أخوية  

أخوية سوريا: تجمع شبابي سوري (ثقافي، فكري، اجتماعي) بإطار حراك مجتمع مدني - ينشط في دعم الحرية المدنية، التعددية الديمقراطية، والتوعية بما نسميه الحد الأدنى من المسؤولية العامة. نحو عقد اجتماعي صحي سليم، به من الأكسجن ما يكف لجميع المواطنين والقاطنين.
أخذ مكانه في 2003 و توقف قسراً نهاية 2009 - النسخة الحالية هنا هي ارشيفية للتصفح فقط
ردني  لورا   أخوية > مجتمع > المنتديات الروحية > حوار الاديان

 
 
أدوات الموضوع
قديم 25/11/2004   #1
صبيّة و ست الصبايا Espaniol
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ Espaniol
Espaniol is offline
 
نورنا ب:
Sep 2004
المطرح:
FROM HEART OF FLAMINGO
مشاركات:
1,166

افتراضي صَلْب المسيح حقيقة لا افتراء


رد جون جلكرايست على كتاب أحمد ديدات " صَلْب المسيح بين الحقيقة والافتراء
مقدمة

يشبه الكتاب المقدس سندان الحدّاد الذي تحطمت عليه مطارق كثيرة، ورغم ذلك فإن أعداء الإنجيل لا يكلّون من محاولة تحطيمه! وأحمد ديدات، المنتمي إلى " مركز نشر الدعوة الإسلامية " في دربن بجنوب أفريقيا أحد هؤلاء،فكتب كتيباً عنوانه " هل صُلب المسيح؟ " تم توزيع ما يزيد من مائة ألف نسخة منه، ثم شنَّ في كتيبه بعنوان " صلْب المسيح بين الحقيقة والافتراء." هجوماً جديداً على العقيدة المسيحية!

ومجمل موضوع كتيبه هذا أن المسيح كان صاحب طبع و خلق ضعيفين، وأنه دبر لانقلاب فاشل في أورشليم، وأنه بطريق الصدفة بقي حياً بعد صلبه. وهذه النظرية ليس لها سند في الإنجيل، كما أنها تتناقض مع القرآن الذي يذكر أن المسيح لم يُعلق أبداً على صليب ( سورة النساء 157 ) . ودعاة هذه النظرية هم فقط طائفة الأحمدية في باكستان، والذين تم الإعلان عنهم أنهم أقلية " غير مسلمة ".

ولا نعلم لماذا يناصر ديدات قضية طائفة مشبوهة، ولماذا يدعو إلى نظرية ملعونة من المسيحيين والمسلمين على السواء؟

وسنفند هنا ما جاء في كتيب ديدات، مركزين فقط على الموضوع الذي نحن بصدده، دون التعرض لموضوعات كثيرة في كتيبه خرج فيها ديدات عن صُلب الموضوع، أو لأنه كتب مجرد نظريات واحتمالات لا تمت للحقيقة والواقع بصلة.


--------------------------------------------------------------------------------

-1-
هل خطط المسيح لمحاولة انقلاب فاشلة؟

يذكر ديدات في أول كتيبه أن المسيح خطط لانقلاب خلال الأسبوع الأخير الذي أمضاه في أورشليم، ولكن التخطيط فشل! وتحت عنوان " انقلاب لم يتم " يقول ديدات " .... آماله الضخمة لن تتحقق. انتهى العرض نهاية هزيلة " ( ص10 ).

وأنها بالتأكيد مفاجأة لكل المسيحيين والمسلمين أن يسمعوا لأول مرة بعد ما يقرب من عشرين قرناً أن المسيح كان يخطط لانقلاب سياسي! مع أن المسيح كان يحرص باستمرار أن يجنب نفسه التورط في السياسة! لقد رفض أن يقحم نفسه في مناقشة حول أحقية دفع الضرائب للرومان المستبدين ( لوقا 19:20-26 )، كما انسحب من وسط الجموع حينما أرادوا أن ينصبوه ملكاً سياسياً ( يوحنا 15:6 )، وعلّم تلاميذه ألاّ يسعوا وراء سلطة سياسية ( لوقا 25:22-27 ).

لقد بذل اليهود كل ما في وسعهم لإقناع بيلاطس الحاكم الروماني أن المسيح كان يدعو لثورة ضد قيصر ( لوقا 2:23 ) ولكن بيلاطس لم يقتنع! بل حتى ديدات نفسه يناقض نفسه ويقول أن هذه التهمة " كانت تهمة زائفة " وأن المسيح يبدو غير مسبِّب لأي خطر ولم يكن مشاغباً ولا إرهابياً معادياً للنظام ( ص27 ). ثم يقول " لقد كانت مملكته روحية، وكانت رئاسته لها كي ينقذ أمته من الرذيلة والانحلال " ( ص27 ).

لذلك يبدو أمراً بالغ الغرابة أن نجده يحاول في موضع آخر من كتيبه أن يثبت أن المسيح كان في الحقيقة يدبر لانقلاب سياسي ليخلص اليهود من مستعمريهم. لكن تعليقاته في صفحة 27 من كتيبه – ودون أن يدري – سحبت البساط من تحته أطروحته ونظريته، إذ اعترف أن المسيح لم يكن يخطط لثورة.

على أن هذه النظرية لا يقرها عقل، ومع ذلك فإن ديدات حاول برهنتها بإشارته إلى قول المسيح لتلاميذه ( عند القبض عليه ) أنهم يجب أن يبيعوا ثيابهم ويشتروا سيفاً ( لوقا 36:22 ). ويفسر ديدات هذا القول بأن المسيح كان يدعوهم للتسلُّح والاستعداد " للجهاد" و " الحرب المقدسة "! على أن إجابة التلاميذ على تعليق المسيح تبين خطأ ديدات، فقد أجابوا " يا رب هوذا هنا سيفان " فقال لهم " يكفي " ( لوقا 38:22 ).

ومن المستحيل أن سيفين " يكفيان " لتدبير ثورة! فمن الواضح أن المسيح كان يعني " يكفي من هذا "( أي من عدم فهمكم لما أقول).ولكن لأن ديدات يحاول إقناع قرائه أن المسيح كان يخطط لانقلاب، أجهد نفسه مجادلاً بأن سيفين كانا كافيين للإطاحة بكل النظام اليهودي في إسرائيل، ثم بمستعمريهم الرومان. وكما هو متوقع، فإن جداله لا يمكن أن يصل لدرجة الإقناع. وهو يلجأ هارباً إلى الخيال، محاولاً الإيحاء أن تلاميذ المسيح كانوا " مسلحين بعصي وحجارة " ( ص13 ) كغوغاء متمردين. ولا يوجد في الإنجيل أي دليل يؤيد هذا الزعم الذي يثيره ديدات، ولكنه يخرج عن منطق الأحداث ويقول أن المسيح اعتبر أن سيفان يكفيان لتدبير ثورة كبيرة! وفي موضع آخر يقول ديدات " كان تلاميذه الأقربون دائماً لا يفهمونه ولا يفهمون أعماله " ( ص23 ).

وكلمة " دائما " مطبوعة بحروف بارزة! ومرة أخرى يناقض ديدات نفسه بغير فطنه! فلو أن المسيح كان يقصد أن يسلّح تلاميذه ( كما يزعم ديدات ) يكون التلاميذ قد فهموه تماماً. على أن الحقيقة هي أنهم أساءوا فهمه. والدليل على ذلك موجود في نص الإنجيل، فالمسيح يقول " ... فَلْيَبِعْ ثَوْبَهُ وَيَشْتَرِ سَيْفاً. لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَتِمَّ فِيَّ أَيْضاً هَذَا الْمَكْتُوبُ: وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ. لأَنَّ مَا هُوَ مِنْ جِهَتِي لَهُ انْقِضَاءٌ»" ( لوقا 37:22 ).

والمسيح هنا يقتبس ما ورد في سفر إشعياء أصحاح 53، وهو أصحاح نبوي كُتب حوالي سبعمائة سنه قبل المسيح، وفيه يتنبأ إشعياء بآلام المسيا نيابة عن شعبه، وقال أنه سيقدم نفسه ذبيحة خطية ( إشعياء 10:53 ). والآية الكاملة التي أقتبسها المسيح هي " لِذَلِكَ أَقْسِمُ لَهُ بَيْنَ الأَعِزَّاءِ وَمَعَ الْعُظَمَاءِ يَقْسِمُ غَنِيمَةً مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ سَكَبَ لِلْمَوْتِ نَفْسَهُ وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ وَهُوَ حَمَلَ خَطِيَّةَ كَثِيرِينَ وَشَفَعَ فِي الْمُذْنِبِينَ " ( إشعياء 12:53 ).

وقال المسيح بوضوح إن هذه النبوة كانت على وشك أن تتحقق فيه، ومعناها واضح بكل جلاء. سوف " يسكب للموت نفسه " في اليوم التالي على الصليب، وسوف " يُحصى مع أثمة " ( وقد تم صلبه بين لصين- لوقا33:23 ) وأيضاً سوف " يحمل خطية كثيرين " لما قدم نفسه كفارة عن خطايا العالم على الصليب وسوف " يشفع في المذنبين "( لقد صلى من أجل قاتليه على الصليب- لوقا 34:23 ). ومن أجل عمل النعمة هذا فإن الله سيعطيه " من تعب نفسه فيرى ويشبع " ( إشعياء 11:53 ) كما سوف يعطيه " غنيمة انتصاره " – نبوّة صريحة عن قيامته من الأموات.

يتجاهل ديدات كل تصريحات المسيح، لأنها تتعارض من غرضه! لكن من الواضح أن المسيح كان يتوقع صلْبه وموته وقيامته من الأموات كمخلص العالم، وأنه لم يكن يخطط لانقلاب. كانت الأحداث الوشيكة الوقوع ستأخذ المسيح من بين تلاميذه، وكانت تحريضاته لهم ليشتروا " أكياساً ومزواد وسيوفاً " تعبيراً دارجاً نصحهم به ليستعدوا لكسب معيشتهم عندما يفارقهم.

ترتكز نظرية ديدات عن الانقلاب الفاشل على زعمه أن دخول المسيح أورشليم قبل ذلك بأسبوع واحد، وسط جمع من التلاميذ يهللون له كالمسيا، كان زحفاً نحو أورشليم. ويقول " أخفق الزحف نحو أورشليم "( ص21 ).

وتحت عنوان " زحف نحو أورشليم " يسلم ديدات أن المسيح دخل المدينة بصورة رمزية راكباً على جحش، وليس الجحش وسيلة انتقال تصلح لانقلاب، ولكن المسيح اختار هذه الوسيلة لأن الجحش يرمز للسلام وليونة الطبع، وقد أراد بذلك أن يظهر لأورشليم أنه قادم إليها في مهمة سلام متمماً وعد الله المسجل في نبوة أخرى جاءت من قرون عديدة ماضية " اِبْتَهِجِي جِدّاً يَا ابْنَةَ صِهْيَوْنَ اهْتِفِي يَا بِنْتَ أُورُشَلِيمَ. هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ. هُوَ عَادِلٌ وَمَنْصُورٌ وَدِيعٌ وَرَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَى جَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ" ( زكريا 9:9 ).

لقد جاء في وداعة وسلام راكباً حيواناً يرمز إلى غرضه " ويَتَكَلمُ بِالسَلاَمِ لْلأُمَمَ ". هكذا تستمر النبوة في سفر زكريا10:9. فما أسخف وما أغرب لا معقولية زعم ديدات أن المسيح كان على رأس " زَحْف " أو أنه كان يحرض على " كفاح مسلح " عنيف حسب ما يحدث في أيامنا هذه!

ويتجاهل ديدات – حسبما يمليه عليه هدفه ويناسبه – أن المسيح وهو على وشك أن يقبض عليه سأله تلاميذه " يَا رَبُّ أَنَضْرِبُ بِالسَّيْفِ؟" ( لوقا 49:22 ) وضرب واحد منهم عبد رئيس الكهنة فقط أذنه. ولكن المسيح وبَّخ تلميذه وشفى الرجل الذي جُرح. وفي هذا برهان على أن المسيح لم يكن يخطط لانقلب مدمر بأي حال من الأحوال، ولكنه قدّم أسمى لفتة حب للعالم، وهو الذي جاء ليموت على الصليب من أجل خطايا الإنسان، تحقيقاً للنبوة القديمة " وَأُزِيلُ إِثْمَ تِلْكَ الأَرْضِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ " ( زكريا 9:3 ).

لقد حل هذا اليوم، وكان المسيح يعد نفسه " ليتمم فداء أبدياً " ( عبرانيين 12 :9 ) بحَمْل خطايا العالم في يوم الجمعة العظيمة، والذي لأجله قد جاء.

إن إدعاء ديدات أن المسيح كان يخطط لانقلاب فاشل إهانة بالغة لجلال نعمة المسيح، وتهكم سيئ لا يتوقعه إنسان من ديدات الذي يُفترض فيه أنه يؤمن أن المسيح من أعظم الرجال الذين عاشوا على مر العصور.

وواضح من كتابة ديدات أنه لم يؤدِّ أي تدريبات عسكرية. وجهله بهذا الميدان ينكشف في صفحة 14 من كتيبه حيث يزعم أن المسيح أصطحب بطرس ويعقوب ويوحنا معه إلى بستان جثسيماني كخط دفاع داخلي، بينما كان يحرس البوابة ثمانية آخرون. ويزعم ديدات أن هذا كان تكتيكاً بارعاً " يستحق أن يُكرّم من أجله أي ضابط تخرّج من ساند هرست – وهي أكاديمية عسكرية ذائعة الصيت في إنجلترا " ( صفحة 14 ). وقد علَّق ضابط سابق بالجيش البريطاني على هذا الزعم أته لم يسمع مطلقاً مثل هذه الأشياء تُدرس في ساند هرست!! ويقول ديدات عن الثمانية تلاميذ الذين تركهم المسيح عند مدخل البستان إنه " يمركزهم بخطة استراتيجية عند مدخل البستان مدججين السلاح كما يقتضي موقف الدفاع والكفاح " ( صفحة 14 ).

ويستطرد قائلاً إن المسيح أخذ معه بطرس ويعقوب ويوحنا " هؤلاء المملوئين غيرة، والمتطرفين في الحماسة ( الأيرلنديون المحاربون في عصرهم )" ( صفحة 14 )، ليجهز خط دفاعه الداخلي.

ولكن جدل ديدات يتداعى أمام التحليل الدقيق. لقد كان بطرس ويعقوب ويوحنا صيادي سمك مسالمين من الجليل ( كان واحد فقط من تلاميذ يسوع يُدعى الغيور ولكنه لم يكن أحد هؤلاء الثلاثة - لوقا 15:6 ) ولقد كانوا الدائرة الأقرب له من بين تلاميذه طوال فترة خدمته. ففي مناسبة التجلي صعد هؤلاء الثلاثة فقط معه الجبل، بينما اختلط باقي التلاميذ بالجماهير أسفل الجبل ( متى 1:17، 14-16 ). وحينما أقام ابنة يايرس من الموت، اصطحب معه نفس التلاميذ الثلاثة إلى داخل المنزل ( لوقا 51:8 ). وهذا يُظهر لنا بوضوح أن المسيح لم يكن يخطط لدفاع بارع في جثسيماني عندما اصطحبهم معه إلى داخل البستان. لقد كان ينشد رفقتهم في مناسبة هامة لأنهم الصُّحبة الحميمة وأقرب تلاميذه إليه. كل هذا يُظهر بصفة قاطعة أن نظرية ديدات أن المسيح كان يخطط لانقلاب، هي كلام خالٍ من المعنى وغير معقول.


--------------------------------------------------------------------------------

-2-
صورة المسيح في كتيب ديدات

من الغريب في كتيب ديدات الصورة التي يقدم بها المسيح، لأن المفروض أن يحترم المسلمون المسيح كالمسيا وأحد أعظم أنبياء الله. ولكن في كتيب ديدات تصريحان فيهما اعتداء صارخ على المسيحيين، وفيهما بالتأكيد إيذاء للمسلمين المخلصين الذين تعلموا أن يحترموا المسيح كرجل فضيلة وكرامة.

اسمع ديدات يقول " لقد أخفق المسيح في أن ينتبه إلى تحذير الفريسيين ليضع حداً لحيوية ونشاط تلاميذه الزائديْن ( لوقا 39:19 ). لقد أخطأ حساب المعركة وعليه الآن أن يدفع ثمن فشله " ( صفحة 10 ).

وفي صفحة أخرى يقول " أخطأ المسيح في الحساب خطأً مزدوجاً " ( صفحة 19 ) وذلك حينما ظن أن باستطاعته الاعتماد على تلاميذه للدفاع عنه، وأنه لن يحتاج للتعامل إلا مع اليهود فقط. وكما لو أن هذه المزاعم لم تكن كافية للإساءة إلى المسيح، يستطرد ديدات ليتكلم عن " أن يسوع كان ينفث غضباً ". ويملأ ديدات مكيال افتراءاته بقوله " أن المسيح كان أبأس الرسل حظاً " (صفحة 23 ).

ليس لدينا أدنى شك أن المسلمون يعتبرون هذا التصريح في غاية العدوانية، ولا يتردد المسيحيون في اعتباره تجديفاً. وبالرغم من ذلك فلسنا نرغب أن نعبر عن سخط عاطفي، بل أن نوضح كم هي غبية وواهية مزاعم ديدات!

إن كل ما نحتاج إليه هو تحليل سريع للساعات الأخيرة في حياة المسيح قبل صلبه، ليتضح أنه لا أساس بالمرة للادعاء بأن المسيح أخطأ في حساباته، أو أنه كان ينفث غضباً. فأن كل ما قاله المسيح في آخر ليلة أمضاها مع تلاميذه يُظهر إدراكه الكامل لكل ما كان سيحل به، واستعداده لأن يتحمل ذلك. لقد كان يعرف أن يهوذا الإسخريوطي سيخزنه ( مرقس 18:14 ) بل إنه كان يعرف ذلك لمدة طويلة ( كما يتضح من يوحنا 64:6 ). وكان يعرف أن بطرس سينكره ثلاث مرات ( متى 34:26 ). كما تنبأ بأنه سيتم القبض عليه، وأن كل تلاميذه سيتخلون عنه ( مرقس 27:14 ). ولسنا نجد أي سند بالمرة لزعم ديدات أن المسيح " كان يأمل أن يحارب تلاميذه لإنقاذه، وأنه أخطأ في تقديراته ". فقد كان المسيح يقدّر بالضبط ما سيحدث، وتنبأ بكل ما فعله تلاميذه جميعاً، وقد حدث بالتمام ما قال إنهم سيفعلونه!

لقد قال لهم باستمرار في تلك الليلة المصيرية إنه على وشك أن يتركهم ( يوحنا 33:13، 23:14، 28، 5:16 ) ويجب أن لا تخور عزيمتهم حيث أن الآمه ستكون متمشية تماماً مع ورد في نبوات الأنبياء السابقين ( لوقا 22:22 ). وعندما جاء اليهود أخيراً للقبض عليه – واستبعاداً لأن يكون هناك إعداد لأي نوع من أنواع الدفاع – سلّم نفسه لأعدائه، كما نقرأ " فَخَرَجَ يَسُوعُ وَهُوَ عَالِمٌ بِكُلِّ مَا يَأْتِي عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُمْ: «مَنْ تَطْلُبُونَ؟» أَجَابُوهُ: «يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ». قَالَ لَهُمْ: «أَنَا هُوَ». وَكَانَ يَهُوذَا مُسَلِّمُهُ أَيْضاً وَاقِفاً مَعَهُمْ. " ( يوحنا 5،4:18 ).

" فَخَرَجَ يَسُوعُ وَهُوَ عَالِمٌ بِكُلِّ مَا يَأْتِي عَلَيْهِ " كان يعلم أنه سيُصلب ويُقتل، ولكنه سيقوم من بين الأموات في اليوم الثالث، كما تنبأ بذلك مراراً بكلام صريح ( متى 22:17، 23، 19:20 لوقا 22:9، 18-33:31 ). لم تكن هناك أي حاجة لتصفية حسب مع اليهود. فلو أراد المسيح أن يتجنب القبض عليه لغادر أورشليم قبل حدوث ذلك! غير أنه ذهب إلى ذات المكان الذي علم أن يهوذا الإسخريوطي سيقود اليهود للبحث عنه فيه ( يوحنا 2:8 )، وعندما حضروا سلّم نفسه إليهم طواعية. وأكثر من هذا، فإن المسيح لم يكن في حاجة للمجهودات الشجاعة لأحد عشر تلميذاً للدفاع عنه! فقد قال بوضوح أنه يقدر أن يستدعي أثنى عشر جيشاً من الملائكة ليساعدوه، لو أنه أراد ذلك (متى 53:26 ). علماً بأن ملاكاً واحداً فقط كان يقدر أن يبيد مدناً وجيوشاً ( 2 صموئيل 16:24، 2 ملوك 35:19 ) وأن المرء ليرتعد رعباً من التفكير فيما كان اثنا عشر جيشاً من الملائكة سيفعلونه لحمايته، لو أنه استدعاهم ليفعلوا ذلك.

ليس هناك أذن أية قيمة لزعم ديدات أن المسيح كان يتآمر ويخطط، وأنه فشل نتيجة سؤ تقديره. على العكس من ذلك، فإنه كان يعلم بالتدقيق ما سيحدث له! وبقدْر ما هو مستبعد تماماً أن يكون " فاشلاً " فقد أصبح أكثر الناس الذين عاشوا في أي عصر نجاحاً – فهو الرجل الأوحد الذي أقام نفسه من الأموات إلى حياة ومجد أبديين. ابراهيم مات وموسى مات، وكل البشر ماتوا ولا زال الموت يمسك بهم في قبضته إلى يومنا هذا. أما " مُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي أَبْطَلَ الْمَوْتَ وَأَنَارَ الْحَيَاةَ وَالْخُلُودَ بِوَاسِطَةِ الإِنْجِيلِ " ( 2 تي 10:1 ). لقد أنتصر على الموت وصعد إلى السموات حيث دوماً يسود. فيا لهول إهانة ديدات وافتراضه أن المسيح أكثر رسل الله سوء حظ. مع أنه أعظم رجل عاش على مر العصور!

لقد وضح الآن كما - سيتضح أكثر فيما يلي – أن كتيب ديدات ما هو إلا تشويه وتحريف للكتاب المقدس. فهو يحرف معنى النصوص التي يشعر أنه يمكن أن يلويها لخدمة غرضه، كما أنه يخفي ويتجنب نصوصاً أخرى لأنها تدحض نظريته تماماً.


--------------------------------------------------------------------------------

-3-
هل دافع المسيح عن نفسه وقت محاكمته

يحاول ديدات ( في صفحة 28 من كتيبه ) أن يشكك في رواية الإنجيل عن صلب المسيح بإثارة الجدل عن نبوة وردت في سفر إشعياء 7:53 بأنه لن يفتح فمه دفاعاً عن نفسه عند محاكمته، ولكنه سيُقاد إلى الصليب " كَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ ". وواضح من النبوة أنها لا تعني أن المسيح لن يقول شيئاً عند القبض عليه، بل بالأحرى أنه لن يحاول الدفاع عن نفسه أمام من يتهمونه. ويستند ديدات في جدله على تصريحات معينة أدلى بها المسيح، ويحاول أن يستخرج منها دفاع المسيح عن نفسه ضد من اتهموه.

ويسخر ديدات من المسيح متسائلاً عما إذا كان قد تكلم " وفمه مغلق " لما قال لبيلاطس إن مملكته ليست من هذا العالم ( يوحنا 36:18 ). وعندما طٌلب من أحد خدام رئيس الكهنة أن يشهد إن كان المسيح قد قال شيئاً رديئاً ( يوحنا 23:18 ). وعندما صلَّى إلى الله أن تعبر عنه كأس الآلام التي تنتظره إن أمكن ( متى 39:26 ).

وجدير بنا أن نشير أنه ولا واحدة من هذه التصريحات صدرت عن المسيح أثناء محاكمته العلنية أمام السنهدريم ( المحكمة العليا اليهودية ) في منزل قيافا رئيس الكهنة، أو أمام بيلاطس البنطي الحاكم الروماني. فالتصريح الأول قاله المسيح لبيلاطس |أثناء محادثة خاصة في منزل الحاكم الروماني، والثاني أثناء مثوله أمام حنان حمي قيافا ( وليس ذلك أمام السنهدريم ) أثناء محاكمته كما يدّعي ديدات ( ص 28 ). فالمحاكمة بدأت بعد ذلك في منزل قيافا كما يذكر الإنجيل بوضوح ( يوحنا 24:18 ومتى 57:26 ) والعبارة الثالثة قالها يسوع في بستان جثسيماني قبل القبض عليه. فالدليل الذي يقدمه ديدات ليس له صلة إطلاقاً بالنقطة التي يثيرها، وهو بذلك لا يثبت شيئاً بالمرة. والذي يعنينا هو ما إذا كان المسيح قد دافع عن نفسه أمام السنهدريم في منزل قيافا أو أثناء المحاكمة العلنية أمام بيلاطس. وليس من قبيل المفاجأة أن نجد ديدات يتجاهل ما ذكرته الأناجيل عن هاتين المحاكمتين الرسميتين. فبعد أن سمع قيافا الأدلة المقدمة ضد المسيح أمام السنهدريم، طلب منه أن يجاوب على من يتهمونه. " فَقَامَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ وَقَالَ لَهُ: «أَمَا تُجِيبُ بِشَيْءٍ؟ مَاذَا يَشْهَدُ بِهِ هَذَانِ عَلَيْكَ؟» وَأَمَّا يَسُوعُ فَكَانَ سَاكِتاً." ( متى 63،62:26 ).

وبدلاً من أن يدافع عن نفسه شهد للتو- رداً على السؤال التالي- بأنه حقاً ابن الله، وهو شهادة دعت السنهدريم أن يحكم عليه بالموت. " وَأَمَّا يَسُوعُ فَكَانَ سَاكِتاً ". وبالمثل أيضاً نقرأ أنه حينما وجه إليه بيلاطس نفس السؤال، لم يفتح المسيح فمه ليقول أي شئ دفاعاً عن نفسه: " وَبَيْنَمَا كَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخُ يَشْتَكُونَ عَلَيْهِ لَمْ يُجِبْ بِشَيْءٍ. فَقَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ: «أَمَا تَسْمَعُ كَمْ يَشْهَدُونَ عَلَيْكَ؟». فَلَمْ يُجِبْهُ وَلاَ عَنْ كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى تَعَجَّبَ الْوَالِي جِدّاً. " ( متى 12:27-14 ).

على أن ديدات يراوغ فيخفي هذه الوقائع التي تكشف لنل بوضوح أن المسيح كان صامتاً أمام السنهدريم حينما تقدم شهود زور يتهمونه، كما لم يعط جواباًً، ولا عن تهمة واحدة، حينما اتهموه أمام بيلاطس. وحسبما هي طريقة ديدات التقليدية فأنه يكتم الأدلة ذات الصلة المباشرة بالموضوع الذي يتكلم عنه، ويحاول بدلاً من ذلك أن يثير جدلاً مستخدماً مناسبات أخرى لا صلة لها بالموضوع!

ولقد حدث نفس الشيء عندما ظهر المسيح أمام هيرودس ملك اليهود، قبل إعادته إلى بيلاطس : " وَأَمَّا هِيرُودُسُ فَلَمَّا رَأَى يَسُوعَ فَرِحَ جِدّاً لأَنَّهُ كَانَ يُرِيدُ مِنْ زَمَانٍ طَوِيلٍ أَنْ يَرَاهُ لِسَمَاعِهِ عَنْهُ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً وَتَرَجَّى أَنْ يَرَاهُ يَصْنَعُ آيَةً. وَسَأَلَهُ بِكَلاَمٍ كَثِيرٍ فَلَمْ يُجِبْهُ بِشَيْءٍ. وَوَقَفَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةُ يَشْتَكُونَ عَلَيْهِ بِاشْتِدَادٍ " ( لوقا 8:23-10 ).

مرة أخرى حين أتُهم يسوع لم يجب بشيء. وفي كل مناسبة حينما كان يُحاكم أمام السنهدريم أو هيرودس أو بيلاطس لم يقل أي شئ إطلاقاً دفاعاً عن نفسه، وهكذا تحققت نبوة إشعياء النبي بأنه لن يدافع عن نفسه عند محاكمته، ولن يفتح فمه ليتكلم عن نفسه.ولم يصدر أيّ من الأقوال التي استشهد بها ديدات أثناء محاكمة المسيح، وهكذا تنهار تماماً واحدة أخرى من مجادلات ديدات ومغالطاته!


--------------------------------------------------------------------------------

-4-
نظرية أن المسيح بقى حياً بعد صَلْبه

لم نتوقف عن التعجب من متابعة ديدات وهو يدعم نظريته أن المسيح قد صُلب فعلاً ولكنه نزل من على الصليب حياً! ومصدر تعجبنا أمران 1- لا يعتنق هذا الفكر إلا طائفة الأحمدية الملحدة في الإسلام، وهو نظرية ينكرها جميع المسيحيين والمسلمين الحقيقيين. 2- هذه النظرية قد فُنّدت مرة ومرات! ومع ذلك فإن ديدات مستمر في مناصرتها، رغم أنه لا يستطيع أن يرد على ما أُثير ضدها.

وعلى سيبل المثال، في صفحة ( 36 ) من كتيبه يدّعي أن الجندي المكلّف بحراسة المسيح على الصليب، عندما " رأى أنه قد مات " ( يوحنا 33:19 ) فأن هذا الجندي " قدّر " أن المسيح مات مع أنه لم يكن هناك ما يؤكد موته.

ويقول : " قّر ذلك لأنه لم يكن عنده جهاز استيذوسكوب للتحقق من الوفاة! " وما أغرب كلام ديدات! إن مراقبة الجندي وتقريره هما أعظم دليل على أن المسيح مات فعلاً. لقد كان على الجندي أن يُثبت أمام الحاكم الروماني أن الرجل المصلوب قد مات فعلاً، فإذا أخطأ الجندي كان يفقد حياته. نقرأ " فَتَعَجَّبَ بِيلاَطُسُ أَنَّهُ مَاتَ كَذَا سَرِيعاً. فَدَعَا قَائِدَ الْمِئَةِ وَسَأَلَهُ: «هَلْ لَهُ زَمَانٌ قَدْ مَاتَ؟» وَلَمَّا عَرَفَ مِنْ قَائِدِ الْمِئَةِ وَهَبَ الْجَسَدَ لِيُوسُفَ. " ( مرقس 45،44:15 ).

لقد أدرك القائد الروماني أنه ما دام الجندي قد أكد موته، إذن فذا أمر حقيقي، لأن القانون الروماني كان يقتل الجندي الذي يسمح بفرار سجين. وعندما نجا بطرس من السجن في أورشليم، نفّذ هيرودس حكم الموت في كل الجند المعيّنين لحراسته ( أعمال 19:12 ). وأيضاً عندما ظن حارس آخر أن بولس وسيلا قد فرا من السجن " اسْتَلَّ سَيْفَهُ وَكَانَ مُزْمِعاً أَنْ يَقْتُلَ نَفْسَهُ ظَانّاً أَنَّ الْمَسْجُونِينَ قَدْ هَرَبُوا " ( أعمال 27:16 ) غير أنه اكتشف أنهما لم يهربا. لقد فضّل الانتحار على أن يُنفذ فيه حكم الموت. فماذا كان ذلك الجندي يتوقعه إذا نجا رجل محكوم عليه بالموت بسبب ملاحظات أدلى بها بإهمال وعدم اهتمام؟ هذا الجندي إذن ودون سواه هو الشاهد الذي يوثق بشهادته فيما يتعلق بموت يسوع على الصليب!!

ورغم هذا الدحض القاطع لافتراض ديدات أن الجند " قدّروا فقط " أن المسيح مات، فإن ديدات يستمر في نفس الجدل القديم. فهو من وقت لآخر يتجاهل الدليل القاطع ضد نظريته، ويعيد تقديمها. أنه لمحام ضعيف ذلك الذي لا يستطيع غير تكرار مقولاته الأولى، والتي تم دحضها كلية بواسطة خصمه.

لقد ذكر الجندي بصفة قاطعة أن المسيح مات، ولم يكن هذا كل الأمر، فإن أحد الجند طعنه بحربة في جنبه، وهو عمل يُقصد به تأكيد موته. وهذا هو بالضبط ما فعله الجندي الذي طعن جنب المسيح. وحتى لو كان المسيح في أتم صحة، فما كان يستطيع بأي حال أن يبقى حياً بعد هذه الطعنة. لكن ديدات – ويا للسخرية – يقول أن هذه الطعنة القاتلة " جاءت كنجدة للمسيح ساعدت على إحيائه بأن حركت دماءه حتى استعادت الدورة الدموية إيقاعها " ( ص36 ). وبالتأكيد فأنه ولا حتى أكثر قرائه سذاجة يقبل مثل هذا الهراء: أن طعنة حربة قاتلة في جنبه يمكن أن تساعد في إحيائه!! فعندما يلجأ شخص لمثل هذه السخافات يصبح واضحاً أن جدله يفقد كل قيمة.

سيجد القارئ بضعة صفحات في كتيب ديدات تحتوي على مثل هذه السخافة، عندما يتكلم عن المناسبة التي جاءت فيها مريم المجدلية لتدهن جسد المسيح بالحنوط بعد وقت قصير من صلبه، فيقول " بعد ثلاثة أيام يكون الجسد قد تحلل من الداخل – تتحلل خلايا الجسد وتتعفن. فإذا دلك أحد مثل هذا الجسد الفاسد فسوف يتفتت أجزاء صغيرة " ( ص 44 ).

هذا أيضاً جهل علمي مطلق. لقد مات المسيح في وقت متأخر بعد ظهر يوم الجمعة، وبعد يوم واحد وليلتين فقط ( كما يقر بذلك ديدات في نفس الصفحة ) جاءت مريم المجدلية لدهن جسده بالحنوط. ولا يمكن أن " يتفتت " جسد خلال فترة قصيرة كهذه. وبحروف بارزة يضيف ديدات أن مريم جاءت إلى القبر " بمفردها " فيما يظن لتساعد يسوع على استعادة أنفاسه! على أننا في متى 1:28 ولوقا 10:24 نرى أنها كانت برفقة امرأتين أخريين على الأقل، يونّا ومريم أم يعقوب، وذلك فقط ليُحضرن حنوطاً كن قد أعددنه حسب عادة اليهود في الدفن. ليس هناك إذن أي سند لمجادلات ديدات. أن صلب المسيح وموته وقيامته حقائق تاريخية، أما الخيال الوحيد فهو نظرية ديدات التي يفترض فيها أن المسيح استمر حياً ولم يمت على الصليب، وأنه استرد حيويته بعد ذلك في رطوبة القبر!

ولن نتعرض لواقعة زحزحة الحج، وما إذا كان المسيح قد حاول أن يعرّف تلاميذه أنه لم يكن قد مات، كما لن نتعرض موضوع " آية يونان " وهما موضوعان تعرّض لها ديدات في كتيبه، فقد أجبنا عليهما بشمول كامل في الكتيب الثاني من هذه السلسة تحت عنوان " ماذا كانت آية يونان؟" ويمكن للقراء الحصول على هذا الكتيب مجاناً من عنواننا.

وهناك زعم آخر يكرره ديدات رغم دحضه، وهو إيحاؤه أن المسيح لم يكن راغباً في الموت، مع أن الحقيقة هي أن المسيح كان كارهاً فقط لأن يتركه أبوه ويتخلى عنه لمملكه الخطية ولأذى الناس الأشرار. وقد وصل هذا أقصاه في البستان، في الليلة السابقة للصلب، عندما جاءت الساعة التي سيُسلم فيها للأشرار ( متى 45:26 ). ولو أنه كان كارهاً للموت، فإن خوفه كان سيبلغ ذروته عند مواجهة الصليب في اليوم التالي. لمنه بعد أن تقوّى في الليلة السابقة بواسطة ملاك جاء لخدمته ( لوقا 43:22 ) فقد واجه الموت بشجاعة رائعة. لقد سار للأمام بهدوء وهو عالم بكل ما كان ينتظره, واثقاً أنه سينتهي به حتماً إلى الصلب والموت – ثم القيامة والارتفاع.

لقد تحمّل كل العذابات التي حلت عليه في اليوم التالي، وبدون أدنى علامة للخوف أو الاحتجاج أسلم نفسه ليُصلب. عندما أخذوه خارج أورشليم أظهر اهتماماً أكبر بنساء المدينة وأولادهن مما أظهره لنفسه ( لوقا 28:23 ). وعلى الصليب أهتم فقط بمن حوله دون نفسه ( يوحنا 27،26:19 ). والحق أننا بدلاً من أن نجده كارهاً للموت، نكتشف في روايات الإنجيل أنه ثبّت وجهه نحو الصليب. ورغم الفرص الكثيرة التي كانت أمامه لتجنُّب الموت فإنه لم يمسك بها، بل استمر في طريقه، عازماً على تخليص الناس من خطاياهم.

وها هي واحدة من مجادلات ديدات ومزاعمه تنتهي إلى لا شئ! كما نجده يتخبط بشكل ملحوظ في موضع آخر حيث يقول : " لأن الله العلي لن يسمح أبداً بقتل ( الممسوح ) منه بالحقيقة الذي هو المسيح " ( تثنية 20:18 ) ( ص 15 ).

ليس هناك سند لافتراض أن الله لن يسمح لمسيح أن يُقتل، لأنه توجد نبوة محتومة محددة في نبوات النبي العظيم دانيال أنه " يُقْطَعُ الْمَسِيحُ وَلَيْسَ لَهُ " ( دانيال 26:9 ). وقد أخذ اليهود من كلمة " المسيا أو المسيح " الواردة في هذا النص تسميتهم للمخلص المنتظر للعالم " بالمسيا ". ومع ذلك لازال صواباً أن نقرأ في نص النبي دانيال أن هذا المسيا عينه سوف يُقطع – وهو نبوة واضحة عن صلب المسيح وموته.

ويخدعنا ديدات بصفة خاصة حينما نجده يستشهد بسفر التثنية 20:18 كشاهد كتابي يشير إلى مجيء " المسيح " أو " الممسوح " – مع أن ديدات في كتابه " ماذا يقول الكتاب المقدس عن محمد " يقول أن نبوة التثنية 18 هي عن محمد! ولقد برهنا أنها نبوة عن المسيح وليس ممسوح من الله ( بحسب القرآن ) إلا واحد هو ابن مريم ( آل عمران 45 ) – وجميل أن نلاحظ كيف أنزلق ديدات في خطأ آخر من أخطائه ليعز النبوة للمسيح.

ولعل أكثر حجج ديدات منافاة للعقل قوله أن المسيح طلب النجاة في بستان جثسيماني، فظهر له ملاك من السماء يقويه " أملاً في أنه سينقذه " ( ص35 ). ثم يقول ديدات إن الله وضع في فكر الجنود أن المسيح مات على الصليب " علامة من علامات مشيئة الله في إنقاذه " ( ص36 ) ويقول ديدات إنه بعد ساعات من الضرب والجلْد وغرز الشوك غي الرأس، وتسخير المسيح لحمل صليبه، ثم يُصلب، فيغمى عليه، ويكون على حافة الموت بعد ساعات، ويتحمل بعد ذلك طعنة حربة في جنبه، ثم ينقذه الله ويخدع كل الناس ليظنوا أن المسيح مات، بينما كان هو على " حافة الموت ".

ونحن لا نرى منطقاً في مثل هذا الجدل – فلو أن الله أراد أن ينقذ المسيح لرفعه فوراً ( كما يعتقد معظم المسلمين ). وأي نوع من التشجيع والتقوية يمكن أن يقدمه ملاك، إن كان الله سيتدخل لينقذ المسيح بعد ساعات طويلة من العذاب والألم؟!

1- لم تكن هناك ضرورة لكل هذا العذاب، ويكون إنقاذ الله قد جاء متأخراً. 2- لم تكن هناك تعزية للمسيح لو عرف أن سيواجه عذابات الصليب، التي ستنتهي بنجاته وهو على " حافة الموت ". 3- لو أن المسيح أُنزل حياً من على الصليب، وهو على حافة الموت. والجميع يظنون أنه مات – لم رأى أحد كيف أنقذه الله، ولا كيف تدخل سبحانه لإنقاذه! ولاعتقد الكل أن هذه مصادفة ناتجة عن هلوسة!

إن حجج ديدات تناقض تسلسل الحوادث التي جاءت في الإنجيل. والحقيقة هي أن المسيح كان على حافة الانهيار الجسدي وهو يرى آلامه من أجل الخطية – وكان قد قال لتلاميذه أنه حزين جداً حتى الموت (مرقس 34:14 ). وسمع الله صلاته، وأعطاه الملاك قوة ليستمر ويتحمل الصليب والموت، وهكذا يتمم رسالته ويحرر الخطاة من أجل الخطية والموت وجهنم.

إن إنقاذ المسيح والحيلولة دون موته وهو على حافة الموت بعد ساعات من الألم المرير على الصليب، كان سيعتبر إنقاذ متأخر خالٍ من الأحاسيس، وفي غير الوقت المناسب، مصحوباً بفترة طويلة مؤلمة لاستعادة الحيوية من محنة مرعبة. أما إنقاذه بإقامته من الأموات في مجد وفي أتم صحة فهو أمر معقول ومنطقي، كما أنه في الواقع السرد الإنجيلي الحقيقي لواقعة الصلب.

ونصل الآن إلى مجادلة ديدات بأن المسيح قد أخفى شكله بعد أن استمر حياً ولم يمت على الصليب، حتى ل يتعرف عليه أحد! وأطلق ديدات على ذلك " التنكر المتقن " ( 49 ). يزعم ديدات أن المسيح لما قابل التلميذين في الطريق إلى عمواس في يوم خروجه من القبر حياً ( لوقا 15:24 )، أخفى شخصيته، إلى أن كشف عنها عندما كسر الخبز أمامها، ثم غادرهما. وهو يحاول أن يقلل من أهمية هذا الحدث في الإنجيل، والذي له مغزى أبعد عمقاً وإثارة. ومن المفيد هنا أن ننقل ما حدث تماماً " فَلَمَّا اتَّكَأَ مَعَهُمَا أَخَذَ خُبْزاً وَبَارَكَ وَكَسَّرَ وَنَاوَلَهُمَا، فَانْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا وَعَرَفَاهُ ثُمَّ اخْتَفَى عَنْهُمَا، فَقَالَ بَعْضُهُمَا لِبَعْضٍ: «أَلَمْ يَكُنْ قَلْبُنَا مُلْتَهِباً فِينَا إِذْ كَانَ يُكَلِّمُنَا فِي الطَّرِيقِ وَيُوضِحُ لَنَا الْكُتُبَ؟» " ( لوقا 30:24-32 ).

المشهد الدرامي هنا يتكشف سريعاً. فجأة أعينهما تتفتح فيختفي عنهما!! إذا أمعنا التأمل في هذه الفقرة نستطيع أن ترى ما حدث فعلاً عندما عرفا يسوع.

يسجل الإنجيل أنه بعد قيامة المسيح، حمل جسمه الطبيعة التي سيحملها في السماء كل الأبرار. كان باستطاعته تجاوز كل القيود الأرضية، كما كان يستطيع الظهور والاختفاء كلما أراد ذلك. كان يستطيع أن يظهر فجأة في غرفة مغلقة ( يوحنا 19:20 )، وكان يستطيع أن يختفي أو يكشف عن نفسه كلما أراد.

وهكذا هنا، لم تكن المشكلة في أن المسيح تنّكر، فالنص يقول بوضوح " فانفتحت أعينهما ". فجأة كان باستطاعتهما أن يدركا من هو. وبالمِثل نقرأ أن المسيح المقام من الأموات – في جسده الممجد –لم يكن فقط يستطيع أن يفتح أعين الناس ليدركوا شخصيته، بل أنه يستطيع أيضاً أن ينير أذهانهم ليدركوا معنى كلمة الله المعانة ( لوقا 45:24 ) وكما ظهر فجأة في الحجرة ( لوقا 36:24 ). هكذا اختفى فجأة عن أنظارهما. إن الطابع الدرامي لرواية لوقا ( إصحاح 24 ) لا يمكن شرحه بعبارات عقلانية، فالإصحاح يتكلم عن قيامة المسيح من الأموات ( لوقا 46:24 ). وهذا حدث غير مألوف، لم يكن تلميذا عمواس مهيئين له فكرياً، ولكن نعمة الله فتحت عيونهما فأدركا أنهما كانا في حضرة المخلص المصلوب المقام!

إن لب وكل الموضوع الذي تدور حوله روايات الأناجيل هو صلب المسيح وموته وقيامته من الأموات. ولكن ديدات يزعم أن المسيح وُضع في " حجرة ضخمة فسيحة ( كمدفن ) " ( صفحة 79 ) بينما الأناجيل تشرح بوضوح أن ذلك لم يكن غير قبر نحته يوسف الذي من الرامة في صخرة ليكون المكان الذي يُدفن هو فيه. في متى 60:27 نقرأ أن يوسف أخذ جسد المسيح. ووضعه في قبره، ( كذلك مرقس 46:15، ولوقا 53:23 ) وفي يوحنا 41:19-42 يذكر مرتين أن المسيح وُضع في قبر وتم تكفينه حسب تقاليد الدفن عند اليهود. ومحاولة ديدات أن يروي هذه الروايات عن مدفن وقبر ليقدم تخميناته أن المسيح وُضع في حجرة ضخمة فسيحة ( كمدفن )" حتى " يستعيد حيويته " هي دليل على خلو مجادلاته من أي حقيقة يُعّول عليها.

وأخيراً نبحث في أربعة تصريحات في الصفحة 50 من كتيب ديدات يشير فيها إلى أن أناساً عديدين شهدوا في يوم قيامة المسيح أنه كان " حيا " . وهذه الكلمة كُتبت بحروف كبيرة ووضع تحتها خطاً وبعهدها علامة تعجب في كل مرة. ويُفهم من كل ذلك أن ديدات يجادل ليسند نظريته أن المسيح لم يمت على الصليب بل كان ما يزال حياً. ونحن نتعجب من مثل هذا التفكير، لأن كل موضوع القيامة من الأموات ( كما ورد في الأناجيل ) أن المسيح قام " حياً" من الأموات. ما هو إذن الذي يحاول ديدات أن يثبته؟ أن الشهادات أن المسيح كان " حياً هي من الأهمية بمكان لكل الإيمان المسيحي، فقد قام المسيح من الأموات بعد أن قتل على الصليب!!

ويقتبس ديدات من الأناجيل حسب البشير لوقا 4:24،5 ( فقط ) كلمات الملائكة لمريم والنسوة الأخريات " لِمَاذَا تَطْلُبْنَ الْحَيَّ بَيْنَ الأَمْوَاتِ؟" هو – بما لهذا من مدلول – يحذف الكلمات التالية " اُذْكُرْنَ كَيْفَ كَلَّمَكُنَّ وَهُوَ بَعْدُ فِي الْجَلِيلِ قَائِلاً: إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُسَلَّمَ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي أَيْدِي أُنَاسٍ خُطَاةٍ وَيُصْلَبَ وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ " ( لوقا 6:24-7)

في هذه الكلمات نرى بوضوح أن الملائكة يتكلمون عن صلب المسيح وقيامته من الأموات في اليوم الثالث. وواضح أنهم أعلنوا أنه حي لأنه قام حقاً من الموت. وبنفس المقدار قال الاخوة في أورشليم لتلميذي عمواس " إِنَّ الرَّبَّ قَامَ بِالْحَقِيقَةِ وَظَهَرَ لِسِمْعَانَ " ( لوقا 34:24 ).

تتحد شهادات الجميع في أن المسيح كان " حياً " لأنه حقاً " قام من الموت ". " قَدْ قَامَ " ( مرقس 6:16 ) كانت هذه هي الشهادة الشاملة في ذلك اليوم. لقد قام حياً من الموت وهزم كل قوة الموت. وبفضل قيامته أصبح ممكناً للناس أن يقوموا معه إلى جدّة الحياة ( رومية 4:6 ) وأن يقوموا معه إلى حياة أبدية غالبين الموت والخطية ( 1 كو 55:15-57 ). وبهذا تمم ما أعلنه " أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيّاً وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى الأَبَدِ" ( يوحنا 25:11 ).

أن جدل ديدات بأجمعه هو صورة كاريكاتورية مثيرة للرثاء للحدث المجيد الوارد شرحه في الأناجيل. وإن معالجتنا المختصرة لنظرية ديدات أن المسيح نزل حياً من على الصليب ثم استعاد حيويته بطريقة ما، تثبت بطريقة قاطعة فساد و خطأ كل ما ذهب إليه ديدات. والمناقشات المضللة التي يقدمها تقودنا للاستنتاج أنه فشل في إثبات نظريته.


--------------------------------------------------------------------------------

-5-
تصريحات طائشة في كتيب ديدات

من الأشياء التي أثّرت في نفسي مرة بعد أخرى وأن أطالع كتيبات ديدات، اتجاهه المتهور للإدلاء ببيانات طائشة خالية من الذوق الكريم والحجة. ويبدو أنه يستغل جهل قرائه وسامعيه بالإنجيل، ويأمل أن يتقبلوا كل ما يقوله بدون تساؤل! وبالتأكيد لا يتصور أنه يحاول إقناع المسيحيين الذي يعرفون إنجيلهم تماماً والذين لا يسعهم الاّ التعجب من افتراضاته. ولنبدأ بما يقوله في كتيبه " من الدعوة إلى امتشاق السلاح بتلك الحجرة العلوية، إلى الحنكة في توزيع القوات عند البستان، والصلاة الدامية لله الرحيم طلباً للنجاة، ويبدو أن المسيح لم يكن يعلم شيئاً عن ذلك الاتفاق السماوي الذي كان يقضي بصلبه " ( ص 16 ).

والقول الأخير إن المسيح لم يعلم شيئاً عن صلبه هو قول خاطئ، فيه تحدٍ صارخ لحقائق تناقض هذا الإدعاء. فمرة بعد الأخرى قال المسيح لتلاميذه أنه سيُصلب ويُقتل ويقوم في اليوم الثالث، في تصريحات كهذه " إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ يَتَأَلَّمُ كَثِيراً وَيُرْفَضُ مِنَ الشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ وَيُقْتَلُ وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ " ( لوقا 22:9 ).

وقوله " هَا نَحْنُ صَاعِدُونَ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَابْنُ الإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ فَيَحْكُمُونَ عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ وَيُسَلِّمُونَهُ إِلَى الأُمَمِ لِكَيْ يَهْزَأُوا بِهِ وَيَجْلِدُوهُ وَيَصْلِبُوهُ وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ " ( متى 18:20-19 ). وعندما قام من الأموات وبّخ تلاميذه لأنهم لم يؤمنوا بكل ما قاله لهم، فضلاً عن نبوات الأنبياء السابقين أنه سيُقتل ويقوم في اليوم الثالث ( لوقا 25:24-26 ). وفي مناسبات عديدة أخرى قال بوضوح إن هذا كان كل الهدف من مجيئه إلى الأرض، لأنه جاء ليضع نفسه فدية عن كثيرين ( متى 26:26-28 ) ويبذل حياته من أجل أن أن يحيا العالم ( يوحنا 51:6 ). وقال أن له سلطان أن يضع حياته وأن يأخذها ( يوحنا 18:10 ). فما أجهل أن يُقال إن المسيح لم يكن يعرف شيئاً عن صلبه الوشيك! على العكس من ذلك، عندما واجه لحظة الذروة في حياته، وعندما كان عليه كمخلّص للعالم أن يحرر الجنس البشري وأن يمهد الطريق للكثيرين ليدخلوا الحياة الأبدية، قال " وَلَكِنْ لأَجْلِ هَذَا أَتَيْتُ إِلَى هَذِهِ السَّاعَةِ " ( يوحنا 27:12 ) وهكذا كان يسوع عالماً بالمصير الذي كان ينتظره حتى أنه كان دائماً يشير إليه قائلاً: " ساعتي " ( يوحنا 4:2 ) و " وقتي " ( يوحنا 6:7 ). ليس رجل غيره قيل عنه بأكثر صدق " تأتي الساعة فيأتي الرجل ". لقد جاءت ساعة خلاص العالم، وأرسل الله الرجل الوحيد الذي كان باستطاعته تحقيق ذلك: المسيح ابن مريم!

ويصرّح ديدات تصريحاً طائشاً، عندما يقول إن لقب " ابن الله " في الإنجيل هو تعبير كان جائزاً في الديانة اليهودية ( ص25 ). ولكن الأمر على عكس ما يدعيه تماماً، فكما يتمسك المسلمون بعقيدة التوحيد التي لا تسمح بأي إمكانية لأن يكون لله ولد، هكذا يهود تلك الأيام، وإلى هذا اليوم، يرفضون الفكرة كلياً. وعندما سأل رئيس الكهنة المسيح عما إذا كان هو ابن الله – كما ذُكر عنه أنه كان يقول بذلك – أجابه " أنا هو " ( مرقس 62:14 ). فلو أن هذا كان " تعبير لا ضرر منه " كما يدّعي ديدات، فإن رئيس الكهنة ما كان يصرخ في الحال :" قد جدّف!" ( متى 65:26 ). وعندما مثل المسيح أمام بيلاطس صرخ اليهود :" لَنَا نَامُوسٌ وَحَسَبَ نَامُوسِنَا يَجِبُ أَنْ يَمُوتَ لأَنَّهُ جَعَلَ نَفْسَهُ ابْنَ اللَّهِ " ( يوحنا 7:19)

ويرفض المسلمون بنّوة المسيح لله، ويزعمون أن المسيحيين حوّلوا النبي يسوع إلى ابن الله. وما كان اليهود ليدسُّوا بنّوة المسيح لله على المسيحيين، لأن المسيح نفسه قد أدلى بهذا الاعتراف أمامهم، فصرخوا:" لقد جعل نفسه ابن الله " ولهذا السبب حكموا على المسيح بالتجديف. لكن الله من خلال قيامة المسيح أعطى تأكيداً لجميع الناس أن المسيح حقاً ابنه الحبيب، كما قال هو نفسه ( رومية 4:1 ).

ويصرّح ديدات تصريحاً شاذاً مماثلاً حين يقول :" أي عالم مسيحي سوف يؤكد أن الأناجيل كُتبت بعد عدة قرون من وقت المسيح ". مع أن هناك اقتناع عاماً بين جميع العلماء الإنجيليين أن الأناجيل متى و مرقس ولوقا كُتبت بين سنة 55 و60 ميلادية ( بعد أقل من ثلاثين سنة من قيامة المسيح ) وإنجيل يوحنا حتى سنة 70 ميلادية. " العلماء " المتحاملون فقط هم الذين يفترضون غير ذلك، وحتى النقاد المعادون قد أقرّوا بهذه التواريخ، فكيف يقول ديدات إن الأناجيل كُتبت بعد عدة قرون من وقت المسيح، ويبن أيدينا أجزاء من المخطوطات يرجع تاريخها إلى سنة 120 ميلادية، كما توجد استشهادات من الأناجيل في كتابات المسيحيين الأوائل في الأجيال التي تَلت جيل الرسل مباشرة؟

ويدلي ديدات بأكثر تصريحاته بعداً عن التوفيق حين يقول في موضع آخر :" الخلاص من الآثام رخيص في المسيحية " ( ص61 ). ونحن نشك أن يعتبر المسلمون استعداد إبراهيم أن يهب ابنه لله " تضحية رخيصة ". وبالتأكيد إذن لا يوجد ما هو " رخيص " في استعداد الله لأن يهب ابنه ضحية لأجل خطايانا. يعلن الكتاب المقدس للمسيحيين بكل وضوح " لقد اشُتريتم بثمن " ( 1 كو 20: 6 ) – وأي ثمن !!. ولا يستطيع الرسول إلا أن يتكلم – نتيجة لذلك – عن " عطية الله التي لا يُعبر عنها " ( 2كو 15:9 ).فلا يمكن تقدير الثمن الذي دُفع لتخليص الإنسان من الخطية والموت وجهنم! إن الخلاص في المسيحية هو أعظم ما شاهده عالمنا قيمةً على مر العصور – حياة ابن الله السرمدي. وبنفس المقدار لا يستطيع إنسان الحصول على هذا الخلاص إلاّ إذا سلّم، بكامل إرادته، حياته كلها لله بالإيمان بابنه.

وأخيراً واحدة من اتهاماته غير الصحيحة ( كما هو نهجه ) يدّعي ديدات أن قصة ظهور المسيح المقام لتوما، التلميذ الذي شك، والمدوّنة في يوحنا 24:20-29 هي " اختلاف أثيم في الإنجيل " ( ص31 ) بل ويتهور أكثر فيزعم أن شُرّاح الإنجيل يتجهون " إلى نتيجة هي أن شك توما وما يتعلق بشأنه إنما مثله مثل ما يتعلق بتلك المرأة التي أمسكوا بها متلبسة، كما ورد في إنجيل يوحنا 1:8-11، باعتبار أن كليهما تلفيق وخداع " ( ص 76 ).

وطبعاً وبكل ما لذلك من دلالة – لا يذكر لنا ديدات من هم هؤلاء الذين يدعوهم " شُرّاح الإنجيل ". وليس هناك أي دليل في أي مكان يسند الزعم أن شك لوقا في قيامة المسيح من الأموات إلى أن رآه، ثم إعلانه بعد رؤيته للمسيح المقام أنه " ربه وإلهه " هو " تلفيق واختراع "! هذه القصة نجدها باقية في جميع المخطوطات الأولى التي بين أيدينا بدون أي اختلاف في قراءتها، ولهذا فإن الدلائل متوافرة وبالإجماع على صحتها وأصالتها. وليس هناك أي سند لتخمين ديدات أن القصة ملفقة مُخترعة!

يبدو أن ديدات قد بنى زعمه مفترضاً أن المسيح لم يُسمّر على الصليب، إنما ربط فقط بالحبال. ويصدر ديدات مرة أخرى أحد مزاعمه الطائشة لما يقول " على العكس من العقيدة السائدة، لك يسمّر يسوع إلى الصليب بل رُبط إليه " ( ص31 ). مع أن الاكتشافات الأثرية في أرض فلسطين أثبتت أن الرومان كانوا يصلبون ضحاياهم بدق المسامير فيهم على الصليب. وقد تم اكتشاف هيكل إنسان ومسمار يخترق القدمين، وذلك من سنين قريبة. بالإضافة إلى هذا فإن شهادات النبوات الشاملة، وما دوّنه التاريخ عن صلب المسيح تُجمع على أنه سُمِّر على الصليب ( مز16:22، يو 25:20، كو 14:2 ). إن مجادلات ديدات ليست فقط " على عكس العقيدة السائدة " كما يقر هو، بل أيضاً ( ومثل الكثير من مواضيعه ) تخالف الكتاب المقدس، والوقائع التاريخية المسجّلة التي يعتد بها، والاكتشافات الأثرية والأدلة – وكما هي دائماً – تخالف حتى الذوق السليم. لا يستطيع ديدات أن يقدم ولا حتى ذرة من دليل لدعم زعمه أن المسيح عُلق على الصليب بحبال. فكيف يلجأ إلى هجوم بغير دليل، كله مجرد افتراض على التسجيل التاريخي السليم بأن المسيح سُمر على الصليب، دون أن يقدم أي دليل من أي نوع على أن ما سجله تاريخ! فمن يكون الملفق المخترع؟! لو أن هجوم ديدات على ما سجله الكتاب المقدس عن صلب وموت وقيامة المسيح له قيمة وجدارة، لما كان ديدات مضطراً أن يلجأ لمثل هذه المزاعم المضحكة كالتي تناولناها بالبحث! ويشير هذا إلى قدر ما يعانيه من يأس وهو يجاهد ضد أمور متنوعة ليثبت مجرد نظريات لا يمكن إقامة الدليل عليها والدفاع عنها!


--------------------------------------------------------------------------------

-6-
حقائق إنجيلية يطمسها ديدات متعمداً

بعد ما تقدم شرحه، لن يندهش قراؤنا أن يجدوا ديدات يطمس ويخفي متعمداً كلمات من الكتاب المقدس لا تتفق وهدفه. في اليوم التالي لصلب المسيح جاء رؤساء الكهنة إلى بيلاطس ( متى 62:27-64 ) يلتمسون أن يُختم القبر. ويقدم ديدات اقتباسه من الإنجيل هكذا: يقول القديس متى :" وَفِي الْغَدِ الَّذِي بَعْدَ الاِسْتِعْدَادِ اجْتَمَعَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْفَرِّيسِيُّونَ إِلَى بِيلاَطُسَ قَائِلِينَ: «يَا سَيِّدُ قَدْ تَذَكَّرْنَا أَنَّ ذَلِكَ الْمُضِلَّ قَالَ ... فَمُرْ بِضَبْطِ الْقَبْرِ إِلَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ لِئَلَّا ... فَتَكُونَ الضَّلاَلَةُ الأَخِيرَةُ أَشَرَّ مِنَ الأُولَى " ( متى 62:27-64 ). ( ص 42 ).

في موضعين من اقتباس ديدات من الإنجيل نجد ثلاث نقاط ( ... ) تبدو كأنها غير ضارة، كما لو أن شيئاً قد حُذف لعدم أهميته أو لعد اتصاله بالموضوع. يزعم ديدات أن اليهود أدركوا فجأة أن المسيح ربما يكون لا يزال حياً، وأنهم ربما يكونون قد " خُدعوا " ( ص 42 ). فذهبوا إلى بيلاطس ليجعلوه يختم القبر حتى لا يستطيع المسيح أن يهرب ويستعيد حيويته. ورغم ذلك – يقول ديدات – إنهم تأخروا يوماً واحداً، " وكان الخطأ الأخير لهم أنهم مكّنوا أتباع المسيح غير المعروفين أن يقدموا المساعدة لرجلهم الجريح بعدم غلق المقبرة غلقاً محكماً " ( ص43 ).

كل ما حدث هنا أن ديدات حذف عبارتين من الآيات التي يستشهد بها ليس لأنهما بلا أهمية، بل لأنهما يدحضان مزاعمه كلية، ويضطران القارئ لاكتشاف صورة مخالفة تماماً لما يحاول أن يوحي للقارئ به ويُظهره. وسوف نذكر الآيات بكاملها، ونورد هنا النصّ الكامل لاقتباس ديدات من إنجيل متى ونوضح بخط سميك ما حذفه من كلمات ووضع مكانها النقط ( ... ). " يَا سَيِّدُ قَدْ تَذَكَّرْنَا أَنَّ ذَلِكَ الْمُضِلَّ قَالَ وَهُوَ حَيٌّ: إِنِّي بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَقُومُ. فَمُرْ بِضَبْطِ الْقَبْرِ إِلَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ لِئَلَّا يَأْتِيَ تَلاَمِيذُهُ لَيْلاً وَيَسْرِقُوهُ وَيَقُولُوا لِلشَّعْبِ إِنَّهُ قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ فَتَكُونَ الضَّلاَلَةُ الأَخِيرَةُ أَشَرَّ مِنَ الأُولَى" ( متى 62:27-64 ).

ويتضح لنا فوراً أن اليهود لم يؤمنوا لحظة واحدة أن المسيح نزل عن الصليب حياً. لقد ذهبوا إلى بيلاطس يتكلمون عن شئ كان المسيح قد قاله لما كان بعد حياً. وهذا يعني أنهم اعتبروه قد مات، فطلبوا من بيلاطس أن يُضبط ( يُختم ) القبر، ليس لخوفهم من أن رجلاً جريحاً قد يسترد وعيه، لكن لأنهم خافوا أن يسرق تلاميذه جسده، ثم يعلنون أنه قام من الأموات. هذا هو المعنى الواضح والبسيط لهذه الفقرة.

من الواضح لماذا حذف ديدات العبارات التي ظهرت بخط سميك! لأنها تهدم نظريته. من المؤسف أن ديدات يستخدم وبصفة منتظمة هذا التكتيك المراوغ في كتيباته ضد المسيحية. إنه يشوه الكتاب المقدس بأن يحرف بعض النصوص فيخرج بها عن محتواها، ويتجاهل من وقت لآخر نصوصاً أخرى تشكك في نظرياته. وهذه واحدة من المرات التي قام فيها بهذا العمل في فقرة واحدة، ملتوياً ببعض كلماتها، محاولاً أن يثبت أن اليهود ظنوا أن المسيح حياً. وأسقط الكلمات التي توضح أن ذلك لم يكن في فكرهم على الإطلاق. وأي مسلم مخلص يمكن أن يرى أن كتيب ديدات عن الصليب بأكمله هو لوي للحقيقة وإسقاط للعبارات الواضحة في الأناجيل والتي تشهد بغير غموض لحقيقة صلب المسيح وموته وقيامته. ونحن ننصح القراء أن يتعاملوا مع مثل هذه الاقتباسات التي حُذفت منها بعض كلمات ووُضع مكانها ثلاث نقاط ( ... ) بحذر شديد، لأن ديدات يجعلها تقول ما لم يرد فيها – وهذه خيانة للحق! لقد تذكر اليهود أن المسيح طالما كّرر نبوة بأنه سيقوم من الأموات بعد ثلاثة أيام، وأرادوا أن يمنعوا أي إمكانية لتحقيق هذه النبوة، سواء واقعياً من خلال قيامته أو بحيلة من خلال عمل يقوم به تلاميذه. وليس هناك سند لزعم ديدات أن اليهود " شكّوا في موته " وأنهم " ظنوا أنه لم يمت على الصليب " ( ص79 ). والكلمات التي حذفها من الفقرة التي استشهد بها في ( ص 42 ) من كتيبه توضح بجلاء أنهم كانوا مقتنعين أن المسيح مات حقاً، لكنهم لم يريدوا أن يدَّعي تلاميذه أنه قام من الأموات وعاد للحياة مرة أخرى!

والمسيحيون لا يعترضون على أي تحليل ناقد مخلص لكتابهم المقدس ومعتقداتهم. وفي الحقيقة نحن نرحب بذلك، لأنه يحفزنا للتأكد مما نؤمن به، كما أنه ليس هناك مسيحي صادق يود أن يؤمن بأشياء لا تصمد أمام التحليل الناقد. على أننا نستاء من أي مطبوعات مثل كتيب ديدات " صَلْب المسيح بين الحقيقة والافتراء " والذي يجرح مشاعرنا ويؤذيها. ونحن واثقون أن غالبية المسلمين سوف يكون لديهم نفس هذا الشعور بشأن أي مطبوعات مسيحية تشوّه الإسلام بالطريقة التي يُحقّر بها ديدات المسيحية.

ونحن نرتاح إذ نجد كثيرين من المسلمين في جنوب أفريقيا يعبّرون عن عدم موافقتهم على مثل هذه المطبوعات. لقد قالت إحدى المجلات الإسلامية المحلية منذ وقت قريب عن أسلوب ديدات :" إنها لحقيقية معروفة تماماً في كافة أنحاء جنوب أفريقيا، وحتى بين الأوساط التبشيرية المسيحية، أن المجتمع الإسلامي في جنوب أفريقيا لا يتفق مع السيد أحمد ديدات في أسلوبه في نشر الدعوة الإسلامية وخاصة بين المسيحيين. وقد أدانت السيد ديدات هيئات دينية إسلامية مسئولة كما دانه الأفراد بسبب الطرية التي بها ينشر الإسلام والتي من نتيجتها توليد العداوة ضد المسلمين " ( مجلة المسلم ديجست، التي تصدر في جنوب أفريقيا. عدد يوليو- أغسطس- سبتمبر 1984 ).

سوف نختم بتعرُّض مختصر لزعم ديدات أنه لو أمكن إثبات أن المسيح لم يمت على الصليب فإن مدلول ذلك أنه لم يُصلب بالمرة! وهذا الجدل الواهي ناشئ من مأزق وضع ديدات نفسه فيه بنظريته أن المسيح استمر حياً على الصليب. فالمسلمون يعتقدون أن المسيح " لم يُصلب ولم يُقتل " حسب تفسيرهم لسورة النساء 157. والغالبية العظمى من المسلمين في كافة أنحاء العالم يؤمنون أن المسيح لم يُوضع إطلاقاً على الصليب. لقد عقدْتُ ندوة مع ديدات في بينوني في سنة 1975 عن موضوع " هل صُلب المسيح؟ " ولخَّصت الصحيفة المحلية حينئذ زعم ديدات بالقول : " لقد صُلب لكنه لم يمت، هكذا كانت وجهة نظره ". وهناك عدد من المسلمين الفاهمين تبيّنوا أن مجمل نظريته يقلل من شأن ما يقوله الكتاب المقدس وما يقوله القرآن أيضاً عن الصلب، فهو الآن يحاول أن يخلص نفسه من المأزق الذي وضع نفسه فيه! فيجادل بأن كلمة " يُصلب " معناها " يُقتل على صليب " ويقول إنه إذا استمر شخص حياً على الصليب فإن ذلك يعني أنه لم يُصلب. وهو يشير بأنه في الإنجليزية " يُصعق " تعني القتل بصعقة كهربائية، وأن " يُشنق " تعني القتل بالشنق. وعلى هذا يقول إنه في الإنجليزية " يُصلب " يجب أن تعني " يُقتل على الصليب ". ويدّعي أنه لا يصح أن يُعتبر مسئولاً عن النقص الذي في اللغة الإنجليزية التي لا تحتوي على كلمات بديلة للدلالة على الشروع في الصلب أو الصعق أو الشنق. وفي قوله هذا يظهر نقص فهمه لموضوع الصليب تماماً. إن رواية واقعة الصلب في الكتاب المقدس كُتبت في الأصل باللغة اليونانية، وقد مرت أكثر من ألف سنة قبل أي ترجمة لها إلى اللغة الإنجليزية. والنقطة الهامة ليس ما قد كلمة " يُصلب " كما يفهمها باللغة الإنجليزية، ولكن المهم هو معنى الكلمة باليونانية عندما كُتبت الأناجيل لأول مرة.

وهنك آية تكفي للدلالة على أن " يُصلب " في وقت كتابة الأناجيل كانت تعني ببساطة " التثبيت على الصليب ". فلقد أعلن بطرس الرسول لجموع اليهود:" يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ .... هَذَا أَخَذْتُمُوهُ مُسَلَّماً بِمَشُورَةِ اللهِ الْمَحْتُومَةِ وَعِلْمِهِ السَّابِقِ وَبِأَيْدِي أَثَمَةٍ صَلَبْتُمُوهُ وَقَتَلْتُمُوهُ. " ( أعمال 23:2 ).

ونقرأ النص بوضوح " أنتم صلبتموه وقتلتموه " وهذا يعني بشكل واضح " أنتم ثبتموه على الصليب وقتلتموه هناك ". فمن السخف أن نفترض أنه إذا لم يمت رجل فعلاً على الصليب، فإن هذا يعني أنه لم يٌصلب إطلاقاً. وإذا كانت كلمة " يُصلب " تعني فقط " يُقتل فإن بطرس كان سيقول فقط " صلبتموه ". ولكنه يضيف :" وقتلتموه ". فهو يظهر بوضوح أن كلمة " يُصلب " تعني التثبيت على صليب. وهكذا يستمر ديدات في المأزق الذي وضع نفسه فيه بأن يسوع صُلب فعلاً لكنه لم يمت، وهي نظرية يمقتها المسيحيون والمسلمون الحقيقيون على حد السواء.

إن المرء ليعاني وهو يحاول أن يتتبع المنطق الفكري وراء خط ديدات في تناول الموضوعات! يبدو أنه يظن أنه لو استطاع أن يبرهن أن المسيح لم يمت على الصليب فإن هذا سيثبت أن القرآن صادق حينما يقول أنه لم يُقتل بواسطة اليهود. لكن كيف يمكن تصوُّر أن يكون لهذه النقطة تماسك، بينما الجدل كله يسلّم بصحة باقي الأمور التي ينكرها القرآن عن واقعية صلب المسيح؟ وهكذا يبدو واضحاً أن جدله هذا خالٍ تماماً من أي منطق!

موقع الرد على الاسلام

jesus i trust in u

فإذا يأس الإنسان من الله ...سقط في بحر الإلحاد
و إذا يأس الإنسان من الناس ..سقط في بحر العداوة و البغضة..
و إذا يأس الإنسان من نفسه ..انتهت المعركة بالاستسلام
 
قديم 26/11/2004   #2
احمد الرائع
مسجّل
-- اخ حرٍك --
 
الصورة الرمزية لـ احمد الرائع
احمد الرائع is offline
 
نورنا ب:
Oct 2004
مشاركات:
18

افتراضي صلب المسيح افتراء واضح


كتب احمد ديدات لاتمثل الاسلام
ولكن هذا لايعني ان المسيح صلب
المسيح لم يصلب لان مكاتنه ارفع واجل من ان يتركه الله عز وجل يتعرض لذلك
وكما في ديننا فان المسيح رفع ولم يتمكن اعداءه من قتله
وهو سينزل في اخر الزمان وقبل قيام القيامة فينصر الاسلام ويحكم به
وهو من سيلغي المسيحية للابد
وكل الاديان الاخرى ماعدا الاسلام
ويكون امام المسلمين في ذلك الزمان فيقاتلون تحت امرته
وبعد ذلك يموت ويدفن بجوار النبي محمد صلى الله عليه وسلم
وهو حي الان في السماء لم يمت
وسيكون يوم القيامة شهيدا على كل المسيحيين
وكما قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم (يوشك ان ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير)
اذا كل من يتطاول على عيسى عليه السلام فهو كافر كائنا من كان
وشكرا
 
قديم 26/11/2004   #3
roksana
مسجّل
-- اخ طازة --
 
الصورة الرمزية لـ roksana
roksana is offline
 
نورنا ب:
Nov 2004
مشاركات:
13

افتراضي


شكرا حنان على الموضوع الي طرحتي
وبدي علق على رد احمد
اقتباس:
المسيح لم يصلب لان مكاتنه ارفع واجل من ان يتركه الله عز وجل يتعرض لذلك
يا احمد انت مسلم ونحن مسيحيين وبعيدا عن الافكار التي تجمعنا والتي تفرقنا لدينا اكبر دليل على اولوهية السيد المسيح وعندما تثبت لك الوهيته تعرف انه صلب وهذا الدليل القاطع هو التوراة التي كانت قبل مجيئ السيد المسيح ومحمد والانبياء ذاك الوقت تنبؤ بمجيء المخلص ابن الله
وبتمنى ما تقلي مثل كتير من المسلمين ان التورات محرفي والتورات الحقيقية موجودة تحت المسجد الاقصى في فلسطين وما حدا بيعرف شو فيها
لان للاسف انتو بتحرفو الي بدكن اياه وبتصدقوا الي بدكن اياه
مرة سألت واحد مسلم شو الي بياكدلك انو محمد نبي والقرآن صحيح بتعرف شو قال لان مذكور بالانجيل الي لعيسى انو نبيا اسمه محمد او احمد رح يجي وقت سالتو وليش ما بتصدقوا الانجيل قلي لان محرف
مهيك مكتوب بالقرآن يعني عملتو حلقة مدورة
ليش الانجيل محرف؟هيك اجا في القرآن وشو عرفكن انو القرآن صحيح اي هيك اجا بالانجيل وشو عرفكن انو الي اجا بالانجيل صح اي هيك مكتوب بالقرآن
يعني حرفتو الانجيل وضل بس انو في محمد رح يجي((شو هالمنطق هاد))
اقتباس:
وهو من سيلغي المسيحية للابد
يعني كيف بدو يلغي المسيحية ماكلمة مسيحية جاي من كلمة المسيح
اقتباس:
ويكون امام المسلمين في ذلك الزمان فيقاتلون تحت امرته
بيهي معك حق بعد ما كان رمز السلام رح يعمل حروب وغزوات ويقلنا (اسلم تسلم)ويبلش تقطيع الرؤس

اقتباس:
وبعد ذلك يموت ويدفن بجوار النبي محمد صلى الله عليه وسلم
اول شي لزيادة معلوماتك المسيح هوي الي بيحاكم العالم وحتى هالشي موجود عندكن بقرآنكم
اي فيها وجهت نظر انو يسوع بيجي وبحاكم العالم وناس بتروح على جهنم وناس على الجنة
وبعدين بيروح وبيدفن حالو جنب محمد
لك انت الي عم ادافع عن المسلمين لك اي شو هالدين الي بحلل بس للذكور الجنة اما البنات كلن على جهنم(بيجوز بالجنة مافي مختلط)
قال شو :النساء شيطان رجيم لابد منه
وشو قال الجنة:هي ارض واسعة بقد ما تفعل حسنات تاتيك اجمل الحوريات ويمر بجانبك نهر من الخمر لتبقى تتمتع حتى الازل
اصلا متل مابتعرف انو 1_وقت نزل القرآن كما تقولون لم ينزل كاملا وانما آيات آيات ومحمد لم يكتبها جميعها في كتاب واحد وسماه القرأن يعني انتو مو اكيدين ازا الي كتبو القرآن محرفينو ولا لاء
2_لما حدا بيقرآ القرآن مابيفهم شي كانو شي حزورة او لغز ولما بدكن حدا يفسروا بتروحو لعند شيخ هوي بيفسرو
وهوي انسان متلكن متلو يعني في نسبة خطأ حتى ولو كانت1.1000000000 بكلامه وبس ليكون في نسبة خطأ بيكون في شك اذا.....
ولما بيكون في شك يعني ماتكون كتير مبسوط بالحكي الي بيفسروا لصالحكن
بس حاج تكتبوا شي طالع عن تسلؤلات بدينكن وبدكن حدا يجاوب عليها
انا بعرف انو لامسيحي رح يأسلم ولا مسلم رح يصير مسيحي وهاد نقاش عقيم
وجهة نظر: محمد كان انسان كتير ذكي مشان هيك قدر يلم هالامة الهائلة من الناس بتعرفو ليش؟
لانو استخدم وسائل فعالة
1 اسلم تسلم(يعني يا اسلم يا بيروح راسك)
2 كل فتاة من غير المسلمات تسبى
3 لا يحق للمسلم ان يرتد (ال يهدر دمه ال ) يعني لازم تصدق دينك رجلك فوق راسك
4 الاغراءات:
1 يحق للرجل ان يتزوج4
2 جميع الاسلام لهم الجنة
عروض خاصة:
_عيش ليلة قدر واحدة وحصل على الجنة مجانا
_اعمل الكثير من الحسنات واحصل على اكبر عدد من الحوريات مجانا
_تزوج بمسيحية تحصل على سبع حجات مجانا
_اقتل اسرق ازني افعل ما يحلو لك فانت مسلم و محجوز لك مقعد في الجنة
غيرو وغيرو الكثييييييييييييييييييييي ييييييييييييييررررررررررر ررررررررر
وانا ما كان بدي احكي بالموضوع بس لما الواحد بيقرأ مواضيع الخليل السابع او المستنير او رد احمد هاد
بيخلي الواحد يطلع عن عقلوا وبيجبرو يرد على المواضيع
 
قديم 26/11/2004   #4
شب و شيخ الشباب شكو زولو
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ شكو زولو
شكو زولو is offline
 
نورنا ب:
Sep 2004
المطرح:
لبنان
مشاركات:
1,071

إرسال خطاب MSN إلى شكو زولو إرسال خطاب Yahoo إلى شكو زولو
افتراضي Re: صلب المسيح افتراء واضح


اقتباس:
كاتب النص الأصلي : احمد الرائع
كتب احمد ديدات لاتمثل الاسلام
ولكن هذا لايعني ان المسيح صلب
المسيح لم يصلب لان مكاتنه ارفع واجل من ان يتركه الله عز وجل يتعرض لذلك
وكما في ديننا فان المسيح رفع ولم يتمكن اعداءه من قتله
وهو سينزل في اخر الزمان وقبل قيام القيامة فينصر الاسلام ويحكم به
وهو من سيلغي المسيحية للابد
وكل الاديان الاخرى ماعدا الاسلام
ويكون امام المسلمين في ذلك الزمان فيقاتلون تحت امرته
وبعد ذلك يموت ويدفن بجوار النبي محمد صلى الله عليه وسلم
وهو حي الان في السماء لم يمت
وسيكون يوم القيامة شهيدا على كل المسيحيين
وكما قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم (يوشك ان ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير)
اذا كل من يتطاول على عيسى عليه السلام فهو كافر كائنا من كان
وشكرا
على كل يا اخي أحمد مارح أحسن اوصفلك شعوري انا و عم أقرا هل التعليق
و على شوي كانت فريت الدمعة من عيني بس الله ستر
يعني حابب افهم انو المسيح هلق عم يتدرب بالسما منشان يقود جيوش المسلمين؟
و دخلك من عم يدربو
اكيد خالد بن الوليد سيف الله المسلول

بس لسه حابب اعرف شغلة دخلك المسيح رح يموت شهيد في سبيل الله
أم بيكون عمرو خلص بعد هيك

 
قديم 27/11/2004   #5
صياد القلوب
مسجّل
-- اخ حرٍك --
 
الصورة الرمزية لـ صياد القلوب
صياد القلوب is offline
 
نورنا ب:
Nov 2004
مشاركات:
22

افتراضي


هل صُلب المسيح حقاً؟

ليس الهدف من هذه الدراسة إضرام نار الشحناء بين المسيحيين والمسلمين في عالم موبوء بالبغضاء، والتفرقة، والتَّعصُّب، والعنصرية. إنما أردنا أن نعالج قضية هي في صُلب الخلاف بين المسيحية والإسلام على ضوء المعطيات التاريخيَّة، والدينية والمنطقية بأسلوب يتسم بالجديَّة والموضوعيَّة. ودأبنا في هذا كله خدمة الحقيقة من خلال مخاطبة العقل من ناحية، وتوثيق أواصر اليقين في قلوب المؤمنين من ناحية أخرى. فالصليب في المسيحيَّة هو قضية القضايا، وعلى الإيمان بفداء المسيح المصلوب يتوقف مصير الإنسان في أبديَّته المقبلة.


هذا ما تنادي به المسيحيَّة.
وهذا ما يؤمن به المسيحيون.
أما الإسلام فإنه يتّخذ موقف الرفض المطلق من الصليب، ولا يرى فيه حاجة إلى خلاص الإنسان، اعتماداً على أن التوبة إن اقترنت برحمة الله تضحى كافية لتؤهل التائب، إن كانت تلك هي مشيئة الله، للدخول إلى جنّاته تعالى يتمتّع بما جاء به الوعد في القرآن.


والفارق في هذين الموقفين هو
كالفارق بين الشرق والغرب.
إن المسيحي المؤمن يرى في الصليب وموت المسيح الكفاري الضمان الأكيد للحظوة بالحياة الأبدية. ذلك أن الله قد جسّد محبته ورحمته وعدالته على الصليب. فاليقين هنا مصدره وعد الله إذ قال المسيح:"فكل من يؤمن بي فله حياة أبدية" من غير استثناء. أي إن المؤمن المسيحي الأصيل يدرك يقيناً أنه إذا مات فله حياة أبدية. ولا مجال في هذا اليقين إلى عبارات: "إن شاء الله" أو "إن ذلك يتوقف على رحمته تعالى". ولا يعني هذا أن في وسع المرء أن يرتكب المعاصي، ويجنح للشر، ثم يقول: "لقد ضمنت الحياة الأبدية لأن المسيح قد مات من أجلي ودفع ثمن ما تقدم وما تأخر من ذنبي". إن في هذا القول لبهتاناً عظيماً، إذ على كل من ابتغى الحياة الأبدية أن يعيش على مستوى مطالب المسيح من القداسة ليكون إيمانه بفداء المسيح إيماناً عملياً.

أما الخلاص في الإسلام فهو سعي متواصل لعل المؤمن يحظى فيه برضى ربه، فينعم بجنة الفردوس. هذا السعي يتطلب جهداً قلّما يحالف فيه التوفيق صاحبه. إن العمل في الإسلام ضروري للحصول على الثواب. بينما العمل في المسيحيّة هو من ثمار الإيمان وليس للحصول على الثَواب. فالحياة الأبدية في المسيحيّة قد تأمنت بفضل عملية الفداء المطلقة التي تشمل كل من يؤمن بالمسيح رباً وفادياً ومخلّصاً. هذا هو الشرط. وهو شرط لا مناص منه. ومتى تحقق شرط الإيمان الصادق المخلص يتولد الإثمار الطبيعي. فالزهرة من طبيعتها أن تملأ الفضاء بعبيرها العبق، وكذلك من شأن طبيعة المؤمن المسيحي الحقيقي أن ينتج ثمراً صالحاً حقيقيّاً ليس من أجل ثواب أو مكافأة، أي ليس من أجل الحصول على الحياة الأبدية التي باتت مضمونة مع تحقيق شرط الإيمان، إنما هي تعبير طبيعي عن الحياة الجديدة التي أصبح عليها المؤمن المسيحي.

لهذا عمدنا في هذه الدراسة إلى الاستعانة بكل ما توافر لدينا من وثائق ومراجع معترف بها لإثبات حقيقة الصلب، وأنه حدث تاريخي وقع منذ ألفي عام تقريباً، وأن المصلوب كان حقاً هو المسيح وليس آخر، وأن أي ادّعاء يتعارض مع هذا الواقع هو ادّعاء باطل من أساسه يستنكره التاريخ ويتناقض مع الحقيقة.

ورجاؤنا إلى الله أن يتحرر إخواننا المسلمون من التعصُّب في أثناء مطالعة هذا الكتيّب، وأن يضعوا ما ورد فيه على محك الحقيقة فلا تجرفهم العاطفة إلى إساءة الظنّ في مقولاته، كما أننا لا ندعوهم لموافقتنا إنما نأمل أن تولّد هذه الدراسة شيئاً من التوثيق للبحث عن الحقيقة، حتى لو كانت هذه الحقيقة تخالف ما نشأنا عليه من تربية دينيّة. فلو لم يبذل مؤسّس الإسلام كل جهد في البحث عن الله لبقي كل حياته مشركاً كبقية قومه وقبيلته. وهذا درس علينا أن نتلقّنه جميعاً إن كنا حقاً مخلصين في طلب الحق الإلهي.

والله من وراء القصد.


الفصل الأول: هل صُلب المسيح حقاً؟


إن عقيدة الفداء، أي موت المسيح على الصليب من أجل خلاص الجنس البشري، هي عقيدة جوهرية في صُلب الديانة المسيحيّة. فمبدأ الخلاص قائم في أصله على هذا العمل الفدائي، وهو عمل لم يخطط له البشر، أو يرسم معالمه الناس، إنما هو من صنع الله، وليس للإنسان أي فضل في ذلك.

ولكن موت المسيح على الصليب وبالتالي قيامته في اليوم الثالث من بين الأموات، قضيّة اختلف عليها المسلمون والمسيحيّون منذ نشأة الإسلام، في مطلع القرن السابع الميلادي حتى عصرنا الحاضر. فالمسلمون ينكرون إنكاراً قاطعاً أن المسيح قد صُلب أو حتى مات موتاً طبيعياً (مع العلم أن لفيفاً من العلماء المسلمين يميلون إلى القول إن المسيح قد مات موتاً طبيعيّاً ثم رفعه الله إلى السماء). بينما يصرّ المسيحيّون عن قناعة لا شك فيها أن المسيح قد مات مصلوباً من أجل فداء الإنسان الخاطئ.

إن المسلمين يستهدفون من إنكارهم صلب المسيح إنكار مبدأ الفداء بل حاجة الإنسان إلى مخلص. بينما يرى المسيحيّون أنه لا خلاص من غير سفك دم، أي من غير عمل الكفارة الذي اتخذ شكله النهائي والأبدي على الصليب في شخص المسيح. فالكتاب المقدس في إشارته إلى صلب المسيح يقول:

"بِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لا تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ" (الرسالة إلى العبرانيين 9: 22).
وهو أمر يستنكره المسلمون أشدّ الاستنكار اعتقاداً منهم أنّ التوبة والأعمال الصالحة كافية لخلاص الإنسان من خطاياه، وأنّ الغفران يرتبط ارتباطاً وثيقاً برحمة الله وإرادته ولا علاقة له بعمل المسيح الفدائي على الصليب [1] . كذلك لا يؤمن المسلمون بضرورة وجود وسيط بين الله والناس لأن الإنسان، كما يدّعون يولد بريئاً وأنّ ما يرتكبه من آثام هي أخطاء متولدة عن ضعف الطبيعة البشرية ونقصانها وليس بفعل الطبيعة الساقطة التي ورثها عن آدم. وأودُّ هنا أن أُحيل القارئ إلى كتيّب قيّم بعنوان: "طبيعة الإنسان الساقطة في الإسلام والمسيحية"[2] عمد فيه المؤلف إلى تفنيد هذه الادعاءات تفنيداً جازماً مستعيناً بالمصادر الإسلامية والمسيحيّة على السّواء.

ولن أحاول هنا أن أعرض بالتفصيل المطول إلى الأسباب القاطعة التي ولّدت قناعة لا يشوبها الشك في إيمان المسيحيين بموت المسيح على الصليب وقيامته في اليوم الثالث، إنما سأُلمح إليها بشيء من الإجمال لأن دراسة مسهبة لمثل هذه الأسباب تقتضي كتاباً وليس كتيّباً.

(أ) أسباب منطقية



يعتمد المسلمون في نفيهم الجازم لموت المسيح على آية واحدة واردة في سورة النساء 4: 157:

"وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً".
وفي آية 158 يتابع:

"بَل رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً".
وبناءً على هذه الآية اليتيمة التي تنكر موت المسيح - علماً أن هذه الآية بالذات قابلة لتأويلات مختلفة، يجزم المسلمون أن عملية الصلب لم تحدث، وأن قصة موت المسيح وقيامته هي من اختراع المسيحيين الأوائل.

وهنا لا بد لي أن أتوقف أمام الملاحظات المنطقية التالية:

أولاً: لو كنت أيها القارئ قاضياً وعرضت عليك قضية مماثلة لقضية موت المسيح على الصليب مدعومة بالوثائق التاريخية التي تكتظُّ بنصوص المحاكمة والحوار الذي جرى ما بين المسيح وبيلاطس الحاكم الروماني، وكذلك نصوص الحوار الذي دار بين المسيح ورؤساء اليهود في مجلس السَّنهدريم؛ ثم عرضت عليك أقوال شهود العيان، وأسماؤهم، مع أسماء الذين حضروا المحاكمة، وتفاصيل الأحداث التي وقعت قبل عملية الصلب، وفي أثنائها والوقائع التي أعقبتها، وكلها مؤيدة بالشواهد التي لا تدع مجالاً للشك، ثم جاء شخص ما، بعد ما يزيد عن ستة قرون ممن لم يشهدوا حادثة الصلب، وبعبارة واحدة لا تسندها أية وثيقة تاريخية أو أثرية وادّعى أن موت المسيح على الصليب لم يحدث، وأن ما نقرأه في الأناجيل عن هذه القصّة من أوهام مسيحيي القرن الأول، فهل تقبل، كقاض عادل، هذا اللغو؟

يشير Werner Keller في كتابه "The Bible As History" إلى "أن تفاصيل المحاكمة وصدور الحكم والصلب (الواردة) في الأناجيل الأربعة قد تفحَّصها عدد من الباحثين بدقة علمية فتم التأكد من مصداقية وقائعها تاريخياً بكل حذافيرها. كما أن شهود الاتهام الرئيسيين ضد يسوع قد تعرّضوا للتحقيق بصورة غير مباشرة. كذلك فإن المكان الذي صدر منه الحكم قد كشفت عنه الحفريات الأثرية. إن الأحداث المختلفة في سياق المحاكمة يمكن التحقُّق منها من المصادر والبحوث الحديثة"[3].

قد يقول البعض إن الآية أعلاه هي وحي إلهي ولم تصدر عن محمد بالذات، ومن حيث أن مصدرها هو الله فلا يمكن أن يعتريها خلل أو باطل. إن صحّ هذا الكلام فعلى صاحب القول أن يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنها وحي من الله، لأننا نجد أنفسنا هنا أمام حقيقتين صارختين، إحداهما أن بين أيدينا كتابين: القرآن والإنجيل. وكلاهما كما يقول أصحابهما من وحي الله. ولكن أحدهما يناقض الآخر في أهم العقائد الأساسية: فلا بد والحالة هذه أن يكون مصدر أحدهما مخالفاً لمصدر الآخر، أي ليس الله. ولا جدوى من القول بنظرية التحريف والتبديل التي يدعي المسلمون أنها قد أصابت الكتاب المقدس، لأن الدراسات الموضوعية - لا التي تقوم على التكهن والتخيل - التي أجراها العلماء المحدثون قد شهدت على صحة النص الإنجيلي.

والحقيقة الثانية أن النص الإنجيلي تثبته الوثائق التاريخية والحفريات، بينما لا نجد دليلاً تاريخياً أو أثرياً يؤيد النص القرآني ولا سيما بما يختص بصلب المسيح. وهكذا عندما يكون النص الكتابي مثبتاً بالشواهد التاريخية والأثرية تكون الحقيقة في صالحه وليس في صالح ما يفتقر إلى هذه الشواهد. وكذلك فإن المسيحي يؤمن بأن كتابه موحى به من الله. لهذا فكل نص فيه هو إلهي، ولا سيما إن اقترن بحصيلة كبيرة من النبوءات السابقة التي تحققت بحرفيتها في شخص المسيح. وأمام مثل هذا الحشد من الأدلة يضحى على المعترض مسؤولية تفنيد هذه الوثائق بماهو أصح منها وأثبت، إن وجد لذلك سبيلاً.

ثانياً: لو كان موت المسيح أسطورة من أساطير الأولين، فلماذا ضحَّى جميع حواريّي المسيح تقريباً، الذين شهد لهم القرآن بالصلاح والأمانة والتقوى، بحياتهم من أجل أسطورة؟ قد يضحّي الإنسان بحياته من أجل غرض نبيل أو اقتناعاً منه بصدق ما يؤمن به، أما أن يضحي بحياته من أجل أكذوبة أو أسطورة فهذا يتعذر حدوثه، ولا سيما إن صدر عن قوم صالحين كمثل حواريي المسيح.

ثالثاً: كرز الحواريون، منذ موت المسيح وقيامته وحتى آخر لحظة من حياتهم، بإنجيل الخلاص. وكانت كرازتهم، ولا سيما في السنوات الأولى من خدمتهم، بين الأوساط اليهودية التي شهدت مأساة صلب المسيح، وعرفت بقيامته، ولم يجرؤ واحد من اليهود أو حتى من رؤساء الكهنة والفريسيين الذين تآمروا على المسيح أن ينكر على الحواريين حديثهم أو يتّهمهم بالكذب. فالحواريُّ بطرس يقف في أورشليم ولم يكن قد مضى على صعود المسيح إلى السماء إلا عشرة أيام، وعلى بُعد أمتار قليلة من مكان صَلْب المسيح، ويجابه اليهود بقوة وإصرار قائلاً لهم:

"وَلكِنْ أَنْتُمْ أَنْكَرْتُمُ الْقُدُّوسَ الْبَارَّ... وَرَئِيسُ الْحَيَاةِ قَتَلْتُمُوهُ، الَّذِي أَقَامَهُ اللّهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، وَنَحْنُ شُهُودٌ لِذلِكَ" (أعمال الرسل 3: 14 و15).
وفي مكان آخر يقول الحواري بطرس في يوم الخمسين مخاطباً اليهود:

"هذَا (أي المسيح) أَخَذْتُمُوهُ مُسَلَّماً بِمَشُورَةِ اللّهِ الْمَحْتُومَةِ وَعِلْمِهِ السَّابِقِ، وَبِأَيْدِي أَثَمَةٍ صَلَبْتُمُوهُ وَقَتَلْتُمُوهُ" (أعمال الرسل 2: 23).
والحقيقة أن العهد الجديد مفعم بكثير من الشهادات المشابهة التي تؤكد على موت المسيح مصلوباً، وأن اليهود المعاصرين للحواريين هم الذين قتلوه. فلو كانت هذه الاتهامات باطلة لأنكرها اليهود إنكاراً كلياً، ولما ضحّى الحواريون بأنفسهم في سبيل أسطورة أو أكذوبة[4].

رابعاً: ثم هناك أدلة منطقية أخرى لا يسع المرء أن يتجاهلها. ولعل أبرزها تلك الدراما الإنسانية التي كان مسرحها بلاط السنهدريم وبيلاطس وهيرودس، ثم تلك التلة الرهيبة المعروفة في التاريخ بتلة الجلجثة. وقد تناول الباحث البريطاني فرانك موريسون في كتابه: "من دحرج الحجر؟" قصة صلب المسيح وقيامته بعقلية القانوني المتضلع الذي استهدف أن يدحض مزاعم المسيحية، ولكن دراسته أسفرت عن نتائج لم يكن موريسون نفسه يتوقعها. فبدلاً من أن يكون الكتاب تفنيداً لأسطورة الصلب كما كان يعتقد، جاء البحث ليكون وثيقة إثبات صارخة في وجه الرافضين الساخرين[5] .

وعلينا أن نشير هنا إلى أن الوثائق المتوافرة لدينا تنبر أن محاكمة المسيح استغرقت ليلة بكاملها وشطراً من النهار التالي. وكانت تلك في محضر رؤساء اليهود، ومجلس السنهدريم وهو أعلى سلطة دينية في زمن المسيح. لهذا فإن الاعتقاد الشائع بين المسلمين أن المصلوب لم يكن المسيح بالذات بل شخصاً آخر لعله يهوذا الإسخريوطي، اعتقاد خاطئ من أساسه لم تثبته الوقائع ولا يتفق مع طبيعة الأحداث. ألم يكن في وسع المصلوب البديل في أثناء محاكمته أن يحتج ولو احتجاج الضعيف نافياً أنه المسيح؟ إن الوثائق التي بين أيدينا لم تسجل لنا احتجاجاً واحداً أو شبه احتجاج صدر عن هذا الشبيه! ولا أعتقد أن يهوذا الإسخريوطي - إن كان حقاً هو المصلوب كما يدَّعي المسلمون - يهمل مثل هذه الفرصة الذهبية لإنقاذ نفسه من هذه الميتة الشنيعة.

وكذلك يسجل لنا الإنجيل موقفاً إنسانياً لا يمكن أن يصدر عن شخص غير المسيح بالذات. ففي الساعات الأخيرة من حياته، وهو ما برح معلقاً على الصليب، نراه بكل محبة يصفح عن قاتليه وأعدائه. وهذا فعل لا يمكن أن يأتيه شخص مثل يهوذا الإسخريوطي الخائن الذي سلم سيده إلى أيدي خصومه الألدّاء.

وبالإضافة إلى ذلك، علينا أن لا ننسى دور مريم أم المسيح التي ظلت إلى جوار الصليب مع نساء أخريات ورد ذكرهن في الإنجيل، وكذلك شاهد العيان الحواريّ يوحنا الحبيب. هؤلاء شهدوا أحداث الصلب وخاطبهم المسيح في غمرة آلامه الهائلة قائلاً لأمه: "يا امرأة، هوذا ابنك، ثم قال ليوحنا: هوذا أمك". ألم يكن في وسع مريم أم المسيح أن تميز صوت ابنها من صوت الشبيه؟

ثم هناك قضية هامة مرَّ بها المفسرون المسلمون مرور الكرام، وهي قضية جسد المسيح. لقد زعم المسلمون أن الشبه قد وقع على وجه المسيح ولم يقع على جسده إذ "الوجه وجه عيسى أما جسده فليس بجسده"[6] . وقد جاء هذا القول في معرض تأويل الآية 157 من سورة النساء ولا سيما عبارة:

"وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً".
فإن صح هذا القول، على رغم ما في هذا التأويل من ضعف يستنكره العقل، كيف أخفقت مريم أم المسيح في اكتشاف الفارق بين جسد ابنها وجسد الشبيه؟

ومن ناحية أخرى يتوافر لدينا دليل ماديّ يتعذر على أي باحث موضوعي تجاهله. فقد ورد في قصة صلب المسيح أن يوسف الرامي ونيقوديموس عضوي السنهدريم اللذين كانا قد آمنا سراً بالمسيح، قد استحصلا على إذن رسمي من الحاكم الروماني بيلاطس البنطي بدفن المسيح في قبر كان قد أعده يوسف الرامي لنفسه. واستطاعا معاً - وربما بمساعدة خدمهما - أن يقوما بجميع مراسيم الدفن كما نصت عليها الشريعة اليهودية، فلو كان المصلوب هو الشبيه، وليس المسيح، كيف لم يستطيعا أن يميّزا بين جسد المسيح وبين جسد الشبيه وهما اللذان قاما بغسله وتطييبه وتكفينه؟ أكان هذا الشبيه مماثلاً للمسيح في طوله، وحجمه ولون بشرته، وما قد يتميز به من خصائص جسدية شخصية؟ والحقيقة إن ما أقدم عليه يوسف الرامي كان إتماماً لنبوءة إشعياء النبي عن المسيح:

"وَجُعِلَ مَعَ الأَشْرَارِ قَبْرُهُ، وَمَعَ غَنِيٍّ عِنْدَ مَوْتِهِ" (إشعياء 53: 9).
وأخيراً إن إيراد ذكر المواقف المخجلة التي ارتكبها حواريو المسيح وما اعتراهم من خوف وجُبن وهربهم أمام أعدائه وتخليهم عنه، وقضية إنكار بطرس لسيده ثلاث مرات لأكبر دليل على صحة قصة الصلب، إذ كيف يمكن للحواريين متى ويوحنا أن يدوّنا هذه التفاصيل المزرية لو لم يكن ذلك بوحي إلهي أمين؟ وهو وحي لا يحابي ولا يتحيّز لأحد. وكيف يمكن لبطرس وسواه من الحواريين أن يقبلوا ما قيل عنهم بالأناجيل لو لم يكن ذلك حقاً وصدقاً؟ إن من طبيعة كُتَّاب السِّير الذاتية أن يستروا معائبهم ويغالوا في إظهار مناقبهم. وهذا لا نراه إطلاقاً في قضية الصلب.

وفي تعليقه على سورة آل عمران 3: 55 والتي تقول:

"إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ".
أجمل الفخر الرازي الإشكالات الناجمة عن نظرية الشبيه في ست نقاط. وهي في الواقع إشكالات بالغة الأهمية تقوم على أساس سليم من المنطق. وعندما حاول أن يرد عليها لم يجد جواباً مفحماً يمكن اللجوء إليه في دحضها سوى عرض بعض الآراء التي لا تسعف على شيء.

ولكي ندرك أهمية هذه الإشكالات التي تولّد في نفس القارئ إحساساً عميقاً بأن الرازي نفسه كان مقتنعاً بها أو يكاد، فإننا سنقتبسها بدقة وأمانة كما أشار إليها المؤلف نفسه، وهي:

الإشكال الأول: إنّا لو جوَّزنا إلقاء شبه إنسان على إنسان آخر لزم السفسطة، فإني إذا رأيت ولدي ثم رأيته ثانية فحينئذ أجوّز أن يكون هذا الذي رأيته ثانياً ليس بولدي بل هو إنسان أُلقي شبَهه عليه، وحينئذ يرتفع الأمان على المحسوسات. وأيضاً فالصحابة الذين رأوا محمداً يأمرهم وينهاهم وجب أن لا يعرفوا أنه محمد، لاحتمال أنه أُلقي شبهه على غيره، وذلك يُفضي إلى سقوط الشرائع. وأيضاً فمدار الأمر في الأخبار المتواترة على أن يكون المخبر الأول إنما أخبر عن المحسوس، فإذا جاز وقوع الغلط في المبصرات كان سقوط خبر المتواتر أولى. وبالجملة ففتح هذا الباب أوله سفسطة وآخره إبطال النبوات بالكلية.

الإشكال الثاني: وهو أن الله تعالى كان قد أمر جبريل عليه السلام بأن يكون معه (مع المسيح) في أكثر الأحوال، هكذا قاله المفسرون في تفسير قوله (إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ). ثم إن طرف جناح واحد من أجنحة جبريل عليه السلام كان يكفي العالم من البشر، فكيف لم يكفِ في منع أولئك اليهود عنه؟ وأيضاً أنه عليه السلام لما كان قادراً على إحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص، فكيف لم يقدر على إماتة أولئك اليهود الذين قصدوه بالسوء وعلى إسقامهم وإلقاء الزمانة (العاهة) والفلج عليهم حتى يصيروا عاجزين عن التعرض له؟

الإشكال الثالث: إنه تعالى كان قادراً على تخليصه من أولئك الأعداء بأن يرفعه إلى السماء، فما الفائدة في إلقاء شبهه على غيره، وهل فيه إلا إلقاء مسكين في القتل من غير فائدة إليه؟

الإشكال الرابع: إنه إذا ألقى شبهه على غيره ثم إنه رُفع بعد ذلك إلى السماء، فالقوم اعتقدوا فيه أنه عيسى مع أنه ما كان عيسى، فهذا كان إلقاءً لهم في الجهل والتلبيس. وهذا لا يليق بحكمة الله تعالى.

الإشكال الخامس: إن النصارى على كثرتهم في مشارق الأرض ومغاربها وشدة محبتهم للمسيح عليه السلام، وغلوّهم في أمره أخبروا أنهم شاهدوه مقتولاً ومصلوباً، فلو أنكرنا ذلك كان طعناً فيما ثبت بالتواتر، والطعن في التواتر يوجب الطعن في نبوة محمد، ونبوة عيسى، بل في وجودهما، ووجود سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وكل ذلك باطل.

الإشكال السادس: أنه بالتواتر أن المصلوب بقي حياً زماناً طويلاً، فلو لم يكن ذلك عيسى بل كان غيره لأظهر الجزع، ولقال: إني لست بعيسى بل إنما أنا غيره، ولبالغ في تعريف هذا المعنى، ولو ذكر ذلك لاشتهر عند الخلق هذا المعنى، فلما لم يوجد شيء من هذا علمنا أن ليس الأمر على ما ذكرتم. فهذا جملة ما في الموضع من السؤالات.

أما ردود الرازي على هذه الإشكالات أو الاعتراضات فقد وردت مبتورة تفتقر إلى الحجة والبرهان. ولكي نحافظ على موضوعية البحث رأينا أن نقتبس هذه الردود بحرفيتها لتكون في متناول القارئ وحكمه. قال الرازي:

الجواب عن الأول: إن كل من أثبت القادر المختار، سلَّم أنه تعالى قادر على أن يخلق إنساناً آخر على صورة زيد مثلاً، ثم إن هذا التصوير لا يوجب الشك المذكور، فكذا القول فيما ذكرتم.

والجواب عن الثاني: إن جبريل عليه السلام لو دفع الأعداء عنه أو أقدر الله تعالى عيسى عليه السلام على دفع الأعداء عن نفسه لبلغت معجزته إلى حد الإلجاء (أي اضطرار الله إلى إجراء تلك المعجزة)، وذلك غير جائز.

والجواب عن الثالث: فإنه تعالى لو رفعه إلى السماء وما ألقى شبهه على الغير لبلغت تلك المعجزة إلى حد الإلجاء (أي اضطرار الله إلى إجراء تلك المعجزة).

والجواب عن الرابع: إن تلامذة عيسى كانوا حاضرين، وكانوا عالمين بكيفية الواقعة، وهم كانوا يزيلون ذلك التلبيس.

والجواب عن الخامس: إن الحاضرين في ذلك الوقت كانوا قليلين ودخول الشبهة على الجمع القليل جائز والتواتر إذا انتهى في آخر الأمر إلى الجمع القليل لم يكن مفيداً للعلم.

والجواب عن السادس: إن بتقدير أن يكون الذي ألقي شبه عيسى عليه السلام عليه كان مسلماً وقبل ذلك عن عيسى، جائز أن يسكت عن تعريف حقيقة الحال في تلك الواقعة. وبالجملة فالأسئلة التي ذكروها أمور تتطرق الاحتمالات إليها من بعض الوجوه. ولما ثبت بالمعجز القاطع صدق محمد في كل ما أخبر عنه، امتنع صيرورة هذه الأسئلة المحتملة معارضة للنص القاطع، والله وليّ الهداية.

كانت هذه هي ردود الشيخ العلامة فخر الدين الرَّازي على قضية هي من أخطر القضايا العقائدية في الحوار بين المسيحية والإسلام. وهي ردود، كما ترى تتسم بالسذاجة، وكأنما أدرك صاحبها مسبقاً تعذر معارضتها أو دحضها فلجأ إلى هذا الأسلوب الملتوي تخلصاً من مجابهة الحقيقة، ولا سيما في عبارته الأخيرة التي كانت سبيله الوحيد للتهرب من الواقع الصارخ، وهي قوله: "ولما ثبت بالمعجز القاطع صدق محمد في كل ما أخبر عنه..."[7].

وهنا لا يسعنا إلا أن نبحث في ردود الرازي الواهية إيضاحاً للحقيقة، فنقول:

جواباً عن الرد الأول: أجل، إن الله قادر أن يخلق من الشبه أربعين، كما يقول المثل العامي، ولكن في حالة المسيح هذه لم تكن هناك حاجة لذلك. فالمسيح لم يكن متهرباً من الصلب بل قد جاء في الدرجة الأولى، لفداء الإنسان، وهي مهمة اختارها لنفسه بفعل إرادته الشخصية. فلو تهرّب المسيح من الصّلب حقاً يكون قد تهرّب من المسؤولية التي أخذها على عاتقه، إما جبناً أو لامبالاة. وهذا ليس من شأن أنبياء الله، بل ليس من شأن يسوع المسيح الذي هو كلمة الله. فإذاً لم تكن هناك حاجة لمعجزة الشبه على الإطلاق.

وجواباً عن الرد الثاني: لم يكن المسيح في حاجة إلى الملاك جبرائيل لينقذه من أيدي أعدائه، لأن المسيح كان قادراً على إنقاذ نفسه من غير معونة أحد. إن معجزاته التي أجراها قبل موته وقيامته كانت تفوق بقوتها عملية الإنقاذ، فيما لو حدثت حقاً. والواقع، كما دونه الإنجيل، لأكبر دليل على سلطانه اللامحدود. فعندما أقدم أعداؤه على الإحاطة به طرحهم أرضاً بكلمة منه، وكان بوسعه آنئذ أن يمضي في طريقه آمناً. ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتواطأ فيها اليهود عليه فينسل من بينهم من غير أن يجرؤ أحد منهم على إيذائه. ولكن عندما دنت ساعته أسلم نفسه مختاراً لينجز ما جاء من أجله. إن دفع الأعداء عن نفسه لا يمكن كمعجزة أن يبلغ حد الإلجاء كما يدَّعي الرازي، وكان أجدر به أن يدرس مواقف المسيح في علاقته مع الناس وغرضه من التجسد ليدرك أن غفران الخطايا بموت المسيح على الصليب كان هو السبب الرئيسي لمجيئه وولادته من عذراء.

وجواباً على الرد الثالث: نقول للرازي: أكان الله حقاً في حاجة إلى إلقاء الشبه على أحد؟ يدَّعي البعض أن عملية الشبه هدفت إلى عقاب يهوذا الإسخريوطي الذي غدر بالمسيح. بيد أن الإنجيل يقدم لنا تقريراً ضافياً عن مصير يهوذا هذا إذ أقدم على الانتحار ندماً على ما جنت يداه. ثم لماذا يبلغ عدم إلقاء الشبه عند رفع المسيح حدّ الإلجاء؟ وما هي الحكمة من وراء ذلك؟ أليس في رفع المسيح أمام اليهود أكبر إثبات لنبوته؟ بل إن رفعه إلى السماء على مرأى من اليهود يزيل مشكلة الشكّ في حقيقة المسيح التي راودت عقول القيادات الدينية اليهودية، وبالتالي يدركون أي خطأ جسيم اقترفوه بحق كلمة الله.

وجواباً على الرد الرابع: صحيح أن حواريي المسيح وبعض أتباعه كانوا حاضرين في تلك الليلة الرهيبة، وشهدوا ما حدث لسيدهم، وقد رووه لنا بوحي من الروح القدس، مفصَّلاً في صفحات الإنجيل الكريم، فجاءت رواية الإنجيل المؤيدة بالشواهد والوثائق مخالفة تماماً لنص القرآن، وحكايات الحديث، وأوهام المفسرين المسلمين. لقد سجل لنا الحواريون بإرشاد الروح القدس وإلهامه، أحداث الصلب بكل أمانة فلم يغفلوا منها أدق التفاصيل.

وجواباً عن الرد الخامس نقول: إن الرازي يناقض نفسه بنفسه. ففي رده على الإشكال الرابع يقول: "إن تلاميذ عيسى كانوا حاضرين وكانوا عالمين بكيفية الواقعة وهم يزيلون التلبيس". وها هو الآن يقول إن الحاضرين كانوا قلة "ودخول الشبهة على الجمع القليل جائز والتواتر إذا انتهى في آخر الأمر إلى الجمع القليل لم يكن مفيداً للعلم". عندما وجد الرازي أن الاستشهاد بالحواريين يخدم غرضه لجأ إليهم كشهود عيان في إمكانهم أن يزيلوا التلبيس. ولكن فجأة يصبح هؤلاء الشهود أنفسهم عرضة للوقوع في الشبهة. والواقع أننا لو راجعنا سلسلة الأسانيد في أي حديث صحيح من الأحاديث النبوية لقلَّ أن نجد هناك إثني عشر إسناداً في آن واحد، مع العلم أن الذين شهدوا أحداث الصلب، والذين ظهر لهم المسيح بعد القيامة، وعاينوه يصعد إلى السماء يزيد عددهم عن الخمس مئة شخص. إذاً ما تواتر عن الحواريين هو حقيقة لا يشوبها الشك على الإطلاق.

وجواباً عن الرد السادس نقول: إن الشبيه (طبقاً للروايات الإسلامية المتباينة) لم يكن مسلماً إلا في خبر واحد. ويميل معظم المفسرين المسلمين للاعتقاد أن الشبيه كان أحد أعداء المسيح، أي لم يكن مسلماً. لهذا من المستبعد جداً أن يعتصم بالصمت فلا يحتج أمام الملأ ويعلن بضراوة أنه ليس المسيح، أو "يسكت عن تعريف الحال في تلك الواقعة". أما اللجوء إلى صدق محمد في كل ما أخبر عنه، فنحن أيضاً نلجأ إلى صدق المسيح وحوارييه في كل ما أخبروا عنه مما لا يدع مجالاً للشك في صحة ما ورد في الإنجيل المعصوم، فضلاً عن الوثائق التاريخية الوثنية والمسيحية المتوافرة لدينا. إن قصة الصلب لا يمكن أن تلغيها عبارة واحدة قابلة للتأويل صدرت بعد ما يزيد عن ستة قرون من وقوع الحادثة.

كذلك اختلف المفسرون المسلمون في شخصية هذا الشبيه. وتعددت الروايات الخيالية التي حاكها القُصَّاص المسلمون وتلقَّفها من ثم أئمَّة المفسرين من غير تحقيق أو اعتماد أي شاهد تاريخي أو أثري أو أي نص موثوق به، حتى زادت عن سبع روايات. والدليل على ذلك أنه لم يوجد مسلم واحد استطاع أن يقدم برهاناً قاطعاً عن صحة ما رُوي عن حقيقة هذا الشبيه.

وقد استطاع إسكندر جديد في كتابه "الصّليب في الإنجيل والقرآن" أن يجمع طائفة من هذه الروايات من مظانّها الأصليّة، وهي في مجملها تتناقض في التفاصيل والأسماء وترتيب الأحداث والمناسبة (انظر الصفحات 11-16). ولا عجب في ذلك، فإن مصادرها مختلفة متباينة نسجتها مخيّلات الرُّواة لتعليل عبارة قرآنية أو إثبات قضيّة تتعارض مع تعليم الإنجيل ولو على حساب الحقيقة.

وتنبئنا المصادر التاريخية أن أسطورة الشبه هذه كما أشار إليها القرآن لم تكن أمراً مستحدثاً، بل سبق لهراطقة المسيحية في القرون الستة الأولى الميلادية أن نادوا بمثل هذه البدعة. فهذه فرقة البازيليديسيين الغنوسية تدّعي أن سمعان القيرواني الذي حمل الصليب عن المسيح عندما أعيا، رضي أن يُصلب عوضاً عن المسيح، فألقى الله عليه شبهه، فصارت هيئته مثل هيئة المسيح وتمَّ صلبه.

وكذلك قال الدوكيتيون إن المسيح لم يُصلب مطلقاً إنما بدا أو تراءى لليهود أنهم صلبوه. والواقع أن اسم الدوكيتيين مشتق من فعل يوناني معناه "يظهر" أو "يتراءى"، وهو رمز لمجمل عقيدتهم في الصلب.

ولم تندثر بدعة عدم صلب المسيح في سياق تاريخ الكنيسة بل ظلت تطل برأسها بين الفينة والفينة بين الأوساط المسيحية على أيدي أفراد أو جماعات متفرقة من دعاة المعرفة. ففي سنة 185 م ادّعت طائفة هرطوقية من نسل كهنة طيبة الذين اعتنقوا المسيحية أنه "حاشا للمسيح أن يُصلب، بل رُفع إلى السماء سالماً". وفي سنة 370 م ظهرت إحدى الفرق الغنوسية الهرموسية التي أنكرت صلب المسيح وقالت: "إنه لم يُصلب بل شُبه للناظرين أنهم صلبوه". وفي سنة 520 م فرّ ساويرس أسقف سوريا إلى الإسكندرية فوجد فيها فئة من الفلاسفة يعلّمون أن المسيح لم يُصلب بل شُبه للناس أنهم صلبوه. وفي سنة 560 م أنكر الراهب تيودورس طبيعة المسيح البشرية وبالتالي أنكر صلبه. وفي سنة 610 م شرع الأسقف يوحنا ابن حاكم قبرص ينادي مدعياً بأن المسيح لم يصلب بل شُبه للناظرين أنهم صلبوه[8] .

ومن جملة الذين نادوا بنظرية الشبيه أيضاً ماني المتنبّئ الفارسي (27 م) فقد ادّعى أن يسوع هو ابن أرملة، وأن الذي صُلب هو ابن أرملة نايين الذي كان المسيح قد أقامه من بين الأموات. ونقرأ في تقليد مَانَوِي آخر أن الشيطان الذي سعى في صلب المسيح وقع في حفرة مؤامرته وصُلب مكانه.

يتضح من هذا العرض التاريخي الموجز أن بدعتي الشبه وإنكار صلب المسيح، قد أخذهما الإسلام عن الهرطقات المسيحية، ولا سيما أن هذه الهرطقات كانت شائعة في عصر ظهور الإسلام، وفي شبه الجزيرة العربية بالذات، بين الفرق الغنوسية التي لم تقم حجتها على الوقائع التاريخية أو المستندات الرسمية، بل كانت وليدة تصورات شخصية تدور في جوهرها حول طبيعة جسد المسيح[9] . بل إننا نجد أن مجمع القسطنطينية الذي انعقد في سنة 381 م قد أرسل المطران غريغوري النيقي لزيارة الكنائس في العربية والقدس التي انفجرت فيها النزاعات وهددتها الانقسامات[10] .

خامساً: ولو فرضنا جدلاً أن قصّة الشَّبيه قد حدثت فعلاً فإن ذلك يضفي على الله صفتي الخداع والاحتيال. فالحواريون الذين بشروا بموت المسيح وقيامته يكونون في الواقع قد كرزوا بموت الشبيه وقيامته، وتبعتهم الكنيسةفي ذلك على مدى ستة قرون. هذا الموقف يثير طائفة من الأسئلة التي لا بد من الإجابة عنها، أهمها: من هو مصدر هذا الخداع؟ لماذا لم يكشف الله الحقيقة لحواريي نبيّه ورسوله وتركهم مضَلّين ومضِلّين؟ لماذا سمح الله للبشر أن يستمروا في ضلالهم طوال العصور السابقة للإسلام، ولم يعلن لهم حقيقة المصلوب؟ من هو المسؤول عن ضلال ملايين من النفوس التي آمنت بأكذوبة؟ وما هو ذنب هؤلاء الذين آمنوا بنيّة صادقة بناء على تعاليم الإنجيل الذي بشر به الرسل؟ إن إصبع الاتهام في هذه الحالة يتجه نحو الله عزّ وجلّ. الواقع أن الذين ينادون بقصة الشبيه يجعلون من الله إلهاً مشابهاً في صفاته لآلهة الأساطير اليونانية كزوس وهيرا وأبولو الذين كانوا يتآمرون ويحتالون على بعضهم البعض وعلى الناس أيضاً. ولكننا نعلم يقيناً أن الله القدوس لا يمكن أن يكون مخادعاً محتالاً، لأن ذلك يتناقض مع طبيعته الإلهية. حاشا لله أن يكون محتالاً.

وهنا أود أن أقتطف مقطعاً من كتيّب جليل هو كتاب "القول الصريح باتّباع دين المسيح" حيث جاء فيه:

"فالقول إن الذي صُلب هو غيره، هو شبيه به، مخالف للعقل والنقل. أما كونه مخالفاً للعقل فإن إلقاء شبه المسيح على يهوذا أو تهريب المسيح من اليهود يدل على عجز فاعل هذا، والله ليس بعاجز. بل لو أراد الله أن يمنع قصد اليهود لأعجزهم وضربهم بالفشل والهلاك كما ضرب المصريين ومنعهم من أذى موسى وقومه فعبر هؤلاء البحر الأحمر سالمين وأغرق أولئك هم وملكهم كما في (خروج 15: 1)... وأما مسألة التهريب فهي من حيل المجرمين واللصوص لا من فعل الإله العظيم الذي هو على كل شيء قدير. وكذلك في مسألة التهريب تضليل للحكومة التي قامت بالتنفيذ، ولليهود الذين اشتكوا عليه، وللحواريين الذين آمنوا به واتبعوه وعززوه ونصروه بإيمانهم وشهاداتهم، ولأمه مريم وبقية أقربائها الذين حزنوا عليه حزناً شديداً. وحاشا لله أن يكون مخادعاً مضللاً للملايين من أتباع المسيح في كل أجيال الكنيسة. أما كونه مخالفاً للنقل فالتاريخ الروماني سجل الحكم على المسيح وتنفيذه في سجلات الحكومة الرومانية القائمة يومئذ، والتاريخ اليهودي أثبت هذه الحادثة بشهادة رؤساء الكهنة الذين كانوا من ضمن المشتكين عليه. والإنجيل نفسه قرر هذه الحقيقة بالتفصيل الكافي الوافي"[11] .

سادساً: ومن الأمور التي تسترعي الانتباه في قصة الصلب، حادثة القيامة. إن قيامة المسيح من بين الأموات لم تكن حدثاً عادياً لا أثر له في تاريخ الكنيسة وتطورها، بل على النقيض فإن القيامة هي سرّ استمرارية قوة الكنيسة ونموها المطرد. فإن كان الصلب هو موضوع الخلاص وجوهره فإن القيامة هي سر انتصار الكنيسة وغلبتها الروحية. فالصلب من غير قيامة لا قيمة له، والقيامة من غير صلب لا معنى لها. لهذا رأى الحواريون ومن بعدهم الكنيسة على مرّ العصور، في القيامة، الرمز الأبدي لاستمرارية الكنيسة وصمودها أمام الاضطهادات، والهرطقات وهجوم أصحاب الديانات الأخرى عليها.

لكن للقيامة بُعداً آخر في الشهادة لموت المسيح. فالمسيح كما شهد الحواريون، بل كما شهد مئات من أتباع المسيح بعد قيامته مباشرة وفي خلال أربعين يوماً، قد ظهر لهم مؤكداً لهم أنه حقاً قد صُلب ثم قام من بين الأموات. ولعل أبرز حدث نستشهد به هو موقف الحواري توما الذي اشتهر بواقعيته وعقلانيته التي تميَّزت بالشَّك. هذا أبى أن يصدّق ما رواه له بقية الحواريين عن ظهور المسيح لهم، وظن كما يبدو أن ما اعتراهم من ألم وحزن على صلب سيدهم وموته قد أثر على عقولهم، لهذا تحداهم قائلاً:

"إِنْ لَمْ أُبْصِرْ فِي يَدَيْهِ أَثَرَ الْمَسَامِيرِ، وَأَضَعْ إِصْبِعِي فِي أَثَرِ الْمَسَامِيرِ، وَأَضَعْ يَدِي فِي جَنْبِهِ، لا أُومِنْ" (يوحنا 20: 25).
وبعد ثمانية أيام فيما كان الحواريون جميعاً مجتمعين في العلِّيّة ومن جملتهم توما، وقد أحكموا إغلاق الأبواب خوفاً من اليهود، ظهر المسيح لهم فجأة ووقف في وسطهم وحيّاهم، ثم التفت نحو الحواري توما وقال له:

"هَاتِ إِصْبِعَكَ إِلَى هُنَا وَأَبْصِرْ يَدَيَّ، وَهَاتِ يَدَكَ وَضَعْهَا فِي جَنْبِي، وَلا تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ مُؤْمِناً" (يوحنا 20: 27).
هذه الحادثة إن دلّت على شيء إنما تدلُّ على أن قصة صلب المسيح قد تعرضت حقاً للتحقيق والتمحيص حتى بين أوساط الحواريين، وهم أقرب الناس إلى المسيح وأكثرهم ولاء له. فلا يجوز إذاً أن نستخف بما ورد عنها من نصوص كتابية وندّعي، من غير إثبات أو بيّنة، أن قصة صلب المسيح من نسيج تخيلات الأولين، أو نقتبس ما ردده الهراطقة وكأن أقوالهم آيات منزلات.

(ب) أسباب كتابية



بعد أن تحدّثنا عن الأسباب المنطقيّة التي تدعونا للإيمان بحقيقة الصلب والتّشبُّث بها، يتحتَّم علينا أن نعتمد نصوص كتابنا المقدس كمرجع أوّلي لهذا البحث، ولا سيما أن القرائن التاريخية والحفريات تدعم وثائق الأسفار.

أولاً: إن عقيدة الكفارة عن الخطايا لم تكن عقيدة مستحدثة، بل نراها جزءاً لا يتجزأ في جوهر كل الممارسات الدينية حتى في ممارسات الأديان الوثنية. والحقيقة الثابتة أن هذه الممارسات كانت في أساسها ممارسات سليمة سنَّ الله قانونها الأول بعد سقوط آدم وحواء في خطيئة العصيان. فبالرغم من عصيان آدم وعدم اعترافه بخطيئته، أخذ الله حيواناً وسلخ جلده وصنع لهما ثوبين ليستر عورتيهما (سفر التكوين 3: 21). والدارس للفظة "كفارة" أو تكفير يكتشف أن معناها القاموسي هو الستر أو التغطية. وهكذا يلاحظ أن عملية التكفير هي عملية شرّعها الله منذ عهد آدم. وظلت هذه الشعائر قائمة في ممارسة التعبد، فهذا قايين وهابيل يقدمان قرابين لله، فيتقبل الله قربان هابيل لأنه مؤسسٌ على الدم، ويرفض قربان قايين لأنه اعتمد فيه على أعمال يديه. وكذلك كانت قرابين نوح، وإبراهيم، وإسحق ويعقوب قرابين دموية. ثم أصبحت هذه القرابين في عهد موسى، شريعة مكتوبة. وكلها كما أثبت الدارسون كانت رموزاً للذبيحة الكبرى، أي صلب المسيح[12] . وقد أخذت الأمم الوثنية هذه الشعائر عن رجال الله المؤمنين وانتحلتها لآلهتها الوثنية، فشوَّهت معالمها، وإن ظلت القرابين في جوهرها رمزاً للتكفير.

أما الكفارة في الإسلام فتقوم على الأعمال الصالحة، فالحسنات والصدقات تمحو السيئات. كذلك فإن ممارسات الأركان الخمسة والجهاد في سبيل الله، وتلاوة القرآن، مدعاة إلى غفران الخطايا[13] .ولكن هناك قضية أخرى في الإسلام لا بد من التنويه بها استيفاءً منا للبحث، وهي قضية الفدية. ولعل أبرز إشارة في القرآن لموضوع الفدية نجده في سورة الصافات 37: 107 في معرض الحديث عن قصة تقديم ابن إبراهيم ذبيحة:

"وَفَدَيْنَاهُ بِذَبْحٍ عَظِيمٍ".
ويفسر البيضاوي هذه الآية بقوله: أي بما يُذبح بدله فيتم به الفعل.

ويورد الرازي في شرحه لهذه الآية حديثاً: ... وقال السدّي: نودي إبراهيم فالتفت فإذا هو بكبش أملح انحطَّ من الجبل فقام عنه (أي: عن ابنه) فأخذه فذبحه وخلّى عن ابنه، وقال: يا بنيَّ اليوم وهبت لي... وقيل سُمِّي (الكبش) عظيماً لعظم قدره حيث قبله الله تعالى فداء عن ولد إبراهيم.

أما كيف وهب له في ذلك اليوم؟ ذلك لأن الكبش الأملح ذبح فداء عن ابن إبراهيم. وبهذا وهبت له حياة جديدة. كذلك كان الكبش عظيماً، أولاً لأن الله هو الذي أعده، وثانياً لأنه كان رمزاً للذبيحة الكبرى، أي المسيح فادي البشرية جمعاء الذي قال عنه يوحنا المعمدان (يحيى بن زكريا):

"هُوَذَا حَمَلُ اللّهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ" (يوحنا 1: 29).
ونقرأ أيضاً في كتاب إحياء علوم الدين للغزالي، ج 1، ص 243 ما يلي:

"وأما ذبح الهدي فاعلم أنه تقرُّب إلى الله تعالى بحكم الامتثال فأكمل الهدي وارجُ أن يعتق الله بكل جزء منه جزءاً منك من النار، فهكذا ورد الوعد، فكلما كان الهدي أكبر وأجزاؤه أوفر كان فداؤك من النار أعم (الهدي هي الذبيحة التي تقدم إلى الحرم في مكة)".

وفي مكان آخر يقول الغزالي:

"وروت عائشة ... أن رسول الله... قال: ما عمل آدمي يوم النحر أحب إلى الله عز وجل من إهراقه دماً، وإنها (أي الضحية) لتأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأن الدم يقع من الله عز وجل بمكان قبل أن يقع بالأرض، فطيبوا بها نفساً. وفي الخبر: لكم بكل صوفة من جلدها حسنة، وكل قطرة من دمها حسنة، وإنها لتوضع بالميزان فأبشروا. وقال صلى الله عليه وسلم: استنجدوا هداياكم فإنها مطاياكم يوم القيامة"[14] .

ثانياً: إن العهد القديم يكتظ بالنبوءات عن موت المسيح وقيامته. ويكفي أن نلقي نظرة على سفر إشعياء، الأصحاح 53: 1-12

"مَنْ صَدَّقَ خَبَرَنَا، وَلِمَنِ اسْتُعْلِنَتْ ذِرَاعُ الرَّبِّ؟ نَبَتَ قُدَّامَهُ كَفَرْخٍ وَكَعِرْقٍ مِنْ أَرْضٍ يَابِسَةٍ، لا صُورَةَ لَهُ وَلا جَمَالَ فَنَنْظُرَ إِلَيْهِ، وَلا مَنْظَرَ فَنَشْتَهِيهِ. مُحْتَقَرٌ وَمَخْذُولٌ مِنَ النَّاسِ، رَجُلُ أَوْجَاعٍ وَمُخْتَبِرُ الْحُزْنِ، وَكَمُسَتَّرٍ عَنْهُ وُجُوهُنَا، مُحْتَقَرٌ فَلَمْ نَعْتَدَّ بِهِ. لَكِنَّ أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا وَأَوْجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا. وَنَحْنُ حَسِبْنَاهُ مُصَاباً مَضْرُوباً مِنَ اللّهِ وَمَذْلُولاً. وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلامِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا. كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ، وَالرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا. ظُلِمَ أَمَّا هُوَ فَتَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ، كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ، وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. مِنَ الضُّغْطَةِ وَمِنَ الدَّيْنُونَةِ أُخِذَ. وَفِي جِيلِهِ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ قُطِعَ مِنْ أَرْضِ الأَحْيَاءِ، أَنَّهُ ضُرِبَ مِنْ أَجْلِ ذَنْبِ شَعْبِي؟ وَجُعِلَ مَعَ الأَشْرَارِ قَبْرُهُ، وَمَعَ غَنِيٍّ عِنْدَ مَوْتِهِ. عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ ظُلْماً، وَلَمْ يَكُنْ فِي فَمِهِ غِشٌّ. أَمَّا الرَّبُّ فَسُرَّ بِأَنْ يَسْحَقَهُ بِالْحُزْنِ. إِنْ جَعَلَ نَفْسَهُ ذَبِيحَةَ إِثْمٍ يَرَى نَسْلاً تَطُولُ أَيَّامُهُ وَمَسَرَّةُ الرَّبِّ بِيَدِهِ تَنْجَحُ. مِنْ تَعَبِ نَفْسِهِ يَرَى وَيَشْبَعُ، وَعَبْدِي الْبَارُّ بِمَعْرِفَتِهِ يُبَرِّرُ كَثِيرِينَ، وَآثَامُهُمْ هُوَ يَحْمِلُهَا. لِذَلِكَ أَقْسِمُ لَهُ بَيْنَ الأَعِزَّاءِ وَمَعَ الْعُظَمَاءِ يَقْسِمُ غَنِيمَةً، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ سَكَبَ لِلْمَوْتِ نَفْسَهُ وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ، وَهُوَ حَمَلَ خَطِيَّةَ كَثِيرِينَ وَشَفَعَ فِي الْمُذْنِبِينَ".
حتى ندرك أن أنبياء العهد القديم لم يكونوا يعيشون بمعزل عن توقع هذا الحدث العظيم. ومن حيث أن المجال لا يتسع هنا إلى الإشارة إلى المواضع الوفيرة التي تنبئ عن موت المسيح وآلامه وقيامته فإني أحيل القارئ إلى كتاب قضيّة الصليب للدكتور لبيب ميخائيل[15] .

ثالثاً: إن المسيح نفسه قد تحدث عن موته وقيامته. والأناجيل مفعمة بالآيات البينات الجازمة التي نطق هو نفسه بها والتي تشير إلى صلبه وآلامه. وفي هذه الحال إما أن يكون المسيح كاذباً عندما تحدث عن موته أو أن يكون مجنوناً اختلط عليه الأمر، أو صادقاً لا ينطق بغير الحق. ولم يوجد أحد قط، حتى من بين أعدائه، من اتهم المسيح بالكذب. وبالطبع، لا يجرؤ أي مسلم أن يتهم المسيح بالكذب أو الجنون. بقي أن نقول إن المسيح كان صادقاً في كل ما بشر به وأخبر عن نفسه. ولا يجدي هنا أن ندعي أن ما ورد من أخبار الإنجيل عن موت المسيح هو من انتحال الحواريين أو سواهم من آباء الكنيسة الأولى للأسباب المذكورة أعلاه في مستهل هذا البحث، ولا سيما أن أتباع المسيح هؤلاء مشهود لهم بالصدق والأمانة. وأكثر من ذلك نجد الحواري يوحنا الذي لازم المسيح منذ صباه يقول في حديثه عن المسيح:

"اَلَّذِي كَانَ مِنَ الْبَدْءِ، الَّذِي سَمِعْنَاهُ، الَّذِي رَأَيْنَاهُ بِعُيُونِنَا، الَّذِي شَاهَدْنَاهُ، وَلَمَسَتْهُ أَيْدِينَا، مِنْ جِهَةِ كَلِمَةِ الْحَيَاةِ. فَإِنَّ الْحَيَاةَ أُظْهِرَتْ، وَقَدْ رَأَيْنَا وَنَشْهَدُ وَنُخْبِرُكُمْ بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ الآبِ وَأُظْهِرَتْ لَنَا" (يوحنا الاولى 1: 1-2).
وقد ردد بقية الحواريين مثل هذه الشهادة ولا سيما الحواري بطرس، وهم جميعاً شهود عيان صادقون[16] .

ولكن أعظم شهادة يمكن أن نقتبسها في سياق هذه الدراسة هي شهادة المسيح لنفسه. فقد تناول المسيح نبوّات العهد القديم وطبقها على نفسه، وعمد إلى تفسيرها تفسيراً لا يترك شائبة ريب في عقول مستمعيه، فنجد عبارات: "لِيَتِمَّ الْكِتَابُ الْقَائِلُ... " وهي مقتبسات مأخوذة كلها من العهد القديم، فجاء ذكرها في العهد الجديد، تطبيقاً عملياً للنبوءة الواردة في العهد القديم. وعلى سبيل المثال (راجع يوحنا 19: 24). وها هو المسيح يخاطب حواريّيه قائلاً لهم:

"هذَا هُوَ الْكَلامُ الَّذِي كَلَّمْتُكُمْ بِهِ وَأَنَا بَعْدُ مَعَكُمْ، أَنَّهُ لا بُدَّ أَنْ يَتِمَّ جَمِيعُ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنِّي فِي نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ. حِينَئِذٍ فَتَحَ ذِهْنَهُمْ لِيَفْهَمُوا الْكُتُبَ. وَقَالَ لَهُمْ: هكَذَا هُوَ مَكْتُوبٌ، وَهكَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ وَيَقُومُ مِنَ الأَمْوَاتِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ" (لوقا 24: 44-46).
إن هاتين الآيتين تشتملان على حقيقتين خطيرتين لا بد من الإشارة إليهما قبل الانتقال إلى بحث الوثائق التاريخية. أولهما، أن المسيح في اقتباسه نبوّات العهد القديم، وقوله "إنه ينبغي أن يتم جميع ما هو مكتوب عني في ناموس موسى والأنبياء والمزامير" قد أكد أن العهد القديم بكامله (باستثناء الأسفار التاريخية) قد أنبأ بمجيئه. ومن الغريب حقاً أن نجد المسلمين يتناولون بعض النبوّات التي اعتمدها المسيح نفسه، وأوضح بما لا يدع مجالاً للشك بأنها تشير مباشرة إليه، وينسبونها إلى محمد. وثانيهما، أن المسيح نفسه، وبعبارة صريحة، بيّن لحوارييّه أنه كان ينبغي عليه أن يتألم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث. هذا اعتراف صارخ يتعذّر على المتشككين إنكاره.

الفصل الثاني: الوثائق التاريخية


وهي تنقسم إلى أربعة أقسام:

(أ) الوثائق الوثنية:



تلعب الوثائق الوثنية دوراً بارزاً في قضية صلب المسيح لأن كُتَّابها أولاً لا ينتمون لأية طائفة مسيحية، وثانياً لأن هؤلاء الكتّاب كانوا يضمرون العداء للمسيحيّة أو المسيح، وكانوا أقرب إلى الهزء منه إلى المديح، ولا سيما في الحقبة الأولى من تاريخها. ويحق لنا هنا أن نتناول شهادات هؤلاء المؤرخين والكتّاب السياسيين بكثير من الجدية ونحلّلها على ضوء معطيات العصر والعوامل السياسية الفاعلة فيه.

إن الوثائق الوثنية التي بين أيدينا يرجع تاريخ معظمها إلى القرنين الأول والثاني الميلاديين، وهي تشهد لكثير من الوقائع التي جرت في حياة المسيح. ومن أبرز مؤلفي تلك الوثائق القديمة:

(1) كورنيليوس تاسيتوس (55-125 م) وهو مؤلف روماني عرف بالدقة والنزاهة. عاصر تاسيتوس ستة أباطرة ولُقب بمؤرخ روما العظيم. من أشهر كتبه على الإطلاق مصنَّفيه "الحوليات والتواريخ". يضم الأول نحو 18 مجلداً، والثاني نحو 12 مجلداً. ويرى ف. ف بروس F.F. Bruce أن تاسيتوس هذا كان بحكم علاقته بالحكومة الرومانية مطلعاً على تقارير حكام أقاليم الإمبراطورية وسجلات الدولة الرسمية. وقد وردت في مصنَّفيه ثلاث إشارات عن المسيح والمسيحيّة أبرزها ما جاء في حولياته:

"... وبالتالي لكي يتخلص نيرون من التهمة (أي حرق روما) ألصق هذه الجريمة بطبقة مكروهة معروفة باسم المسيحيّين، ونكَّل بها أشد تنكيل. فالمسيح الذي اشتق المسيحيون منه اسمهم، كان قد تعرض لأقصى عقاب في عهد طيباريوس على يد أحد ولاتنا المدعو بيلاطس البنطي. وقد راجت خرافة من أشد الخرافات إيذاء، وإن كانت قد شُكمت لفترة قصيرة، ولكنها عادت فشاعت ليس فقط في اليهودية المصدر الأول لكل شر، بل انتشرت أيضاً في روما التي أصبحت بؤرة لكل الأشياء الخبيثة والمخزية التي شرعت ترد إليها من جميع أقطار العالم"[1] .

يتضح من هذه الوثيقة أن المسيحية قد اشتقت اسمها من المسيح، وأن بيلاطس البنطي هو الذي حكم عليه بالموت. أما الخرافة أو الإشاعة التي ألمح إليها فهي ولا شك القيامة.

(2) ومن مؤرخي الرومان القدامى الذين كتبوا عن موت المسيح ثللوس (توفي 52م) وقد عمد هذا إلى تصنيف تاريخ منطقة البحر الأبيض المتوسط منذ الحرب الطرواديّة حتى زمانه. بيد أن هذا المصنف قد فُقد ولم يبقَ منه سوى شذرات مبعثرة في مؤلفات الآخرين، ومن جملتهم يوليوس الإفريقي الذي كان مطلعاً، كما يبدو على هذا التاريخ. ففي سياق حديثه عن صلب المسيح والظلام الذي خيّم على الأرض عندما استودع المسيح روحه بين يدي الآب السماوي، أشار يوليوس إلى عبارة وردت في تاريخ ثللوس تدور حول هذه الحادثة قال:

"إن ثللوس في المجلد الثالث من تاريخه، يعلل ظاهرة الظلمة أنه كسوف الشمس، وهذا غير معقول كما يبدو لي"[2] .
وقد رفض يوليوس الإفريقي هذا التعليل (سنة 221 م) بناء على أن الكسوف الكامل لا يمكن أن يحدث في أثناء اكتمال القمر، ولا سيما أن المسيح قد صُلب ومات في فصل الاحتفال بالفصح وفيه يكون القمر بدراً مكتملاً[3] .

ولم يكن ثللوس وحده هو الذي نبَّر على حدوث هذا الظلام، فقد أشار إليه كثير من القدامى كمثل فليفون الفلكي في القرن الثاني فقال: "إن الظلام الذي حدث عند صلب المسيح لم يحدث في الكون مثله من قبل" كما أشار إليه الإمام الحافظ ابن كثير المؤرخ الإسلامي في القرن الرابع عشر في كتابه "البداية والنهاية" ج 1 :182[4]

(3) لوسيان اليوناني: كان هذا أحد مؤرخي اليونان البارزين في مطلع القرن الثاني الميلادي. وقد علق في مقال نقدي ساخر على المسيحيين والمسيح. وإذ كان ينتمي إلى المذهب الأبيقوري فقد عجز عن استيعاب طبيعة الإيمان المسيحي واستعداد المسيحيين للاستشهاد في سبيل عقيدتهم، وحسبهم شعباً مخدوعاً يتعلق بأوهام عالم ما بعد الموت بدلاً من التمتع بمباهج العالم الحاضر وملذاته وأبرز ما قاله:

"إن المسيحيين، كما تعلم، ما زالوا إلى هذا اليوم يعبدون رجلاً - وهو شخصية متميزة، استنّ لهم طقوسهم الجديدة وصُلب من أجلها… ومنذ اللحظة التي اهتدوا فيها (إلى المسيحية) وأنكروا آلهة اليونان وعبدوا الحكيم المصلوب، استقرّ في عرفهم أنهم إخوة"[5] .
(4) رقيم بيلاطس: وهو رقيم أشار إليه جاستنيان الشهيد عام 150 م في أثناء دفاعه الأول حيث أكد أن صلب المسيح يثبته تقرير بيلاطس، كما يلمح في نفس الدفاع إلى طائفة من العجائب وأعمال الشفاء، ثم يقول: "إنه حقاً قد .صنع هذه ويمكنك التأكد منها من رقيم بيلاطس" وأشار ترتليان أيضاً إلى نفس هذا الرقيم [6] .

(5) ومن جملة الذين ذكروا في مؤلفاتهم ورسائلهم عن المسيح المصلوب، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، سيتونيوس (120 م) الذي كان رئيس أمناء سر الأمبراطور الروماني هادريان (117-138 م) فأتاحت له وظيفته الإطلاع على سجلات الدولة الرسمية، فعلم بالأسباب التي أدت إلى اضطهاد المسيحيين ومن بينها إيمانهم بصلب المسيح وموته وقيامته.

(6) ومن رجالات الدولة الذين عنوا بشأن المسيحيين بليني الأصغر حاكم بيثينيا في آسيا الصغرى. فقد ألمح في كتابه العاشر (112 م) إلى المسيح الذي يؤلّهه المسيحيون وموقفه منهم (المصدر السابق 95).

(7) وكذلك كلسوس الفيلسوف الأبيقوري المولود سنة 140م الذي كان من ألد أعداء المسيحية، هذا أيَّد في كتابه (البحث الحقيقي) قضية صلب المسيح وإن سخر من الغرض منه وقال: "احتمل المسيح آلام الصلب لأجل خير البشرية" (قضية الغفران 109).

( مارا بار - سيرابيون، قال هذا في رسالة كتبها لابنه من السجن يعود تاريخها إلى بين القرنين الأول والثالث:

... وأية فائدة جناها اليهود من قتل ملكهم الحكيم؟ لم يمت هذا الملك الحكيم إلى الأبد لأنه عاش من خلال تعاليمه التي علم بها [7] ..

بطبيعة الحال إن مارا هذا ينظر إلى المسيح من خلال منظاره الوثني. فالمسيح في رأيه، هو حكيم من الحكماء كسقراط وأفلاطون كما نمّت عن ذلك بقية رسالته.

يتبين لنا من هذه الوثائق الوثنية أن كتّابها كانوا على ثقة تامة أن المصلوب هو المسيح وليس الشبيه كما يدّعي المسلمون. وهكذا سجل لنا التاريخ حقيقة دامغة على صدق الكتاب.

(ب) الوثائق اليهودية:



أما الوثائق اليهودية فلها أهمية خاصة على الرغم من سلبيتها. فمن الطبيعي أن يتخذ رؤساء اليهود وقادتهم الدينيون موقفاً معادياً من المسيح، وهم الذين صلبوه إذ أدركوا أن تعاليمه الثورية تهدد معظم ما استنوه من تقاليد وطقوس فريسية تعزز من مكانتهم الدينية والسياسية. ومع ذلك فإن هذه الوثائق برهان ساطع على صحة ما ورد في الإنجيل من تفاصيل قصة الصلب. وفي هذا الجزء من دراستنا سنتناول أبرز هذه الوثائق وأولها:

يوسيفوس (37-97 م) هذا ذكر في كتابه "التواريخ" ما بين سنتي 90-95 م فقرة عن صلب المسيح. ويبدو أن هذه الفقرة قد أثارت حولها جدلاً بين علماء المخطوطات إذ اعتقد بعضهم أن هذه الفقرة قد تلاعبت بها أيدي بعض المسيحيين المتطرفين لما جاء فيها من تقريظ للمسيح لا يمكن أن يصدر عن يهودي. ولكن في عام 1972 نشرت مخطوطة عربية يرجح العلماء أنها ترجمة دقيقة للنص الأصلي وقد جاء فيها:

"وفي ذلك الوقت كان هناك رجل حكيم يُدعى يسوع اشتهر بحسن السلوك وبالتقوى، فتبعه عدد غفير من بين اليهود والأمم الأخرى. غير أن بيلاطس البنطي حكم عليه بالموت صلباً. أما الذين تبعوه فلم يتخلوا عن تلمذتهم له. وادعوا أنه قد ظهر لهم بعد ثلاثة أيام من صلبه وأنه حيّ. وبناء عليه فقد يكون هو المسيح الذي عزا إليه الأنبياء أشياء عجيبة"[8] .

إن شهادة يوسيفوس هذه قد سبقت شهادة أغلبية المؤرخين الوثنيين. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن يوسيفوس قد اشتهر بين أقرانه بالموضوعية، وأنه عالج هذه الواقعة التاريخية من خلال المعطيات اليهودية، تبين لنا أن هذا النص هو نص تقريري جدير بالثقة.

(ج) التلمود:



(1) يقسم التلمود إلى مجموعتين أساسيتين هما: المشنا والجمارة. أما المشنا فهي التقاليد الشفوية القديمة التي توارثتها أجيال المجتمع اليهودي المتعاقبة ثم تمَّ تدوينها في القرن الثاني الميلادي. أما الجمارة فهي حصيلة الشروحات والتعليقات على المشنا. وكذلك فإن المواد التلمودية التي تدور حول قضايا تشريعية وأسئلة قانونية والتي أثارت جدلاً بين فقهاء اليهود وعلمائهم فتدعى الحلقا. أما الجزء المختص بالأساطير والقصص والأقوال المأثورة التي استخدمت لإيضاح الأعراف التقليدية فتدعى الهجَّ دا [9] .ونقرأ في النسخة التي نشرت في أمستردام عام 1943، وفي صفحة 42 ما يلي:

"لقد صُلب يسوع قبل الفصح بيوم واحد. وقبل تنفيذ الحكم فيه، ولمدة أربعين يوماً خرج مناد ينادي: إن (يسوع) سيُقتل لأنه مارس السحر وأغرى إسرائيل على الإرتداد، فعلى من يشاء الدفاع عنه لمصلحته والاستعطاف من أجله أن يتقدم. وإذ لم يتقدم (أحد) للدفاع من أجله في مساء (ليلة) الفصح. وهل يجرؤ أحد عن الدفاع عنه؟ ألم يكن مفسداً؟ وقد قيل في الأنبياء إن شخصاً مثل هذا: "لا تَسْمَعْ لَهُ وَلا تُشْفِقْ عَيْنُكَ عَلَيْهِ وَلا تَرِقَّ لَهُ وَلا تَسْتُرْهُ، بَلْ قَتْلاً تَقْتُلُهُ " (تثنية 13: 8 و9)[10] .

من الجلي أن التلمود يشهد أيضاً بأن المصلوب هو المسيح من غير أن نلمح في هذه الشهادة أي شائبة شك في شخصيته.

(2) وهناك مخطوطة أخرى تُدعى Toledoth Jesu وهي مخطوطة يهودية معادية للمسيحية لا تشير فقط إلى المسيح بل تروي لنا أيضاً قصة خيالية عما حدث لجسده بعد موته. فقد ادعى مؤلفها أن حواريي المسيح حاولوا أن يسرقوا جسده فعرف بذلك بستاني اسمه يهوذا. فجاء خفية ونقل جثمان المسيح من قبر يوسف الرامي إلى قبر جديد آخر حفره له. وعندما جاء الحواريون إلى القبر الأصلي وجدوه فارغاً فادعوا أنه قام من بين الأموات. ولكن حين أقبل رؤساء اليهود إلى الضريح وشاهدوه أيضاً فارغاً أخذهم البستاني إلى القبر الجديد وأراهم جثة يسوع[11] .

ومع أن هذا التقليد لم يُجمع قبل القرن الخامس الميلادي فإنه ولا شك يمثل تقليداً يهودياً سابقاً شاع بين الأوساط الإسرائيلية بعد قيامة المسيح (متى 28: 11-15) هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن هذه المخطوطة على ما فيها من عداء للمسيحية هي أكبر شاهد إثبات على صلب المسيح وموته وقيامته، لأنها شهادة من عدوّ موتور.

(3) وقال أيضاً يوحنا بن زكا، تلميذ هليل المعلم الشهير في كتابه سيرة يسوع الناصري: "إن الملك وحاخامات اليهود قد حكموا على يسوع بالموت لأنه جدف حين ادعى أنه ابن الله... وأنه الله". ثم قال بعد ذلك: "ولما كان المسيح في طريقه إلى الموت كان اليهود يصرخون أمامه: فلتهلك كل أعدائك يا رب"[12] .

(د) الوثائق الغنوسيّة:



الغنوسيّة كلمة معربة عن اللفظة اليونانية gnosis ومعناها المعرفة. والغنوسيّة حركة دينية فلسفية تجمع تحت مظلتها فرقاً شتى تتباين في بعض مبادئها، وتتفق في بعضها الآخر. وقد جعلت هذه الحركة المعرفة الأساس الذي بنت عليه عقائدها الدينية. وسبق لنا أن عرضنا إلى مبدأ الشَّبه في الغنوسية والأبيونيّة والدوكيتية الذي نادت به معظم فرقها والذي، كما يبدو، قد تأثرت به النظرة الإسلامية في مفهومها لصلب المسيح. غير أن تعليم الشبه في الغنوسية كان يرمي إلى غرض يختلف عما كان يرمي إليه الدين الإسلامي. فالغنوسية أو بعض فرقها على الأقل، رأت أن المسيح وهو إله متجسِّد، لا يمكن أن يتعرّض للصّلب لأن جسده يغاير أجساد البشر. لهذا يتعذر أن يكون المصلوب هو جسد المسيح. أما الإسلام فلا ينكر عملية الصليب، ولكنه ينكر أن المصلوب كان المسيح، ليس على أساس طبيعة جسده إنما على أساس أن المسيح لم يصلب إطلاقاً بل رُفع إلى السماء بقدرة الله قبل أن يتمكن أعداؤه من القبض عليه، وأوقع الله شبهه على آخر فحلّ محله.

بيد أن دراستنا للآثار الدينية والأدبية للحركة الغنوسية توفِّر لنا أدلة أخرى على صحة رواية الإنجيل عن صلب المسيح وقيامته، ولا سيما ما ورد في المؤلفات الغنوسية الأولى كمثل إنجيل الحق (135-160 م) وإنجيل يوحنا الأبوكريفي (120-130) وإنجيل توما (140-200 م) ومع أن هذه الأناجيل غير موحى بها من الله، فإنها كلها تتحدث عن الكلمة، وأن المسيح هو إله وإنسان. ونجد هذه الفقرة في إنجيل الحق:

"كان يسوع صبوراً في تحمله للآلام... لأنه علم أن موته هو حياة للآخرين... سُمِّر على خشبة، وأعلن مرسوم الله على الصليب، هو جرّ نفسه إلى الموت بواسطة الحياة... سربلته الأبدية. وإذ جرّد نفسه من الخرق البالية فإنه اكتسى بما لا يبلى مما لا يستطيع أحد أن يجرده م "[13].

ونطالع أيضاً في كتاب غنوسيThe Secret Teaching of Christوهو مؤلف من القرن الثاني ما ترجمته:

" فأجاب الرب وقال: الحق أقول لكم: كل من لا يؤمن بصليبي فلن يخلص، لأن ملكوت الله من نصيب الذين يؤمنون بصليبي" [14] .

ه) الوثائق المسيحية:



الوثائق المسيحية دينية كانت أم أدبية أم تاريخية، هي سجل دقيق تعكس عمق إيمان آباء الكنيسة الأولى بكل ما تسلَّموه من الحواريين من تعاليم وأخبار، إما عن طريق التواتر بالإسناد الموثق، أو عن طريق الكلمة المكتوبة. كذلك هي إثباتات قاطعة على صحّة ما ورد في الأناجيل من أحداث وعقائد ولا سيّما ما يختص بموت المسيح وقيامته. وكما أن هذين الحدثين يشغلان حيزاً كبيراً من العهد الجديد فإنهما أيضاً كانا المحور الأساسي في مؤلَّفات آباء الكنيسة الأولى.

يقول جوش مكدويل، وهو أحد كبار المختصين بالمخطوطات المسيحية:

"لا يوجد كتاب في الدنيا تدعمه المخطوطات الكتابية القديمة كما هو الحال مع الكتاب المقدس. وقد شاءت العناية الإلهية أن يتم العثور على مخطوطات البحر الميت التي أثبتت، بما لا يدع أي مجال للشك، صحة الكتاب المقدس وصدقه ولا سيما نصوص العهد القديم، وبالأخص سفر إشعياء".

وبالطبع فإن هذه المخطوطات تنص على النبوّات المتعلقة بموت المسيح وقيامته كما هو الحال في الكتاب المقدس الذي بين أيدينا. وأكثر من ذلك، إذا رجعنا إلى مؤلفات آباء الكنيسة منذ العصر الاول الميلادي وجمعنا مقتبساتهم من العهد الجديد لوجدنا أنه يمكن إعادة كتابة العهد الجديد بكامل نصه باستثناء سبع عشرة آية فقط. وهذه النصوص لا تختلف عما لدينا من نصوص العهد الجديد الحالي، ومن جملتها كل ما جاء عن لاهوت المسيح وموته وقيامته.

أما مؤلفات آباء الكنيسة فهي:

(1) رسالتان من تأليف اكليمندس أسقف روما.

(2) رسائل قصيرة من تأليف أغناطيوس كان قد بعث بها إلى الأفراد والكنائس في أثناء رحلته من أنطاكية إلى روما حيث استشهد.

(3) رسالة بوليكارب تلميذ الحواري يوحنا إلى أهل فيلبي.

(4) الديداتشي أو تعليم الرسل، وهو كتيب مبكر يدور حول أمور عملية متعلقة بالقيم المسيحية ونظام الكنيسة.

(5) رسالة عامة منسوبة إلى برنابا وفيها يهاجم بعنف ناموسية الديانة اليهودية، ويبين أن المسيح هو تتمة شريعة العهد القديم.

(6) دفاعيات جاستنيان، وقد أورد فيها طائفة من الحقائق الإنجيلية، ولا سيما ما يختص بشخص المسيح وحياته الأرضية وصلبه وقيامته. هذا فضلاً عن مؤلفات أخرى وصلتنا مقتطفات منها كدفاع كوادراتوس الذي اقتبس منه يوسيبس الفقرة التالية:

"إن منجزات مخلصنا كانت دائماً أمام ناظريك لأنها كانت معجزات حقيقية، فالذين برئوا، والذين أقيموا من الأموات لم يشهدهم الناس عندما برئوا أو أقيموا فقط بل كانوا دائماً موجودين (معهم). لقد عاشوا زمناً طويلاً. ليس فقط في أثناء حياة المسيح الأرضية بل حتى بعد صعوده. إن بعضاً منهم بقوا على قيد الحياة إلى وقتنا الحاضر".

وكذلك مخطوطة راعي هرمس وقد دعيت بهذا الاسم نسبة إلى أبرز شخصيات الكتاب. أما فحوى المؤلَّف فينطوي على مجموعة من الأمثال والأوامر المختصة ب قيدة [15] .

(و) الرسوم والنقوش والفرائض



يوفر لنا تاريخ الكنيسة أيضاً بيّنات أخرى هامة على اعتقاد مسيحيي القرون الأولى الوثيق بصلب المسيح وموته وقيامته، فقد تم العثور في سراديب روما وأقبيتها على رسوم شعار الصليب ونقوشه، وهي أماكن كان يجتمع فيها المسيحيون سراً خوفاً من جواسيس الحكومة الرومانية الوثنية. كذلك عمد المسيحيون إلى نقش شعار الصليب على أضرحة موتاهم تمييزاً لها عن أضرحة الوثنيين. فلو لم يكن هؤلاء المسيحيون على ثقة أكيدة من صلب المسيح لما أخذوا الصليب شعاراً لهم، ولا سيما أن الصليب كان رمز عار عند اليهود والرومان على حد سواء. أما الآن بعد صلب يسوع المسيح البار عليه أصبح رمز فخر وإيمان. ولو لم يكن الصليب حقيقة متأصلة في إيمان هؤلاء المسيحيين لما تحملوا من أجله كل اضطهاد واستشهدوا في سبيله. وبعض هؤلاء كانوا شهود عيان لصلب المسيح، والبعض الآخر تسلموا هذه الحقائق من الحواريين أو مما وصل إلى أيديهم من الأناجيل والرسائل المكتوبة التي أوحى بها الروح القدس.

أما الفرائض وبالأخص فريضة العشاء الرباني التي مارسها المسيح في الليلة التي أُسلم فيها، فقد احتلت مكانة مرموقة في ممارسات الكنيسة على مر العصور. وترجع أهمية هذه الفريضة إلى أنها - كما أوَّلها المسيح نفسه - رمز إلى صلبه وموته. وعندما يمارسها المسيحيون فإنما يفعلون ذلك لإحياء الذكرى المقدسة (إنجيل متى 26: 26- 29، إنجيل مرقس 14: 22-25، إنجيل لوقا 22: 14-20، والرسالة الاولى إلى أهل كورنثوس 11: 23-27).

ومن الملاحظ أيضاً أن فريضتي العشاء الرباني والمعمودية تذكرنا بموت المسيح فداءً عن خطايانا والمعمودية التي حض المسيح حوارييه على القيام بها (إنجيل متى 28: 19) كرمز لموتنا وقيامتنا معه، قد مارسهما الحواريون أنفسهم تطبيقاً لوصية المسيح بالذات. وما برحت الكنيسة تعمل بهما إلى هذا اليوم.



انتقل إلى الفصل التالي


--------------------------------------------------------------------------------

مقتبس من
قلم فارس القيرواني
by Light of Life · Villach · Austria

- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا -
 


"ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك * فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر" (قرآن كريم)
 
قديم 27/11/2004   #6
شب و شيخ الشباب الكبير
عضو
-- أخ لهلوب --
 
الصورة الرمزية لـ الكبير
الكبير is offline
 
نورنا ب:
Oct 2003
المطرح:
حمص
مشاركات:
240

افتراضي


الله يسامحك يا رجل
شو هالرد القصير

من أرادَ أن يكونَ فيكم كبيرًا فليكُنْ لكم خادمًا
 
 



ضوابط المشاركة
لافيك تكتب موضوع جديد
لافيك تكتب مشاركات
لافيك تضيف مرفقات
لا فيك تعدل مشاركاتك

وسوم vB : حرك
شيفرة [IMG] : حرك
شيفرة HTML : بليد
طير و علّي


الساعة بإيدك هلق يا سيدي 01:55 (بحسب عمك غرينتش الكبير +3)


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
ما بخفيك.. في قسم لا بأس به من الحقوق محفوظة، بس كمان من شان الحق والباطل في جزء مالنا علاقة فيه ولا محفوظ ولا من يحزنون
Page generated in 0.25727 seconds with 14 queries