أخوية  

أخوية سوريا: تجمع شبابي سوري (ثقافي، فكري، اجتماعي) بإطار حراك مجتمع مدني - ينشط في دعم الحرية المدنية، التعددية الديمقراطية، والتوعية بما نسميه الحد الأدنى من المسؤولية العامة. نحو عقد اجتماعي صحي سليم، به من الأكسجن ما يكف لجميع المواطنين والقاطنين.
أخذ مكانه في 2003 و توقف قسراً نهاية 2009 - النسخة الحالية هنا هي ارشيفية للتصفح فقط
ردني  لورا   أخوية > مجتمع > منبــر أخويـــة الحــــــر > حصاد المواقع

إضافة موضوع جديد  إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 19/08/2008   #37
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


»ثورة محافظة« ضد أميركا أيضاً



أُطلق وصف »القوة الفائقة« على الولايات المتحدة الأميركية تمييزاً لها عن »القوة العظمى«. اعتبر صاحب العبارة، وزير الخارجية الفرنسية السابق أوبير فدرين، أنه لم يسبق لدولة أن جمعت في نفسها عناصر الأرجحية الكاسحة السياسية، والاقتصادية، والتكنولوجية، والثقافية، والعسكرية.
اعتبر كثيرون أن الولايات المتحدة، وهي وليدة ثورة، لا تملك مشروعاً للتصدير فحسب وإنما القدرة على ذلك أيضاً. وجاء انتهاء »الحرب الباردة« ليحسم في تفوّق هذا النموذج ما دفع البعض إلى ادعاء »نهاية التاريخ«. وبالعودة إلى عناصر القوة المذكورة يتبيّن أن جزءاً من النفوذ الأميركي في العالم كان مستمداً ممّا يسميه البعض »القوة الوديعة«.
إن ما جرى في الأيام القليلة الماضية، وفي جلسة مجلس الأمن أمس مثلاً، يدل على اضطراب حقيقي في وزن العوامل المشكّلة للقوة الأميركية. لم ينفع الوزن السياسي إلا في تهديد المؤسسات الدولية بدل تأمين انحيازها فكان ما كان من سحب مشروع القرار الثلاثي. ولم يجدِ الوزن الاقتصادي نفعاً في شراء كمية الأصوات المطلوبة لتأمين أكثرية من 9 دول. ولم يكن الوزن

الثقافي مهدداً بفقدان جاذبيته كما هو اليوم. وهكذا وجدت واشنطن نفسها أمام اضطرار اللجوء إلى القوة العارية المستندة إلى، والمستفيدة من، تكنولوجيا عسكرية شديدة التقدم.
وفي آخر استقصاء رأي أُجري في أوروبا يتأكد أن شعبية الإدارة الحالية في تراجع مريع. فقياساً باستقصاء أجري في حزيران الماضي تراجعت النظرة الإيجابية إلى سياسة أميركا من 61 في المئة إلى 25 في ألمانيا، ومن 63 إلى 31 في فرنسا، ومن 70 إلى 34 في إيطاليا، ومن 79 إلى 50 في بولندا، ومن 75 إلى 48 في بريطانيا... ولا فرق في حجم التراجع بين »أوروبا القديمة« أو »أوروبا الجديدة«.
وعندما أعلنت واشنطن أن التحالف الداعم لها يضم 45 دولة تبيّن أن الثلث خجول من نفسه، والثلث كناية عن دول شيوعية سابقة حديثة العهد بالديموقراطية، والثلث الأخير يتمحور حول العصبية الأنغلوساكسونية. ويوضح ذلك كفاية النجاح في تبديد الحالة التي نشأت بعد تفجيرات 11 أيلول والتي جعلت دولاً كثيرة جداً تنحاز إلى الوجهة الأميركية في مكافحة الإرهاب.
إلا أن نظرة مدققة إلى سياسات الإدارة تؤكد أن التعاطف هو الاستثناء لأن الوضع في 10 أيلول لم يكن كذلك. فبين وصول جورج بوش إلى البيت الأبيض وبين سقوط البرجين مارست الولايات المتحدة سياسات، وأعلنت عن خطط وبرامج وتوجهات، استفزازية لمعظم سكان المعمورة. لقد انسحبت من معاهدات ومواثيق دولية، وانكفأت عن سياسات، وامتنعت عن المشاركة في مجهودات دولية، وبدا أن فريق الصقور، بجناحيه اليميني والمحافظ، ماضٍ في فرض أسلوب فوقي في التعاطي مع الآخرين. ولذا لمّا هبّ حلف الأطلسي يعرض خدماته في حرب أفغانستان طُلب منه أن يبقى على حدة. واختير العراق هدفاً تنفيذاً لمضمرات سابقة وامتحاناً لقدرة الجميع على الالتحاق غير المشروط بالمركز الأمبراطوري. وسرعان ما اكتشف الكثيرون أن واشنطن غير معنية بتأمين شروط قيادتها لهم لأنها ماضية نحو الهيمنة. وأنها تريد فعل ذلك مستندة إلى تفوقها العسكري الكاسح بدرجة حاسمة. ولقد أدى ذلك إلى ارتداد قطاعات شعبية واسعة عن الانجذاب نحو الولايات المتحدة بحيث أن لا وجود لأكثرية شعبية تؤيدها إلا في... إسرائيل.
يقول فريد زكريا في مقاله الأخير في »نيوزويك«: »سافرت حول العالم وقابلت مسؤولين رفيعي المستوى في الحكومات من عشرات الدول خلال العام الماضي. يمكن أن أورد أن كل دولة تعاملت الإدارة معها تشعر بالمهانة منها باستثناء بريطانيا وإسرائيل«. وضع عنواناً لمقاله »الإمبراطورية المتغطرسة« وحاول أن يجيب على سؤال: »لماذا تخيف أميركا العالم«. كنا بلماذا يكرهنا العرب والمسلمون فصرنا بخوف العالم كله.
* * *
إن مكوّنات »القوة الفائقة« التي ذكرها فدرين تخضع، حالياً، لترتيب جديد. ويتم هذا الترتيب لصالح البُعد العسكري التكنولوجي بصفته الأداة الرئيسية لفرض الهيمنة. والمهم في الموضوع ما شرع يلاحظه عدد من الساسة والمثقفين الأميركيين: هل سيرتد المشروع الأميركي الكوني على الداخل الأميركي؟ هل تقود حملة التجييش باسم الحروب اللامتناهية إلى المضي قدماً في إعادة صياغة العلاقات الداخلية في الولايات المتحدة نفسها؟
إن ما يبرّر طرح مثل هذين السؤالين هو أن أصحاب مشروع الهيمنة الخارجية يملكون أجندة تهتم بتفاصيل الحياة الأميركية. إن التضييق على الحريات الفردية هو وجه من وجوهها فحسب. أما في الحقيقة فإن الموضوع هو الانقضاض على كل ما نجا من العاصفة الريغانية وهو ذو صلة بالرعاية، والتوازن الاجتماعي، والعلاقات العرقية، وحقوق النساء، وأوضاع الأقليات الخارجة عن الخط القويم، والمسؤولية المدنية للشركات وأصحاب الرساميل، وحظوظ المهمشين في قدر من الحماية، وحريات الإبداع والخروج عن المألوف، والمعتقدات الإيمانية العقلانية، والدور الإنساني للدين، واستقلالية الدولة عن الغيبيات، إلخ...
ليس صدفة أن البيئات ذات الصلة بهذه العناوين هي البيئات التي تصدر عنها، في الولايات المتحدة، معارضة الحرب: من نيويورك تايمز، إلى نيويورك ريفيو اوف بوكس، إلى هوليوود، إلى الكنائس الرسمية، إلى أوساط يسارية في الحزب الديموقراطي، إلى ورثة حركات الحقوق المدنية، إلى جمعيات الدفاع عن حق الاختلاف... ليست المعارضة هنا رفضاً للحرب من أجل الديموقراطية المزعومة، ولا رفضاً للخروج عن مجلس الأمن، ولا، طبعاً، محبة بنظام صدام حسين. فهذه البيئات أيّدت ثلاث حروب لبيل كلينتون خارج الشرعية الدولية (البوسنة، هايتي، كوسوفو) ولكنها، اليوم، ترفض لإدراكها الصلة العميقة بين هذا الشكل المحدد من الاتكال على القوة العسكرية وبين مشروع داخلي شديد المحافظة والرجعية والانغلاق.
إن معارضي الحرب الأميركيين إنما يدافعون عن أنفسهم وحرياتهم والصورة التي يريدونها لبلادهم والتي ساهموا في صنعها. وهم يفعلون ذلك ضد خصوم محليين يتصرفون على أساس أنه آن الأوان للخلاص، ليس من أعداء الخارج فحسب، بل من أشكال »الفجور« الداخلي الداعي إلى ثقافة »مضادة«، وإلى قدر من العدل، وإلى تنظيم لعلاقات الأقوام، وإلى الدفاع عن قيم أوروبية في أميركا، وإلى إلغاء عقوبة الإعدام، وإلى عولمة أقل وحشية...
كلا، إن الإدارة الحالية لا تختصر بلادها. ومن الخطأ اليأس من الأميركيين الذين قد يدفعون، مثل غيرهم، ثمن الجنوح إلى فرض »الثورة المحافظة« على العالم كله وعلى الولايات المتحدة أيضاً. وإذا كان صحيحاً أن »الثورة المحافظة« هو مشروع لأميركا أولاً قبل أن يكون لسواها فإن الرهان واجب على دور للأميركيين أنفسهم في إحباطه.

20/3/2003

قم واضرب المستحيل بقبضتك اليسرى
انت تستطيع ذلك
http://themanofpapers.wordpress.com
  رد مع اقتباس
قديم 19/08/2008   #38
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


وصل سيلفيو بيرلوسكوني الى واشنطن حاملاً رأس غيرهارد شرودر. تبعه طوني بلير حاملاً رأس جاك شيراك. وكانا مرّا في اسبانيا عشية وغداة بيان الدول الثماني (أصبحوا 9) للاطمئنان الى حسن سير العملية الموجهة لشق القارة الأوروبية، أي لجعلها تنطق بلسانين، أي لإسكاتها.
لقد بات في وسع جورج بوش القول إن أوروبا ليست ضد سياسته. فهناك من ارتضى، باسم التضامن الأطلسي، ضرب التضامن الأوروبي. وذهب بعض الغلاة الى حد الحديث عن عزلة المانيا وفرنسا مستعيداً توصيف دونالد رامسفيلد لهما: أوروبا القديمة.
تقضي الحقيقة القول إن لا مفاجأة في البيان المشار اليه. فأوروبا لم تكن موحدة يوماً حتى يمكن الحديث عن انقسامها. وليس سراً ان أوروبا السياسية، في ما يخص الأمن والسياسة الخارجية، لا زالت مشروعاً يحبو. وكل ما كشفت عنه المسألة العراقية هو ان القارة بعيدة جداً عن ان تبدأ مسيرتها التوحيدية بحيث يتحول انفتاح الأسواق وإسقاط الحدود واعتماد اليورو الى أمن مستقل يسند سياسة خارجية مستقلة.
ان تقرير الأمر الواقع هذا لا يلغي ظاهرتين. الأولى، والأقل أهمية، هي ان البرلمان الأوروبي اقترع ب287صوتاً مقابل 209 ضد أي عمل عسكري انفرادي. غير ان البرلمان لا صلاحيات له في هذا المجال. الظاهرة الثانية، والمهمة، هي ان المزاج الأوروبي العام، وبنسبة تقارب 80 في المئة، يعارض حرباً خارج الشرعية الدولية. ومع ان بون تبدو أكثر تصلباً من باريس في نزعتها السلمية، ومع ان شيراك أرسل اشارات مرتبكة فإن أكثر من ثلاثة أرباع الفرنسيين يريد ممارسة حق النقض في حال قررت واشنطن التصويت، في مجلس الأمن، على قرار بحرب غير مبررة.
لا ضرورة لتقديس استطلاعات الرأي. ولا منطق في الدعوة الى اعتمادها مرشدا سياسياً. ولكن ثباتها خلال الشهور الماضية، والتباين المستمر الذي تظهره بين ضفتي الأطلسي، يشيران الى ان الشعوب الأوروبية أكثر تقارباً مما يظهره صدور البيان الانشقاقي. ولعل الجديد هو انه بات يصعب اعطاء معنى لهذا
التقارب الا انه دعوة الى أخذ مسافة عن السياسة الأميركية التي تمثل الادارة الحالية لحظة شديدة الرعونة فيها.
ليس في أوروبا، بشرقها وغربها، من يعادي الولايات المتحدة. ولكن الواضح ان قوى كثيرة باتت تجد نفسها متعارضة مع سياسات شديدة الليبرالية، والانانية، والغطرسة.
إن دعاة أوروبا الأوروبية يريدون التحالف مع الولايات المتحدة. ولكنهم يريدون، في الوقت نفسه، بلورة شخصية مستقلة تعتبر انها، بسبب قدمها وتجربتها وتأريخها وموقعها، قادرة على المساهمة في ارساء العلاقات الدولية على قاعدة احترام التعدد والاحتكام الى معايير متفق عليها.
يتواجه هؤلاء مع المتحمسين لأوروبا الأطلسية التي تكتفي بكونها سوقاً حرة، وتتوسع على هذا الأساس، وتخوض، ربما، مواجهات »نقابية« مع واشنطن، ولكنها تترك للشقيق الأكبر الحق شبه الاحتكاري في الأمن والسياسة والدولية.
ويقدم البيان الأخير نموذجاً عما يمكن ان تنحط اليه أوروبا حال استسلامها للولايات المتحدة في صياغة وعي العالم.
القول اننا، اليوم، »أمام خطر أعظم لا يماثله خطر« يكاد يكون مضحكاً في فم أوروبي يعرف تماماً مخاطر القرن العشرين. ورواية 11 أيلول على أساس ان الهجمات كانت ضد »القيم« ليس إلا، تنسف أي رغبة في الاسهام بجعل العلاقات الدولية أكثر توازناً والادعاء ان أميركا انقذت أوروبا مرتين بسبب »الإقدام والكرم وبعد النظر« يرفضه أي عاقل يعرف القليل عن تاريخ أميركا. والتخوف من ان يكون العراق خطراً مميتاً على الأمن العالمي وعلى العلاقات عبر الأطلسي لا يفعل سوى التشكيك برجاحة المتخوف. والزعم ان الفشل في مواجهة التهديد العراقي »يعني التخلي عن مواطنينا والعالم أجمع« لا يساوي بروباغندا تافهة من الدرجة العاشرة.
إن ثمة ما يخيف فعلا في تحويل هذا »النص« الى برنامج. لا تعود الرداءة هي المعيار بل القوة القادرة على ممارسة »الرداءة«.
يمكن القول ان المشروع الأوروبي، بالمعنى النبيل للكلمة، هو ضحية حرب لم تقع بعد. فلقد بات واضحاً ان الأطلسية هي، من وجهة نظر أميركية، شرط الأوروبية. والأطلسية، بمعناها الجديد، لم تعد حلفاً مؤسساً على مصالح مشتركة و»قيم« مشتركة. اصبحت مجرد اداة من أدوات استلحاق القارة أو دول فيها بحيث يمكن »اصطياد« أعضاء جدد واستخدامهم ضد بلدان مجاورة. أما الاداة الأخرى فهي تحويل توسيع الاتحاد الأوروبي الى وسيلة لتذويب »الشخصية« الأوروبية وإغراق النواة الصلبة للقارة بوافدين يستقوون بأطلسيتهم على أوروبيتهم.
وتدعم هذه المعطيات الرأي القائل بأن العدوان المحتمل على العراق يستهدف، بصورة غير مباشرة، حلفاء للولايات المتحدة يظهرون نزعات استقلالية. انه محاولة لهندسة العلاقات الدولية وفق ميزان قوى جديد يضمن لواشنطن أرجحية كاسحة في المدى المنظور وحيال دول أو مجموعات دول لا مجال لمنازعات عسكرية معها.
وبهذا المعنى يمكن القول إن العراق ليس هو الموضوع في خلافات قد تبرز بين الولايات المتحدة ودول متوسطة النفوذ. ومع ما في هذا الكلام من جرح للنرجسية لدى النظام العراقي فإن الواضح ان بغداد هي مجرد عنوان لصراعات تتجاوزها وتتجاوز المنطقة وتتناول العلاقة الثنائية بين كل عاصمة على حدة وبين المركز الامبراطوري. ولهذا السبب، بالضبط، تحول سؤال الحرب المتوقعة الى محور من محاور الحياة السياسية الداخلية في معظم بلدان الأرض، وفي معظم التجمعات الاقليمية.

1/2/2003
  رد مع اقتباس
قديم 19/08/2008   #39
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


بيرز. لوموند. مجلس



وداعا شارلوت. جاء بك كولن باول من اجل بيعنا سلعة اسمها »اميركا«. قال انه آمن بقدراتك منذ اقناعه ب»انكل بنز«. كلفك تعليب البضاعة وتسويقها. كانت الباكورة مجموعة من الكليبات التلفزيونية. لم تكوني، شارلوت بيريز، موفقة. فهذه الكليبات إما لم تُعرض وإما اثارت الهزء حين عرضت. ثم سحبها من التداول. هاجمك آخرون في الادارة لأنك لم تنجحي في جعل العرب يحبون اميركا. وبعض من انتقدك كان يؤكد ان واشنطن لا تطلب الحب بل الخوف. واثارة الرعب ليست ميزة لديك. لنقل انها ليست ميزة من يريد اكتساب حصة في الاسواق.
لم تنتبهي الى ان اللعبة مغشوشة من البداية. ان درجة الكراهية لسياسة الادارة الحالية شديدة الارتباط بمعرفة حقيقة السياسة الحالية للادارة. ولذلك ليس غريبا ان تكون التظاهرات اكبر حيث الوعي اعلى. ربما كان عليك، بدل الاستقالة، السعي الى اقناع باول بأن »بيع« اميركا لدى الحلفاء الاوروبيين اجدى. لكن شرط ذلك كما قال احد هؤلاء الحلفاء، إزنار الاسباني، كمّ فم دونالد رامسفيلد. وهذه مهمة لا توكل الى خبيرة حملات اعلانية.
***
في فرنسا ضجة. تمد دُور النشر المكتبات بآلاف النسخ يوميا ولكنها تختفي في لحظات. لقد بات معيبا ألا يعرف مواطن ماذا يتضمن كتاب »الوجه المخفي من لوموند«. انها مطالعة اتهامية جارحة بحق صرح من صروح الاعلام الفرنسي والعالمي. وهي جارحة لأنها تطال التركيبة »الحاكمة« في الصحيفة وتتهمها بما لا يقل عن صرف النفوذ، والابتزاز، والانحيازات السياسية الفاقعة، وتزوير الوقائع، والعداء لفرنسا، وعمالة احد افرادها للمخابرات المركزية الاميركية، والتواطؤ مع اصحاب الرساميل... الخ.
ردت »لوموند« على ما اعتبرته محاولة لزعزعتها ولكنها لم تدخل في التفاصيل. واتخذت في سياق ذلك القرار الخاطئ: عدم المشاركة في اي نقاش تلفزيوني يتناولها. غير ان الشاشات التي ذاقت لوعة النقد الذي مارسته الجريدة بحقها اخذت تثأر. لا يمضي يوم الا وتستضيف قناة ضيوفا يؤدبون يومية اعتادوا على الخوف منها.
النقاش الفعلي في خلفية الظاهرة من شقين: إذا كان الإعلام سلطة رقابية رابعة فمن يراقبه؟ هذا اولا. ثانيا، إذا كان الإعلام المكتوب يعطي لنفسه حق النظر في الاعلام المرئي فهل العكس وارد.
***
يبدو أن المجلس الوطني للإعلام في لبنان يريد »ميثاق شرف« يضبط التعاطي مع الحرب المحتملة على العراق. خطوة ثانية ونقع في مطب »لجان الإرشاد والتوجيه«. إن لم يكن التعاطي مع الحدث المتفاعل والمتوقع تعدديا فإن المهنة تفقد بعض شرفها. وإذا أراد المجلس دورا لنفسه في هذا الموضوع او غيره فإنه من السهل »اقتراح« عشرات المهمات التي تنتظر من يقوم بها.

5/3/2003
  رد مع اقتباس
قديم 19/08/2008   #40
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


خيارات صوفي



خيارات صوفي
الجندي الواقف عند مدخل معسكر الإبادة يسأل صوفي (في مشهد من فيلم شهير) عما إذا كانت تختار الإبقاء على حياة ابنها أو ابنتها؟ وهو لا يفعل سوى نقل المسؤولية إليها بدعوتها إلى قتل ابنها أو ابنتها.
لو حولت صوفي سؤال الجندي النازي إلى بعض المثقفين العرب لكانوا اقترحوا عليها جوابا من شقين: »تختار«، أولا، تدمير المعسكر، و»تختار«، ثانيا، تأمين رفاهية مؤبدة للقاطنين بجوار غرف الغاز، رفاهية يتوارثونها جيلا بعد جيل.
لقد كان على صوفي أن تعيش التناقض حتى الموت. أن تعيشه بنبل لا تنتقص منه سذاجة الاعتقاد أنه كان في وسعها »التعالي« فوق لحظتها المأساوية ولكنها، لأنها لم تفعل، باتت شريكة في الجريمة.
إن العراقيين والعرب اليوم أمام نسخة جديدة من »خيارات صوفي«.
المعارضة العراقية الكردية لا تستطيع ممارسة رغبتها الأصلية في قيام وطن يضم شتات هذا الشعب الموزع على غير دولة. ولو كان الرأي رأيها لفضلت الوضع القائم اليوم في كردستان. ولقد بدت لفترة، وبعد تجارب مريرة، كمن اقتنع بأن الولايات المتحدة، فضلا عن الجبال، صديق وفيّ. إن هذه المعارضة مضطرة، الآن، إلى »المشاركة« في حرب ضد العراق وهي تدرك، كما يقول قادة فيها، أن الحرب الفعلية قد تكون، غداً، ضد الجيش التركي. هل كان سيزيف كرديا؟
المعارضة العراقية الشيعية المتحالفة مع إيران لا تملك سببا أصليا للود مع الولايات المتحدة. ولكنها قد تجد نفسها، رغما عنها، جزءا من آلة الحرب الأميركية، حتى إذا نجحت هذه الحرب بات العراق كله موطئا للانقضاض على النظام في طهران. عداء هذه المعارضة لصدام حسين قوي، ولكن يمكن الافتراض أن قشعريرة تصيبها وهي تدرك أنها طرف في لعبة تتجاوزها وتهدف إلى إخضاع بلدها لاحتلال أجنبي مديد، ولإعادة إنتاج صيغة للسلطة لا فضيلة لها إلا الطاعة وتسهيل النهب.
وضمن الثنائي أحمد الجلبي كنعان مكية الذي يعبّر، كتابةً، عن مأزقه، فإن الأول قابل للتأقلم أما الثاني فيبدو ملتاعا: يخشى أن تخذل أميركا ما غرسته فيه من قيم فتنصر أعداءها عليه وتسقط من قيمة ما فعله في ربع القرن الأخير. السياسة
الأميركية، بالنسبة إليه، تكاد تكون قضية شخصية.
نحن أمام معارضين مأزومين. منهم من يتردد في الانحياز إلى واشنطن (ولكنه يفعل) ومنهم من يخاف عدم انحياز واشنطن إليه.
تبدو الحرب المحتملة من دون بطل. قد يكون جورج بوش بطل الغلاة. غير أنهم، عالميا وعربيا، أقلية. وفي المقابل، ليس الرئيس العراقي بطلا عند أحد ولو أن صورا له تُرفع في بعض التظاهرات. فعلى ضفة العراق تبدو »القضية« أكبر من أي شيء آخر، لا بل متباينة عن الرمز المفروض عليها.
وبهذا المعنى، فإن رافضي الحرب، والاحتلال بالتالي، هم، أيضا، في مأزق. لنأخذ الرئيس الفرنسي جاك شيراك مثلا. قال ذات مرة إنه يتمنى لو أن صدام يختفي. غير أنه مضى في تجنيد بلاده وعلاقاتها لإعطاء الحل السياسي فرصة. وهو يرتكب، بتصديه للولايات المتحدة، مغامرة قد تكلف فرنسا موقعها في أوروبا والعالم ومصالحها في الشرق الأوسط. فعل ذلك لأنه أدرك أن اللحظة السياسية الحرجة لا تحتمل إلا الموقف »التحليلي« من طبيعة النظام والموقف العملي ضد الحرب الانفرادية.
ويمكن الذهاب أبعد من ذلك.
ففي تحقيق صحافي عن »الدروع البشرية« في العراق، أي عن المواطنين الغربيين القادمين لمحاولة تفادي الحرب، يتبين أن نقاشا جديا يدور. يقول عالم اجتماع نروجي: »نحن هنا لندافع عن الشعب لا عن النظام. وهذا هو تناقضنا«. يضيف أنه يدرك فائدته للنظام ميتاً تحت قصف أميركي أكثر منه حياً. ومع ذلك فإن قراره هو البقاء. لقد أدرك الرجل أن المهمة غير القابلة للتأجيل هي منع حصول الحرب، أو، على الأقل، السعي إلى ذلك. ارتضى ألا يشرط دفاعه عن شعب العراق بالخلاص من النظام لأنه إن مارس هذا الترف، فسيبقى حيث هو ويزيح عقبة، ولو متواضعة، من أمام العدوان والاحتلال.
يقدم هذا السلوك مدخلا إلى تقييم مواقف صادرة عن بيئات عربية تبحث، في الوحل الذي نحن فيه، عن مخاوف لمآزقها وليس عن طرف خيط يقود إلى تصور للمخرج من المأزق العام.
إن الموقف الداعي إلى تنحية رجالات السلطة في العراق كمدخل لمنع الحرب هو، في أحس الأحوال، تهرّب من المواجهة حيث تدور وإغماض العينين عن العنصر الأساسي في المعادلة: ثمة حرب استعمارية على نظام قمعي لأسباب لا علاقة لها بطبيعته بل بمصالح الدول المحاربة. العنصر الأساسي، هنا، هو الحرب والاحتلال ومن غير الجائز إضاعة جهد، الآن، في ما سوى ذلك.
والموقف القائل: »لا للحرب، لا للديكتاتورية« هو نوع من إراحة الضمير لأن هذه الحرب، بالضبط، قائمة ضد هذه الديكتاتورية بالضبط. إن هذا السلوك طفولي بمعنى ما لأنه يرفض وضعيته الدونية من أجل الهرب نحو شعار يتجاهل، في العمق، البؤس الذي يتخبط به العرب والذي يجعل خياراتهم، الواقعية، مشابهة لتلك المعروضة على صوفي.
إن دعوة »التنحية« لا تحرف الجهد فحسب بل تكاد تذهب به نحو التوظيف في سياق مواز للحرب والاحتلال. أما الدعوة إلى رفض الحرب والديكتاتورية معا، وفي اللحظة نفسها، فهي، على عكس ما يعتقد أصحابها، خروج مَرَضي من الحدث لا دخول صحي إليه.
تبقى قضية يُفترض بها أن تقلق ضمائر الذين يعطون لمنع الحرب أولوية: ماذا عن العراقيين الذين عانوا ويعانون؟ لا يمكن لأي نزيه أن يقفز من فوق هذا الموضوع. ولكن، بالمقابل، لا يمكن لهذا الموضوع أن يصادر النقاش لأنه يمنعه، حينئذ، أن يكون مبنيا على تحليل بارد يقول إن أهوال ما بعد الحرب، على الجميع، أقسى من الوضع الراهن.
هل يحل الإشكالات أن يستمر معارضو الحرب والاحتلال في موقفهم العملي معترفين، نظريا، بطبيعة السلطة في العراق، ومعتذرين من ضحاياها؟ ليسوا هم من اختار هذا السلوك. إنه الجندي الواقف عند مدخل معسكر الإبادة.

27/3/2003
  رد مع اقتباس
قديم 19/08/2008   #41
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


الإعلام الحربي



ليس سرا ان السفارة الاميركية في بيروت، كما كل سفارة اميركية في العالم، تتصل بوسائل الاعلام لتعرض عليها خدماتها في ما يخص تغطية »الحرب المحتملة« في العراق. اي ان السفارة تقوم بواجبها.
السر هو ان القارئ او المشاهد اللبناني والعربي لا يعرف الكثير عن تجاوب وسائل الاعلام المعنية. سينتظر، لكي يصبح مطلعا، بدء العمليات القتالية ورؤية المراسلين بأزيائهم الكاكية. في غضون ذلك، يُضرب نطاق من السرية حول الشروط التي يضعها الجانب الاميركي على الصحف والتلفزيونات من اجل الموافقة على اعتماد المراسلين ومن معهم.
فواشنطن تدرك، بعد التجربة المرة في فيتنام، وفي ظل ثورة الاتصالات الحالية، ان الاعلام اكثر خطورة من ان يُترك للاعلاميين. وفي المعلومات ان الصحافيين يُفترض بهم مرافقة القوات الاميركية الغازية حصرا، والتزام »ميثاق شرف« يمنعهم من بث ما لا يحصلون على إذن عسكري ببثه من ضابط الموقع. وعلى الضباط ان يعودوا بالتسلسل الهرمي، امام قضايا شائكة، الى دونالد رامسفيلد شخصيا او الى رئيس الاركان ريتشارد مايرز.
ولقد أكمل البنتاغون، حتى الآن، تدريب 232 صحافيا على مهمات شبه قتالية ولكنه توقف عن ذلك لأن الوقت يضغط ولأن »الامن الاعلامي« سيتوفر ميدانيا. وهكذا، فإن مراسلا تلفزيونيا سيجد نفسه امام المعضلة التالية: هل في الامكان توجيه اي انتقاد الى ممارسة جندي اميركي يتولى حراستي شخصيا؟
لقد جرى اختبار هذا الاسلوب في الحرب السابقة على العراق. وكان علينا ان ننتظر صدور عشرات الكتب اللاحقة من اجل معرفة حقيقة ما جرى، علما بأن بعض هذه الكتب فكك، منهجيا، ما كان يُنقل الينا على انه الحقيقة.
ان تعليب التغطية الاعلامية للحرب هو قمة جبل الجليد في خطة محكمة ترمي الى السيطرة على مسرح العمليات الصحافي. فالبنتاغون لا ينوي ترك شيء للصدف. وهو جدد، من اجل ذلك، الاتفاق مع جون ريندون (ريندون غروب) الذي بات معتمده الرسمي منذ عشرين سنة: نيكاراغوا، بناما، البلقان، هايتي، افغانستان، العراق 1 والعراق 2.
وظيفة راندون هي »هندسة الصورة« بالمعنى الاستراتيجي للكلمة. فهو الذي يساعد في انشاء الاذاعات الموجهة ضد العراق. وهو الذي اكتشف »العشيقة الشقراء« لصدام حسين. وهو الذي ساعد كولن باول في عرضه المرئي والمسموع امام مجلس الامن. وهو لا يتوانى عن اختراع أحداث تتم تغطيتها لاحقا وعن ابتداع جمعيات يصبح رأيها مسموعا (»التحالف من اجل العدالة في العراق«).
والرجل منصرف منذ اشهر الى تحضير الحملة المسبقة للحرب والى وضع قواعد العمل الاعلامي اثناءها. وفي العدد الاخير من »لونوفيل ابسرفاتور« انه هو واضع الافكار التمهيدية للعدوان وعلى رأسها »تركيز السجال العام على ضرورة تغيير النظام في بغداد بسرعة«، ومن اساليبها »عمليات سرية لتغيير الرأي العام المتردد« (عرائض، مقالات، تحقيقات، جمعيات وهمية...).
يُستحسن بوسائل الاعلام اللبنانية والعربية ان توضح للمستهلكين نوع الاجابات التي قدمتها الى الادارة الاميركية في ما يخص هذا الموضوع بالذات. ونحن نعرف ان سباقا محموما يحصل الآن من اجل انتزاع موقع نموذجي من »التغطية الكاملة«. ان هذا الموقع قد يدر مالا اعلانيا كثيرا، ولكن المطلوب تحذير المواطنين مما تدفعه المنطقة ثمنا لحصولها على الصورة الاميركية عن الحرب... وهي، بالضرورة، صورة معقمة او وردية!

19/2/2003
  رد مع اقتباس
قديم 19/08/2008   #42
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


الشرق الأوسط الكبير: المشترك بين أميركا وأوروبا



الشرق الأوسط الكبير: المشترك بين أميركا وأوروبا
من الأفضل للعالم أن يكون تعددياً. إنه كذلك بمعنى ما وإن كانت الإدارة الأميركية الحالية تمارس انفراداً ملحوظاً في مجالات كثيرة. إلا أن من المفترض أن نلاحظ أن تعددية اليوم، ولو الجزئية، هي غير قطبية الأمس. فهي لا تقوم على امتلاك كل محور أو مركز رسالة عالمية تناهض رسالة يحملها محور أو مركز آخر. وإذا كان من تمايزات سياسية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة مثلاً، فإنها تمايزات تخترق دول الاتحاد كما تخترق السجالات الأميركية كما هو بيّن في الحملة الرئاسية الحالية.
تظهر هذه الحقيقة التعددية هي غير القطبية في ما يسمى المبادرات الأميركية والأوروبية للإصلاح في الشرق الأوسط الكبير. لسنا، إطلاقاً، أمام مشروعين متنافرين كما كان يمكن أن يكون الأمر أيام الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي. نحن أمام مشروعين متكاملين مطروحين أصلاً لنقاش أولي في هيئات تضم دول الغرب وتضيف إليها روسيا مرة (قمة الثماني) أو تركيا مرة أخرى (قمة حلف شمال الأطلسي).
إن الجذر المشترك في المبادرتين الأميركية والأوروبية أكبر ممّا قد يتصوّر البعض. هذه بعض محاوره:
أولاً لا يعادي أي من المشروعين النظام الرسمي العربي الراهن. صحيح أن الأوروبيين أكثر تشديداً على »المشاركة« ولكن الصحيح، أيضاً، هو أن هذا ما انتهى إليه الأميركيون بسرعة. لا مجال للكلام عن تهديد للاستقرار الضامن للمصالح الغربية. كل ما في الأمر هو تطعيم الوضع الراهن عبر استحداث أدوات تدخل عليه قدراً بسيطاً من التطوير. وفي الحالتين معاً، وفي الحالة الأميركية تحديداً، لن نجد تعريفاً للسياسات الفعلية التي تعرف المصالح الوطنية والاستراتيجية بما يمكّن من تحديد موقف من هذه السياسات. كل ما نجده هو نوع من القنابل الدخانية التي تتقدم السياسات في ظلها.
ثانياً إن منظومة المبادئ التي يتم التبشير بها واحدة: الديموقراطية، حقوق الإنسان، حكم القانون، الحاكمية الجيدة... إنها المنظومة نفسها التي يُقال في أوروبا وفي الولايات المتحدة إنها في أساس العلاقة الجامعة بينهما.
ثالثاً إن تحرير الاقتصاد حاضر، على قدم المساواة، في المبادرتين: دعم القطاع الخاص، فتح الأسواق، الانضمام إلى منظمة التجارة، حسن التعامل مع المؤسسات النقدية الدولية، تغيير البيئة التشريعية لتصبح حديقة للاستثمار، والأجنبي منه تحديداً، تطوير التعاون البيني، الارتباط بالعولمة. إلخ...
رابعاً البُعد الثقافي واحد في المبادرتين: التسامح، نبذ التعصب والعنصرية، إصلاح الأنظمة التعليمية، تمكين المرأة، الانفتاح على الخارج، زيادة الاعتماد على التكنولوجيات الحديثة في الاقتصاد والاتصال والتعليم، حوار الثقافات، احترام الأقليات والأفراد...
خامساً كذلك تنهض المبادرتان على أسس مشتركة لجهة الدعوة إلى مكافحة الإرهاب بكل أشكاله، وعدم اللجوء إلى العنف لحل المنازعات، واعتماد الاعتراض السلمي حتى على الاحتلال، والتخلي عن أسلحة الدمار الشامل ولو من طرف واحد، وحسن الجوار، إلخ...
يعني ما تقدم أنه عندما تنظر النخب الأوروبية إلى بعيد فإنها لا ترى شرقاً أوسط كبيراً مختلفاً في شيء عن ذلك الذي تراه النخب الأميركية.
ومع ذلك يمكن تعيين نقاط تمايز، العراق وفلسطين أساساً. ولكن، حتى في هذين العنوانين، يبقى الجذر المشترك متيناً.
ففي ما يخص العراق لا خلاف بين الطرفين على ضرورة إنجاح مرحلة ما بعد الحرب التي سبّبت خلافات. لا يمكن لأي أوروبي أن يتمنى فشل المشروع الأميركي لعراق جديد مسالم. إن الاختلاف محصور بدرجة الاستئثار الأميركي بالملف العراقي ويترجم هذا الاختلاف نفسه بأهمية الدور المعطى للأمم المتحدة، وبشروط زيادة استخدام حلف شمال الأطلسي، وبدرجة إشراك العراقيين في العملية السياسية فوراً.
وفي ما يخص فلسطين لا تباين بين الطرفين على أمن إسرائيل وحمايتها، لا بل حقها في التوسع المحدود في الأرض المحتلة عام 67، وكذلك حقها في رفض عودة اللاجئين صيانة لطابعها اليهودي. كذلك لا يتباين الطرفان على إدانة العمل العسكري كأسلوب في المقاومة خاصة عندما يطال مدنيين. وأخيراً ثمة أساس متنام لاعتبار السلطة الفلسطينية فاسدة وغير متحمسة أو غير راغبة في حل.
يبقى أن خلافاً نظرياً يباعد بين الأوروبيين والأميركيين. فالأوائل يعتبرون أن حل النزاع العربي الإسرائيلي شرط للتغيير الكبير في الشرق الأوسط لأنه يسمح بالضغط من أجل ديموقراطية لا تحمل خطر وصول قوى راديكالية. أما الأخيرون فيعتبرون أن النزاع لم يعد يحتل المكانة التي كان يحتلها، وأن في الإمكان تهميشه، وأن هذا، بالضبط، ما يحاولون فعله في العراق بعد احتلاله حيث لا يبدو موقفهم من القضية الفلسطينية مصدر اعتراض عراقي جوهري على سياستهم (ثمة مصادر اعتراض أخرى). يدرك الأميركيون، في الواقع، أن نجاحاً في حل النزاع يسهّل الأمر أمامهم ولكنهم واثقون من قوتهم إلى حد أنهم يرفضون تقدم مشروعهم بهذا الحل. أضف إلى ذلك أن من غير الممكن، من وجهة نظر أميركية، إعطاء ياسر عرفات حق النقض على مشروعهم العراقي.
إن التباعد في الشأن الخاص بالنزاع قابل للتسوية أو، على الأقل، لقدر من التقارب. فبإمكان الولايات المتحدة الموافقة على أن حل النزاع عنصر دفع كما بإمكان الأوروبيين كما جاء في ورقة جوشكا فيشر فك الارتباط جزئياً بين »الإصلاح« والتسوية.
كذلك يمكن للطرفين أن يلتقيا عند الفكرة القائلة بأن حل النزاع مرهون أكثر بما يتوجب على الفلسطينيين (والعرب) فعله لا بما يتوجب على إسرائيل وأرييل شارون. وثمة مؤشرات أوروبية في هذا الاتجاه ليس معروفاً بعد ما إذا كان الحدث الإسباني سيلجمها.
إن ما هو مشترك بين أوروبا وأميركا، وما هو مختلف عليه، وما هو قابل للتسوية يرسم، إلى حد بعيد، المناخ الدولي الذي يتحرك العرب فيه. إنه مناخ لا علاقة له بذلك الذي ساد أيام الاستقطاب الدولي. يفترض أخذ ذلك بالاعتبار في السياسات العربية كلها، الرسمية والشعبية، سواء حيال قضايا مثل العراق وفلسطين، أو حيال قضايا ذات صلة بالوجهة الاقتصادية، والمضمون الاجتماعي لحركات الاعتراض، وتحديد العناوين العريضة لنهضة عربية مأمولة... ومؤجلة!

19/3/2004
  رد مع اقتباس
قديم 19/08/2008   #43
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


الشرق الأوسط الكبير: حذار الابتزاز



لم يبقَ مسؤول أميركي نافذ إلا وذكر بالخير تقارير الأمم المتحدة عن التنمية في الشرق الأوسط: جورج بوش، ديك تشيني، دونالد رامسفيلد، كولن باول، كونداليسا رايس، بول وولفويتز... ومع تضاؤل الأمل بالعثور على أسلحة الدمار الشامل في العراق تتضخم الادعاءات الأميركية بأن الحرب لم تكن تملك هدفاً سوى وضع الجيش في خدمة برنامج الأمم المتحدة للتنمية و»حرقة« واضعي التقارير على الأوضاع المزرية لأمتهم. يبدو النسر العدواني على شاكلة حمامة إنماء. ولقد صاغ أركان الإدارة الأرق الديموقراطي في عبارات متنوعة، وفي مبادرات عديدة، قبل أن تجد صياغتها في مشروع سيطرح الصيف القادم أمام عدد من القمم الغربية والأطلسية.
وفي مقابل هذه الهجمة الإصلاحية الديموقراطية لم يبق مسؤول عربي إلا ورفع عقيرته بالصراخ استنكاراً. لقد بات الزاد اليومي لحكامنا التصريح ضد هذا الخطر الداهم، والتحذير منه، وإبداء الاستعداد لخوض منازلة مصيرية معه. وجرى التركيز، في هذا السياق، على مجموعة من الأفكار والأطروحات. منها، أولاً، أن الإصلاح لا يمكنه أن يستورد من الخارج وأن يقفز فوق »عاداتنا، وتقاليدنا، وتراثنا، وتركيبتنا السكانية، وثقافتنا، وأنماط حياتنا...«. ومنها، ثانياً، أن الغاية من هطول المبادرات الإصلاحية صرف النظر عن الانشغال بقضية فلسطين وشعبها وهذا ما لن تسمح به أنظمة تغفو وتفيق على همّ »القضية المركزية«. ومنها، ثالثاً، أن الحكومات تمارس إصلاحاً »بالقطارة« فليس جائزاً استعجالها لأنها أدرى بما تستطيع شعوبها تحمّله.
لم يتحول هذا السجال إلى حفلة ردح. ولكنه، بالتأكيد، حفلة أكاذيب يُراد لها، من الجانبين، تنفيذ أجندة ابتزاز.
لنأخذ المبادرة الإصلاحية الأميركية. إن من يقرأها يصعب عليه أن يعترض على بند واحد فيها. فهي كناية عن سلة أفكار واقتراحات يصعب رفضها إلا إذا كان المرفوض هو المرسل لا الرسالة. ولكن المشكلة »الوحيدة« معها أن لا علاقة لها بالسياسة الأميركية الفعلية. إن المبادرة في مكان والسياسة في مكان آخر لا تجمع بينهما إلا صلة واهية.
لا شيء، في المبادرة، عن النفط، وتحرير التجارة والأسواق، ضمان الأرجحية الإسرائيلية، ومكافحة الدول المارقة، وإنتاج أنظمة »صديقة«، ومنع بزوغ قوة إقليمية، وتعزيز النفوذ الأميركي على سواه، ونشر القواعد العسكرية، وتنظيم آليات الاستتباع بالأطلسي، ومحاصرة التعبيرات الوطنية بصيغتها القومية أو اليسارية أو الإسلامية... لا شيء من ذلك علماً أن هذه هي، بالضبط، السياسة الأميركية في الشرق الأوسط الكبير. وتعريف هذه السياسة بصفتها كذلك مستقى من عدد لا يحصى من الوثائق الرسمية الأميركية التي يمكن لأي مبتدئ في العلوم السياسية مطالعتها وفهم محتواها.
إن المبادرة الإصلاحية الأميركية هي الضريبة الترويجية للسياسة الأميركية الفعلية. فهذه الأخيرة لا تنوي هز الاستقرار المفيد إطلاقاً، ولا تبغي أكثر من عمليات تجميلية تجريها أنظمة صديقة، وتسعى إلى أن ترعى نشوء نخب مدينة لها بوجودها ودورها. إن السياسة الأميركية الفعلية مسؤولة إلى حد بعيد عن الأوضاع الكارثية التي تدعي المبادرة الرغبة في إصلاحها.
أما الاعتراضات الرسمية العربية على المبادرة فلها قصة أخرى.
كيف تجرؤ أنظمة على الاحتجاج على فرض الإصلاح من الخارج؟ إن معظم حدودنا مفروضة من الخارج، وكذلك مؤسساتنا الرسمية، واقتصادنا يوجهه صندوق النقد. وبعض سياساتنا الخارجية مستأجرة من الخارج. وإسرائيل فُرضت علينا من الخارج وقبلناها. حتى أسامة بن لادن صناعة خارجية، والقوات التي تحمي حكومات هي الأخرى من الخارج. إن كل ما هو مستورد مقبول إلا إذا فاحت منه رائحة إصلاحية.
أما رفض الانشغال عن قضية فلسطين فزعم لا ينطلي على أحد. يكفي أن نراقب يومياً العسف الإسرائيلي ونقارنه بالتجاهل العربي (وأحياناً بالتواطؤ) حتى نستنتج، بسهولة، أن الحجة في غير محلها. غير أنها تصبح وجيهة عند تقديمها بشكل آخر. فالولايات المتحدة تتظاهر بأنها تضع الديموقراطية شرطاً للتسوية باعتبار أن عالماً عربياً ديموقراطياً لن يناهض إسرائيل التي سبقته في الديموقراطية. أما الأنظمة العربية فتعرف أن كل فسحة حرية قابلة للاستغلال من جانب قوى تأخذ عليها، أي على الأنظمة، تخاذلها في نجدة شعب فلسطين وتخلّيها عن أي برنامج وطني. لذا فإنها تميل إلى مطالبة الولايات المتحدة ببذل جهد للتسوية، وهو جهد لا تكلف نفسها به، حتى لا تنشأ أوضاع تهدد، في الوقت نفسه، المصالح الأميركية وركائزها المحلية.
يبقى التلويح بأن الإصلاح جارٍ فلا ضرورة لتسريعه حتى »لا ينفرط العقد« كما قال أحد الرؤساء. هذا موقف أبوي بالمعنيين. بمعنى التقرير عن الشعب نيابة عنه. وبمعنى ضبط وتيرة الإصلاح على وقع مشاريع »التوريث«.
لقد كان مؤسفاً أن إصلاحيين عرباً وقعوا في الفخ الابتزازي الذي نصبته لهم أنظمتهم. لقد قادتهم إلى فتح النار على »المبادرة«، وساعدتهم في ذلك، من أجل أن تقيم ستاراً تمرر من ورائه خضوعها الكامل للسياسة الأميركية. أي أن الحكام العرب راهنوا على وطنية إصلاحيين عرب ورفضهم لكل إملاء خارجي من أجل حماية نهج يقوم على الخضوع للإملاء الخارجي.
لقد كان، ولا يزال، مطلوباً الدفاع عن الحس النقدي والوعي الاعتراضي، وتسخيف الدعوة القائلة إن المطالبة بالتغيير في الأوضاع العربية باتت موضع شبهة لأن هناك، في واشنطن، من يمارس الاستخدام الذرائعي لتقارير التنمية.

10/3/2004
  رد مع اقتباس
قديم 19/08/2008   #44
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


شرق بوش... الموسّع



ينوي الرئيس جورج بوش الاستفادة من مناسبات دولية قريبة (قمم الأطلسي، الدول الصناعية الكبرى، الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي) من أجل طرح مبادرات تخص »الشرق الأوسط الموسّع«: مجموعة اقتراحات لنشر الديموقراطية، دور أكبر للتحالف الأطلسي في العراق وأفغانستان...
سيكون في وسع واشنطن البناء على ما أنجز في التسعينيات مع محاولة تعديل تأخذ في الاعتبار ما استجد على سياستها بعد تفجيرات 11 أيلول.
ما الذي أنجز في التسعينيات؟
طوّرت واشنطن تحت عنوان »المبادرة المتوسطية« أو »الحوار المتوسطي« خطة تقحم حلف شمال الأطلسي في علاقات مع دول عربية (مصر، الأردن، الجزائر، تونس، المغرب، موريتانيا) ومع إسرائيل. جاء ذلك في سياق الاندفاع إلى توسيع الحلف شرقاً بضم دول إليه، وفي إطار توقيع عدد من اتفاقيات »الشراكة من أجل السلام«. غير أن ما يميّز »المبادرة المتوسطية للأطلسي« الاعتراف بأنه ليس في الإمكان الذهاب بعيداً في هذا المجال بما يعني ضرورة الاكتفاء بمناورات مشتركة، وبتبادل خبرات، وبتنسيق لأعمال عسكرية ذات وظيفة إنسانية، وبتكثيف الزيارات والتدريب، وبإنشاء لجان مشتركة... إلخ. ولقد أمكن إبقاء هذه العلاقات خارج دائرة الضوء برغم أنها لا تزعم السرية لنفسها، وبالرغم من أن كثافتها كان يفترض أن تثير اهتماماً جدياً.
في موازاة ذلك، وبالتساوق مع المفاوضات الثنائية لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي، سعت واشنطن بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي، واليابان، وروسيا، وكندا، والمؤسسات المالية الدولية، لتشجيع المفاوضات الإقليمية الخاصة بالتعاون البيئي، والاقتصادي، والمائي، وبتسيير حياة اللاجئين، ونزع السلاح... وأمكن على هامش هذه المفاوضات عقد قمم اقتصادية بحثت في عنوان عريض أطلقه شمعون بيريز »الشرق الأوسط الجديد«.
من امتعض من »الأوسطية« شارك في »المتوسطية« التي بادر إليها الاتحاد الأوروبي، برعاية أميركية غير مباشرة، وعرفت باسم »مسار برشلونة«.
إلى ذلك، حفل عقد التسعينيات بتوقيع معاهدات أمنية واقتصادية ثنائية، فضلاً عن حوارات إقليمية عربية مع تجمعات خارجية. وأخيراً كان لهيئات اقتصادية دولية، من منظمة التجارة إلى صندوق النقد إلى البنك الدولي، دور كبير في عقد صلات متنامية مع دول عربية.
وفي تطور مواز كانت الولايات المتحدة، بعد الحرب الباردة وانفجار أزمات البلقان، تغيّر في تعريفها لمسرح عمليات حلف شمالي الأطلسي وفي مضمون نشاطه: انتقل المسرح نحو الجنوب وباتت التهديدات ذات صلة بالإرهاب، وأسلحة الدمار، والنزاعات الفائقة عن حدودها والمتحولة إلى تهديد إقليمي... وبرزت في وثائق الحلف، في الذكرى الخمسين لتأسيسه، مفاهيم جديدة تقول إن »الشرق الأوسط الموسّع« بات مجال اهتمام أول لحلف شمال الأطلسي.
حصل هذا كله عشية تفجيرات 11 أيلول (حصلت معه أمور أخرى منها التغييرات الهيكلية في بنية الجيش الأميركي وإعادة تموضعه في أوروبا). أي اننا كنا أمام شبكة علاقات شديدة التعقيد تشد بلدان المنطقة إلى الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، و»الناتو«. صحيح أنه يمكن استكشاف تباينات في أنماط العلاقات ولكن الأصح أنها تحاول أن ترسم أفقاً لا محيد عنه للعالم العربي: التسوية مع إسرائيل، الليبرالية الاقتصادية والانفتاح، والارتباط الوثيق بمركز نفوذ غربي أو أكثر.
قرّرت الولايات المتحدة، بعد 11 أيلول، أن العالم العربي الإسلامي هو حاضن التهديدات الموجهة ضدها. ماشاها كثيرون في بعض استنتاجاتها وأيّدوا حربها في أفغانستان. غير أن
خلافات برزت في ما يخص العراق ونظرية الحرب الاستباقية ودعوات التغيير الهيكلي للشرق الأوسط تحت عنوان »الثورة الديموقراطية«. لقد بدا الانفراد الأميركي هو السمة الغالبة في مرحلة ما بعد الحرب الأفغانية. إلا أن هذا الانفراد اكتشف حدوده نتيجة عوامل متعددة: الكلفة المادية والبشرية للحرب في العراق، فوضى ما بعد الاحتلال والمقاومة والمطالبة بدور للأمم المتحدة، ضرورة تطوير النموذج التدخلي في أفغانستان، حيوية إشراك آخرين في مواجهة الأزمات مع كوريا (روسيا، الصين، اليابان) أو مع إيران (فرنسا، بريطانيا، ألمانيا)... إلخ.
تراجعت واشنطن بعض الشيء تحت وطأة هذه الضغوط. والواضح أن ما سوف تقترحه على حلفائها ينطلق من فرضية تقول إن »الشرق الأوسط الموسّع« مسؤولية أميركية أوروبية. على أن التراجع يريد الاحتفاظ بجوهر ما استجد على السياسة الأميركية في العامين الأخيرين: تعيين شرق أوسط موسّع ومحدد بطريقة عشوائية كمسرح للعمليات خلال المرحلة المقبلة، إشهار مشروع شديد الجذرية في التعاطي معه باسم الديموقراطية، إسقاط الصراع العربي الإسرائيلي من أن يكون عنصراً محدداً في المشاكل والحلول، الارتضاء بأدوار هامشية للحلفاء على قاعدة المشاركة في الأعباء لا المسؤوليات.

19/2/2004
  رد مع اقتباس
قديم 19/08/2008   #45
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


1.ك. س. ب.



»أياً كان سوى بوش« (ا. ك. س. ب). هذا هو الشعار الذي يحفّز الناخبين الديموقراطيين الأميركيين على التوجه بكثافة إلى صناديق الاقتراع. وهذا، أيضاً، هو الشعار اللاعب دوراً حاسماً في اختيارهم جون كيري لمنافسة الرئيس الحالي.
لم تنته الانتخابات الفرعية بعد ولكن نتيجتها باتت شبه محسومة. إن سناتور ماساشوستس هو خصم جورج بوش بعد أشهر.
إن »ا. ك. س. ب« هو، إلى حد بعيد، شعار دولي وعربي أيضاً. يمكن، دون خشية المبالغة، القول إن المزاج الأوروبي العام معه. وكذلك الروسي والصيني والأميركي اللاتيني والآسيوي. لا بل ليس مستبعداً أن يكون طوني بلير نفسه يفضل، في العمق، فوز كيري ويحلم أن يستعيد معه العلاقة التي بناها، ذات مرة، مع بيل كلينتون والتي تجاوزت الالتحاق الاستراتيجي لتتضمن أفكاراً، مهما كان الرأي فيها، عن »الطريق الثالث«، ودور الدولة، واليسار »الحديث«، والليبرالية الاجتماعية، وموقع المؤسسات الدولية، والتعاطي مع أزمات الشرق الأوسط، وتأثيرات تحرير التجارة على العلاقات في العالم، إلخ...
إن مواجهة بين بوش وكيري هي، بمعنى ما، مواجهة بين بوش وبلير. لا أكثر من ذلك. ولكن، أيضاً، لا أقل. علماً أن رئيساً أميركياً مثل كيري يدفع بلير إلى إبراز أفضل ما عنده (وهو قليل)، في حين أن رئيساً مثل بوش يدفع بلير إلى إبراز أسوأ ما عنده (وهو كثير).
تدل المعطيات الأولى على أن المقترعين من أصول عربية في الولايات المتحدة تبنوا الشعار الآنف الذكر (ديترويت). ومن دون امتلاك مؤشرات حاسمة يبدو أن المزاج الشعبي العربي يغلّب التخلص من بوش على ما سواه من اعتبارات. وليس مستبعداً أن يكون المزاج الرسمي كذلك خوفاً من الإحراجات الكثيرة التي تسبّبها السياسات القصوى للإدارة الحالية.
إذا كان ما تقدم صحيحاً، وهو صحيح على الأرجح، سنكون أمام بداية ابتعاد عن وعي عربي تقليدي يعتبر أن الجمهوريين أقرب إلى العرب (لمصالح نفطية وغيرها)، وأن الديموقراطيين أقرب إلى إسرائيل (لعلاقة إيديولوجية حميمة، فضلاً عن
المصالح). أي أن هناك من يأخذ العلم بما استجد من تطورات في الولايات المتحدة وإسرائيل والعالم. وأبرز هذه التطورات أن دعم المشروع الصهيوني في طوره التوسعي الراهن يأتي من أوساط اليمين وأقصى اليمين في حين يميل يسار البلدان الغربية إلى التلاقي مع التوجه العربي المعبّر عنه بعرض التسوية بشروط الحد الأدنى.
تدلّل وقائع السياسة الأميركية في المرحلة الأخيرة، بما في ذلك الحملة الانتخابية، تدلّل على هذا التحول. فبوش، الرئيس، يخوض معركته بسياسة شرق أوسطية موغلة في العداء للمصالح العربية: من تهميش القضية الفلسطينية، إلى إلحاقها بالتغيير في العراق، إلى ربطها بمكافحة الإرهاب، إلى إسقاطها لصالح إطلاق يد شارون، إلى تمويت خريطة الطريق، إلى إغفال »رؤية« الدولتين، إلى تأييد فك الارتباط الذي يمكنه أن يعني انتقالاً حاسماً إلى موقع المحافظين الجدد الذين يعتبرون أن قيام دولة فلسطينية عنصر تأجيج للإرهاب لا إخماد له. وإذا كانت الإدارة، تلوّح بالديموقراطية أفقاً انطلاقاً من العراق فإنها لا تعني بذلك إلا التأشير إلى مدى جذرية التطويع الذي تود قيادة المنطقة إليه.
مقابل ذلك عبّر المرشحون الديموقراطيون كلهم (باستثناء جوزف ليبرمان إلى حد ما) عن وجهة مختلفة بعض الشيء. ثمة تنويعات عديدة لديهم ولكن يمكن الدفاع عن الفرضية القائلة إن جون كيري يمثل خطاً وسطاً بين ليبرمان »اليميني« وهوارد دين »اليساري« (فضلاً عن من هم أكثر جذرية من دين).
يقوم هذا الخط الوسط على مجموعة من المحاور: دور أكبر للأمم المتحدة وللحلفاء، تسريع تسليم السلطة للعراقيين بالتراضي، رفض الانسحاب السريع إذا كانت الفوضى بديلاً، التركيز على دور أميركي فعال في الصراع العربي الإسرائيلي يترجم السعي إلى حل »الدولتين« ولا يلقي التبعات كلها على جانب واحد، الدعوة إلى إعطاء الدبلوماسية والمفاوضات فرصة قبل اللجوء إلى العنف...
إن هذه المحاور هي اقتباسات من القليل الذي قاله كيري عن الشرق الأوسط وعن تصوره للسياسة الخارجية الأميركية. غير أنه، بالطبع، قال أشياء أخرى. فهو عبّر عن دعمه الكامل لإسرائيل، وتعاطفه معها، وتمييزه العلاقة الأميركية معها عن أي علاقة مع دولة أخرى في الشرق الأوسط. وهو اعتبر مكافحة الإرهاب واجباً فلسطينياً يسمح بالانضمام إلى الحرب العالمية ضد الإرهاب التي يعتزم المضي فيها بما لا يسمح لبوش الطعن في تراخيه. ومن المقدّر، في الأسابيع القادمة، أن يشدد كيري على كل ما هو مجز في الانتخابات فيزيد من وسطيته الاجتماعية والاقتصادية، ويزداد تقرّباً من مجموعات الضغط القادرة على تجيير أصوات، ويستعيد مرتكزات السياسة الأميركية في الشرق الأوسط (والعالم) وهي مرتكزات يمكن قول الكثير فيها خاصة لجهة تعارضها مع ما يمكن للعرب أن يعتبروه مصالح حيوية لهم.
... ومع ذلك سيبقى »أياً كان سوى بوش« هو الموقف الأنسب والأقدر على أن يشكل مرشداً لكل من يريد التدخل في انتخابات تهم العالم بأسره وتسمح للولايات المتحدة بتقديم أجوبة أخرى على التحديات الراهنة بما فيها تحديات ما بعد تفجيرات 11 أيلول واحتلال العراق.

12/2/2004
  رد مع اقتباس
قديم 19/08/2008   #46
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


مكتب الدمار الشامل



هذه أسماء كوكبة من الأميركيين مع نبذة سريعة عن البعض منهم حيث تقتضي الضرورة.
ريتشارد بيرل، غني عن التعريف. نيو غينغريتش قائد الأكثرية الجمهورية البرلمانية في أواسط التسعينيات، وأحد أقطاب اليمين الأقصى في الحزب، ومن دعاة التحالف مع ليكود، وعضو في مجلس سياسات الدفاع التابع للبنتاغون والذي كان يرأسه بيرل إلى أن أطاحته فضيحة (من الرئاسة لا من العضوية). جيمس وولسي رئيس أسبق لوكالة الاستخبارات المركزية وعضو فعال في أي منتدى يجمع عتاة اليمين الصهيوني في الولايات المتحدة.
مايكل روبين من محللي قضايا الشرق الأوسط في »أميركان انتربرايز« وهي مؤسسة »بحثية« تمثل قلعة من قلاع المحافظين الجدد وتمد الإدارة الحالية بعدد من مسؤولي الصف الثاني والثالث. الكولونيل وليام برونير مساعد، في مرحلة سابقة، لغينغريتش.
ديفيد وورمسر هو أحد واضعي المذكرة الشهيرة عام 96 إلى بنيامين نتنياهو (مع زوجته ميرياف وريتشارد بيرل ودوغلاس فيث). كما أنه من اللوبي العامل على جمع اليمين الإسرائيلي بأكثر التيارات الأميركية محافظة. مايكل معلوف كان أحد مساعدي بيرل في الثمانينيات.
هارولد رود مستقدم إلى الخدمة في البنتاغون من جانب أصدقائه »المدنيين«. يعتبر المستشار الأقرب إلى وولفويتز لشؤون الإسلام، وهو من تلامذة برنارد لويس النجباء إلى حد أن كتاب لويس الأخير »أزمة الإسلام« مهدى إليه بالإسم.
ابرام شولسكي أحد الذين تعرّفوا إلى بيرل أثناء العمل مع السيناتور »الصقري« هنري جاكسون قبل أن ينتقل مع أستاذه (بيرل) إلى إدارة رونالد ريغان. وضع كتباً ومقالات مع غاري شميت الذي يتولى رئاسة »مشروع القرن الأميركي«.
وليام لوتي رئيس مكتب شؤون الشرق الأوسط وجنوب آسيا في وزارة الدفاع تحت إشراف دوغلاس فيث. سبق له العمل مباشرة مع ديك تشيني ومع غينغريتش. لويس ليبي رئيس مكتب
تشيني ومن المناضلين في صفوف اليمين الصهيوني الأميركي. بول وولفويتز غني عن التعريف. أحمد الجلبي كذلك.
ما هو القاسم الجامع بين هذه الأسماء كلها؟
إذا وضعنا الحماسة الفائقة لإسرائيل الليكودية، فإن ما يجمع هذه »الكوكبة« هو الدعوة المبكّرة، أي منذ مطالع التسعينيات، إلى قلب النظام العراقي ولو باحتلال البلد. إن عدد الكتب والدراسات والمذكرات والمحاضرات والمقالات التي وضعها المذكورة أسماؤهم فرادى أو جماعة، والتي »تثبت« امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل، وصلاته بالإرهاب على أنواعه وب»القاعدة« تحديداً، أكثر من أن تحصى. نحن أمام جوقة من صناع الرأي اعتبروا، منذ سنوات، أن واحدة من مهماتهم المركزية شن حرب في الشرق الأوسط وإعادة هيكلة المنطقة.
صناع الرأي هؤلاء باتوا في مواقع مؤثرة ضمن الإدارة الحالية بعد خوضهم معارك ضد بيل كلينتون وتراخيه الأخلاقي وإضاعته فرصة الاستفادة القصوى من انكسار موازين القوى في الشرق الأوسط. لا بل يتميّز البعض منهم (أكثرهم) بلومه الشديد لجورج بوش الأب الذي امتنع عن دخول بغداد و»أرغم« إسرائيل على حضور مؤتمر مدريد.
كان يمكن لهذا القاسم المشترك أن يبقى نظرياً. كان يمكن، أيضاً، لأصحابه أن يكونوا موجودين في ثنايا الإدارة الحالية يمارسون قدراً من النفوذ. غير أن الذي حصل هو أكثر من ذلك بكثير.
لقد التقى هؤلاء جميعاً، من دون إضافة أحد أو استبعاد أحد، في هيئة أنشئت داخل وزارة الدفاع وأطلق عليها اسم »مكتب الخطط الخاصة«.
بدأ المكتب بنواة تشكلت غداة تفجيرات 11 أيلول. ففي حين كان الجهد الاستخباري متجهاً نحو ملاحقة »القاعدة« و»طالبان« وأسامة بن لادن كانت هذه النواة تشير بإصبع الاتهام إلى مكان آخر: بغداد. وكانت تفعل ذلك مستفيدة من أمور عدة:
1 التقارب الذي حصل في قمة السلطة بين المحافظين التقليديين (تشيني، ورامسفيلد) وبين المحافظين الجدد والذي قاد إلى نجاح التيار الإيديولوجي في إعطاء معنى للحدث وفي صياغة رد: جاءنا الهجوم من العالم العربي الإسلامي وعلينا أن نرد بحرب شاملة.
2 بقاء الملف العراقي معلقاً ووجود نظام له »بروفيل« يصلح لإعطائه مثلاً في خصوم تريد الولايات المتحدة الخلاص منهم وبمعونة دولية إذا أمكن.
3 توفر عملاء عراقيين من نوع أحمد الجلبي قادرين على تأمين معلومات ومعطيات تؤكد »الخطر المتعاظم والداهم« لناحية أسلحة الدمار أو الصلة مع الإرهاب.
4 تردد الأجهزة الاستخبارية الرسمية والمحترفة في تقديم وقود معلوماتية تبرّر القرار المتخذ سابقاً، وكذلك ميل كولن باول إلى المبالغة في ضرورة اعتماد التعددية على حساب الانفراد.
تطوّرت هذه النواة لتصبح »مكتب الخطط الخاصة«. وباتت المهمة تجاوز عمل الأجهزة من أجل مد المسؤولين بتقارير غير مدقق فيها تساعدهم في تنفيذ ما بات واضحاً أنه قرار مسبق. وبناء على ذلك جرت عملية »تطهير« في أجهزة البنتاغون، وتمّ استبعاد المحترفين، وتولى »المحافظ الجديد« جون بولتون أمر التغطية من موقعه في وزارة الخارجية.
يعني ذلك أن عدداً من مسعوري الحرب كانوا مسؤولين إلى حد بعيد، وبدعم من قمة هرم السلطة، على توفير الأجواء المناسبة لتبرير الغزو. ولقد أدى ذلك إلى احتكاكات عديدة سواء مع الاستخبارات المركزية أو مع وزارة الخارجية.
إن مناسبة التطرق إلى عمل هذا المكتب هو إعلان بوش تشكيل لجنة تحقيق في تقديرات المخابرات عشية الحرب. إن أي تحقيق لا يبدأ باستجواب الأشخاص المشار إليهم سينتهي إلى خاتمة أسوأ من التي خلص إليها اللورد هاتون.

10/2/2004
  رد مع اقتباس
قديم 19/08/2008   #47
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


هنا الوردة ...



هنا الوردة ...
يكاد المرء لا يصدق ما يقرأ. إن هناك، بين القادة الفلسطينيين، من يدعو العرب والمسلمين إلى »ترك مأزق شارون ليتطور«. يبدو أن صاحب الدعوة هو الذي لا يصدق ما يقرأ، أو أنه يقرأ بنظارات خاصة لا تجعله يرى الانهيارات المتتالية في العالمين العربي والإسلامي. ينتمي الرجل إلى فئة مبتلية تعتبر كل إنجاز لخصم مشكلة وقع فيها. وآخر إنجازات هذه الفئة ما تطلق عليه »الاعتقال المأزقي«، قاصدة بذلك الهزيمة الساحقة التي أنزلها صدام حسين بالمحتلين الأميركيين بتركهم يقبضون عليه. لسنا ندري ما كان الوصف لو أن جورج بوش هو المسجون، ولكننا ندري أن المتفائلين الأبديين اغتبطوا كثيراً لسقوط بغداد بالطريقة المعروفة معتبرين أن ذلك فخ سيطبق على الأميركيين ويشكّل محطة تالية في الهزائم النازلة بهم منذ »أم المعارك«!
الاتهام الذي يوجهه القائد الفلسطيني المشار إليه يطال من يرمي طوق نجاة لشارون فيقبل بعدم إدانة وثيقة جنيف ويمتنع عن النضال لإسقاطها، أو يتعاطى مع »خريطة الطريق« ولا يرى فيها مجرد وسيلة لإنقاذ إسرائيل مما تتخبط فيه.
ليست المشكلة في تعريض كل من »الوثيقة« أو »الخريطة« لنقد. المشكلة هي في الإيحاء بأن كلاً منهما، أو أياً منهماً، وسيلة فك الطوق عن رئيس الوزراء الإسرائيلي المحاصر، والموضوع في موقع دفاعي.
إن اقتراح محاربة شارون بتركيز جهد فلسطيني وعربي ضد »وثيقة جنيف« حراثة في البحر. لا »يفيد« ذلك إلا في تشتيت الصف وتحويل الفوضى إلى ما يشبه الفتنة. وهو يقوم على فرضية أن الكل صهاينة لا فرق بين أقصى اليسار وأقصى اليمين، بمعنى أن الشعارات والسياسات يجب أن تتبرأ من ملامسة دنس التمييز والبناء عليه. وهو لا يقيم أي وزن لرأي عام عالمي أو فلسطيني يرى القطاع الأكبر منه سياسة شارون المتطرفة عبر »الوثيقة«. أي ان هذا الاقتراح هو الذي يمنع مشكلة الاحتلال من أن تتطور لأنه يساعد في تبرئة المحتل، ويوفر للإدارة الأميركية فرصة التملص من تحديد مضمون ل»رؤية« الدولتين.
إن الدعوة لتركيز جهد لإسقاط »الوثيقة« حرب على طواحين
هواء. إنها عملية انتحارية، ليس ضد رواد مقهى هذه المرة، وإنما ضد وهم هو وهم بالضبط لأنه أرقى، بما لا يقاس، من موازين القوى الحالية بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
إن ما قد لا نخسره بالحرب ضد الوثيقة نخسره في الحرب ضد الخريطة. يؤدي ذلك إلى مزيد من الهشاشة في وضع السلطة الوطنية، وإلى استعداء اليسار والوسط في إسرائيل، أي إلى إرغامهما على الالتحاق أو مزيد من الالتحاق بالخيار الشاروني، وإلى توتير العلاقة مع المجموعة الدولية، رأياً عاماً وحكومات، وإلى تجاهل مجلس الأمن وقراره الأخير، وإلى توفير ذريعة إضافية لبوش من أجل الانفكاك عن وثيقة يدّعي رعايتها...
إن ما يبدأ خطأً في التقدير ينتهي خطيئة في السياسة. وخطأ التقدير هو اعتبار شارون في مأزق والحركة الوطنية الفلسطينية في حالة هجوم. ينتج عن ذلك اعتبار يقول إن إسقاط »الوثيقة« و»الخريطة« هو بعض من فائض الجهد لا يحول دون إحكام الحصار على شارون، وقطع مخارج الطوارئ عليه، وسجنه في دوامة معضلته لأن تباشير القضاء النهائي عليه وعلى دولته أقرب منالاً من أي وقت آخر.
هذا هو تمام العدمية. وهذا هو المدخل المفضل لتبديد ما تبقى من قوة في خوض معارك لا هي ضرورية ولا حاسمة. إن انتقاد وثيقة جنيف ممكن. وكذلك امتلاك وجهة نظر في الخريطة وأوالياتها وأوجه قصورها. غير أنه من غير الجائز وصول عمى الألوان إلى حيث يستحيل التمييز بين مخاطر »حلول افتراضية« وبين خطر »الحل« الواقعي، الملموس، الجاري تنفيذه.
الوردة هنا فلنرقص هنا، قال أحدهم. ويقصد أنه يتعيّن تحديد الحيز الحقيقي للمواجهة في كل لحظة. وهذا الحيز في فلسطين، اليوم، هو ضد المشروع الشاروني المعبَّر عنه في »خطاب هرتسليا«.
فشارون يضع الفلسطينيين أمام الخيار: إما الحرب الأهلية وإما »الحل« من طرف واحد. أي إما تطبيق القراءة الإسرائيلية ل»خريطة الطريق« وإما مواجهة خطر ضم قسم من الضفة، وتقطيع أوصال الأرض المحتلة، وضرب التواصل بين الفلسطينيين، وقطع صلتهم بالمحيط إلا لأغراض التجارة أو... الرحيل. ولا يمضي يوم، ولا تمضي ساعة، إلا وهذا الحل الزاحف يتقدم من دون أن يبدو في الأفق إجماع على مقاومته وإحباطه. ثمة معارضة جذرية تطلق النار في غير اتجاه، وثمة حكومة تدفن رأسها في الرمال مراهنة على »اجتماع مثمر«، وثمة وسطاء يتصرفون وكأن سحر الكلام دواء، وثمة »رعاة« يعرفون أنهم يكذبون عندما يكتشفون جملة في كلام شارون توحي بأنه وفيّ لالتزامات.
لقد بات صعباً تصديق دعاة »ترك مأزق شارون يتطور«. لا يعقل أن هؤلاء لا يعاينون الخط البياني التنازلي للوضع العربي والإسلامي وللوضع الدولي المحيط بقضيتهم. ولا يعقل أن ما يميّزهم عن البن لادنية يتعطل في هذا المجال بالضبط. إن التفسير الممكن لسلوكهم هو أنهم يضبطون سياساتهم على إيقاع الصراع على السلطة وليس على إيقاع الصراع على الأرض. فإذا وضعنا هذه الفرضية في الحسبان بات ممكناً فهم الكثير مما يبدو متناقضاً وغير عقلاني. فهل هذا هو الموضوع فعلاً؟ وهل هذا ما يختبئ وراء الكلام الكبير؟ هل هذه هي الوردة التي يرقصون حولها؟ هل يدركون الآثار »التعبوية« لخطابهم؟ هل يعتذرون من أحمد ماهر؟

23/12/2003
  رد مع اقتباس
قديم 19/08/2008   #48
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


الأزمة ووعي الأزمة



مَن زعم أننا عصاة على التغيير؟ ها نحن ننسف طقوسنا. اعتدنا أن ننتقل من الهزيمة إلى النقد الذاتي إلى الإعداد لهزيمة تالية. ها نحن نعبر من الهزيمة إلى الهزيمة من دون عناء التوقف عند محطة المراجعة متظاهرين أننا نحاول التفكير في »معنى النكبة«.
نركب قطار التدهور السريع. ونستغني به عن أكذوبة الاحتفال بجلد النفس التي هي، في حقيقة الأمر، قابلة الأفكار الأكثر تردياً. نستعيض عن جمال عبد الناصر بمسوخ الناصرية. وننحط من صدام حسين إلى »بقايا نظام صدام حسين«. ونحوّل فيصل القاسم إلى أمين عام الجماهير العربية، وأسامة بن لادن إلى مرشد روحي، وعنتر الزوابري إلى قائد ميداني، وسعد الدين إبراهيم إلى رمز النضال الديموقراطي، و»بنك المدينة« إلى نموذج الليبرالية الاقتصادية، والانتخابات بالتعيين إلى ممارسة للتعددية، وتفجير المقاهي إلى تحرير فلسطين، إلخ...
لقد بتنا نرى في الاحتلالات التي نتعرض لها مآزق المحتلين، وفي تصعيد عنف الاحتلال تصديراً لمآزق الخصوم حتى لم يعد مفهوماً لماذا جرى اختيارنا هدفاً تنصب عليه هذه »المآزق«، خاصة إذا ازدادت تأزماً.
إن كل إطلاق نار، عندنا، مقاومة. وكل مأدبة منتدى فكري. وكل رصف للكلمات مطالعة. وكل
إنفاق استثمار. وكل رشوة إعادة توزيع للثروة. وكل إحسان مكرمة. وكل إضراب عطلة. وكل تنظيم عشيرة. وكل طائفة أمة. وكل بلد عربي جار خصم. وكل مؤسسة مشتركة مزحة. وكل حاكم إله. وكل برلمان غرفة صدى. وكل فكرة سلعة. وكل جامعة حضانة.
نعجز عن إنتاج وعي مطابق يكون جذرياً في واقعيته، ممسكاً بالأحوال في جوهرها ومجاريها العميقة، مميزاً بين القشرة التي نراها والعمارة التي تحملها، محلياً قدر الواجب وكونياً قدر الإمكان، مدركاً مشاكل اللحظة وتحديات المستقبل، محدداً المعضلات الملموسة والعلاجات المتاحة.
لم يسبق أن كان التفارق بهذا الهول بين الأزمة ووعي الأزمة. ولم يسبق أن كان المواطن العادي، إلى هذا الحد، متفرجاً، أو مزنراً بحزام ناسف، أو متسكعاً عند أبواب دعاة »التجسير« و»ردم الهوة« المتشكلين بصفتهم الجناح المتنوّر المزعوم لسلطات عربية موغلة في الفشل.
لا يطال الفشل تحقيق إنجاز فحسب. إنه فشل في أن نكون فاشلين. وفي وقت تنحو نزعة الرفض نحو دموية عبثية، تتحول محاولة التكيّف إلى مسخرة، خاصة عندما يقال فيها إنها نتيجة قرارات حرة وليست رعباً، ممّا كان يسميه ياسين الحافظ، »خبطة الحذاء الاستعماري فوق جباهنا«.
لم ننجح في شيء ضد الولايات المتحدة. غير أننا سننجح في إحباط »الديموقراطية القادمة فوق دبابة«. وسينشأ تواطؤ غريب من نوعه بين ثلاثة أقانيم: كذب الادعاء الأميركي، رعونة العداء لما هو أجنبي، الحالة ما قبل المجتمعية لبلداننا. والأفق الواضح لهذا النجاح دوام المستنقع الحالي وزيادة البعوض الطنان فوقه.
... وقل إن هناك من أخذ على أدونيس رثاءه لبيروت. وقل إن هناك من يستطيع الادعاء بأن فورة المعارض، والمنتديات، والزيارات، والأيام الثقافية، وأسابيع السينما أو المسرح، تشكّل حياة جديرة بهذا الاسم تغني وتراكم وتحدث تقدماً.
لو تأخرت محاضرة أدونيس شهراً لكانت الأيام زوّدته بالكثير. ولكن المأساة هو أن الزاد نفسه كان استخدم من قبل الذين اعترضوا عليه وساجلوه من أجل المفاخرة بما تحتضنه المدينة سواء كان إنتاجاً محلياً أو انعكاساً للرثاثة العربية.
لكل الحق في امتلاك وجهة نظر نقدية في بيروت ومآلها، أي لكل الحق في مخالفة ما قاله الشاعر وكاد يعتذر عنه. ولكن ما لا يجوز تمريره هو هذا الخلط الغريب بين نشاطية تفوح لها رائحة المباخر وبين هموم أصلية، عميقة، يتم التعبير عنها بعيداً عن قصور المؤتمرات. ويكاد المرء يقول إن العلنية تهمة أو انها حمّالة تهمة. فلا شيء يرجى من الاحتفال، والأبهة، والفخامة، والاستعراض، ومآدب التكريم، وتحويل المآسي إلى عنصر... ترفيهي. لا شيء يرجى إلا الإدراك أن انحطاطنا ووعينا يسيران في خطين متوازيين، ومتعارضين فوق ذلك!

6/12/2003
  رد مع اقتباس
قديم 19/08/2008   #49
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


»جنيف« ... حاجة فرنسية



تسبّب »مبادرة جنيف« مشكلة فلسطينية. وتشكّل إحراجاً لإسرائيل الليكودية. وتطرح تحدياً على واشنطن يُرغم كولن باول على تذكير من يهمه الأمر »أنا وزير خارجية الولايات المتحدة« حتى لا يتصرف معه أرييل شارون وكأنه وزير خارجيته.
إلا أن »مبادرة جنيف«، التي لن تقدم حلاً فورياً للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي، تجعل الأوروبيين سعداء. أكثر من ذلك أنها تبدو مثل حاجة فرنسية داخلية ملحّة.
منذ اندلاع الانتفاضة الثانية وثمة شيء يحصل في فرنسا. فشبان الهجرة، وهم بالملايين، يتماهون مع شبان الأرض المحتلة. يعبّرون عن غضبهم، واحتقاناتهم، ورفضهم للتمييز ضدهم، وضيقهم بالغيتوات التي يعيشون فيها، بالاتجاه نحو انطواء إتني قد ينفجر غضباً ضد أجهزة السلطة، أو ضد المحلات التجارية، أو ضد مواطنين يهود.
يحصل ذلك في ظل انطواء مماثل يصعد بين الأخيرين ويجعلهم يغلّبون يهودية معينة على الانتماء إلى الجمهورية، خاصة عندما تبدو لهم متجاهلة لمخاوفهم أو مقصّرة في حمايتهم. ولا يتردد قطاع من هؤلاء في التماهي مع سياسات أرييل شارون، ورفض أي انتقاد لها، وتقديمها بصفتها الخيار الوحيد المتاح لرد التهديد الوجودي الذي تتعرض له »الدولة اليهودية الوحيدة في العالم«.
وينمو، في هذا السياق، صراع جديد على موقع الضحية. فالشبان العرب والمسلمون يعتبرون أنفسهم موضع اضطهاد وعنصرية يرون لهما صورة يومية مضخمة في ما يحصل في فلسطين. ويرد الشبان اليهود، أو شبان يهود، بأنهم يُحشرون في موقع الأقلية المطاردة تماماً كما هي حال إسرائيل في »البحر العربي« المحيط بها.
وفي حين يقول الأوائل إن »الإسلاموفوبيا« هي السمة الأولى للوضع الفرنسي الراهن، يقول الأخيرون إن انبعاث اللاسامية هو الخطر الأول لاتصاله بشياطين الماضي الفرنسي ولارتفاع درجة الخطر في هذه »الشياطين« عن تلك الموجودة في الماضي الكولونيالي.
تدخلت عناصر كثيرة في تسعير هذا التوتر.
لقد اندفع مسؤولون إسرائيليون إلى تصنيف فرنسا بأنها البلد الأكثر عداءً لليهود في أوروبا. وتأسّس على ذلك مطالبة هؤلاء

بالهجرة وعرض المساعدات عليهم في حال قرّروا الانتقال إلى أرض ميعادهم. ووصلت المبالغات، هنا، إلى حد استوجب ردوداً من يهود فرنسيين يرفضون هذا الخيار ويصلون إلى حد تحميل سياسة شارون بعض المسؤولية عمّا يحصل ل»الدياسبورا«.
ولوحظ أن مثقفين فرنسيين، من الحريصين جداً على متانة العلاقات الأوروبية الأميركية، ومن المحتجين على موقف جاك شيراك في حرب العراق، وعلى ما يعتبرونه انحيازاً إلى الجانب الفلسطيني، لوحظ أن هؤلاء طبّقوا على النزاع الفلسطيني الإسرائيلي النظريات السائدة حالياً عن خطر الإرهاب وضرورة محاربته، وصمتوا عن قول كلام نقدي في حق الحكومة اليمينية في إسرائيل. ولم يجد هؤلاء تبريراً لعزلتهم في بيئتهم إلا تحميل الإعلام مسؤولية الترويج لصورة مزورة عن النزاع.
ثمة مثقفون يهود بين هؤلاء طبعاً. ولكنهم، في هذا المجال، صدروا عن موقف لا علاقة له بهذا الانتماء وإنما بتصوّر أعم لما يجب أن يكون عليه الموقف الغربي من التهديد الأصولي الإسلامي خالطين بين برجي نيويورك ومخيم جنين.
تداخل هذا الجو المؤدي إلى تقوقع مع قضايا أخرى من نوع مشكلة الحجاب من أجل أن تجد فرنسا نفسها مهددة بمخاطر تراجع المثال الجمهوري، والعودة القوية للطوائف والجماعات ما دون الوطنية، وهو أمر يجب وضعه في إطار التهديدات الأصلية لفكرة الدولة الأمة المتمثلة في العولمة، وتحويل بعض السيادة إلى أوروبا، وتعزيز اللامركزية على حساب العاصمة.
لا يمكن الإطلالة على الموقف الفرنسي من مبادرة جنيف إلا على قاعدة هذه الخلفية، وهي خلفية تجعل دعم المبادرة حاجة وطنية داخلية.
ليس الحديث هنا عن موقف الدولة الفرنسية فحسب. فهذه لم تُحدث مفاجأة بما فعلت. فالمعروف أنها مع حل متوافق عليه، ومع تصوّر لمضمون الحل قريب لما ورد في الوثيقة، ومع اتخاذ مسافة عن شارون تخدم، في ما تخدم، رد التحية له على مواقف كثيرة بينها الاحتقار الذي يعامل به مندوبي أوروبا، والفيتو الذي يضعه على أي لقاء بياسر عرفات.
إن الحديث هنا هو عن النخبة الفرنسية والرأي العام الفرنسي.
لقد أدى »استيراد النزاع الشرق الأوسطي« إلى فرنسا، وتداخله مع قضايا العولمة والعولمة البديلة، والانغلاقات المذهبية والطوائفية، وإعادة تموضع القوى السياسية الفرنسية حياله، ووفرة الإنتاج الفكري، ومحاولات توسيع مجال تهمة »اللاسامية« لتطال كل انتقاد لإسرائيل، واندماج النقاشات حول فلسطين بتلك الخاصة بحرب العراق بتلك الخاصة بمصير العلاقات الأوروبية الأوروبية ومع الولايات المتحدة، وانفجار قضية الحجاب... إلخ. أدى ذلك كله إلى نوع من »الحرب الداخلية الباردة والمنخفضة التوتر«.
وبدا، لفترة، أن النصاب السياسي والثقافي المؤمّن لانتقاد شارون لا يكفيه موازنة ذلك بالهجوم اللاذع والمحق على العمليات ضد مدنيين إسرائيليين. كان لا بد من أن يتوازن نقد شارون بتأييد لتيار إسرائيلي آخر حتى لا تبدو مواقف فرنسية صباً للزيت فوق نار »الحرب« الفلسطينية الإسرائيلية. وجاءت مبادرة جنيف، بالمشاركة الإسرائيلية فيها، هدية من السماء.
لقد سمحت بإطلاق مبادرات أهلية كثيرة داعية إلى دعمها ورعايتها وتبنيها وجعلها جزءاً من السياسة الخارجية الفرنسية في حين أنها، في الواقع، ضرورة داخلية (لا بأس في ذلك، وربما كان أفضل). ومن يقرأ، اليوم، العرائض الفرنسية المؤيدة للمبادرة، فسيفاجأ بتواقيع لأشخاص أمضوا السنوات الأخيرة في سجالات حادة ضد بعضهم تبادلوا خلالها اتهامات في منتهى الخطورة. ومن الواضح، جداً، أن وظيفة المبادرة تبريد الأجواء المحتقنة في فرنسا، وتوليد توافقات تمتص التوترات، والسعي نحو هدنة عربية إسلامية يهودية تنعكس على المناخ العام.
لقد حاول بعض المنضمين بحماسة إلى تأييد المبادرة، تقديمها بصفتها وثيقة ضد شارون وعرفات على قدم المساواة. غير أن ذلك يبدو تبريراً من أجل تغطية انسحابهم من الزاوية التي حشرهم فيها صمتهم عن رئيس الوزراء الإسرائيلي وارتكاباته ولو أنهم، حتى إشعار آخر، سيرفضون الاعتراف بذلك.
لقد تسبّبت الانتفاضة الفلسطينية الأولى في تصديع مشروع عمل عربي يهودي مشترك في فرنسا تحت عنوان مكافحة العنصرية. وأوصلت الانتفاضة الثانية الصدع إلى حافة خطيرة لأنها طرحت سؤال المواطنية والقيم الكونية ضد الانغلاق الطوائفي.
ثم جاءت المبادرة لتوجد مخرجاً يسمح بالتأسيس لوئام ما، لوئام يعيش عبره الفرنسيون صيغة التعايش بين يوسي بيلين وياسر عبد ربه، وهي ليست بالضرورة الأفق الأكثر احتمالاً لما قد يعيشه الإسرائيليون والفلسطينيون.
أي إنجاز أكثر من وضع ألين فينكلكروت وبيار أندريه تاغييف إلى جانب طارق رمضان وباسكال بونيفاس!

2/12/2003
  رد مع اقتباس
قديم 19/08/2008   #50
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


وورمسر أو »الحرب الحتمية«



»إذا كان على الولايات المتحدة أن تبقى كلاعب كبير في المنطقة، وإذا كان على إسرائيل الاستمرار كأمة، فعلى الجانبين واجب التفكير في الإقدام على ما لا مهرب منه: الحرب«! فالحرب، وحدها، »تحوّل الأزمة إلى فرصة«.
قائل هذا الكلام هو ديفيد وورمسر. نشره في صيف 2001 أي قبل أيام قليلة على تفجيرات 11 أيلول. الحرب التي كان يدعو إليها لاحتفاظ أميركا بموقعها وبمجرد استمرار إسرائيل جاءت إليه وتحولت الأزمة، فعلاً، إلى فرصة.
خبر صغير نشرته الصحف قبل أيام. انتقل ديفيد وورمسر من العمل مع »الصقر الليكودي« جون بولتون (راجع الشهادة في »محاسبة سوريا«) في وزارة الخارجية إلى العمل مع من لا يقل »صقرية« و»ليكودية« لويس ليبي مدير مكتب نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني. سيكون مسؤولاً في وظيفته الجديدة عن ملف الشرق الأوسط. وسيكون محاوره في مجلس الأمن القومي التابع لجورج بوش المدعو إليوت أبرامز أحد أبرز المثقفين اليمينيين اليهود المتميّز بأطروحاته حول حيوية التحالف مع الأصوليين المسيحيين لما فيه أمن... إسرائيل.
* * *
وورمسر كثير الكتابة. له عدد من الكتب وإطلالات تلفزيونية أكثر من أن تحصى. إن مطالعة لأدبياته تستوجب التوقف حيال المقال الذي نشره صيف 2001 في مجلة »الشؤون الأمنية الدولية« الصادرة عن »المعهد اليهودي لشؤون الأمن الوطني«. ليس في التوقف أي اعتباط. المقال خلاصة تفكير الرجل وتفكير الشبكة التي يعمل في إطارها والتي تحتل مواقع نافذة في الإدارة.
إن الاعتذار عن الإطالة واجب ولكن هذا ملخص يحاول أن يكون دقيقاً لأطروحات الرجل.
يعتبر، صيف 2001، أنه لا بد من »إعادة النظر بالسياسة الشرق الأوسطية« في ضوء تفجر الانتفاضة الفلسطينية رداً على عقد كامل من العجز الأميركي والإسرائيلي. »نحن أمام منعطف«، يقول وورمسر، تماماً كما كان الوضع في 1939 حين اتضح فشل أميركا وبريطانيا في استثمار الانتصار الذي تحقق في الحرب العالمية الأولى. بعد الحرب العالمية الثانية طبقت النخبة البريطانية على الشرق الأوسط سياستها السابقة فتراجعت وتخلت عن المشروع الصهيوني. فشلت في أن تلاحظ التطابق الكامل بين كثافة العداء للصهيونية ودرجة الاستبداد والتعاطف مع النازيين ثم السوفيات. لقد أدى تخلي بريطانيا عن إسرائيل إلى طردها من الشرق الأوسط! (أغرب تفسير ممكن للعدوان الثلاثي في 56 ونتائجه).
ورثت السياسة الأميركية، في البداية، الأساليب البريطانية إلى أن انتبهت إلى أنها مع إسرائيل في معركة واحدة، معركة الأمم الحرة ضد الاستبداد.
لقد بدأ عقد التسعينيات، يقول وورمسر، بهيمنة أميركية إقليمية وبتفوّق إسرائيلي في الشرق الأوسط. غير أن العقد انتهى والولايات المتحدة على حافة أن تُطرد وإسرائيل في أزمة عسكرية ووجودية. ولقد حصل ذلك لأنهما اعتقدتا أن الكراهية لهما عائدة إلى ظلم ارتكبتاه وليس إلى السلوك الاستبدادي لخصومهما. فالعداء لهما من طبيعة الأنظمة العربية وهو يزداد بازدياد الاستبداد.
يعتبر وورمسر أن إسرائيل هزمت الجيوش العربية 5 مرات: 48، 56، 67، 70، 73. ولكنها لم تستثمر انتصاراتها فحصلت على هدنات مديدة فقط. الحرب الوحيدة النموذجية، بهذا المعنى، هي الغزو الإسرائيلي للبنان في 1982 حيث استكملت إسرائيل
تدمير منظمة التحرير بدل الاكتفاء بالإضرار بها. ويمضي وورمسر ليعتبر أن الثمانينيات هو، بمعنى ما، عقد ذهبي افتتح بالغزو واختتم بضرب العراق. هذان الانتصاران الإسرائيلي والأميركي جعلا العرب يقتربون من إسرائيل وأميركا. لقد »اصطفت الأمم لتسالم« وبدا أن النصر المشترك آخذ بصياغة المنطقة مع انتقال الراديكاليين العرب، بأطيافهم كافة، إلى الهامش.
غير أن الكارثة، في رأي وورمسر، هي أن تل أبيب وواشنطن لم تفهما انتصارهما وتخلتا عنه. وقعتا في خديعة الاعتقاد بأنهما تسبّبان الكراهية فسعتا إلى إصلاح الأمر ورفع الظلم واستجداء العطف. لقد أخطأت الولايات المتحدة بحق إيران فلم تنقضّ عليها. وأخطأت بحق العراق فاكتفت بحصار متراجع. ولكن الخطأ الأكبر هو ارتكاب »خرافة أوسلو«. لقد اقتنعت إسرائيل، يسارها، أن الظلم الذي أنزل بالفلسطينيين هو القوة الدافعة للنزاع. فبادرت إلى »أبلسة« قوتها، وغرقت في يوتوبيا الحل والتسوية. وغفلت عن الحقيقة القائلة »إن القوة المتفوقة يمكن استخدامها لزعزعة أسس القومية العربية الراديكالية والأصولية الإسلامية«.
نشأ وهم يعتبر أن التخلي عن ثمرة الانتصار في 67 هو المدخل إلى حل. والأنكى من ذلك، في عرف وورمسر، أن التخلي لم يكن معروضاً على الأردن وإنما باسم »تلبية التطلعات الوطنية الفلسطينية«. ففي رأيه أن مجرد الاعتراف بحقوق متساوية للفلسطينيين يشرّع الاعتقاد الفلسطيني بأن وجود إسرائيل نفسه جريمة وسطو.
يلوم وورمسر »أميركا كلينتون« على مشاركتها في الأخطاء، ولومها إسرائيل على تعثر التسوية، واعتناقها »خرافة حل الأزمات« عبر تشجيع »معسكرات سلام« تبحث عن قواسم مشتركة. ويتهم قادة الولايات المتحدة وإسرائيل العمالية بأنهم أوهموا أنفسهم أنهم يكتبون قواعد جديدة للتاريخ غير أن التاريخ انتصر، وانتصاره يقود الطرفين نحو هاوية.
اتفاق أوسلو، إذاً، والفشل الأميركي في إيران والعراق هما أصل البلاء لأنهما أنعشا القوى الاستبدادية المعادية. وبناء عليه فإن الحرب »التي كانت منذ أشهر غير واردة تبدو اليوم حتمية«. يختم وورمسر ناطقاً باسم الأميركيين والإسرائيليين »بما أننا محكومون بالكراهية لما نحن عليه ولما هم عليه فإننا محكومون بالحرب إلى حين توجيه ضربة قاصمة إلى مراكز الراديكالية والحقد: دمشق، بغداد، طرابلس، طهران، غزة.« والأمل أنه، بعد هذه الضربة ستبدو محاربة أميركا وإسرائيل بمثابة انتحار!
* * *
يمكن اعتبار ما تقدم أحد أفضل العروض لمعنى سياسة المحافظين الجدد في الولايات المتحدة المتحالفين مع أقصى اليمين الصهيوني. فديفيد وورمسر ليس وحده. إنه جزء من تيار موجود في مراكز بحث، ومعاهد دراسات، ومواقع صحافية، والأهم من ذلك في صلب الإدارة.
إنه مقرّب جداً من ريتشارد بيرل (عملا في أميركان أنتربرايز) وكتب الثاني مقدمة كتاب الأول (1999) حول ضرورة شن الحرب على العراق. وزوجة وورمسر، ميرياف، أنشأت موقع »ممري« على أنترنت بالتعاون مع الكولونيل احتياط في الجيش الإسرائيلي يغال كارمون. وهي مديرة دراسات الشرق الأوسط في معهد هدسون وترتبط، مع زوجها، بصلات قوية مع جماعة معهد واشنطن التابع للوبي الإسرائيلي، كما مع جماعة »منتدى الشرق الأوسط« الذي يديره الغني عن التعريف دانيال بايبس (وليام كريستول عضو في المنتدى). ومن بين منشورات »المنتدى« هناك »النشرة الاستخباراتية للشرق الأوسط« المعدة بالتعاون مع ضباط سابقين إسرائيليين ومع »لجنة لبنان الحر« التي تشكل طرفاً يحاول أن يكون فاعلاً في »محاسبة سوريا«.
المعروف عن وورمسر هجومه الدائم على المملكة العربية السعودية ومصر، وصلاته القوية بأحمد الجلبي (والمؤتمر الوطني العراقي) الذي حاول تنظيم لقاءات له مع مسؤولين إسرائيليين كما ساعده في اختراق الكونغرس. غير أن وورمسر يكاد يكون متخصصاً في التحريض ضد سوريا، ككيان، وليس فقط ضد السياسة السورية. وهو يسند دعوته إلى خروجها من لبنان على عداء مكين لفكرة الاتحاد العربي المسؤولة، في رأيه، عن الكوارث كلها.
* * *
لقد ارتقى وورمسر درجة في سلم الإدارة. والمغزى من ذلك أن هناك، في واشنطن، من يريد توجيه رسالة إلى العرب تتبنى المنطق الشاروني: ما لم يحل بالقوة يحل بالمزيد من القوة. لقد كانت الحرب حتمية في رأي وورمسر عشية أيلول 2001. أما وقد اندلعت فلا بد من المضي فيها.

24/10/2003
  رد مع اقتباس
قديم 19/08/2008   #51
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


إصلاح ضد إصلاح



عندما يتحدث الرئيس اميل لحود عن »الاصلاح«، ويتحدث الرئيس رفيق الحريري عن »الاصلاح« فإنهما لا يكونان يتحدثان عن »الاصلاح« نفسه. »اصلاح« الأول مختلف عن »اصلاح« الثاني، لا بل مناقض. يكفي ان تشن »أوساط« الرئيس لحود حملة دعوة الى »الاصلاح« حتى تعتبر أوساط الرئيس الحريري أنها مستهدفة وأن هناك من يريد بها شراً. ويكفي ان تعبر »اوساط« الرئيس الحريري عن نيته المضي في مشروعه »الاصلاحي« حتى تستنفر »أوساط« الرئيس لحود معتبرة ان المواجهة في قمة السلطة مستمرة.
لا يمكن ان نفهم فذلكة موازنة 2004 وردود الأفعال عليها الا على قاعدة »إصلاح ضد إصلاح«. فعندما يقال فيها إنها موازنة تتخلى عن الطموحات الاصلاحية يجب ألا يفهم من ذلك انها تتخلى عن تلك الطموحات التي يصر عليها لحود. كلا. ان كل تخل للحريري عن طموح اصلاحي هو خطوة الى الأمام يحققها اصلاح لحود.
ويمكن، بهذا المعنى، اعتبار ان وزير المالية أعلن استسلامه عندما اقترح مشروع موازنة عادياً جداً. فهو اذ يعتبره »دون الطموحات« فإنه يكون يحدد السقف الأعلى الذي كان يريده، والسقف الأدنى الذي اضطر الى احترامه بصفته سقفاً حدده آخرون.
الا ان هذا الاستسلام الشكلي يدل على ان السنيورة يتصرف مثل لاعب جيدو ماهر. يريد ان يحوّل قوة »خصمه« الى قوة لنفسه. فهو بتظاهره بالاستسلام، يرغب في اظهار ان اندفاعة الفريق الآخر ستصل، ومعها البلاد، الى هاوية. وبدل ان تكون الموازنة الاصلاحية عقبة تحول دون هذه النهاية فإنها، لعاديتها، إزاحة لهذه العقبة، أي ازالة للمكابح التي قد تمنع الانهيار.
ان مشروع موازنة 2004 هو تعبير عن سأم. لقد ضجر السنيورة من دور الكاهن الأول للتقشف الاصلاحي. وهو، في ذلك، يغيّر قواعد اللعبة آخذاً في الاعتبار الموازين الفعلية للقوى كما ارتسمت منذ تشكيل الحكومة الحالية. ان موازين القوى هذه ميّالة بشكل واضح الى الرئيس الأول. والتكتيك الجديد هو استباق تعديلات محتملة على الموازنة وتضمينها، منذ البداية، في المشروع من أجل تحقيق هدفين. الأول هو حرمان قوى سياسية من متعة تشذيب الموازنة باسم القضايا الاجتماعية. الثاني هو التأشير للقوى الاقتصادية النافذة بأن موازين القوى السياسية الراهنة لن تفعل سوى مفاقمة الأزمة وزيادة التردي.
وثمة »قطبة مخفية« في المشروع. مؤداها ان مجلس الوزراء هو الذي وافق على البنود الاصلاحية السابقة، وأن مجلس النواب هو الذي أقرّها. غير ان الحكومة تغيرت فاقتضى أخذ العلم طالما ان التغيير يريد تغليب »الاصلاح اللحودي« على »الاصلاح الحريري«. يبقى على مجلس النواب، في هذه الحالة، ان يتحمل مسؤولية المحاسبة حتى لا يبدو، قبل حوالى سنة، موافقاً على وجهة وبعدها موافقاً على »الاتجاه المعاكس«.
تقضي الصراحة القول ان المواطنين لا يملكون فكرة واضحة عن المشروعين »الاصلاحيين« للرئيسين. نضع جانباً آراءهما في السياسة والاجتماع والثقافة وعلاقات الطوائف. نكتفي بآرائهما ذات الصلة بالموازنة. وهنا يبدو، بشكل ضبابي جداً، انهما يتوافقان على الاعتراف بوجود أزمة لكنهما يتباينان في ما عدا ذلك. فالرئيس لحود ميّال الى الاحتفاظ بدور أكبر للقطاع العام وإلى الاهتمام بالضائقة الاجتماعية وزيادة التقديمات. والرئيس الحريري ميّال الى الخصخصة وزيادة القدرة التنافسية. الرئاسة الأولى صاحبة مواقف سياسية تريد إلحاق الاقتصاد بها. الرئاسة الثالثة صاحبة مواقف اقتصادية تريد للسياسة ان تأخذها بالاعتبار.
هذه الضبابية في تحديد المواقف لا تتبدد بالتصريحات اليومية المتبادلة والتي تشكل، غالباً، رسائل شخصية يصعب على اللبناني العادي فهمها. ولكنها، أي الضبابية، لا تمنع من طرح سؤال على كل من الرئيسين.
السؤال الموجه الى الرئيس لحود: هل يمكن، فخامة الرئيس، ان تقدم لنا أرقاماً دقيقة عن كلفة الوعود التي تطلقها في ما يخص التقديمات الاجتماعية للفئات الأكثر تضرراً من الأزمة؟ وإذا كان الجواب إيجاباً فمن أين تأتي الأموال في الشرط اللبناني والإقليمي الراهن؟السؤال الموجه الى الرئيس الحريري: هل يمكن، دولة الرئيس، ان تقدم لنا معطيات واضحة عن فكرتك المتعلقة بكيفية الخروج من الأزمة؟ وإذا كان الجواب ايجاباً فهل سيستمر هذا التوزيع غير العادل لأعباء الخلاص من المأزق بحيث يزداد التفارق الاجتماعي؟
ان السبب في اختيار هذين السؤالين، ولكل منهما استطراد، هو ان الرئيس لحود يبدو أكثر تعاطفاً مع نقابات العمال في حين يبدو الرئيس الحريري أكثر تعاطفاً مع نقابات أصحاب العمل. نقول »يبدو«. ولكن المشكلة هي ان النقابات الأولى تطلب بما لا تستطيع الموازنة احتماله، والنقابات الثانية تتهرب من ان تقوم بالحد الأدنى من واجباتها المواطنية.
ان مبدأين يتوجب بهما التحكم بأي موازنة للبنان. الأول هو ان لا خروج سريعاً من الأزمة. الثاني ان لا خروج من دون »شد الأحزمة« بشكل عادل وبالتساوي (أي بعدم المساواة بين الفقراء والأغنياء). لقد غاب هذان المبدآن عن مشروع 2004. وبما اننا قد لا نجدها لحظة تحول المشروع الى قانون فليس أقل من انتظار موازنة كارثية في 2005.

1/10/2003
  رد مع اقتباس
قديم 19/08/2008   #52
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


»إمبراطورية في حالة إنكار«: المثال العراقي



التعريفات الكلاسيكية ل»الامبراطورية« تتقاطع. نكون أمام »امبراطورية« عندما تتولى سلطة واحدة ادارة شؤون محكومين متعددين (شعوباً ودولاً ومناطق...). ينطبق هذا التعريف الكلاسيكي على الولايات المتحدة في موقعها العالمي وفي صلتها بكل من افغانستان والعراق.
غير ان الولايات المتحدة، حسب نيال فيرغوسون، وهو مؤرخ بريطاني، هي »امبراطورية في حالة انكار«. اي انها (نخبة حاكمة وشعباً) ترفض »الواقع الامبراطوري« وتتبرأ منه. يقودها هذا التناقض بين ما هي عليه وبين وعيها له الى ارتكاب اخطاء تجعلها تفشل في معظم تدخلاتها العسكرية الخارجية. وأبرز هذه الأخطاء ثلاثة: التحديد المسبق لمدة »الاقامة«، عدم تحمل الكلفة البشرية والمادية، رفض اشراك آخرين وبناء تحالفات.
ولا يحتاج المرء الى عناء كبير ليلاحظ ان السجالات الدائرة اليوم في شأن العراق (وافغانستان بنسبة أقل) في الولايات المتحدة نفسها، وبينها وبين الآخرين تتناول، بالضبط، هذه العناصر. ففي العراق تجسد الفعل الامبراطوري كاملاً. وفي العراق أيضاً ظهرت الثغرات التي يقود اليها الانكار. وكان يمكن لهذه السجالات ألا تندلع لولا التوظيف العالي في المغامرة العراقية وهو توظيف يطال اعادة صياغة العلاقة بين المركز الامبراطوري وبين العالم كله والمؤسسات التي استقر عليها منذ عقود.
ليس صدفة، والحالة هذه، ان يدعو اميركيون (وغيرهم) حكومتهم الى توضيح المدة التي تعتقدها ضرورية للبقاء في العراق. لقد قيل، مرة، ان الولايات المتحدة ستحارب ثم تجري انتخابات ثم تنسحب. وكان القصد الايحاء انها ستغادر سريعاً. وقيل، مرة اخرى، ان سنتين هي الحد الأدنى المطلوب. وذهب البعض الى الحديث عن عقد كامل، واقترح سناتور، قبل يومين، مدة خمس سنوات مرفقة ببرنامج واضح. ويقال ان كارل روف، مدير الحملة الانتخابية لجورج بوش، لا يفكر في الأمر إلا من زاوية التأثير على حظوظ الولاية الثانية.
وليس صدفة، ايضاً، ان يحضر موضوع الكلفة المادية والبشرية. فعندما يتحدث بول بريمر عن عشرات مليارات الدولارات الواجب انفاقها يُخرج أميركيون كثيرون آلة الحساب: كم يمكن التعويض عن هذا الانفاق بالنفط وبفتح العراق أمام الشركات الاميركية؟ كم يبلغ عجز الموازنة وكيف سيزداد؟ كيف سيمكن تمويل برامج اجتماعية؟ هل في الامكان الدفاع عن الاقتطاعات الضريبية الكبيرة والمنحازة للأغنياء التي أقدمت عليها الادارة؟
وليس صدفة، أخيراً، ان تعلن واشنطن عن عودة قريبة الى مجلس الأمن، فهي تحتاج الى شركاء يتحملون معها قسطاً من الأعباء المالية والبشرية. والوجه الآخر لذلك، وأمام استمرار الاوضاع المتدهورة في العراق، هو البحث في سبل تعزيز الدور الذي يفترض بالعراقيين أنفسهم ان يلعبوه سواء عبر مجلس الحكم، أو الحكومة، أو الادارة المحلية، أو حتى، الميليشيا.
والواضح من هذه العناوين ان الادارة تحاول امتصاص الآثار السلبية للانكار الذي تمارسه حيال واقعها الامبراطوري. وهي اذ
تفعل ذلك فانها تسعى الى انقاذ جوهر »التعريف الكلاسيكي للامبراطورية« ولو قادها ذلك الى »السماح« لآخرين بمقاسمتها تحمل الاعباء!
تفعل واشنطن ذلك مضطرة. ما تفعله ليس الانتقال من »امبراطورية في حالة انكار« (أي من امبراطورية ذات صفة استثنائية) الى »دولة قائدة لجهد تعددي يحترم المؤسسات والمواثيق الدولية«. كلا. انها، فقط، تتحول الى »امبراطورية عادية« ولو انها لا تملك استثناء آخر سوى انها الأقوى على مر التاريخ والمتحررة من أي منافسة.
وهي تفعله مضطرة لأن ما استقرت عليه بعد حوالى عقد ونصف من انتهاء الحرب الباردة يلزمها بذلك. فلقد طوّرت، خلال هذه الفترة، وعياً لموقعها ودورها، واعادت بناء معتقداتها ومؤسساتها الامنية، وقدمت تعريفات جديدة للمخاطر والتهديدات والتحديات التي تواجهها. قادها ذلك الى التراجع عن نظرية تأمين القدرة على خوض حربين اقليميتين كبيرتين (العراق وكوريا)، أوصلها الى نظرية جديدة باسم »الصدمة والترويع«.
لم يكن هذا اسم الحرب على العراق. انه الاسم المعطى لوظيفة الجيش الأميركي في القرن الحادي والعشرين. فلقد اعيد بناء القوات المسلحة من أجل ان تخوض حرباً بسرعة وتكسبها بسرعة: تخفيف العديد، زيادة الاعتماد على التكنولوجيا المتقدمة والأسلحة الذكية، تعزيز وسائل النقل والانتشار، تطوير أجهزة التشويش، الرهان على اصابة العدو بشلل، تأمين التفوق الكاسح في المعلومات، السيطرة المعرفية على مسرح العمليات. باتت الخطة هي التدمير السريع وغير المكلف لقوات الخصم على ان يحصل ذلك من بعيد وقبل التماس الجسدي.
»الصدمة والترويع« تعني الغاء قدرة العدو على القيادة وتأمين التواصل اللوجستي، وتقطيع اوصال قواته وشبكة اتصالاتها وانزال رعب مرفق بتدمير انتقائي يزيل أي حاجز أمام الدور التقليدي (المحدود) للقوات البرية التي بات يفترض فيها ان تحتل أرضاً خالية من مقاومة.
انها عمليات اغارة خاطفة يقوم بها عشرات الآلاف وينهونها تاركين وراءهم اثراً خفيفاً.
كانت هذه هي النظرية التي استقر عليها اليمين الجمهوري عند وصوله الى السلطة (مرفقة بحماية فضائية للأرض الوطنية من هجوم غير تقليدي). كانت »نافعة« قبل 11 أيلول. وربما استمرت نافعة بعده خاصة اذا كان القصد توجيه ضربات استباقية لاعداء محتملين حسب »عقيدة بوش«، لكنها لم تعد نافعة اطلاقاً لأنها صيغت في وقت كان الجمهوريون يسخرون من اهتمام الديموقراطيين ب»بناء الأمم« في حين بات شعارهم ليس »بناء الأمم« في افغانستان والعراق وانما اعادة تشكيل المجتمعات العربية والاسلامية كلها. لم تعد نافعة لانها، تعريفاً، تجعل الحرب سهلة ولكنها لا تقدم جواباً واحداً على أسئلة ما بعد الحرب. لا تسلح أصحابها بما يمكنهم من ادارة شعوب قرروا »صدم وترويع« جيشها على ان يهتموا، لاحقاً، بتأمين المياه والكهرباء لها ناهيك بتنظيم السير!
لقد ادخلت الادارة انعطافة جذرية على هدف الحرب من دون ان تمتلك ادوات التعاطي مع نتائج ذلك. وما نشهده في افغانستان، ولكن خاصة في العراق، هو نتيجة طبيعية لهذه الثغرة: يتقن الجيش الاميركي أبجدية الحرب ولكنه لا يعرف ألف باء السلام. فكيف اذا استمر الشعب العراقي موزعاً بين مقاومة عنفية وحياد سلبي. ان »الصدمة والترويع« تقتضي تجاوباً نشيطاً من »الشعوب« حتى يصبح ممكناً تحويل الحرب الى اعادة بناء للأمة والمجتمع والدولة. ولقد كان هذا هو الرهان في العراق. رهان المحافظين الجدد البارعين في انكار الواقع الامبراطوري تحت عنوان ان ما تفعله الولايات المتحدة ليس اكثر من نشر عدوى الخير الذي خصها الله به. لقد فشل هذا الرهان لانه لا يقوم على الانكار الاخلاقي للواقع الامبراطوري بل لانه لم يكن يدرك ان المهمة الاصعب هي، بالضبط، بعد »الصدمة والترويع«.
لا يوفر الوضع الدولي الراهن، ولا الوضع العربي، شرطاً لكسر النزعة الامبراطورية الاميركية. غير انه، بالتأكيد، قادر على جعلها اكثر تواضعاً. واكثر تواضعاً تعني هنا إرغامها على الاعتراف بأنها... امبراطورية.

2/9/2003
  رد مع اقتباس
قديم 19/08/2008   #53
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


عودة إلى »نظرية المؤامرة«



بعد تفجيرات 11 أيلول سادت المنطقة العربية تفسيرات عديدة. من قائل إن العملية مدبرة من جانب »الصهيونية العالمية« بدليل غياب آلاف الموظفين اليهود عن مبنى مركز التجارة. ومن قائل إن أجهزة أميركية معينة سهلت لإرهابيين الأمر لغايات في نفسها داخلية وخارجية. ومن قائل إن مخابرات تملك خبرات هائلة استخدمت مجهولين للثأر من الولايات المتحدة. ومن قائل إنه في حال كان تنظيم »القاعدة« هو الفاعل فذلك لا يعدو كونه تواطؤاً بين أسامة بن لادن وأرباب عمله السابقين.
ويمكن لأي استفتاء للرأي اليوم ان يظهر وجود نسبة عالية بين العرب والمسلمين ترفض نسبة التفجيرات إلى جهة معنية فعلاً بالصراع ضد الولايات المتحدة. وثمة مسؤولون عرب يمتنعون، عند الكتابة أو التصريح، الجزم في هوية الجهة المسؤولة.
لقد شكلت هذه الروايات مجالاً خصباً للحديث عن الوعي الخرافي عند العرب، وعن تعلّقهم بنظرية المؤامرة، وعن ميولهم الطفولية إلى انكار مسؤوليتهم. قيل الكثير عن الخلل في العلاقة مع العالم، وعن العجز عن فهمه، وعن إدارة الظهر له، وعن الامتناع عن رؤية حقائق دامغة لا تترك مجالاً للشك.
ولما انبرى بن لادن ليتبنّى، ولو بشكل موارب، العمليات استمر الاصرار، ولو بعناد أقل، على ان الحقيقة في مكان آخر. وكذلك ازدادت الشبهات في الدور الذي يلعبه هذا الرجل وتعززت من رفض واسع للتصديق بأن أميركا وجبروتها عاجزة عن وضع اليد عليه.
ان اندفاع قطاعات شعبية واسعة لتبني »نظرية المؤامرة« يستحق وقفة لا تكتفي بإدانة متعالية تلغي أي محاولة للفهم.
صحيح ان التعلق بهذه الروايات يخالف العقلانية الباردة، ولكن الصحيح، أيضاً، ان التدقيق فيها، والقراءة بين سطورها، يقودان إلى اكتشاف رسالة أخرى تحاول هذه »الخرافات«، بتلعثم، قولها.
لقد استشعرت هذه القطاعات ان التفجيرات لن تصبّ في مصلحتها، وانها ستلحق أذى بقضاياها، وحاولت، عبر التلفيقات المشار إلى بعضها، التبرؤ منها ونسبتها إلى خصومها. وبما ان هذه المشاعر ليست صافية، إذ تداخلها مواقف عدائية من العداء الأميركي للعرب، فإن النتيجة كانت خليطاً عجيباً من الشماتة والانكار وعدم الاستقرار على رأي.
***
تنشر الزميلة »الشرق الأوسط«، منذ يومين، تلخيصاً لكتاب عنوانه: »استراتيجية القاعدة... الأخطاء والأخطار«. واضع الكتاب هو عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية المصرية عصام دربالة. والجماعة، كما هو معروف، من التنظيمات الاصولية الراديكالية التي مارست العمل المسلح العشوائي قبل ان تعلن مبادرة لوقف النار لم تُخرِج قادتها، ومنهم دربالة، من السجون. ولقد تميزت، في الأسابيع الأخيرة، بإدانة تفجيرات الرياض والدار البيضاء المنسوبة إلى »القاعدة«.
جاء في الكتاب، نقلاً عن »الشرق الأوسط«: »ان استناد القاعدة على سلبية الاستراتيجية الأميركية تجاه العالم الإسلامي وقضاياه لتبرير خيارها الاستراتيجي لا يلح الاحتجاج به أو الاستناد إليه، لأن استراتيجية القاعدة هي، في الحقيقة، أهم عامل أسهم في تسريع وصياغة تلك الاستراتيجية الأميركية السلبية، ولأن استراتيجية القاعدة أهدرت الفرصة السانحة كي تستفيد من معطيات الوضع الدولي«... يضيف الكتاب: »فالقاعدة عندما صاغت استراتيجيتها بإشعال مواجهة وحرب على أساس ديني لم يكن ذلك في مواجهة حرب صليبية معلنة تجري على قدم وساق كما يدعون. ولكن سياسة القاعدة هذه أسهمت في تعزيز التيارات الصليبية والمعادية للإسلام في أميركا والغرب بما جعل صوت دعاة الحرب الشاملة على الإسلام أكثر حضوراً وحظوظاً«.
يستطرد الكاتب في مناقشة »القاعدة« وأفكارها وبرامجها وعملياتها ويستعرض الاضرار الجسيمة التي خلّفتها خاصة لجهة توسيع جبهة الاعداء وتأليبهم وعزل المسلمين. والخلاصة شبه المعلنة، وهي مهمة لأنها صادرة عن هذا الطرف بالتحديد، هي ان »القاعدة« تلعب بين يدي التطرف الأميركي. لا يتهمها بذلك، ولا يتبنى »نظرية المؤامرة«، ولكنه ينبهها إلى ذلك ويلقي ضوءاً مختلفاً على »نظرية المؤامرة«.
***
مايكل ليدين واحد من النواة الصلبة لمنظري »المحافظين الجدد« في الولايات المتحدة الأميركية. لا يأتمر البيت الأبيض بأمره طبعاً ولكن ذلك لا يلغي ان الكتلة التي تشاركه أفكاره تحتل موقعاً مميزاً داخل الإدارة وانها تتباهى بامتلاكها، دون سائر الأميركيين، استراتيجية رد على 11 أيلول.
لا ضرورة لهذا التباهي لأن الاستراتيجية المقدمة بصفتها الرد على 11 أيلول كانت جاهزة قبل ذلك بسنوات!
يرى ليدين ان لا قيمة لأي قائد لا يحارب. الحرب، في رأيه، قاعدة السياسة الخارجية لأنها تنقذ الولايات المتحدة من »خطر السلام«. السلام »حلم بشع« لأنه يخفف الانضباط، ويسبب الاسترخاء، ويشجع الغرائز المنحطة، ويقود إلى اضعاف الدولة.
ولا بأس من اللجوء إلى الكذب تمهيداً للحرب. إن خديعة الاعداء شرط مركزي لبقاء الأمة الأميركية وإنجاح مشاريعها الكبرى. والتعبئة الدينية هي الأنجح والأقدر على الحشد. فالجيوش المتشكلة من الغوغاء يجب إلهامها وتحميسها وأدلجتها والدين هو القادر وحده على ذلك لأنه يوحي بوجود ثمن راقٍ بديل التضحية بالحياة.
يستطيع ليدين ان يدّعي نبوءة. ففي 1999 تمنى »الحظ« للأميركيين. والحظ هو »ان احداثاً خارجية مفاجئة يمكنها بعون الهي ايقاظنا من السبات، واثبات الحاجة إلى تحول جدي تماماً كما فعل الهجوم الياباني التدميري في بيرل هاربور عام 1941. انه الهجوم الذي دفع الولايات المتحدة إلى مغادرة أحلامها الوردية عن الحياد الدائم«. ولقد استعاد أصحاب »مشروع القرن الأميركي« (أي ليدين وأصدقاؤه) مثال بيرل هاربور ليتمنوا حصول ما يشجع أميركا على دور أكبر لجهة السيطرة على العالم وقطع الطريق على أي منافس محتمل. قيل هذا الكلام قبل 11 أيلول.
ولعل خير ما يمثل تفكير ليدين العبارة الواردة في كتاب له عن الحرب على الإرهاب. يقول: »يجب عليهم مهاجمتنا كي يستمروا على قيد الحياة، تماماً كما يجب علينا تدميرهم لنصرة رسالتنا التاريخية«.
إن اعتداءات موضعية على الولايات المتحدة هي مطلب من جانب الغلاة الأميركيين لأن ذلك يجعل »خصماً« معيناً جزءاً من لعبة تتجاوزه كثيراً.
***
لا يصعب اكتشاف التلاقي بين الجماعة الإسلامية المصرية وبين مايكل ليدين في تقييم نوع العنف الذي تمارسه »القاعدة«. ولا يصعب، بالتالي، إلقاء نظرة أكثر تفهماً على »نظرية المؤامرة« التي قد تصبح دليل حكمة شعبية مصاغة بلغة خرافية.
المهم في ما تقدم، والمثال العراقي حاضر، وكذلك المثال الفلسطيني، التوقف ملياً عند تقييم عنف يمارس ضد الولايات المتحدة (وضد إسرائيل). ليست هذه دعوة إلى الاستغناء عن المقاومة، بما فيها المسلحة. ولكنها دعوة إلى التمييز بين مقاومة يمكن لها ان تكون جزءاً من منظومة التبرير الهجومي الأصلي، وبين مقاومة تعرف ان تكسر هذه الحلقة المفرغة حتى لا تكون مضرة حيث تريد لنفسها العكس.

8/8/2003
  رد مع اقتباس
قديم 19/08/2008   #54
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


اختبارات ذكاء



كريستيان وسترمان واليستير كامبل. الأول موظف استخباراتي في وزارة الخارجية الأميركية. الثاني مستشار مقرّب جداً من رئيس الحكومة البريطانية. الأول اعترف بأنه خضع إلى ضغوطات لتعظيم مخاطر الترسانة العراقية من أسلحة الدمار الشامل. الثاني »اعتذر« لأنه ارتكب خطأين: سرقة »تقرير« أعده أحد الطلاب ونسبته إلى الأجهزة البريطانية، أولاً، وثانياً، سوء صياغة متعمّد.
في ما يلي ارتكابات اضطر المسؤولون الأميركيون والبريطانيون إليها من أجل الدفاع عن ادعاءاتهم. إنها، باختصار، ارتكابات تحتقر الذكاء.
أولاً قيل إن أبرز دليل على وجود أسلحة دمار شامل في العراق هو أن المفتشين الدوليين لم يجدوها. بما يعني أنهم في حال وجدوها فإنهم يكونون يدللون على عدم وجودها. وخلاصة الأمر أن هذه الأسلحة موجودة لأن هناك، في واشنطن ولندن، من قرّر ذلك.
ثانياً إن الصعوبة التي صادفها المفتشون في العثور على أسلحة دمار شامل، وهي صعوبة بالغة طالما أنهم لم يجدوها، تحسم في أن الأمر خطير جداً. كيف؟ لو لم تكن الترسانة فتاكة إلى أبعد حد لكان النظام تهاون بعض الشيء في إخفائها بما يمكّن مفتشين وخبراء من أن يعثروا عليها. إن فقدانها، والحالة هذه، ليس معناه وجودها فحسب، بل، أيضاً، خطرها. وهو، أي الخطر، داهم طالما أنه قادر على إبادة البشرية بسرعة. إن 45 دقيقة تكفي، كان يقول طوني بلير.
ثالثاً إذا ثبت أن الأسلحة مختفية فهذا يعني أن صدام حسين دمرها قبل لحظات من اندلاع الحرب. لو كان دمرها قبل الحرب بفترة معقولة كانت مصلحته إرشاد المفتشين إلى أمكنة ذلك وتجنّب المواجهة. كلا، يفترض، حسب دونالد رامسفيلد، أن الرئيس العراقي شرع في عملية التدمير والصواريخ تنهال عليه. يعني ذلك أن صدام حسين، كحقوقي مميّز، أراد، بفعلته هذه، حرمان الولايات المتحدة وبريطانيا، لاحقاً، من حجة الحرب. و»لاحقاً«، هنا، تشمله مع نظامه. ربما كان التفسير الآخر أن صدام حسين الذي أدرك أن جيوش الاحتلال ستعثر على ما خبّأه أراد أن يتجنّب دخول التاريخ بصفته شخصاً كذب ذات مرة على هانس بليكس. إن في الأمر حرصاً على السمعة لافتاً للنظر.رابعاً من اختراعات دونالد رامسفيلد الأخيرة أن أميركا وبريطانيا لم تكونا وحيدتين في الجزم بامتلاك العراق أسلحة دمار شامل. هذه نقطة لصالحه لولا أنه يستخدمها لتبرئة بلاده. غير أن رامسفيلد لا يكون رامسفيلد إذا لم يذهب أبعد. فهو يكاد يقول إنه أحسن الكذب إلى حد جعل منه حقيقة معمّمة الأمر الذي يعفيه من المساءلة خاصة إذا جاءت من دول شاركت في استبطان الادعاءات وترويجها. إن الكذبة الكاملة تعفي صاحبها لأن اكتمالها يلغي إمكانية مقارنتها بصدق ما.
يكمل رامسفيلد، وهو بالمناسبة شاعر رديء، شاتماً الدول التي كانت تصدق الكذبة لأنها رفضت الذهاب إلى الحرب حتى وهي مصدقة أن بغداد خطيرة جداً. أي أنه يحوّل الكذب إلى حجة له لا عليه ويعطيه، بعد انكشافه، مفعولاً رجعياً، أي أنه يحوّله سبباً إلى محاكمة المشاركين فيه لامتناعهم عن التصرف تأسيساً على ذلك. وهكذا، وإذا أخذنا فرنسا مثلاً، نصبح أمام الوضع التالي: بما أن فرنسا كانت طرفاً في الكذبة فلقد كان عليها أن تكون طرفاً في الحرب، ولو أنها كانت طرفاً في الحرب لأمكن لها التأكد، ميدانياً، من صدق الكذبة. وبما أنها مشت نصف الطريق فقط فلقد أثبتت أنها »أوروبا القديمة« التي تلهث عاجزة عن اللحاق ببولندا، مثلاً، التي أرسلت جنودها ليكونوا شهوداً على أن حكومتهم خدعتهم.
خامساً صحيح أن هذه »الخزعبلات« صعبة. ولكن ما يسهلها هو أن الشعب الأميركي يصدق حتى لو لم يكذب عليه أحد. ليس هناك من يستطيع إقناع ربع الأميركيين بأن صدام حسين لم يستخدم أسلحة دمار شامل في الحرب الأخيرة. وهكذا فإذا فشلت عملية اكتشافها فلأنها فتكت بجيوش التحالف بما يؤكد صحة التوقعات السابقة ويبرّر القتال. ويتعزز هذا التبرير من أن نصف الأميركيين تقريباً لا يملك أدنى شك بمسؤولية صدام حسين عن تفجيرات 11 أيلول. لقد استمع المواطنون إلى رئيسهم يقول في خطاب »حال الاتحاد«: »تصوروا لو أن الإرهابيين التسعة عشر سلّحهم صدام حسين« بأسلحة الدمار... وحصلت هنا عملية »الترانسفير« إذ اقتنع الأميركيون من فرط الإمعان في التصور أن النظام العراقي اعتدى عليهم، وأنه يملك قدرة تدميرية، وأنه على صلة بالقاعدة. وتشكل هذه »الأقانيم« جوهر الاستراتيجية الوطنية القائمة على »الضربة الاستباقية« فكيف إذا كانت الضربة انتقامية واستباقية.
لا يعود غريباً، والحال هذه، أن يتساءل أميركي »لقد فهمنا سبب الحرب في العراق ونؤيدها ولكن ماذا يفعل أبناؤنا في... أفغانستان؟«.
سادساً أن الوقت الذي أمضاه عشرات آلاف الجنود الأميركيين والبريطانيين في العراق يفوق الوقت الذي أمضاه عشرات المفتشين الدوليين. وفوق ذلك تتمتع قوات الاحتلال بحق التجول والاستطلاع والاستجواب. وثمة مئات المسؤولين والخبراء والعلماء قيد الاعتقال. أما الوشاة فحدّث ولا حرج. ومع ذلك فإن الاحتلال يداري تهمة الكذب بدعوة الصبر. ولكن المشكلة هي أن هانس بليكس كان يواجه كل مرة يطلب فيها الصبر بتهمة الكذب، أو بما هو أقل منها.
سابعاً ثمة مباراة في الولايات المتحدة بين من يجد أفضل مخرج من الورطة. كان الفائز، حتى ما قبل أيام، صاحب نظرية »الضرورات البيروقراطية« بول وولفويتز الذي نسب »الفشل« إلى كون »الاستخبارات فناً أكثر منها علماً«. يبدو أن رئيس هيئة الأركان المشتركة ريتشارد مايرز تفوّق، مؤقتاً، عليه. ففي رأيه »أن معلومات الاستخبارات لا تعني أن الشيء حقيقي«! يعني ذلك أن المعلومات كانت متوافرة من دون أن يشترط ذلك أن الأسلحة تشاركها هذه الصفة.

26/6/2003
  رد مع اقتباس
إضافة موضوع جديد  إضافة رد



ضوابط المشاركة
لافيك تكتب موضوع جديد
لافيك تكتب مشاركات
لافيك تضيف مرفقات
لا فيك تعدل مشاركاتك

وسوم vB : حرك
شيفرة [IMG] : حرك
شيفرة HTML : بليد
طير و علّي


الساعة بإيدك هلق يا سيدي 00:52 (بحسب عمك غرينتش الكبير +3)


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
ما بخفيك.. في قسم لا بأس به من الحقوق محفوظة، بس كمان من شان الحق والباطل في جزء مالنا علاقة فيه ولا محفوظ ولا من يحزنون
Page generated in 0.35728 seconds with 14 queries