أخوية  

أخوية سوريا: تجمع شبابي سوري (ثقافي، فكري، اجتماعي) بإطار حراك مجتمع مدني - ينشط في دعم الحرية المدنية، التعددية الديمقراطية، والتوعية بما نسميه الحد الأدنى من المسؤولية العامة. نحو عقد اجتماعي صحي سليم، به من الأكسجن ما يكف لجميع المواطنين والقاطنين.
أخذ مكانه في 2003 و توقف قسراً نهاية 2009 - النسخة الحالية هنا هي ارشيفية للتصفح فقط
ردني  لورا   أخوية > فن > المكتبة > قرأت لك

إضافة موضوع جديد  إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 10/01/2008   #1
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي فى حب نجيب محفوظ.... دراسات


نجيب محفوظ:
السهل الممتنع
الدكتور يحيي الرخاوي استهلال واعتذار:
حين طُُلب مني أن أقوم بتحليل شخصية نجيب محفوظ إسهامًا في هذا العمل المهم، فزعت من حيث المبدأ، ورفضت من حيث المنهج. إن كل ما يستطيعه أي شخص يريد أن يضيف لمحة قصيرة التقطها من جانب من جوانب حضور محفوظ الشخصي أو الإبداعي هو أن يرصد بعض ما تردد في وعيه من أصداء شخصيته: مبدعًا وفردًا عاديا حاضرًا: يجلس علي المقهي ويمشي في الأسواق. وحتي هذه المهمة بدت لي من أصعب ما يمكن، لذلك قررت أن أكتفي بمحاولةٍ توضّح معني شائعا، لكنه ملتبس عند معظم الناس، وهو المعني الذي تمثله شخصية نجيب محفوظ خير تمثيل، أعني معني «السهل الممتنع».
كثير ممن يرددون تعبير «السهل الممتنع» لا يدركون أبعاد مضمونه تحديدًا. إنه تعبير يشير إلي كيف أن الأمر، أو الشخص، الذي قد يبدو سهلاً واضحًا مباشرًا، هو في نفس الوقت فريد نوعه بحيث لا يمكن أن يتكرر أو حتي يقلد. قد نستعمل هذا التعبير بسطحية عابرة، وقد يعني معني شديد العمق من حيث إشارته إلي نوع رائع من تمام دورة ارتقاء بشري، دار دورته حتي عاد إلي أبسط صور الوجود محتفظًا بعمق خاص يجعل من البسيط ما يرادف أروع العمق. إن النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ لما دار دورته الكاملة بما في ذلك الإسراء والمعراج، ظل يمضي بين الناس بشرًا يمشي في الأسواق، وجدًا طيبًا يداعب أحفاده، وإنسانًا لينا رقيقا يلين لهم بما رحمة من ربه. لم يكن ذلك علي حساب عمق وجوده، ولا عظمة رسالته، ولا مسئولية حمله لذلك القول الثقيل، الذي أضاء به الدنيا قبل أن نتراجع نحن عن حمل منارته.
لاحظت هذا الحضور لما هو «سهل ممتنع» مع اثنين حظاني ربي أن أقترب منهما، الأول وأنا بعد صبيا لم أبلغ السادسة عشرة من عمري، وهو يحيي حقي، والثاني وقد شارفت علي السبعين وهو نجيب محفوظ. إن الذي جعلني أتمثل أكثر ما هو «السهل الممتنع» في يحيي حقي، أنني عرفته في بيت وحضور المرحوم محمود محمد شاكر، كانا يمثلان عكس بعضهما البعض في ظاهر حضورهما، كما كانا في نفس الوقت أقرب من عرفت إلي بعضهما البعض. يمكن أن يوصف محمود شاكر بـ«الصعب الجميل»، في مقابل يحيي حقي «السهل الممتنع». كان صوت محمود شاكر، وحسمه، وغضبه، وحضوره الموسوعي، ودقته المنهجية ترعب ـ لأول وهلة ـ كل من يتعرف إليه لأول مرة، لكن ما إن تقترب منه أكثر حتي تجد بداخله طفلاً وديعًا رقيقًا محبًا كريمًا متسامحًا عطوفًا جميلاً، ليس أسهل منه ولا أقرب. أما يحيي حقي فبعد أن تأخذك سهولته ودماثة حضوره يستدرجك ـ دون أن تشعر ـ إلي أغوار لم يكن ظاهره ينبئ بها قط. فتعرف أنه «ممتنع» فعلاً. كتابة يحيي حقي تتصف بنفس الصفة «السهل الممتنع».

شُذَّ، شُذَّ بكل قواك عن القاعدة
لا تضع نجمتين على لفظة واحدة
وضع الهامشيّ إلى جانب الجوهريّ
لتكتمل النشوة الصاعدة
  رد مع اقتباس
قديم 10/01/2008   #2
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


نفس التحدي وصلني وأنا أقرأ القرآن الكريم مع أولادي ثم مع أحفادي قبيل المغرب في رمضان. أتعجب كيف أن هذا الكتاب الذي لا ريب فيه هدي للمتقين، نزل بهذه الصورة الشديدة السهولة ـ خصوصًا إذا قارناه بالأدب السائد في عصر التنزيل ـ تلك الصورة التي تنساب دون شرح إلي عقل طفل صغير، أو وعي عجوز أمية، بمثل ما تصل إلي عقل فقيه حاذق، أو عالم نحرير، يتم ذلك هكذا طول الوقت عبر أكثر من أربعة عشر قرنًا دون أن تزداد الصعوبة، وهو يفجر وعي أعماق من يقترب منه بما يجعله ـ طبعًا ـ ممتنعًا عليه ـ أليس تنزيلاً من رب العالمين.

مريد يتحرك في رحاب شيخه:
حين أتاحت لي الظروف أن أتحرك خلال هذه السنوات الثماني الأخيرة (تقريبًا) في رحاب وعي شيخي الجليل نجيب محفوظ، رحت أعايش هذا المعني الرائع ماثلاً أمامي طول الوقت. كنت قد استشعرت نفس المعني من كتاباته قبل أن أعرفه شخصيا، لكنني لم أكن أتصور أن حضوره اليومي العادي بين الناس هو مَثَلٌ أروع لأجمل صور «السهل الممتنع». كنت أحسب أنه يقضي وقته بين الناس ليزداد احتكاكًا بمادة إبداعه، ليأتنس بهم بعيدًا عن الورق والقلم والكتب والرمز، وإذا بي أكتشف أن وجوده اليومي، هذا أكثر «سهولة»، وفي نفس الوقت أكثر امتناعًا لأنه أكثر إبداعًا متحديا بإعجاز أن يوجد واحد مثله، أو حتي أن ينجح أحد أن يقلده.
ما هو السر في هذا الذي يصلنا منه بهذه الصورة البسيطة الجميلة المتحدية المعجزة في آن؟ للإجابة علي هذا السؤال حاولت أن أضع فرضًا يقول:
إن ذلك لا يتم إلا إذا تقارب الواحد من بعضه البعض، إذا تناغمت مستويات وجوده. (منظومة دماغه) مع بعضها البعض، فتكون النتيجة أن الخطاب يصل إلي المتلقي عبر أكثر من مستوي من مستويات وعيه وفي نفس اللحظة. من هنا يستقبل كل متلقٍ المستوي الذي يناسبه فيبدو له الخطاب سهلاً، فإذا ما اقترب ليفحص الأمر أو يحاوله، فإنه يكتشف أن هذا الذي تلقاه لم يكن خالصًا منفصلاً عن غيره من سائر المستويات، بل كان متضمنًا إياها. من هنا يأتي «الامتناع» لأن هذه المرتبة من التناغم لا يصل إليها إلا مبدع متكامل، يعيش إبداعه بقدر ما يفرزه، وهو يفرز إبداعه من خلال ما يعايشه.
هذا هو المدخل الذي أسهم به في محاولة التعريف بما يميز نجيب محفوظ إنسانًا ومبدعًا بصفتي مريدًا عاجزًا، لم يستطع أن يستوعب إلا بضع ما تردد في وعيه من أصداء حضور شيخه، فأقدم ذلك علي محورين:
المحور الأول: نجيب محفوظ: يمشي بين الناس، مبدعًا لهم.
المحور الثاني: نجيب محفوظ: يستوعب التاريخ ويفرزه.


المحور الأول: محفوظ: يمشي بين الناس مبدعًا لهم.
في أصداء السيرة الذاتية يقول نجيب محفوظ: «تذكرت كلمات بسيطة، لا وزن لها في ذاتها، مثل "أنت"، "فيم تفكر"، "طيب"، "يالك من ماكر".. ولكن لسحرها الغريب الغامض جن أناس، وثمل آخرون بسعادة لا توصف».
  رد مع اقتباس
قديم 10/01/2008   #3
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


هذا بالضبط ما وصلني من كلماته العادية، ولفتاته الطبيعية، وما يترتب عليها إذ «لسحرها الغامض جن بعضنا، وثمل آخرون بسعادة لا توصف».
عرفته بكل هذا القرب بعد الحادث القدر، وكان قد توقف عن القراءة قبل ذلك، ثم توقف عن الكتابة بعد الحادث، ففزعت أشد الفزع وآلمه، ورحت أتساءل كيف يمكن لهذا العقل البشري، لهذا الوعي الخلاق، لهذا الإنسان الحاد التلقي الغامر الإبداع، كيف يمكنه أن يستمر وقد ظل أكثر من سبعة عقود يتلقي ليرسل. يتمثل ليقول. يستوعب ليبدع. كيف يمكنه أن يستمر دون قلم وورقة. دون نشر وهجه المتجدد يضيء وعينا المتلهف. دون تلوين وتشكيل وإعادة تشكيل، دون استلهام إلهي. أو وجد نبوي؟ وحين لم تسعفني الإجابة جزعت، وصبرت، وأملت، وثابرت، فإذا بعشرتي له وتلمذتي علي هدي خطاه الوديعة علي أرض الواقع اليومي تخفف عني ما أصابني من ألم، وما تصورت من عجز، إذ راحت أصداء حضور شيخنا الجليل تجيب علي ما حيرني بما هدانا الله إليه، فجاءت إجابته ـ من واقع حركتنا اليومية ـ تحقق لي فرضًا طالما شغلني، فرضا يقول:
«إن الحياة الحقيقية هي الإبداع الحقيقي: قبل وبدون أي ناتج إبداعي آخر، خارج عن ذات صاحبه».
قيل وكيف كان ذلك؟
رحت أتأمل اختراقه لكل ما أصابنا إذ أصابه، رحت أتابعه وهو يروض القدر بفعل هادئ طيب صبور، ساعة بعد ساعة، يومًا بعد يوم، جلسة بعد صحبة، حديثًا بعد نكتة، فعاينته وعايشته وهو يبني معمارًا جديدًا هو ما سميته: الإبداع حي ـ حي (استعارة من التعبير صواريخ جو ـ جو)، أعني الإبداع الذي يصل مباشرة من وعي يتخلق إلي وعي يتشكل، دون حاجة لأن يصاغ في رموز خارج ذات صاحبها. أنا لاأعني ـ فقط ـ ما يشبه العلاقة الصوفية التي تتم بين الشيخ ومريديه، ولكنني أتذكر أيضًا علاقة الطفل بأمه (وكلاهماـ الأم والطفل ـ يعاد تشكيله إذا صحت العلاقة الجدلية) كما أتذكر علاقة الرسل بحوارييهم، قبل الوحي وبعده.
حين بدا لي أن هذا الفرض الذي افترضته يمكن أن يكون صحيحًا، فرحت فرحًا غامرًا إذ تصورت أن الله سبحانه قد أفاء علينا برحمته حين ألهم شيخنا أن يواصل إبداعه فينا إذ نتشكل ـ هكذا ـ في حضوره الحي المبدع، (كان هذا قبل أن يعاود كتابة أحلام فترة النقاهة). فإذا بنا نتعرف علي مقاييس أخري للإبداع، مثل أن يخرج الواحد منا ـ من جلسته ـ غير ما دخل، أو أن يكتشف الواحد منا ـ وهو يتحدث إليه ـ غير ما قصد، أو أن يتذوق الواحد منا ـ في حضوره ـ طعم الهواء الداخل إلي صدره غير ما ألف، كل ذلك من واقع هذه المعايشة البسيطة الصادقة العميقة. لقد راح شيخنا يقرؤنا ويكتبنا ثم يعيد كتابتنا، وهو لا يكتفي بهذا، بل يسمح لنا أن نعيد قراءته واستقبالنا له.
تأكد لي من خلال هذه الخبرة أن الإبداع ليس قاصرًا علي ما يكتب أو ينشر، ولا هو قاصر علي تشكيل اللون أو تنغيم اللحن، وإنما الإبداع أساسًا هو نوع الحياة التي يحياها الشخص، فحين يكون التلقي طازجًا، والدهشة حاضرة، والتعلم مستمرًا، والأسئلة لها نفس احترام ويقين الإجابات، تصبح الحياة ـ مجرد أن يمر عليك تلو اليوم وأنت حي ـ إبداعًا في ذاتها، مجرد أن تعي كيف تشرق عليك الشمس، أن تسمع همس أنفاسك، أن تتمتع بتأمل عروق ظهر يدك، أن تعني لمن تقول له «صباح الخير» أنه «صباح الخير»، أن تسمح لحلمك أن يبقي في وعيك بعض الوقت كما هو دون إضافة أو تأويل أو تفسير، كل هذا إبداع في إبداع، تأكد لي كل ذلك أكثر فأكثر حين عايشته مع شيخنا هذا، في زمننا هذا، طوال هذه السنوات الأخيرة بما يحتاج إلي إيضاح. في بعض ما يلي من عينات ليست مفصلة بشكل كاف.
  رد مع اقتباس
قديم 10/01/2008   #4
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


= يخرج الواحد منا من مجلس نجيب محفوظ مختلفًا، يحدث هذا بدرجات متفاوتة لمعظم من يحضره، يخرج وقد تغير فيه شيء ما، شيء طيب وعميق: أحيانًًا أحسه بدرجة ما من التحديد، وأحيانا يصل إلي وعيي رغما عني فأنزعج منه أو أفرح به، وأحيانا أرجح أنه حدث ولا أدرك تفاصيله، فأنتظر تراكماته مع غيره حتي أستبين.
= من علامات نجاح هذا النوع من الإبداع الجميل أننا لا نمله، نحن لا نشعر مع شيخنا هذا بالزمن أصلا.. أراهن لو أن أحدًًا جلس مع نجيب محفوظ ونظر في الساعة مرة واحدة يستعجل الوقت (بشرط ألا يطغي علي جلسته جسم غريب لحوح لا يعرف طبيعتها).
= يتسع صدر شيخنا لأي اختلاف وكل اختلاف، ليس فقط فيما يصله، ولكن فيما بين المتحاورين بعضهم مع بعض. وإذا بنا نتحمل بعضنا بعضا أكبر مما لو تواجهنا بعيدًًا عنه. وهذا من علامات وضرورة التخلق الجديد لذواتنا في رحابه، ونحن نتعلم كيف نتحمل الغموض، نثري بالاختلاف للتوليف.
= تتعاظم التفاصيل الإنسانية البسيطة في حضور محفوظ، فتصبح لها نفس أهمية ودلالات القضايا العامة، ففي عز انهماكنا ـ مثلا ـ في تعريف المثقف، أو مناقشة اتفاقية الجات، أو مصيبة فلسطين، يسأل نجيب محفوظ عن نتيجة فحص قلب أحدنا ممن يكون قد أخطره باعتزامه استشارة طبيب، أو عن أحوال قادم من سفر بعيد، يحدث كل هذا العادي بشكل غير عادي، فيغوص في عمق وجداننا معًًا، حتي نصبح واحدًًا حوله، فنتقارب أرق وأقرب في كلية متناغمة جديدة.
يحدث كل ذلك دون أن نسميه إبداعًًا، ودون أن يبدو عليه أنه هو قائد هذه السيمفونية الإنسانية من التواصل الجميل.
أنت في جلسة نجيب محفوظ، لا تملك إلا أن تنسي أنك تجلس مع نجيب محفوظ الذائع الصيت الحاصل علي نوبل، الكذا وكيت، بل إنه هو شخصيا أكثر واحد لا يلاحظ أنه «نجيب محفوظ» بل مجرد واحد منا: يقوم لكل قادم، ويرد علي كل سائل، مهما صغر أو كان ضيفًًا يحضر لأول مرة. هذا الحضور الإنساني الرقيق ليس منفصلا عن إبداعه المسجل المعلن الناتج منه بعيدًًا عن حضوره الشخصي اليومي. وكأن هذا الإبداع العادي هو الأرضية الأصل التي يمارس محفوظ من خلالها حضوره الإيجابي المتفجر إبداعًًا روائيا بمختلف أنواعه.
بدا لي أن محفوظًًا يقرؤنا ويكتبنا بكل اللغات، وكل من عاشره أكثر من مرة لابد أن يلاحظ لغات تحاوره المتعددة سواء بالكلام أم بالصمت المفعم، أم بالإيماءة المتسامحة أم بالضحكة العريضة.
ذات مرة تساءلت ماذا لو أنه غاب عن جلساتنا هذه، لا قدر الله، ثم أدرنا نفس الحديث، وتناولنا نفس المواضيع، وتحمسنا نفس الحماس، واختلفنا نفس الاختلاف: هل يتبقي فينا ما يتبقي وهو بيننا؟ لا أظن. بل إنني تصورت أن أحدًًا منا لن يحضر أصلا في المرة التالية. لأنه سوف يفتقد ذلك «الحضور الخاص المعجز معًًا».
  رد مع اقتباس
قديم 10/01/2008   #5
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


المحور الثاني: محفوظ يستوعب التاريخ ويفرزه
كيف يكون واحد من الناس، هو نفسه تاريخ ناسه؟ وكيف يقوم هذا الواحد وهو ليس مؤرخًًا ـ بتسجيل تاريخ ناسه في إبداعه؟ يفعل هذا وذاك دون تكلف ودون افتعال، وبأسلوب يصل إلي كل واحد، وفي نفس الوقت يعجز عن فعل مثله أي واحد.
لعل نجيب محفوظ كان يصف نفسه حين أعلنها علي لسان أب يخاطب ابنه في مقدمة روايته «العائش في الحقيقة» وهو يقول: «كن كالتاريخ، يفتح أذنيه لكل قائل، ولا ينحاز لأحد ثم يسلم الحقيقة ناصعة هبة للمتأملين». التاريخ الذي يعنيه محفوظ هنا ليس هو التاريخ المكتوب في كتب التاريخ أو وثائقه، وإنما هو التاريخ الحي الماثل في وعي الإنسان وهو يعمر الأرض، وهو يتعثر، وهو ينتكس، وهو يبحث عن الحقيقة، وهو يصاب بالعمي عنها، ليقع ثم يقوم، ليعاود البحث. إن تعبير محفوظ «كن كالتاريخ».. لا يعني التشبيه، بقدر ما يحدد ما هو التاريخ، وكأنه يقول «أنت (أنا) التاريخ»، ذلك أنه أردف بعد هذه النصيحة من الأب استجابة الابن وهو يقول: «وسعدت جدا بالتوجه إلي تيار التاريخ الذي لا أعرف له بداية، ولن يتوقف عند نهاية، ويضيف كل ذي شأن إلي مجراه موجة مستمدة من حب الحقيقة الأبدية».

التاريخ الحقيقي، والتاريخ الوثائقي
لا أريد أن أدخل في مناقشة إشكالية مدي مصداقية «علم التاريخ» أكاديميا، إن مدخلي هنا يتجاوز ذلك وأنا أستمع لأصداء نجيب محفوظ وهي تتردد في وعيي، إنني أكتشف أن لوحين محفوظين يدقان لحنًًا تاريخيا رائعًًا مخترقًًا. لوح يمثل إبداعه، ولوح يتجلي في شخصه:
اللوح الأول: هو التأريخ بالإبداع، وقد رأيته أكثر دلالة وإحاطة من كتب تاريخ يكتبها مؤرخون محترفون وأكاديميون، هو أصدق أيضًًا من التسجيل الوثائقي، ومن الرص الشهاداتي. المبدع يحتوي الواقع ثم يفرزه، وهو يسجله بموضوعية فائقة لأنه يتجاوز الحكي المعلوماتي، والتصوير الساكن، والوثائق والشهادات المشبوهة. النص الأدبي ـ مثلا ـ يعري الواقع الخارجي والناس من خلال معاناة فإبداع كاتبه، ثم يأتي الإبداع النقدي بعد ذلك ليعيد قراءة النص فيصنف ويرتب الواقع البشري أعمق وأكثر دقة وإحاطة، إنه يخلق من الواقع واقعًًا أصدق، لا خيالاً بديلاً. من هذا المنطلق تعتبر إبداعات محفوظ من أهم المصادر التي يمكن أن تساعدنا للتعرف علي أنفسنا وعلي تاريخنا، وعلي امتدادنا إلي ما يمكن أن نكونه.
أما اللوح الثاني: فهو التاريخ المسجل بيولوجيا في خلايانا، هو اللوح المحفوظ المبرمج القادر المسمي «الدنا» DNA، حيث يقع في بؤرة محورية الوجود، ليتجلي في الذاكرة والوراثة والمناعة والطفرات التطورية. إن التاريخ الذي يسجل في نوايا خلايا الأحياء نوعًًا بعد نوع، حتي الإنسان جيلاً بعد جيل هو التاريخ الحقيقي، حيث لا يخضع للأهواء أو يقبل التزوير. لقد كدنا ننجح في فك رموز أبجدية اللوح البشري عامة (الجينوم)، ولنا أن نأمل في أن ننتقل لفك رموز الجماعات فالأفراد حتي يمكن أن نقرأنا دون تدخل مريب، وحتي ذلك الحين نحن لا نملك إلا أن نقرأ ما يصدر عنا، وما يصدر منا، سلوكًًا وإبداعًًا، رمزًًا ومباشرة.
إن الفرض هنا أصعب، وهو من قبيل التفاؤل كما ذكرت، أملاً في أن هذا الشيخ الرائع يمثل «ما هو نحن» أو «بما يمكن أن نكونه».
وفيما يلي عرض بعض عينات من إبداع محفوظ، ثم من تجليات حضوره الشخصي لتفسر لنا ما أعنيه بهذين اللوحين اللذين حفظهما لنا محفوظ بإبداعه وحضوره جميعًًا.
  رد مع اقتباس
قديم 10/01/2008   #6
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


اللوح الأول: التأريخ بالإبداع

أولاً:التجلي في أحداث الماضي مباشرة (قراءة في تاريخ مصر القديمة) بدأ نجيب محفوظ الكتابة المنشورة سنة 1932 بترجمة «مصر القديمة»، ثم تلاها مباشرة تقريبًًا (بعد مجموعة قصص قصيرة: همس الجنون 193 بثلاثية عبث الأقدار، رادوبيس، كفاح طيبة (1939، 1943، 1944 علي التوالي). وهو لم يعد إلي مثل هذا التناول، بعد نضج فائق، إلا ليكتب «العائش في الحقيقة» (1985) بمستوي آخر في عمق آخر (هذا، فضلاً عن لمحات عابرة في قصص قصيرة هنا وهناك). هذه الرحلة في التاريخ لا تمثل تمامًًا ما أعنيه بـ: التأريخ بالإبداع، (أو الواقع الإبداعي) علي الرغم من أنها سميت المرحلة التاريخية (محمود العالم). إن تقييم هذه المرحلة من وجهة نظر المداخلة الحالية هو أنها تعتبر إعادة بمثابة صياغة لتاريخ قديم معروف. إن هذا لا يعدو أن يكون بمثابة تحديث خيالي لقراءة في التاريخ، فهو ليس تمثلاً إبداعيا لواقع معيش. هذا المستوي هو «قراءة» أكثر منه «معايشة»، فانصهارًًا، فإعادة تشكيل، هي قراءة توصل إلينا ما هو نحن سهلاً مسلسلا، دون أن تفرض علينا حقائق جامدة نخضع لها قسرا حتي لو لم تكن هي، هذه الترجمة من وقائع تاريخية جامدة إلي إبداع سلس لا يقدر عليها إلا من ملك أداة موضوعها ليصنعها منسابة بهذه السهولة التي تمتنع علي غيره.

ثانيا: التجلي الرمزي

لم يفصل إبداع محفوظ بين تاريخنا (تاريخه) وتاريخ البشرية (بل تاريخ الحياة أحيانًًا). هو لم يقصد ذلك ابتداء، لكن انتماءه إلي الحياة، ودوام سعيه لاكتشاف الحقيقة، ألهماه أن يقرأ تاريخنا علي أرضية أوسع بامتداد أبعد. إن حضور شعب، ثم فرد علي هذه الأرض أو تلك في زمن محدد، ليس إلا تجسيدًًا لمسيرة الحياة برمتها حيث يستحيل فصل الوجود البشري، حتي في حضوره الفردي، عن ملحمة الوجود الحيوي (التطور). من هنا راح محفوظ يبحث بإلحاح لم يهمد عن «الطريق» إلي الله، و بقدر ما راح يحفر حول جذور الحياة لعله يسبر غورها في هذه المحاولة تداخل الموقف الفلسفي بالموقف الصوفي بالموقف التأريخي. هكذا اضطر محفوظ ـ ربما تحت إلحاح إبلاغ الرسالة ـ أن يبالغ في اللجوء للرمز وهو يعيد كتابة التاريخ حتي خيل إلي أن ما يميز هذا التجلي الرمزي لم يكن استيعاب الواقع إبداعًًا بقدر ما كان إظهار القدرة علي إعادة تشكيل التاريخ حالاً بلغة آنية لا أكثر. اعتبرت أنه قد غلبته إغراءات الأداة القادرة علي تطويع أي شيء حتي تاريخ البشرية حتي بدا لي مدرسا يلخص لنا درس الحياة بطريقة سهلة قريبة وهو يقوم بإعادة صياغة التاريخ كتابة موازية للرسالات الهادية دون إضافة معينة. تجلي هذا البعد الرمزي في أكثر من عمل كان أهمها، وأخطرها، «أولاد حارتنا» حيث بلغ الرمز من الوضوح ما عري المرموز له حتي رجحت كفة سلبيات المحاولة علي إيجابياتها، وترتب علي ذلك ما ترتب. لكن الرمز تخفي أكثر في أعمال أقل طموحًًا مثل «حكاية بلا بداية ولا نهاية» وهو يقدم الكتب الثلاثة التي هزت البيت الكبير والطريقة. لم يتردد محفوظ في تقديم كوبرنيكس في ثوب الشيخ أبو كبير هو يعلن «أن بيتنا ما هو إلا فرع من فروع لا حصر لها من بيوت الطريقة»، كما ألبس سيجموند فرويد ثوب الشيخ أبو العلا «ذاك الوحش الذي يتلذذ بالأعراض..» هذا كله أوصل معني «التسهيل بالتعميق»، وليس بالإيجاز أو الحذق والترجمة إلي اللغة المعاصرة، وهو أمر بالغ التعقيد إذا ما اقتربت منه، أو حاولت مثله.

ثالثًًا: التجلي الأعمق لدورات الحياة

تتكرر محاولات محفوظ لصياغة التساولات الأساسية لمسار ومصير الإنسان في توجهه نحو المطلق بدءًًا بزعبلاوي، حتي تنضج التجربة لتؤتي أكمل ثمارها حين يمتلك محفوظ ناصية الرقص مع دورات الحياة مباشرة دون حاجة إلي رمز يستعيد به أحداث التاريخ. راح محفوظ يتناغم وهو يدور مع المطلق، وهو يعري ضلال الخلود ويساويه بالموت الآسن، كما استطاع أن ينبهنا كيف أن «الوعي بالموت» هو أعظم حافز للحياة. نجح محفوظ في الحرافيش أن يرسم دورات الحياة وكأنه يلف معها في سيمفونية الإيقاع الحيوي دون حواجز، «تعالوا نأخذ عينة محدودة من الحرافيش:
=لو أن شيئًًا يدوم، فلم تتعاقب الفصول؟
(هل تصدق أن هذه فقرة كاملة في الرواية؟ فقرة رقم 45).
ثم نقرأ بعد ذلك بخمس صفحات فقط:
«الشمس تشرق، الشمس تغرب، النور يسفر الظلام يخيم».
هل يوجد ما هو أبسط من ذلك، لو أن هذه الجمل وضعت في كتاب للقراءة الرشيدة لأطفال في المرحلة الابتدائية لكانت مناسبة من فرط سهولتها، أما موقعها في سياق ملحمة الحرافيش التي بدأت دوراتها بعاشور الناجي لتنتهي بعاشور الناجي أيضًًا فهذا هو ما يمتنع علي غير محفوظ حتمًًا.
بدت لي ملحمة الحرافيش خاتمة هذه المحاولات لفرط ما اتسق تناغمها، إلا أنه عاد من جديد إلي دورات الحياة وهو يبحث بنفس أهدأ في رحلة ابن فطومة، وأيضًًا ظهرت دورات أخري مؤخرًًا في أصداء السيرة الذاتية. هذا تاريخ دوار يحضره محفوظ في «هنا والآن» ثم يحركه في دورات الحياة الحالية وكأنها تتكرر، وهي لا تتكرر بل تتجدد حيويتها.
  رد مع اقتباس
قديم 10/01/2008   #7
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


رابعًًا: التجلي المتابع المستوعب للواقع الظاهري (روايات الأجيال أساسًًا)
لا يكاد يخلو عمل من أعمال محفوظ، حتي ما غاص منه وبه في خيال شاطح (مثل رأيت فيما يري النائم وليالي ألف ليلة، وحتي أحلام فترة النقاهة) من حضور الواقع الظاهر كما يعيشه أي منا بلغته الآنية وحضوره البسيط العميق الرائع. يتجلي ذلك بوجه خاص في روايات «الأجيال» خاصة بدءًًا من الثلاثية، وليس انتهاء بحديث الصباح والمساء (الذي شرح فيه تطور الطبقة الوسطي المصرية بشكل خاص خلال قرنين من الزمان، منذ نزول نابليون علي شاطئ الإسكندرية 1798 حتي أحداث سبتمبر السادات 1981)، ثم «يوم قتل الزعيم» و«باقي من الزمن ساعة».

خامسًًا: التجلي السياسي
أظهر التجلي السياسي في إبداع محفوظ مدي سعة المسافة بين موقف نجيب محفوظ المتحفظ (لا المحافظ) وهو يدلي بآرائه السياسية في الحياة اليومية، وبين نجيب محفوظ السياسي والثائر المغامر حتي القتل في إبداعه الروائي. يبدو أن إبداعه هذا هو بمثابة التعويض الذي يعادل موقفه المحافظ في الحياة العادية، هذا الإبداع عوضه عن التزامه المتحفظ أبدًًا. نقرأ ذلك التنبيه علي ضرورة التحفظ وهو يصدر من الوالد للابن في مقدمة العائش في الحقيقة: «ولكن احذر أن تستفز السلطان، أو تشمت بساقط في النسيان». ثم إنه ألحق ذلك بقوله مباشرة «كن كالتاريخ.. إلخ. ثم إنه أكمل بعد ذلك، وكأنه يصف نفسه ثانية، ويخاطبها..«أما أنت، فتريد الحقيقة، كل علي قدر همته». بدا البعد السياسي في إبداع محفوظ مكملاً لـ (وليس بالضرورة متناقضًًا مع) الرأي السياسي في تصريحاته وأحاديثه الرسمية المنشورة (دون أحاديثه الخاصة) ومع ذلك فإنه لا يكاد يخلو له عمل واحد من التجلي السياسي الناقد الثائر المقتحم للجاري علي السطح بما في ذلك التاريخ المسجل بالوثائق والشهادات، إلا أن بعض رواياته حظيت بقدر أكبر من غيرها في الاهتمام بهذا البعد مثل: الكرنك، وثرثرة فوق النيل، ويوم قتل الزعيم، وميرامار واللص والكلاب والشحاذ. إن أي مؤرخ أكاديمي لا يضع هذه الأعمال المتميزة الروائية السلسة كمصدر من أهم مصادره، يمكن أن يفوته الكثير.
ليس معني أن محفوظًًا استطاع أن يمتلك ناصية الأحداث ليمزجها في خياله المبدع ثم يخرج بها في هذه الصورة الروائية السلسة أنه ابتعد عن الأحداث لصالح إبداعه، بل لعله أضاف إلي الأحداث حقيقة أغوارها بفضل إبداعه، أتم محفوظ هذا التأريخ ليصبح في متناول كل الناس، وفي نفس الوقت هو ممتنع عن غيره من فرط سلاسته وعمقه معًًا، هكذا.

سادسًًا: التجلي الذاتي (السيرة الذاتية)
صرح محفوظ أكثر من مرة بأنه لن يكتب سيرته الذاتية، بل إنه ذهب أبعد من ذلك حين برر تحفظه هذا بأنه لا يري في سيرته الذاتية ما يستأهل الإشارة بوجه خاص، فهي ـ حسب قوله ـ لا تختلف عن سيرة أي مواطن مصري وجد في ظروفه وهو لم يكن في ذلك مدعيا التواضع، بل لعله ـ من فرط أمانته ـ أراد أن يبلغنا أنه (نجيب محفوظ) يمكن أن يتكرر بلا أدني تقديس.. ثم إنه في نفس الوقت لم يتردد (ولا يتردد) أن يجيب كل سائل عن خصوصياته إجابة صادقة ومباشرة، وإن لم تكن كاملة طبعًًا.
علي الرغم من هذا العزوف المبدئي، فإن سيرة نجيب محفوظ تجلت في كل أعماله (عدلت عن أي أقول أغلبها) هي لم تتجل ببعدها الظاهر، وإنما بمستوياتها الكيانية المتعددة. إن نجيب محفوظ هو من المبدعين القلائل (أو النادرين) الذين لم يعيشوا هذا التناقض الصعب بين ما هم، وما يكتبونه. وفي نفس الوقت إنه لا يوجد تماثل أبدًًا بين شخصه وبين ما يكتب. إنه يحضر ـ شخصيا ـ في كل ما يكتب، وهو يحضر مبدعًًا لشخوصه المتفردة ـ غير ما هو ـ أيضًًا في كل ما يكتب. كلا الحضورين سهل ممتنع، فعلاً، لكن لكل لغته، وتشكيله ليكمل بعضه بعضا. ومع كل هذا التحفظ، فإن محفوظ قد سمح في بعض أعماله بجرعة أكثر فأكثر من سيرته الذاتية بدءًًا بالثلاثية، ثم المرايا، فحكايات حارتنا، ثم أخيرًًا أسمعنا أصداءها أكثر اختراقًًا وتكثيفًًا في «أصداء السيرة الذاتية».
  رد مع اقتباس
قديم 10/01/2008   #8
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


اللوح الثاني: نجيب محفوظ يستوعبنا.. فهل هو يمثلنا؟
إذا كان إبداع محفوظ قد غمرنا بكل هذا الثراء والإثراء لما هو تاريخ، فإن شخصه ـ بيننا ـ ليس أقل ثراء، ولا أقل إعجازًًا. في خطوط عريضة، سوف أحاول أن أكشف عن بعض ما عايشته مما هو نجيب محفوظ المواطن المصري الذي يعمل موظفًًا: يأتمر، ويأمر، ويقبض مرتبه، ويحال إلي المعاش، ويرعي أسرته، ويمشي بين الناس، ويطرح نفسه حيثما كانوا، ليجعلها في متناولهم طول الوقت دون تردد.. ثم إنه يبتعد ليشحذ وعيه مبدعًًا متخفيا بروائعه المضيئة والمحركة دون أن يتعارض هذا مع ذاك. إن حضور نجيب محفوظ هكذا يبدو مختلفًًا من حيث الموقف والموقع، لكنه أبدا ليس متناقضًًا، ولا هو متصارع مع بعضه البعض. إنني ـ من باب التفاؤل المؤلم ـ رحت أتصور أنه بحضوره اللاقط المشع معًًا، يمكن أن يمثل تاريخًًا يشير إلي إمكانياتنا الكامنة، فنشعر أننا مطالبون بإطلاقها تتحرر وتضيف، وفيما يلي بعض تجلياته في الحياة العادية ومن ذلك:

أولاً: محفوظ رب الأسرة والحرفوش (الدائرة الخاصة نسبيا):

هذا بُعدٌ لا يحق لي ـ ولا أحد ـ أن يقترب منه، فهو ما أتاح بعضه لبعض حوارييه إلا ثقة بهم، ويقينًًا من أمانتهم، ومن عجب أن يكون مثل هذا البعد هو الأهم عند كثير من النقاد والمؤرخين، ليس بالنسبة لمحفوظ فحسب، وإنما بالنسبة لأي قائد أو رائد أو مبدع، مع أنه ـ في نهاية النهاية ـ بعدًًا ليس متاحًًا أبدًًا مهما ترك من علامات، أو استنتج من شهادات الأقربين. إن ما يمكن أن أشهد به في هذه المنطقة، علي قدر ما أتيح لي، هو أنه بعد لا يتناقض ـ عمومًًا ـ مع غيره في عمق جوهره، لا بالنسبة لنجيب محفوظ مبدعًًا، ولا بالنسبة لنجيب محفوظ شخصًًا يمشي بيننا، ويسمح لخاصته أن يعرفوا أكثر فأكثر. هذا التناسق بين الشخص وإبداعه ليس حال أغلب من هم ليسوا محفوظًًا من المبدعين. إنه بُعد طيب رائع، لا يزيد الأبعاد الأخري إلا عمقًًا، وثراء، ومصداقية، ونبضًًا حيا. كيف حقق نجيب محفوظ ذلك؟ وهل كانت له مضاعفاته التي دفعها بصبر ورضا دون أن ندري؟ لست أعرف. وليس من حقي أن أتمادي أكثر.

ثانيا: محفوظ الموظف (المطيع، والمرؤوس، والرئيس المسئول والرقيب..)

كان لهذا البعد أروع الأثر في تكوين محفوظ الإنسان والمبدع معًًا، فقد أدي عدة وظائف لا يمكن تصور تمامها إلا من خلاله، لقد سمح هذا البعد لمحفوظ أن يخالط الواقع حتي يعجن بمائة يومًًا بيوم، فتعمقت علاقته بالالتزام الراتب (الروتين) الرائع، وتأكدت صلاته بالناس الحقيقيين، ثم إنه من كثرة ما أحب هذه الفرصة وأدرك مدي ضرورتها وروعة عطائها، اندفع في «حضرة المحترم» يقدسها حتي ألّهَهَا، وكأنه ضرب ما عاشه في مائة، ليبلغنا مدي قدسيته رغم اغترابه الظاهر. لا أظن أن أحدًًا وهو يتعامل مع نجيب محفوظ الموظف كان يستطيع أن يتبين منه نجيب محفوظ المبدع، فإذا علمنا أنه لم يكن قط ثم تناقضا، وأن كثيرًًا من مادة إبداعه كان مصدرها هذا العمل البسيط الجميل المنتظم المستمر، أمكننا إدراك ما نعنيه بتحقيق المعادلة الصعبة.

ثالثًًا: محفوظ السياسي

تحدد هذا البعد من قبل أن يكتب محفوظ زاوية «وجهة نظر» أسبوعيا في الأهرام، لكن حضوره السياسي مواطنًًا عاديا لا يقتصر علي ما نقرأه له في هذه الزاوية، فهو لا يتردد في إعلان موقفه السياسي الحريص ألا «يستفز السلطان» في أي مناسبة. إنني أشهد أنني لم أعرف عنه نفاقًًا في ذلك، وإنما هو يختار أي لمحة إيجابية لأي حاكم، فيأمل فيها أكثر مما تعد، وكأنه يغري الحاكم ـ بذلك ـ بالعمل علي الاستزادة في هذا الاتجاه. وهو علي الرغم من تصنيفه باعتباره من المحافظين فإنني لا أشك أنه من أول من يتقدم المعارك متي فرضت عليه (علينا). إنه فقط يرفض المعارك المؤجَّلة، والمؤجِّلة لكل ما هو إيجابي آني واجب الأداء حالاً. يكمل هذا البعد أيضًًا تلك الممارسة السياسية العادية الدؤوب، مهما بدت تحصيل حاصل، ومهما تأكد من لاجدواها، فهو يذهب إلي صناديق الانتخاب، ولا يتعالي عن الإجابة عن أي سؤال مهما كان السائل، حتي لو رجح أن هذا السائل سوف يلوي إجابته، من منا يستطع فعل ذلك بهذه البساطة التي نراها فيه؟ من منا يستطيع أن يواصل المشي في طريق يعلم يقينًًا أنه مسدود النهاية، لكنه يواصل المشي فيه؟

محفوظ المقهي (قديمًًا) والفنادق (بعد الحادث):

هذا حضور آخر، فيه من السياسة والخصوصية معًًا، ما لا يترادف مع الحضور السياسي التصريحاتي (وجهة نظر)، أو مع الخصوصية المغلقة الحميمة (الحرافيش)، لكنه أبدًًا ليس متناقضًًا مع أي بعد آخر (كيف يفعلها هكذا ذلك الرجل؟؟!!).
إنها مدرسة مفتوحة لكل من أراد دون أي استئذان أو تحفظ، ودون أوراق اعتماد أو شروط. وهو وحتي كتابة هذه السطور، مازال حاضرًًا جدًًا وسطنا طول الوقت، هي مدرسة لا أعرف لها مثيلاً، فهو يبدو بيننا ـ بكل ما امتحن به من إعاقات حسية ـ أكثرنا حضورًًا، وديمقراطية وانتباهًًا، وتقبلاً للاختلاف، وتسامحًًا، وتعلمًًا (لا تعليمًًا فقط). هو» «هكذا»، ما يمكن أن نكونه نحن؟ حين نلتقط هذا الحضور التاريخي في ذات محفوظ، باعتباره أجمل وأروع من يمثلنا (ياليت)، وحين نتابع هذه الإحاطة الدقيقة لتاريخنا في إبداعه، قد نضبط أنفسنا ونحن نتساءل كيف ذلك؟ هل هذا الرجل هو أصدق ما يمثلنا، أم أنه التحدي الملقي علينا لنكونه؟ إن مجرد تصور صحة هذا الفرض يحملنا مسئولية مؤلمة. بقدر ما يحيطنا بتفاؤل مسئول.
  رد مع اقتباس
قديم 10/01/2008   #9
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


الأستــاذ


مصطفي نصر

جاءني بعض الزملاء لكي نذهب لمقابلة نجيب محفوظ في كازينو «بترو» بالإسكندرية.. ذلك المكان الذي كان يجلس فيه ـ صيفا ـ مع توفيق الحكيم وثروت أباظة والعديد من كتاب مصر المعروفين، لكنني رفضت الذهاب إليه لأنني لا أستطيع أن أقدم نفسي لأحد علي أني كاتب قصة دون أن يكون قد قرأ لي من قبل.. ودعتني الظروف بعد عدة سنوات إلي مقابلته في حديقة فندق سان استيفانو، حيث انتقل إليه بعد هدم كازينو بترو، يومها وجدته يجلس مع شاعر من أسرة غنية لم أكن قد قرأت له أو حتي سمعت عنه. كان يحكي لنجيب محفوظ عن تجربته في إنتاج أحد الأفلام العربية من إخراج قريب له. واقتحمت عليهما جلستهما مما ضايق الشاب الثري فلم يرتح لوجودي. كان نجيب محفوظ ودوداً معي.. نظر إلي وتحدث معي تاركا الشاب الآخر والكلمات لم تزل فوق شفتيه.. قال نجيب محفوظ لي: ماذا تفعلون في الإسكندرية؟ كيف تنشرون أعمالكم؟
حكيت له عن تجربتنا في نشر الأعمال علي نفقتنا الخاصة. قال:
ـ الناس لا تقرأ الآن.
ـ والحل؟
مط شفتيه. قال الشاب الآخر الذي ضاق بتغير الحديث من السينما إلي الأدب:
تجربة الدكتور أنس داود في رأيي هي الحل الأمثل «وأنس داود شاعر سافر إلي بلد عربي غني ومكث به عدة سنوات وعاد ممتلئا بالنقود. وهويجالس نجيب محفوظ كثيرا في القاهرة والإسكندرية»).
قلت لنجيب محفوظ:
ـ الحل في رأيي أن يفعل الأدباء ما فعلته في أول حياتك.. لقد كتبت للسينما عندما كانت رائجة فلماذا لا نكتب للتليفزيون بجانب أعمالنا الأدبية؟
قال في هدوء شديد: لكن تجربتي مع السينما لا أعتبرها من تاريخي الأدبي.
قلت: كيف؟ لقد كتبت فيلم «درب المهابيل» وهو في رأيي من أهم إنجازات السينما المصرية حتي الآن.
تردد قليلاً، ثم قال: عندك حق.. هو فيلم يستحق أن أعتز به.
فجأة قال الشاب الثري: تمارس لعبة المصارعة؟
ضحكت قائلاً: إننا نتحدث عن السينما والأدب.. فما الذي ذكرك بالمصارعة؟
قال: جسدك يدل علي أنك مصارع.
كان نجيب محفوظ يتابع هذا في صمت. نظر في ساعته وقال للشاب الثري:
ـ ذهبت إلي محطة الرمل وسألت عن مجلة «....» (مجلة يصدرها حزب معارض تتابع الذين يتعاملون مع إسرائيل ثقافيا. وقد اتهمت نجيب محفوظ في عدهدا الأخير بأنه قابل مفكرا إسرائيليا في قهوة ريش بالقاهرة.)
  رد مع اقتباس
قديم 10/01/2008   #10
شب و شيخ الشباب sam0o0o
مسجّل
-- اخ طازة --
 
الصورة الرمزية لـ sam0o0o
sam0o0o is offline
 
نورنا ب:
Jan 2008
مشاركات:
9

افتراضي


كتاباتك واقتباساتك حلوة كتير ....
وع فكرة نجيب محفوظ من اروع الكتباب وفي قصة ازا قرأتيها اسمها اللص والكلاب برضو من اجمل القصص
وشكرا الك ع مجهوووووودك
بالتوفيق
  رد مع اقتباس
قديم 10/01/2008   #11
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


قال الشاب الثري: سيأتي الأصدقاء بعد قليل ومعهم نسخ منها.
عاد نجيب محفوظ إلي الخلف، شد ظهره إلي مسند المقعد، ونظر الشاب الثري إلي في صمت وضيق، شعرت بأنه يتمني أن أقوم وأنصرف.. إحساسي هذا جعلني أتشبث بالبقاء.. نظرت إليه متحديا. نظر هو إلي المائدة الخالية في شرود.. ونظرت أنا إلي الباب الحديدي الواسع، فقال نجيب محفوظ مجاملاً: أهلاً بك.
أراد أن يقطع الصمت الذي حط علي الجلسة منذ لحظات. وليرحب بي بصفتي أول مرة أقابله.. وأحسست بأنني في حاجة لأن أثبت لهما أنني كاتب ولست دخيلاً عليهما. فذكرت زميلي في ميدان الكتابة محمد الجمل وسعيد سالم لعلمي أنهما يشاركان نجيب محفوظ جلسته دائما.. قال الشاب: تعرفهما؟
قلت: نعم.
قال: آه.. قالها وكأنه أدرك شيئا خافيا عليه.. انتظرت أن يكمل.. لكنه اكتفي بهذه «الآه» وعاد إلي صمته. قال نجيب محفوظ.
ـ أتيتم في وقت غير مناسب.. في الماضي لم يكن هناك تليفزيون وكانت المجلات والجرائد تنشر القصائد والقصص في الصفحات الأولي.
شعرت بالأسي.. لقد قضيت عمري كله أحلم بأن أكون أديبا معروفا. ضحيت من أجل هذا بالكثير.. تخيل عندما تحس بعد ذلك أنك ضحيت من أجل لا شيء، من أجل سراب.. تذكرت قصة كتبها صديق لي، عن صانع طرابيش علمه أبوه الصنعة أيام كانت منتشرة ورائجة، ومات الأب دون أن يعلمه صنعة سواها، وفجأة ألغت الدولة الطرابيش. وأغلق أصحابها دكاكينهم.. انتهت الصنعة قبل أن يبدأ هو عمله.
كان نجيب محفوظ متأثراً بمقاطعة البلاد العربية لكتبه بعدما نشر عن تأييده لمبادرة كامب دافيد.
ثم حضرت باقي الشلة. بعضهم يعرفني أو قرأ لي من قبل.. كان الشاب الثري صامتًًا مهمومًا طوال الوقت «وعلمت أنه في الجلسات السابقة كان يضحك ويسخر ويقلد الشخصيات العامة» قال أحدهم للشاب الثري: اليوم أنت مش مبسوط!
أومأ برأسه وعاد ثانية لحزنه وشروده.
تحدثوا عن مقالات نشرت ضد الذين يتعاملون مع إسرائيل ثقافيًا: قلت:
ـ إنها المجلة الحكومية الوحيدة التي تستطيع نشر مثل هذه المقالات.
قال أحد أفراد الشلة للشاب الثري: نفس رأيك الذي قلته من قبل.
فقال في حدة: اليسار يسيطر عليها وسوف تطرد هيئة تحريرها في القريب «وتغيرت بالفعل هيئة تحرير هذه المجلة بعد أشهر قليلة.. وتولت إدارتها مجموعة أخري جعلتها مثل سائر المجلات الحكومية».
كنت أفكر في المأزق الذي وقعت فيه.. أحاديث نجيب محفوظ المقتضبة ومجاملاته التي تثير الدهشة «يحكون أن أديباً شاباً غير معروف وغير جيد أعطاه مجموعته القصصية المطبوعة بالماستر ليقرأها، فتصفحها في الجلسة ثم قال مجاملاً: جيدة.. فطلب منه الأديب الشاب أن يكتب عنها.. بحثوا عن ورقة ليكتب فيها فلم يجدوا. ففتح الشاب علبة سجائره بعد أن وضع ما فيها من سجائر في جيبه.. وكتب نجيب محفوظ كلمة قصيرة عن المجموعة، نشرها الشاب علي ظهر مجموعته القصصية الثانية!
نظر نجيب محفوظ في ساعته وقال للشاب الثري: التاسعة الآن؟
أجابه بنعم. وقف فوقفنا جميعًا، صافحنا وسار خارجًا من باب الحديقة.. ووقف الشاب الثري شاردًا، صافحني الجميع سواه، ساروا أمامي خارجين من الباب، تابعتهم حتي خرجوا ثم سرت، أحسست بالضيق وكأنني خسرت صفقة عمري.
سرت في الطريق، وجدت نفسي أمام محطة جليم.. وقفت أنتظر الأتوبيس، المحطة خالية، ليس بها سواي.. شعرت أن الوقت قد طال والأتوبيسات لا تأتي.. أردت أن أجلس كان جسدي غير قادر علي الوقوف. وشعور يغمرني بأنني ابتعدت عن بيتي مسافات شاسعة، كأنني ضللت الطريق وسرت في صحراء واسعة بعيدة.
  رد مع اقتباس
قديم 10/01/2008   #12
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


اللقاء الثاني بجوار مبني مؤسسة «الأهرام»
كنت أسير بجوار مبني مؤسسة «الأهرام» ومعي الصديق محمود قاسم. وقد تسلمت ما يخصني من رواية «الهماميل» بعد طبعها في روايات «الهلال» ورأينا نجيب محفوظ يسير وحيدًا ذاهبًا إلي الطريق العمومي لينتظر تاكسي، صافحناه، قلت لمحمود قاسم: أعطيه نسخة من الرواية؟ قال: أعطه.
تذكرت وأنا أخرج النسخة من الحقيبة، وأنا أكتب الإهداء، أن صديقاً لي أرسل إليه روايته فاعتذر له برسالة عن عدم تمكنه من قراءتها، فهو منذ أصيب بالسكر لا يقرأ إلا الأعمال التي يحتاجها في كتابة أعماله. وقلت هذا للأديب جمال الغيطاني عندما فكر في تخصيص صفحة الأدب التي يشرف عليها لي، واقترح أن يعمل لقاء بيني وبين نجيب محفوظ. قلت له هذا.. فقال الأستاذ جمال الغيطاني: بالعكس، نجيب محفوظ يقرأ معظم الأعمال التي تصدر.
المهم أعطيته نسخة من رواية «الهماميل»، وعندما قرأ اسمي قال لي: أنت مصطفي نصر؟
وكنت أعلم أن اسمي ذكر أمامه في جلساته في الإسكندرية.
ظننته لن يقرأ الرواية. وبعدها بقليل حصل علي جائزة نوبل، واهتم العالم كل به، واهتمت أجهزة الدولة به وإن حاول أن يكون عاديًا وألا يغير عاداته التي يرتاح إليها.
وفوجئت به يتحدث عن روايتي الهماميل في برنامج إذاعي اسمه «سمار الليالي». أبدي إعجابه بالرواية وبالطريقة التي كتبت بها.. واتصل بي أكثر من صديق ليخبرني بذلك.
اللقاء الثالث: حديقة سان استيفانو مرة أخري:
ذهبت إليه في سان استيفانو فإذا بالجو قد تغير عن لقائي الأول معه. عدد الزوار أكثر من المرة السابقة. أردت أن أحدثه عن روايتي الهماميل فظن أني أريد أن أهديه رواية ليقرأها.
قال: بعد نوبل.. هذا صعب.
وعندما أحس بارتباكي وعدم قدرتي علي توصيل الكلمات إلي أذنيه قال: لن يفلح هذا.
وأشار إلي صديق له قائلاً: قل له وهو ينقل إلي ما تريد.
وعندما وقفت مودعا دق علي يدي مداعبًا ومبتسمًا
  رد مع اقتباس
قديم 10/01/2008   #13
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


شهــادة من قـارئ

الأستاذ محمد سلماوي
«رئيس اتحاد الكتاب»

الكاتب والمفكر
تحية طيبة

وبعد
في ليلة الخميس الموافقف 1979/11/17 وفي ركن داخل كازينو قصر النيل بناء علي موعد محدد داخل رسالة مكتوبة بخط يد أستاذنا الأديب العالمي نجيب محفوظ «رحمه الله» موجهة لي شخصيا بعقد جلسة خاصة بيني وبينه وكان عمري لا يتجاوز واحدا وعشرين عاما وبعد حوار امتد أكثر من ساعة انضم إلينا المرحوم الدكتور لويس عوض ولكنني انصرفت في الحال عائدا إلي مدينتي السويس.. وقد دار الحوار حول ثلاثة محاور: أولاً: عن معاناتي الشخصية بسبب اعتقالي في انتفاضة يناير 1977 حيث كنت وقتها طالبا في كلية الحقوق ـ جامعة المنصورة وكانت منذ سنتين وقت هذه المقابلة. ثانيا: أوضاع الوطن وأحوال المواطن المصري علي كافة المستويات الحياتية. ثالثا: عن الثقافة بوجه عام والإشادة منه بثقافتي في هذه السن الصغيرة وإلمامي بهذا الكم من المعلومات في المجال السياسي والاقتصادي في الشأن الداخلي والدولي وتمكني من الكتابة في هذين المجالين لحد الاحتراف، وقد قال لي حرفيا اكتب وأنا سأتولي النشر فقلت له ـ متجاوزا بعض الشيء ـ لا أملك ثمن قلم فضحك وأخرج من جيب بدلته السفاري قلم ماركة شيفر وأعطاني إياه وناولني مبلغ عشرين جنيها وقال هذا ثمن الورق. فإنني ألتمس لسيادتكم العذر لو اندهشت لماذا أكتب إليك؟، وفي هذا الوقت بالذات أقسم لكم بشرفي وأنا أعلم جيدا مدي الثقة والرابطة القوية التي كانت تجمعك بالأديب العالمي بل وصلت لحد المتحدث الرسمي عن كل أقواله وأفعاله حتي آخر يوم والمسئول أدبيا وفعليا عن كافة توصياته لتنفيذها، لذا رأيت أن أبعث لكم بهذه الشهادة وبالرسالة التي كتبها أديبنا الكبير بخط يده.

أخوكم

حسن علي حسين الحليلي

السيد الأخ حسن تحية طيبة وبعد

فقد قرأت رسالتك وأحزنني جدا ما جاء بها ولعلك لا تعلم أنه يصلني من أسبوع لأسبوع مثيلات لها مما يقطع بما يعانيه شعبنا الشريف الذكي من متاعب. ويزيد من حزني أنني لا أجد في إمكاناتي بطبيعة الحال حلا لها، وأظنك توافقني علي ذلك فالأديب أديب وليس مؤسسة ولا من الأثرياء، جعل الله من همتك ثروة تعينك علي بلواك.
أما عن المقابلة فإني أجتمع مع أصدقاء من الأدباء مساء كل جمعة بكازينو قصر النيل ما بين 5.5إلي 7.5 فأهلاً بك في أي وقت تشاء في جلسة خاصة وشبه عامة.

ودمت للمخلص
نجيب محفوظ
1979/11/15
  رد مع اقتباس
قديم 10/01/2008   #14
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


نجيب محفوظ
وأدبه الفلسفي



الدكتور عاطف العراقي
لا شك في أن أدب نجيب محفوظ سيبقي علي مر الزمان والعصور، أدباً خالداً . وإذا كان نجيب محفوظ قد غادرنا بجسده في الثلاثين من شهر أغسطس عام 2006 إلا أن الروايات والقصص التي تركها لنا وكتبها طوال حياته، كرائد للرواية العربية المعاصرة، ستبقي شاهدة علي المكانة الكبري لهذا العملاق، الذي سيتأثر بأدبه وفكره المئات من المهتمين بالأدب عامة، والرواية بصفة خاصة طوال ما سيأتي من زمان، وإلي أن تظل الحياة علي وجه الأرض .
ومن الأخطاء التي نجدها شائعة سواء أثناء حياته أو بعد وفاته، ظن الكثيرين أن أدبه قد جاء خالياً من الرؤية الفلسفية، وبحيث يقولون بأن نجيب محفوظ والذي تخرج في قسم الفلسفة عام 1934م، قد قال للفلسفة وداعاً من بداية كتاباته الأدبية، وبحيث اختار لنفسه مجال الأدب، تاركاً دائرة الفلسفة .
هذا الرأي يعد خاطئاً تماماً، ويتضمن الكثير من المغالطات . ويعنيني أننا لو كنا وضعنا في اعتبارنا وجود جذور فلسفة واضحة في أدب نجيب محفوظ، لكنا قد أصدرنا أحكاماً صحيحة حول أدبه. ولكننا للأسف الشديد قد باعدنا بين أنفسنا والأحكام الصحيحة علي أدبه وذلك حين ذهب بعض أشباه المثقفين وأنصاف الكتاب إلي أنه لا توجد صلة بين أدبه وبين الفلسفة .
لقد التقيت بالرجل مرات عديدة أثناء حياته، وقرأت كل ما كتب، وعرفت الكثير من أنواع قراءاته منذ كان طالبًا بقسم الفلسفة، وذلك من خلال سؤالي لزملائه في التخرج.
وأود في حدود النطاق المرسوم للمقالة، أن أركز علي الأبعاد الفلسفية في بعض كتاباته الأدبية، وأنا علي يقين بأننا سنجد العديد من المواقف والخصائص الفلسفية في أكثر ماكتب نجيب محفوظ، عملاق الرواية العربية المعاصرة بل إن خطاب نجيب محفوظ في الأكاديمية السويدية قد كشف عن بعض جوانب فكره والذي لا يخلو من تأثر بالأفكار الفلسفية أنه يقول:
" أنا ابن حضارتين تزاوجنا في عصر من عصور التاريخ زواجًا موفقًا أولاها عمرها سبعة ألاف سنة وهي الحضارة الفرعونية والثانية وهي الحضارة الإسلامية... وعن الحضارة الفرعونية لن أتحدث عن الغزوات الإمبراطورية.. ولن أتحدث عن اهتدائها لأول مرة إلي الله سبحانه وتعالي وكشفها عن فجر الضمير البشري فلذلك مجال طويل فضلًا عن أنه لا يوجد بينكم من لم يلم بسيرة الملك النبي إخناتون، بل لن تتحدث عن إنجازاته في الفن والأدب ومعجزاتها الشهيرة الأهرام وأبو الهول والكرنك، دعوني أقدم الحضارة الفرعونية بما يشبه القصة طالما أن الظروف الخاصة قضت بأن أكون قصاصًا : تقول أوراق البردي إن أحد الفراعنة قد نمي إليه أن علاقة آثمة نشأت بين بعض نساء الحريم وبعض رجال الحاشية، وكان المتوقع أن يجهز علي الجميع ولا يشذ في تصرفه عن مناخ زمانه ولكنه دعا إلي حضرته نخبة من رجال القانون وطالبهم بالتحقيق فيما علمه وقال لهم أنه يريد الحقيقة ليحكم بالعدل.. ذلك السلوك في رأيي هو أعظم من بناء إمبراطوية وتشييد أهرامات وأدل علي تفوق الحضارة من أي آلهة، فقد زالت الإمبراطورية وأمست خبرًا من أخبار الماضي وسوف تتلاشي الأهرام ذات يوم ولكن الحقيقة والعدل سيبقيان ما دام للبشرية عقل يتطلع أو ضمير ينبض"
  رد مع اقتباس
قديم 10/01/2008   #15
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


هذا ما يقوله نجيب محفوظ عن الحضارة الأولي الحضارة الفرعونية، ونود أن نشير من جانبنا أن قوله هنا يكشف عن تأثره بجوانب فلسفية عديدة، أنه يسعي إلي الثابت وليس إلي المتغير أنه ينشد الحقيقة وراء الظاهر، أنه يركز علي الأفكار أكثر من إشاراته إلي الأشياء الحسية العادية، وإلا كيف نفسر حديثه عن الحقيقة والعدل، وإشاراته إلي العقل والضمير، إن هذا كله أن دلنا علي شئ فإنما يدلنا علي التزام أديبنا بخصائص الفكر الفلسفي إلي حد كبير وكم لعبت الفلسفة دورها الحيوي والنشيط في تنبيه أديبنا نجيب محفوظ إلي عوالم جديدة لم يكن بإمكانه اكتشافها ولا التوصل إليها بدون دراسته للفلسفة، إن أدبه يمثل أدب التفسير إلي حد كبير ومن هنا فإننا نجد موقفًا محددًا من خلال أعماله الأدبية وهذا الموقف يعد إلي حد كبير موقفًا فلسفيا.
يضاف إلي ذلك أن حديثه عن الحضارة الفرعونية باعتبارها إحدي حضارتين نشأ بينهما يدلنا علي تأثره بالعديد من الأفكار التي نجدها بيين ثنايا النتاج الأدبي والفكري والفني الذي تركه لنا رجال مصر القديمة، وهل كان من المصادفات أن يشير نجيب محفوظ إلي إخناتون صاحب أشهر قصيدة في التوحيد في العصور القديمة، وما تتضمنه هذه القصيدة من الدلالات الفلسفية صحيح أننا لا نجد فلاسفة في مصر القديمة ولكننا نجد العديد من الأفكار التي لا تخلو من دلالات فلسفية، ومن بينها أفكار إخناتون. وليرجع القارئ إلي روايات نجيب محفوظ وخاصة عبث الأقدار ورادوبيس وكفاح طيبة، بل إلي عشرات الروايات الأخري وسيري كيف كان نجيب محفوظ متأثرًا بالعديد من الروايات والأبعاد التي نجدها في مصر القديمة. إن هذا كله يدلنا علي تفتح عقلية نجيب محفوظ وإيمانه بدور الفلسفة والتفلسف، فالفكر الفلسفي ليس مقصورًا علي زمان دون زمان، ليس مقصورًا علي شعب دون شعب، أو مكان دون مكان، وكم نبهنا إلي ذلك كثير من الدارسين الأعلام ومن بينهم بول ماسون أورسيل في كتابه " الفلسفة في الشرق " وإذا كنا نقول بقارة الأوراسيا التي تجمع أوروبا وأسيا، فكيف إذن نجيء بعد ذلك ونقول إن شعبًا يستطيع التفلسف وإبداع المناهج الفلسفية، وشعبًا آخر ليست لديه القدرة علي الإبداع الفلسفي. إن ذكر نجيب محفوظ للفكر الشرقي في مصر القديمة يدلنا علي اعتراف من جانبه بأهمية هذا الفكر وما فيه من دلالات وأبعاد ومجالات فلسفية. ولا أشك أن دراسة نجيب محفوظ لهذا الفكر قد ساعدته - كما أشرت - علي تشكيل بعض أفكاره الفلسفية - والتي لم تظهر في الروايات التي أشرنا إليها فقط، بل ظهرت في العديد من رواياته وذلك علي النحو الذي سنشير إليه فيما بعد.
ويستمر نجيب محفوظ في بحثه عن الثابت والخالد والجوهر وراء المتغير والزائل والمعرض، فيشير إلي الحضارة الثانية التي تأثر بها، فهو يقول في خطابه : "وعن الحضارة الإسلامية فلن أحدثكم عن دعوتها إلي إقامة وحدة بشرية في رحاب الخالق تنهض علي الحرية والمساواة والتسامح... ولا عن المؤاخاة التي تحققت في حضنها بين الأديان والعناصر في تسامح لم تعرفه الإنسانية من قبل ولا من بعد، ولكنني سأقدمها في موقف دراسي مؤثر يلخص سمة من أبرز سماتها، ففي إحدي معاركها الظافرة مع الدولة البيزنطية ردت الأسري في مقابل عدد من كتب الفلسفة والطب والرياضة من التراث الإغريقي وهي شهادة قيمة للروح الإنسانية في طموحها إلي العلم والمعرفة رغم أن الطالب يعتنق دينًا سماويا والمطلوب ثمرة حضارية وثنية".
  رد مع اقتباس
قديم 10/01/2008   #16
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


وما يقوله نجيب محفوظ في تلك الحضارة، وعلي وجه التحديد عن موقف من مواقفها إنما يكشف عن العديد من الأبعاد الفلسفية، إنه يبين لنا من خلال هذا القول كيف أن الفكر الدقيق ينبغي له أن يستفيد من كل التيارات الفكرية، كما نقول اطلبوا العلم ولو بالصين.
والدعوي التي يدعونا إليها نجيب محفوظ من خلال كشفه عن أهمية التراث الإغريقي قد دعانا إليها الكندي الفيلسوف العربي في المشرق وابن رشد فيلسوف المغرب العربي بالإضافة إلي أن تركيزه علي الربط بين الفكر والعمل، ودور الفكر في تشكيل قيمة العمل، إنما يدلنا علي اعتقاده بالدور الاجتماعي للفلسفة، وهنا ما نجده عند عديد من المفكرين أمثال الفيلسوف الإنجليزي برتراند رسل والفيلسوف والأديب الفرنسي جان بول سارتر. ألم أقل لكم أيها القراء الأعزاء بأن الفكر الفلسفي كان له دوره في تشكيل بعض أراء نجيب محفوظ من خلال رواياته وبحيث يكون نجيب محفوظ صادقًا حين قال في إحدي لقاءاته بأن قراءاته للفلسفة كان لها تأثير كبير عليه، ومن قوله أيضًا بصواب بعض النقاد حين قالوا عن أدبه، إن الرؤية الفكرية تعد واضحة في أعماله، تمامًا كما تقول أن الأدب الأوروبي في القرن العشرين إنما غلب عليه الطابع الفكري.
إن ذلك يتضح تمامًا ليس في أعماله الأدبية فحسب، بل في خطابه الموجه لأعضاء الأكاديمية السويدية، لقد أشار إلي كثير من مشكلات العالم الثالث، مشكلات الدول النامية المشكلة الفلسطينية والمجاعة في أفريقيا، أنه يحدد لنا دور المثقفين كما فعل غيره من مفكرين وأدباء غلبت عليهم الاتجاهات الفلسفية وبحيث أدركوا أن الفلسفة لها وظيفتها التحليلية والنقدية والتركيبية أنه يقول في هذا المجال : " إن علي المثقفين أن ينشطوا لتطهير البشرية من التلوث الأخلاقي... اليوم يجب أن تقاس عظمة القائد المتحضر بمقدار شمول نظرته وشعوره بالمسئولية نحو البشرية جميعًا، وما العالم المتقدم والثالث إلا أسرة واحدة، يتحمل كل إنسان مسئوليته نحوها بنسبة ما حصل من علم وحكمة وحضارة.
كما يوجه نجيب محفوظ نداء إلي قادة العالم المتقدم ويدعو باستمرار إلي الربط بين النظر والعمل، الفكر والتطبيق، وذلك علي النحو الذي نجده عند أكثر الفلاسفة المعاصرين، أنه يقول: " لا تكونوا متفرجين علي مآسينا، ولكن عليكم أن تلعبوا فيها دورًا نبيلًا يناسب أقداركم أنكم من واقع تفوقكم مسئولون عن أي انحراف يصيب أي نبات أو حيوان فضلًا عن الإنسان في أي ركن من أركان المعمورة، فقد ضقنا بالكلام وآن أوان العمل، وآن الأوان لإلغاء عصر قطاع الطرق والمرابين، نحن في عصر القادة المسئولين عن الكرة الأرضية، أنقذوا المستبعدين في الجنوب الأفريقي، أنقذوا الجائعين في أفريقيا، أنقذوا الفلسطينيين من الرصاص والعذاب بل أنقذوا الإسرائيليين من تلويث تراثهم الروحي العظيم أنقذوا المديونين من قوانين الاقتصاد الجامدة.
وعلي الرغم من أن نجيب محفوظ سواء في ندائه هنا أو في العديد من رواياته التي لا تخلو من بعض الاتجاهات التشاؤمية إلا أنه من خلال الكلمات الأخيرة في خطابه إلي أعضاء الأكاديمية يؤمن بروح تفاؤلية. روح آمن بها بعض الفلاسفة والمفكرين من أمثال ابن سينا وإن كان نجيب محفوظ لا يخفي قوة الشر وسطوته رغم إيمانه بالتفاؤل. إنه يقول رغم كل ما يجري حولنا فإنني ملتزم بالتفاؤل حتي النهاية، لا أقول مع الفيلسوف كانت الخير سينتصر في العالم الآخر، فإنه يحرز نصرًا كل يوم بل لعل الشر أضعف مما نتصور بكثير وأمامنا الدليل الذي لا يدحض فلولا النصر الغالب للخير ما استطاعت شراذمة من البشر الهائمة علي وجهها عرضة للوحوش والحشرات والكوارث الطبيعية والأوبئة والخوف والنائية أقول. لولا النصر الغالب للخير ما استطاعت البشرية أن تنمو وتتكاثر وتكون الأمم وتنتشر وتبدع وتخترع وتغزو الفضاء وتعلن حقوق الإنسان، وغاية ما في الأمر أن الشر عربيد ذو صخب ومرتفع الصوت وأن الإنسان يتذكر ما يؤلمه أكثر مما يسره وقد صدق شاعرنا أبو العلاء عندما قال: إن حزنا في ساعة الموت أضعاف سرور في ساعة الميلاد
  رد مع اقتباس
قديم 10/01/2008   #17
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


ويمكننا أن نقول إن هذه النزعة التفاؤلية عند أديبنا نجيب محفوظ وترجيحها عنده علي النزعة التشاؤمية تبدو متناقضة عندنا ومع ما نجده مع بعض رواياته من نزعة لا تخلو من التشاؤم، نزعة تصور الحياة بما يسودها من عبث وضلال، ومن بين تلك الروايات ثرثرة علي النيل وميراما والشحاذ. أن تلك الروايات قد تؤدي إلي تصوير الحياة تصويرًا لا يخلو من حقيقة وواقع، فما يحصل عليه الإنسان لا يزيد عن كونه نوعًا من الهباء (الشحاذ) لا قيمة للحياة سواء في قصرها أو طولها (ثرثرة علي النيل) وأيضًا (ميرامار).
وإن كنت قد اختلفت مع الأديب نجيب محفوظ في بعض نزعاته التفاؤلية جملة وتفصيلاً قلبًا وقالبًا فإن هنا الاختلاف لا يظل من عمق نظرته وإن كنت أري أنه كان من الأجدر بأديبنا وقد تعمق في دراسة الواقع الاجتماعي أن يعتقد بأن التشاؤم هو جوهر الحياة والحزن هو أساس الوجود. إن نظرة التشاؤم تعد عندي أصدق وأعمق من نظرة التفاؤل والتي لا تخلو من سطحية وسذاجة.
والواقع أن نجيب محفوظ ركز تركيزًا كبيرًا علي دراسة الواقع والحياة الاجتماعية. لقد كان روائيا ومؤرخًا وسياسيا، لا تخلو رواياته من حس اجتماعي ومن حس نفسي واقعي إلي حد كبير. إننا نجد لديه تحولًا في مرحلة تاريخية لا تخلو من رومانسية إلي مرحلة واقعية نقدية اجتماعية، أنه يصور لنا الحياة الاجتماعية بخيرها وشرها. للزمان دلالة عند نجيب محفوظ وللمكان أيضًا دلالته الكبري وأهميته الظاهرة. وليرجع القارئ إلي الثلاثية: بين القصرين وقصر الشوق والسكرية.
بل إننا نجد حسًا نقديا متميزًا عند نجيب محفوظ ومجموعة من التساؤلات التي لا تخلو من دلالات فلسفية، وإثارة للشكوك حول بعض الأحكام التي ربما بدت عند أهل التقليد قضايا سلم بها أي يقينية، وهل يمكن أن ننسي رواية " السمان والخريف " وما فيها من إشارات إلي ما قد نجده في بعض أرجاء الكون أو العالم أو الوجود من نوع من العبث أو الصدفة والحظ والبخت، هل يمكن أن ننسي " الطريق " و" اللص والكلاب " وما فيها من بحث عن بعض القيم الكبري، كالمطلق والعدل وغيرها ؟ هل يمكن أن نقلل من لجوء نجيب محفوظ إلي التمييز بين الظاهر أو السطح من جهة والمطلق أو الحقيقي من جهة أخري (رواية الطريق ورواية حضرة المحترم).
  رد مع اقتباس
قديم 10/01/2008   #18
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


هذه الجوانب كلها معبرة عن خصائص فلسفية كثيرة، إن من خصائص الفكر الفلسفي الشك، وهنا الجانب الشكي نجده في العديد من الروايات عند نجيب محفوظ ومن بينها " أولاد حارتنا، الطريق، الشحاذ، ثرثرة علي النيل، زعبلاوي، (مجموعة دنيا الله) وكم وجدنا عند العديد من الفلاسفة، إن لم يكن عند كل الفلاسفة روحًا شكية تعبر عن خصائص الإنسان بما ينبغي أن يكون عليه الإنسان تعبر عن التمييز بين المقلد والمجدد بين العامي والمثقف ثقافة حقيقية واعية، نجد ذلك عند السوفسطائيين وسقراط وابن طفيل وابن رشد وفرنسيس بيكون وديكارت، وأكاد أقول بأنه بالإمكان الربط بين بعض أفكار نجيب محفوظ في الروايات التي أشرنا إليها بل في روايات أخري وبين ما نجده من أفكار شكية نقدية عند كثير من فلاسفة العالم شرقًا وغربًا. لقد قمت من جانبي وكما سبق أن أشرت بقراءة كل ما كتبه نجيب محفوظ منذ رواياته الأولي وحتي رواياته التي صدرت مؤخرًا وحاولت أن أتجنب كل الأحكام التي صدرت علي أدب نجيب محفوظ وخاصة تلك الأحكام الهوجاء والمتسرعة التي يطلقها أشباه الأدباء في عالمنا العربي وأنصاف المثقفين، وقد وجدت أنه آن الأوان لكي ندرس أدب نجيب محفوظ دراسة موضوعية لا تقوم علي الرفض لمجرد الرفض أو تقوم علي المبالغة دون وجود أحكام نقدية دقيقة، أو تقوم علي تأويلات فاسدة قلبًا وقالبًا لقد حاول البعض منا تصنيف أعمال نجيب محفوظ تصنيفًا مذهبيا، وأعتقد من جانبي أن هذا يعد خطئًا من أساسه جملة وتفصيلاً، إذ لا يمكن الفصل بين مرحلة ومرحلة فصلاً حاسمًا.
بل حاول نفر من الدارسين أن يؤكد وجود تحولات جذرية في أدبه وأخذ يتحدث عن مراحل فكرية في مشواره الأدبي، وهذا غير صحيح تمامًا وحاول فريق آخر بدافع المبالغة والأحكام المتسرعة الهوجاء أن يصدر العديد من الأحكام علي أدب نجيب محفوظ وكأن أدباء العالم كله شرقًا وغربًا لم يفعلوا شيئًا مثل ما فعل. كلا ثم كلا إن نجيب محفوظ بعد الجائزة تحدث عن طه حسين وتوفيق الحكيم حديثًا معبرًا عن احترام لهما وتقدير كامل لأعمالهم الأدبية والفكرية.
وكما نجد جانب الشك والنقد في بعض روايات نجيب محفوظ وما فيها من دلالات فلسفية فإننا نجد أبعاد الشخصيات الموجودة في قصصه ورواياته تدلنا علي ذلك تمامًا وخاصة أننا نجد قدرًا كبيرًا من تنوع الشخصيات عنده ومحاولة للكشف عن أعمق أعماق المجتمع المصري ( زقاق المدق والثلاثية) وأيضًا نجد ذلك في أولاد حارتنا والحرافيش، يقول نجيب محفوظ : " إن الثلاثية وأولاد حارتنا والحرافيش أحب أعمالي إلي نفسي "، فهل هذا القول من جانب نجيب محفوظ يدل علي اعتزازه بالدور الاجتماعي للأدب وأيضًا بمحاولة الأديب الكشف عن أبعاد نفسية لا تخلو من دلالات دينية ؟ إن ذلك قد يكون صحيحًا إلي حد كبير، وإذا كان نجيب محفوظ قد ذكر أولاد حارتنا والحرافيش ضمن ما يعتز به وبصورة تؤدي إلي الربط بينهما فإن ذلك يعد صحيحًا إلي حد كبير، وبرؤية فلسفية نقول من جانبنا إن نجيب محفوظ في هاتين الروايتين يلجأ إلي أساليب رمزية نجدها عند كثير من الأدباء والفلاسفة وذلك علي النحو الذي سبق أن أشرنا إليه في بداية دراستنا لأدب نجيب محفوظ ومن المؤسف له صدور العديد من الأحكام من جانب أشباه الدارسين علي قصة أولاد حارتنا وكم في تلك الأحكام من أخطاء لا حصر لها فقد تكون تلك القصة معبرة عن نوع من الإيمان بالدين الطبيعي علي النحو الذي نجده عند بعض الفلاسفة في إنجلترا وفرنسا. وقد تكون معبرة عن نوع من القلق والبحث بالتالي عن نوع من اليقين، الذي يعتمد علي رؤية إنسانية أساسًا، إنها قصة تحاول التغلغل إلي محور الوجود، محور الإنسانية، ومن الأخطاء فصلها عن قصص أخري عديدة للكاتب وبحيث تكون معزولة عن روايات أخري كثيرة ( الطريق، ثرثرة فوق النيل، حكاية بلا بداية ولا نهاية).
وإذا كان الفيلسوف يهتم كثيرًا بالأبعاد السياسية من حيث علاقتها بالمجالات والميادين الاجتماعية، فإنه يمكن القول بأننا نجد العديد من الأبعاد السياسية في روايات نجيب محفوظ أنه يميل إلي حزب الوفد إلي حد كبير وإن كان ذلك يبدو واضحًا في المراحل الأولي أساسًا، لا نجد لديه تعاطفًا مع أحزاب أو فئات تحاول صبغ الدين بالسياسة وحسنًا فعل ذلك نجيب محفوظ. إن الأبعاد السياسية يمكن التعرف عليها من خلال عديد من الروايات كتبها نجيب محفوظ في مراحل كثيرة، ولا تخلو هذه الأبعاد من تعبير عن خصائص الفكر الفلسفي، وهل يمكن التقليل من الأعمال السياسية عند فلاسفة كبار من أمثال أفلاطون وأرسطو والفارابي وأخوان الصفا وتوماس هوبز وجون لوك وكانط وبرتراند رسل. الإحساس السياسي موجود في كثير من روايات وقصص نجيب محفوظ. نجد ذلك واضحًا غاية الوضوح في "القاهرة الجديدة، الثلاثية، ميراما، الكرنك، أهل القمة، الحب فوق هضبة الأهرام، يوم قتل الزعيم، السمان والخريف، ميرامار، تحت المظلة "، إننا نجد في هذه القصص وغيرها إثارة للعديد من القضايا السياسية ومن بينها الاشتراكية والرأسمالية والديمقراطية والدكتاتورية والإسلام والليبرالية. نجد حديثًا عن المثقف اليساري وعن القمع (الكرنك) نجد تحليلات سياسية في الثلاثية والسمان والخريف وإن كنا كما نختلف مع نجيب محفوظ في الكثير من النتائج التي وصل إليها والتحليلات التي قام بها. وهذا لا يقلل من مكانة نجيب محفوظ لأننا يجب أن ننظر إليه علي أساس أنه يشر وليس قديسًا، وهل يمكن رغم حصوله علي جائزة نوبل أن نضعه في مصاف تولستوي وفولتير وطاغور ؟ كلا إننا لا يمكن أن ننسي وجود بعض أعمال له تقف عند الطابع المحلي ولا تتجاوزه كثيرًا. لا يمكن أن ننسي أنه في بعض أعماله يغوص في الواقع الاجتماعي وبحيث لا يخرج منه إلي الرؤية الإنسانية الكاملة والشاملة ولكن يشفع له اجتهاده الواضح يشفع له أن أدبه من نوع الأدب الراقي المستنير لا نجد رواية من رواياته تدعو إلي التعصب أو الأنانية، وكل منها يكشف عن قيم فلسفية عميقة ومشاعر إنسانية سامية.
إن أدب نجيب محفوظ لتأثره بالعديد من الأفكار الفلسفية كان أدبًا معبرًا عن الوعي بالواقع، وهل يمكن أن ننسي العديد من الشخصيات الموجودة في قصصه وقدرته الفائقة علي إدارة الحوار بينها ( كمال عبد الجواد وخديجة وعائشة وأمينة في الثلاثية، وحميدة في زقاق المدق، وزهرة في ميرامار، وزينب في الكرنك، ورنده في يوم قتل الزعيم ).. إلي آخر الشخصيات التي لا يمكن التغافل عنها من حيث عمق تصويرها وتباين ملامحها وثراء حوارها، إن هذه قدرة من جانب نجيب محفوظ من النادر أن نجدها عند أديب عربي معاصر في المشرق والمغرب
  رد مع اقتباس
إضافة موضوع جديد  إضافة رد



ضوابط المشاركة
لافيك تكتب موضوع جديد
لافيك تكتب مشاركات
لافيك تضيف مرفقات
لا فيك تعدل مشاركاتك

وسوم vB : حرك
شيفرة [IMG] : حرك
شيفرة HTML : بليد
طير و علّي


الساعة بإيدك هلق يا سيدي 16:11 (بحسب عمك غرينتش الكبير +3)


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
ما بخفيك.. في قسم لا بأس به من الحقوق محفوظة، بس كمان من شان الحق والباطل في جزء مالنا علاقة فيه ولا محفوظ ولا من يحزنون
Page generated in 0.29257 seconds with 12 queries