أخوية  

أخوية سوريا: تجمع شبابي سوري (ثقافي، فكري، اجتماعي) بإطار حراك مجتمع مدني - ينشط في دعم الحرية المدنية، التعددية الديمقراطية، والتوعية بما نسميه الحد الأدنى من المسؤولية العامة. نحو عقد اجتماعي صحي سليم، به من الأكسجن ما يكف لجميع المواطنين والقاطنين.
أخذ مكانه في 2003 و توقف قسراً نهاية 2009 - النسخة الحالية هنا هي ارشيفية للتصفح فقط
ردني  لورا   أخوية > فن > المكتبة

إضافة موضوع جديد  إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 10/06/2006   #127
شب و شيخ الشباب krimbow
أميـــــــــ
 
الصورة الرمزية لـ krimbow
krimbow is offline
 
نورنا ب:
Mar 2005
المطرح:
damscus-syria
مشاركات:
4,822

افتراضي


فصل في الألفاظ الدالة على المعاني

أولاً: ما الاسم، وما المسمي، وما التسمية، وما المسمى، ونقول أيضاً: من الواصف، ومن الموصوف، وما الصفة، وأيضاً: من الناعت، ومن المنعوت، وما النعت.
تفسيرها: الاسم كل لفظة دالة على معنى من المعاني بلا زمان؛ والمسمي هوالقائل، والتسمية هي قول القائل، والمسمى هوالمعنى المشار إليه، والواصف هوالقائل، والوصف هوقول القائل، والموصوف هوالذات المشار إليه، والصفة هي معنى متعلق بالموصوف، والناعت هوالقائل، والنعت هوقول القائل، والمنعوت هوالذات المشار إليه؛ وليس له لفظة رابعة تدل على معنى متعلق بالمنعوت كما كانت الصفة متعلقة بالموصوف.
فصل في الألفاظ الستة

وأعلم أن الألفاظ التي تستعملها الفلاسفة في أقاويلها وإشاراتها إلى المعاني التي في أفكار الناس ستة أنواع: ثلاثة منها دالات على الأعيان التي هي موصوفات، وثلاثة منها دالات على المعاني التي هي الصفات. فالألفاظ الثلاثة الدالة على الموصوفات قولهم: الشخص والنوع والجنس، والثلاثة الدالة على الصفات هي قولهم: الفصل والخاصة والعرض.
وأما شرح معانيها فنقول: الشخص كل لفظة يشار بها إلى موجود مفرد عن غيره من الموجودات، مدرك بإحدى الحواس، مثل قولك: هذا الرجل، وهذه الدابة، وهذه الشجرة، وذا الحائط، وذاك الحجر، وما شاكل هذه الألفاظ المشار بها إلى شيء واحد بعينه.
والنوع كل لفظة يشار بها إلى كثرة تعمها صورة واحدة، مثل قولك: الإنسان والفرس والجمل والغنم والبقر والسمك، وبالجملة كل لفظة تعم عدة أشخاص متفقة الصور.
وأما الجنس فهو كل لفظة يشار بها إلى كثرة مختلفة الصور، تعمها كلها صورة أخرى، كالحيوان والنبات والثمار والحب وما شاكلها من الألفاظ، فإن كل لفظة منها تعم جماعات مختلفة الصور، وذلك أن قولك: الحيوان، يعم الناس كلهم، والسباع والطيور والسمك وحيوان الماء أجمع، وهي كلها صور مختلفة يعمها الحيوان، وهي صورة روحانية متممة للجسم.

وأما قولهم: الفصل والخاص والعرض، فهي ألفاظ دالة على الصفات التي يوصف بها الأجناس والأنواع والأشخاص. وأعلم أن الصفات ثلاثة، فمنها صفات إذا بطلت بطل وجدان الموصوف معه، فتسمى فصولاً ذاتية جوهرية مثل حرارة النار ورطوبة الماء ويبوسة الحجر، وما شاكلها، وذلك أن حرارة النار إذا بطلت بطل وجدان النار؛ وكذلك حكم رطوبة الماء ويبوسة الحجر، وكل صفة لموصوف هكذا حكمه سميت فصلاً ذاتياً جوهرياً. ومنها صفات إذا بطلت لم يبطل وجدان الموصوف، ولكنها بطيئة الزوال، مثل سواد القير؛ وبياض الثلج وحلاوة العسل ورائحة المسك والكافور، وما شاكلها من الصفات البطيئة الزوال، ولكن ليس من الضرورة أنه إذا بطل سواد القير أوبياض الثلج أن يبطل وجدان أعيانها، فمثل هذه الصفات تسمى خاصية.
ومنها صفات سريعة الزوال تسمى عرضاً، مثل حمرة الخجل وصفرة الوجل ومثل القيام والقعود والنوم واليقظة، وما شاكل هذه من الصفات يسمى عرضاً، لأنها تعرض لشيء وتزول عنه من غير زواله، وسميت الصفات البطيئة الزوال خاصية لأنها صفات تختص بنوع دون سائر الأنواع.
وتسمى الصفات الذاتية الجوهرية فصولاً لأنها تفصل الجنس فتجعله أنواعاً.
وأعلم أن الصفات التي تسمى خاصية أربعة أنواع، فمنها ما يكون خاصية لنوع، ويشاركه فيها نوع آخر، مثل خاصية الإنسان أنه ذو رجلين من بين سائر الحيوانات، ولكن يشاركه فيه الطير، ومنها ما هي خاصية لنوع، ولا يشاركه فيها غيره، ولكن لا يوجد في جميع أشخاصه تلك الخاصية مثل الكتابة والتجارة وأكثر الصنائع، فإنها خاصية لنوع الناس، ولكن لا توجد في كل إنسان.
ومنها خاصية قد توجد لكل أشخاص النوع، ولكن لا توجد في كل وقت، مثل المشيب، فإنه خاصية للإنسان دون سائر الحيوانات، ولكن لا يوجد إلا في آخر العمر. ومنها خاصية لنوع دون غيره وتوجد في كل أشخاصه وفي كل وقت، وتسمى خاص الخاص، مثل الضحك والبكاء، فإنهما من خاصية الإنسان دون سائر الحيوانات، ولكل أشخاصه وفي كل وقت، وذلك أن الضحك والبكاء يوجدان للإنسان من وقت ولادته إلى وقت موته، وكذلك الصهيل للفرس والنهيق للحمار والنباح للكلاب؛ وبالجملة ما من نوع من أنواع الحيوان إلا وله خاصية تختص به دون غيره، وهكذا حكم كل موجود من الموجودات له خاصية تميزه عما سواه تسمى رسوماً، علم ذلك أولم يعلم.
وأعلم أن بالفصول تنقسم الأجناس فتصير أنواعاً، وبها تحد الأنواع، لأنها مركبة منها، وبالرسوم تختلف الأنواع ويخالف بعضها بعضاً، يعني خاص الخاص. وبالخواص التي هي أعراض بطيئة الزوال تختلف الأشخاص التي تحت نوع واحد، مثل الزرقة والشهلة والفطسة؛ والنحافة والسمرة والطول والقصر، وما شاكلها من الصفات التي تختلف بها أشخاص الناس ويمتاز بعضهم عن بعض، وكل هذه الصفات بطيئة الزوال. وبالأعراض تختلف أحوال الأشخاص مثل القيام والقعود والغضب والرضا، وما شاكلها من الصفات التي لا تدوم ويتعاقبها ضدها.
وأعلم بأن كل صفة للجنس فهي في جميع انواعه، وكل صفة للنوع فهي في جميع أشخاصه ضرورة، وليس من الضرورة أن كل صفة للشخص لجميع نوعه، ولا صفة النوع لجميع جنسه.

عندما تتأجج نار التحششيش .. تنأى الحشائش بالحشيش الحشحشش ..
وحشيشة التحشيش .. عمر أحشش ..
حش الحشائش في حشيش محشش ..
حشاش يا أخا الحشيش ..
حشش على تحشيش محششنا القديم ..
سوريا الله حاميا
jesus i trust in you
  رد مع اقتباس
قديم 10/06/2006   #128
شب و شيخ الشباب krimbow
أميـــــــــ
 
الصورة الرمزية لـ krimbow
krimbow is offline
 
نورنا ب:
Mar 2005
المطرح:
damscus-syria
مشاركات:
4,822

افتراضي


فصل في أن الأشياء كلها صور وأعيان

وإذ قد ذكرنا طرفاً من المنطق اللفظي شبه المدخل، فنريد أن نذكر طرفاً من المنطق الفكري، إذ كان هوالأصل، وهذا فرع عليه، كما ذكرنا قبل. فإن الألفاظ إنما هي سمات دالات على المعاني التي في أفكار النفوس، وضعت بين الناس ليعبر كل إنسان عما في نفسه من المعاني لغيره من الناس، عند الخطاب والسؤال، فنقول إن الأشياء كلها بأجمعها صور وأعيان غيريات؛ أفاضها الباري تعالى على العقل الفعال الذي هوجوهر بسيط مدرك حقائق الأشياء، كما بينا في رسالة المبادئ العقلية؛ ومن العقل على النفس الكلية الفلكية التي هي نفس العالم بأسره، كما بينا في الرسالة التي فسرنا فيها معنى قول الحكماء إن الإنسان عالم صغير، وإن العالم إنسان كبير؛ ومن النفس الكلية فاضت على الهيولى الأولى التي بينا ماهيتها في رسالة الهيولى والصورة؛ ومن الهيولى على النفس الجزئية البشرية التي بينا كيفية نشوئها في رسالة لنا ترجمتها" الإنسان عالم صغير" وهي ما يتصور الناس في أفكارهم من المعلومات بعد مشاهدتهم لها في الهيولى بطريق الحواس.
فمن أراد أن يعرف كيف كانت صور الأشياء في النفس الكلية قبل فيضها على الهيولى، فليعتبر صور مصنوعات البشر كيف تكونها في نفوسهم قبل إظهارهم لها في الهيوليات الموضوعة لهم في صناعتهم كما بينا في رسالة الصنائع. ومن أراد أن يعرف أيضاً كيف كانت صور الأشياء في العقل الفعال قبل فيضه على النفس الكلية، وكيف كان قبولها تلك الرسوم والصور، فليعتبر حال رسوم المعلومات التي في أنفس العلماء، وكيف إفادتهم للمتعلمين، وكيف قبولهم لها، كما بينا في رسالة التعليم. ومن أراد أيضاً أن يعرف كيف حال المعلومات في علم الباري- عز وجل- قبل فيضه على العقل، فليعتبر حال العدد كيف كان في الواحد الذي قبل الاثنين، وكيف نشأ منه كما بينا في رسالة خواص العدد.
  رد مع اقتباس
قديم 10/06/2006   #129
شب و شيخ الشباب krimbow
أميـــــــــ
 
الصورة الرمزية لـ krimbow
krimbow is offline
 
نورنا ب:
Mar 2005
المطرح:
damscus-syria
مشاركات:
4,822

افتراضي


فصل في العلم والتعلم والتعليم

وأعلم أن العلم ليس بشيء سوى صورة المعلوم في نفس العالم، وأن الصنعة ليست شيئاً سوى إخراج تلك الصورة التي في نفس الصانع العالم ووضعها في الهيولى.
وأعلم يا أخي أن أنفس العلماء علامة بالفعل، وأنفس المتعلمين علامة بالقوة؛ والتعليم ليس شيئاً سوى إخراج ما في القوة إلى الفعل، والتعلم هوالخروج من القوة إليه؛ وأن كل شيء بالقوة لا تخرج إلى الفعل إلا لشيء هوبالفعل يخرجه إليه، وأن النفس الكلية الفلكية هي علامة بالفعل، والأنفس الجزئية علامة بالقوة. فكل نفس جزئية تكون أكثر معلومات وأحكم مصنوعات، فهي أقرب إلى النفس الكلية، لقرب نسبتها إليها وشدة شبهها بها، كما قيل في حد الفلسفة إنها التشبه بالإله بحسب الطاقة الإنسانية. فاجتهد أن تكتسب معلومات كثيرة تكن أفعالك كلها حكمية زكية، فإنها القنية الروحانية، كما تجتهد أبناء الدنيا في اكتساب المال الذي هوالقنية الجسدية.
وأعلم أنه كما أن المال يتمكن الإنسان به مما يريده من اللذات في الدنيا وطيب العيش، فهكذا بالعلم تتمكن النفس من اللذات في الدار الآخرة، وبالعلم يتقرب إلى الله أبناء الآخرة، وبه يتفاضل بعضهم على بعض، كما قال الله تعالى:" قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون" الآية.
وأعلم أن بالعلم تحيا النفوس من موت الجهالة، وبه تنتبه من نوم الغفلة كما قال الله: " أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به" الآية. فالعلم يهديك إلى طريق ملكوت السماء، ويعينك على الصعود إلى هناك، كقوله تعالى:" إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه." وأخبر عن أهل الجهالة فقال تعالى:" لا تفتح لهم أبواب السماء، ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط." وهذا وعيد لهم بالإياس عن الصعود إلى ملكوت السماء، فأعيذك أيها الأخ أن ترضى بأن تكون منهم أومعهم، وقيل إن المرء مع من أحب، بل كن من الذين أمرهم رسول الله فقال: كن عالماً أومتعلماً، أوتجالس العلماء أوتحب العلماء، وإياك والخامس، إلا أن تكون من الطوائف.
  رد مع اقتباس
قديم 10/06/2006   #130
شب و شيخ الشباب krimbow
أميـــــــــ
 
الصورة الرمزية لـ krimbow
krimbow is offline
 
نورنا ب:
Mar 2005
المطرح:
damscus-syria
مشاركات:
4,822

افتراضي


فصل في اشتراك الألفاظ وأخواتها

وإذ قد فرغنا من ذكر المعاني، وأخبرنا بأنها صور كلها ورسوم في أفكار النفوس الجزئية، وأنها تناولتها من الهيولى بطريق الحواس، وقلنا أيضاً إن الصور التي في الهيولى فاضت عليها من النفس الكلية الفلكية، وإن التي في النفس أيضاً فاضت عليها من العقل الفعال، وإن التي في العقل أيضاً أفاضها عليه الباري- عز وجل - وذكرنا أيضاً الألفاظ بمجردها، وأخبرنا أن الحروف التي هي أصوات مفردة إذا ألفت صارت ألفاظاً، وأن الألفاظ إذا ضمنت المعاني صارت أسماء، وأن الأسماء إذا ترادفت صارت كلاماً، وأن الكلام إذا ألصق صار أقاويل. وأعلم أن المعاني هي الأرواح، والألفاظ كالأجساد لها، وذلك أن كل لفظة لا معنى لها فهي بمنزلة جسد بلا روح فيه. وكل معنى في فكر النفس لا لفظ له فهو بمنزلة الأقاويل تختلف تارة من جهة اللفظ، وتارة من جهة المعنى، وتارة منهما جميعاً، وهي خمسة أنواع، فمنها المشتركة في اللفظ، المختلفة في المعنى، كقولك: عين الإنسان، وعين الماء، ومقابلتها هي المترادفة التي هي المختلفة في اللفظ المتفقة في المعنى، كقولك: البر والحنطة. ومنها المتباينة في اللفظ والمعنى جميعاً، كقولك: حجر وشجر، ومقابلتها المتواطئة وهي المتفقة في اللفظ والمعنى جميعاً، كقولك: هذا إنسان اسمه زيد، وهذا اسمه عمرو. ومنها المشتق أسماؤها وهي كقولك: الضارب والمضروب، وما شاكلها من الأسماء المشتقة من الأفعال.
  رد مع اقتباس
قديم 10/06/2006   #131
شب و شيخ الشباب krimbow
أميـــــــــ
 
الصورة الرمزية لـ krimbow
krimbow is offline
 
نورنا ب:
Mar 2005
المطرح:
damscus-syria
مشاركات:
4,822

افتراضي


فصل في أن الأشياء كلها جواهر وأعراض

وأعلم يا أخي أن العلماء قالوا: إن الأشياء كلها نوعان: جواهر وأعراض، وإن الجواهر كلها جنس واحد قائمة بأنفسها، وإن الأعراض تسعة أجناس، وهي حالة في الجواهر، وهي صفات لها، وإن الباري- عز وجل- ليس يوصف بأنه عرض ولا جوهر بل هوخالقهما وعلتهما الفاعلة، ونحن نقول: إن الأشياء كلها صور وأعيان غيريات؛ مرتب بعضها تحت بعض كترتيب العدد، ومتعلق وجود بعضها ببعض كوجود العدد من الواحد الذي قبل الاثنين، كما بينا في رسالة العدد، وإن الباري- جل جلاله- هوعلتها وهوموجدها كما بينا في رسالة المبادئ العقلية.
وأعلم أن الصورة نوعان: مقومة ومتممة، وقد سمت العلماء الصور المقومة جواهر، وسمت الصور المتممة أعراضاً، وقد بينا الفرق بين الصورة المقومة والصورة المتممة في رسالة الهيولى والصورة، وفي رسالة الكون والفساد، فأعرفهما من هناك إن شاء الله.
  رد مع اقتباس
قديم 10/06/2006   #132
شب و شيخ الشباب krimbow
أميـــــــــ
 
الصورة الرمزية لـ krimbow
krimbow is offline
 
نورنا ب:
Mar 2005
المطرح:
damscus-syria
مشاركات:
4,822

افتراضي


فصل في حاجة الإنسان إلى المنطق

وأعلم أيها الأخ أنه لوأمكن الناس أن يفهم بعضهم من بعض المعاني التي في أفكار نفوسهم من غير عبارة اللسان، لما احتاجوا إلى الأقاويل التي هي أصوات مسموعة، لأن في استماعها واستفهامها كلفة على النفوس من تعليم اللغات وتقويم اللسان والإفصاح والبيان، ولكن لما كانت نفس كل واحد من البشر مغمورة في الجسد، مغطاة بظلمات الجسم، حتى لا ترى واحدة منهما الأخرى إلا الهياكل الظاهرة التي هي الأجسام الطويلة العريضة العميقة، ولا يدري ما عند كل واحد منها من العلوم إلا ما عبر كل إنسان عما في نفسه لغيره من أبناء جنسه، ولا يمكنه ذلك إلا بأدوات وآلات مثل اللسان والشفتين واستنشاق الهواء، وما شاكلها من الشرائط التي يحتاج الإنسان إليها في إفهامه غيره من العلوم، واستفهامه منه، فمن أجل هذا احتيج إلى المنطق اللفظي وتعليمه، والنظر في شرائطه التي يطول الخطاب فيها.
فأما النفوس الصافية الغير المتجسدة فهي غير محتاجة إلى الكلام والأقاويل في إفهام بعضها بعضاً من العلوم والمعاني التي في الأفكار، وهي النفوس الفلكية، لأنها قد صفت من درن الشهوات الجسمانية، ونجت من بحر الهيولى وأسر الطبيعة، واستغنت عن الكون مع الأجساد المظلمة التي هي أسفل السافلين وعالم الكون والفساد، وارتفعت إلى أعلى أفق العالم العلوي، وسرت في الجواهر النيرة والشفافة التي هي الكواكب والأفلاك، وذلك كما توجب الحكمة الإلهية والعناية الربانية، إذ لم تقرن بالأجسام الساترة، ولم تحتج إلى كتمان أسرارها، ولا إلى إخفاء ما في ضمائرها، إذ كانت صافية من الخبث والدغل، وبريئة من الإضمار للشر، فقرنت بالجواهر النيرة والأكر الشفافة التي يتراءى الجزء منها في الكل، والكل يتراءى في الجزء، كما تتراءى وجوه المرايا المجلاة بعضها في بعض، وكما تتراءى وجوه الجماعة المتقابلين في عين الواحد منهم، ووجه الواحد في أعين الجميع، فهم غير محتاجين إلى الإخبار عن الإضمار، ولا السؤال عن كتمان الأسرار، لأنهم في الإشراق والأنوار التي هي معدن الأخيار والأبرار.
فاجتهد يا أخي فلعل نفسك تصفو، وهمتك تعلومن الرغبة في هذه الدنيا الدنية التي ذمها رب العالمين فقال- عز وجل:" إنما الحياة الدنيا لعب ولهووزينة وتفاخر" إلى قوله:" وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور." وقال تعالى:" زين للناس حب الشهوات من النساء" الآية. وقال تعالى:" قل: أأنبئكم بخير من ذلكم اتقوا عند ربهم جنات" الآية. وقال تعالى:" تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً، والعاقبة للمتقين".
وأعلم بأنه إذا عدم الجنس عدم جميع أنواعه معه، وإذا عدم النوع عدم جميع أشخاصه معه، وليس من الضروري إذا وجد الشخص وجد النوع كله، ولا إذا وجد النوع وجد الجنس كله. وأعلم بأن الأجناس أربعة أنواع: ثلاثة يستعملها صاحب اللغة في أقاويله، وواحد يستعمله صاحب الفلسفة في أقاويله. فالذي يستعمله صاحب اللغة من هذه الثلاثة، أحدها جنس البلدي، والآخر جنس الصناعي، والآخر جنس النسبي. فالجنس البلدي كقولك لجماعة تشير إليهم فنقول: البغداديون والبصريون والخراسانيون وما شاكله؛ والصناعي كقولك لجماعة تشير إليهم فنقول: نجارون حدادون خبازون وما شاكله؛ والنسبي كقولك لجماعة: هاشميون علويون ربعيون. وأما الذي يستعمله الفيلسوف في أقاويله فهو عشرة ألفاظ بيناها في قاطيغورياس.
  رد مع اقتباس
قديم 10/06/2006   #133
شب و شيخ الشباب krimbow
أميـــــــــ
 
الصورة الرمزية لـ krimbow
krimbow is offline
 
نورنا ب:
Mar 2005
المطرح:
damscus-syria
مشاركات:
4,822

افتراضي


الرسالة الحادية عشرة في المقولات العشر

التي هي قاطيغورياس

بسم الله الرحمن الرحيم

وإذ قد فرغنا من ذكر الستة الألفاظ التي في إيساغوجي، وبينا ماهية المعاني التي تدل عليها واحداً واحداً، فنريد أن نذكر العشرة الألفاظ التي في قاطيغورياس، ونبين معانيها، ونصف كيف هي، وأن كل لفظة منها اسم لجنس من الأجناس الموجودة، وأن المعاني كلها كيف هي داخلة تحت هذه العشرة الألفاظ.
أعلم أيها الأخ البار الرحيم- أيدك الله وإيانا بروح منه- بأن الحكماء الأولين لما نظروا إلى الأشياء الظاهرة بأبصار عيونهم، وشاهدوا الأمور الجليلة بحواسهم، تفكروا عند ذلك في معاني بواطنها بعقولهم، وبحثوا عن خفيات الأمور برويتهم، وأدركوا حقائق الموجودات بتمييزهم، وبان لهم أن الأشياء كلها أعيان غيريات، مرتبة في الوجود كترتيب العدد، ومتعلقة مرتبطة بعضها ببعض في البقاء والدوام عن العلة الأولى الذي هوالباري- سبحانه- كتعلق الأعداد، ورباط بعضها ببعض من الواحد الذي قبل الاثنين كما بينا في رسالة والعدد.
ولما تبين لهم هذه الأشياء، كما ذكرنا، لقبوا وسموا الأشياء المتقدمة في الوجود الهيولى، وسموا الأشياء المتأخرة في الوجود الصورة؛ ولما بان لهم أن الصورة نوعان: مقومة ومتممة، كما بينا في رسالة" الكون والفساد"، وسموا الصور المقومة جواهر، وسموا الصور المتممة أعراضاً؛ ولما بان لهم أيضاً أن الصور المقومة حكمها حكم واحد، قالوا: إن الجواهر كلها جنس واحد. وكذلك لما تبينوا أن الصور المتممة أحكامها مختلفة قالوا: إن الأعراض مختلفة الأجناس، وهي تسعة أجناس مثل تسعة آحاد. فالجوهر في الموجودات كالواحد في العدد، والأعراض التسعة كالتسعة الآحاد التي بعد الواحد، فصارت الموجودات كلها عشرة أجناس مطابقة لعشرة آحاد، وصارت الأعراض مرتبة بعضها تحت بعض كترتيب العدد وتعلقه في الوجود عن الواحد الذي قبل الاثنين.
فأما الألفاظ العشرة التي تتضمن معاني الموجودات كلها فهي قولهم: الجوهر والكم والكيف والمضاف والأين ومتى والنصبة" الوضع" والملكة ويفعل وينفعل.
  رد مع اقتباس
قديم 10/06/2006   #134
شب و شيخ الشباب krimbow
أميـــــــــ
 
الصورة الرمزية لـ krimbow
krimbow is offline
 
نورنا ب:
Mar 2005
المطرح:
damscus-syria
مشاركات:
4,822

افتراضي


فصل وأعلم يا أخي بأن

كل لفظة من هذه الألفاظ اسم لجنس

من الأشياء الموجودة،

وكل جنس ينقسم إلى عدة أنواع، وكل نوع إلى أنواع أخر، وهكذا دائماً إلى أن تنتهي القسمة إلى الأشخاص كما سنبين بعد.
وأعلم يا أخي بأن الحكماء لما نظروا إلى الموجودات، فأول ما رأوا الأشخاص مثل زيد وعمرو وخالد؛ ثم تفكروا فيمن لم يروه من الناس الماضين والغابرين جميعاً، فعلموا إن كلهم تشملهم الصورة الإنسانية، وإن اختلفوا في صفاتهم من الطول والقصر والسواد والبياض والسمرة والزرقة والشهلة والفطسة والقنوة وما شاكلها من الصفات التي يمتاز بها بعضهم من بعض، فقالوا: كلهم إنسان، وسموا الإنسان نوعاً، لأنه جملة الأشخاص المتفقة في الصور، المختلفة بالأعراض ثم رأوا شخصاً آخر مثل حمار زيد وأتان عمرووجحش خالد، فعلموا أن الصورة الحمارية تشملها كلها، فسموها أيضاً نوعاً. ثم رأوا فرس زيد وحصان عمر ومهر خالد، فعلموا أن صورة الفرسية تشملها كلها، فسموها أيضاً نوعاً. وعلى هذا القياس سائر أشخاص الحيوانات من الأنعام والسباع والطير وحيوان الماء ودواب البر كل جماعة تشملها صورة واحدة سموها نوعاً. ثم تفكروا في جميعها، فعلموا أن الحياة تشملها كلها، فسموها الحيوان، ولقبوها الجنس الشامل لجماعات مختلفة الصور وهي أنواع له. ثم نظروا إلى أشخاص أخر كالنبات والشجر وأنواعها، فعلموا أن النمو والغذاء يشملها كلها، فسموها النامي، فقالوا: هي جنس، والحيوان والنبات نوعان له، ثم رأوا أشياء أخر مثل الحجر والماء والنار والهواء والكواكب، وعلموا بانها كلها أجسام، فسموها جنساً، وعلموا بأن الجسم من حيث هوجسم، لا يتحرك ولا يعقل ولا يحس ولا يعلم شيئاً؛ ثم وجدوه متحركاً منفعلاً ومصنوعاً فيه الأشكال والصور والنقوش والأصاغ، فعلموا أن مع كل الجسم جوهراً آخر هوالفاعل في الأجسام هذه الأفعال والآثار، فسموه روحانياً. ثم جمعوا هذه كلها في لفظة واحدة وهي قولهم: جوهر، فصار الجوهر جنساً، والروحاني والجسماني نوعان له؛ والجسم جنس لما تحته من النامي والجماد، وهما نوعان له؛ والنامي جنس لما تحته من الحيوان والنبات، وهما نوعان له؛ والحيوان جنس لما تحته من الناس، والطير التي هي سكان الهواء، والسابح التي هي سكان الماء، والمشاء التي هي سكان البر، والهوام التي هي سكان التراب، وهي كلها أنواع الحيوان، وهوجنس لها.
فالإنسان نوع الأنواع، والجوهر جنس الأجناس، والجسم والنامي والحيوان نوع من جنس المضاف، لأنها إذا أضيفت إلى ما تحتها سميت أجناساً لها، وإذا أضيفت إلى ما فوقها سميت أنواعاً لها. فهذا وجيز من القول في معاني أحد المقولات العشر التي هي الجوهر وأقسامه وأنواعه وأشخاصه، وليس له حد، ولكن رسمه أنه القائم بنفسه القابل للأعراض المتضادة.
ولما رأوا من الجوهر ما يقال له ثلاثة أذرع وأربعة أرطال وخمسة مكاييل وما شاكلها، جمعوا هذه وسموها جنس الكم، وهي كلها أعراض في الجوهر. ولما رأوا أشياء أخر، ليست بالجوهر ولا يقال لها كم، مثل البياض والسواد والحلاوة والمرارة والرائحة وما شاكلها، جمعوها كلها، وسموها جنس الكيف، وهذه الأعراض هي صفات للجوهر، وهوموصوف بها، وهي قائمة به، وكلها صور متممة له، كما بينا في رسالة" الكون والفساد" ثم إنهم وجدوا أشياء شتى تقع على شيء واحد لم يتغير في ذاته، بل من أجل إضافته إلى أشياء شتى، فسموها جنس المضاف؛ مثال ذلك رجل يسمى أباً وابناً وأخاً وزوجاً وجاراً وصديقاً وشريكاً وما شاكلها من الأسماء التي لا تقع إلا بين اثنين يشتركان في معنى من المعاني، وذلك المعنى لا يكون موجوداً في ذاتيهما، ولكن في نفس المفكر، سموها جنس المضاف، وأصحاب الصفات يسمون هذه المعاني أحوالاً. ثم إنهم وجدوا أسماء أخر، معانيها غير معاني ما تقدم ذكرها، مثل فوق وتحت وهاهنا وما شاكلها من الأسماء، فجمعوها كلها وسموها جنس الأين. ثم وجدوا أسماء أخر، معانيها غير معاني ما ذكرنا، مثل يوم وشهر وسنة وحين ومدة وما شاكلها من الأسماء، فجمعوها كلها وسموها جنس المتى. ثم وجدوا أسماء، معانيها غير ذلك، مثل قائم وقاعد ونائم ومنحن ومتكئ ومستند ومستلق وما شاكل ذلك من الأسماء، فجمعوها كلها وسموها جنس النصبة يعني الوضع. ثم وجدوا أسماء أخر، مثل قولك: له وبه ومنه وعليه وعنده وما شاكلها من الأسماء، فجمعوها كلها وسموها جنس الملكة. ثم وجدوا أسماء أخر، مثل قولك: ضرب وفعل وصنع وما شاكلها من الألفاظ التي تدل على تأثير الفاعل، فجمعوها كلها وسموها جنس يفعل. ثم وجدوا أسماء أخر، مثل قولك: انقطع انكسر انبعث انبجس، وما شاكلها من الألفاظ، وجمعوها كلها وسموها جنس ينفعل. ثم تأملوا الأشياء كلها فلم يجدوا معنى خارجاً عن هذه التي ذكرنا، فاجتمعت لهم معاني الأشياء كلها في عشرة ألفاظ حسب، كما وجدوا لمراتب الآحاد عشرة ألفاظ حسب.
وأعلم يا أخي بأنه قد جمعت هذه الأجناس كل موجود من الجواهر والأعراض، وما كان وما يكون، ولا يقدر أحد أن يتوهم شيئاً خارجاً عن هذه الأجناس وما تحتويه من الأنواع والأشخاص.
وأعلم بأنه ربما اجتمعت هذه المعاني في شخص واحد، مثال ذلك زيد، فإنه جوهر، وفيه كمية، لأنه طويل، وفيه كيفية، لأنه أسود، وفيه مضاف، لأنه ابن، وأين لأنه في مكان، ومتى لأنه في زمان، ونصبة لأنه قائم أوقاعد، وملكة لأنه ذومال، ويفعل إذا ضرب، وينفعل إذا ضُرب.
وإذ قد فرغنا من ذكر الأجناس العشرة بقول وجيز، فإنا نذكر الآن طرفاً من كيفية تقسيمها إلى الأنواع ليكون إرشاداً للمتعلمين إلى أحد طرق التعاليم، إذ كانت طرق التعاليم أربعة أنواع، أحدها طريق الحدود، والآخر طريق البرهان، والآخر طريق التحليل، والآخر طريق التقسيم، وهي هذه: الجوهر نوعان: جسماني وروحاني، فالجسماني نوعان: فلكي وطبيعي، فالطبيعي نوعان: بسيط ومركب، فالبسيط أربعة أنواع: نار وهواء وماء وأرض؛ والمركب نوعان: جماد ونام، فالجماد هوالجسام المعدنية، والنامي نوعان: نبات وحيوان، والنبات ثلاثة أنواع، منه ما يكون بالغرس كالأشجار، ومنه ما يتكون بالبذر كالزرع، ومنه ما يكون بنفسه كالحشائش والكلاء. والحيوان نوعان: ناطق كالإنسان، وغير ناطق كسائرها، وهوثلاثة أنواع، منه ما يتكون في الرحم، ومنه ما يتكون في البيض، ومنه ما يتكون في العفونات كالدبيب؛ وتحت كل نوع من هذه أنواع، وتحت تلك الأنواع انواع أخر إلى أن ينتهي إلى الأشخاص.

وأما الجواهر الروحانية فتنقسم قسمين: الهيولى والصورة. فالصورة نوعان: مفارقة؛ كالنفس والعقل، وغير مفارقة كالأشكال والأصباغ، والكم ينقسم نوعين: متصل ومنفصل. فالمتصل خمسة أنواع: الخط والسطح والجسم والمكان والزمان، والمنفصل نوعان: العدد والحركة. والخط ثلاثة أنواع: مستقيم ومقوس ومنحن؛ والسطوح ثلاثة أنواع: بسيط ومقبب ومقعر؛ والجسم قد تقدم ذكر أقسامه؛ والمكان سبعة أنواع: فوق وتحت وقدام وخلف ويمنة ويسرة ووسط؛ والزمان ثلاثة: ماض ومستقبل وحاضر، وكل واحد ينقسم أربعة أنواع: السنون والشهور والأيام والساعات. والعدد نوعان: أزواج وأفراد، ووجه آخر صحيح وكسور، ووجه آخر آحاد وعشرات ومئون وألوف. والحركة ستة أنواع: الكون والفساد، والزيادة والنقصان، والتغير والنقلة؛ وخاصة هذا الجنس مساووغير مساو. والكيف نوعان: جسماني وروحاني، فالجسماني ما يدرك بالحواس، والروحاني ما يعرف بالعقول، كالعلم والقدرة والشجاعة والاعتقادات، والجسماني نوعان: مفردة ومركبة، فالمفردة نوعان: فاعلة وهي الحرارة والبرودة، ومنفعلة وهي اليبوسة والرطوبة. والمركبة نوعان: ملازمة ومزايلة، فالملازمة كالطعوم والألوان والروائح وزرقة الأزرق وفطسة الأفطس، والمزايلة كالقيام والقعود وصفوة الوجل، وحمرة الخجل. والكيفية الروحانية أربعة أنواع: الأخلاق والعلوم والآراء والأعمال؛ وخاصية هذا الجنس الشبيه وغير الشبيه، والمضاف نوعان: النظير وغير النظير، فالنظير ما كان المضافان في الأسماء سواء، كالأخ والجار والصديق، وغير النظير ما كان المضافان في الأسماء مختلفين، كالأب والابن والعبد والمولى والعلة والمعلول والأول والآخر والنصف والضعف والأصغر والأكبر وكلها في الإضافة معاً. فأما ذواتها في الوجوه فعلى وجهين، الوجه الأول أن يكون أحدهما قبل الآخر كالأب والابن والعلة والمعلول، والآخر أن يكونا موجودين قبل الإضافة، مثل العبد والمولى والجار والصديق، وجنس المضاف إذا أضيفت إدارته دخل باقي الأجناس كلها فيه بالعرض لا بالذات، وذلك أن الجوهر موصوف بالأعراض، والأعراض صفات له، والصفة صفة الموصوف، والموصوف موصوف بالصفة، كما أن الأب أب للابن، والابن ابن للأب؛ وخاصية هذا الجنس أن المضافين يدوران، أحدهما على الآخر، ولا يتنافيان، وهما في الإضافة معاً. فهذه الأربعة الأجناس يقال لها البسيطة.
وأما الستة الباقية فيقال لها مركبة أولها الأين وهومن تركيب جوهر مع المكان، والأماكن سبعة أنواع كما بينا في جنس الكمية التي هي من تركيب جوهر مع الزمان، وقد بينا أنواع الزمان في جنس الكم؛ والنصبة تركيب جوهر مع جوهر آخر، فإن المتكئ على المتكأ، والمستند مستند على المستند. والملكة من تركيب جوهر مع جوهر آخر، وهوينقسم نوعين: إما داخل، وإما خارج، فالداخل إما في النفس كما يقال له: علم وعقل وحلم، وإما في الجسم كما يقال له حسن وجمال ورونق. والذي من خارج نوعان: حيوان وجماد كما يقال له: عبيد ودواب ودراهم وعقارات وتجارات، وجنس يفعل نوعان، إما أن يكون أثر الفاعل يبقى في المصنوع، كالكتابة والبناء وما شاكلهما من الصنائع، ومنها ما لا يبقى للفاعل أثر كالرقص والغناء. وجنس ينفعل نوعان: إما في الأجسام كما بينا في رسالة الصنائع العملية، وإما في النفوس كما بينا في رسالة الصنائع العلمية.
وإذ قد فرغنا من ذكر الأجناس العشرة، وبينا كيفية انقسامها إلى الأنواع، فنحتاج أن نذكر الأشياء التي لا بد من ذكرها، وذلك أن هذه الأشياء، إذا قابل بعضها بعضاً، فلا تخلوأن يكون تقابلها في القول أوفي ذواتها، فالذي في القول هوالإيجاب والسلب، فالإيجاب هوإثبات صفة لموصوف، والسلب هونفي صفة عن موصوف، والذي يخص هذا التقابل الصدق والكذب. وأما الذي في ذوات الأشياء فهو ثلاثة أنواع، أحدها في الأشياء المتضادة، والآخر في الأشياء التي في جنس المضاف، والآخر في القنية والعدم. والمتضادان هما الشيئان اللذان ينافي كل واحد منهما صاحبه، ولا يدور عليه؛ والمتضادان نوعان: ذووسط وغير ذي وسط. فالذي هوذووسط مثل السواد والبياض اللذين هما ضدان وبينهما وسائط من الألوان كالحمرة والصفرة والخضرة وغيرها، ومثل الحلو والمر، فإنهما ضدان وبينهما طعوم أخر، كالحموضة والملوحة والعذوبة وغيرها من الطعوم.
وغير ذي الوسط كالصحة والمرض. ومن خاصية هذين الضدين أن أحدهما إذا كان في الجسم فالآخر أيضاً يكون في الجسم، فإن كان إحدهما في النفس فالآخر أيضاً يكون في النفس؛ وخاصية أخرى أن إدراك أحدهما إذا كان بحاسة، فالآخر أيضاً يدرك بتلك الحاسة. مثال ذلك أن السواد لا يكون إلا في الجسم ولا يدرك إلا في البصر، كذلك حكم البياض؛ والعلم لا يكون إلا في النفس ولا يدرك إلا بالعقل، والجهل كذلك حكمه. وأما المضافان فإنهما متقابلان ولا يتنافيان، ويدور أحدهما على الاخر كما بينا قبل. وأما القنية والعدم فشبيه الضد والمضاف جميعاً، وذلك أن العدم يضاف إلى القنية، والقنية لا تضاف إلى العدم، فيقال: عمى البصر ولا يقال بصر العمى. والقنية والعدم لا يجتمعان، كما أن الضدين لا يجتمعان، فإذا كانت القنية جسمانية كان العدم أيضاً جسمانياً، وإن كانت روحانية فكذلك العدم أيضاً روحاني. ولا يقال العادم للقنية إلا إذا حان وقت وجوده، مثال ذلك لا يقال للطفل إنه أدرد؛ إلا إذا حان خروج أسنانه، ولا تاركاً للفعل إلا حين إمكانه الفعل.
  رد مع اقتباس
قديم 10/06/2006   #135
شب و شيخ الشباب krimbow
أميـــــــــ
 
الصورة الرمزية لـ krimbow
krimbow is offline
 
نورنا ب:
Mar 2005
المطرح:
damscus-syria
مشاركات:
4,822

افتراضي


فصل في معنى قدم الأشياء

وأعلم بأن تقدم الأشياء بعضها على بعض من خمسة أوجه أحدها بالزمان والكون كما يقال: إن موسى أقدم من عيسى، والآخر بالطبع كما يقال: إن الحيوان أقدم من الإنسان، والثالث بالشرف كما يقال: الشمس أقدم من القمر، والرابع بالمرتبة كما يقال في العدد: إن الخمسة أقدم من الستة، والوجه الخامس بالذات، كالعلة والمعلول، والشيء في الشيء على عدة أوجه، الشيء في المكان وفي الزمان وفي الوعاء، والعرض في الجوهر، والجوهر في العرض، والشخص في النوع، والنوع في الجنس، وعكس هذا، والسائس في السياسة، والسياسة في السائس والشيء في التمام، والجزاء في الكل وما شاكلها، والشيء مع الشيء يقال على ثلاثة أوجه: مع الزمان مثل الفيء مع الضوء، ومثل المضافين كما بينا، ومثل الأنواع التي كلها معاً تحت جنس واحد.
وأعلم يا أخي بأن مثل هذه العشرة الألفاظ، وما يتضمنها من المعاني التي هي عشرة أجناس، المحتوية على جميع معاني الأشياء وما تحت كل واحد من الأنواع، وما تحت تلك الأنواع من الأشخاص، كمثل بستان فيه عشر أشجار، على كل شجرة عدة فروع وأغصان، وعلى كل غصن عدة قضبان، وعلى كل قضيب عدة أوراق، وتحت كل ورقة عدة أنوار؛ وثمار، وكل ثمرة لها طعم ولون ورائحة لا تشبه الأخرى. وأن مثل النفس إذا هي عرفت معاني هذه العشرة الأجناس وتصورتها في ذاتها، وتأملت فنون تصاريفها، وما تحتوي عليه من المعلومات المختلفة الصور، المفننة الهيئات، المتلونة الأصباغ، كمثل صاحب ذلك البستان، إذا فتح بابه ونظر إلى ما فيه من الألوان والأزهار، واشتم من روائح تلك الأنوار، وتناول من تلك الثمار، وتطعم من تلك الطعوم، وتمتع بنتائج ذلك البستان، فاجتهد يا أخي في طلب العلوم وفنون الآداب، فإن العلوم بساتين النفوس، وفنون معانيها وفوائدها وألوان الثمار. والعلوم غذاء النفس كما أن الطعام غذاء الجسد، وبها تكون حياتها ولذة عيشها وسرورها ونعيمها بعد مفارقة الجسد كما بينا في رسالة المعاد.
وفقك الله أيها الأخ البار الرحيم للسداد والرشاد وجميع إخواننا حيث كانوا في البلاد.
تمت الرسالة الحادية عشرة في المنطق الفلسفي، والحمد لله رب العالمين، والصلاة على نبيه محمد وآله أجمعين.
  رد مع اقتباس
قديم 10/06/2006   #136
شب و شيخ الشباب krimbow
أميـــــــــ
 
الصورة الرمزية لـ krimbow
krimbow is offline
 
نورنا ب:
Mar 2005
المطرح:
damscus-syria
مشاركات:
4,822

افتراضي


الرسالة الثانية عشر في معنى بارامانياس

وهي الرسالة الثالثة من المنطقيات

بسم الله الرحمن الرحيم

وإذ قد فرغنا من ذكر العشرة الألفاظ التي يسميها الحكماء المنطقيون" المقولات العشرة"، ووصفنا كمية ما يتضمن كل واحد منها جنساً من المعاني، وهي الصور المنتزعة من الهيولى، ورسومها المصورة في أفكار النفوس الإنسانية، مثالها في رسالة قاطيغورياس؛ وقبل ذلك قد ذكرنا في فصل آخر الستة الألفاظ التي تستعملها الفلاسفة في أقاويلها، وفي فصل آخر قبله وصفنا أن الحروف المفردة، إذا ألفت صارت ألفاظاً، وأن الألفاظ إذا ضمنت المعاني صارت سمات، وأن السمات إذا ترادفت صارت كلاماً مفيداً، فنقول في هذا الفصل:
إن الكلام كله ثلاثة أنواع، فمنها ما هي سمات دالات على الأعيان يسميها المنطقيون والنحويون الأسماء؛ ومنها ما هي سمات دالات على تأثيرات الأعيان بعضها في بعض، ويسميها المنطقيون الكلمات؛ ومنها ما هي سمات دالات على معان كأنها أدوات للمتكلمين تربط بعضها ببعض، كالأسماء بالأفعال، والأفعال بالأسماء، يسميها النحويون الحروف، ويسميها المنطقيون الرباطات.
فالأسماء هي كل لفظة دالة على معنى بلا زمان، كقولك: زيد وعمرووحجر وخشب وما شاكلها من الألفاظ، والفعل مثل ضرب يضرب وعقل يعقل، وهوكل لفظة دالة على معنى في زمان. والحروف مثل قولك: من وفي وعلى وما شاكلها من ألفاظ مذكورة شرحها في كتب النحو. وبالجملة ينبغي لمن يريد أن ينظر في المنطق الفلسفي أن يكون قد ارتاض أولاً في علم النحوقبل ذلك.
وأعلم يا أخي أن الكلمات والأسماء إذا اتسقت صارت أقاويل، والأقاويل نوعان، فمنها ما يقع فيه الصدق والكذب، ومنها ما لا يقع فيه لا الصدق ولا الكذب، وهذه أربعة أنواع: الأمر والسؤال والنداء والتمني. والذي يقع الصدق والكذب فيه يسمى الأخبار، والأخبار نوعان، إما إيجاب صفة لموصوف، وإما سلبها عنه كقولك: النار حارة وليست بحارة، فقولك: ليست بحارة سلب. فالإيجاب إما أن يكون صدقاً، وإما أن يكون كذباً، وكذلك السلب مثل قولك إذا قلت: النار حارة فصدق، وإذا قلت: باردة فكذب؛ وإذا قلت: النار ليست بباردة فصدق، وإذا قلت: ليست بحارة فكذب. فقد تبين لك كيف يكون السلب والإيجاب تارة صدقاً وتارة كذباً.
وأعلم بأن الإيجاب والسلب تارة يكون حكماً حتماً، وتارة شرطاً واستثناء، فالإيجاب الحتم مثل قولك: الشمس فوق الأرض وهونهار، والشرط مثل قولك: إن كانت الشمس فوق الأرض فهو نهار. وكذلك حكم السلب مثله، مثال ذلك: ليست الشمس فوق الأرض ولا هونهار، والشرط والاستثناء مثل قولك: إن كانت الشمس ليست فوق الأرض فليس هونهاراً.
وأعلم بان الحكم نوعان: تارة يكون الصدق والكذب فيه ظاهرين، وتارة يكونان فيه خفيين، بيان ذلك أنه متى كان قول القائل محتملاً للتأويل، لم يتبين فيه الصدق والكذب، ومتى كان غير محتمل للتأويل بان فيه الصدق والكذب.
وأعلم بأن القول يكون غير محتمل للتأويل متى كان محصوراً، والمحصور من الأقاويل ما كان عليه سور؛ وسور الأقاويل نوعان: كلي وجزئي، فالسور الكلي مثل قولك: كل إنسان حيوان، فهذا صدق وظاهر بين لأن عليه سوراً كلياً. والكذب الظاهر البين مثل قول القائل: ليس واحد من الناس حيواناً، فكذب ظاهر، لأن عليه سوراً كلياً، وأما السور الجزئي فمثل قولك: بعض الناس كاتب، وبعض الناس ليس بكاتب، والصدق فيهما ظاهر بين، لأن عليهما سوراً جزئياً. وأما ما كان من الأقاويل الغير المحصورة فهو الذي ليس عليه سور، وهونوعان: مهمل ومخصوص. فالمهمل مثل قولك: الإنسان كاتب، والإنسان ليس بكاتب، فلا يتبين فيه الصدق والكذب، لأنه لا يمكن للقائل أن يقول أردت بعض الناس. وأما المخصوص فمثل قول القائل: زيد كاتب، وزيد ليس بكاتب، فلا يتبين فيهما الصدق والكذب، لأنه يمكنه أن يقول: أردت بزيد الفلاني. وأما إذا جعل على كل قول قائل سور كلي كما وصفنا، فيتبين الصدق عند ذلك لأنه لا يمكنه أن يقول: أردت غير ما أوجبه الحكم.
وأعلم أنه يجب على المستمع أن يلزم القائل ما يوجبه قوله، ويطالبه به، لا ربما في ضميره، لأن الضمائر لا يطلع عليها أحد إلا الله تعالى؛ فقد تبين بهذا المثال أن الكلام إذا لم يكن محصوراً بسور، لا يتبين فيه الصدق ولا الكذب ظاهراً.
وأعلم بأن الأسوار إنما تحصل الصفات للموصوفات، وتحتاج أيضاً أن يكون الموصوف محصلاً بصفات معلومة معروفة، وذلك أن الموصوف إذا لم يكن معروفاً باسم، فلا يتبين فيه الصدق والكذب في القول، مثل قولك: غير الإنسان حيوان، وغير زيد كاتب، وما سوى الحيوان جواهر ميتة، وما شاكل هذه الألفاظ التي هي سمات لأعيان غير معروفة، بل مشتركة لكل شيء سوى ذلك المستثنى منه.
وأعلم يا أخي بأن السلب والإيجاب هما حكمان متناقضان في اللفظ والمعنى جميعاً، لا يجتمعان في الصدق والكذب في صفة واحدة، في زمان واحد، من جهة واحدة، في إضافة واحدة، لأنه رفع الشيء الذي أوجب من الشيء الذي أوجبته له، على النحوالذي أوجبته له، في الوقت الذي أوجبته له، من الوجه الذي أوجبته له. ومتى نقصت من هذه الشرائط واحدة جاز اجتماعها على الصدق والكذب جميعاً، مثال ذلك قولك: بعض الناس كاتب، وبعض الناس ليس بكاتب، وفي الصبي إنه كاتب بالقوة ليس بكاتب بالفعل، وإليه أشار بقوله- عليه السلام-:" كنت نبياً وآدم بين الماء والطين" عنى كنت نبياً بالقوة لا بالفعل؛ وفي الرجل الواحد إنه عالم بشيء ليس بعالم بشيء آخر، وصائم في رمضان بالنهار ليس بصائم بالليل، وكبير بالإضافة إلى ما هوأصغر منه، وليس بكبير بالإضافة إلى ما هو أكبر منه، والكلب ليس يتحرك لأن الكلب اسم مشترك، وكذلك يتحرك، اسم يقع فيه الحركات الست.
وأعلم يا أخي بأنه إذا حكم بالقول على موصوف بصفة سميت تلك الصفة قضية ثنائية مثل قولك: زيد كاتب لأنه يجوز أن يكون كاتباً وغير كاتب، فإذا قطعت على أحد الخبرين كان قولاً جازماً وقضية جازمة. وإذا قرن بهذه القضية أحد الأزمان الثلاثة، سميت قضية ثلاثية مثل قولك: زيد كتب أمي أويكتب غداً، أوهوكاتب اليوم. وإن زدت على إحدى القضايا الثلاثية أحد العناصر الثلاثة الذي هومن الممكن والممتنع والواجب سميت رباعية مثل قولك" يمكن أن يكون هذا الصبي يوماً ما رجلاً جلداً، وممتنع أن يحمل ما ألف رطل، وواجب أن يموت يوماً ما.
وأعلم بأن السلب والإيجاب نوعان: كلية وجزئية، فالكلية الموجبة مثل قولك: كل نار حارة، وسالبتها: ليس شيء من النيران حارة. فإذا تقابلتا سميتا أضداداً كبرى. والموجبة الجزئية مثل قولك: بعض الناس كاتب، وسالبتها: ليس واحد من الناس بكاتب. وإذا تقابلنا سميتا أضداداً صغرى، وإذا تقابلت قضيتان موجبتان أوسالبتان سميتا متتاليتين مثل قولك: بعض الناس حيوان، بل كل الناس حيوان، وإن بعض الناس لا يطير، بل كل الناس لا يطيرون. والقضيتان المتلائمتان هما اللتان تتفقان في المعنى وتختلفان في اللفظ، مثال ذلك: كل نار حارة، وليست شيء من النيران باردة، وبعض الناس كاتب، ليس بعض الناس أمياً.
وأعلم أن الصفة تسمى محمولاً، والموصوف يسمى موضوعاً لحمله، فإذا كثرت الموصوفات، والصفة واحدة، فالقضايا تكون كثيرة مثل قولك: زيد كاتب وخالد كاتب وعمروكاتب. وإذا كثرت الصفات، والموصوف واحد، فالقضايا كثيرة مثل قولك: زيد كاتب وحداد ونجار.فإذا كثرت الصفات في اللفظ، والمعنى واحد، فالقضية واحدة مثل قولك: زيد فهم فقيه عالم.
وأعلم أن القضايا تختلف تارة بالسلب والإيجاب، وتارة بالكل والجزء. والاختلاف بالسلب والإيجاب يسمى كيفية، وبالكلية والجزئية يسمى كمية. فإذا اختلفت القضايا بالكيفية والكمية سميتا متناقضتين، وإذا اختلفت بالكيفية سميتا متضادتين، والمتناقضان أشد عناداً من المتضادين؛ والمتضادان مثل قولك: كل إنسان كاتب، كل إنسان ليس بكاتب؛ والمتناقضان مثل قولك: كل إنسان كاتب، ليس كل من الناس بكاتب.
وأعلم بأن الواجب في الكون أقدم في الطبع من الممكن، والممكن أقدم من الممتنع، لأنه لولم يكن الواجب في الكون لما عرف الممكن، ولولم يكن الممكن لما عرف الممتنع.
وأعلم أيها الأخ- أيدك الله وإيانا بروح منه- بأن كل قضية كلية أوجزئية، موجبة كانت أوسالبة، فهي مركبة من حدين يسمى أحدهما الموضوع والآخر المحمول، مثال ذلك قولك: النار حارة، فالنار هي الموضوعة، والحرارة هي المحمولة.
وأعلم بأنه ربما جعل الموضوع محمولاً، والمحمول موضوعاً، مثال ذلك إذا قيل: النار حارة، ثم قيل: الحارة نار، ويسمى هذا عكس القضية.
وأعلم بأنه ربما تكون القضية قبل العكس صادقة، وبعده كاذبة مثل قولك: كل حيوان إنسان، وكل إنسان حيوان. وربما تكون صادقة قبل العكس وبعده مثل قولك: كل إنسان ضحاك، وكل ضحاك إنسان. وربما تكون كاذبة في الحالتين جميعاً مثل قولك: كل إنسان طائر، وكل طائر إنسان.
هذه آخر رسالة بارامانياس وتليها رسالة أنولوطيقا الأولى، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله.
  رد مع اقتباس
قديم 10/06/2006   #137
شب و شيخ الشباب krimbow
أميـــــــــ
 
الصورة الرمزية لـ krimbow
krimbow is offline
 
نورنا ب:
Mar 2005
المطرح:
damscus-syria
مشاركات:
4,822

افتراضي


الرسالة الثالثة عشرة من القسم الرياضي في معنى أنولوطيقا

فصل في أنولوطيقا الأولى

أعلم يا أخي بأن كل قضيتين إذا قرنتا ووجب عنهما حكم آخر، سميت القضيتان مقدمتين، وسمي ذلك الحكم نتيجتهما، مثال ذلك: إذا قيل كل إنسان حيوان، وكل حيوان نام، فينتج من هاتين أن كل إنسان نام.
وأعلم بأن المقدمتين لا تقترنان إلا أن تشتركا في كل حد واحد، وتتباينان بحدين آخرين، وذلك الحد لا يخلومن أن يكون موضوعاً في إحدهما، ومحمولاً في الأخرى، أويكون محمولاً في كلتيهما، أويكون موضوعاً فيهما جميعاً.فإن كان موضوعاً في إحداهما، محمولاً في الأخرى، يسمى ذلك الشكل الأول، وهومثل قولك: كل إنسان حيوان، وكل حيوان متحرك، فالحيوان هوالحد المشترك في المقدمتين جميعاً، محمولاً في الأولى، موضوعاً في الأخرى. وإن كان محمولاً فيهما جميعاً سمي ذلك الشكل الثاني، وهوقولك: كل إنسان حيوان وكل طير حيوان، فالحد المشترك الذي هوالحيوان محمول فيهما جميعاً. وإن كان موضوعاً فيهما سمي ذلك الشكل الثالث، وهومثل قولك: كل إنسان حيوان، وكل إنسان ضحاك.
وأعلم يا أخي بانه إذا اقترنت هذه المقدمات على هذه الشرائط، واستخرج بها حكم ما، سمي جميع ذلك الشكل" سلوجيموس" يعني القياس المنتج.
وأعلم يا أخي بأن من المقدمات ما هومنتج، ومنها ما هوغير منتج، فالمنتج ما تقدم ذكره، وغير المنتج هوما ليس له حد مشترك، مثل قولك: كل إنسان حيوان، وكل حجر يابس، فإن هاتين المقدمتين، وإن كانتا صادقتين، فليستا تنتجان شيئاً، لأنه ليس لهما حد مشترك.
وأعلم يا أخي أنه إنما احتيج في المقدمات إلى الحد المشترك ليقع الازدواج بينهما، وإنما يراد الازدواج لتخرج النتيجة التي هي الغرض من تقديم المقدمات، كما أن الغرض من تزويج الحيوان الذكور مع الإناث هوأن ينتج منها أولاد مثلها، فهكذا أيضاً حكم المقدمتين واقترانهما هولأن ينتج منهما حكم على شيء ليس بظاهر للعقول، فمن أجل هذا احتيج إلى اقتران المقدمات.
وأعلم يا أخي بأنه ليس كل اقتران منتجاً، كما أنه ليس من كل تزويج يكون الولادة، وذلك أنه إذا قيل كل إنسان حيوان، وكل طائر حيوان، فإن هاتين المقدمتين وإن كانتا قد اشتركتا في حد فليس ينتج من اقترانهما نتيجة، لأنهما من الشكل الثاني. وهكذا إذا قيل ليس واحد من الناس طائراً، ولا واحد من الناس حجراً، فإن هاتين المقدمتين، وإن كانتا قد اشتركتا، فليس ينتج من اقترانهما شيء لأنهما من الشكل الثالث. وهذان الشكلان ليس يوثق بنتيجتهما، دون أن يعتبر بالشكل الأول كما بين ذلك في كتب المنطق بشرح طويل.
وأعلم يا أخي بأن مقدمات الشكل الأول منتجة كلها، كلية كانت اوجزئية، سالبة كانت أوموجبة؛ مثال ذلك إذا قيل: كل إنسان حيوان، كلية موجبة صادقة؛ وكل حيوان متحرك، كلية موجبة صادقة، ينتجان: كل إنسان متحرك، كلية موجبة صادقة. وإذا قيل: ليس واحد من الناس حجراً، كلية سالبة صادقة، ولا واحد من الأحجار طائراً، كلية سالبة صادقة، نتيجتهما: ليس واحد من الناس طائراً، كلية سالبة صادقة. وبعض الناس كاتب، جزئية موجبة صادقة؛ وبعض الكتاب حاسب، جزئية موجبة صادقة؛ نتيجتهما: بعض الناس حاسب، جزئية موجبة صادقة، وبعض الناس ليس بكاتب، جزئية سالبة صادقة، وبعض الكتاب ليس بحاسب، جزئية سالبة صادقة؛ نتيجتهما: بعض الناس ليس بحاسب، جزئية سالبة صادقة. فقد بان أن هذا الشكل ومقدماته ينبغي أن يتحفظ بها ويعرف استعمالها في القياسات، وكيفية استخراج نتائجها، ويتحرز من السهو والغلط فيها، فإنه يدخل عليها الآفات العارضة، كما يدخل في سائر الموازين والقياسات، إما بقصد من المستعملين لها، أوبسهويدخل عليهم فيها، وذلك أنه ربما تكون المقدمات صادقة، ونتائجها كاذبة، وربما كانت المقدمات كاذبة، ونتائجها صادقة، وربما تكون المقدمات والنتيجة كاذبة كلها اوصادقة كلها.

وأعلم يا أخي بأن هذا الباب ينبغي أن يتفحص وينظر موضع المغالطة فيه، ويتحرز منه، فإن الذين راموا إبطال القياس المنطقي من هذا الباب أتوا، وذلك أن أرسطاطاليس لما عمل كتاب القياس، وبين فيه القياس الصحيح الذي لا يدخله الخطأ والزلل، وذكر أنه ميزان يعرف به الصدق من الكذب في الأقاويل، والصواب نت الخطأ في الآراء، والحق من الباطل في الاعتقادات، والشر من الخير في الأفعال، فكثر الراغبون فيه في ذلك الزمان، والطالبون له، وتركوا ما سواه من كتب الجدل، وزال الاختلاف الذي كان بينهم لرجوعهم إلى الميزان الذي يريهم الحق، ووثقوا به، وأيقنوا أنه لا يجوز غيره، كقوم اختلفوا في وزن شيء من الأشياء، فلما اعتبروه بالميزان عرفوه يقيناً، ورجعوا إليه وتركوا الجدل والمراء. فلما زال الاختلاف فيما بينهم حسده جماعة من أبناء جنسه من المتفلسفة، وراموا إبطال ذلك عليه من هذا الطريق، وهوأن أتوا بمقدمات صادقة، نتائجها كاذبة، وبمقدمات كاذبة، نتائجها صادقة، وبمقدمات كاذبة، نتائجها كاذبة، وعارضوا بها تلامذة أرسطاطاليس، لكيما ينفروهم عنها، ويزهدوهم فيها، وهي هذه: ليس واحد من الناس بحجر، سالبة صادقة؛ ولا واحد من الأحجار بحيوان، سالبة صادقة، نتيجتهما: لا واحد من الناس بحيوان، سالبة كاذبة. والآخر: كل إنسان طائر، موجبة كاذبة، وكل طائر ناطق، موجبة كاذبة، نتيجتهما: كل إنسان ناطق، موجبة صادقة. وكل إنسان طائر، موجبة كاذبة، وكل طائر حجر، موجبة كاذبة، نتيجتهما: كل إنسان حجر، موجبة كاذبة، وكل إنسان حيوان، موجبة صادقة.
وأعلم يا أخي بأن مثل هذه المغالطة تدخل في الصناعة من وجهين، أحدهما أن يكون المتعاطي جاهلاً بصناعة القياس أوناقصاً فيها، فيغالط ولا يدري من أين وكيف ولم، كما يغلط من يحسب ولا يدري الحساب، أويزن أويكيل ولا يدري كيف الوزن والكيل، أويكون عارفاً بالصناعة، ولكن يقصد عمداً وعناداً لغرض من الأغراض، كما يفعل الحاسب والوزان والكيال دغلاً وغشاً وحيلة، فمن أجل هذه المغالطة التي أتى بها القوم أوصىأرسطاطاليس تلاميذه بسبع شرائط أن لا يستعمل قياس برهاني من مقدمتين سالبتين لا كليتين ولا جزئيتين أصلاً، ولا مهملتين، ولا جزئية ولا خاصة البتة، إذ كان منها تكون هذه المقدمات التي أتى بها القوم لمغالطتهم، بل يقتصر على استعمال المقدمات الصادقة التي نتائجها صادقة، وهي التي تغافل القوم عن ذكرها.
والمقدمات التي تصدق هي ونتائجها في كل مادة، وفي كل زمان قبل العكس وبعد العكس، تبين ذلك كله في أنولوطيقا الثانية.
  رد مع اقتباس
قديم 10/06/2006   #138
شب و شيخ الشباب krimbow
أميـــــــــ
 
الصورة الرمزية لـ krimbow
krimbow is offline
 
نورنا ب:
Mar 2005
المطرح:
damscus-syria
مشاركات:
4,822

افتراضي


فصل في

بيان العلة الداعية إلى تصنيف القياسات المنطقية

أعلم يا أخي بأن الحكماء الأولين، لما نظروا في فنون العلوم وأحكموها، واستخرجوا الصنائع العجيبة وأتقنوها، واستنبطوا عند ذلك لكل علم وصناعة أصلاً منه تتفرع أنواعه، ووضعوا له قياساً يعرف به فروعها، وميزاناً يتبين به الزائد والناقص والمستوي منها، مثل صناعة العروض التي هي ميزان الشعر يعرف بها الصحيح والمنزحف من الأبيات، ومثل صناعة النحوالتي هي ميزان الإعراب يعرف بها اللحن والصواب في الكلام، ومثل الأسطرلاب الذي هوميزان يعرف به الأوقات في صناعة النجوم، ومثل المسطرة والبركار والكونيا؛ التي هي موازين في أكثر الصنائع يعرف بها الاستواء من الاعوجاج، ومثل المكيال والذراع والشاهين؛ والقبان التي هي موازين يعرف بها الزائد والناقص والمستوي في البيع والشراء في معاملات التجار، ومثل الحساب الذي هوميزان العمال وأصحاب الدواوين.
وأعلم يا أخي بأن هذه المقاييس والموازين هي أحكام بين الناس، نصبها الله الباري- جل ثناؤه- بين خلقه قضاة وعدولاً تحكم بالحق فيما يختلف الناس فيه من الحكم بالجزر والتخمين، لكيما، إذا تحاكموا إلى الموازين والمكاييل والمقاييس، حكمت بينهم بالحق، وقضي الأمر وانفصل الخطاب وارتفع الخلف؛ فلما رأى الحكماء المنطقيون اختلاف العلماء في الأقاويل والحكم على المعلومات بالجزر والتخمين بالأوهام الكاذبة، ومنازعتهم فيها، وتكذيب بعضهم بعضاً، وادعاء كل واحد أن حكمه الحق وخصمه المبطل، ولم يجدوا لهم قاضياً من البشر يرضون بحكمه، لأن ذلك القاضي أيضاً يكون أحد الخصوم، فرأوا من الرأي الصواب والحكمة البالغة أن يستخرجوا بقرائح عقولهم ميزاناً مستوياً وقياساً صحيحاً، ليكون قاضياً بينهم فيما يختلفون فيه، لا يدخله الخلل، وإذا تحاكموا إليه قضى بالحق وحكم بالعدل، لا يحابي أحداً، وهوالقياس الذي يسمى البرهان المنطقي، المماثل للبرهان الهندسي الذي يشبه البرهان العددي.
  رد مع اقتباس
قديم 10/06/2006   #139
شب و شيخ الشباب krimbow
أميـــــــــ
 
الصورة الرمزية لـ krimbow
krimbow is offline
 
نورنا ب:
Mar 2005
المطرح:
damscus-syria
مشاركات:
4,822

افتراضي


فصل في القياس المنطقي

وأعلم بأنه لما كان مقياس كل صناعة، وميزان كل بضاعة متخذاً من الأشياء التي تشاكلها من موضوعاتها، كالموازين التي يعرف بها الأثقال بصنجات؛لها ثقل، وميزان المساحة الذي تعرف به أبعاد أشياء لها أبعاد، وهي الذراع والباب والأشل، ومثل المسطرة التي تعرف بها الأشياء المستوية، فهكذا قاس الذين استخرجوا البرهان المنطقي وقالوا: إن اختلاف العلماء فيما يدعون من الحق والباطل والصواب والخطأ الذي في ضمائرهم لا يتبين لنا إلا في أقاويلهم من الصدق والكذب، وإن الأقاويل الصادقة والكاذبة لا تعرف إلا بميزان وقياس يقاس بهما ويوزن. ولما كان الميزان أيضاً لا يكون إلا من أشياء تجمع وتركب ضرباً من التأليف، حتى تصير ميزاناً يمكن أن يوزن به ويقاس عليه، مثال ذلك الميزان الذي تعرف به الأثقال، فإنه مجموع من كفتين وعمود وخيوط وصنجات، فهكذا سلكوا في اتخاذ الميزان المنطقي الذي يسمى البرهان، وبدأوا أولاً فذكروا الأشياء التي منها يكون الميزان والموزون جميعاً في قاطيغورياس، ثم ذكروا في بارامانياس كيف تركب وتؤلف تلك الأشياء، حتى يكون منها ميزان ومقياس، ثم ذكروا في أنولوطيقا الأولى كيف يعتبر ذلك الميزان، حتى لا يكون فيه الغبن والاعوجاج، ثم ذكروا كيفية الوزن به، حتى يصح ولا يدخل الخلل في أنولوطيقا الثانية.
  رد مع اقتباس
قديم 10/06/2006   #140
شب و شيخ الشباب krimbow
أميـــــــــ
 
الصورة الرمزية لـ krimbow
krimbow is offline
 
نورنا ب:
Mar 2005
المطرح:
damscus-syria
مشاركات:
4,822

افتراضي


فصل في أن الحكم على الأشياء بالعقل

والحث على تحري الصواب

وأعلم يا أخي بأن الإنسان قادر على أن يقول خلاف ما يعلم، ولكن لا يقدر أن يعلم خلاف ما يعقل، وذلك أنه يمكنه أن يقول: زيد قائم قاعد في حال واحدة، ولكن لا يمكنه أن يعلم ذلك، لأن عقله ينكره عليه. فلما كان هذا هكذا فلا ينبغي أن ينزل بالحكم على قول القائلين، ولكن على حكم العقول.
وأعلم يا أخي بأن أهل كل صناعة يحرصون على حفظ أنفسهم من الخطأ والزلل في صناعتهم، وذلك أن أهل كل علم يتجنبون الخطأ، ويتحرون الصواب والحق، ويجتهدون في ذلك، فينبغي لإخواننا- أيدهم الله وإيانا بروح منه- ومن يتعاطى منهم المنطق الفلسفي أن يحفظ أقاويله من التناقض من اولها إلى آخرها؛ فإن من المتكلمين من يحفظ أقاويله من التناقض في مجلس واحد أوعدة مجالس، ولكن قل من يحفظ كل أقاويله من أوائلها إلى أواخرها، حتى لا يناقض بعضها بعضاً. مثال ذلك من قال في كتاب له: إن من شأن النفس أن تتبع مزاج البدن. ثم قال في كتاب آخر: إن النفس مزاج البدن. ثم قال في كتاب آخر: لا أدري ما النفس، أومثل من يعتقد بأن الله- عز وجل- خلق الخلق لينفعهم، ثم يقول ويعتقد بأنه لا يغفر لهم ولا يخرجهم من النار. ومثل من يعتقد بأن المكان جسم أوعرض حال في الجسم، ثم يعتقد أنه يبطل الجسم ويبقى المكان فارغاً. ومثل من يقول: إن الجزء لا يتجزأ. ثم يعتقد بأن له ست جهات، وهويشغل الحيز. وما شاكل ذلك من الأوقايل المتناقضة والآراء الفاسدة يعتقدها إنسان واحد في نفسه، ثم يتعاطى مع هذا المنطق الفلسفي والرهان الحقيقة.
وأعلم يا أخي علماً يقيناً بأن أهل كل صناعة وعلم إذا لم يكن لهم أصل صحيح في صناعتهم، منه يتفرع علمهم، وقياس مستو، عليه يقاس ما يعلمونه، مثل صناعة العدد كما بينا قبل، فإنه لا يمكنه أن يتحرز فيه من الخطأ، ولا أن يتجنب فيه من الباطل، لأن الأصل إذا كان خطأً فالفروع عليه تدور.
وأعلم بأن من لا يحس بالتناقض في أقاويله، فكيف يوثق به في آرائه واعتقاده، وكيف يؤمن عليه أنه غير معتقد آراء متناقضة، ويكون فيها مخالفاً لنفسه ولا يدري، وكيف يرجى منه الوفاق مع غيره وهومخالف لنفسه، ومناقض لاعتقاده، وجاهل في معلوماته.
  رد مع اقتباس
قديم 10/06/2006   #141
شب و شيخ الشباب krimbow
أميـــــــــ
 
الصورة الرمزية لـ krimbow
krimbow is offline
 
نورنا ب:
Mar 2005
المطرح:
damscus-syria
مشاركات:
4,822

افتراضي


فصل في أن المنطق أداة الفيلسوف

وأعلم يا أخي بأن الحكماء المنطقيين إنما وضعوا القياس المنطقي، واستخرجوا البرهان الصحيح، ليكون المتعاطي للمنطق يبتدئ أولاً، ويقيم البرهان من عند نفسه على اعتقاده. فإذا صحت في نفسه تلك رام أن يصححها عند غيره. وقبل كل شيء تحتاج يا أخي أن تعلم كيف تحفظ أقاويلك من التناقض، فإنك إذا فعلت ذلك فقد أحكمت صناعة المنطق الفلسفي.
وأعلم بأن المنطق ميزان الفلسفة، وقد قيل إنه أداة الفيلسوف، وذلك أنه لما كانت الفلسفة أشرف الصنائع البشرية بعد النبوة، صار من الواجب أن يكون ميزان الفلسفة أصح الموازين، وأداة الفيلسوف أشرف الأدوات، لأنه قيل في حد الفلسفة إنها التشبه بالإله بحسب الطاقة الإنسانية.
وأعلم بأن معنى قولهم: طاقة الإنسان، هوأن يجتهد الإنسان ويتحرز من الكذب في كلامه وأقاويله، ويتجنب من الباطل في اعتقاده، ومن الخطأ في معلوماته، ومن الرداءة في أخلاقه، ومن الشر في أفعاله، ومن الزلل في أعماله، ومن النقص في صناعته. هذا هومعنى قولهم: التشبه بالإله بحسب طاقة الإنسان، لأن الله- عز وجل- لا يقول إلا الصدق، ولا يفعل إلا الخير. فاجتهد يا أخي في التشبه به في هذه الأشياء، فلعلك توفق لذلك، فتصلح أن تلقاه، فإنه لا يصلح للقائه إلا المهذبون بالتأديب الشرعي والرياضات الفلسفية.
وإذ قد فرغنا من ذكر ما احتجنا أن نقدمه من هذه الرسالة بلفظ وجيز، عمدنا إلى الرسالة التي هي موضوعة للبرهان.
  رد مع اقتباس
قديم 10/06/2006   #142
شب و شيخ الشباب krimbow
أميـــــــــ
 
الصورة الرمزية لـ krimbow
krimbow is offline
 
نورنا ب:
Mar 2005
المطرح:
damscus-syria
مشاركات:
4,822

افتراضي


الرسالة الرابعة عشرة في معنى أنولوطيقا الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

وإذ قد فرغنا من ذكر المقولات العشرة، وكمية أنواعها، وكيفية اقتراناتها، وفنون نتائجها فيما تقدم، فنريد الآن أن نبين ما القياس البرهاني، وكمية أنواعه، وكيفية تأليفه واستعماله، واستخراج نتائجه، ولكن نحتاج قبل ذلك كله أن نخبر أولاً ما غرض الفلاسفة في استعمال القياس البرهاني.
وأعلم يا أخي بأنه لما كانت طرق العلوم والمعارف والاستشعار والإحساس كثيرة، كما بينا بعضها في رسالة الحاس والمحسوس، وبعضها في رسالة العقل والمعقول، وبعضها في رسالة أجناس العلوم؛ وكانت الطرق التي سلكها الفلاسفة منها في التعاليم وطلبهم معرفة حقائق الأشياء أربعة أنواع، وهي التقسيم والتحليل والحدود والبرهان، احتجنا أن نذكر واحداً واحداً منها، ونبين كيفية المسلك فيها، وأن المعلومات كيف تعرف بها، ولم هي أربع طرق لا أقل ولا أكثر، أما علة ذلك، فإنه لما استبان واتضح في قاطيغورياس بطريق القسمة أن الموجودات كلها ليست تخلوأن تكون أجناساً وأنواعاً وفصولاً وأشخاصاً، وجب ضرورة أن تكون طريق المعرفة بكل واحد منها غير الأخرى؛ بيان ذلك أنه بالقسمة تعرف حقيقة الأجناس من الأنواع، والأنواع من الأشخاص، وبالتحليل تعرف حقيقة الأشخاص، أعني كل واجد منها ماذا هومركب، ومن أي الأشياء هومؤلف، وإلى ماذا ينحل؛ وبالحدود تعرف حقيقة الأنواع من أي الأجناس كل واحد منها، وبكم فصل يمتاز عن غيره؛ وبالبرهان تعرف حقيقة الأجناس التي هي أعيان كليات معقولات، كما سنبين بعد هذا الفصل. فنريد أن نشرح أولاً طريق التحليل في هذا الفصل، إذ قد فرغنا من طريق القسمة في قاطيغورياس، ولعلة أخرى أيضاً أن طريق التحليل أقرب إلى إفهام المتعلمين، لأنها طريق يعرف بها حقيقة الأشخاص، والأشخاص هي أمور جزئية محسوسة، كما سنبين بعد هذا الفصل، أما طريق الحدود وطريق البرهان فهما أدق وألطف، وإنما يعرف بهما الأشياء المعقولة وهي الأنواع والأجناس.
  رد مع اقتباس
قديم 10/06/2006   #143
شب و شيخ الشباب krimbow
أميـــــــــ
 
الصورة الرمزية لـ krimbow
krimbow is offline
 
نورنا ب:
Mar 2005
المطرح:
damscus-syria
مشاركات:
4,822

افتراضي


فصل في طريق التحليل والحدود والبرهان

وأعلم بأن معنى قولنا: الشخص، إنما هوإشارة إلى جملة مجموعة من أشياء شتى، أومؤلفة من أجزاء عدة منفردة متميزة عن غيرها من الموجودات. والأشخاص نوعان، فمنها مجموع من أجزاء متشابهة مثل هذه السبيكة، وهذا الحجر، وهذه الخشبة، وما شاكل ذلك من الأشخاص التي أجزاؤها كلها من جوهر واحد. ومنها أشخاص مجموعة من أجزاء مختلفة الجواهر، متغايرة الأعراض، مثل هذا الجسد، وهذه الشجرة، وهذه المدينة، وما شاكل ذلك من المجموعات من أشياء شتى.
فإذا أردنا أن نعرف حقيقة شخص من هذه الأشخاص، نظرنا أولاً إلى الأشياء التي هي مركبة منها: ما هي، وبحثنا عن الأجزاء التي هي مؤلفة منها: كم هي.
وأعلم يا أخي بأن الأشياء المركبة كثيرة الأنواع، لا يحصي عددها إلا الله- عز وجل- ولكن يجمعها كلها ثلاثة أجناس، إما أن تكون جسمانية طبيعية، أوجرمانية صناعية، أونفسانية روحانية. فنريد أن نذكر من كل جنس منها مثالاً واحداً لكيما يقاس عليه سائرها. فمن الأشخاص الجسمانية الطبيعية جسد الإنسان. فإنه جملة مجموعة مؤلفة من أعضاء مختلفة الأشكال، كالرأس واليدين والرجلين والرقبة والصدر وما شاكلها. وكل عضومنها أيضاً مركب من أجزاء مختلفة الجواهر والأعراض، كالعظم والعصب والعروق واللحم والجلد وما شاكلها. وكل واحد منها مكون من الأخلاط الأربعة. وكل واحد من الأخلاط له مزاج من الكيموس، والكيموس من صفوالغذاء، والغذاء من لب النبات، والنبات من لطائف الأركان، والأركان من الجسم المطلق بما يخصها من الأوصاف، والجسم مؤلف من الهيولى والصورة، وهما البسيطان الأولان، والجسد هوالمركب الأخير، وأما سائرها فبسائط ومركبات بالإضافة، ومثال آخر من الجرمانية الصناعية، وهوقولنا: المدينة، فإنا نشير به إلى جملة من أسواق ومحال، وكل واحد منها جملة من منازل ودور وحوانيت، وكل واحد منها مؤلف ومركب من حيطان وسقوف، كل واحد منها أيضاً مركب من الجص والآجر والخشب، وما شاكل ذلك، وكلها من الأركان، والأركان من الجسم، والجسم من الهيولى والصورة.
ومثال آخر من الروحاني والنفساني، وهوقولنا: الغناء، إشارة إلى ألحان مؤتلفة، واللحن مؤلف من نغمات متناسبة وأبيات متزنة، والأبيات مؤلفة من المفاعيل، والمفاعيل من الأوتاد والأسباب، وكل واحد منهما أيضاً مؤلف من حروف متحركات وسواكن. وإنما يعرف هذه الأشياء صاحب العروض، ومن ينظر في النسب الموسيقية. وعلى هذه المثالات يعتبر طريق التحليل حتى يتضح أن الأشياء المركبة من ماذا هي مركبة ومؤلفة، فعند ذلك يعرف حقيقتها.
وأما طريق الحدود فالغرض منها حقيقة الأنواع، وكيفية المسلك فيه هوأن يشار إلى نوع من الأنواع، ثم يبحث عن جنسه وكمية فصوله، وتجمع كلها في أوجز الألفاظ، ويعبر عنها عند السؤال؛ مثال ذلك: ما حد الإنسان، فيقال: حيوان ناطق مائت. فإن قيل: ما حد الحيوان، فيقال: جسم متحرك حساس. فإن قيل: ما حد الجسم، فيقال: جوهر مركب طويل عريض عميق. فإن قيل: ما حد الجوهر، فيقال: لا حد له، ولكن له رسم، وهوأن تقول: هوالموجود القائم بنفسه، القابل للصفات المتضادة، فإن قيل: ما الصفات المتضادة، فيقال: أعراض حالة في الجواهر لا كالجزء منها. فعلى هذا القياس يعتبر طريق الحدود، وقد أفردنا لها رسالة.
وأما طريق البرهان والغرض المطلوب فيه فهو معرفة الصور المقومة التي هي ذوات أعيان موجودة، والفرق بينها وبين الصور المتممة لها التي هي كلها صفات لها ونعوت وأحوال ترادفت عليها، وهي موصوفة بها، ولكن الحواس لا تميزها لأنها مغمورة تحت هذه الأوصاف، مغطاة بها، فمن أجل هذا احتيج إلى النظر الدقيق والبحث الشافي في معرفتها، والتمييز بينها وبين ما يليق بها ويترادف عليها بطريق القياس والبرهان.
  رد مع اقتباس
قديم 10/06/2006   #144
شب و شيخ الشباب krimbow
أميـــــــــ
 
الصورة الرمزية لـ krimbow
krimbow is offline
 
نورنا ب:
Mar 2005
المطرح:
damscus-syria
مشاركات:
4,822

افتراضي


فصل في ماهية القياس

وأعلم يا أخي أنه لما كان أكثر معلومات الإنسان مكتسباً بطريق القياس، وكان القياس حكمه تارة يكون صواباً، وتارة يكون خطأ، احتجنا أن نبين ما علة ذلك، لكيما يتحرز من الخطأ عند استعمال القياس، فنقول: القياس هوتأليف المقدمات، واستعماله هواستخراج نتائجها، ومقدمات القياس مأخوذة من المعلومات التي في أوائل العقول، وتلك المعلومات أيضاً مأخوذة أوائلها من طرق الحواس، كما بينا في رسالة الحاس والمحسوس كيفيتها.
  رد مع اقتباس
إضافة موضوع جديد  إضافة رد



ضوابط المشاركة
لافيك تكتب موضوع جديد
لافيك تكتب مشاركات
لافيك تضيف مرفقات
لا فيك تعدل مشاركاتك

وسوم vB : حرك
شيفرة [IMG] : حرك
شيفرة HTML : بليد
طير و علّي


الساعة بإيدك هلق يا سيدي 17:11 (بحسب عمك غرينتش الكبير +3)


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
ما بخفيك.. في قسم لا بأس به من الحقوق محفوظة، بس كمان من شان الحق والباطل في جزء مالنا علاقة فيه ولا محفوظ ولا من يحزنون
Page generated in 0.26503 seconds with 12 queries