة شريفة، ومنها ما دون ذلك. فمن النسب الفاضلة الشريفة أن تكون النغمة مثل الأخرى سواء، وتكون النغمة الغليظة مثل الحادة ومثل ثلثها ومثل نصفها، أومثلها ومثل ربعها، اومثلها ومثل ثمنها. فإذا استوت هذه الأوتار على هذه النسب الفاضلة وحركت حركات كتواترة متناسبة حدث عند ذلك منها نغمات متواترة متناسبة، حادات خفيفات، وثقيلات غليظات. فإذا ألفت ضروباً من التأليفات كما تقدم ذكرها في فصل قبل هذا، وصارت النغمات الغليظات الثقال للنغمات الحادات الخفاف كالأجساد وهي لها كالأرواح، واتحد بعضها ببعض، وامتزجت وصارت ألحاناً وغناءً، كانت نقرات تلك الأوتار عند ذلك بمنزلة الأقلام، والنغمات الحادات منها بمنزلة الحروف، والحان بمنزلة الكلمات، والغناء بمنزلة الأقاويل، والهواء الحامل لها بمنزلة القراطيس، والمعاني المتضمنة في تلك النغمات والألحان بمنزلة الأرواح المستودعة في الأجساد. فإذا وصلت المعاني المتضمنة في تلك النغمات والألحان إلى المسامع، استلذت بها الطباع، وفرحت فيها الأرواح، وسرت بها النفوس؛ لأن تلك الحركات والسكونات التي تكون بينها تصير عند ذلك مكيالاً للأزمان وأذرعاً لها، ومحاكية لحركات الأشخاص الفلكية، كما أن حركات الكواكب والأفلاك المتصلات المتناسبات هي أيضاً مكيال للدهور وأذرع لها. فإذا كيل بها الزمان كيلاً متساوياً متناسباً معتدلاً، كانت نغماتها مماثلة لنغمات حركات الأفلاك والكواكب، ومناسبة لها؛ فعند ذلك تذكرت النفوس الجزئية التي في عالم الكون والفساد سرور عالم الفلاك ولذات النفوس التي هناك، وعلمت وتبين لها بأنها في أحسن الأحوال وأطيب اللذات وأدوم السرور، لأن تلك النغمات هي أصفى، وتلك الألحان أطيب، لأن تلك الأجسام أحسن تركيباً، وأجود هنداماً، واصفى جوهراً، وحركاتها أحسن نظاماً، ومناسباتها أجود تأليفاً. فإذا علمت النفس الجزئية التي في عالم الكون والفساد أحوال عالم الأفلاك، وتيقنت حقيقة ما وصفنا، تشوقت عند ذلك إلى الصعود إلى هناك، واللحوق بأبناء جنسها من النفوس الناجية في الأزمان الماضية، من الأمم الخالية. فإن قال قائل إن الفلك طبيعة خامسة لا يجوز أن يكون لأجسامه نغمات وأصوات، فليعلم هذا القائل إن الفلك وإن كانت طبيعته خامسة، فليس بمخالف لهذه الأجسام في كل الصفات، وذلك أن منها ما هومضيء مثل النار، وهي الكواكب، ومنها ما هومشف كالبلور، وهي الأفلاك، ومنها ما هوصقيل كوجه المرآة، وهوجرم القمر؛ ومنها ما هويقبل النور والظلمة مثل الهواء، وهوفلك القمر وفلك عطارد. وبيان ذلك أن ظل الأرض يبلغ مخروطه إلى فلك عطارد؛ وهذه كلها أوصاف للأجسام الطبيعية، والأجسام الفلكية تشاركها فيها. فقد تبين أن الفلك، وإن كانت طبيعته خامسة، فليس بمخالف للأجسام الطبيعية في كل الصفات، بل في بعضها
  رد مع اقتباس
قديم 09/06/2006   #60
شب و شيخ الشباب krimbow
أميـــــــــ
 
الصورة الرمزية لـ krimbow
krimbow is offline
 
نورنا ب:
Mar 2005
المطرح:
damscus-syria
مشاركات:
4,822

افتراضي


دون بعض، وذلك أنها ليست بحارة ولا باردة ولا رطبة بل يابسة صلبة أشد صلابة من الياقوت، وأصفى من الهواء، واشف من البلور، وأصقل من وجه المرآة، وأنها يماس بعضها بعضاً، وتصطك وتحتك، وتطن كما يطن الحديد والنحاس، وتكون نغماتها متناسبات مؤتلفات، وألحانها موزونات، كما بينا مثالها في نغمات أوتار العيدان ومناسباتها.
فصل في أن لحركات الأفلاك نغمات كنغمات العيدان

أعلم يا أخي- أيدك الله وإيانا بروح منه- أنه لولم يكن لحركات أشخاص الأفلاك أصوات ولا نغمات، لم يكن لأهلها فائدة من القوة السامعة الموجودة فيهم. فإن لم يكن لهم سمع فهم صم بكم عمي، وهذه حال الجمادات الجامدات الناقصات الوجود. وقد قام الدليل وصح البرهان بطريق المنطق الفلسفي أن أهل السموات وسكان الأفلاك هم ملائكة الله وخالص عباده، يسمعون ويبصرون ويعقلون ويقرأون ويسبحون الليل والنهار لا يفترون. وتسبيحهم ألحان أطيب من قراءة داود للزبور في المحراب، ونغمات ألذ من نغمات أوتار العيدان الفصيحة في الإيوان العالي؛ فإن قال قائل: فإنهم ينبغي أن يكون لهم أيضاً شم وذوق ولمس، فليعلم هذا القائل بأن الشم والذوق واللمس إنما جعل للحيوان الآكل للطعام، والشارب للشراب، ليميز بها النافع من الضار، ويحرز جثته عن الحر والبرد المفرطين المهلكين لجثته، فأما أهل السموات وسكان الأفلاك فقد كفوا هذه الأشياء، وهم غير محتاجين إلى أكل الطعام والشراب بل غذاؤهم التسبيح، وشرابهم التهليل، وفاكهتهم الفكر والروية والعلم والشعور والمعرفة والإحساس واللذة والفرح والسرور والراحة. فقد تبين بما ذكرنا أن لحركات الأفلاك والكواكب نغمات وألحاناً طيبة لذيذة مفرحة لنفوس أهلها، وإن تلك النغمات والألحان تذكر النفوس البسيطة التي هناك سرور عالم الأرواح التي فوق الفلك التي جواهرها أشرف من جواهر عالم الأفلاك، وهوعالم النفوس، ودار الحياة التي نعيمها كلها روح وريحان في درجات الجنان، كما ذكر الله تعالى في القرآن. والدليل على صحة ما قلنا، والبرهان على حقيقة ما وصفنا، أن النغمات حركات الموسيقار تذكر النفوس الجزئية التي في عالم الكون والفساد سرور عالم الأفلاك، كما تذكر نغمات حركات الأفلاك والكواكب النفوس التي هي هناك سرور عالم الأرواح؛ وهي النتيجة التي أنتجت من المقدمات المقرر بها عند الحكماء، وهي قولهم إن الموجودات المعلولات الثواني تحاكي أحوالها أحوال الموجودات الأولى التي هي علل لها، فهذه مقدمة واحدة؛ والأخرى قولهم إن الأشخاص الفلكية علل أوائل لهذه الأشخاص التي في عالم الكون والفساد، وإن حركاتها علة لحركات هذه، وحركات هذه تحاكي حركاتها، فوجب أن تكون نغمات هذه تحاكي نغماتها. والمثال في ذلك حركات الصبيان في لعبهم، فإنهم يحاكون أفعال الآباء والأمهات، وهكذا التلامذة والمتعلمون يحاكون في أفعالهم وصنائعهم أفعال الأستاذين والمعلمين وأحوالهم. وإن أكثر العقلاء يعلمون بأن الأشخاص الفلكية وحركاتها المنتظمة متقدمة الوجود على الحيوانات التي تحت فلك القمر، وحركاتها علة لحركات هذه؛ وعالم النفوس متقدم الوجود على عالم الأجسام، كما بينا في رسالة الهيولى ورسالة المبادئ العقلية.
فلما وجد في عالم الكون حركات منتظمة، لها نغمات متناسبة، دلت على أن في عالم الأفلاك، لتلك الحركات المنتظمة المتصلة، نغمات متناسبة مفرحة لنفوسها، ومشوقة لها إلى ما فوقها، كما يوجد في طباع الصبيان اشتياق إلى أحوال الآباء والأمهات، وفي طباع التلامذة والمتعلمين اشتياق إلى أحوال الأستاذين، وفي طباع العامة اشتياق إلى أحوال الملوك، وفي طباع العقلاء اشتياق إلى أحوال الملائكة والتشبه بهم، كما ذكر في حد الفلسفة إنها التشبه بالإله بحسب الطاقة الإنسية.

ويقال إن فيثاغورس الحكيم سمع بصفاء جوهر نفسه وذكاء قلبه نغمات حركات الأفلاك والكواكب، فاستخرج بجودة فطرية أصول الموسيقى ونغمات الألحان، وهوأول من تكلم في هذا العلم، وأخبر عن هذا السر من الحكماء؛ ثم بعده نيقوماخس وبطليموس وأقليدس وغيرهم من الحكماء. وهذا كان غرض الحكماء من استعمالهم الألحان الموسيقية ونغم الأوتار في الهياكل وبيوت العبادات، عند القرابين في سنن النواميس الإلهية، وخاصة الألحان المحزنة المرققة للقلوب القاسية، المذكرة للنفوس الساهية والأرواح اللاهية الغافلة عن سرور عالمها الروحاني ومحلها النوراني، ودارها الحيوانية. وكانوا يلحنون مع نقرات تلك الأوتار كلمات وأبياتاً موزونة قد ألفت في هذا المعنى ووصف فيها نعيم عالم الأرواح ولذات أهله وسرورهم، كما يقرأ غزاة المسلمين عند النفير آيات من القرآن أنزلت في هذا المعنى لترقق القلوب، وتشوق النفوس إلى عالم الأرواح ونعيم الجنان، مثل قوله تعالى:" إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن، ومن اوفى بعهده من الله، فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به." وأخوات هذه الآيات من القرآن؛ وكما ينشد غزاة المسلمين عند اللقاء أيضاً أوالحملة على الهيجاء ما قيل من أبيات الشعر في وصف الحور العين ونعيم الجنان مما يشوق النفوس إلى هناك، أويشجع على الإقدام، بالعربية والفارسية، نحوقول الشاعر: أبت لي عفتـي وأبـى بـلائيوأخذي الحمد بالثمن الـربـيحوإقدامي على المكروه نفسـي،وضربي هامة البطل المشيح؛وقولي كلما جشأت وجاشـت:مكانك تحمدي أوتستـريحـيلأدفع عن مآثر صـالـحـات،وأحمي بعد عن عرض صحيح وقول الشارعر الفارسي: بيا تادل وجان بخد أوند سبـاريمأندوه درم وغم دينـارنـه داريمجانرازبي دين وديانت بفروشـيموأين عمر فنار ابره غزوكذاريم فأما الأشعار التي كان الحكماء الإلهيون يلحنونها عند استعمالهم الموسيقى في الهياكل وبيوت العبادات، لترقيق القلوب القاسية، وتنبيه النفوس الساهية من نومة الغفلة، والأرواح اللاهية في رقدة الجهالة، ولتشويقها إلى عالمها الروحاني ومحلها النوراني، ودارها الحيوانية؛ ولإخراجها من عالم الكون والفساد،ولتخليصها من غرق بحر الهيولى، ونجاتها من أسر الطبيعة، فهي ما هذه معانيها: " يا أيتها النفوس الغائصة في بحر الأجسام المدلهمة، ويا أيتها الأرواح الغريقة في ظلمات الأجرام ذوات الثلاثة الأبعاد، الساهية عن ذكر المعاد، المنحرفة عن سبيل الرشاد، اذكروا عهد الميثاقإذ قال لكم الحق:" ألست بربكم، قلتم بلى شهدنا" أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين." أوتقولوا:" إنمارأشرك آباؤنا الجسمانيون من قبل، وكنا ذرية من بعدهم جرمانيين في دار الغرور.
وضنك القبور. اذكروا عالمكم الروحاني وداركم الحيوانية ومحلكم النوراني، وتشوقوا إلى آبائكم وأمهاتكم وإخوانكم الروحانيين، الذين هم في أعلى عليين، الذين هم من أوساخ الأجرام مبرؤون، وعن ملابسة الأجسام الطبيعية منزهون. بادروا وارحلوا من دار الفناء إلى دار البقاء قبل أن يبادر بكم إلى هناك مكرهين مجبورين، غير مستعدين، نادمين خاسرين".
ففي مثل هذه الأوصاف وما شاكل هذه المعاني، كانت الحكماء تلحن مع نغمات الموسيقى في الهياكل وبيوت العبادات. فقد تبين إذاً بما ذكرنا طرف من غرض الحكماء في استعمالهم الموسيقى واستخراجاتهم أصول ألحانهوتركيب نغماته. وأما علة تحريم الموسيقى في بعض شرائع الأنبياء- عليهم السلام- فهو من أجل استعمال الناس لها على غير السبيل التي استعملها الحكماء، بل على سبيل اللهوواللعب، والترغيب في شهوات لذات الدنيا، والغرور بأمانيها. والأبيات التي تنشد مشاكلة لها مثل قول قائل: خذوا بنصيب من نعيم ولـذة،فكل، وإن طال المدى يتصرم وقول القائل: ما جاءنا أحد يخـبـر إنـهفي جنة مذ مات، أوفي نار
  رد مع اقتباس
قديم 09/06/2006   #61
شب و شيخ الشباب krimbow
أميـــــــــ
 
الصورة الرمزية لـ krimbow
krimbow is offline
 
نورنا ب:
Mar 2005
المطرح:
damscus-syria
مشاركات:
4,822

افتراضي


وأعلم بأن مثل هذه الأبيات إذا سمعها أكثر الناس ظنوا وتوهموا أنه ليست لذة ولا نعيم ولا فرح ولا سرور غير هذه المحسوسات التي يشاهدونها، وإن الذي أخبرت به الأنبياء- عليهم السلام- من نعيم الجنات ولذات أهلها باطل؛ والذي أخبرت به الحكماء من سرور عالم الأرواح وفضله وشرفه كذب وزور ليست له حقيقة، فيقعون في شكوك وحيرة. وأعلم يا أخي- أيدك الله وإيانا بروح منه- إنك إنلم تؤمن للأنبياء- عليهم السلام- بما أخبروك عنه من نعيم الجنان ولذات أهلها، ولم تصدق الحكماء بما عرفوك من سرور عالم الأرواح، ورضيت بما تخيل لمك الأوهام الكاذبة والظنون الفاسدة، بقيت متحيراً شاكاً ضالاً مضلاً.
وأعلم يا أخي- أيدك الله وإيانا بروح منه- بأن غرض الأنبياء- عليهم السلام- في وضعهم النواميس والشرائع، وغرض الحكماء في وضع السياسات ليس هوإصلاح أمور الدنيا فحسب، بل غرضهم جميعاً في ذلك إصلاح الدين والدنيا جميعاً. فأما غرضهم الأقصى فهو نجاة النفوس من محن الدنيا وشقاوة أهلها، وإيصالها إلى ميعاد الآخرة ونعيم أهلها.
ونرجع الآن إلى ما كنا فيه فنقول: إنه إذا وصلت معاني النغمات والألحان إلى أفكار النفوس، بطريق السمع، وتصورت فيها رسوم تلك المعاني التي كانت مستودعة في تلك الألحان والنغمات، استغني عن وجودها في الهواء كما يستغني عن المكتوب في الألواح إذا فهم وحفظ ما كان فيها مكتوباً من المعاني، وهكذا يكون حكم النفوس الجزئية إذا ما هي تمت وكملت، وبلغت إلى أقصى مدى غاياتها مع هذه الأجسام، فعند ذلك هدمت أجسامها إما بموت طبيعي أوعرضي، أوبقربان في سبيل الله تعالى، واستخرجت تلك النفوس من الأجسام كما يستخرج الدر من الصدف، والجنين من الرحم، والحب من الأكمام، والثمرة من القشرة، واستؤنف بها أمر آخر، كما يستأنف بالدر أمر آخر إذا رمي بالصدف وحصل الدر، وهكذا حكم الثمار والحب إذا أدركت ونضجت، فليس إلا الصرام؛ والحصاد والرمي بقشورها، وتحصيل لبها، ويستأنف بها حكم آخر. وهذا حكم النفوس بعد مفارقة الأجسام يراد بها أمر آخر، كما ذكر الله تعالى:" أفرأيتم ما تمنون، أأنتم تخلقونه، أم نحن الخالقون، نحن قدرنا بينكم الموت، وما نحن بمسبوقين على أن نبدل أمثالكم وننشئكم فيما لا تعلمون". هكذا أيضاً حكم نفوس الحيوانات بعد الذبح يستأنف بها أمر آخر، فلا تقدر يا أخي بأن غرض واضعي النواميس في تحليل ذبح البهائم في الهياكل عند القرابين إنما هولأكل لحومها حسب، بل غرضهم تخليص نفوسها من دركات جهنم عالم الكون والفساد، ونقلها من حال النقص إلى حال التمام والكمال في الصورة الإنسانية التي هي أتم وأكمل صورة تحت فلك القمر؛ وهذه الصورة هي آخر باب في جهنم عالم الكون والفساد، كما بينا في رسالة حكمة الموت. فانظر الآن يا أخي- أيدك الله وإيانا بروح منه- وتفكر وأعلم بأن جسمك صدف ونفسك درة ثمينة، لا تغفل عنها فإن لها قيمة عظيمة عند بارئها وخالقها، وقد بلغت آخر باب في جهنم، فإن بادرت وتزودت وسعيت وخرجت من هذا الباب الذي ظاهره من قلبه العذاب، ودخلت من الباب الذي باطنه فيه الرحمة، ساجداً في صورة الملائكة، فقد أفلحت وفزت ونجوت.
وأعلم يا أخي- أيدك الله وإيانا بروح منه-أن صورة الملائكة هي التي توفي نفسك عند مفارقة الجسد، كما ذكر الله تعالى بقوله:" قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم، ثم إلى ربكم ترجعون." وأعلم يا أخي- أيدك الله وإيانا بروح منه- بأن ملك الموت هوقابلة الأرواح وداية النفوس، كما أن الداية للأجسام هي قابلة الأطفال.
وأعلم يا أخي بأن لكل نفس من المؤمنين أبوين في عالم الأرواح، كما أن لأجسادهم أبوين في عالم الأجساد، كما قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لعي، رضي الله عنه: أنا وأنت يا علي أبوا هذه الأمة. قال الله تعالى:" ملة أبيكم إبراهيم، هوسماكم المسلمين." وهذه الأبوة روحانية لا جسمانية. فنرجع إلى ما كنا فيه فنقول: إن الحكماء الموسيقاريين إنما اقتصروا من أوتار العود على أربعة لا أقل ولا أكثر، لتكون مصنوعاتهم مماثلة للأمور الطبيعية التي دون فلك القمر، اقتداء بحكمة الباري- جل ثناؤه- كما بينا في رسالة الأرثماطيقي، فوتر الزير مماثل لركن النار،
ونغمته مناسبة لحرارتها وحدتها؛ والمثنى مماثل لركن الهواء، ونغمته مناسبة لرطوبة الهواء ولينه؛ والمثلث مماثل لركن الماء، ونغمته مناسبة لرطوبة الماء وبرودته؛ والبم مماثل لركن الأرض، ونغمته مماثلة لثقل الأرض وغلظها. وهذه الأوصاف لها بحسب مناسبة بعضها إلى بعض، وبحسب تأثيرات نغماتها في أمزجة طباع المستمعين لها، وذلك أن نغمة الزير تقوي خلط الصفراء، وتزيد في قوتها وتأثيرها، وتضاد خلط البلغموتلطفه؛ ونغمة المثنى تقوي خلط الدم، وتزيد في قوته وتأثيره، وتضاد خلط السوداء وترققه وتلسنه؛ ونغمة المثلث تقوي خلط البلغم، وتزيد في قوته وتأثيره، وتضاد خلط الصفراء، وتكسر حدتها؛ ونغمة البم تقوي خلط السوداء، و تزيد في قوتها وتأثيرها، وتضاد خلط الدم، وتسكن فورانه. فإذا ألفت هذه النغمات في الألحان المشاكلة لها، و استعملت تلك الألحان في أوقات الليل والنهار المضادة طبيعتها طبيعة الأمراض الغالبة والعلل العارضة، سكنتها وكسرتسورتها، وخففت على المرضى آلامها، لأن الأشياء المتشاكلة في الطباع إذا كثرت واجتمعت، قويت أفعالها وظهرت تأثيراتها، وغلبت أضدادها، كما يعرف الناس مثل ذلك في الحروب والخصومات.
فقد تبين بما ذكرنا طرف من حمة الحكماء الموسيقيين المستعملين لها في المارستانات في الأوقات المضادة لطبيعة الأمراض والأغراض والأعلال. وهم اقتصروا على أربعة أوتار لا أكثر ولا أقل. فأما العلة التي من أجلها جعلوا غلظ كل وتر مثل غلظ الذي تحته ومثل ثلثه، فذلك منهم أيضاً اقتداء بحكمة الباري- جل ثناؤه- وأتباع لآثار صنعه في المصنوعات الطبيعية، وذلك أن الحكماء الطبيعيين ذكروا أن أقطار أكر الأركان الأربعة التي هي النار والهواء والماء والأرض، كل واحد منها مثل الذي تحته ومثل ثلثه في الكيفية، أعني في اللطافة والغلظ، فقالوا أن قطر كرة الأثير، أعني كرة النار التي دون فلك القمر، مثل قطر كرة الزمهرير ومثل ثلثها؛ وقطر كرة الزمهرير مثل قطر كرة النسيم ومثل ثلثها؛ وقطر كرة النسيم مثل قطر كرة الماء ومثل ثلثها؛ وقطر كرة الماء مثل قطر كرة الأرض ومثل ثلثها. ومعنى هذه النسبة أن جوهر النار في اللطافة مثل جوهر الهواء ومثل ثلثه؛ وجوهر الماء في اللطافة مثل جوهر الماء ومثل ثلثه؛ وجوهر الماء في اللطافة مثل جوهر الأرض ومثل ثلثها. وأما علة شدهم الزير الذي هومماثل لركن النار ونغمته مماثلة لحرارة النار وحدتها، تحت الأوتار كلها؛ وشدهم البم المماثل لركن الأرض فوقها كلها، والمثنى مما يلي الزير، والمثلث مما يلي البم، فهي أيضاً لعلتين اثنتين، إحداهما أن نغمة الزير حادة خفيفة تتحرك علواً، ونغمة البم غليظة ثقيلة تتحرك إلى أسفل، فيكون ذلك أمكن لمزاجهما واتحادهما. وكذلك حال المثنى والمثلث.
والعلة الأخرى أن نسبة غلظ الزير إلى غلظ المثنى، والمثنى إلى المثلث، والمثلث إلى البم كنسبة قطر الأرض إلى قطر كرة النسيم، وكرة النسيم إلى كرة الزمهرير، والزمهرير إلى الأثير؛ فهذا كان سبب شدهم لها على هذا الترتيب. وأما استعمالهم نسبة الثمن في نغمة الأوتار دون الخمس والسدس والسبع، وتفضيلهم إياها، فمن أجل إنها مشتقة من الثمانية. والثمانية هي أول عدد مكعب؛ وأيضاً فإن الستة لما كانت أول عدد تام، وكانت الأشكال ذوات السطوح الستة أفضلها، والمقدم عليها هوالمكعب، لما فيه من التساوي، كما بينا في رسالة الجومطريا، وذلك أن طول هذا الشكل وعرضه وعمقه كلها متساوية، وله ستة سطوح مربعات كلها متساويات؛ وله ثماني زوايا مجسمة كلها متساوية؛ وله اثنا عشر ضلعاً متوازية متساوية؛ وله أربع وعشرون زاوية قائمة متساوية، وهي من ضرب ثلاثة في ثمانية. وقد قلنا إن كل مصنوع كان التساوي فيه أكثر فهو أفضل، وليس بعد الشكل الكري شكل أكثر تساوياً من الشكل المكعب، فمن أجل هذا قيل في كتاب أقليدس في المقالة الأخيرة إن شكل الأرض بالمكعب أشبه؛ وشكل الفلك بذي اثنتي عشرة قاعدة مخمسات أشبه.
  رد مع اقتباس
قديم 09/06/2006   #62
شب و شيخ الشباب krimbow
أميـــــــــ
 
الصورة الرمزية لـ krimbow
krimbow is offline
 
نورنا ب:
Mar 2005
المطرح:
damscus-syria
مشاركات:
4,822

افتراضي


وقد بينا في رسالة الاسطرنوميا فضيلة الشكل الكري والعدد الاثني عشر. ومن فضله الثمانية ما ذكره الحكماء الرياضيون بأن بين أقطار أكر الأفلاك وبين قطر الأرض والهواء نسبة موسيقية؛ وبيان ذلك أنه إذا كان نصف قطر الأرض ثمانية، وكان نصف قطر كرة الهواء تسعة، فإن قطر كرة فلك القمر اثنا عشر؛ وقطر فلك عطارد ثلاثة عشر؛ وقطر فلك الزهرة ستة عشر؛ وقطر فلك الشمس ثمانية عشر؛ وقطر فلك المريخ واحد وعشرون ونصف؛ وقطر فلك المشتري أربعة وعشرون؛ وقطر فلك زحل سبعة وعشرون وأربعة أسباع؛ وقطر فلك الكواكب الثابتة اثنان وثلاثون. فنسبة قطر فلك القمر من قطر الأرض مثله وثلث، ومن قطر الهواء المثل و الربع؛ ونسبة قطر الزهرة من قطر الأرض نسبة الضعف، ومن قطر القمر المثل والثلث؛ ونسبة قطر الشمس من قطر الهواء الضعف، ومن قطر الأرض الضعفان والربع، ومن قطر القمر المثل والنصف؛ ونسبة قطر المشتري من قطر القمر الضعف؛ ومن قطر الأرض الثلاثة الأضعاف، ومن الزهرة المثل والنصف؛ ونسبة قطر فلك الكواكب الثابتة من قطر المشتري المثل والربع، ومن الزهرة الضعف، ومن الشمس المثل والثلاثة الأرباع، ومن القمر الضعفان والثلاثة الأرباع، ومن الأرض أربعة أضعاف. وأما عطارد والمريخ وزحل فغير هذه النسبة، فمن أجل هذا قيل إنها نحوس. وذكر هؤلاء الحكماء أيضاً أن بين عظم أجرام هذه الكواكب بعضها لبعض نسباً شتى، إما هندسية وإما موسيقية، وهكذا بينها وبين جرم الأرض هذه النسب أيضاً موجودة، ولكن منها شريفة فاضلة، ومنها دون ذلك يطول شرحها.

فقد تبين بما ذكرنا أن جملة جسم العالم بجميع أفلاكه وأشخاص كواكبه وأركانها الأربعة وتركيب بعضها جوف بعض، مركبة ومؤلفة ومصنوعة وموضوعة بعضها من بعض على هذه النسب المذكورة المقدم ذكرها؛ وأن جملة جسم العالم يجري مجرى جسم حيوان واحد، وإنسان واحد، ومدينة واحدة، وأن مدبرها ومصورها ومركبها ومؤلفها ومبدعها ومخترعها واحد لا شريك له؛ وهذا كان أحد أغراضنا في هذه الرسالة. ومن فضيلة الثمانية أيضاً أنك إذا تأملت يا أخي- أيدك الله وإيانا بروح منه- وتصفحت الموجودات وعنصر الكائنات الفاسدات، وجدت موجودات كثيرة مثمنات كطبائع الأركان: الحار الرطب والبارد الرطب والحار اليابس ثمانية، وهي أصل الموجودات الطبيعية، وعنصر الكائنات الفاسدات. وأيضاً من فضيلة الثمانية أنك تجد مناظرات الكواكب إلى ثمانية مواضع في الفلك مخصوصة دون غيرها، وهي المركز والمقابلة والتثليثات و التربيعات والتسديسات؛ وهذه الثمانية هي أيضاً أحد أسباب الكائنات الفاسدات التي دون فلك القمر. وإذا تأملت أيضاً واعتبرت وجدت الثمانية والعشرين حرفاً التي في اللغة العربية المماثلة لثمان وعشرين منزلة من منازل القمر، هجاؤها ثمانية أحرف، وهي" ا ل ف ي م ن د و"؛ ومفاعيل أشعار العرب ايضاً ثمانية أجزاء، و هي أجزاء العروض؛ وأجناس ألحان غنائهم أيضاً ثمانية، كما سنبين في فصل آخر.وقد قيل إن للجنان ثماني مراتب، وحملة العرش ثمانية، والنيران سبعة أبواب، وقد بينا في رسالة البعث والقيامة حقيقتها. وعلى هذا القياس يا أخي، إذا تأملت الموجودات، وتصفحت أحوال الكائنات، وجدت أشياء كثيرة ثنائيات وثلاثيات ورباعيات وخماسيات وسداسيات وسباعيات وثمانيات ومتسعات ومعشرات، وما زاد على ذلك بالغاً ما بلغ. وإنما أردنا بذكر المثمنات أن ننبهك من نوم الغفلة ورقدة الجهالة، ولتعلم أن المسبعة الذين قد شغفوا بذكر المسبعات وتفضيلها على غيرها إنما كان نظرهم جزئياً وكلامهم غير كلي؛ وكذلك حكم الثنوية في المثنويات، والنصارى في تثليثهم، والطبيعيين في مربعاتهم، والحزمية في مخمساتهم،والهند في مسدساتهم، والكيالية في متسعاتهم، وليس هذا مذهب إخواننا الكرامذ أيدهم الله وإيانا بروح منه- حيث كانوا في البلاد، بل نظرهم كلي وبحثهم عمومي وعلمهم جامع ومعرفتهم شاملة ولنعد الآن إلى ما كنا فيه فنقول: قد تبين إذاً بما ذكرنا طرف من صفة العود و كمية أوتاره، وتناسب ما بين غلاظها ودقاقها، وكمية دساتينها، وكيفي شدها، وما بينها من التناسب، و كمية نغمات نقرات أوتاره مطلقاً ومزموماً، وما بينها من التناسب. فإن أحكمك المصنوعات وأتقن المركبات وأحسن المؤلفات ما كان تأليف أجزائه وهيئة تركيبه على النسبة الأفضل، ومن أجل هذا صارت الألحان تستلذها اكثر المسامع، وتستحسن صفتها واستعمالها أكثر العقول، ويغنى بها في مجالس الملوك والرؤوساء.
  رد مع اقتباس
قديم 09/06/2006   #63
شب و شيخ الشباب krimbow
أميـــــــــ
 
الصورة الرمزية لـ krimbow
krimbow is offline
 
نورنا ب:
Mar 2005
المطرح:
damscus-syria
مشاركات:
4,822

افتراضي


فصل في أن إحكام الكلام صنعة من الصنائع

ومن المصنوعات المحكمة المتقنة أيضاً صنعة الكلام والأقاويل، وذلك أم أحكم الكلام ما كان أبين و أبلغ؛ وأتقن البلاغات ما كان أفصح؛ وأحسن الفصاحة ما كان موزوناً مقفى؛ وألذ الموزونات من الشعار ما كان غير منزحف، والذي غير منزحف من الأشعار هوالذي حروفه الساكنة وأزمانها مناسبة لحروف متحركاتها وأزمانها، والمثال في ذلك الطويل والمديد والبسيط؛ فإن كل واحد منها مركب من ثمانية مقاطع، وهي هذه: فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن. وهذه الثمانية مركبة من اثني عشر سبباً وثمانية أوتاد، جملتها ثمانية وأربعون حرفاً، عشرون منها سواكن، وثمانية وعشرون حرفاً متحركات. والمصراع منه أربعة وعشرون حرفاً، عشرة سواكن وأربعة عشر متحركات. ونصف المصراع الذي هوربع البيت اثنا عشر حرفاً، خمسومنها سواكن، وسبعة متحركات. ونسبة سواكن حروف ربعه إلى متحركاته كنسبة سواكن حروف نصفه إلى متحركاته وكنسبة سواكن حروفه كلها إلى متحركاته كلها.

وهكذا تجد حكم الوافر والكامل، فإن كل واحد منهما مركب من ستة مقاطع، وهي هذه: مفاعلتن مفاعلتن مفاعلتن مفاعلتن مفاعلتن مفاعلتن ست مرات. ونسبة سواكن حروف ثلث البيت إلى حروف متحركاته كنسبة حروف سواكن نصفه إلى متحركاته، وكنسبة سواكن كله إلى متحركات كله، وعلى هذا المثال والحكم يوجد كل بيت من الأشعار إذا سلم من الزحاف منصفاً كان أومربعاً أومسدساً، وكذلك حكم الأزمان التي بينها، وهذه صورتها: فعولن مفاعيلن " ه ه ا ه ا ه ه ا ه اه ا" الهاءات علامة المتحركات والألفات علامة السواكن.
فقد تبين بهذا المثال أيضاً أن أحكم المصنوعات وأتقن المركبات ما كان تأليف أجزائه وأساس بنيته على النسبة الأفضل. ومن أمثال ذلك أيضاً صناعة الكتابة التي هي أشرف الصنائع، وبها يفتخر الوزراء والكتاب وأهل الأدب في مجالس الملوك، مع كثرة أنواعها وفنون فروعها، وذلك أن لكل أمة من الأمم كتابة غير ما للأخرى، كالعربية والفارسية والسريانية والقبطية والعبرانية واليونانية والهندية وما شاكلها، لا يحصي عددها إلا الله- عز وجل- الذي خلقهم مع اختلاف ألسنتهم وألوانهم وأخلاقهم وطبائعهم وصناعاتهم وعلومهم ومعارفهم؛ كل ذلك لسعة علمه، ونفاذ مشيئته، وإتقان حكمته، سبحانه وتعالى.
ونريد أن نذكر في هذا الفصل أصل الحروف، وكيفية ترتيبها، وكمية مقاديرها، ونسب تأليفها الفاضلة بينها فنقول: إن أصل حروف الكتابات كلها في أي لغة وضعت، ولأي أمة كانت، وبأي أقلام كتبت وخطت، أوبأي نقش صورت، وإن كثرت، فإن أصلها كلها هوالخط المستقيم الذي هوقطر الدائرة، والخط المقوس الذي هومحيط الدائرة، فأما سائر الحروف فمركبة منهما، ومؤلفة كما بينا في رسالة الجومطريا شبه المدخل إلى صناعة الهندسة. ونبين مثالاً لما ذكرنا من الحروف التي في الكتابة العربية ليكون دليلاً على صحة ما قلنا وحقيقة ما وصفنا، من أن أصل الحروف كلها هوالخط المستقيم والخط المقوس اللذان أحدهما قطر الدائرة والآخر محيطها، وهي هذه: أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن ه ولا ي.

فانظر الآن واعتبر وتأمل يا أخي- أيدك الله وإيانا بروح منه- فإنك تجد هذه الحروف بعضها خطاً مستقيماً مثل هذا: أ ب ت ث، وبعضها مقوساً مثل هذا: د ذ ر ز، وبعضها مركباً منهما مثل سائر الحروف. وعلى هذا المثال والقياس توجد حروف كتابات سائر الأمم مثل الهندية، فإنها هكذا: 1 2 3 4 5 6 7 8 9، وكذلك السريانية والعبرانية واليونانية والرومية، فإن لكل منها اصطلاحاً في أشكال الحروف وصورها لا يخرج عما قلنا. وإذ قد تبين بما ذكرنا أن أصل الحروف والكتابات كلها هوالخط المستقيم الذي هوقطر الدائرة، والخط المقوس الذي هومحيطها. فنريد أن نبين أيضاً أن أجود الخطوط وأصح الكتابات وأحسن المؤلفات ما كان مقادير حروفها بعضها من بعض على النسبة الأفضل، فلنذكر أولاً ما قاله أهل هذه الصناعة اعني صناعة الكتابة، ليكون أقوى و أصح للحجة، وأوضح للبيان، وأرشد إلى القياس والقانون، قال المحرر الحاذق المهندس: ينبغي لمن يريد أن يكون خطه جيداً وكتابته صحيحة أن يجعل لها أصلاً يبني عليه حروفه، وقانوناً يقيس عليه خطوطه، والمثال في ذلك في كتابة العربية هوأن يخط الألف أولاً بأي قدر شاء ويجعل غلظه مناسباً لطوله، وهوالثمن، وأسفله أدق من أعلاه؛ ثم يجعل الألف قطر الدائرة، ثم يبني سائر الحروف مناسباً لطول الألف ولمحيط الدائرة التي الألف مساولقطرها، وهوأن يجعل الباء والتاء والثاء كل واحد منها طوله مساولطول الألف، وتكون رؤوسها إلى فوق الثمن مثل هذا: أ ب ت ث؛ ثم يجعل الجيم والحاء والخاء كل واحد منها مدته من فوق نصف الألف، وتقويسه إلى الأسفل نصف محيط الدائرة التي الألف مساولقطرها مثل هذا: ج ح خ؛ ثم يجعل الدال والذال كل واحد منهما مثل طول الألف إذا قوس مثل هذا: د ذ؛ ثم يجعل الراء والزاي كل واحد منهما كمثل ربع محيط الدائرة التي الألف قطرها؛ ثم يجعل السين والشين كل واحد منهما رؤوسها إلى فوق ثمن الألف، ومدتها إلى أسفل نصف محيط الدائرة مثل هذا: س ش؛ ثم يجعل الصاد والضاد مدة طول كل واحد منهما إلى قدام مثل طول الألف، وفتحتها مثل ثمن الألف، ومدتها إلى أسفل مثل نصف الدائرة المقدم ذكرها مثل هذا: ص ض؛ ويجعل الطاء والظاء كل واحد منهما طوله مثل طول الألفوفتحتها مثل ثمن الألف، ورؤوسها إلى فوق بطول الألف مثل هذا: ط ظ؛ ثم يجعل العين والغين كل واحد منهما تقويسه من فوق ربع محيط تلك الدائرة، وتقويسه من أسفل نصف محيطها، مثل هذا: ع غ؛ ثم يجعل مدة الفاء إلى قدام كمثل طول الألف، وفتحته ثمن الألف، وحلقته وحلقة القاف والواووالميم والهاء كلها متساوية مثل ثلث الألف إذا دور مثل هذا: ف ق وم ه؛ ويجعل مدة القاف إلى أسفل مثل نصف محيط تلك الدائرة مثل هذا: ق؛ ثم يجعل مدة الكاف إلى قدام مثل طول الألف، وفتحته مثل ثمن الألف، وكسرته إلى فوق ربع الألف مثل هذا: ك؛ ثم يجعل طول اللام مثل الألف، ومدته إلى قدام نصف الألف، مثل هذا: ل؛ ثم يجعل مدة الميم والواوكل واحد منهما إلى أسفل مثل تقويس الراء والزاي مثل هذا: م و؛ ثم يجعل تقويس النون مثل نصف محيط تلك الدائرة التي الألف مساولقطرها مثل هذا: ن؛ ثم يجعل الياء مثل الدال ومدته إلى خلف مثل طول الألف، أوتقويسه إلى أسفل مثل نصف محيط الدائرة مثل هذا: ي. وهذا الذي ذكرناه من نسب هذه الحروف وكمية مقاديرها طولاً وعرضاً بعضها عند بعض، فهو شيء توجبه قوانين الهندسة والنسب الفاضلة. وأما ما يتعارفه الناس ويستحسنه الكتاب فعلى غير ما ذكرنا من المقادير والنسب، وذلك بحسب موضوعاتهم ومرضياتهم واختياراتهم دون غيرها؛ وبحسب طول الدربة وجريان العادة فيها. وإذ قد تبين بما ذكرنا ماهية النسب الفاضلة ومقادير الحروف وكمية أطوالها، فنريد أن نذكر ها هنا أيضاً طرفاً من كيفية صورها وتخطيط أشكالها، وكيفية تركيبها بعضها مع بعض على ما يوجبه القياس والقانون بطريق الهندسة.
أعلم يا أخي- أيدك الله وإيانا بروح منه- بأن صور حروف الكتابات كثيرة الفنون مختلفة الأنواع، كما تقدم ذكرها، وهي بحسب موضوعات الحكماء من الكتاب، واختياراتهم لها، وتواطئهم عليها، يطول ذكر علة ذلك وشرحه. ولكن نذكر قولاً مجملاً مختصراً في ثلاث كلمان بحسب ما توجبه قوانين الهندسة والقياسات الفلسفية، كما أوصى المحرر الحاذق المهندس فقال: ينبغي أن تكون صور الحروف كلها لأي أمة كانت، في أي لغة كانت، وبأي أقلام خطت، إلى التقويس والانحناء ما هوالألف التي في كتابة العربية، وإن يكون غلظ الحروف إلى الانخراط ما هو؛ وأن يكون عند التركيب الزوايا كلها حادة وإلى التدوير ما هو. فهذا ما قاله أهل الصناعة في تقدير هذه الحروف ومناسباتها مفردة مفردة. فأما عند التركيب والتأليف فربما تختلف وتتغير لعلل يطول شرحها، ولكن يجب على المحرر عند تعليمه للخط التوقيف؛ عليها.
فقد تبين إذاً بما ذكرنا أن أحكم المصنوعات، وأتقن المركبات، وأحسن المؤلفات ما كان تركيب بنيته وتأليف أجزائه على النسبة الأفضل. والنسب الفاضلة هي المثل، والمثل والنصف، والمثل والثلث، والمثل والربع، والمثل والثمن، كما قد بينا قبل. ومن أمثال ذلك أيضاً صورة الإنسان وبنية هيكله، وذلك أن الباري- جل جلاله- جعل طول قامته مناسباً لعرض جثته، وعرض جثته مناسباً لعنق تجويفه، وطول ذراعيه مناسباً لطول ساقيه، وطول عضديه مناسباً لطول فخذيه، وطول رقبته مناسباً لطول عمود ظهره، وكبر رأسه مناسباً لكبر جثته، واستدارة وجهه مناسبة لسعة صدره، وشكل عينيه مناسباً لشكل فمه، وطول أنفه مناسباً لعرض جبينه، وقدر أذنيه مناسباً لمقدار خديه، وطول أصابع يديه مناسباً لأصابع رجليه، وطول أمعائه مناسباً لطول أوردته؛ وتجويف معدته مناسباً لكبر كبده، ومقدار قلبه مناسباً لكبر رئته، وشكل طحاله مناسباً لشكل كبده، وسعة حلقومه مناسبة لكبر رئته، وطول أعضائه وغلظها مناسباً لكبر عظامه، وطول أضلاعه وتقويسها مناسباً لصندوق صدره، و طول عروقه وسعتها مناسباً لبعد مسافة أقطار جسده. وعلى هذا المثال إذا تأملت واعتبرت كل عضومن أعضاء بدن الإنسان وجدته مناسباً لجملة جثته نسبة ما ومناسباً لعضوعضومن أعضاء الجسد نسبة أخرى، لا يعلم كنه معرفتها إلا الله- جل ثناؤه- الذي خلقها وصورها كما شاء، كما ذكر بقوله- جل ثناؤه:" لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم." وقال:" خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك".
  رد مع اقتباس
قديم 09/06/2006   #64
شب و شيخ الشباب krimbow
أميـــــــــ
 
الصورة الرمزية لـ krimbow
krimbow is offline
 
نورنا ب:
Mar 2005
المطرح:
damscus-syria
مشاركات:
4,822

افتراضي


فصل في تناسب الأعضاء على الأصول الموسيقية

أعلم يا أخي- أيدك الله وإيانا بروح منه- أن النطفة إذا سلمت في الرحم من الآفات العارضة هناك، و من فساد الأخلاط وتغير المزاج ومناحس أشكال الفلك، عند مسقط النقطة، وعند المبادئ شهراً بشهر، وتمت بنية البدن وكملت صورة الجسد، كما بينا في رسالة لنا، خرج الطفل من الرحم صحيح البنية تام الصورة، فكان طول قامته ثمانية أشبار بشبره سواء. فمن رأس ركبتيه إلى أسفل قدميه شبران، ومن رأس ركبتيه إلى حقويه؛ شبران، ومن حقويه إلى رأس فؤاده شبران، ومن رأس فؤاده إلى مفرق رأسه شبران. وإذا فتح يديه ومدهما يمنة ويسرة كما يفتح الطائر جناحيه، وجد ما بين رأس أصابع يده اليمنى إلى رأس أصابع يده اليسرى ثمانية أشبار: النصف من ذلك عند ترقوته؛ و الربع عند مرفقيه؛ وإذا مد يديه إلى فوق رأسه، ووضع رأس البركار على سرته، وفتح إلى رؤوس أصابع يديه، ثم أدير إلى رؤوس أصابع رجليه، كان البعد بينهما مساوياً عشرة أشبار بزيادة ربع طول قامته. ويوجد طول وجهه من رأس ذقنه إلى منبت الشعر فوق جبينه شبراً وثمناً؛ ويوجد البعد ما بين أذنه شبراً وربعاً، ويوجد طول أنفه ربع شبره؛ ويوجد طول شق عينيه كل واحد ربع ثمن شبره، وطول جبينه ثلث طول وجهه؛ ويوجد شق فمه وشفتيه كل واحد مساوياً لطول أنفه، وطول قدميه كل واحد شبراً وربع شبر، وطول كفيه من رأس الكرسوع؛ إلى رأس الإصبع الوسطى شبراً؛ ويوجد طول إبهامه وطول خنصره متساويين، ورأس البنصر زائداً على رأس الخنصر ثمن شبره، وكذلك زيادة الوسطى على البنصر، وكذلك السبابة؛ ويوجد عرض صدره شبراً ونصفاً، وبعد ما بين ثدييه شبراً، وما بين سرته إلى عانته شبراً، ومن رأس فؤاده إلى رأس ترقوته شبراً؛ ويوجد البعد ما بين منكبيه؛ شبرين. وعلى هذا المثال والقياس يوجد إذاً اعتبر طول أمعائه، ومصارين جوفه، وعروق جسده، والعصبات الممسكات لعظامه، وأوتار مفاصله متناسبات بعضها إلى بعض طولاً وعرضاً وعمقاً مثل ما ذكرنا ممن مناسبات مقادير أعضائه الظاهرة. وعلى هذا القياس والمثال يوجد بنية أبدان سائر الحيوانات مناسبة أعضاء صورة كل نوع منها لجملة بدنه، اوبعضها إلى بعض، مناسبة، إما بالكيفية، وإما بالكمية، وإما بهما جميعاً، لا تخل شيئاً إذا سلمت من الآفات العارضة عند الابتداء، وعند النشوء، من فساد الأخلاط، وتغيير المزاج، ومناحس أشكال الفلك. وعلى هذا المثال والقياس يعمل الصناع الحذاق مصنوعاتهم، من الأشكال والتماثيل والصور، مناسبات بعضها لبعض في التركيب والتأليف والهندام، كل ذلك اقتداء بصنعة الباري- تعالت قدرته- وتشبه بحكمته، كما قيل في حد الفلسفة إنها هي التشبه بالإله بحسب الطاقة الإنسانية.
  رد مع اقتباس
قديم 09/06/2006   #65
شب و شيخ الشباب krimbow
أميـــــــــ
 
الصورة الرمزية لـ krimbow
krimbow is offline
 
نورنا ب:
Mar 2005
المطرح:
damscus-syria
مشاركات:
4,822

افتراضي


فصل في حقيقة نغمات الأفلاك

أعلم يا أخي- أيدك الله وإيانا بروح منه- أن في اعتبار هذه المقالات التي تقدم ذكرها في هذه الفصول الدالة على أن أحكم المصنوعات، وأتقن المركبات، وأحسن التأليفات هوما كان تركيب بنيته على النسبة الأفضل، وتأليف أجزائه على مثل ذلك وقياس لكل عاقل متفكر معتبر، على أن تركيب الأفلاك، وكواكبها ومقادير أجرامها ومقادير الأركان ومولداتها موضوعة بعضها على بعض على النسبة الأفضل. وهكذا أبعاد هذه الأفلاك وكواكبها وحركاتها متناسبات على النسبة الأفضل. وإن لتلك الحركات المتناسبة نغمات متناسبات مطربات متوازنات لذيذات، كما بينا في حركات أوتار العيدان ونغماتها. فإذا تفكر ذواللب واعتبر تبين له عند ذلك وعلم بأن لها صانعاً حكيماً صنعها، ومركباً حاذقاً ركبها، ومؤلفاً لطيفاً ألفها؛ وتيقن بذلك، فتزول الشبهة المموهة التي دخلت على قلوب كثير من المرتابين، وترتفع الشكوك، ويتضح الحق؛ ويعلم أيضاً ويتبين له أن في حركات تلك الأشخاص ونغمات تلك الحركات لذة وسروراً لأهلها، مثل ما في نغمات أوتار العيدان لذة وسرور لأهلها في هذا العالم. فعند ذلك تشوقت نفسه إلى الصعود إلى هناك والاستماع لها والنظر إليها، كما صعدت نفس هرمس؛ الثالث بالحكمة، لما صفت ورأت ذلك، وهوإدريس النبي- عليه السلام- وإليه أشار بقوله تعالى:" ورفعناه مكاناً علياً"؛ وكما سمعته نفس فيثاغورس الحكيم لما صفت من درن الشهوات الجسمانية، ولطفت بالأفكار الدائمة، وبالرياضات العددية والهندسية والموسيقية. فاجتهد يا أخي- أيدك الله وإيانا بروح منه- في تصفية نفسك وتخليصها من بحر الهيولى، وأسر الطبيعة، وعبودية الشهوات الجسمانية، و أفعل كما فعلت الحكماء ووضعت في كتبها، فإن جوهر نفسك من جوهر نفوسهم. وأعمل كما وصفنا في كتاب الأنبياء- عليهم السلام- وصف نفسك من الأخلاق الرديئة والآراء الفاسدة والجهالات المتراكمة و الأفعال السيئة، فإن هذه الخصال هي المانعة لها عن الصعود إلى هناك بعد الموت، كما ذكر الله تعالى بقوله:" لا تفتح لهم أبواب السماء، ولا يدخلون الجنة، حتى يلج الجمل في سم الخياط؛" وأعلم يا أخي- ايدك الله وإيانا بروح منه- أن جوهر نفسك من الأفلاك نزل يوم مسقط النطفة كما بينا في رسالة لنا، وإلى السماء يكون مصيرها بعد الموت الذي هومفارقة الجسد، كما أن من التراب يكون جسدك، وإلى التراب يكون جسدك بعد الموت.
وأعلم يا أخي- أيدك الله وإيانا بروح منه- بأن هذه الحياة الدنيا للنفوس المتجسدة إلى وقت المفارقة التي هي الموت مماثلة لمدة كون الجنين في الرحم من يوم مسقط النطفة إلى يوم الولادة.
وأعلم يا أخي، إن الموت ليس شيئاً سوى مفارقة النفس الجسد، كما أن الولادة ليست شيئاً سوى مفارقة الجنين الرحم. وقال المسيح- عليه السلام-:" من لم يولد ولادتين لم يصعد إلى ملكوت السماء". وقال- جل ثناؤه- في صفة أهل الجنة:" لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى" وهومفارقة النفس الجسد مرة واحدة على الشريطة التي تقدم ذكرها، وهم السعداء الذين أشار إليهم بقوله:" وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي، لولا أن هدانا الله، لقد جاءت رسل ربنا بالحق."فأما الأشقياء فهم الذين يتمنون العود إلى الدنيا والتعلق بالأجساد مرة أخرى، ويذوقون الموت مرة أخرى، كما ذكر الله تعالى حكاية عنهم:" قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين، فاعترفنا بذنوبنا، فهل إلى خروج من سبيل." أعاذك الله أيها الأخ من حال هذه الطائفة، وإيانا وجميع إخواننا حيث كانوا في البلاد، إنه لطيف بالعباد.
فلنرجع إلى ما كنا فيه وقد وعدنا به من ذكر قوانين اللحان العربية فنقول: إن اللغة العربية وألحانها ثمانية قوانين، هي كالأجناس لها، ومنها يتفرع سائرها، وإليها ينسب باقيها، كما أن لأشعارها ثمانية مقاطع منها يتركب سائر دوائر العروض وأنواعها، وإليها ينسب، وعليها يقاس باقيها، كما هومذكور في كتب العروض برحها.

وأما الثمانية التي هي قوانين غناء العربية، فأولها الثقيل الأول، ثم خفيف الثقيل، ثم الثقيل الثاني، ثم خفيفه، ثم الرمل، ثم خفيف الرمل، ثم خفيف الخفيف، ثم الهزج، فهذه الثمانية هي كالأجناس، وسائرها كالأنواع المتفرعة منها، المنسوبة إليها. فأما الثقيل الأول فهو تسع نقرات، ثلاث منها متواليات، وواحدة مفردة ثقيلة ساكنة، ثم خمس نقرات، واحدة مطوية في أولها، مثل قولك: مفعولن مف مفاعيلن، مف تن تن تن تن تن تن تن تن؛ ثم يعود الإيقاع ويكرر دائماً إلى أن يسكت الموسيقار. وأما الثقيل الثاني فهو إحدى عشرة نقرة، ثلاث نقرات متواليات، ثم واحدة ساكنة، ثم واحدة ثقيلة، ثم ست نقرات في أولها واحدة مطوية، مثل قولك: مفعولن مفعومفاعيلن مفعوتن تن تن تن تن تن تن تن تن تن؛ ثم يعود الإيقاع ثانياً دائماً. وأما خفيف الثقيل الأول فهو سبع نقرات، نقرتان منها متواليتان، لا يكون بينهما زمان نقرة، ثم نقرة مفردة ثقيلة، ثم أربع نقرات، واحدة مطوية في أولها، مثل قولك: مفاعل مفاعيلن تنن تن تنن تن؛ ثم يعود الإيقاع ويكرر إلى أن يسكت المغني، وأهل زماننا يسمون هذا الحن الماخوري، وهومثال صياح الفاختات؛ ككوكوكككوكو. وأما خفيف الثقيل الثاني فهو ثلاث نقرات متواليات لا يكون بينها زمان نقرة، ولكن بين كل ثلاث نقرات وثلاث نقرات زمان نقرة، مثل قولك: فعلن فعلن تكرر دائماً تننن تننن إلى أن يسكت المغني. وأما الرمل فهو عكس الماخوري، وذلك أنه سبع نقرات مثله، ولكن أوله نقرة مفردة ثقيلة، ثم نقرتان متواليتان لا يكون بينهما زمان نقرة، ثم أربع نقرات، كل اثنتين منها متواليتان، لا يكون بينهما زمان نقرة مثل قولك: فاعلن مفاعلن مثل صياح القباج؛ تن تنن تنن كي ككي ككي ككي. وأما خفيف الرمل فهو ثلاث نقرات متواليات متحركات مثل قولك: متفاعلتن تننن تننن. وأما خفيف الخفيف فهو نقرتان متواليتان لا يكون بينهما زمان نقرة، ولكن بين كل نقرتين ونقرتين زمان نقرة مثل قولك: مفاعلن مفاعلن تنن تنن تنن تنن. وأما الهزج فهو نقرة مسكنة ونقرة أخرى أخف منها، بينهما زمان نقرة، وبين كل اثنتين زمان نقرتين مثل قولك: فاعل فاعل.
فهذه الثمانية الأجناس التي قلنا أنها أصل وقوانين لغناء العرب وألحانها. وأما غير العربية كالفارسية والرومية واليونانية فلألحانها وغنائها قوانين أخر غير هذه، ولكنها كلها مع كثرة أجناسها وفنون أنواعها ليست تخرج من الأصل والقانون الذي ذكرناه قبل هذا الفصل. وإذا تأملت يا أخي- أيدك الله وإيانا- وجدت صحة ما قلنا، وعرفت حقيقة ما وصفنا.
  رد مع اقتباس
قديم 09/06/2006   #66
شب و شيخ الشباب krimbow
أميـــــــــ
 
الصورة الرمزية لـ krimbow
krimbow is offline
 
نورنا ب:
Mar 2005
المطرح:
damscus-syria
مشاركات:
4,822

افتراضي


فصل في ذكر المربعات

أعلم يا أخي- أيدك الله وإيانا بروح منه- أن الله تعالى جعل بواجب حكمته الأشياء الطبيعية التي تحت الكون والفساد، وأسبابها وعللها الموجبة، لكونها أكثرها مربعات، بعضها متضادات وبعضها متشاكلات، لما فيها من إحكام الصنعة وإتقان الحكمة، لا يعلم أحد من خلقه كنه معرفتها إلا هوالذي أبدعها واخترعها وأوجدها وركبها وألفها كما شاء كيف شاء.
ونريد أن نذكر طرفاً من تلك الأشياء المربعات المتضادات والمتشاكلات ليكون تنبيهاً لنفوس الغافلين عن النظر فيها، وحثاً لهم على التفكر بها والاعتبار لها، وتسهيلاً لنفوس الباحثين عن معرفة عللها، والطالبين ما الحكمة فيها. فمن الأمور المربعات الظاهرات البينات الأزمان الأربعة التي هي فصول السنة، وهي الربيع والصيف والخريف والستاء، والذي يشاكل الربيع من البروج من أول الحمل إلى آخر الجوزاء، والذي يشاكلها من أرباع الفلك الربع الشرقي الصاعد إلى وتد السماء، والذي يشاكلها من الشهر الربع الأول، سبعة أيام من أول الشهر، والذي يشاكلها من اتصالات الكواكب التربيع الأيسر، ومن الأركان الأربعة ركن الهواء، ومن الطبائع الحرارة والرطوبة، ومن الجهات الجنوب، ومن الرياح التيمي؛ ومن أرباع اليوم الست ساعات الأولى، ومن أخلاط المزاج الدم، ومن أرباع العمر أيام الصبا، ومن القوى الطبيعية القوة الهاضمة، ومن القوى الحيوانية القوة المتخيلة، ومن الأفعال الظاهرة الفرح والسرور والطرب، ومن الأخلاق الجود والكرم والعدل، ومن المحسوسات المشاكلات لهذه أيضاً وتر المثنى ونغماته، ومن الألحان الترنم، ومن الكلام والأشعار المديح، ومن الطعوم الحلاوات، ومن الألوان ما اعتدلت أصباغه كالمنثور؛ ومن الروائح الغالية البنفسج والمرزنجوش؛ وما شاكلها من الروائح الحارة اللينة. وبالجملة كل طعم ورائحة ولون معتدل.
والذي شاكل زمان الصيف من أرباع الفلك الربع الهابط من وتد السماء إلى وتد المغرب، ومن البروج من أول السرطان إلى آخر السنبلة، ومن أرباع الشهر الربع الثاني سبعة أيام، ومن الاتصالات ما جاوز التربيع الأيسر إلى المقابلة، ومن الأركان ركن النار، ومن الطبائع الحرارة واليبس، ومن الجهات الشرق، ومن الرياح الصبا، ومن أرباع اليوم ست ساعات إلى آخر النهار، ومن الأخلاط المرة الصفراء، ومن أرباع العمر أيام الشباب، ومن القوى الطبيعية القوة الجاذبة، ومن القوى الحيوانية القوة المفكرة، ومن الأخلاق الباطنة الشجاعة والسخاء، ومن الأفعال الظاهرة سرعة الحركة والقوة والجلد، ومن المحسوسات المقوية لها مثل نغمات وتر الزير، ومن الألحان الماخوري وما شاكله، ومن الكلام الأشعار وما شاكلها من مديح الفرسان والشجعان، ومن الطعوم الحريفات؛ ومن الألوان الصفرة والحمرة، ومن الروائح المسك والياسمين وما شاكلهما. وبالجملة كل طعم ولون ورائحة حارة يابسة.
والذي شاكل زمان الخريف من أرباع الفلك الربع الهابط من وتد المغرب إلى وتد الأرض، ومن البروج من أول الميزان إلى آخر القوس، ومن أرباع الشهر الربع الثالث السبعة الأيام بعد النصف، ومن الاتصالات بعد المقابلة إلى التربيع الأيمن، ومن الأركان ركن الأرض، ومن الطبائع البرودة واليبوسة، ومن الجهات المغرب، ومن الرياح الدبور؛ ومن أرباع اليوم ست ساعات من أول الليل، ومن الأخلاط المرة السوداء، ومن أرباع العمر أيام الكهولة، ومن القوى الطبيعية القوة الماسكة، ومن القوى الحيوانية القوة الحافظة، ومن الأخلاق العفة، ومن الأفعال الظاهرة التأني والتثبت، ومن المحسوسات المشاكلة لها نغمات المثلث، ومن الألحان الثقيل وما شاكله، ومن الكلام المديح وما كان في وصف العقل والرزانة والزكانة؛ والحصافة؛ ومن الطعوم الحموضات، ومن الألوان السواد الغبرة وما شاكلهما، ومن الروائح رائحة الورد والعود وما شاكلهما من الروائح الباردة اليابسة.
والذي شاكل زمان الشتاء من أرباع الفلك الربع الصاعد من وتد الأرض إلى أفق المشرق، ومنالبروج من أول الجدي إلى آخر الحوت، ومن أرباع الشهر الربع الأخير سبعة أيام، ومن الاتصالات التربيع الأيمن، ومن الأركان ركن الماء، ومن الطبائع البرودة والرطوبة، ومن الجهات الشمال، ومن الرياح الجربياء؛ ومن أرباع اليوم النصف الأخير من الليل، ومن أخلاط المزاج البلغم، ومن القوى الطبيعية القوة الدافعة، ومن القوى الحيوانية القوة المذكرة، ومن الأخلاق الحلم والتجاوز، ومن الأفعال الظاهرة السهولة في المعاملة وحسن المعاشرة، ومن المحسوسات المشاكلة له أيضاً نغمات وتر البم، ومن الألحان الهزج والرمل، ومن الكلام والأشعار ما كان مديحاً في الجود والكرم والعدل وحسن الخلق، ومن الطعوم الدسومات والعذوبات، ومن الألوان الخضرة، ومن الروائح النرجس والنيلوفر؛ وما شاكلهما، وبالجملة كل لون أوطعم أورائحة باردة رطبة.
وعلى هذا المثال والقياس إذا تصفحت يا أخي- أيدك الله وإيانا بروح منه- أحوال لموجودات الطبيعيات، واعتبرت أنواع الكائنات المحسوسات، وجدت كلها داخلة في هذه الأقسام الأربعة، مشاكلات بعضها لبعض، أومضادات بعضها لبعض، كما ذكر الله بقوله جل ثناؤه:" ومن كل شيء خلقنا زوجين اثنين" وقوله عز وجل:" خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون".
وأعلم يا أخي بأن هذه الأشياء المتشاكلة إذا جمع بينها على النسبة التأليفية، ائتلفت وتضاعفت قواها وظهرت أفعالها وغلبت أضدادها، وقهرت ما يخالفها؛ وبمعرفتها استخرجت الحكماء الأدوية المبرئة من الأمراض، الشافية للأسقام مثل الترياقات والمراهم والشرابات المعروفة بين الأطباء، الوصوفة في كتبهم؛ وعلى مثل ذلك عمل أصحاب الطلسمات بعد معرفتهم بطبائع الأشياء، وخواصها، ومشاكلتها، وكيفية تركيبها، ونسب تأليفها. والمثال في ذلك الشكل المتسع في تسهيل الولادة، إذا كتب فيه الأعداد التسعة في الشهر التاسع من الحمل، في الساعة التاسعة من الطلق، ويكون رب الطالع في التاسع، أورب التاسع في الطالع، أويكون القمر التاسع، أومتصلاً بكوكب منه في التاسع، وما شاكل ذلك من المتسعات.
  رد مع اقتباس
قديم 09/06/2006   #67
شب و شيخ الشباب krimbow
أميـــــــــ
 
الصورة الرمزية لـ krimbow
krimbow is offline
 
نورنا ب:
Mar 2005
المطرح:
damscus-syria
مشاركات:
4,822

افتراضي


فصل في الانتقال من طبقات الألحان

وأعلم يا أخي- أيدك الله وإيانا بروح منه- إن الله- جل جلاله- جعل بواجبحكمته لكل جنس من الموجودات حاسة مختصة بإدراكها، وقوة من قوى النفس تنالها بها وتعرفها بطريقها، لا تنال بطريقة أخرى، وجعل أيضاً في جبلة كل حاسة دراكة، أوقوة علامة، أن تستلذ من إدراك محسوساتها، وتتشوق إليها إذا فقدتها وملت منها إذا دامت عليها، وتستروح؛ إلى غيرها من أبناء جنسها، مثل ما هومعروف بين الناس في مأكولاتهم ومشروباتهم، وملبوساتهم، ومشموماتهم، ومبصراتهم، ومسموعاتهم؛ فالموسيقار الحاذق الفاره؛ هوالذي إذا علم بأن المستمعين قد ملوا من لحن، غنى لهم لحناً آخر، إما مضاداً له أومشاكلاً له.
وأعلم يا أخي أن الخروج من لحن إلى لحن، والانتقال منه ليس له طريق إلا على أحد الوجهين، إما أن يقطع ويسكت ويصلح الدساتين والأوتار بالحزق؛ والإرخاء، ويبتدئ ويستأنف لحناً آخر، أويترك الأمر بحاله، ويخرج من ذلك اللحن إلى لحن آخر قريب منه مشاكل له وهوأن ينتقل من الثقيل إلى خفيفه، أومن الخفيف إلى ثقيله أوإلى ما قارب منه. والمثال في ذلك إنه إذا أراد أن ينتقل من خفيف الرمل إلى الماخوري أن يقف عند النقرتين الأخيرتين من ثقيل الرمل ثم يتلوهما بنقرة، ثم يقف وقفة خفيفة، ثم يبتدئ بالماخوري؛ ومن حذق الموسيقار أيضاً أن يكسوالأشعار المفرحة الألحان المشاكلة لها، مثل الأرمال والأهزاج، وما كان منها من المديح في معاني المجد والجود والكرم أن يكسوها من الألحان المشاكلة لها مثل الثقيل الأول والثاني؛ وما كان في المديح من معاني الشجاعة والإقدام والنشاط والحركة أن يكسوها من الألحان مثل الماخوري والخفيف وما يشاكلها.
ومن حذق الموسيقار أيضاً أن يستعمل الألحان المشاكلة للأزمان، في الأحوال المشاكلة بعضها لبعض، وهوان يبتدئ في مجالس الدعوات والولائم والشرب بالألحان التي تقوم الأخلاق والجود والكرم والسخاء، مثل ثقيل الأول وما شاكلها، ثم يتبعها بالألحان المفرحة المطربة، مثل الهزج والرمل، وعند الرقص والدستبند؛ الماخوري وما شاكله، وفي آخر المجلس أن خاف من السكارى الشغب والعربدة والخصومة أن تستعمل الألحان الملينة المنومة الحزينة.
  رد مع اقتباس
قديم 09/06/2006   #68
شب و شيخ الشباب krimbow
أميـــــــــ
 
الصورة الرمزية لـ krimbow
krimbow is offline
 
نورنا ب:
Mar 2005
المطرح:
damscus-syria
مشاركات:
4,822

افتراضي


فصل في نوادر الفلاسفة في الموسيقى

يقال أنه اجتمعت جماعة من الحكماء والفلاسفة في دعوة ملك من الملوك، فأمر أن يكتب كل ما يتكلمون به من الحكمة، فلما غنى الموسيقار لحناً مطرباً، قال أحد الحكماء: إن للغناء فضيلة يتعذر على المنطق إظهارها، ولم يقدر على إخراجها بالعبارة، فأخرجها النفس لحناً موزوناً، فلما سمعتها الطبيعة استلذتها وفرحت وسرت بها، فاسمعوا من النفس حديثها ومناجاتها، ودعوا الطبيعة والتأمل لزينتها لا تغرنكم. وقال آخر: احذروا عند استماع الموسيقى أن تثور بكم شهوات النفس البهيمية نحوزينة الطبيعة، فتميل بكم عن سنن؛ الهدى، وتصدكم عن مناجاة النفس العليا. وقال آخر للموسيقار: حرك النفس نحوقواها الشريفة من الحلم والجود والشجاعة والعدل والكرم والرأفة، ودع الطبيعة لا تحرك شهواتها البهيمية. وقال آخر: الموسيقار إذا كان حاذقاً بصنعته حرك النفوس نحوالفضائل ونفى عنها الرذائل. وقال آخر: إنه سمع فيلسوف نغمة القينات، فقال لتلميذه: امض بنا نحوهذا الموسيقار لعله يفيدنا صورة شريفة، فلما قرب منه سمع لحناً غير موزون ونغمة غير طيبة، فقال لتلميذه: زعم أهل الكهانة أن صوت البوم يدل على موت إنسان، فإن كان ماقالوا صدقاً، فصوت هذا الموسيقار يدل على موت البوم. وقال آخر: الموسيقار وإن كان ليس بحيوان فهو ناطق فصيح يخبر عن أسرار النفوس وضمائرالقلوب، ولكن كل كلامه اعجمي يحتاج إلى الترجمان، لأن ألفاظه بسيطة ليس لها حروف معجمة.وقد أنشدت أبيات بالفارسية تدل على تصديق قول هذا الفيلسوف، وهي هذه: وقت شب كيرنانك ناله زيرخوشتر أيد بكوشم ازتكـيرزاري زير واين مدار شكفتكرزوشت اندراورد نخجيرتن اوتيرنه زمان بـزمـانبدل اندرهمي كذازد شـيركان كريان وكه تبـالـدزاربامداد أن وروزتا شبـكـيران زبان أوري زباتـش نـهخبر عاشقان كند تفـسـيركان ديوانه راكند هـشـياركه بهشيار برنهد زنـجـيروقال آخر: أصوات الموسيقار ونغماته، وأن كانت بسيطة ليس لها حروف معجم، فإن النفوس إليها أشد ميلاً، ولها أسرع قبولاً لمشاكلة ما بينهما، وذلك أن النفوس أيضاً جواهر بسيطة روحانية غير مركبة، ونغمات الموسيقار كذلك، والأشياء إلى أشكالها اميل. وقال آخر: إن الموسيقار هوالترجمان عن الموسيقى، والمعبر عنه، فإن كان جيد العبارة عن المعاني، أفهم أسرار النفوس، وأخبر عن ضمائر القلوب، وإلا فالتقصير منه يكون.
وقال آخر: لا يفهم معاني الموسيقار، ولطيف عبارته عن أسرار الغيوب إلا النفوس الشريفة الصافية من الشوائب الطبيعية، والبريئة من الشهوات البهيمية. وقال آخر: إن الباري- جل ثناؤه- لما ربط النفوس الجزئية بالأجساد الحيوانية، ركب في جبلتها الشهوات الجسمية، ومكنها من تناول اللذات الجرمانية في أيام الصبا، ثم سلبها عنها في أيام الشيخوخة، وزهدها فيها، كما يدلها على الملاذ والسرور والنعيم الذي في عالمها الروحاني، ويرغبها فيها؛ فإذا سمعتم نغمات الموسيقار، فتأملوا إشاراته نحوعالم النفوس. وقال آخر: إن النفوس الناطقة إذا صفت عن الشهوات الجسمانية، وزهدت في الملاذ الطبيعية، وانجلت عنها الأصدية لهيولانية، تونمت بالألحان الحزينة، وتذكرت عالمها الروحاني الشريف العالي، وتشوقت نحوه، فإذا سمعت الطبيعة ذلك اللحن تعرضت للنفس بزينة أشكالها، ورونق أصباغها، كيما ترد إليها؛ فاحذروا من مكر الطبيعة أن لا تقعوا في شبكتها. وقال آخر: إن السمع والبصر هما من أفضل الحواس الخمس وأشرفها التي وهب الباري- جل ثناؤه- للحيوان، ولكن أرى البصر أفضل، لأنه كالنهار، والسمع كالليل، وقال آخر: لا بل السمع أفضل من البصر، لأن البصر يذهب في طلب محسوساته، ويخدمها حتى يدركها مثل العبيد؛ والسمع يحمل إليه محسوساته حتى تخدمه مثل الملوك. وقال آخر: إن البصر لا يدرك المحسوسات إلا على خطوط مستقيمة، والسمع يدركها من محيط الدائرة. وقال آخر: محسوسات البصر أكثرها جسمانية، ومحسوسات السمع كلها روحانية. وقال آخر: النفس بطريق السمع تنال خبر من هوغائب عنها بالمكان والزمان، وبطريق البصر لا ينال إلا ما كان حاضراً في الوقت. وقال آخر: السمع أدق تمييزاً من البصر، إذ كان يعرف بجودة الذوق الكلام الموزون، والنغمات المتناسبة، والفرق بين الصحيح والمنزحف، والخروج من الإيقاع، واستواء اللحن، والبصر يخطئ في أكثر مدركاته، فإنه ربما يرىالكبير صغيراً والصغير كبيراً، والقريب بعيداً والبعيد قريباً، والمتحرك ساكناً الساكن متحركاً، والمستوي معوجاً والموج مستوياً.
وقال آخر: إن جوهر النفس لما كان مجانساً ومشاكلاً للأعداد التأليفية، وكانت نغمات ألحان الموسيقار موزونة، وأزمان حركات نقراتها وسكونات ما بينها متناسبة، استلذ بها الطباع، وفرحت بها الأرواح، وسرت بها النفوس، لما بينها من المشاكلة والتناسب والمجانسة، وهكذا حكمها في استحسان الوجوه، وزينة الطبيعيات، لأن محاسن الموجودات الطبيعية هي من أجل تناسب صنعتها وحسن تأليف أجزائها.
وقال آخر: إنما تشخص أبصار الناظرين إلى الوجوه الحسان، لأنها أثر من عالم النفس، ولأن عامة المرئيات في هذا العالم غير حسان، لما يعرض لها من الآفات المشينة؛ المشوهة، إما في أصل التركيب أوبعده، وبيان ذلك أن الصغار من المواليد يكونون ألطف بنية وأظرف شكلاً وصورة لقرب عهدها من فراغ الصانع منها، وهكذا حكم ما يرى من حسن الثياب ورونقها في مبدأ كونها قبل الآفات العارضة لها من الهوام؛ والبلى والفساد.
وقال آخر: إنما تشخص أبصار النفوس الجزئية نحوالمحاسن اشتياقاً إليها، لما بينها من المجانسة، لأن محاسن هذا العالم من آثار النفس الكلية الفلكية.
وقال آخر: إن وزن نقرات وتر الموسيقار، وتناسب ما بينها، ولذلذ نغماتها تنبئ النفوس الجزئية بأن لحركات الأفلاك والكواكب نغمات متناسبة مؤتلفة لذيذة.
وقال آخر: إذا تصورت رسوم المحسوسات الحسان في الأنفس الجزئية، صارت هذه مشاكلة ومناسبة للنفس الكلية، ومشتاقة نحوها، ومتمنية للحوق بها، فإذا فارقت الهيكل الجسداني ارتقت إلى ملكوت السماء ولحقتبالملأ الأعلى؛ وعند ذلك أيقنت بالبقاء، وأمنت من الفناء، ووجدت لذة العيش صفواً. فقال قائل منهم: وما الملأ الأعلى، فقال: أهل السموات وسكان الأفلاك، فقال: أنى لهم السمع والبصر، فقال: إن لم يكن في عالم الأفلاك وسعة السموات من يرى تلك الحركات المنظمة، وينظر إلى تلك الأشخاص الفاضلة، ويسمع تلك النغمات اللذيذة الموزونة، فقد فعلت الحكمة إذاً شيئاً باطلاً، ومن المقدمات المتفق عليها بين الحكماء أن الطبيعة لم تفعل شيئاً باطلاً لا فائدة فيه.
وقال آخر: إن لم يكن في فضاء الأفلاك وسعة السموات خلائق وسكان، فهي إذاً قفر خاوية، وكيف يجوز في حكمة الباري- جل ثناؤه- أن يترك فضاء تلك الأفلاك، مع شرف جواهرها، فارغاً خاوياً قفراً بلا خلائق هناك، وهولم يترك قعور البحار المالحة المرة المظلمة فارغاً، حتى خلق في قعرها أجناس الحيوانات من أنواع الأسماك والحيتان وغيرها؛ ولم يترك جوهذا الهواء الرقيق، حتى خلق له أجناس الطيور تسبح فيه كما تسبح الأسماك والحيتان في المياه؛ ولم يترك البراري اليابسة، والآجام الوحلة، والجبال الراسية، حتى خلق فيها أجناس السباع والوحوش، ولم يترك ظلمات التراب وأجناس النبات والحب والثمر، حتى خلق فيها أجناس الهوام والحشرات.
وقال آخر: إن أجناس هذه الحيوانات التي في هذا العالم إنما هي أشباح ومثالات لتلك الصور والخلائق التي في عالم الأفلاك وسعة السموات، كما أن النقوش والصور التي على وجوه الحيطان والسقوف أشباح ومثالات لصور هذه الحيوانات اللحمية، وإن نسبة الخلائق اللحمية إلى تلك الخلائق التي جواهرها صافية كنسبة هذه الصور المنقشة المزخرفة إلى هذه الحيوانات اللحمية الدموية.
وقال آخر: إن كانت هناك خلائق وليس لهم سمع، ولا بصر، ولا عقل، ولا فهم، ولا نطق، ولا تمييز، فهم إذاً صم بكم عمي.
وقال آخر: فإن كان لهم سمع وبصر، وليس هناك أصوات تسمع، ولا نغمات تلذ، فسمعهم وبصرهم إذاً باطل لا فائدة فيه؛ فإن لم يكن لهم سمع وبصر وهم يسمعون ويبصرون، فهم إذاً أشرف وأفضل مما هاهنا، لأن تلك الجواهر هي أصفى وأنور وأشف وأتم وأكمل.
وقال آخر: إنما استخرجت هذه الألحان الموسيقية التي هاهنا مماثلة لما هناك، كما عملت الآلات الرصدية مثل الأسطرلاب والرباب والبنكان؛ وذوات مماثلة لما هناك.
وقال آخر: إن لم تكن تلك المحسوسات التي هناك أشرف وأفضل مما هاهنا، ولم يكن للنفوس إليها وصول، فترغيب الفلاسفة في الرجوع إلى عالم الأرواح، وترغيب الأنبياء- عليهم السلام- وتشويقهم إلى نعيم الجنان إذاً باطل وزور وبهتان، ومعاذ الله من ذلك، فإن توهم متوهم أوظن ظان أوقال مجادل إن الجنان هي من وراء هذه الأفلاك،وخارجة من فسحة السموات، قيل له وكيف تطمع في الوصول إليها إن لم تصعد أولاً إلى ملكوت السموات، وتجاوز سع الأفلاك، ويقال إنه هبت نسيم الجنان بالأسحار تحركت أشجارها، واهتزت أغصانها، وتخشخشت أوراقها، وتناثرت ثمارها، وتلألأت أزهارها، وفاحت روائحها؛ فلوعاين أهل الدنيا منها نظرة واحدة لما تلذذوا بالحياة في الدنيا بعد ذلك أبداً. فلمثل هذا فليعمل العاملون، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، وبذلك فليفرحوا، هوخير مما يجمعون؛ والفلاسفة تسمى الجنة" عالم الأرواح".
  رد مع اقتباس
قديم 09/06/2006   #69
شب و شيخ الشباب krimbow
أميـــــــــ
 
الصورة الرمزية لـ krimbow
krimbow is offline
 
نورنا ب:
Mar 2005
المطرح:
damscus-syria
مشاركات:
4,822

افتراضي


فصل في تلون تأثيرات الأنغام

أعلم يا أخي- أيدك الله وإيانا بروح منه- بأن تاثيرات نغمات الموسيقار في نفوس المستمعين مختلفة الأنواع، ولذة النفوس منها وسرورها بها متفننة متباينة، كل ذلك بحسب مراتبها في المعارف، وبحسب معشوقاتها المألوفة من المحاسن، فكل نفس إذا سمعت من الأوصاف ما يشاكل معشوقاتها، ومن النغمات ما يلائم محبوبها، فرحت وسرت والتذت، بحسب ما تصورت من رسوم معشوقها، واعتقدت في محبوبها، حتى ربما وقع النكير من الآخرين، إذا لم يعرفوا مذهبه، ولا ما قصد نحوه. والمثال في ذلك ما يحكى أن رجلاً من أهل الوجد من المتصوفة سمع قارئاً يقرأ" يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية" فاستعادها من القارئ مراراً، وجعل يقول: كم أقول لها ارجعي، فليس ترجع، وتواجد؛ وزعق وصعق صعقة فخرجت روحه. وسمع آخر يقرأ: فما جزاؤه إن كنتم كاذبين، قالوا: جزاؤه من وجد في رحله فهو " جزاؤه" فاستعادها وزعق وصعق، فخرجت روحه. فقال أهل الوجد: إنما حمل معنى قوله:" جزاؤه من وجد في رحله" إن المحبوب مصورة في نفس الحبيب، ورسوم شكله منقوشة في قلبه، فذلك جزاؤه. ألا ترى يا أخي كيف حمل معنى القول على مذهبه ومقصده مع شهرة معنى الآية في الظاهر، وآخر سمع قول القائل وهويغني:
قال الرسول: غداً تزو- ر، فقلت: تدري ما تقول، فاستفزه القول واللحن، وتواجد وجعل يكرره ويجعل مكان التاء نوناً، ويقول: غداً نزور، حتى غشي عليه من شدة الفرح واللذة والسرور. فلما أفاق سئل عن وجده مم كان، فقال: ذكرت قول الرسول- صلى الله عليه وسلم- إن أهل الجنة يزورون ربهم في كل يوم جمعة مرة.
ويروى في الخبر أن ألذ نغمة يجدها أهل الجنة، وأطيب نغمة يسمعونها مناجاة الباري- جا ثناؤه- وذلك قوله تعالى:" تحيتهم يوم يلقونه: سلام، وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين." ويقال إن موسى- عليه السلام- لما سمع مناجاة ربه، داخله من الفرح والسرور واللذة ما لم يتمالك نفسه حتى طرب وترنم وصغر عنده بعد ذلك كل النغمات والألحان والأصوات.
وفقك الله أيها الأخ لفهم معاني هذه الإشارات اللطيفة والأسرار الخفية، وبلغك بلاغها وإيانا وجميع إخواننا حيث كانوا وأين كانوا من البلاد، إنه رؤوف بالعباد.
تمت الرسالة الخامسة في الموسيقى، الحمد لله حمد الشاكرين، وصلى الله على سدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين.
  رد مع اقتباس
قديم 09/06/2006   #70
شب و شيخ الشباب krimbow
أميـــــــــ
 
الصورة الرمزية لـ krimbow
krimbow is offline
 
نورنا ب:
Mar 2005
المطرح:
damscus-syria
مشاركات:
4,822

افتراضي


الرسالة السادسة من القسم الرياضي

في النسبة العددية والهندسية في تهذيب النفس وإصلاح الأخلاق

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، وسلام على عباده الذين اصطفى، الله خير أما يشركون، أعلم أيها الأخ- أيدك الله وإيانا بروح منه- أنا قد فرغنا من الرسالة التي تقدم ذكرها، ونريد أن نذكر في هذه الرسالة نسبة العدد بعضها إلى بعض، فنقول: أعلم بأن النسبة هي قدر أحد المقدارين عند الآخر، وكل عددين إذا أضضيف أحدهما إلى الآخر، فلا يخلومن أن يكونا متساويين أومختلفين، فإن كانا متساويين، فيقال لإضافة أحدهما إلى الآخر نسبة التساوي؛ وإن كانا مختلفين، فلا بد من أن يكون أحدهما أكثر والآخر أقل؛ فإن أضيف الأقل إلى الأكثر، يقال له الاختلاف الأصغر، ويعبر عنه بأحد تسعة الألفاظ التي ذكرنا قبل، وهي النصف والثلث والربع والخمس والسدس والسبع والثمن والتسع والعشر، وما تركب من هذه الألفاظ؛ ويضاف إليها مثل ما يقال نصف السدس وثلث الخمس، وما شاكل ذلك. وهذه النسبة معروفة بين الحساب مثل نسبة الستة إلى الستين وغيره من الأعداد. وأما إن أضيف العدد الأكثر إلى الأقل، فيقال له الاختلاف الأعظم، والنظر والكلام في مثل هذه النسبة للمتفلسفين لا لحساب الدواوين.
وهذه النسبة معروفة تتنوع بخمسة أنواع، ويعبر عنها بخمسة ألفاظ، أولها نسبة النصف، والثاني نسبة المثل الزائد جزاءاً، والثالث نسبة المثل والزائد جزء، والرابع نسبة الضعف والزائد جزء، والخامس نسبة الضعف والزائد جزء. ولا يمكن أن يضاف عدد أكثر إلى عدد أقل، فيكون خارجاً من هذه النسب الخمس.
أما نسبة الضعف فهو مثل إضافة سائر الأعداد المبتدأة من الاثنين على النظم الطبيعي، بالإضافة إلى الواحد بالغاً ما بلغ. فإن الاثنين ضعف الواحد، والثلاثة ثلاثة أضعافه، والأربعة أربعة أضعافه، وكذلك الخمسة خمسة أضعافه. وعلى هذا القياس سائر الأعداد بالغاً ما بلغ. وإذا أضيف إلى الواحد يقال له نسبة ذي الأضعاف، وهذه صورتها: 1 2 3 4 5 6 7 8 9 وأما نسبة المثل والزائد جزء، فهو مثل نسبة سائر الأعداد المبتدأة من الاثنين، المنتظمة على النظم الطبيعي، كل واحدة إلى نظيرتها، كالثلاثة إلى الاثنين، والأربعة إلى الثلاثة، والخمسة إلى الأربعة، والستة إلى الخمسة، وعلى هذا القياس سائر الأعداد بالغاً ما بلغ، إذا أضيف إلى الذي قبله بواحد، فغنه لا يخرج من هذه النسبة التي هي مثل وجزء منه، وهذه صورتها: 3 4 5 6 7 8 9 2 3 4 5 6 7 8 وأما نسبة المثل والزائد أجزاء، فهو مثل نسبة سائر الأعداد المبتدأة من الثلاثة، المنتظمة على النظم الطبيعي، إذا أضيف إليها سائر الأعداد المبتدأة من الخمسة، المنتظمة على نظم الأفراد، دون الأزواج، كالخمسة إلى الثلاثة، والسبعة إلى الأربعة، والتسعة إلى الخمسة، والأحد عشر إلى الستة، والثلاثة عشر إلى السبعة، وعلى هذا القياس سائر الأعداد بالغاً ما بلغ، وهذه صورتها: 5 7 9 11 13 15 3 4 5 6 7 8
وأما نسبة الضعف والزائد جزء، فهو مثل سائر الأعداد المبتدأة من الاثنين، المنتظمة على النظم الطبيعي، إذا أضيف إليها سائر الأعداد المبتدأة من الخمسة على نظم الأفراد دون الأزواج، كالخمسة إلى الاثنين، والسبعة إلى الثلاثة، والتسعة إلى الأربعة، والأحد عشر إلى الخمسة، وعلى هذا القياس سائر الأعداد بالغاً ما بلغ، وهذه صورتها: 5 7 9 11 2 3 4 5 وأما نسبة الضعف والزائد أجزاء، فهو مثل نسبة سائر الأعداد المبتدأة من الثلاثة على النظم الطبيعي إذا أضيف إليها سائر الأعداد المبتدأة من الثمانية بزيادة الثلاثة، كالثمانية إلى الثلاثة، والأحد عشر إلى الأربعة، والأربعة عشر إلى الخمسة، والسبعة عشر إلى الستة، وعلى هذا القياس سائر الأعداد بالغاً ما بلغ يتخطى ثلاثة ثلاثة على هذا المثال، وهذه صورتها: 8 11 14 17 3 4 5 6 فقد تبين أن كل عددين مختلفين إذا أضيف الأكثر إلى الأقل، فلا يخلومن هذه الخمس النسب التي ذكرناها، وهي نسبة الضعف والمثل وجزء، والمثل وأجزاء، والضعف وجزء، والضعف وأجزاء. وأما إذا أضيف الأقل إلى الأكثر، على هذا الترتيب الذي بيناه، فيزاد في هذه الخمسة الألفاظ لفظة أخرى، هي لفظة تحت، فيقال: إذا أضيف الواحد إلى سائرالأعداد، فهي تحت ذي الأضعاف، والاثنان إذا أضيفت للثلاثة فيقال: تحت المثل والزائد جزءاً، وكذلك إذا أضيف الثلاثة إلى الأربعة، والأربعة إلى الخمسة، وعلى هذا القياس وبالعكس مما ذكرناه في الباب الأول من نسبة الأكثر إلى الأقل كل واحد بالنسبة إلى نظيره، كالثلاثة إذا أضيف إلى الخمسة، والأربعة إلى السبعة، والخمسة إلى التسعة، فيقال تحت المثل والزائد أجزاء. وأما الاثنان إلى الخمسة، والثلاثة إلى السبعة، والأربعة إلى التسعة، فيقال تحت الضعف والزائد جزءاً. وأما الثلاثة إلى الثمانية، والأربعة إلى الأحد عشر، والخمسة إلى الأربعة عشر، والستة إلى السبعة عشر، فيقال تحت الضعف والزائد أجزاء. فقد تبين أن نسبة الأقل إلى الأكثر لا تخلومن هذه الخمسة المعاني التي تحت ذي الأضعاف وتحت المثل والزائد جزءاً، وتحت المثل والزائد أجزاء، وتحت ذي الأضعاف والزائد جزءاً، وتحت ذي الأضعاف والزائد أجزاء.
  رد مع اقتباس
قديم 09/06/2006   #71
شب و شيخ الشباب krimbow
أميـــــــــ
 
الصورة الرمزية لـ krimbow
krimbow is offline
 
نورنا ب:
Mar 2005
المطرح:
damscus-syria
مشاركات:
4,822

افتراضي


فصل في النسب

أعلم أن النسبة على ثلاثة أنواع، إما بالكمية، وإما بالكيفية، وإما بهما جميعاً، فالتي بالكمية يقال لها نسبة عددية، والتي بالكيفية يقال لها نسبة هندسية، والتي بهما جميعاً يقال لها نسبة تأليفية وموسيقية. وأما النسبة العددية فهي تفاوت ما بين عددين مختلفين بالتساوي، مثال ذلك: واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة، خمسة، ستة، سبعة، ثمانية، تسعة، عشرة، فإن تفاوت ما بين كل عددين من هذه الأعداد واحد واحد، وكذلك: اثنان، أربعة، ستة، ثمانية، عشرة، اثنا عشر، أربعة عشر، ستة عشر، ثمانية عشر، وما زاد فإن التفاوت بين كل عددين من هذه الأعداد اثنان اثنان. وكذلك: واحد، ثلاثة، خمسة، سبعة، تسعة، أحد عشر، وما زاد على ذلك فإن التفاوت بين كل عددين منها اثنان اثنان. وعلى هذا القياس تبنى سائر النسب العددية، وإنما يعتبر مساواة تفاوت ما بينهما. ومن خاصية هذه النسبة أن كل عددين- أي عددين كانا- إذا أخذ نصف كل واحد منهما، وجمع يكون منهما عدد آخر متوسط بين العددين؛ مثال ذلك: ثلاثة وأربعة تفاوت ما بينهما واحد، فإن أخذ نصف الثلاثة وهو واحد، ونصف الأربعة وهواثنان، وجمع بينهما يكون ثلاثة ونصفاً، وثلاثة ونصف أكثر من ثلاثة بنصف، وينقص عن الأربعة بنصف، وعلى هذا القياس يعتبر سائر النسب العددية.
وأما النسبة الهندسية فهي قدر أحد العددين المختلفين عند العدد الآخر، مثال ذلك: أربعة، ستة، تسعة، فإنما هي في نسبة هندسية، وذلك أن نسبة الأربعة إلى الستة كنسبة الستة إلى التسعة، وذلك أن الأربعة ثلثا الستة، والستة ثلثا التسعة، وكذلك بالعككس، فإن نسبة التسعة إلى الستة كنسبة الستة إلى الأربعة، وذلك أن التسعة مثل الستة ومثل نصفها، والستة مثل الأربعة ومثل نصفها، وهكذا: ثمانية واثنا عشر، وثمانية عشر وسبعة وعشرون، فإنها كلها في نسبة هندسية، وذلك أن الثمانية ثلثا الاثني عشر، ولاثني عشر ثلثا الثمانية عشر، والثمانية عشر ثلثا السبعة والعشرين، وكذلك بالعكس سبعة وعشرون مثل ثمانية عشر ومثل نصفها، وعلى هذا المثال يعتبر سائر النسب الهندسية.
وهي تنقسم نوعين متصلة ومنفصلة، فالمتصلة مثل هذه التي قدمنا ذكرها، ومن خاصية هذه النسبة، إذا كانت ثلاثة أعداد، فإن ضرب الأول في الثالث مثل ضرب الثاني في نفسه، مثال ذلك أن ضرب الأربعة في التسعة مثل ضرب الستة في نفسها، وإن كانت أربعة أعداد، فإن ضرب الأول في الرابع مثل ضرب الثاني في الثالث، مثال ذلك ثمانية واثنا عشر، وثمانية عشر وسبعة وعشرون.
وأما المنفصلة فهي مثل أربعة وستة وثمانية واثني عشر، فإن نسبة الأربعة إلى الستة كنسبة الثمانية إلى الاثني عشر، لأن الثمانية ثلثا الاثني عشر، وليست الستة ثلثي الثمانية، لكن الأربعة ثلثا الستة، فهذه النسبة وأمثالها يقال لها منفصلة. ومن خاصية هذه النسبة إن ضرب الأول في الرابع مثل ضرب الثاني في الثالث. ومن خاصية النسبة المتصلة إن الحد الأوسط مشترك في النسبة، وأما المنفصلة فالحد الوسط غير مشترك في النسبة. وأما النسبة التأليفية فهي المركبة من الهندسية والعددية، مثال ذلك واحد واثنان وثلاثة وأربعة وخمسة وستة، فالستة تسمى الحد الأعظم، والثلاثة الحد الأصغر، والأربعة الحد الأوسط، وواحد واثنان هما التفاضل بين الحدود، وذلك أن فضل ما بين الستة والأربعة اثنان، وفضل ما بينالأربعة والثلاثة واحد؛ فنسبة الاثنين الذي هوالتفاضل بين الستة والأربعة والثلاثة إلى الواحد الذي هوالتفاضل بين الأربعة والثلاثة، كنسبة الحد الأعظم الذي هوالستة إلى الحد الأصغر الذي هوالثلاثة. وكذلك بالعكس نسبة الثلاثة الذي هوالحد الأصغر إلى الستة الذي هوالحد الأعظم، كنسبة الواحد إلى الاثنين الذي هوتفاوت ما بين الأربعة والستة. ومن وجه آخر نسبة الواحد إلى الاثنين كنسبة الاثنين إلى الأربعة، وكنسبة الثلاثة إلى الستة؛ وعكس ذلك نسبة الستة إلى الثلاثة كنسبة الأربعة إلى الاثنين، ونسبة الاثنين إلى الواحد. ومن وجه آخر نسبة الستة إلى الأربعة إلى الاثنين، الثلاثة إلى الاثنين، وعكس ذلك نسبة الاثنين إلى الثلاثة كنسبة الأربعة إلى الستة. فإن هذه النسبة مؤلفة من العددية والهندسية ومركبة منهما. ومن هذه النسبة استخراج تأليف النغم والألحان كما بينا في رسالة الموسيقى.
  رد مع اقتباس
قديم 09/06/2006   #72
شب و شيخ الشباب krimbow
أميـــــــــ
 
الصورة الرمزية لـ krimbow
krimbow is offline
 
نورنا ب:
Mar 2005
المطرح:
damscus-syria
مشاركات:
4,822

افتراضي


فصل في استخراج النسب المتصلة

كل عدد، أي عدد كان، أضيف إلى عدد آخر أكثر منه، فله إليه نسبة ما، وقد يجد عدد آخر أقل منهه في تلك النسبة، مثال ذلك عشرة إذا نسبت إلى مئة، فإنها في نسبة العشر، ودونها الواحد في تلك النسبة، لأن الواحد عشر العشر، كما أن العشرة عشر المئة؛ وكذلك نسبة العشرة إلى التسعين كنسبة الواحد والتسع إلى العشرة؛ وكذلك نسبة العشرة إلى الثمانين كنسبة الواحد والربع إلى العشرة؛ وكذلك نسبة العشرة إلى السبعين كنسبة الواحد وثلاثة أسباع إلى العشرة؛ وكذلك نسبة العشرة إلى الستين كنسبة الواحد والثلثين إلى العشرة، وكذلك نسبة العشرة من الخمسين كنسبة الاثنين من العشرة، ونسبة العشرة من الأربعين كنسبة الاثنين ونصف إلى العشرة، ونسبة العشرة من الثلاثين كنسبة الثلاثة والثلث من العشرة، ونسبة العشرة من العشرين كنسبة الخمسة من العشرة؛ وعلى هذا القياس تعتبر سائر النسب المتصلة.
والقياس في استخراج هذه النسبة أن يضرب ذلك العدد في نفسه، ويقسم العدد الحاصل منه على العدد الأكثر، فما خرج فهو العدد الأقل في تلك النسبة؛ وإن قسم المبلغ على العدد الأقل خرج العدد الأكثر في تلك النسبة، مثال ذلك إذا قيل لك: أجدني عدداً يكون نسبته إلى العشرة كنسبة العشرة إلى الأحد عشر، فبابهأن تضرب العشرة في نفسها، ويقسم المبلغ على أحد عشر، فيخرج تسعة وجزء من أحد عشر؛ فيكون نسبة التسعة وجزء من أحد عشر إلى العشرة كنسبة العشرة إلى الأحد عشر. وإن قسمت ذلك على تسعة خرج أحد عشر وتسع، فنسبة العشرة إلى التسعة كنسبة الأحد عشر والتسع إلى العشرة. ومن خاصية هذه النسبة إنه متى كان اثنان منها معلومين والثالث مجهولاً، يمكن أن يعلم ذلك المجهول من المعلومين، فبابه أن يضرب أحد المعلومين في نفسه، ويقسم المبلغ على الآخر، فما خرج فهو ذلك المجهول المطلوب. مثال ذلك إذا قيل لك: أوجدني عدداً يكون نسبته إلى الاثنين كنسبة الأربعة إلى الستة، أوقال: نسبة الأربعة إليه كنسبة الستة إلى الأربعة. فالقياس فيهما واحد وهوأن تضرب الأربعة في نفسها، فيكون ستة عشر، فنقسمها على الستة فيكون اثنين وثلثين، فنقول: نسبة الاثنين وثلثين إلى الأربعة كنسبة الأربعة إلى الستة، وعكس ذلك نسبة الأربعة إلى الاثنين والثلثين كنسبة الستة إلى الأربعة. فإن ذكر الستة فافعل بها مثل ما فعلت بالأربعة، فإن الباب فيهما واحد، وذلك أن الستة، إذا ضربت في نفسها، وقسم المبلغ على أربعة، كانت تسعة، فنقول نسبة التسعة إلى الستة كنسبة الستة إلى الأربعة، وعكس ذلك نسبة الستة إلى التسعة كنسبة الأربعة إلى الستة، وعلى هذا المثال فقس نظائر ذلك. ومن هذه النسبة يستخرج المجهولات الهندسية بالمعلومات، وكذلك المجهولات التي في المعاملات إن كان ثمناً أومثمناً، مثاله إذا قيل: عشرة نسبة إلى أربعة بكم، فاضرب الأربعة في ستة، واقسم المبلغ على العشرة، فما خرج فهو المطلوب.
وأعلم بأنه تارة يكون المجهول هوالثمن، وتارة هوالمثمن، فاجتهد في القياس أن لا يضرب الثمن والمثمن في المثمن، ولكن الثمن في المثمن، والمثمن في الثمن.
  رد مع اقتباس
إضافة موضوع جديد  إضافة رد


أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لافيك تكتب موضوع جديد
لافيك تكتب مشاركات
لافيك تضيف مرفقات
لا فيك تعدل مشاركاتك

وسوم vB : حرك
شيفرة [IMG] : حرك
شيفرة HTML : بليد
طير و علّي


الساعة بإيدك هلق يا سيدي 22:43 (بحسب عمك غرينتش الكبير +3)


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
ما بخفيك.. في قسم لا بأس به من الحقوق محفوظة، بس كمان من شان الحق والباطل في جزء مالنا علاقة فيه ولا محفوظ ولا من يحزنون
Page generated in 0.41434 seconds with 12 queries