أخوية  

أخوية سوريا: تجمع شبابي سوري (ثقافي، فكري، اجتماعي) بإطار حراك مجتمع مدني - ينشط في دعم الحرية المدنية، التعددية الديمقراطية، والتوعية بما نسميه الحد الأدنى من المسؤولية العامة. نحو عقد اجتماعي صحي سليم، به من الأكسجن ما يكف لجميع المواطنين والقاطنين.
أخذ مكانه في 2003 و توقف قسراً نهاية 2009 - النسخة الحالية هنا هي ارشيفية للتصفح فقط
ردني  لورا   أخوية > فن > المكتبة > قرأت لك

إضافة موضوع جديد  إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 10/01/2008   #37
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


بين التاريخ والدين..

أولاد حارتنا.. والرموز المثلية


محمد قطب

تثير الرواية التي تستقي مادتها من التاريخ عددا من التساؤلات قد تتضمن تنوعا في الرؤية وقد تتعارض لكنها لا تتصادم لدرجة الإزاحة أو الإدانة، وتلك طبيعة الأعمال الأدبية الكبري.. فما بالنا بالأعمال التي تتناول قصص الأنبياء وحركتهم التاريخية والدينية. إن علي الأعمال الروائية التي تتخذ من تاريخ الأنبياء مادة لها تعج بالحياة والحركة، وتحتدم كالملاحم، وتبرز وجهة النظر ـ كالجدل التاريخي ـ في تطور الأجيال والأفكار، والصراع بين العدل والظلم، والحرية والاستبداد.. والإيمان والفكر المادي أن تلتزم بالقيم والرموز الكلية بما تمثله من معانٍ سامية تسعي إلي إصلاح الذات والمجتمع معا، وتكشف في النهاية عن المعني العظيم الذي يختزل تلك القصص جميعًا في عمل واحد.
والإقدام علي مثل هذا التناول الأدبي تكتنفه محاذير كثيرة لعل أخطرها تفسير الرموز تفسيرًا معاكسا لما هو حقيقي، ذلك أن الإفادة من الحقائق تختلف عن الإفادة من الفولكلور الشعبي مثلا، أو من الأساطير، وعلي هذا فلقد أصبح الجميع يخشون الاقتراب من قصص الأنبياء ـ تلك الكنوز العظيمة ـ خشية الوقوع في المحاذير وفضلوا استيحاء شخصيات من التراث أو الأساطير.
لكن الكاتب الكبير نجيب محفوظ أقدم علي خطوة جريئة واختزل هذا العالم كله في رواية واحدة هي (أولاد حارتنا).
ولقد كتب المبدع روايته بعد فترة انقطاع طويلة بدأت منذ قيام الثورة 1952 وحتي عام 1959 سبع سنوات كاملة توقف فيها عن الإبداع ثم بدأ بعد هذا الانقطاع التأملي مشروعه الروائي المتجدد، والمتجاوز.. لقد كانت فترة نشر الرواية مسلسلة في «الأهرام» فترة يتم فيها التحضير إلي التحول الاشتراكي ثم إعلانه وسيطرته علي أجهزة الإعلام والثقافة.. ونفي أو تضئيل الفكر الحر والديني معًا.
ونحن إذا نرصد زمان الإبداع نؤكد السياق التاريخي الذي ظهرت فيه الرواية كما أن الإطار المرجعي للأديب الكبير يتمثل في فكره الفلسفي وتأثره بالمذهب الطبيعي وبآراء سلامة موسي التي كانت تدعو إلي الاشتراكية ونظرية التطور وحرية المرأة.. وكذلك الإلحاح علي فكرة الحرية والعدل الاجتماعي والشوق إلي العدل والحرية يتسرب عبر الرواية في مواقفها وشخصياتها.. وجسدت الرموز الإبداعية هذا المعني الكبير.. فالرواية عمل ملحمي مصوغ علي مستوي الرمز الكلي صياغة أدبية منذ الخلق الأول وحتي عصر التنوير الحديث. وهي تتضمن رموزًا مثلية ـ إن صح التعبير ـ والتاريخ مصدر هائل للكاتب قديما وحديثا. وهو مع هذا يحمل في زخمه الثر خطورته إذا ما تلون الاستدعاء التاريخي بلون مغاير لموضوع حركة التاريخ الحقيقي والممثل في الرموز الكبري أو رضخ لتعسف فكري ما.
سئل نجيب محفوظ عن الواقعية الجديدة عام 1962 وعن إفادته التاريخية فقال: (الباعث علي الكتابة أفكار وانفعالات معينة تتجه إلي الواقع لتجعله وسيلة للتعبير عنها. فأنا أعبر عن المعاني الفكرية بمظهر واقعي تماما).

شُذَّ، شُذَّ بكل قواك عن القاعدة
لا تضع نجمتين على لفظة واحدة
وضع الهامشيّ إلى جانب الجوهريّ
لتكتمل النشوة الصاعدة
  رد مع اقتباس
قديم 10/01/2008   #38
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


ولقد خضعت الرموز المثلية في الرواية لفكر الكاتب ورؤيته ومرجعيته الفكرية، دون أن يلتزم بما ورد في الحقيقة. وتتأكد المغايرة فيتحطم المرموز الديني ويفرّغ من جوهره في إتقان حرفي باهر ـ وليس ذلك عيبا ـ وسرد روائي مؤثر، وواضح كأنما يخشي الكاتب ألا يفهم ـ يربط بين الأحداث والأشخاص ربطا محكما يوحي بوجهة النظر فتتحول الرواية إلي رواية مقنّعة، تقنّع التاريخ وتورّيه رمزا، ولفظا وسياقا، مما يعني أن القراءة للنص الروائي تصبح ذات بعدين بحيث يقارن المتلقي بين ما يقرؤه وبين ما يقابله تاريخيا وإذا كان الكاتب ـ عموما ـ يلجأ إلي التاريخ كحيلة فنية حين (لا يتمكن من قول ما يريده مباشرة خصوصا إذا كان هذا القول يمس وضعا قائما تحرص السلطة علي ألا يمس. ومن ثم ينتقل بالعمل الأدبي إلي زمان آخر أو مكان آخر..)

فلا يحق له قلب الحقائق أو تغيير الثوابت حتي لا يضحي التاريخ مدانًا، وتتحول الحركة الدينية من خلاص إلي عبءـ ويصير المضمون النهائي الذي يختزل حركة الأنبياء مجرد هباء.. و من ثم يتأكد التوجه نحو فكر مغاير يعْلي من العلم وأبحاثه ومعامله، ويعتبره الوريث الصحيح لحركة التاريخ.

وقد يتصور ـ فنيا ـ أن المجاز يستر هذ التوجه ويقنّع وجهة النظر، انطلاقًا من أن الرواية المجازية ـ كما يقول ألبير يس في كتابه تاريخ الروايةـ (تشاد في المدي القائم بين الحقيقة العامة والحقيقة الجوهرية.. بين الوجود والماهية، بين العالم المعاش وعالم الفكر المثالي.. إن الرمز الثابت والمقصود يكون صلة الوصل بين الأفكار وعالم الظواهر)

وتجدر الإشارة إلي أن عدد فصول الرواية يبلغ 114 فصلا بعدد سور القرآن الكريم مما يشعر بأن التماثل الحسابي مقصود. كما جاء في مجلة القاهرة سبتمبر 1988. ومع أن الرواية تحتوي علي رموز كثيرة ومتنوعة إلا أننا نشير ـ فقط ـ إلي الرمز الأدبي ومثاله الديني وما ورد في الرواية مما يعارض النص الديني دون أن نتعرض لبداية الخلق.

> تقول الرواية عن الجبلاوي/ «هو لغز من الألغاز ضرب المثل بطول العمر اعتزل ولم يعد أحد يراه».

وتقول أيضًا «كلما ضاق أحد بحاله، أو ناء بظلم أشار إلي البيت الكبير وقال في حسرة: هذا بيت جدنا.. جميعنا من صلبه».

وتقول عن الوقف الكبير (علينا أن نحسن استغلاله حتي يكفي الجميع ويفيض) وتشير إلي طرد إدريس (رفع الجبلاوي رأسه صوب نوافذ الحريم: طالقة ثلاثة من تسمح له بالعودة).

وتقول علي لسان إدريس (إنني عدت قاطع طريق كما كان الجبلاوي).. لقد أنشأت الرواية صفات وعلاقات باطلة بالجبلاوي، وأشارت إلي موته مما يعني أن الدلالة تعارضت بين الفن والدين.

والنص الديني ينفي ذلك انطلاقًا من أن الجبلاوي يحتوي علي رمز كلي وديني واضح.. وهو ما يؤدي الي إفراغ المرموز إليه من الكمال والجلال.

قال تعالي في سورة الأنعام: «لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار».

> وتقول الرواية عن رفاعة/ إنه ثمرة لقاء بين شافعي النجار وزوجته عبدة. يدعو رفاعة إلي تطهير النفوس عبر مداواة الروح. يتزوج من ياسمين وزهد في المتاع فلم يقربها. وتلاقت مع بيومي وخططت لقتله ثم أخرجه الجبلاوي وحمله إلي بيته الكبير.

وليس رفاعة/ الرمز.. ثمرة زواج وإنما هو نوع من ترديد ما يشيعه اليهود عنه بحيث يصبح الفكر اليهودي مرجعا في الرواية.

قال تعالي علي لسان مريم: (قالت ربي أنَّي يكون لي ولد ولم يمسسني بشر).

أما عن قاسم.. فقالت الرواية إنه ولد في أفقر الأحياء، عاش يتيما، كفله عمه زكريا بائع البطاطا، عمل بالرعي ثم تزوج من قمر الثرية. يبلغه قنديل (جبريل) باختيار الجبلاوي له لرفع الظلم ويقول قاسم: (إذا نصرني الله فإن الحارة لن تحتاج إلي شخص بعدي) ويترك الحارة مهاجرا ثم يعود ويستقبله أتباعه قائلين (يامحني ديل العصفورة) ويردد قاسم قائلا ويشير إلي البيت الكبير (هنا يعيش الجبلاوي.. أوقافه تخصكم جميعا.. علي قدم المساواة ، لن تكون هناك إتاوة تدفع إلي طاغية) ثم يوجه إليهم تعليماته (راقبوا ناظركم، فإذا خان اعزلوه).

ولقد أعجبت به الحارة لحبه للنسوان . وتصف الرواية عرس قاسم فتقول: دارت أقدام البوظة وعشرون جوزة.. وتعالي الآهات من الأفواه المخدرة.

ويسأل قاسم: هل يمكنني أن أصبح مثل رفاعة؟ فيسخر منه «العجوز» قائلاً كيف وأنت مولع بالنساء وتتصيدهن في الصحراء عندما تغيب الشمس.. ولا أدري كيف تعاطت «الرموز المثلية» كل هذا الكم من الحشيش في الرواية.،. حتي لاحوا مغيبين وهم رموز لرسالات كبري.. ربما جاء ذلك توطئة لظهور عرفة!

قال تعالي: (وإنك لعلي خلق عظيم).

>> أما عن عرفة فهو ابن جحشة العرافة وهو رمز للعلم.

يقول عن نفسه «أنا عندي ماليس عند أحد ولا الجبلاوي نفسه.. عندي السحر)

وجاء علي لسان إحدي الشخصيات (لو خيرنا بين الجبلاوي والسحر لاخترنا السحر).

ولعل أغرب ما قامت به الرواية ـ مما لا يغيب عن عقل المتأمل المدرك ـ أنها وصفت عرفة بالوعي الكامل وبالابتعاد عن المخدرات، وأنه لا يتعاطي الحشيش حتي لا يغيب وعيه وتتخدر مداركه، وحتي لا تأخذه الأوهام؛ لأن ما يقوم به وهو العلم يحتاج إلي اليقظة وحدة البصر والمشاهدة، في حين أنها وصفت أهل الحارة برموزها الدينية بأنهم يتناولون المخدرات ويشربون الجوزة ويحششون.

هل يعني هذا أن هذه الرموز قد استنفدت أغراضها؟

قال نجيب محفوظ بعد فوزه بجائزة نوبل في حوار معه عن الحرية والفن في مجلة آخر ساعة أكتوبر 1988: (لا حياة للفن إلا في ظل الحرية، وأي نظام يقوم علي قهر الرأي مهما سمت أهدافه فإنه يكون عبئًا علي الفكر والفن والأدب).

وفي ظل هذه الحرية..


  رد مع اقتباس
قديم 10/01/2008   #39
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


تظل القضية مثارة دائما.. كلما جاء عمل فني أو أدبي واخترق عن عمد ـ أحيانا ـ بعضا من الثوابت ـ أو أزاح رداء القداسة عن بعض الرموز .. أو تجاوز في التعبير قيما في الدين أو مس ـ في مواقف تخييلية بحتة ـ بعضا من الرموز الدينية المقدسة.
إن الأعمال الأدبية التي تتخذ من التاريخ مادة فنية لها، تتطلب أن تكون الحرية المتاحة للكاتب محدودة ومحكومة بسياقات التاريخ وحركة المجتمع، دون الوقوف في ولع قلب الصورة المعروفة للشخصيات الكبري ـ كالأنبياء ـ أو نقض القيمة التي تمثلها لحساب قيم أخري. وللكاتب حرية اختيار المواقف واختراع شخصيات لإبراز الفكر الذي يتغياه.
ويبقي أن اللجوء للمصادرة يأتي بهدف معاكس.. وعلي النقاد أن يوضحوا بالدرس الموضوعي والفني الخلل الفكري الذي تنبني عليه مثل هذه الأعمال الأدبية دون التعلل بقداسة أو تابوهات راسخة
  رد مع اقتباس
قديم 11/01/2008   #40
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


«ميرامار».. البنسيون والرواية

شوقي بدر يوسف

الإسكندرية أخيرا

الإسكندرية قطر الندي، نفثة السحابة البيضاء، مهبط الشعاع المغسول بماء السماء، وقلب الذكريات المبللة بالشهد والدموع.

عامر وجدي في «ميرامار»

عندما أقامت مكتبة الإسكندرية احتفالية الريشة والقلم وفاء لقمم الأدب والفن «نجيب محفوظ وصلاح طاهر» في مستهل شهر أكتوبر 2001، حضر هذه الاحتفالية عدد كبير من نقاد وأدباء العالم العربي للمشاركة في فاعلياتها الأدبية والفنية وفاء منهم لهذين العلمين الكبيرين اللذين أثريا الحياة الأدبية والفنية بأعمالهما الخالدة، حيث أقامت المكتبة هذه الاحتفالية الرائدة في مستهل الإعلان عن بدء أنشطتها الثقافية والأدبية في أول الألفية الثالثة من التقويم الميلادي، بعد الافتتاح التجريبي للمكتبة والذي تم في أبريل من نفس العام، وكان من بين من حضروا هذا التجمع الكبير لأدباء وفناني العالم العربي الناقدة اللبنانية الدكتورة يمني العيد والكاتب محمد دكروب رئيس تحرير مجلة «الطريق» البيروتية. ومعرفتي بالدكتورة يمني العيد جاءت من خلال كتاباتها النقدية المتميزة التي ظهرت في العديد من الدوريات، وأيضا من كتبها النقدية التي كثيرا ما كنت أرجع إليها للاسترشاد بها في بعض الدراسات النقدية، كما كانت معرفتي بالأستاذ محمد دكروب فقد جاءت من خلال متابعتي الدائمة لمجلة «الطريق» البيروتية الذي يرأس تحريرها، وقد تقابلت معهما أكثر من مرة أثناء فاعليات الاحتفالية.

وقد طلبت مني الدكتورة يمني العيد والأستاذ محمد دكروب زيارة بعض معالم الإسكندرية ومواقعها الأثرية المهمة للتعرف عليها عن قرب، ومشاهدة أهم ملامح تميزها، فقمنا بزيارة بعض الأماكن السياحية والشعبية المعروفة بها المدينة، مثل قلعة قايتباي، والسوق الشعبي الشهير بالمنشية والمعروف بـ «زنقة الستات»، ومنطقة كوم الدكة مسقط رأس فنان الشعب سيد درويش، كما قمنا أيضا بزيارة بعض الأماكن التي ارتبطت بإبداعات بعض كبار مبدعينا وكان أهمها البناية التي كان موجودا فيها بنسيون «ميرامار» الذي استوحي منه الكاتب الكبير نجيب محفوظ روايته الشهيرة التي تحمل نفس الاسم وكلمة «ميرامار» هي من أصل لاتيني، ولكنها حاضرة اليوم في اللغة الأسبانية، وتتركب الكلمة من الفعل «ميرا» ويعني يشاهد بإعجاب، ومن الاسم «مار» ويعني البحر، ومعني الكلمة أيضا ينسحب علي بعض المفردات مثل المسكن، والفندق الجميل، وأيضا المكان الجميل القائم علي الشاطئ، والتجارة والسياحة، والحياة السهلة، وبنسيون «ميرامار» يحتل الطابق الثاني من البناية التي تقع في مكان قريب يتوسط المنطقة بين محطة الرمل والسلسلة، وهو يواجه شاطئ البحر مباشرة، ويطل علي كورنيش الإسكندرية. وقد وصفه «عامر وجدي» أحد شخصيات الرواية باعتباره أول صوت يتحدث في الرواية ضمن الأصوات الأربعة التي تحكي الرواية بقوله: «العمارة الضخمة الشاهقة
  رد مع اقتباس
قديم 11/01/2008   #41
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


تطالعك كوجه قديم، يستقر في ذاكرتك فأنت تعرفه ولكنه ينظر إلي لا شيء في لا مبالاة فلا يعرفك، كلحت الجدران المقشرة من طول ما استكنت بها الرطوبة. وأطلت بجماع بنيانها علي اللسان المغروس في البحر الأبيض. يجلل جنباته النخيل وأشجار البلخ، ثم يمتد حتي طرف قصي حيث تفرقع في المواسم بنادق الصيد، والهواء المنعش القوي يكاد يقوض قامتي النحيلة المقوسة، ولا مقاومة جدية كالأيام الخالية».. وقد وقفت الدكتورة يمني العيد والأستاذ محمد دكروب طويلًا أمام هذه البناية الضخمة المبنية علي الطراز الإنجليزي والمعروف بفسيفسائه الحمراء التي تمثل طرز المباني الإنجليزية الكلاسيكية، وكانت تأملاتهما لهذا المكان وانبهارهما بموقعه المتميز، وتداعي خواطر الدكتورة يمني بين ما تراه وما سبق لها أن عبرت عنه في كتاباتها النقدية عن نجيب محفوظ وأعماله الروائية قد أثار شهيتي لمناقشتهما عن الرواية بأحداثها وشخوصها وكل ما يحيط بها من ظروف أدبية ومكانية وفكرية، خاصة وأني أعرف أن الدكتورة يمني العيد سبق لها أن قامت بدراسة الرواية في كتابين من كتبها النقدية صدرا في بيروت. الدراسة الأولي كانت بعنوان «تعدد المواقع في ميرامار» ونشرت في كتاب «الراوي.. الموقع والشكل» الصادر عن مؤسسة الأبحاث العربية، والدراسة الثانية كانت بعنوان «لعبة البدائل» ونشرت في كتاب «في الرواية العربية بين الخصوصية وتميز الخطاب» الصادر عن دار الآداب البيروتية. ولعل التأمل الذي مارسته د. يمني العيد وهي تقف أمام هذه البناية الضخمة التي شهدت الأيام الغابرة التي عاشها بنسيون «ميرامار» في هذه المنطقة قد أعاد إلي خواطرها في نفس الوقت ما سبق أن تناولته في كتبها النقدية عن شخصيات الرواية «زهرة، عامر وجدي، سرحان البحيري، طلبة مرزوق، حسني علام، باهي منصور، مدام مريانة صاحبة البنسيون» حين قالت «ستة أشخاص في الرواية يمثلون مجتمع البنسيون العائلي، ينتمون إلي جيلين، إلي زمنين سياسيين: زمن الملكية، وفيه الوفد وسعد زغلول، وزمن الثورة الناصرية، ومع الست شخصيات تبدو الفتاة زهرة واسطة العقد. صبية صغيرة. زهرة، هربت من القرية متمردة علي جور جدها وشقاء حياتها، وجاءت المدينة راغبة في «الحب والتعلم والنظافة والأم»، فقصدت البنسيون الذي كان يقصده والدها ليبيع لصاحبته ما يبيعه فلاح من جبن وبيض ودجاج، لكن هي جاءت لتعمل، ولم يكن أمامها سوي أن تكون خادمة، خادمة للجميع». وقد صرح نجيب محفوظ عن ظروف كتابته لهذه الرواية بقوله: رواية «ميرامار» كانت بدايتها في الإسكندرية في أثناء زيارتي لبعض الأصدقاء، وقد أعجبت بشخصية خادمة كانت تعمل لديهم وهي التي ظهرت في الرواية باسم «زهرة»، وبعد ذلك بعشر سنوات تبلورت لدي فكرة الرواية، فجلست وكتبتها».
وتبدو «ميرامار» كما قدمها نجيب محفوظ وكأنها تشكيل مكاني له سطوته الخاصة، وله خصوصيته الذاتية بما يضمه من شخصيات تمثل المجتمع المصري بفئاته المتعددة، في فترة محددة من تاريخه السياسي والاجتماعي المعروف بصراعاته الطبقية وتناحره النفعي، ومشاعره، ومواجهاته التي تعبر عن موقف كل فئة تجاه الأخري، لهذا قدم المؤلف بناء روائيا له تصميم خاص يعتمد علي طرح أربع وجهات نظر متباينة تمثل أهم أربع فئات من تكوينات المجتمع المصري، وكاشفا من خلالها عن موقف كل فئة من هذه الفئات تجاه نفسها وتجاه الوطن.. لهذا يمكننا أن نطلق علي رواية «ميرامار» أنها بمثابة رواية صوتية تستهدف تعرية المجتمع المصري، وإدانة مظاهر الفساد المستشرية في جسده بكل صوره.. وهي تعكس وجوها من الحياة، وجها مختارا بعناية، وقد صقل هذا الاختيار وتكثف من خلال الصراع الدائر في جسد المجتمع، وأصبح غنيا بالمعاني الإيحائية التي تساعد علي بلورة نفسها، وتأويل ما وراء السطور وإيضاحه تمامًا.. إننا لا نواجه في «ميرامار» قطاعًا مستويًا من الحياة العادية التي يمكن أن نجدها في روايات أخري لنجيب محفوظ مثل الثلاثية، وغيرها من الروايات، إنما نواجه قطاعًا أفقيًا تحكمه الأصوات التي تعبر عن وجهة نظرها الخاصة أولاً، ثم تنسحب بعد ذلك إلي العموميات، لذا نجد أن الإيقاع الروائي في هذه الرواية يتسم بمعدل السرعة الذي يتماشي مع معدل سرعة وإيقاعات الحياة فيها، وهو أمر ينسحب أيضًا علي الحياة داخل البنسيون، فالجميع في لهاث دائم نحو تحقيق تطلعاتهم النفعية وغير النفعية.. ونجد أيضًا أن كل شيء في «ميرامار» يلهث، ويستوعب في فترة وجيزة ما يمكن أن يستوعب في عمل واقعي، في حياة بأكملها. يدل
  رد مع اقتباس
قديم 11/01/2008   #42
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


علي ذلك أن السكينة الظاهرة عند «عامر وجدي» أو «مريانا» أو «طلبة مرزوق»، تعكس في الواقع سفرًا داخليًا حافلاً بالحركة، وسريعًا ومضنيًا، يذكيه وقود الذكريات الذي لا ينفك يقتلع الحاضر حركته بين وقت وآخر، كما يقويه أيضًا اختيار الكاتب للبنسيون كمكان مناسب تجتمع فيه طبقات المجتمع لتعبر عن الحيرة التي يعيشها الجميع. والأحداث في «ميرامار» مروية من وجهة نظر أربع شخصيات من مجموع شخصياتها. وكل شخصية تروي نفس الأحداث بضمير المتكلم، وعلي النحو الذي تراها عليه. ولا تختلف هذه الأحداث من شخصية إلي أخري إلا بمقدار ما يتاح لهذه الشخصية أو تلك من مجال رؤية غير متاح للشخصيات الأخري، وإلا بمقدار اختلاف المشاعر الخاصة أو الفهم الخاص الذي تضفيه كل شخصية بالضرورة علي مجري الأحداث.
والمكان في رواية «ميرامار» وهو البنسيون من الداخل يذخر بالحركة المستمدة من الذكريات عند بعض الشخصيات وبالواقع الملموس عند البعض الآخر، لذا نجد أن عامر وجدي يعود إلي «بنسيون ميرامار» الذي عادت الحركة تنتعش فيه والزمن يتكرر: تقتل الثورة الأولي (ثورة 1919) زوج مريانا الأول، وتجردها الثورة الثانية (ثورة 1952) من مالها وأهلها ومع ذلك فهي تتمسك بالحياة بشدة من خلال هذا العالم المتبقي لها وهو عالم البنسيون، والبنسيون عادة يمتلئ بالنزلاء، يخلو ثم يمتلئ «كان بنسيون السادة» ينعمون فيه بالراحة والرفاهية والهدوء، يتاجرون ويربحون، يأتون من الخارج ليلتقوا علي شاطئ المتوسط في الإسكندرية، في «ميرامار» عند مريانا وتحت تمثال العذراء. وها هو المسكن الجميل يستقبل اليوم وبعد خلائه، ممثلي الثورة المصرية، ومعهم من يمثل العهد السابق، جاء الجميع إليه ليس في غياب الرفاهية، ولكن طلبًا للراحة والهدوء، وبحثًا عن سبل الحصول علي المال، يلتقون أيضًا، وعلي خلاف انتماءاتهم الاجتماعية والسياسية والفكرية علي شاطئ المتوسط، في «ميرامار» عند مريانا.
لا شك أن نجيب محفوظ باختياره لبنسيون ميرامار المواجه للبحر مباشرة مكانا لروايته التي تمثل بالنسبة له نموذجًا جديدًا من الفن الروائي، كذلك هي تعبير عن رحلة إلي المجتمع الجديد بأكمله، بمختلف نماذجه القديمة الباقية والانتقالية والجديدة، ولعل هذا يفسر لنا استعانته بتنوع الشخصيات والمواقف التي أحيانًا تكون ذاخرة بالصراعات الغاضبة، ولعل تأثير المكان أيضًا علي مواقف الرواية قد صوره الكاتب علي أنه نابع من تأثير المكان ومناخ الإسكندرية، والبحر التي يقع البنسيون في مواجهته مباشرة.. لا في صفائه وإشعاعاته الذهبية الدافئة.. ولكن في غضباته الموسمية.. عندما تتراكم السحب وتنعقد جبال الغيوم.. ويكتسي لون الصباح المشرق بدكنة المغيب.. ويمتلئ رواق السماء بلحظة صمت مريب، ثم تتهادي دفقة هواء فتجوب الفراغ كنذير أو كنحنحة الخطيب.. عند ذاك يتمايل غصن أو ينحسر ذيل.. وتتابع الدفقات ثم تنقض الرياح ثملة بالجنون.. ويدوي عزيفها في الآفاق.. ويجلجل الهدير ويعلو الزبد حتي حافة الطريق.. ويجعجع الرعد حاملاً نشوات فائرة من عالم مجهول.. وتندلع شرارات البرق فتخطف الأبصار وتكهرب القلوب (ص 182)، لقد عبر منصور باهي بهذه العبارة التي جاءت علي لسانه بنفس الجو الموجود داخل البنسيون والذي يكون أحداث الرواية علي لسان أبطالها تمامًا، إنه جو يشبه إلي حد كبير جو البحر حين يكشر عن أنيابه، وتتلاطم أمواجه ويعلو الزبد وتصارع فيه الأنواء.
  رد مع اقتباس
قديم 11/01/2008   #43
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


وتسري الأحداث الرئيسية في نسيج الرواية من شخصية إلي أخري بتوهج خاص، مما يمنح الشكل الفني للنص وحدة عضوية قل أن توجد في الروايات التي تتبع نفس التكتيك الهندسي الدقيق، حيث تبدو «زهرة» وهي الشخصية التي اختارها الكاتب لتمثل بؤرة الحدث كنقطة مركزية في الرواية، فهي في حركة التكرار التي يمارسها الرواة، الشبان الثلاثة، الثلاثة يحبون «زهرة» لكن لا للزواج منها، «زهرة» نقطة في دائرة، وفضاء الدائرة تنسجه مجموعة من العلاقات التي تنهض بين هذه الصبية من جهة ونزلاء البنسيون من جهة أخري، بمن فيهم مريانا صاحبة البنسيون، وطلبة مرزوق بهوية انتمائه إلي نظام العهد القديم، وعامر وجدي نفسه. تكشف مجموعة العلاقات هذه عن هوية ما يربط كلا من الشخصيات بـ «زهرة»، وعن علاقة «زهرة» بهذه الشخصيات وموقفها منها، داخل المكان الواحد نفسه «البنسيون»، وتبدو «زهرة» رمزًا لشعب مصر في زمن الثورة، رمزًا لبدايات التحول والنمو، وللتطلع نحو الأفضل. إنها الرغبة لبناء زمنها القادم في إطار المدينة وما تعنيه من شروط عيش ومستوي حياة، لكن «زهرة» تبدو في مجموعة العلاقات هذه، ضحية للجميع، مأساتها تنهض علي حد علاقتها بشكل خاص بـ «سرحان البحيري»، فهو كما نقرأ في الرواية وعلي لسان منصور باهي «التفسير المادي للثورة» (ص 107). «زهرة» ضحية للجميع، ما عدا «عامر وجدي»، لأن الجميع يستغل «زهرة»، أو يفيد منها دون أن يفيدها. والإحساس بنهاية المجتمع الذي تمثل في «بنسيون ميرامار» لا يعني نهاية الحياة، فالحياة قادرة علي التجدد ومقاومة عوامل التحلل والتعفن والاندثار، ولكن كمية الصراعات التي جسدها نجيب محفوظ في هذا النص جعلت الشخصيات تتخيل وكأن الحياة علي وشك التوقف، لذلك كان وجود «زهرة» في البنسيون بمثابة النغمة المناقضة لكل النغمات الأخري الموجودة في حيز البنسيون وما حوله، والتي تمثلت في سلبية عامر وجدي واندثاره، وشماتة طلبه مرزوق واجتراره لأمجاد الماضي، ونقمة حسني علام ومحاولته التمشي مع الأوضاع الجديدة دون جدوي، وانتهازية سرحان البحري ونرجسيته إلي حد الاستهانة بكل الأخلاقيات، وتعلق مدام «مريانا» بتلابيب أمجاد الماضي أيام الإنجليز والاحتلال والملكية، وتطلعات محمود أبوالعباس الطبقية ونجاحه في شراء مطعم بنايوتي وإيمانه بأن المرأة مخلوق ناقص. كل هذه النغمات المناقضة لوجود «زهرة» اندثرت أو كادت بنهاية الرواية لأنها كانت تحمل في داخلها الكثير من عوامل الانهيار والتحلل. أما «زهرة» فهي الشخصية الوحيدة التي تعرف طريقها دون تردد أو حيرة، واستطاعت أن تقاوم هجمات ومحاولات كل من طلبة مرزوق وحسني علام ومحمود أبو العباس، حتي عندما مال قلبها إلي سرحان البحيري لم تسلم قيادها إليه عندما اكتشفت أن كل ما يريده منها هو اللذة الوقتية والمتعة الحسية، رغم أن «مدام مريانا الأجنبية» كانت تزين لها الاستسلام لنزوات سكان البنسيون حتي ينعموا بإقامتهم ويزداد دخلها في الوقت نفسه. ولا شك أن تجربة الحياة في البنسيون لم تضع هباء بالنسبة لزهرة، فقد استفادت الكثير من الخبرة وسعة الأفق وبعد النظر ونضوج التفكير بحيث حصلت علي أسلحة جديدة تواجه بها المستقبل، وتضاف إلي أسلحتها القديمة المتمثلة في الذكاء الفطري والإرادة القوية والثقة في النفس واحترام الذات والتمسك بأهداب العلم والمعرفة، لذلك يضع «عامر وجدي» اللمسة النهائية من الرواية: «ها هي زهرة كما رأيتها أول مرة لولا مسحة من الحزن أنضجتها الأيام الأخيرة أكثر مما أنضجتها أعوام العمر السابقة جميعًا. تناولت الفنجال من يدها وأنا أداري انقباضي بابتسامة».

ولعل المنهج الرمزي الذي اتبعه نجيب محفوظ في «ميرامار» يمتاز بالخصوبة الدرامية بمعني أن الرمز لا يفرض علي الشخصية أو الموقف بقدر ما يسهم في بلورتها وتجسيدها، فالقارئ يدرك تمامًا أن «زهرة» ترمز إلي مصر رغم أن الكاتب لم يذكر هذا صراحة أو تلميحًا، ولكن منهجية الرمز من خلال الصراعات والمواقف الدرامية تؤكد لنا هذه الدلالة.

إذ إن «زهرة» كانت السبب الكامن وراء كل هذه الصراعات الموجودة داخل البنسيون وخارجه، أو كما يقول «عامر وجدي»: كان الجميع يميلون إليها فيما اعتقد، كل علي طريقته (ص 65)، حتي إن سبب وجود زهرة نفسها داخل البنسيون كان هو طبيعتها الريفية العفوية التي كانت سببًا في طمع الجميع فيها، ومحاولة جدها أن يزوجها لرجل في سن أبيها، وفي الحوار التالي بينها وبين شقيقتها وزوجها عندما حضرا إلي البنسيون في محاولة لإرجاعها للقرية مرة أخري، دليل علي الرمز المتجسد في شخصية «زهرة»:

كان الرجل يقول:

ـ حسن أن تذهبي إلي المدام ولكن عار أن تهربي.

وقالت أختها:

- فضحتنا يازهرة في الزيادية كلها.

فقالت زهرة بغضب وحدة:

ـ أنا حرة ولا شأن لأحد بي.

ـ لو كان جدك يستطيع السفر.

ـ لا أحد لي بعد أبي.

ـ يا للعيب.. هل كفر لأنه أراد أن يزوجك من رجل مستور؟

- أراد أن يبيعني.

- الله يسامحك.. قومي معنا.

- لن أرجع ولو رجع الأموات. (ص6.
في مثل هذا الحوار تبدو شخصية زهرة القوية وإرادتها الحديدية التي رفضت الرجوع إلي مجتمع القرية العفن، وهي الإرادة الحديدية التي كانت الشرارة التي اندلعت منها كل الصراعات حتي نهاية الرواية. فمثلاً نجد منصور باهي يقول: «إن الأحداث التي تقع في البنسيون تكفي قارة بأكملها، وحدث قلبي بأن زهرة محورها كالعادة» (ص 183).
لعل هذه الإطلالة الخاصة برواية «ميرامار» والتي فجرها الموقف التي وقفته الدكتورة يمني العيد والأستاذ محمد دكروب وأنا أمام المكان والبناية التي كان موجودًا فيها بنسيون «ميرامار» كان هو الذي أعاد إلي الأذهان شخصيات الرواية والبحر والبنسيون وهذا العالم الزاخر من الصراعات والمواقف الباحثة عن القيم الحية في حياتنا الاجتماعية، وفي تقديري أن شخصية «زهرة» وهي نموذج فريد في أدب نجيب محفوظ بل إنها أول فلاحة تتحرك في رواياته تبحث عن الاستقرار والأمان علي كثرة النماذج النسائية في أدبه، إنما كانت تمثل الرمز الحي لنفس المكان المستوحاة منه الرواية وهو الإسكندرية.


  رد مع اقتباس
قديم 11/01/2008   #44
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


الأنثروبولوجي
في أدب نجيب محفوظ
عماد الدين عيسي

تمثل البيئة الشعبية القاسم المشترك الأعظم في أغلب إبداعاته الأدبية، فالبيئة الشعبية كذلك في زحام الحياة بكل ما تحتوي من معالم وأبعاد وأعماق، فالبساطة تسود المظاهر المحيطة، كما أنها تجمع السواد الأعظم الممثل لنمط الشخصية المصرية، سواء في أصالتها أو دلائل انتمائها، فهي تشمل أولاد البلد، والطبقة المتوسطة، كما يكون في قيعان الأحياء الشعبية حياة الطبقة الدنيا.

«وقد وطد نجيب محفوظ نفسه منذ البدايات علي ارتياد هذه البيئة وعايشها، ورصدها رصدًا لماحًا يستشف المعني والفكر وراء الظاهرة الحديث والشخوص» (1).

ولذلك الرصد تأثير بالغ علي إبداعاته ـ عند استرجاعها ـ سواء في الرواية أوالقصة القصيرة.. ولقد أمضي «نجيب محفوظ» مراحل حياته الأولي معايشًا لحي شعبي إلي آخر أكثر أصالة وعراقة في شعبيتها وسماتها الأخلاقية إلي العادات وأساليب....

«كذلك قد استوعب نجيب محفوظ أخلاق البيئات الشعبية، الكرم وإكبار الشيوخ وتوقيرهم والسماع عن تفوقهم ثقافة ودروسًا، والقناعة بالموجود واحتمال الأذي والطاعة لكلامهم والإسراف في الشهوات وإيثار أولادهم وزوجاتهم، وذريتهم علي أنفسهم، كما تبرز في الأحياء الشعبية العادات والتقاليد الدخيلة علي الإسلام، فتكثر الأضرحة والدراويش والموالد، وأصحاب الطرق الصوفية ومظاهر الاحتفال بالمواسم والأعياد ومجالس الظرفاء والسمر والمتأدبين وشاعر الربابة ونافخ الأرغول، إلي ظهور الجرامفون والراديو» (2).

ولذلك فإنه يمكن ـ في مناخ الحارة ـ رصد الفكر الإنساني مجسما، فإن المعاني المطلقة المجردة مثل الخير، والشر، الفضيلة، الرذيلة، الملائكة، الشياطين، يمكن تحسسها مباشرة في مواقف تستحق الجزاء، أو العقاب، الحسنات والسيئات، الشرف والخيانة، ومن ثم يمكن تقديم الأنماط بمدلولاتها التي لا يختلف عليها أهل الحارة.

التوظيف المحفوظي للحارة

بل إن نجيب محفوظ عندما يستلهم بنائية الحارة الاجتماعية والثقافية ويوظفها لأفكاره ومعتقداته فهو يطبعها في قالب أدبي تعني بالفكر وتعني بالرؤية الشمولية.. التي تجعل الحارة في مصر الحي الخلفي في مدينة عالمية.. بل عندما يغوص إلي أعماق الحارة حيث الخرائب، لا يبعد بها هذا عن الغجر في أوروبا وإفرازاتهم علي البيئة الدنيا في المدن العليا.

وإن استعراض القوة السائدة في تلك البيئات أمر لم يغفله نجيب محفوظ، فالنزال في الحارة ومعاركها في فتواتها مادة جاهزة لتلعب الشوم والنبابيت دورها في الإجهاز علي الخصوم، وهي أيضا الصورة للمعارك في الأحياء الخلفية المظلمة في المدن العليا في العالم المتقدم، وهذا ما نراه في ملحمة الحرافيش، وغيرها، كما لعبت فيه «الفتونة» هذا الدور، وكانت المقاهي مسرحا لمثل هذه المعارك والخصومات.

إنها التوظيف المحفوظي لما ذهبنا إليه، ألا وهو إبراز المعاني المطلقة في أخلاقيات الحارة.. بل المجتمعات الإنسانية ككل، ومن ثم فهو يقول «المعارك في رواياتي ضرورية لأنها تعكس الصراع بين الخير والشر وهو جوهر الحياة».
  رد مع اقتباس
قديم 11/01/2008   #45
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


وهكذا نجد أن الحارة مكان شمولي، بل عالمي في أدب نجيب محفوظ، إنها شريان الأحياء الشعبية، ولذلك فإنها في حي الحسين لعبت هذا الدور سواء في الثلاثية وغيرها.

ولذلك فإن الحارة المصرية بمعناها الشمولي لا تكون بهذا النمط إلا إذا كانت كائنا شعبيا أصيلا.. وتمثل عينه عشوائية للسلوك الإنساني بطبيعته المتسمة بالتلقائية.

ومن ثم لعبت الحارة المصرية في أدب نجيب محفوظ دورًا مؤثرا في أعماله الأدبية البارزة «حكايات حارتنا» التي صدرت عام 1975 والتي سبقها بروايته «الكرنك» عام 1974 تلعب الحارة دورًا رئيسيا في المجتمع المصري، بل أرادها نجيب محفوظ البديل الموضوعي له لأكثر من سبب... أولهما كما ذكر أنها تمثل التركيبة الشمولية البنيوية للمجتمع المصري في نواته الأصيلة.. ثانيا أنه قد عاش هذه البيئة، ولم ينفصل عنها خلال مراحل إبداعه... ومن ثم فهو قد مضي برؤيته الخاصة ليرصد مؤشرات التغيير الاجتماعي داخل هذه البيئة، خصوصا أنه يتلقف منها أنماط الشخصيات الروائية المألوفة للمتلقي مثل «عباس الجحش، الصعلوك، والمتسول، ابن عيشة».

وأن تأمليات نجيب محفوظ في البيئة الشعبية، ورصد المستجدات والمتغيرات، هو ما حقق ما عرف به نجيب محفوظ كصاحب مذهب في الإبداع الأدبي، وهو الواقعية الجديدة، والتي يبسطها مقاربا بينها وبين الواقعية التقليدية.. فيبرزها اتجاهه:

«الواقعية الجديدة الباعثة علي كتابه أفكار وانفعالات معينة تتجه إلي الواقع لتجعله وسيلة للتعبير عنها (3) ومن ثم فإن الحرية عند نجيب محفوظ هي الوسيلة والغاية تكمن فيما تتفجر عنه المعاني والأفكار التي تستغرق شتي المسائل والقضايا الثقافية بالمعني الشمولي للمصطلح: الدين والسياسة والاجتماع إلخ....

فالحارة تقدم زحفا لعلاقات أصيلة لا تنسي، وهذا ما نلمسه في روايته «قلب الليل»

«قلت وأنا أتفحصه باهتمام ومودة:

ـ إني أتذكرك جيدا.

انحني فليلا فوق مكتبي وأحد بصره الغائم، وضح لي من القرب ضعف بصره نظرته المتسولة، ومحاولته المرهقة لالتقاط المنظور. وقال بصوت خشن عالي النبرات يتجاهل قصر المسافة بين وجهينا وصغر حجم الحجرة الغارقة في الهدوء:

ـ حقا!!.. لم تعد ذاكرتي أهلاً للثقة، ثم إن بصري ضعيف.

ـ ولكن أيام خان جعفر (4) لا يمكن أن تنسي.

ـ مرحبا، إذن فأنت من أهل ذلك الحي (5)!

قدمت نفسي داعيا إياه إلي الجلوس وأنا أقول:

ـ لم نكن من جيل واحد ثمة أشياء لا تنسي فجلس وهو يقول:

ـ ولكن أعتقد أنني تغيرت تغيرًا كليا وأن الزمن وضع علي وجهي قناعًا قبيحًا من صنعه هو لا من صنع والدي!».

وما لمسناه في «حكايات حارتنا» وفي «قلب الليل» يستوقفنا أيضًا في روايته «زقاق المدق» (6)

فكما جعل نجيب محفوظ الزقاق عنوانا لروايته الشهيرة، فأيضًا جعله مكانًا تنطلق منه ـ برغم محدويته المكانية ـ السلوكيات وردود فعل الحياة عند الطبقة المتوسطة، التي تكمن في ذلك الزقاق، ففيه تناقضات المجتمع أو الصراع بين واقعين الأول تقليدي والثاني بواقعه الجديد.. وتصبح قهوة «المعلم كرشة» ساحة بما يدور فيها من حوار وعلاقات للكشف عن التغيير الذي يأتي سريعًا علي المجتمع المصري إبان الحرب العالمية الثانية، بل جعل نجيب محفوظ من الزقاق مسرحًا يجمع بين المتناقضات الاجتماعية والاقتصادية، إلي أنماط تتورط مع سائر أشكال الفساد والإفساد داخل الزقاق.

ونجد أن نجيب محفوظ لا يكاد يفلت نمطًا يتلاءم مع مناخ الزقاق، أو قل إنك لا تجد هذه النوعيات إلا في الأزقة مثل زيطة صانع العاهات للشحاذين، وفرج القواد، والمعلم كرشة.

كما تلعب الحارة دورها في إعداد الساحة التي تدور فيها رواية «بداية ونهاية»(7) وكذلك نوعية شخوصها، فإن «عطفة نصر الله» مثل «زقاق المدق» تحفل بأنماط الطبقتين الشعبية والمتوسطة وكلتاهما تحاول التوحد، خصوصا في فترة تاريخية اقتصادية طاحنة.

وإذا عدنا لملحمة الأجيال في الثلاثية سنجد أن جزءها الثالث يحمل عنوان «السكرية»، هو اسم حارة قدم من خلالها الجيل الثالث للسيد أحمد عبد الجواد، ففيها بيت خديجة.. حيث تدور أبرز الأحداث في المجتمع المصري في الفترة من عام 1935 حتي عام 1944.

وشاء نجيب محفوظ أن نري سائر التحولات الفكرية من خلال أبناء حارة السكرية، فتنمو الأفكار الجديدة وتبرز عن جيل، منه من يتبني أفكار الإخوان المسلمين، وآخر تجذبه الأفكار الشيوعية، ونوع ثالث يجعل من السياسة لعبة ليحقق مأربه.

إنه خضم الأفكار التي تتصارع في مناخ يتجه نحو التغيير والتجديد...

وأمر طبيعي أن يكون حال الشباب علي هذا الوضع، فالحرب العالمية لم تجعل لمصر دورًا تحرريا حقيقيا، حتي تبدأ مرحلة بناء المجتمع الجديد، فالانتصار للمتبوع وظلت حقوق التابع في الحرية معلقة، فما أسهل أن ينغمس الشباب في خضم صراعات الفكر.. هذا ما نرصد في حارة «السكرية».

ولعل أروع أنماط الحارة المصرية ما حفلت به ملحمته «الحرافيش» فتحتشد بنوعيات بشرية ترعرعت في حواري مصر القديمة فجاءت نماذجه الشعبية مصداقًا لهذه البيئة من خلال حكايات هذه الملحمة.

وإطلالة علي حرافيش نجيب محفوظ، خصوصًا حكاية عاشور الناجي سنجد أنها دعوة للثورة علي التسلط بدأت من الحارة أيضًا.. فلنتأمل هذا الحوار الذي يدور بين أولاد الحارة.

«وذات يوم طرح عاشور هذا السؤال علي الحرافيش:

ـ ماذا يرجع حارتنا الي عهدها السعيد؟..

(يقصد مواجهة الفتوة المتجبر شيخ الحارة حسونة السبع).

وأجاب أكثر من صوت:

ـ أن يرجع عاشور الناجي.

فتساءل باسما:

ـ هل يرجع الموتي؟

فأجاب أحدهم مقهقها:

ـ نعم.

قال بثبات:

ـ لا يحيا إلا الأحياء.

ـ نعم أحياء ولكن لا حياة لنا.

سأل:

ـ ماذا ينقصكم؟

ـ الرغيف.

ـ بل القوة.

ـ الرغيف أسهل منالا.

ـ كلا.

وسأله صوت:

ـ إنك قوي عملاق فهل تطمح إلي الفتونة؟

فقال آخر:

ـ ثم تنقلب كما انقلب وحيد جلال وسماحة.

وقال ثالث:

ـ أو تقتل كما قتل فتح الباب.

فقال عاشور:

ـ حتي ولو صرت فتوة صالحا.. فما يجدي ذلك؟....
  رد مع اقتباس
قديم 11/01/2008   #46
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


إننا نري خلال هذه البانوراما للأنماط الشعبية في حوارها الجمعي.. ليست مجرد الحارة الخاصة كما زعموا، ولكنهم كل حارة وكل حي وكل مكان من أرض مصر..

وتصلح الحارة أيضًا ـ عند نجيب محفوظ ـ ليترجم من خلالها رؤية الحاكم للشعب، وذلك من خلال سلوك «مراد عبد القوي» شيخ الحارة مع أهل الحارة ( فهم في نظره ليسوا غير مجرد أرقام ونسب إحصائية في ماكينة العمل والإنتاج، أما القلب، والعقل.. فلايقاس إليهما شيء ولنتابع هذا الحوار عندما راح عبدالقوي يحاور عبد الله كصديق:

ـ الحارة شيء وأهلها شيء آخر..

ـ ...........

ـ............

وبعد الصمت يعاود عبدالقوي:

ـ الحارة كل لا يتجزأ وليس من العسير أن أعرف ما ينقصها وما يضرها، أما أهلها فأفراد لا حق لهم وتتعدد مشكلاتهم بتعدد أهوائهم.

يقول عبدالله:

ـ ليس ثمة يقين؟

ـ بلي.

ـ مجرد احتمال؟

ـ نطقت بالصواب.

واذا كانت أمريكا اللاتينية ـ اليوم ـ تعد من دول العالم الثالث تصنيفا، وثقافيا بالمعني الاصطلاحي العام، فإنها شقيقة لكل دول العالم الثالث في تلك السمات.. ومنها إفريقيا، وبما يحمله تاريخ أمريكا اللاتينية يؤصل وجودًا للثقافة الإفريقية يعود إلي القرن السادس عشر.. ومثل ذلك جذورا وروافد في الأدب اللاتيني.

فهنا وهناك قد تأثر الأدب بعالم الفقراء وهو المعني المراد للعالم الثالث، والتفسير المباشر لمغزاه وهذه الثقافة عمومًا في جذورها العميقة لن تنفصل عن الروافد التي نجحت الحضارة الإفريقية في بثها.

في إطار الأنثروبولوجيا الثقافية والأنثروبولوجيا التطبيقية.. فالإنسان أثنولوجيا (9) ما هو إلا قوة وهذه القوة قد وعتها فنية الإبداع المحفوظي، فكانت دينامكية بالمعني الشمولي للإنسان بغض النظر عن الجزئيات والتفاصيل المحلية، وهكذا جاءت أبرز شخوص رواياته، فإن محجوب عبد الدايم نظير لنمط في ثقافات أخري، والسيد عبد الجواد نظير لنمط نلقاه في المرحلة الرعوية للمجتمعات التقليدية.

القوة الكامنة في الزمن

وهذا المفهوم أيضا يصدق علي الأشياء المادية، فهي قوة فاعلة مثل ظاهرات الحضارة المتمثلة في الموروث والمبتكر منها، كما أن المكان والزمان قوتان، وهذا المفهوم الضارب في أعماق الحضارات بدءًا من البدائي والقبلي، متغلغل بأنماط مهذبة بفعل التطور والتغيير، وهكذا نجد أن المكان والزمان (الحارة والحدث الأول شاملاً المناخ الحيوي والمكاني). والثاني هو التقلبات، فإن الزمن كقوة أيضا هو عنصر حيوي لعب به نجيب محفوظ لإبراز التغيير وعدم الثبات، هكذا حدث في «حضرة المحترم» وقد سبق عليه، عندما لفظ المجتمع عازف الربابة كما في «خان الخليلي» فقد جاء عصر الراديو.

إن الحدث يوازي الزمن، والزمن يعني وقوع الحدث إن لم يكن صيرورته...

ـ وبالنسبة المئوية لكلا الاحتمالين؟

ـ نقل 50%

ـ 50%

وهكذا يصل بنا نجيب محفوظ إلي الحقيقة البشعة، كما وصل بها إلي عبد الله، وكشف عن مأساة الشيخ مروان والأستاذ عنتر...

لذلك إذا سئل عبد الله:

ـ وهل أنت سعيد؟.

فابتسم عبد الله ابتسامه لا تخلو من حزن وقال:

ـ بنسبة لا تقل عن 50%

والحارة أيضًا مسرح لأفكار مطلقة (10)، من قصته الحوارية «التركة» يوظف الحارة لها.. فهي التي يمكن أن يكون فيها ولي الله ويعود الابن، بعد زمن باحثا عن تركة الولي الصالح، ليجعل أكداسًا من الكتب تمثل الإرث المعنوي أو الروحي، وأموالاً تشغله عن الموروث الديني، وبينما هو في غمرة الانشغال بالمادة، يقتحمه رجل يدعي أنه من الشرطة، ويدور الصراع، ويقبض عليه وفتاته ويثبتهما بالقيد، ثم ينهب الأموال والكتب أيضا.

ولذلك مدلول وظفت فيه عناصر بشرية تنسجم مع عناصر المكان ويكشف عن المدلول البعيد.. رجل الشرطة بهيأة اخري ليحول بيت ولي الله إلي مصنع إلكترونيات.

وبذلك فالسلطة قد استولت علي كل شيء: التراث الروحي، المادي، العلم... والكل مجرد حالات فردية لا وزن لها...

هوامش

1ـ مواليد عام 1912 في درب القرمز ـ حي الحسين.

2ـ يوسف السباعي فلسفة قلم وحياة ـ عمادالدين عيسي ـ هيئة الكتاب ـ 1987 .

3ـ مجلة المجلة ـ عدد يناير 1963 .

4ـ حارة متفرعة من شارع بين القصرين.

5ـ يقصد حي الحسين الذي عايشه نجيب محفوظ.

6ـ صدرت عام 1947 .

7ـ صدرت عام 1949 .

8ـ حارة العشاق. قصة قصيرة.

9ـ في إطار الثقافات الإنسانية الحالية معتمدة علي الأنثروبولوجيا.

10ـ نشرت ضمن مجموعة «تحت المظلة»
  رد مع اقتباس
قديم 11/01/2008   #47
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


التحليل الإبداعي
للنص الأدبي

نموذج تطبيقي: رواية قلب الليل
الدكتور مصري حنورة

التحليل الإبداعي للنصوص الأدبية هو منحي أو اتجاه حديث في دراسة الظاهرة الإبداعية من خلال استثمار نتائج دراسات السلوك الإبداعي في تحليل المنتجات الإبداعية باعتبار أن المنتج الإبداعي هو عينة صادقة وممثلة للكفاءة الإبداعية للأديب، خاصة إذا كان الأديب ذا قامة كقامة نجيب محفوظ.

(حنورة 998:2002)

وعالم نجيب محفوظ عالم متسع الجوانب فسيح الأرجاء، كما أن شخصيته (وما يتعلق منها علي وجه الخصوص بسلوكه الإبداعي) علي درجة من الخصوبة والثراء بما يغري ببذل الجهد للاقتراب من أوجهها ذات التأثير المباشر علي مسار العملية الإبداعية لديه، وهذا الأمر هو الذي يجعل للحديث الذي يقترب من نجيب محوفظ مبدعًا مشروعيته ووجاهته، ولكن ربما من الملائم ـ قبل الاقتراب من نجيب محفوظ مبدعا ـ أن نحدد ماذا نقصد بالإبداع علي وجه التحديد في هذا السياق.

والإبداع ليس مجرد كلمة نطلقها علي شخص أو علي منتج لنصف بها هذا الشخص أو هذا المنتج، إن الإبداع أعقد من ذلك، وأكثر تركيبا، وأشد عمقاً، وهو ـ كما أشرنا إلي ذلك في أكثر من دراسة سابقة ـ له أبعاد متعددة، وخصائص متنوعة، كما أنه يمكن أن يكون رحلة يقطعها المبدع، سواء علي مدي عمره كله، أو وهو بإزاء الإعداد والإنجاز لعمل من الأعمال الفنية أو العلمية أو غير ذلك من أعمال (سويف، 1970، حنورة، 1979، 1990، 1998، 2000، 2002، 2003).

وسوف نلاحظ أن الأبعاد التي تدخل في التأثير علي فعل الإبداع، والتي سبق أن قمنا باستعراض خصائصها في مواضع أخري، هي أبعاد معرفية ووجدانية وتشكيلية جمالية واجتماعية وثقافية (فضلاً عن الخصائص الفسيولوجية للإنسان المبدع)، ولكن ما العلاقة بين هذه الأبعاد؟ وكيف تتفاعل فيما بينها لتنتج في النهاية هذا العمل الإبداعي أو ذاك؟ هذا ما يفسره لنا مفهوم الأساس النفسي الفعال.

الأساس النفسي الفعال لدي المبدع هو محور العملية الإبداعية:

في اعتقادنا أن محور العملية الإبداعية هو المبدع نفسه، وما يتفاعل داخله من خصائص ومقومات وإمكانات، صحيح أن هذا المبدع ولد في بيئة معينة، وورث عن ذويه خصائص بعينها، وتشرب من المجتمع قيمًا ومبادئ وعادات خاصة بهذا المجتمع الذي نشأ فيه، كما أن التدريبات التي يتلقاها هي كذلك ذات ملامح اجتماعية.. إلخ، إلا أن كل ذلك ينصهر في النهاية في بوتقة هذا المبدع ويخضع ـ إلي حد كبير ـ لإرادته وممارساته، ومن ثم فإن المبدع يصير مسئولاً مسئولية مباشرة عن كل ما يصدر عنه من إنتاج، خصوصا إذا ما كان لإنتاجه وجه إبداعي.

وليس ثمة مبالغة منا في هذا القول، خصوصا إذا ما أخذنا في الحسبان أن هناك من يربط ربطا مباشرا بين الإبداع والحرية من ناحية، وبين فعل الإبداع والوعي الكامل لدي المبدع من ناحية أخري، وبإيجاز أقول: إن هناك إجماعا علي وجود علاقة وثيقة بين وعي المبدع وسلوكه الإبداعي: (Barron, 1958 عيسي 1979، حنورة 2003).

وإذا نظرنا إلي السلوك الإبداعي المتكامل، ذي الوحدة المتفاعلة غير المتجزئة، إذا نظرنا إليه نظرة ميكروسكوبية، فإننا سوف نميز فيه علي كل بعد من الأبعاد الأربعة الأساسية عدة وحدات صغري تشكل في مجموعها طبيعة هذا البعد أو ذاك.

والمحاور الأساسية في السلوك الإبداعي، بل في جميع أنواع السلوك، هي أبعاد توجد بوصفها إمكانات للفرد منذ بداية عمره، وتظل تتطور معه من طور إلي طور، ومن مرحلة إلي مرحلة، إلي أن يتقن نوعا ما من أنواع الأداء الإبداعي.. ومن نقطة هذا الإتقان يبدأ التركيز علي امتلاك مساحة من مملكة الإبداع، يسيطر عليها، ويسوس فيها رعيته، ويخاطب منها أولئك الذين يحاول استمالتهم ليكونوا ضيوفا أو رعايا أو حلفاء لهذه المملكة، وحين يحكم المبدع سيطرته علي مملكته، فإنه يكون قد مر برحلة من الكفاح والمعاناة والسقوط والارتفاع، ولكنه دائما ملك مهدد، لأن الرعايا دائما بحاجة إلي ملك جسور يرتاد بهم آفاقا جديدة، يأتيهم بالجديد والمثير، وإلا هجروه إلي ملك آخر، فيكون هذا الهجر سببا في السقوط الدرامي للمبدع الذي لا يوفق في المحافظة علي ولاء رعاياه.

نجيب محفوظ ومملكة الإبداع:

نجيب محفوظ كان جسورا، دائمًا يرتاد بنا مهجور الآفاق وأبرز مثال علي ذلك ما قادنا إليه في روايته «رحلات ابن فطومة»، وعلي الرغم من أن الآفاق التي يقودنا إليها نجيب محفوظ آفاق مهجورة، أو قل إنها آفاق جديدة، فإننا ـ لدهشتنا ـ نفاجأ حين نقتاد إليها، أنها ليست آفاقا غريبة، وأنها ليست إلا بيوتا عشنا فيها زمنا، بل يخيل إلينا أننا لم نبرحها قط، ونتعجب كيف أمكن لهذا الكاتب أن يعلم عنا ما لا نعلم، وكيف زار ربوعنا القديمة نفسها التي نسينا أننا عشنا فيها يوما. وهذا هو دافعنا إلي محاولة الاقتراب من هذه المملكة، في محاولة للكشف عن إحدي خصائص السلوك الإبداعي عند نجيب محفوظ، ألا وهي خاصية الأصالة: تلك الخاصية التي تمثل موقعًا بارزًا علي امتداد البعد المعرفي من وحدة الأساس النفسي الفعال الذي سبقت الإشارة إليه. فلنقترب معًا قليلاً من هذه الخاصية، بقدر ما تكشف عن نفسها في رواية «قلب الليل».

الأصالة وإعجاز الإيجاز في رواية قلب الليل:

لنتفق مبدئيا علي أن نجيب محفوظ مفكر قبل أن يكون فنانًا، ولكنه لا يكتب أساسًا بحثا عن قيم جمالية، أو استعراضا لأساليب بلاغية، وإن كان هذا يتم دون عمد منه، كذلك هو لا يهتم في المقام الأول بأن يقدم تطويرا لتكنيك فني، حيث إن كل ذلك خارج عن دائرة اهتمام هذا المبدع، فشاغله الأساسي هو قضايا مجتمعه وهموم الإنسان، أي أنه ـ وفقا لمنظورنا ـ يغلب عليه الجانب المعرفي ومن ثم فإن العائد الإبداعي غالبا ما يحمل مضمونا فلسفيا. وهو يحاول ـ من خلال أعماله الإبداعية ـ أن يطرح علينا قضية ويدعونا إلي أن نعيش معه رحلة البحث عن إجابة عن سؤال هذه القضية، أي أن الكاتب يعمل من خلال وسيط معرفي أقرب إلي تجريدات الرياضة وقضايا المنطق، لا تزيّد فيه ولا نقصان. وتكمن براعة الكاتب في أنه يصب هذا كله في إطار فني أخاذ، يحطم أسلحة مقاومتنا ويعبر فوق بعض القصور العقلي لدي بعضنا بحيث يغيرنا، فنجد أنفسنا وقد عشقنا العمل علي الرغم مما فيه من تفلسف وتعاطيناه علي الرغم مما لطعمه من مذاق غريب، وهنا تكمن براعة خاصية إعجاز الإيجاز التي هي جوهر خاصية الأصالة عند نجيب محفوظ.
  رد مع اقتباس
قديم 11/01/2008   #48
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


الأصالة وإعجاز الإيجاز والإبداع:
العمل الفني حين يبدأ لا يبدأ واضحًا بكل أبعاده وتفصيلاته في ذهن المبدع، فليس كل ما يخرج من قلمه يكون جاهزا في ذهنه منذ البداية، ولو أمكن العثور علي وسيلة نرصد بها مقدمات تفكير هذا المبدع كما توجد داخل عقله لوجدنا أن الصورة التي نحصل عليها ليست متطابقة تمامًا مع ما أفرزه الكاتب وتحقق علي الورق بعد ذلك في عمل فني، فمن بين فيض لا أول له ولا آخر من التهويمات والأخيلة والصور والأفكار.. إلخ، نجد أن ما تحقق في الواقع علي الورق أقل من القليل. وحين يتمكن المبدع من اختصار المقدمات المطولة، والتفصيلات الكثيرة التي يقدم بها بين يدي عمله لكي يتمكن من خلالها من الاقتراب من موضوعه، أو لاستحضار الخيط الأساسي حين يوفق إلي اختصار كل هذا الحشد الهائل من الأفكار الجزئية والتفصيلات الثرثارة، فإننا سوف نجد أنفسنا أمام كاتب مقتدر، لديه الجرأة علي تخليص عمله مما لا يخدمه، غير آسف علي اللحظات التي ضيعها في البحث والتجريب واستنبات الأفكار وطرح القضايا. وجزء كبير مما يحذفه الكاتب ـ سواء حذفه من فكره قبل أن يسجله، أو حذفه من الورق بعد أن سجله ـ كان من الممكن أن يقود خطاه إلي طريق آخر غير ما تحقق وأنجز، وهذا الجزء المحذوف إنما يتم حذفه أو استبعاده بصعوبة وأسف، والكاتب المبدع هو الذي لا يأسف طويلاً علي ما استبعد، ولا يندم بعمق علي ما حذف، لأن ما يتبقي بعد ذلك سوف يكون كالذهب الخالص من الشوائب، النقي من التزيد والحشو غير المفيد.
Amabile,1982,Bournoet.al,1979,Schaffer,1975,Sternb erg,1982Gulford,1978).
ونجيب محفوظ في أعماله المتعددة كاتب لا يحب التزيد، وهو حين يصوغ أفكاره، فإن هذه الأفكار تطل موازية تماما للقوالب اللغوية التي وضعت فيها، ومن هنا يأتي ما نطلق عليه في هذه الدراسة مصطلح إعجاز الإيجاز.
والإيجاز الذي نتحدث عنه في هذا السياق ليس مجرد اختزال أو تلخيص أو قفز فوق التفصيلات الأساسية التي تشعرنا برائحة المعاني ومذاقها وملمسها، كلا، فإن نجيب محفوظ من أكثر المبدعين حفاظًا علي هذا البعد الجوهري في الإبداع الفني اللغوي، إنه ـ كما يقرر روزنبلاتة وجوزيف كونراد (حنورة، 1981) ـ واحد من أولئك الذين يجعلونك تحس بما تقرأ فتري شخوصًا لهم رائحة وملمس.
إن الكلمات ـ عنده ـ تلامس حواف الأشياء ملامسة لا تقف عند مالا يفيد ولا تغري بالانسياق وراء أحلام اليقظة، ولا تصرف القارئ عن جوهر الموضوع المطروح، وإذا قدم شيئًا من ذلك (أعني التفصيلات والحواشي والجزئيات) فهو إنما يفعل ذلك عامدًا إلي تعميق الإحساس وليس إلي تشتيت التركيز الذهني، وهي مهمة من أصعب المهام لكاتب روائي مهمته الأساسية هي السرد وإيراد التفاصيل.
الجمع بين تعميق الإحساس والتركيز الذهني حول المعني المطروح ـ ذلك هو المفتاح الجوهري في تقديرنا للكفاءة الإبداعية عند نجيب محفوظ، وهو المفتاح الذي أطلقنا عليه اسم إعجاز الإيجاز ـ بالمصطلح السيكولوجي ـ مفتاح الأصالة التي تعني الجدة والطرافة وعدم التكرار والملاءمة لمقتضي السياق Guilford,1971:Stein,1975)) وبهذا المعني فإن مفهوم الأصالة يصبح مرادفًا في السياق الحالي ـ إجرائيًا ـ لمفهوم إعجاز الإيجاز، وسوف يكون استخدامنا لهذين المفهومين تبادليًا.
نموذج تطبيقي: رواية قلب الليل:
أصدر نجيب محفوظ هذه الرواية سنة 1975، وهي تقع في نحو 27 ألف كلمة، ومن ثم فمن الممكن أن نسميها قصة طويلة قصيرة، أو رواية قصيرة.. وعلي الرغم من قصرها فإنها تحلق بنا في آفاق شاسعة، وتغوص بنا إلي أعماق سحيقة.
وخلاصة القصة أنها ترسم بنوع من التكثيف والإحاطة شخصية شخص متمرد طيب، واحد من الملايين الذين يعيشون مأساة الاغتراب النفسي Alienation في هذا العصر، يحمل بين جنبيه قلبًا لا يكف عن التمرد، وعقلاً لا يتوقف عن المشاكسة، إنه شخصية لا تقنع بما هو قائم، وتتطلع دائمًا إلي عبور اللحظة الراهنة.
الماضي لا يهمه، وإن كان ما يحدث له هو من معطيات هذا الماضي من غير أنه يترك هذا الماضي وراء ظهره وينظر إلي الأمام، وله منطقه الخاص في التعامل مع وقائع الحياة، ذلك المنطق المرن الذي يلائم ما يرغب إسكانه فيه من تهاويم.
وعلي الرغم مما أصاب جعفر الراوي، بطل القصة، من كوارث، وما تعرض له من أهوال، فإنه كان دائمًا قافزًا فوق الأسوار، متحركًا خارج الحدود، صلبًا لا يلين أمام خوف، غير هياب أمام المخاطر، لا يوافق حبًا في الراحة أو طمعًا في الاستقرار.
تحكي القصة عن شخص وجد نفسه بلا أب ولا أم، فالأب تزوج برغم أنف أبيه من امرأة بلا حيثية، ولا أسرة لها، فطرده أبوه (جد جعفر الراوي)، وبعد مدة مات الأب (والد جعفر) ثم ماتت أيضًا أمه، وبقي جعفر بلا أم وبلا أب ولكن جده يضمه إليه، ويحاول أن يصوغه علي هواه، ويحاول الولد، الذي كان قد تشبع بجو العلم والأسطورة والتهويم، قبل أن يلحق بجده ـ يحاول أن يتكيف مع جده ومع رغباته، ولكنه حين يصل إلي مرحلة البلوغ يجد نفسه في مثل موقف أبيه، يترك جده وثراءه، وما يحيط به نفسه من طقوس، ليتزوج بنتًا بلا حيثية، تنتمي إلي جماعة هامشية متنقلة، فينجب منها طفلاً، ولكنها بعد مدة تمله فتهجره وتتركه، لكن جعفر لا يعاني كثيرًا، حيث إنه كان قد بدأ يعمل سنيدًا في جوقة للغناء، وإن كان بلا موهبة، وفي إحدي الحفلات تعجب به سيدة ثرية فتصطفيه وتتزوجه. عند ذلك يبدأ حياة جديدة، يتعلم، ويحصل علي شهادة الحقوق، ويفتتح مكتبًا للمحاماة، حيث يبدأ ينخرط أو يتورط في الاهتمامات العامة، فكرية كانت أو سياسية، ويصل به الحال إلي أن يؤلف نظرية جديدة في تعاطي الحياة لا تعجب واحدًا من أصدقائه الشباب، كان هو يكبره بعشر سنوات، كان يشعر أن زوجته معجبة به وفي إحدي نوبات الجدل يقتل جعفر الراوي صديقه، ويدخل السجن ليقضي عقوبة السجن المؤبد، ويخرج ليحكي قصته لموظف الوقف، الذي ذهب إليه يطلب مساعدته في الحصول علي نصيبه من أملاك جده التي حرمه منها، إذ أوقفها علي أعمال الخير، ويتضح آخر الأمر أنه لم يبق له من ذلك إلا الخرابة التي اتخذ منها سكنًا وملاذًا. هذه هي قصة قلب الليل.
وحين ننظر في سياق القصة وتفصيلاتها يمكن ملاحظة ما يلي:
  رد مع اقتباس
قديم 11/01/2008   #49
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


ـ أن الإطار المعرفي للقصة حافل بالأفكار الصور والذهنية التي يسوقها المؤلف علي لسان بطله، دون حاجة منه إلي الاعتذار عن تقديمها، حيث إنها تجيء مطابقة لمقتضي الحال، دون تقصير أو إسراف (بعد معرفي).
ـ العواطف والانفعالات تتخلل العمل، بداية من معرفتنا لجعفر الراوي في مكتب الأوقاف، ومرورًا به رفيقًا لأمه، تطوف به كل حي بحثا عن لقمة العيش بعد وفاة أبيه، وانتهاء بقتله صديقه، وهو في حالة توسل واندهاش (بعد وجداني).
ـ البعد الجمالي، وإن كان غير مسرف في التزين والتأنق إلا أنه الجمال الهادئ الوديع، كالموسيقي الحالمة وهو يحاول أن تكون علاقتنا بالعمل علاقة مودة وصداقة، فنجد أنفسنا وقد أقبلنا علي هذا العمل، تتحقق لنا المتعة الذهنية التي هي إحدي غايات السلوك الاستطيقي.
ـ البعد الاجتماعي في القصة واضح تمام الوضوح في النشأة المضطربة للبطل، وعلاقته بجده، وبالغجر، وبمجتمع المطربين، ومجتمع الانتلجنسيا (المثقفين)، وفي التنبيه إلي أفكار معينة، بحثًا عن حلول لما تعانيه البشرية من انهيار.
هذه هي الأبعاد التي تشكل مفهوم (الأساس النفسي الفعال)، في المنتج الإبداعي نتبناه دعوة لتفسير السلوك الإبداعي، سواء في أثناء قيام المبدع بإنتاج العمل، أو بعد أن يبدعه ويتركه لنا كي ننظر فيه، لنري ما تخلف عن هذا (الأساس النفسي الفعال) من معطيات.
وسوف نهتم في السياق الحالي بالاقتراب من نقطة واحدة علي (البعد المعرفي) هي خاصية الأصالة في التفكير الإبداعي، والأصالة التي نقصد إليها، هنا نشير إلي الجدة وعدم التكرار والملاءمة لمقتضي السياق والسلوك الأصيل، والعمل الفني الأصيل بهذا المعني هو سلوك غير مكرر، لا يقلد ولا يجاري، يقف شامخًا معلنًا عن تفرده وأصالته (نسبة إلي أنه أصل وليس تقليدا)، ومن هنا جاء مصطلح الأصالة، والأصالة أيضًا تشير إلي القدرة علي اختزال التفصيلات وإبراز الجوهر، دون إخلال بالمضمون ولا بالشكل، ومن هنا فهي مرادفة في السياق الحالي لمفهوم إعجاز الإيجاز، ومن ثم فإننا سوف نستخدم المفهومين بالتبادل، إشارة إلي الجدة والطرافة والاختزال والعمق والشمول والنفاذ إلي قلب الأشياء .
إعجاز الإيجاز والأصالة في رسم شخصية جعفر الراوي:
سنكتفي في الدراسة الحالية بالتوقف عند شخصية جعفر الراوي، وهو الشخصية المحورية في رواية قلب الليل، التي عرضنا لها بإيجاز فيما سبق، وقد شخصنا حالته بأنه شخص اغترابي السلوك بالمعني السيكولوجي للاغتراب Alienation
الملامح العامة لشخصية جعفر الراوي:
يقول جعفر الراوي (5، 6):
ـ صدقني سأكافح، لقد حملت حياة لا يقدر علي حملها الجن، فلتكن معركة لن أكف عن القتال، حتي أنال حقي الكامل من تركة جدي اللعين.
ـ ليرحمه الله جزاء ما قدم للخير.
ـ لا خير فيمن ينسي حفيده الوحيد.
ـ ولماذا نسيك؟
ومن هنا يبدأ جعفر الراوي يقص قصته:
نجيب محفوظ يقدم لنا جعفر الراوي في هذا الحيز الضيق بإيجاز معجز، مستخدمًا لغة شاعرية تعتمد علي الاستعارة والتشبيه، ولكنها غير مسرفة في التأنق الأسلوبي.
وهذا النوع من التعبير الفني تم الكشف عنه بوصفه وجهًا من وجوه الأصالة في سياق السلوك الإبداعي، بل إن هناك من الباحثين من يعتبر ـ أصالة الاستعارة وإعجاز الإيجاز ـ هما جوهر السلوك الإبداعي.
(Schaffer,1975,Sternberg,1982)
وجعفر الراوي الذي يقدم نفسه لنا في هذا الحيز الضيق، وبهذا الإيجاز المعجز، يمكن أن نلمح فيه ما يلي:
1) الإصرار والتحدي في الوقت الراهن.
2) تاريخاً حافلاً بالمقاومة والتحمل والعناد.
3) استعدادًا للشجار مستقبلاً.
4) عدم المجاراة أو الخضوع لمعايير المجتمع في احترام الأسلاف أو توقير الموتي ولنلاحظ هنا شخصية الإنسان الاغترابي Alienated
ويقول (ص9):
«لي أبناء قضاة وأبناء مجرمون.. رغم ذلك فإني وحيد.. أسمع، رد إلي الوقف وأعدك بأن تراني محاطًا بالأبناء والأحفاد، وإلا فستجدني دائمًا وحيدًا طريدًا.. إني أحب والوقف كما أحب لعنة الواقفين.. لي أصدقاء قدماء أعترض أحدهم فيمد يده بالسلام ويدس في يدي ما يجود به.. إنني أتمرغ في التراب ولكني هابط في الأصل من السماء.. هي الحياة الإنسانية الأصيلة، جربها بشجاعة إن استطعت، اقتحم الأبواب بجرأة، لا تتمسكن فكل ما تحتاجه هو حق لك، هذه الدنيا ملك للإنسان، لكل إنسان، عليك أن تتخلي عن عاداتك السخيفة، هذا كل ما هناك».
ويمكن ملاحظة الأبعاد نفسها، التي أشرنا إليها من قبل، في شخصية جعفر الراوي: التحدي والإصرار والتفرد وعدم المجاراة، والرغبة في التشاجر، وتبني فلسفة خاصة، ووجهة نظر مستقلة (وهو يصل إلي هذه الفلسفة بعد أن يمر بجزئيات متعددة، تفضي في النهاية إلي حكم كلي يريد المبدع أن يكرسه ولو علي لسان البطل)، اقتحم الأبواب بجرأة، لا تتمسكن، فكل ما تحتاجه حق لك، هذه الدنيا ملك للإنسان، لكل إنسان، عليك أن تتخلي عن عاداتك السخيفة ولنلاحظ هنا أحد أهم ملامح السلوك الاغترابي.
  رد مع اقتباس
قديم 11/01/2008   #50
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


التنشة الاجتماعية لجعفر الراوي:
حين نمضي مع المبدع متابعين شخصية جعفر الراوي سنلاحظ أنه بإيجازه المعجز يقدم إلينا شخصيته منذ البداية، وبأجلي وضوح، فلا نعثر علي كلمة زائدة، ولا نجد تعبيرًا يحتاج إلي مزيد من التفصيل أو الإضافة، وهذا هو جوهر الأصالة، ومحور إعجاز الإيجاز.
وإذا ما كانت الأصالة بالمعني السيكولوجي هي: الجدة والطرافة وعدم التكرار والملاءمة لمقتضي السياق، فإن شخصية جعفر الراوي شخصية أصيلة لا نجدها مكررة بذات الخصائص عند المبدع، إذا تتبعنا أعماله السابقة، كذلك فإن معالم هذه الشخصية وتفصيلاتها، كما وردت في سياق العمل، هي معالم وتفصيلات أصيلة وغير مكررة، وملائمة للسياق وللاتجاه الأساسي للشخصية.
ومع تقدم العمل يزيد نجيب محفوظ الشخصية أصالة وتفردًا، وها هو ذا، مثلاً، حين يتحدث عن أمه يتناولها من الجانب الثري الذي أخصب رؤاه وخبراته منذ الصغر يقول بعد أن يصف موت أبيه وبقاءه وحيدًا مع أمه بلا مورد رزق، طريدين من رحمة جده الثري ـ يقول:
ـ أحيانًا أحاول أن أتذكر صورة أمي، فلا أعثر علي شيء ذي بال، يدها فقط التي بقيت معي، أحس حتي الساعة بها وضغطها وشدها وانسيابها، وهي تمضي بي من مكان إلي مكان خلال طرقات مسقوفة ومكشوفة، وتيارات من النساء والرجال والحمير والعربات أمام الدكاكين، وفي الأضرحة والتكايا، وعند مجالس المجاذيب وقراء الغيب وباعة الحلوي واللعب، تقودني من جلبابي، وعلي رأسي طاقية مزركشة تتدلي من مقدمتها تعويذة كالحلية، وكانت أحاديثها متنوعة ذات صبغة شعرية، تختلط بها الكائنات جميعًا كلا بلغته الخاصة به، فهي تخاطب الله في سمائه، وتخاطب الأنبياء والملائكة.. حتي الجن والطير والجماد والموتي، وأخيرًا ذلك الحديث المتقطع بالتنهدات، الذي تناجي به الحظ الأسود.
الرحلة شاقة ومضنية، وعملية التنشة الاجتماعية المبكرة ترسم إلي مدي بعيد جزءًا جوهريًا من خصائص شخصية البطل، كما أنها سوف تكون بمثابة مقدمات تفضي حتمًا إلي نتائج سوف ننساق إليها مع سياق العمل في الأجزاء التالية:
ونجيب محفوظ يقدم لنا هذا الرسم السيكولوجي السوسيولوجي لمكونات شخصية جعفر الراوي، لأنه بعد ذلك سيضطر إلي أن يتصعلك كما تصعلكت به أمه من قبل، ولكي يكون قادرًا علي التصعلك وراغبًا فيه، غير هياب منه أو متوجس من مغبته، فلابد أن يكون قد عاش ولو علي هامشه من قبل.. هكذا بإيجاز ملائم ومفيد، وبشكل لا يخل أبدًا بسياق العمل ولا يخرج عليه.. بل نحس ونحن نقرأ، قبل أن نتقدم معه ونشعر بأهميته لما سوف يأتي من أجزاء ـ نحس أننا محتاجون إليه (هنا والآن)، من أجل معرفة المزيد من خصائص شخصية جعفر الراوي.
لنمض مع نجيب محفوظ في رواية قلب الليل، من أجل مزيد من معرفة أهم مفاهيمه الإبداعية، أعني إعجاز الإيجاز، يقدم لنا الكاتب جعفر الراوي من أكثر من زاوية، قال بكبرياء: (ص 20).
ولا تتخيل أنك تعرف من الدنيا نصف ما عرفت.. لا توجد خرافات وحقائق، ولكن توجد أنواع من الحقائق تختلف باختلاف أطوار العمر، وبنوعية الجهاز الذي ندركها به، فالأساطير حقائق مثل حقائق الطبيعة والرياضة والتاريخ، ولكل جهازه الروحي.
إننا في هذا الموضع أمام جعفر الراوي المتفلسف، الذي يتعامل مع الأشياء وفقًا لنسبيتها.. وهذا ما يتأكد في أكثر من موضع، ففي (ص 22) مثلاً يقول: إن الجن تختفي من حياة الفرد مع اختفاء عهد الأسطورة، وسرعان ما ينساه تمامًا، بل إنه ينكرها، رغم أنه يلقاها كل يوم في صور جديدة من البشر.
التكيف النفسي والقدرة علي النسيان: يصف لنا نجيب محفوظ أيضًا بإيجاز محكم حقيقة علي جانب كبير من الأهمية، من ذلك التكيف النفسي، والتوافق مع الموضوعات الجديدة في حياة الإنسان خصوصًا صغار السن، يقول: كانت الحياة الجديدة حلمًا بديعًا، نسيت الماضي كله، نسي القلب الحنون أمي الراحلة التي لم أزر لها قبرًا، حلمت بها ذات ليلة، ولما استيقظت شعرت بثقل قلبي وبكيت، ولكن القلوب الصغيرة تتعزي بسرعة.
ويزيد نجيب محفوظ الشخصية إيضاحًا من حين إلي حين، ولكن بأصالة فيها إعجاز الإيجاز ـ يقول: رتب لي جدي منذ أول يوم مدرسًا.. كنت قوي الحافظة حسن الفهم.. مارست الصلاة كما مارست الصيام، لم ينسني ذلك ديني الأول، فتراكم الجديد فوق القديم، ولم يسكت صوت أمي المتردد في أعماقي.. قال لي المدرس أثناء المناقشة الضريح مبني من المباني والوالي جثمان فقلت بإصرار بل لكل شيء حياة لا نفني أبدًا.
اللامبالاة: لم يزل المبدع يقدم لنا هذا النوع من التراكم أو التباين والثراء الذي أدي إلي إثراء الشخصية، متقدمًا معها من موقف إلي موقف، حتي ليمكن للشخصية أن تنقلب في لحظة من اللحظات إلي نقيض ما هي عليه، دون أن يكون في ذلك أي خروج علي منطق الشخصية.
نلحظ ذلك عندما يتقدم جعفر الراوي في السن ويقترب من مرحلة الرشد في بيت جده، دارسًا للدين في الأزهر، ولكنه يحب البدوية (أو الغجرية)، وهي امرأة من الشارع، كما كانت أمه، ويترك جده خارجًا علي كل منطق للاستقرار باحثًا عن الحلم في سديم الأسطورة، ويتزوج الغجرية، ويعمل سنيدًا في تخت. وتهجره الغجرية، ولكنه لا يندم ولا يأسف، ولا يرجع إلي جده ذي الثراء والاستقرار، ويستمر في العمل مغنيًا، ثم تعجب به امرأة غنية، تتزوجه وتعلمه، فيستقر ويحصل علي ليسانس الحقوق، وتفتح له مكتبًا للمحاماة، وسرعان ما يصبح مكتبه وبيته مستقرًا لندوة المثقفين.
حتمية النهاية:
  رد مع اقتباس
قديم 11/01/2008   #51
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


ولكن هذا الاستقرار لا يدوم لجعفر الراوي فهو يستدرج للعمل السياسي، أو للتفلسف السياسي، ويحتد في مناقشة فكرية مع زميل له فيقتله، وهكذا ينتقل من هدوء التأمل والاستقرار إلي رعدة الثورة والاضطراب، وهكذا نجد أنفسنا ـ دون أن نقاوم أو نفكر ـ أمام نقطة منطقية قادنا إليها نجيب محفوظ، بعد أن رسم لنا الشخصية، ونمت معنا خطوة خطوة حتي أصبحنا نتوقع منها ما تفعله، وهذا هو دور المبدع الحق، إنه يجعلك تؤلف معه الرواية، وعلي الرغم من أن المبدع يقود خطانا في درب مجهول لا ندري شيئًا عما يختبئ فيه، فإنه قد يبذر بذورًا جيدة. تنمو حتي تصبح حديقة نحيا في رحابها، صحيح أنها حديقة ممتازة ممتدة، وصحيح أن نباتات المؤلف نباتات برية ليس للحدائق بها عهد، إلا أننا ـ علي الأقل ـ نستطيع (بما قدمه لنا المؤلف من مقدمات) أن نعرف منطق النمو، وهو ما يجعلنا نقع فريسة للدهشة عندما نقرأ كل صفحة من الصفحات. لقد قدم إلينا المبدع أفضل ما كان يمكنه تقديمه، وقد كنا نتوقع منه ذلك، ولكننا نقر بيننا وبين أنفسنا أننا لم يكن لدينا أدني علم علي الإطلاق بما سيقدمه إلينا، وأني لنا العلم بما هو مستكن في ضمير مبدعنا. والحقيقة هي أننا حين نهب أنفسنا للعمل الفني الذي يقدمه لنا المبدع، إنما نجيز له أن يفعل بنا ما يشاء، أي أننا وثقنا به، وعقدنا بيننا وبينه عهدًا بأن نقبل ما يقدمه إلينا، ولكن هذا بالطبع لم يتم دون مقابل أو بلا مقدمات، لقد أقنعنا المؤلف بصدقه منذ البداية، وطلب منا أن نتنازل عن مقاومتنا، وأن ننخرط في العمل، أي ألا نكون متفرجين، وأن علينا ـ بالأحري ـ أن نكون لاعبين داخل الملعب، نصنع الحدث ونشارك في تنميته، وهذا ما نجح المؤلف في تحقيقه، والرأي عندنا أن جوهر العملية الإبداعية عند نجيب محفوظ يكمن في إعجاز الإيجاز الذي أفلح تمامًا، ودون أن يضحي بشيء من طزاجة التفصيلات، في أن يحققه في روايته هذه، محافظًا علي دقة السرد، وثراء التفصيلات، ووضوح الأفكار، وتلقائية الشخصية، وعفوية المشاعر، وطلاقة الأحاسيس، وصدق الوصف، سواء للأفكار، أو للانفعالات ، وبراعة التفسير، دون اللجوء إلي نوع من التلفيق أو التبرير اللاحق لما اضطر إلي وضعه من أفكار أو أحداث في المقدمة وقد أفلح المبدع في أن يحقق ذلك بأقل قدر من الألفاظ، وبأوجز حجم من الأبنية اللغوية، حتي ليمكنك أن تعثر في سطر واحد علي معانٍ وصور وأحاسيس، كان من الممكن أن تعرض في صفحات.
ولنأخذ مثلاً (ص 71) أحد أصدقاء جعفر الراوي يصفه قائلاً:
ـ إنك شيطان في تكيفك مع العربدة، ملاك في تكيفك مع الاستقامة.
2ـ نلاحظ أن هذا القول ورد علي لسان صديق له، وهذا يعني أن سلوك جعفر الراوي يمكن رصده وهو مطروح بجلاء أمام القارئ.
2ـ نلاحظ ثانيًا أن جعفر الراوي له جانبه الذي مازال يعانق الأسطورة ويلعب مع الجن، وهو قد تكيف معه وعاشره وأحبه وأخلص له (زوجته الأولي الغجرية مثلاً).
3ـ لجعفر الراوي كذلك جانبه النوراني، الاستقامة والاستقرار والحب الهادئ الرصين (الزوجة الثانية).
4ـ أن جعفر الراوي لديه القدرة علي التكيف مع الأوضاع المتباينة.
5ـ أن قدرته علي التكيف قدرة عبقرية، تصل إلي قدرات الشياطين والملائكة.
ويمكننا أن نستخرج من هذا السطر عددًا غير قليل من الدلالات التي توضح لنا قدرة نجيب محفوظ الفذة علي الإيجاز دون إخلال بالمعني، بل قدرته علي الإيجاز القادر علي الإيحاء بأكثر من معني، كالشمس تدركها صغيرة ولكنها تبث الأشعة المضيئة عبر ملايين الأميال وفي كل اتجاه.
خاتمة:
بعد هذه الجولة القصيرة، والنموذج الموجز الذي حاولنا به أن نقترب من عالم نجيب محفوظ، يمكن أن نصل ـ دون مبالغة ـ إلي استخلاص نتيجة محورية وأساسية، مؤداها أن أبرز خصائص العملية الإبداعية عند نجيب محفوظ هي تمتعه بقدرة متفوقة علي الأصالة (أي الإبداع في سياق الجديد الموجز غير المكرر والملائم لطبيعة السياق ومنطقه). (Guilford,1979:Barron,1968) وهو يقوم بذلك في إيجاز إلي حد الإعجاز، بحيث لا تجد كلمة زائدة عما يقتضيه المقام، ولا تعثر علي موضع كان يحتاج إلي مزيد من التفصيل، وهو ما يمكن أن ينظر إليه النقاد بوصفه إحكامًا للعمل الأدبي، وهندسة للبناء الفني، أو ما يحلو لبعضهم أن يطلق عليه اسم روعة المعمار الفني في روايات نجيب محفوظ، وليست تهمنا الأسماء أو العناوين أو اللافتات أو التعميمات.. إلخ، ولكننا نهتم في الأساس بالقدرة علي الإبداع، كما يمارسه المبدع في أحد أعماله الفنية، وكما يفرزه في سياق ما ينجزه من إبداعات، بحيث يجيء العمل الذي يقدمه صورة من قدرته، ودليلاً علي مدي براعته وتمرسه وسيطرته علي أدواته الإبداعية، ومعبراً عن «الأساس النفسي الفعال. Psychic Functional constitution الذي قاد خطي المبدع وهو يعمل وحرس تلك الخطي في الاتجاه المناسب، وحافظ عليها من الضياع والتبدد في منافذ غير مطلوبة أو مرغوبة وهو الأمر الذي حافظ علي وحدة العمل وجماليات المنتج ومنطقية البناء وسلاسة وتواؤم العلاقات بين مختلف مفردات العمل الإبداعي:


  رد مع اقتباس
قديم 11/01/2008   #52
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


دلالة المكان
في أدب نجيب محفوظ
جمال عمر

كثير من الكتاب والمبدعين يمثل لهم المكان عنصرا مهما قد يلعب هذا العنصر دورا فاعلاً في إلهام وبعث كوامن النفس البشرية المعذبة وقد يحمل المكان دلالة واعية لبعض المفاهيم الاجتماعية والسياسية التي تمثل بعدًا تاريخياً أحياناً أو دينياً أو عقائدياً،حيث يشكل المكان مساحة تؤكد علي تيار فكري يتجذر في كيان الإنسان الذي يسعي إلي تحقيق ذاته في عالم قد يشعر أنه غريب أو مغرب بفعل البعد الاجتماعي وعدم الانخراط بشكل طبيعي في هوية هذا الوطن، وقد يرجع هذا إلي تكوين الفرد من بداية مولده مروراً بفترات ودلالات هذا المفردات بالنسبة له في انطباعه لما يحيط به من جغرافية المكان.

يؤكد هذا العنصر الروائي الكبير نجيب محفوظ، حينما يقول: «منذ مولدي في حي سيدنا الحسين وتحديدا في يوم الاثنين 11 ديسمبر عام 1911 ميلادية، وهذا المكان يسكن في وجداني عندما أسير فيه أشعر بنشوة غريبة جداً أشبه بنشوة العشاق، كنت أشعر دائماً بالحنين إليه لدرجة الألم، والحقيقة أن الحنين لم يهدأ إلا بالكتابة عن هذا الحي حتي عندما اضطرتنا الظروف لتركه والانتقال إلي العباسية. كانت متعتي الروحية الكبري هي أن أذهب لزيارة الحسين. وفي فترة الإجازة الصيفية أيام المدرسة والتلمذة كنت أقضي السهرة مع أصحابي في الحسين، ونقلت عدوي الحب لهذا الحي إلي أصدقائي، فتحت أي ظرف لابد أن تكون السهرة في الحسين، وحتي لو ذهبنا لسماع أم كلثوم وتأخرنا إلي منتصف الليل لا نعود إلي منازلنا إلا بعد جلسة طويلة في «الفيشاوي» نشرب الشاي والشيشة ونقضي وقتا في السمر والحديث».(1)

من خلال سياق هذه الاعترافات نشعر بأن المكان لعب دوراً كبيراً في أغلب إبداعات الروائي «نجيب محفوظ» حيث يسعي إلي رؤي واقعية تجسد مشكلات الحارة المصرية وفي نفس الوقت تعبر عن هموم وتطلعات هؤلاء الحرافيش، كما كان يطلق عليهم بل كانت إحدي رواياته التي لفتت الأنظار واهتم بها النقاد من حيث اللغة ومستوي الحوار وصدق البعد الاجتماعي الذي طرحه برؤي فلسفية متعمقة. مما لا شك فيه أن دراسته للفلسفة في آداب القاهرة كانت تنعكس علي أعماله الإبداعية علي مستوي الحوار بل ويزيد علي ذلك تكوينه الثقافي والمعرفي وتأثره بالكتاب العظام الذين انفتح علي قراءة رواياتهم التي انعكست علي موهبته الجبارة، (قرأت «الحرب والسلام» لتولستوي و«الجريمة والعقاب» لدستويفسكي، قرأت القصة القصيرة لتشيكوف وموباسان، في نفس الوقت قرأت لكافكا وبروست وجويس. أحببت شكسبير، أحببت سخريته وفخامته ونشأت بيني وبينه صداقة عميقة وكأنه صديق، كذلك أحببت يوجين يونيل وإبسن وسترندربرج وعشقت موبي ديك لميلفيل، أعجبني دوس باسوس ولم يعجبني همنجواي، كنت في دهشة من الضجة الكبيرة المحيطة به. أحببت من أعماله «العجوز والبحر» وجدت فولكنر معقداً أكثر من اللازم وأعجبت بجوزيف كونراد وشولوف وحافظ الشيرازي وطاغور، وهنا تلاحظ أنني لم أتأثر بكاتب واحد بل أسهم هؤلاء كلهم في تكويني الأدبي، وعندما كتبت لم أكن أقع تحت تأثير أحدهم ولم تبهرني الإنجازات التكنيكية الحديثة) (2).

يؤكد نجيب محفوظ أن الصبغة التأثيرية التي سيطرت علي أعمالة الإبداعية لم تأت من هؤلاء الكتاب ولم يتأثر بإبداع فرد ما ولا بإنتاج مبدع ما لكن المكان الحارة هي التي كانت تشغل فكر ووجدان نجيب محفوظ، وهنا تظهر أهمية الخطاب الروائي الأيديولوجي حينما تنبعث رائحة الجمالية وعبق حي سيدنا الحسين وخان الخليلي وزقاق المدق خاصة الثلاثية التي شكلت مساحة مهمة جدا في واقعية أدب نجيب محفوظ والتي تمثل فترة تاريخية أو حقبة مهمة جدا في تاريخ مصر من بداية ثورة 1919 حتي الحرب العالمية الثانية وهي بداية الأربعينيات فكانت الشخصيات تعبر عن الصراعات القائمة بين تيار الوطنية الذي يحاول أن يكسر قيد الاحتلال خلال المظاهرات التي تلهب شعور المواطنين وتدفعهم إلي الميادين والأزقة شاهرين رفضهم للاحتلال الإنجليزي بقيادة الزعيم سعد زغلول الذي عشقه محفوظ وسطر أنصع الصفحات في حياته السياسية وكفاحه المستمر من أجل تحرير الوطن.

«في سني الصغيرة كانت ثورة 19 تمثل مجموعة من الناس يتجمعون ويهتفون ويهجمون علي بعض المنشآت ثم يضربون بالرصاص وتسيل دماؤهم وكنت أري الخيالة الإنجليزية في أيديهم البنادق التي يطلقونها علي المصريين. مازلت أري هذه الصورة واضحة في مخيلتي منذ سن السابعة وإن كنت في ذلك الوقت لم أكن أفهم هذه الأحداث(3).

لعب العقل الباطن الذي أصبح مخزنا للأحداث التي كانت تمر علي مراحل التطور السني لـ«محفوظ» من بداية طفولته انخرطت بشكل مباشر بالحارة المصرية متلاحما مع صدي هذه الأحداث أو مشاركا لها حتي كان يعود من آن لآخر لهذه الفترة يستلهم أو يستمد منها نسيجا لأحداث رواياته التي شكلت مرحلة مهمة وانتشارا واسعا لإبداعاته الروائية والقصصية أيضا.

بعد القاهرة الجديدة 1945 اتجه قلم نجيب محفوظ إلي حي قاهري شعبي عريق إلي حي الأزهر والحسين فاتخذه مسرحا بل قل موضوعا لروايتين متتاليتين هما خان الخليلي 1946 ، وزقاق المدق1947، وكان لحسن تصويره لحياة الناس في هذه المنطقة من القاهرة أبلغ الأثر في شهرة كل من المعلمين .إذ نجح في أن ينقل إلي القارئ صورة حية لجو الحي أضحت خالدة في ذاكرة قراء العربية.

ولا جدال في أن اسم زقاق المدق هو أول ما يتبادر إلي الذهن عند ذكر هذا الموضوع إلا أن لخان الخليلي مكانة خاصة في هذا الصدد فهي أول ثمرة لانفعال الكاتب فنيا بالحي الذي ارتاده سنوات بحكم عمله كموظف في وزارة الأوقاف «كانت خان الخليلي بمثابة استكشاف للإمكانيات الفنية للحي القديم وتلتها مرحلة أخري في الآفاق» (4)
  رد مع اقتباس
قديم 11/01/2008   #53
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


يقول الأديب جمال الغيطاني لم أر إنسانا ارتبط بمكان نشأته الأولي مثل نجيب محفوظ، عاش في الجمالية اثني عشر عاما هي الأعوام الأولي من عمره ثم انتقل الي العباسية لكنه ظل مشدودا إلي الحواري والأزقة إلي الحسين إلي الجمالية إلي الناس الذين عرفهم وعرفوه ثم كان المكان محورا لاّهم وأعظم أعمال الأدبية (5)
هنا تبرق خصوصية المكان في أحداث أعمال نجيب محفوظ الروائية وأهمية توظيف هذا العنصر بشكل يخترق الواقع البيئي وما تنتجه الحارة أو الحي من أشخاص يتحاورون ويصنعون في نفس الوقت عالما يخصهم تتجسد فيه عاداتهم: أفراحهم وأحزانهم وأوجاعهم. التماسك الأسري الذي ترجمه محفوظ من خلال علاقته مع عائلته التي يشعر أنها كانت علاقة مثالية من بداية حميمية الأب مع الأم والتعاطف مع الأبناء والتراحم الموجود بين العائلات وبعضها البعض. الزيارات التي تؤكد المودة بشكل تفقده المدنية والأحياء الراقية، حيث نجد الفرد يعيش بمعزل عن الآخر.
فالمكان يمثل دلالة واعية لجغرافية الحي من مقهي، صالون الحلاقة، محل البقالة، مكان المكوجي، البيوت التي تعلوها المشربيات، المساجد، المآذن، الميادين والحارات، مراسم الأفراح، المناسبات الدينية عندما يهل شهر رمضان بنفحاته الإيمانية والروحانية ويقوم الصبية بتعليق الزينات في مداخل الحارات والأحياء البسيطة، إحياء هذه الليالي بقراءة القرآن الكريم، حفلات الفطور التي تقام في المساجد.. كل هذه المظاهر كانت تشكل لنجيب محفوظ جزءا كبيرا من خياله الجامح الفذ الذي استطاع ببراعة فائقة أن يجعل روايته من لحم ودم هؤلاء جميعا.
«إن ما يحركني حقيقة عالم الحارة هناك البعض يقع اختيارهم علي مكان واقعي أو خيالي أو فترة من التاريخ ولكن عالمي الأثير هو الحارة، أصبحت الحارة خلفية لمعظم أعمالي حتي أعيش في المنطقة التي أحبها» (6).
كانت هذه القراءة المتأنية في عنصر المكان لبعض أعمال الروائي العالمي نجيب محفوظ هي بمثابة إلقاء الضوء علي حياة هذا الراحل الكبير في عالم الأدب خاصة الرواية وما حقق من مكانة عالمية وما أضفي علي الأدب العربي من شهرة بين الآداب الأخري مثل الأدب الروسي والفرنسي والإنجليزي، مما أوجب علينا أن نُحيي رحيله من خلال أحاديثه الجميلة التي أرخت حياته الإبداعية من بداية الحارة مرورا بمراحل عمرية مختلفة حتي توج بجائزة نوبل عام 1988.
هذه القراءة ما هي إلا زهرة نادية نضعها بأيد حانية علي تاريخ هذا المبدع الذي اتسم بكل صفات الكاتب المتواضع فرفعه الله عز وجل أعلي مكانة في الأدب العالمي.
  رد مع اقتباس
قديم 11/01/2008   #54
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


ماذا فعلت السينما

بأدب نجيب محفوظ؟!

شريط «ليل وخونة» نموذجًا
رجب سعيد السيد

قرب نهاية عام 1988، وعقب فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل في الآداب، كان لي شرف تمثيل أدباء الإسكندرية في الاحتفال الذي أقيم بمقر رئاسة الجمهورية بالقاهرة، تكريما لأديب مصر النابغة. وفي حفل الاستقبال، الذي أعقب الاحتفال الرسمي، وقفت مع بعض الممثلين المصريين، ممن جرت العادة بدعوتهم لحضور الاحتفالات الرسمية، وأخذت أتحدث بصراحة عارية وحماسة شديدة عن أن السينما المصرية مقصرة في حق نجيب محفوظ، بل إنها عمياء عنه، وهو ـ في رأيي ـ بمثابة المورد الغني للأفكار والرؤي والأنسجة السينمائية، الكفيلة بإنتاج أشرطة عظيمة، لم تظهر حتي الآن، فعند محفوظ مخزون ضخم من الأحداث والحكايات والشخصيات المتفردة، غير أن مواهب السينمائيين الذين مروا بتاريخ السينما المصرية المواكب لظهور الأعمال الأدبية المتتالية لنجيب محفوظ، كانت قاصرة وعاجزة عن اكتشاف هذه الكنوز.

وبالطبع، فإنني لم أجد أذنا مصغية لدي أي ممن كنت أتحدث إليهم، فالواضح أن كلامي كان شديد الوطأة عليهم، ولم أكن، في ذلك الزمن، أجيد تلوين الكلام وتجميله بأدوات تخفف من وطأة الصراحة، غير أنني ـ بعد أن عدت إلي الإسكندرية ـ كتبت عدة مقالات قصيرة عن نجيب محفوظ، كان منها مقال عنوانه: «اغترفوا من نجيب محفوظ!»، فصلت فيه رؤيتي التي أجملتها في السطور السابقة.

والحقيقة الواضحة، هي أن نجيب محفوظ كاتب غزير الإنتاج، اكتسب خبرات عديدة متنوعة، ومر بتجارب وعصور متباينة، ونجح في أن يرسم لنفسه مسارًا لم يحد عنه، ضمن له مقعدًا في صفوف «المراقبين من بعيد»، غير المنغمسين في المشاركة الفاعلة، وهو، بذلك، قد اقتصد في طاقاته، ووفرها لصالح إبداعه، وقد وصل حرصه علي أن يبقي مشاهدًا من بعيد ومراقبًا إلي حد أنه كان يلجأ لحالة من الكمون الاختياري، في أوقات التقلبات والتغيرات الحادة، حتي تتضح الأمور، فيخرج للوجود المتغير، وينتج، مثله في ذلك مثل حلزون البحر، يلجأ لمخبأه الكلسي المنيع ـ قوقعته ـ إذا عبست له الحياة، فإن عادت وأقبلت، أخرج جسمه الرخو، وراح يسعي فوق خط الرمال المبللة وعلي سبيل المثال، اختفي نجيب محفوظ عن الساحة في السنوات من 1952، عام الثورة المصرية، إلي العام 1959، وبعد عودته للكتابة، أنتج رواية «اللص والكلاب 1961» المأخوذ عنها شريط «ليل وخونة» الذي نتخذه نموذجًا في هذا المقال.

قد يري البعض في ذلك سلبية من كاتب في حجم وقامة نجيب محفوظ، فالمفترض أن الكاتب مكانه مركز القيادة في المجتمع، وهو إن اكتفي بالمشاهدة تخلي عن دوره الطبيعي، غير أن الأمر بالنسبة لمحفوظ يغتفر، إزاء الإنتاج الغزير الرائع الذي أغني به حياتنا الأدبية، والذي توج بحصوله علي أرفع جائزة أدبية في العالم. ومن جهة أخري، فإن محفوظا وفر علي نفسه جهد الصدام المباشر، مفضلاً أن يعالج قضايا وطنه ومجتمعه، ويتعرض لأخطر المسائل، من خلال الكتابة الأدبية، وهي صنعته التي يجيدها، فقد كان ـ كما تشهد بذلك أعماله ـ مواكبا لجميع الأحداث والتطورات، وقال فيها رأيه في صياغة فنية متميزة، قصصًا وروايات، بل إنه وصل إلي درجة النبوءة، كما رأينا في روايته الشهيرة «ثرثرة فوق النيل» التي كتب عنها بعض النقاد أنها تنبأت بما جري في العام 1967. كما أن الغني السينمائي لنجيب محفوظ لا يقتصر علي رواياته، فكثير من قصصه القصيرة يصلح أعمالاً سينمائية، إذا توافر لها كاتب السيناريو المكتشف، الذي يضع يديه علي أبعادها المتنوعة وما تفجره من قضايا
  رد مع اقتباس
إضافة موضوع جديد  إضافة رد



ضوابط المشاركة
لافيك تكتب موضوع جديد
لافيك تكتب مشاركات
لافيك تضيف مرفقات
لا فيك تعدل مشاركاتك

وسوم vB : حرك
شيفرة [IMG] : حرك
شيفرة HTML : بليد
طير و علّي


الساعة بإيدك هلق يا سيدي 12:03 (بحسب عمك غرينتش الكبير +3)


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
ما بخفيك.. في قسم لا بأس به من الحقوق محفوظة، بس كمان من شان الحق والباطل في جزء مالنا علاقة فيه ولا محفوظ ولا من يحزنون
Page generated in 0.47776 seconds with 12 queries