أخوية  

أخوية سوريا: تجمع شبابي سوري (ثقافي، فكري، اجتماعي) بإطار حراك مجتمع مدني - ينشط في دعم الحرية المدنية، التعددية الديمقراطية، والتوعية بما نسميه الحد الأدنى من المسؤولية العامة. نحو عقد اجتماعي صحي سليم، به من الأكسجن ما يكف لجميع المواطنين والقاطنين.
أخذ مكانه في 2003 و توقف قسراً نهاية 2009 - النسخة الحالية هنا هي ارشيفية للتصفح فقط
ردني  لورا   أخوية > فن > المكتبة

إضافة موضوع جديد  و الله هالموضوع مقفول ترى
 
أدوات الموضوع
قديم 25/09/2006   #55
شب و شيخ الشباب TheLight
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ TheLight
TheLight is offline
 
نورنا ب:
May 2006
المطرح:
عند ساركوزي اللعين..
مشاركات:
3,091

افتراضي


خريف البطريرك



"خريف البطريرك" موسوعة تعج بأغاني الساحل الكولومبي وألحانه، حيواناته وأعشابه، طرائفه ومآسيه، قصص حب وهمية وحقائق دموية، سحر وتعاويذ، مآدب من لحم بشري مبّل، وبحر يباع قطعاً مرقّمة. رواية مفزعة يتجاوز بها غابرييل غارسيا ماركيز حدود أمريكا اللاتينية، ودكتاتور كلّي الوجود يعلن حالة حرب على كل منافسيه، من الأطفال إلى الكرسي البابوي في روما... حيث يقول في ذروة خريفه، عاش أنا... يموت ضحاياه: أطفال ومعارضون، رجال دين ومتمرّدون، هنود وهندوسيون، عرب ومضطهدون آخرون. عاش أنا، يقول. غير انه في النهاية يجد نفسه وجهاً لوجه مع الموت في صفحات رائعة يكثف فيها ماركيز الوجه الآخر للحياة، الحياة التي لم يكن البطريرك يراها إلا من القفا، قبل أن ينتهي زمن الأبديّة الهائل، وقبل أن تدق أجراس الحبور وتعلو معزوفات التحرّر، ومنذ طفولة البطريرك إلى توليه السلطة أو، بالعكس، منذ توليه السلطة إلى طفولته الأولى التي نتعرف عليها مندغمة ومتزامنة مع طفولته الثانية، حسب تسلسل الأحداث وتداخلها في الرواية، يوجد زمن مغلق هو الحيّز الذي تدور فيه أحداث رائعة ماركيز هذه. حركة دائرية مغلقة ونشيد مذهل ضد الدكتاتورية، بأسلوب يجمع بين الشعر والموسيقى والسيناريو السينمائي.

تعود بداية الأحداث في الرواية إلى الطفولة الأولى للبطريرك ـ وهو الأسم الوحيد الذي يشار إليه في الرواية ـ اثناء فترة العهد الأخير لنظام النيابة الملكية لأسرة ( غودوس ) ، وتندلع بعد حروب الاستقلال حرب أهلية بين الليبراليين من جهة والمحافظين من جهة أخرى لمدة زمنية تتراوح تقريباً احدى عشرة سنة ينتزع من خلالها السلطة ما يقارب أربعة عشر جنرالاً الواحد تلو الآخر ويكون في آخر هذه السلسلة من الجنرالات جنرال مستبد بصورة تفوق المعقول ويمتلك نزعة قوية إلى حد ما ، تجرأ مرة على ان يرفض شروط ومطالب الأنكليز ، لكنه في نهاية الأمر يقدم على الأنتحار مع كافة أفراد أسرته على أثر حركة مسلحة كان قام بها ضد البطريرك بايعاز وتوجيه من الأنكليز أنفسهم وهكذا تمت العملية إلى ان تم ـ بواسطة الأنكليز و القوات المسلحة ـ تعين وتنصيب البطريرك وهو الشخصية الأمية والدموية والمستبدة والمنعدمة الضمير قائداً ورئيساً لهذه الجمهورية .
حين وصل كان الوضع الاقتصادي ، السياسي ، والحياتي العام يسير من سئ إلى اسوأ تعرض إلى بعض المتاعب ومع هذا تم تخليصه وإنقاذه بفضل جهود ومساعدة الأمريكيين الشماليين شريطة منحهم الحق الدائم في مسألة استثمار الثروات الكثيرة والمدفونة ولذلك نرى ان البطريرك قد بقي على سدة الحكم و سيطول بقائه بفضل تمتعه بحاسة شم تسمح له بان يحس الخطر في الوقت المناسب والمكان المفترض ولذلك نرى ـ أيضاً ـ ان ردة فعله تاتي بقسوة غير منتظرة وحجته و دليله لهذه المسألة هو منطقه الذي لا يقبل الجدل في الدفاع عن سلطته و حكمه و حياته وصولاً إلى حاشيته..ثم تتكرر المناورة / المحاولة بشكل دوري كلما خرج منتصراً من الكمائن المنصوبة و محاولات الأغتيال العديدة التي تعرض لها من كل حدب و صوب و حين يحاول بطريقته المخاتلة و المخادعة أن يذيع بياناً يتحدث فيه عن نواياه الطيبة القادمة او يعلن تصريحاً ما يمنح فيه العفو حتى تنطلق من جديد أساليب القمع بصورة أكثر وحشية مما كانت عليه سابقاً و هناك مثالاً من ضمن الأحداث التي تجري في الرواية ، تلك المتمثلة بعملية اليانصيب التي تحاك بهدف ازاحته و إسقاطه .. فلكي يبقى رقم البطريرك فائزاً / رابحاً على الدوام كان يعمل عند كل سحب للبطاقات احتجاز طفلين و يلقى بهما في غياهب سجونه وبمثل هذه الطريقة أختفى ما يقارب الألف طفل وهنا يبدأ الأهالي بالاحتجاج مطالبين الرأي العام بتفسيرات لما يحدث وباطلاق سراح هؤلاء الصغار وعندما يعلم البطريرك بما يجري يعمد إلى تفجير المركب الذي حشر فيه هذا العدد المأهول من الأطفال و هو في عرض البحر و على أثر هذه القضية يكتشف فجأة أن شخصية ( رودريغو دو اغيلار ) هذا الشخص الذي منحه و وضع فيه ثقته هو العقل المدبر الأول لكل هذه المؤامرة المحاكة ضده فيقدم

إلى وضعه في الفرن لشيه و تقديمه لاحقاً على طبق من الفضة إلى كل الجنرالات المشتركين و المتورطين الذي يجدون أنفسهم مضطرين لأكله خلال أحدى حفلات العشاء السرية الضخمة التي كان يقيمها البطريرك بين فترة و أخرى .
ثمة آلية غريبة تحصل داخل الرواية تميز عهد هذا البطريرك تتمثل بعملية تقسيم و توزيع الثروات بوصفها كما يعتقد ملكية خاصة لهم ـ أعني الحاشية و من معهم خصوصاً أمه (بندئيون الفارادو) التي أعطاها بمرسوم ملكي صفة قديسة الوطن ـ على الرغم أنهم في لحظة من اللحظات الكثيرة كانوا يتمنون التخلص منه بشتى الطرق التي قد تتاح لهم بسبب عناده و تخلفه الذي يهدد ـ كما يتصورون ـ استقرار الحكومة الذي قد يجعل حدوث انفجار ما ممكناً نتيجة حالة الاستياء العامة التي يشعر بها المدنيين و العسكريين على حد سواء أو لنقل بصورة متفاوتة ، و بعد مرور أكثر من قرن من الحرائق و القتل و التنكيل و التسلط يستنفد الوطن كل ثرواته و قواه و لم يبق سوى البحر الذي يجد البطريرك نفسه مضطراً للتنازل عنه للامريكيين الشماليين الذي يهددونه دائماً بعملية انزال جديد ( للمارينز ) و حين يموت البطريرك في نهاية الامر هرماً و وحيداً يبقى الخوف من رؤيته منبعثاً من جديد مصدر قلق و توتر ، ـ من جهة عودته مجدداً و عدم تصديق رحيله من جهة مقابلة ـ ، و حين يصدر الاعلان التالي : ( نعلن للملأ الخبر السار بان زمن الأبدية قد بلغ نهايته ) حتى يتفجر الفرح .
مما تقدم من الحديث نستطيع أن نقول مرة أخرى بأن شخصية الدكتاتور في رواية خريف البطريرك هو النتاج الحتمي / البديهي للجهل و العنف و القسوة التي يمكن أن يبلغها رجل معتوه عندما تضعه الظروف على رأس السلطة و الواقع أن البطريرك هو ضحية أخرى يمكن أن تضاف إلى الضحايا التي يحكم عليها هو نفسه بالموت فكل هؤلاء الذين معه تجرفهم سيرورة واحدة لا غير ، سيرورة الانحطاط التي تضع هذا البطريرك بالصدفة في السلطة ، أن هذه الرواية هي ترجمة دقيقة لحيثيات الواقع القمعي ، السلطوي و الأيديولوجي بغض النظر عن المكان أو الزمان ، الشئ الوحيد الذي يتغير هو أسماء الطغاة و عدد ضحاياهم الجدد .
الصور المرفقة
نوع الملف : jpg patriarch.jpg‏ (5.0 كيلو بايت, 1 قراءة)

I am quitting...

آخر تعديل butterfly يوم 24/11/2006 في 11:16.
 
قديم 26/09/2006   #56
صبيّة و ست الصبايا سرسورة
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ سرسورة
سرسورة is offline
 
نورنا ب:
Nov 2005
المطرح:
syria-homs-damascus
مشاركات:
2,252

افتراضي


مرعبة كتيييرهي الرواية( خريف البطريرك) ...اذا من الشرح اللي كاتبو عليا و هيك كيف اذا بيقراها الواحد....
اذا فيك تلاقيلنا ياها بكون ممنونتك..وشكرا كتييير ع المجهود..طبعا عم تابع بشغف

ان الحياة كلها وقفة عز فقط.......

شآم ما المجد....أنت المجد لم يغب...
jesus loves me...
 
قديم 26/09/2006   #57
شب و شيخ الشباب TheLight
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ TheLight
TheLight is offline
 
نورنا ب:
May 2006
المطرح:
عند ساركوزي اللعين..
مشاركات:
3,091

افتراضي


الحديث الأن عن الرواية التي فاز بها غابرييل غارسيا ماركيز بجائزة نوبل للأداب عام 1982



"عندها، وحسب، اكتشف أوريليانو أن أمارانتا-أورسولا لم تكن أخته بل خالته، وأن السيد فرانسيس دريك قد هاجم ريوهاشا لسبب واحد هو أن يمكنهم من البحث عن بعضهم، في معارج تيه الدم المتشابكة، حتى بإمكانهم إنجاب الحيوان الخرافي الذي يضع حداً للسلالة كلها... كما أدرك أوريليانو أن ما كان مدوّناً في تلك الرقاع لا يقبل التكرار، فهو أزلي محتوم منذ بداية الوجود، وهو سرمدي سوف يظل إلى الأبد. فالسلالات التي حكم عليها القدر حكماً حتمياً، بزمن من العزلة يمتد مئة عام، لن تكون لها فرصة أخرى للعيش على وجه الأرض".





مئة عام من العزلة









نشر ماركيز روايته الخالدة «مئة عام من العزلة» سنة 1967 بعد عزلة دامت 18 شهرا، وأسست لنوع جديد من الفن الأدبي الذي عُرف «بالواقعية السحرية» واستمر بها ماركيز بشكل رائع في أعماله اللاحقة فضلاً عن كتّاب آخرين.



وبلاد مثل أميركا اللاتينية تمتاز بغناها في الابداع بالواقعية السحرية.. واقعية الاضطهاد السياسي والإيمان بالقوى المقدسة اللامحدودة. وفي رواية «مئة عام من العزلة» فإن الشخصية المحورية تتمثل في العقيد اورليانو اركاديو بوينديا، أما بقية الشخصيات فإنها تدور في فلكها.



يعيش العقيد بوينديا في قرية ماكوندو، وهي القاسم المشترك في معظم روايات ماركيز. وماكوندو مدينة ساحلية في كولومبيا، يرى النقاد أنها حقيقة ووهم، هي مكان ولا مكان، وهي في الوقت نفسه تمثل حالة فكرية، لأنها خارج المكان وبالتالي خارج الحدود السياسية فهي بذلك فوق المكان وفوق الزمان.



بعد سنوات طويلة، وأمام فصيل الإعدام، تذكر الكولونيل أورليانو بوينديا، عصر ذلك اليوم البعيد، الذي اصطحبه فيه أبوه، كي يتعرف على الجليد. كانت ماكوندو يومئذ قرية صغيرة من حوالي عشرين بيتا من القصب، بنيت على حافة جدول.. هكذا تبدأ الرواية.



حيث تزور ماكوندو كل سنة عائلة غجرية بأسمالها فتزرع خيمتها قرب القرية الضائعة بين الجداول المبعثرة وتعلن عن إختراعاتها الجديدة في صخب. وهناك يقوم جوزيه اركاديو بوينديا، باني ماكوندو، المبهور بعجائب الغجر بأبحاثه في مخبره المعزول بحثا عن أحلام التحولات وصولا إلى إكتشاف الذهب، بعد أن افتتن بقوة المغناطيس والحسابات الفلكية وتحديد موقع ماكوندو على الخريطة وغيرها من أسرار الكون وعجائب العالم التي هيمنت عليه.



ولما كان يُطيل العزلة، مهملا كل شيء من حوله ثارت زوجه أورسولا يوما قائلة له: أفضل لك من التفكير بهذه الحكايات الغبية أن تعتني بولديك، انظر إليهما كحمارين بعد أن تركتهما لبركة الله! ولكن بوينديا عقد صداقة متينة مع الغجري ملكيادس الذي لم يبخل عليه بآخر الاختراعات الحديثة، وبعد أن عاد ملكيادس يوما من ديار الموتى التي آب منها لأنه لم يستطع إحتمال الوحدة هناك، عاد ليعمل مع بوينديا في المخبر من أجل إقامة الدليل العلمي على وجود الله، أو الانقطاع إلى التعرف في تفسير نبوءات نوستراداموس.



وبعد تجدد موت ملكيادس ورحيله الأبدي وهو الأمر الذي لم يصدقه بوينديا ورفض دفنه قائلا: لماذا أدفنه ما دام حيا؟ وبقيت صلة ماكوندو ضعيفة بالعالم ومهمشة أو عن طريق فرانسيسكو، الرحالة الذي بلغ عمره 200 سنة وهو يطوف بالقرى، يغني ألحانا من تأليفه يقص فيها بالتفصيل الأحداث التي مرت بالقرى الواقعة في طريق رحلاته.



وتمر أحداث كثيرة ومعقدة على ماكوندو التي تتغير فيها الحياة مع مجيء الغجر، حتى إن إحدى الغجريات أغرت الابن البكر لبوينديا ورحل معها وهو الأمر الذي أحزن أورسولا الأم فتبعته وعادت من دونه بعد خمسة أشهر.



ولكن المخترعات الحديثة ظلت تصل متواترة إلى ماكوندو وجاء الغرب بالساعات المحفورة على الخشب، ووصلت قناديل البترول وجاء البيانو الميكانيكي لتعزف أعذب الألحان في ماكوندو ولينفذ بوينديا إلى أسرار السحر بعد أن انقطع عن ملاحقة صورة الله فقد قنع بعدم وجوده ما لم تظهر صورته على لوحة آلة التصوير ورفض ما عدا ذلك.



وتعرف الحكومة طريق ماكوندو وتبعث بالكوريجيدور «المحافظ» إليها ويواجه بالنفور خاصة من بوينديا، وتسوء العلاقة بينهما، ولكن بعد وصول زوجة الكوريجيدور وبناته السبع تتحسن العلاقة بينهما ويتزوج أورليانو ابن بوينديا إحدى البنات. وبعدما عاد الابن البكر جوزيه أوركاديو الذي حمل إسم أبيه، ذي الرأس المربع والشعر الأشعث، العنيد كأبيه والضعيف الخيال حتى أغوته غجرية فتبعها إلى أقصى الأرض ثم دار حول العالم مرات ومرات.



والمتميز بفحولته التي أغوت النساء أينما حل إلى أن أوقعت به قريبته روبيكا التي تربت في بيتهم مع أخته امارانتا فتزوجها. حدث كل ذلك قبل أن تهب رياح الصراع بين الأحرار والمحافظين التي وصلت إلى ماكوندو.. الأحرار الذين يؤمنون بشنق الخوارنة وبالزواج المدني والطلاق، ويريدون الاعتراف بنفس الحقوق للأبناء الشرعيين والأبناء الطبيعيين وينوون تمزيق وحدة البلاد بنظام فيدرالي ينتزع من السلطة المركزية امتيازاتها!



أما المحافظون فيأخذون السلطة من الله نفسه مباشرة، يسهرون على حفظ النظام والأخلاق العائلية، وهم المدافعون عن دين المسيح ومبدأ السلطة! وازداد الحماس من الطرفين لفكرة حتمية الحرب التي سرعان ما اندلعت وأُعلنت الاحكام العرفية. وجاءت حامية لتحتل ماكوندو وهي مدججة بالسلاح في مواجهة أبناء القرية المسلحين بسكاكين المطابخ.



وفي منتصف صيف الثلاثاء قام واحد وعشرون رجلا تقل أعمارهم عن الثلاثين بقيادة أورليانو بوينديا بحملة مجنونة فاستولوا على الحامية بغتة وأخذوا عنوة سلاحها وأعدموا في الباحة النقيب والجنود الأربعة الذين ذبحوا امرأة من قبل. ثم أنقذ اورليانو والد زوجته الكوريجيدور قبل أن يرحلوا مع تباشير الفجر ليلتحقوا بالجنرال الثوري فيكتور ميدينا بعد أن منح اورليانو جوزيه اوركاديو بوينديا نفسه رتبة عقيد.



خاض العقيد بوينديا حربا طويلة وأصبح بطلا لاثنتين وثلاثين إنتفاضة مسلحة غلب فيها، وتزوج من سبع عشرة إمرأة كان له منهن سبعة عشر ولدا ذكرا ذُبحوا جميعا واحداً بعد الآخر في ليلة واحدة. ونجا من أربعة عشر إغتيالاً وثلاثة وستين كميناً بعد أن إمتدت سلطته إلى كل حدود البلاد ثم لتنتهي حياته أمام فصيل الإعدام.



وفي إجابته عن سؤال ما إذا كانت رواية مئة عام من العزلة رواية سياسية، وعن علاقة الأدب بالسياسة أجاب ماركيز: القاريء في أميركا اللاتينية في رأيي لا يحتاج إلى من يقص عليه مآسيه وإضطهاده وغياب العدالة الإجتماعية. إنه يعرف كل هذا ويعاني منه يوميا. وإنما هو بحاجة إلى أدب جديد ففي الأدب الجديد تحريض وتوعية.



وبعدما أنهى ماركيز روايته جاء إلى زوجته مرسيديس بوجه مكفهر وعيون مثقلة بالحزن وقال: لقد قتلت العقيد بوينديا ثم صعد إلى غرفته وبكى بنحيب ثم نام، وقد يبدو السؤال التالي ساذجا: لماذا بكى ماركيز؟ والحقيقة إن الكاتب وهو يخلق عالمه بعدما ينضج في أعماقه ببطء، يبدو إنه يتحكم بذلك العالم، وبعدما تكتمل صورته الخارجية ويخرج إلى الوجود يعتقد الكاتب إن هذا العالم الذي بناه ينتمي إليه كخالق له.



ولكن الحقيقة الكبرى التي تبرز حينها هي أن الكاتب ينسل شيئا فشيئا مع نهاية إكتمال عالمه إلى داخله ويصبح جزءا منه، ومن حيث يدري أو لا يدري يُصبح الكاتب نفسه ينتمي إلى ذلك العالم، بعدما كان ذلك العالم ينتمي إليه كخالق له.. بل إن ذلك العالم الجديد يمارس فعل الجبر على الكاتب، وهو ما إنطبق على ماركيز هنا!



فاضطر إلى قتل بطل روايته «بفعل الجبر»، وهو الأمر الذي جعله يندم، ويحزن، ثم يفجر حزنه في بكاء مرّ مصحوبا بتأنيب ضمير وعذاب. ولكن الكاتب فيما بعد وعندما يشاركه آخرون في التأسف وربما البكاء على نفس الحدث يشعر بالانشراح والثقة لأنه أنهى روايته كما يجب أو قل كما فرضه عليه «فعل الجبر».




الصور المرفقة
نوع الملف : jpg 100.jpg‏ (14.6 كيلو بايت, 2 قراءة)

آخر تعديل butterfly يوم 24/11/2006 في 11:38.
 
قديم 27/09/2006   #58
شب و شيخ الشباب TheLight
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ TheLight
TheLight is offline
 
نورنا ب:
May 2006
المطرح:
عند ساركوزي اللعين..
مشاركات:
3,091

افتراضي


ذاكرة غانياتي الحزينات



هكذا دائماً يفاجئنا ماركيز، بطريقة اختياره لموضوع الرواية،ويجعلنا مشدودين من أهداب عيوننا نحو صفحات الكتاب حتى أصل إلى الكلمة الأخيرة من الرواية، أن ما فعله ماركيز في روايته الجديدة ((ذاكرة غانياتي الحزينات)) لم يخرج عن ماهو مستخدم في تقنيات السرد، بل إن في بساطة بنائها تكمن قدرة ماركيز على الروي،كما انه لم يتكلف ليضع روايته الجديدة في خانة التجريب أو أن يحاول تبيين مقدرته الروائية، كان ماركيز يحاول من خلال هذه البساطة أن يقول شيئاً، إذ عمد ماركيز على سرد الرواية بلسان بطلها، ((البطل)) الذي كان محايداً تماماً وكأنه يجلس على كرسي الاعتراف مما جعل ((ذاكرة غانياتي الحزينات)) تقفز إلى مصاف روايات ماركيز العظيمة، كـ: مئة عام من العزلة وخريف البطريرك ووقائع موت معلن.
تحكي الرواية قصة رجل في التسعين من عمره فكر في لحظة كان يعدها آخر لحظات عمره أن يمنح روحه متعة أخيرة، اختار التوقيت لها في يوم عيد ميلاده التسعين، ولكن ينتقل مستوى السرد
في تصاعد الأحداث لمعالجة حالة أخرى ، إنها حالة العثور على حبه الأول ، نعم حبه الأول وهو في التسعين من عمره، ومَن أحب؟ أحب فتاة مراهقة عذراء تعرف عليها وهي نائمة تحت تأثير الكحول.
هكذا علاقة تذكرنا بـ(لوليتا) ولكن من نوع آخر، لوليتا نائمة، لوليتا لم تمارس الإغواء ، سوى إنها استسلمت لقدرها، عارية ، في محاولة منها لبيع بكارتها ، من اجل شراء بعض الدواء والطعام لوالدتها المقعدة وإخوتها الصغار.
الحب بين تسعين عاماً وأربعة عشر ربيعاً نائماً، الحب بين غصن الآس وفحل التوث، بين وجه الحصان وبين (ديلغادينا) الفتاة النائمة.
ماذا يرمز ماركيز بالفتاة النائمة؟

ماذا يحاول أن يقول ماركيز عندما جعل بطله وهو يذكر لنا عن سجل أعدَّه لتسجيل أسماء من مارس معهن الجنس؟ أم أي سؤال كبير يطلقه ماركيز؟
هل وصول الإنسان إلى سن معين يجعله قانطاً يائساً بانتظار الموت، هل هذا الانتظار المرير للموت يفرضه السن أم الظروف المحيطة التي تشير إلى كبار السن بأنهم عاجزين عن الاستمرار بالحياة
انه حاول أن يقول: إن الحب غير الجنس،إن ما جناه فرويد ومريديه على هذه الكلمة جعلت الناس تنظر لها بريبة، إن فرويد حين أعاد كل عاطفة إلى الجنس وجعل الجنس هو مصدر كل عاطفة حدث هذا الخلط، وفي هذه الرواية يحاول ماركيز ان يفرّق بين الحب والرغبة الجنسية، ان بطل ماركيز يريد ((أن يحب))، فهاهو بعد اكثر من ثلاثة ارباع عمره اخذ لذته من اكثر من خمسة ألاف امرأة ولكنه لم يحصل على الحب، ولكن متى أتى هذا الحب، أتى وهو في سن يائس من الحياة ويتوقع أن يزوره الموت في أي لحظة.
الصور المرفقة
نوع الملف : jpg m.jpg‏ (27.9 كيلو بايت, 1 قراءة)

آخر تعديل butterfly يوم 24/11/2006 في 11:41.
 
قديم 27/09/2006   #59
شب و شيخ الشباب TheLight
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ TheLight
TheLight is offline
 
نورنا ب:
May 2006
المطرح:
عند ساركوزي اللعين..
مشاركات:
3,091

افتراضي


لا تواخذونا ع الموضوع الطويل وعلى هالمقال الطويل ايضا يللي بيروي ماركيز فيه قصة النسخة الأصلية من روايته ( مائة عام من العزلة ) و التي عرضت بمزاد علني وتم رفض بيعها لأن المزاد لم يبلغ الحد الأدنى وهو نصف مليون دولار !

***

يقول غابرييل:

في أوائل شهر أغسطس من عام 1966 توجهت أنا ومرسيدس إلى مكتب سان أنجل للبريد في المدينة المكسيكية لأرسل النسخة الأصلية من روايتي مائة عام من العزلة إلى بوينوس أيرس، كان مظروفا يحتوي علي خمسمائة وتسع صفحات مكتوبة علي ماكينة مزدوجة علي ورق عادي للغاية وموجهة إلى السيد باكو بروا المدير الأدبي لدار سودامريكانا للنشر، قام موظف مكتب البريد بوضع المظروف على الميزان ثم اجري حساباته المعتادة وقال:
سيتكلف هذا اثنين وثمانين بيزو
عدت مرسيدس الأوراق والعملات المعدنية التي كانت تحملها في حقيبتها ثم واجهتني بالحقيقة قائلة:
ليس معنا سوي ثلاثة وخمسين بيزو
كنا قد اعتدنا تماما علي تلك الأزمات اليومية بعد عام كامل من الأزمات المادية لدرجة أننا لم نفكر كثيرا في الحل، لقد فتحنا المظروف وقسمنا الأوراق إلى جزأين متماثلين،أرسلنا النصف الأول فقط إلى بوينوس أيرس دون أن نسأل أنفسنا كيف سنتمكن من إرسال الباقي.
كانت الساعة السادسة مساء يوم جمعة ولن تفتح مكاتب البريد قبل يوم الاثنين ولذلك كان لدينا نهاية الأسبوع بطولها لنفكر في الحل، ولم يكن قد تبقى لدينا سوي القليل من الأصدقاء الذين يمكن أن نثقل عليهم بإقراضنا كما أن أفضل ممتلكاتنا كانت تقبع بجوار معروضات مونت دي بيداد . كان لدينا بالتأكيد الماكينة المتنقلة التي جلست أمامها لمدة ست ساعات يوميا لما يزيد علي عام لأنتهي من كتابة الرواية ، ولكن ما كان يمكن أن نرهنها لأنها كانت مصدر الرزق بالنسبة لنا .
بعد مراجعة دقيقة للمنزل وجدنا شيئين يمكن بالكاد عرضهما للرهن : المدفأة في حجرة مكتبي وهي لم تكن لتساوي الكثير، وخلاطا أهدته لنا السيدة سوليداد مندوثا في كراكس بعد زواجنا، كان لدينا أيضا خاتما الزواج اللذان لم نجرؤ يوما علي رهنهما لما يعنيه ذلك من فأل سيئ. ولكن في تلك المرة حسمت مرسيدس الأمر وقررت عرضهما باعتبار انهما كانا احتياطيا استراتيجيا للطوارئ.
مع أولى ساعات صباح الاثنين توجهنا إلى أقرب فروع 'مونت دي بيداد' حيث كنا من العملاء المعروفين لديهم، وهناك أعطونا بدون خاتمي الزواج ما يزيد قليلا عما كنا نحتاج.
وما كدنا نصل إلى مكتب البريد وننظر إلى باقي المظروف حتى اكتشفنا أننا عكسنا الرواية فبدأنا بإرسال الصفحات الأخيرة منها قبل البداية، غير أن مرسيدس لم تعبأ بالأمر بل قالت: إن الشيء الوحيد الذي ينقصنا الآن هو ألا تكون الرواية جيدة.
كانت هذه العبارة هي النهاية لثمانية عشر شهرا كافحنا خلالها معا لننتهي من الكتاب الذي كنت أعلق عليه جميع آمالي، فحتى ذلك الحين كنت قد نشرت أربعة كتب خلال ست سنوات وحصلت مقابلها على ما هو أفضل من لا شيء باستثناء كتاب 'ساعة النحس، الذي نلت عنه جائزة بلغت ثلاثة آلاف دولار في مسابقة(أسو كولومبيانا ؛ وقد نفعتني في مصاريف ولادة ثاني ابنائي جونثالو بالاضافة إلي أننا اشترينا بها أول سيارة لنا.
كنا نعيش في منزل من منازل الطبقة الوسطى يقع على رابية (سان أنخل آن والتي كان يملكها العمدة المحامي لويس كودوريير ،الذي كان من بين فضائله الاهتمام بشكل شخصي بأمور مستأجري المنزل.
رودريجو الذي كان في ذلك الوقت في السادسة وجونثالو الذي كان في الثالثة - كان لديهما في ذلك المنزل حديقة جميلة يلعبان فيها في الأوقات التي لا يذهبان فيها إلى المدرسة، وكنت أنا أعمل كمنسق عام لمجلتي سوثيسوس ولافاميليا ، حيث أتممت مقابل راتب لا بأس به عامين كاملين لم أكتب خلالهما حرفا.
كارلوس فوينتس وأنا نقلنا أيضا إلي السينما قصة الديك الذهبي كما عملت معه ، في النسخة النهائية من سيناريو فيلم بدرو بارامو للمخرج كارلوس بيلو، وكتبت أيضا سيناريو فيلم وقت الموت وكان الأول للمخرج ارتورو ربستين .
و في الساعات القليلة التي كانت تتبقى لدي كنت أقوم بعدد من الأعمال الوقتية مثل إعداد النصوص للنشر وإعلانات التليفزيون وكتابة بعض الأغاني. وكل ذلك كان يكفيني للعيش بشكل معقول ، ولكنه لم يكن يسمح لي بمواصلة كتابة القصص القصيرة والروايات.
وعلى الرغم من ذلك فثمة فكرة جريئة لرواية ظلت تؤرقني لفترة طويلة، لم تكن فكرة مختلفة عن كل ما كتبته من قبل فحسب، بل كانت تختلف تماما عن كل ما قرأت، كانت نوعا من الرعب غير معروف المصدر، كان ذلك في بداية عام 1965 عندما اصطحبت مرسيدس والطفلين لقضاء عطلة نهاية الأسبوع في أكابولكو، شعرت حينها أني أكاد انفجر من شدة ما كان يعتمل في نفسي. كنت شديد التوتر والتشبع بالفكرة حتى أني تفاديت بمعجزة بقرة كنت تعبر الطريق أمام السيارة، حتى أن رود ريجو صاح بفرح قائلا:
-أنا أيضا عندما أكبر سأدهس الأبقار علي الطريق.
لم أنعم بأية لحظة من الهدوء على الشاطئ يوم الأربعاء، وعندما عدنا إلي المكسيك جلست إلي الماكينة لأكتب جملة البداية التي لم أتحمل أن أحتفظ بها داخلي أكثر من ذلك : (بعد عدة سنوات، وأمام فصيلة الإعدام، كان على الكولونيل أورليانو بوينديا أن يتذكر ذلك اليوم البعيد الذي اصطحبه فيه والده ليتعرف علي الثلج..) ومنذ تلك اللحظة لمأانقطع يوما عن مواصلة الكتابة حتى السطر الأخير، حتى بدا الأمر كأنه حلم مسيطر.
في الشهور الأولى تمكنت من أن أحافظ علي أفضل مستوى من الدخل يمكن تحقيقه،ولكن مع الوقت بدأت أحتاج لمزيد من الوقت لأكتب كما أريد. كنت أعمل إلى وقت متأخر جدا من الليل لكي أنتهي من الالتزامات المنوطة بي حتى أصبحت الحياة مستحيلة بالنسبة لي. رويدا رويدا ،أخذ الواقع الذي ل ايقاوم يجبرني على الاختيار بلا تردد بين الكتابة أو الموت، لم أتردد لأن مرسيدس اكثر من أي وقت مضي تكفلت بكل شيء بعدما أرهقنا جميع الأصدقاء،وأصبح لدينا حساب مفتوح لا أمل في سداده لدي بقال الحي والجزار علي الناصية.
وكنا منذ أولى الأزمات التي تعرضنا لها نقاوم بشدة فكرة القروض ذات الفائدة، إلا أننا وجدنا أنفسنا في النهاية مضطرين لأن نقوم بأول زيارة لـ(مونت دي بيداد، وبعد مرتين أخريين رهنّا خلالهما بعض الأشياء البسيطة بدأنا نلجأ لمجوهرات مرسيدس التي تلقتها كهدايا من أقاربها طوال السنوات التي تلت زواجنا، وعندما عرضناها على خبير المحل أخذ يتفحصها بدقة جراح، ثم أخذ يختبرها ويتفحصها بعدسة سحرية.. الألماس في الأقراط والزمرد في العقد والياقوت في الأساور، في النهاية أعادها إلينا قائلا:
-إنها من الزجاج الخالص.
لم يكن لدينا من الوقت أو المزاج ما يجعلنا نتوقف كثيرا لنفكر متي تم استبدال الأحجار الكريمة التي احتفظنا بها طوال سنين بالزجاج، ذلك أننا كنا نعلم مسبقا أن نذير الشؤم يحوطنا من كل جانب.

يتبع
 
قديم 27/09/2006   #60
شب و شيخ الشباب TheLight
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ TheLight
TheLight is offline
 
نورنا ب:
May 2006
المطرح:
عند ساركوزي اللعين..
مشاركات:
3,091

افتراضي


التتمة

قد لا تصدقون ذلك ،ولكن كبرى مشاكلي في الكتابة كانت مع الورق. إذ ترسخ لدي اعتقاد بأن الأخطاء الطباعية أو الإملائية أو أخطاء النحو هي في واقع الأمر أخطاء في إبداع الكاتب. ومن ثم فإني كلما اكتشفت أحد هذه الأخطاء كنت أسارع بتمزيق الورقة كلها أشلاء وأبدأ من جديد. كانت مرسيدس تصرف ما يقرب من نصف ميزانية المنزل لشراء رزم الأوراق التي ما كانت لتستمر لأكثر من أسبوع. وربما لهذا لم أجرؤ على استخدام ورق الكربون.
مشاكل بسيطة مثل هذه ضيقت حولنا الخناق حتى لم يعد لدينا من الجهد ما نقاوم به الحل النهائي والذي كان يتمثل في رهن السيارة التي اشتريناها حديثا دون أن تخامرنا شكوك في أن يكون العلاج أشد خطورة من الداء. ذلك أننا علي الرغم من سدادنا الديون المتأخرة بقي لنا أن نسدد الفوائد الشهرية التي بدت كأنما تغلنا من عنقينا في هاوية من الجحيم. ولحسن حظنا أن صديقنا (كارلوس مدينا قد تطوع بتسديد هذه الفوائد ليس عن شهر واحد فحسب بل عن عدة شهور،واستطعنا بذلك أن ننقذ السيارة. ومنذ سنوات قليلة فقط علمنا أنه اضطر إلى رهن أحد ممتلكاته ليسدد فوائد ديوننا.
بدأ الأصدقاء المخلصون يقسمون أنفسهم إلي مجموعات لزيارتنا كل ليلة، وكانوا يأتون وقد اشتروا بالصدفة الكتب والمجلات،أو أنهم يمرون بالصدفة أيضا لدي عودتهم من السوق محملين بالمشتريات.كارمن وألبارو موتيس كانا أكثر المواظبين على زيارتنا، وأصبح علي بشكل مستمر أن أحكي لهما فصلا من الرواية الجديدة، وكنت أجهد لأبتكر لهما حكايات مما أحفظه للحالات الطارئة،لأنه كان في ظني في ذلك الوقت أن قص ما عكفت علي كتابته حقا كان ليخيف العفاريت.
كارلوس فوينتس على الرغم من خوفه من الطيران كان يقطع العالم ذهابا وإيابا، وكانت عودته دائما عيدا لنا نتناقش فيه حول أعمالنا الجديدة كما لو كنا شخصا واحدا. واعتبرت ماريا لويس أليو وزوجها خومي جارثيا ما كنت أرويه علامة علي العناية الإلهية. وعلى هذا فلم أتردد علي الإطلاق في إهداء الكتاب لهما. وشعرت حينذاك أن ردود الأفعال والحماسة التي تحيطني من الجميع بمثابة أشعة نور تضيء لي طريقي إلي الرواية الحقيقية.
لم تعد مرسيدس تحدثني عن القروض ومشاكلها حتى مارس من عام 1966 أي بعد عام من بداية كتابة الرواية وذلك بعد أن أصبح متأخرا علينا ثلاثة أشهر من الإيجار. كانت تتحدث مع المالك في الهاتف كما اعتادت دائما لتحاول تهدئته ليصبر علينا في الدفع .وفجأة وضعت يدها على سماعة الهاتف لتسألني عن الوقت المتبقي للانتهاء من ذلك الكتاب. وبالنظر إلى القدر الذي أنجزته في عام من الكتابة حسبت أنه يتبقى لي حوالي ستة شهور وعندئذ قالت مرسيدس للمالك الصبور في ثقة ودون أية رجفة في صوتها:
_ نستطيع أن نسدد لك كل شيء خلال ستة أشهر.
_ اعذريني سيدتي_ قال المالك في دهشة_ ولكن ألا ترين أن المبلغ سيكون ضخما حينذاك؟!
_ نعم أنا أدرك ذلك_ قالت مرسيدس_ ولكن في ذلك الوقت ستكون جميع مشاكلنا قد حلت. فلتهدأ إذا.
كان الرجل واحدا من أكثر من عرفت ذوقا وصبرا ولذلك فقد قال بصوت مرتعش:
_ حسنا سيدتي.. تكفيني كلمة منك. ثم قام بحساباته وقال
_ سأنتظر المبلغ في السابع من سبتمبر القادم.
وقد أخطأ الرجل. ففي الرابع من سبتمبر ومع أول شيك أتلقاه بشكل غير منتظر إطلاقا عن الحقوق الأدبية للطبعة الأولي دفعنا له.
والواقع أن الشهور الستة الأخيرة كانت شاقة للغاية. وأخذ الأصدقاء المقربون المطلعون على الأحوال يزيدون من زياراتهم لنا محملين على الدوام بكل ما يساعد على مواصلة الحياة.
وهناك أصدقاء آخرون مثل لويس ألكرويثا وزوجته الأسترالية جانيت ريسنفيلد اللذين لم يكونا من معتادي الحضور إلينا، ولكنهما كانا يقيمان في منزلهما حفلات تاريخية مع الكثير من الأصدقاء ومجموعات من الفتيات يفوق جمالهن ممثلات السينما. وفي كثير من المرات كانت هذه الحفلات تتخذ ذريعة لرؤيتنا. كان لويس هو الإسباني الوحيد الذي يقدر_ خارج إسبانيا علي صنع الجعة التي تماثل ما تشتهر به فالينسا. أما هي فقد كانت قادرة علي حملنا في الهواء برقصها الكلاسيكي الرائع. أما آل جارثيا ريرا العاشقون للسينما فقد كانوا يدعونا إلى منزلهم أيام الآحاد حيث يشبعاننا بقدر من السعادة يساعدنا على مواجهة الأسبوع المقبل في ذلك الوقت كنت قد تقدمت في الرواية للحد الذي سمح لي برفاهية الاستمرار في غزل الحكايات التي كنت أبتكرها في جلسات الأصدقاء. وكنت أندهش من السرعة التي تنتقل بها هذه القصص بين الأفواه بل ومن التفاصيل التي تضاف إليها في تلك الأثناء.

في نهاية شهر أغسطس ومن يوم لآخر بدا لي أنني أوشك على اللحظات الأخيرة من الرواية ، ولأني لم أستخدم ورق الكربون فلم تكن لدي نسخ أخرى من هذا الجزء بشكل جعل النسخة الأصلية تتكون فقط من ألفي ورقة من القطع الصغير. وكان هذا بمثابة وليمة رائعة لاسبيرانثا ارياثا أو بيرا التي لاتنسي. كانت بيرا ملجأ للشعراء والسينمائيين. فقد اعتادت في أوقات فراغها أن تنسخ بشكل واضح للغاية بعضا من أكبر أعمال الكثير من الكتاب المكسيكيين ومنها 'المنطقة الأكثر وضوحا' لكارلوس فوينتس 'وبدرو بارامو' لخوان رولفو والعديد من سيناريوهات الأفلام. وعندما طلبت منها أن تنسخ لي الرواية في شكلها الأخير كانت المسودة مرقعة تقريبا ومشوهة بالإصلاحات، مرة بالحبر الأسود وأخرى بالأحمر لتجنب الخلط. غير أن هذا لم يكن بالأمر الصعب على امرأة متمرسة مثل بيرا التي لم تقبل المسودة بدافع الفضول لقراءتها فحسب، بل وافقت علي أن أدفع لها ما أستطيعه علي أن يؤجل الباقي حتى أحصل علي حقوق المؤلف.
كانت بيرا تنسخ فصلا كاملا في الأسبوع بينما أقوم أنا بإصلاح الفصل التالي بأحبار من ألوان مختلفة لتحاشي التشويش. ولم يكن هدفي من تلك الإصلاحات اختصار الرواية أو جعلها أقصر، ولكني فقط كنت أرغب في أن أصل بها إلى أقصي درجات الكثافة حتى أنه لم يتبق منها في النهاية سوى نصف الأصل.
بعد صدور الرواية بسنوات اعترفت لي بيرا بأنها عندما كانت تحمل الفصل الثالث من الرواية إلى المنزل انزلقت قدمها عند النزول من الحافلة بفعل بركة من ماء المطر وقالت لي إن الأوراق راحت تطفو علي صفحة البركة الموحلة. وقامت هي_ بمساعدة من الركاب الآخرين_ بجمع الأوراق بعد أن أصبحت مبتلة تماما ومهترئة وأخذتها إلي المنزل وقامت بتجفيفها بقطعة قماش، ومن أكثر المواقف التي مرت بي مع بيرا طرافة هو ما حدث في أحد أيام السبت عندما لم أكن قد انتهيت من تصحيح الذي كانت ستتسلمه مني فاتصلت بها وقلت لها إني سأحضره لها يوم الاثنين. وبعد حديث طويل تجرأت وسألتني عما إذا كان أورليانو بونديا سينام في النهاية مع ريمديوس موسكوت. وعندما أخبرتها بأن هذا سوف يحدث أطلقت زفرة ارتياح وقالت:
_ حمدا لله.. إذا لم تكن أجبتني ما كنت لأنام حتى يوم الاثنين.
في ذلك الوقت وصلني خطاب غير متوقع من باكو بروا _الذي لم أكن قد سمعت به من قبل_ يطلب مني فيه حقوق نشر جميع أعمالي لدار النشر سود أمريكانا التي يرأس القسم الأدبي بها،وأخبرني أنه يعرف أعمالي جيدا لأنه قرأ الطبعات الأولى منها. في الواقع كاد قلبي يتمزق ذلك أن كل هذه الأعمال كانت موزعة بين دور نشر مختلفة ومرتبطة بعقود طويلة المدى ولم يكن من السهل علي الإطلاق التحرر منها. كان عزائي الوحيد فكرة طرأت لي فكتبت أخبره أني علي وشك الانتهاء من رواية طويلة جدا لست ملتزما بها تجاه أية جهة ، وأني أستطيع أن أرسل له النسخة الأولى منها في غضون أيام.
وافق باكو على الاقتراح في برقية أرسلها لي،كما أرسل لي في البريد شيكا بخمسمائة دولار كمقدم كانت تكفي بالكاد لدفع الإيجار المتأخر علينا والذي لم نكن نعرف كيف سنسدده بعد أن أخطأت في حساب الوقت الذي سأنتهي فيه من كتابة القصة. وعلي أية حال فقد كانت النسخ الثلاث الواضحة التي نسختها بيرا بورق الكربون جاهزة في أسبوعين أو ثلاثة. كان ألبارو موتيس هو أول قارئ للنسخة النهائية قبل إرسالها. لقد اختفي لمدة يومين وفي الثالث حادثني هاتفيا وهو يتفجر بذلك الغضب المحبب عندما اكتشف أن روايتي لا علاقة لها في الواقع بما كنت أرويه لأرفه عن الأصدقاء -والذي كان بدوره يقصه علي أصدقائه- وصاح بي قائلا:
_ لقد جعلتني أبدو مثل الخرقة البالية.. إن روايتك لا تمت بصلة لتلك التي كنت تحكيها لنا . ثم انفجر في الضحك وأضاف
_ ولكن الجيد في الأمر أنها أفضل بكثير.
لا اعرف إذا كنت في ذلك الوقت قد وضعت عنوانا للرواية أو متى أو أين أو كيف خطر لي ذلك العنوان كما لا يستطيع أي من الأصدقاء تحديد ذلك بالمرة. هل يستطيع أي مؤرخ خصب الخيال أن يفعل بي معروفا ويبتكر إجابة مناسبة؟!
كانت النسخة التي قرأها ألبارو موتسي هي التي أرسلت على مرتين إلى بوينوس أيرس أما الثانية فقد حملها بنفسه بعد أيام إلي نفس المكان في إحدى رحلاته وبالنسبة للثالثة فقد أخذ الأصدقاء الذين وقفوا معنا في المحنة يتداولوها فيما بينهم.
عندما تسلمنا النسخة المطبوعة الأولى من الكتب في يونيو 1967 قمت أنا ومرسيدس بتمزيق المسودة التي استعانت بها بيرا في عملية النسخ. لم يخطر في بالنا حينذاك أنها من الممكن أن تكون أعلى قيمة من جميع النسخ الأخرى بكل ما فيها من تصويبات وبالفصل الثالث غير المقروء بفعل ماء المطر وعملية الكيّ التي تعرض لها. وفي حقيقة الأمر فإن غرضي لم يكن بريئا أو أمينا، ذلك أني مزقت المسودة حتى لا يتمكن أحد من معرفة واكتشاف أسرار الصنعة. وعلى الرغم من ذلك فأعتقد أنه مازالت هناك في مكان ما من العالم نسخ أخرى مكتوبة بخط اليد وخاصة النسختان اللتان أرسلتا إلى دار سود أمريكانا. وقد فكرت دائما أن يكون باكو بروا محتفظا بهما حتى الآن غير أنه نفي ذلك تماما وبالنسبة لي فإن كلمته كالذهب.
عندما أرسلت لي دار النشر تجربة الطباعة الأولى حملتها بما فيها من تصويبات إلى احتفال في منزل آل ألكوريثا، وكان السبب الأول في ذلك هو أن ضيف الشرف في ذلك الحفل كان هو المخرج لويس بونيويل. وكان بونيويل يري أن فن التصحيح ليس المقصود منه الوصول للأفضل بقدر ما يهدف إلي الاستكشاف. رأيت مدى السعادة التي ارتسمت علي وجه ألكوريثا بفعل هذا الحوار بين ضيفيه، وعلى هذا فقد قررت علي الفور أن أهديه هذه النسخة من التجربة الطباعية. وكتبت في الإهداء جملة اعتبرتها جانيت ولويس مكررة ولكنها كانت صادقة: ((من أكثر صديق أحبكما في هذا العالم) وبجوار الإمضاء كتبت التاريخ 1967 وربما يرجع تعليق جانيت ولويس بخصوص الجملة المكررة إلى إهداء آخر كنت قد كتبته إلى ألكوريثا في كتاب سابق. ولكن بعد 28 عاما من هذه الواقعة وبعد أن حققت مائة عام من العزلة ما حققته وانطلقت إلى الآفاق وفي اجتماع شهده نفس المنزل علق أحد الحاضرين قائلا إن الإهداء الموقع على تجربة الطباعة ليساوي ثروة، فقامت جانيت وأخرجت النسخة وعرضتها على الجميع،وهنا وقف الكوريثا وراح يخبط بقبضتيه علي صدره ويصبح بصوت جهوري:
_ أفضل أن أموت عن أن أبيع تلك الهدية الثمينة التي خصني بها صديق.
وبين تصفيق الجميع أخرجت نفس القلم الذي استخدمته في المرة السابقة والذي مازلت أحتفظ به حتى الآن وكتبت تحت الإهداء الأول الذي مضي عليه 28 عاما: (تم التأكيد 1985) ووقعت مرة أخرى: جابو.
وهذه الوثيقة التي تتكون من 180 ورقة تحتوي على 1026 تصويبا بخطي هي التي ستعرض في المزاد في برشلونة دون مشاركة مني أو فائدة تعود علي من ذلك. وأعتقد أنها عملية شرعية تماما على الرغم من القلق الذي ساور البعض بسبب ضرورة الحصول علي النسختين الأخريين في بوينوس أيرس ، بما فيهما من تصويبات،والواقع أن هاتين النسختين لا تحتويان علي أية تصويبات لأنني أرسلت التصويبات إلى دار النشر في قائمة مستقلة كتبت علي الماكينة.
لقد توفي لويس ألكوريثا عام 1992 في الواحد والستين من عمره في منزله بكورناباكا وتبعته جانيت بعد ذلك بست سنوات. وأكثر ما يعلق في ذهني من هذه الذكريات هو الظلم الذي استشعرته لأن جانيت ولويس عاشا سنواتهما الأخيرة وهما يمتلكان بعض الأوراق التي تساوي آلاف الدولارات ولكنهما رفضا بيعها لأنها هدية من أكثر صديق أحبهما في العالم.

نهاية مقال ماركيز
 
قديم 27/09/2006   #61
شب و شيخ الشباب TheLight
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ TheLight
TheLight is offline
 
نورنا ب:
May 2006
المطرح:
عند ساركوزي اللعين..
مشاركات:
3,091

افتراضي


الختام يا اعزائ مع خبر اعتزال ماركيز عن الكتابة

صرح ماركيز في لقاء له بصحيفة لا فينجرديا المكسيكية أنه توقف عن الكتابة وأن عام 2005 كان هو العام الأول في حياته الذي لم يستطع فيه كتابة سطر واحد..
التصريح الدرامي الذي تلفظ به ماركيز جعل الصحيفة تتساءل عن مصير عشاق أدبه السحري فأجاب قائلا: ثمة عمل بداخلي،ليس لدي مشكلة في كتابة رواية جديدة ولكن الناس تلاحظ جيدا عندما لا تستطيع وضع قلبك بين سطور هذه الرواية.
ماركيز الكاتب الصحفي السابق ورائد حركة ازدهار الأدب الأمريكي* اللاتيني في الستينيات وأشهر مفسري حركة الواقعية السحرية* علي حد وصف النقاد* اشتهر في السنوات الأخيرة بغزارة إنتاجه الأدبي ففي عام 2002نشر الجزء الأول من سيرته الذاتيةأن تعيش لتحكي وفي 2004روايته الشهيرة ذكريات عاهراتي الحزينات التي لاقت رواجا غير مسبوق في شتي أنحاء العالم.
الأضواء التي طالما طاردت ماركيز لم تنحصر حتي الآن فالكاتب الشهير مازال يحظي بزيارات مشاهير العالم مثل الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون ورئيس الوزراء الأسباني السابق فليب جونزاليس ويقضي الساعات في مناقشة الأحوال السياسية والتطرق لدوره البارز باعتباره وسيط في عملية السلام بين متمردي الجناح الأيسر والحكومة الكولومبية وهو يري أنه نجح في إصلاح الكثير من القضايا التي غاب عنها وجه العدالة في جميع أنحاء العالم وذلك باستخدام دبلوماسيته التي اشتهر بها وهو ما يعده ماركيز تكتيكا أكثر فاعلية من مجرد الاستعانة بالبروتوكولات الرسمية.
الشهرة بالنسبة لماركيز مصطلح معقد.يصفها بأنها شيء يسعد به الكاتب ولكن يتعين عليه أن يعرف جيدا كيف يقصيها عنه عند اللزوم.
عرف ماركيز طريقه إلي الشهرة عندما نشر روايته الخالدة مائة عام من العزلة عام 1967 وعلي الرغم من اقتحامه لأجناس أخري من الأدب بخلاف الرواية مثل كتابه خبر اختطاف 1996وهو الكتاب الذي نجح من خلاله في رصد الكفاح الدامي لكولومبيا ضد المخدرات والإرهاب إلا أن رواياته هي همزة الوصل بين الكاتب الكولومبي الشهير وقرائه
 
قديم 27/09/2006   #62
شب و شيخ الشباب TheLight
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ TheLight
TheLight is offline
 
نورنا ب:
May 2006
المطرح:
عند ساركوزي اللعين..
مشاركات:
3,091

افتراضي


قام ماركيز الي يعاني حاليا من اصابتة بالسرطان بإرسال خطاب الوداع هذا إلى أصدقائه، الذي انتشر على شبكة الإنترنت انتشاراً واسعاً.
الكلمات مؤثرة للغاية تلمح من خلفها حكمة إنسان وروائي عظيم:

--- --- ---

لو وهبني الله حياة أطول لكان من المحتمل ألا أقول كل ما أفكر فيه ، لكنني بالقطع كنت سأفكر في كل ما أقوله.
كنت سأقيّم الأشياء ليس وفقا لقيمتها المادية، بل وفقاً لما تنطوي عليه من معان.
كنت سأنام أقل، وأحلم أكثر في كل دقيقة نغمض فيها عيوننا نفقد ستين ثانية من النور، كنت سأسير بينما يتوقف الآخرون.
أظل يقظاً بينما يخلد آخرون للنوم، كنت سأستمع بينما يتكلم الآخرون. كنت سأستمتع بآيس كريم لذيذ بطعم الشيكولاتة.
لو أن الله أهداني بعض الوقت لأعيشه كنت سأرتدي البسيط من الثياب، كنت سأتمدد في الشمس تاركاً جسدي مكشوفاً بل وروحي أيضاً.
يا إلهي.. لو أن لي قليلاً من الوقت لكنت كتبت بعضاً مني على الجليد وانتظرت شروق الشمس.
كنت سأرسم على النجوم قصيدة "بنيدتي" وأحلام "فان جوج" كنت سأنشد أغنية من أغاني "سرات" أهديها للقمر ، لرويت الزهر بدمعي ، كي أشعر بألم أشواكه ، وبقبلات أوراقه القرمزية.
يا إلهي.. إذا كان مقدرا لي أن أعيش وقتاً أطول، لما تركت يوماً واحد يمر دون أن أقول للناس أنني أحبهم، أحبهم جميعاً، لما تركت رجلاً واحداً أو امرأة إلا وأقنعته أنه المفضل عندي، كنت عشت عاشقاً للحب.
كنت سأثبت لكل البشر أنهم مخطئون لو ظنوا أنهم يتوقفون عن الحب عندما يتقدمون في السن، في حين أنهم في الحقيقة لا يتقدمون في السن إلا عندما يتوقفون عن الحب.
كنت سأمنح الطفل الصغير أجنحة وأتركه يتعلم وحده الطيران كنت سأجعل المسنين يدركون أن تقدم العمر ليس هو الذي يجعلنا نموت بل: الموت الحقيقي هو النسيان.
كم من الأشياء تعلمتها منك أيها الإنسان ، تعلمت أننا جميعا نريد أن نعيش في قمة الجبل، دون أن ندرك أن السعادة الحقيقية تكمن في تسلق هذا الجبل، تعلمت أنه حين يفتح الطفل المولود كفه لأول مرة تظل كف والده تعانق كفه إلى الأبد، تعلمت أنه ليس من حق الإنسان أن ينظر إلى الآخر، من أعلى إلى أسفل، إلا إذا كان يساعده على النهوض، تعلمت منك هذه الأشياء الكثيرة، لكنها للأسف لن تفيدني لأني عندما تعلمتها كنت أحتضر.
عبر عما تشعر به دائماً، افعل ما تفكر فيه لو كنت أعرف أن هذه ستكون المرة الأخيرة التي أراك فيها نائماً، لكنت احتضنتك بقوة، ولطلبت من الله أن يجعلني حارساً لروحك.
لو كنت أعرف أن هذه هي المرة الأخيرة التي أراك فيها تخرج من الباب لكنت احتضنتك، وقبلتك، ثم كنت أناديك لكي احتضنك وأقبلك مرة أخرى. لو كنت أعرف أن هذه هي آخر مرة أسمع فيها صوتك لكنت سجلت كل كلمة من كلماتك لكي أعيد سماعها إلى الأبد.
لو كنت أعرف أن هذه هي آخر اللحظات التي أراك فيها لقلت لك "أنني أحبك" دون أن أفترض بغباء أنك تعرف هذا فعلاً.
الغد يأتي دائماً، والحياة تعطينا فرصة لكي نفعل الأشياء بطريقة أفضل.
لو كنت مخطئاً وكان اليوم هو فرصتي الأخيرة فإنني أقول كم أحبك، ولن أنساكم أبداً. ما من أحد، شاباً كان أو مسناً، واثق من مجيء الغد، لذلك لا أقل من أن تتحرك، لأنه إذا لم يأت الغد، فإنك بلا شك سوف تندم كثيراً على اليوم الذي كان لديك فيه متسع كي تقول أحبك، لن تبتسم لأن تأخذ حضناً أو قبلة أو تحقق رغبة أخيرة لمن تحب.
 
قديم 27/09/2006   #63
شب و شيخ الشباب TheLight
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ TheLight
TheLight is offline
 
نورنا ب:
May 2006
المطرح:
عند ساركوزي اللعين..
مشاركات:
3,091

افتراضي


ختام ملف الكاتب العظيم غابرييل غارسيا ماركيز

 
قديم 27/09/2006   #64
صبيّة و ست الصبايا سرسورة
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ سرسورة
سرسورة is offline
 
نورنا ب:
Nov 2005
المطرح:
syria-homs-damascus
مشاركات:
2,252

افتراضي


الله يعطيك ألف ألف عافية.....مجهود كبير والموضوع رائع جدا
أنا جاهزة للاستلام من بعدك......و بكرة موعدنا.......
ومرة تانية شكرا thelight
 
قديم 28/09/2006   #65
صبيّة و ست الصبايا سرسورة
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ سرسورة
سرسورة is offline
 
نورنا ب:
Nov 2005
المطرح:
syria-homs-damascus
مشاركات:
2,252

افتراضي


هلأ اجا دوري هاد الاسبوع....و رح احكي عن الكاتب و الأديب البناني الكبير امين معلوف.....
أنو خلينا نحكي عن شي حدا عربي مهم......

أمين معلوف
في منتصف التسعينيات كتبت الصحف الفرنسية تقول: إن الأدب الفرنسي كان في طريقه للموت لولا اثنان: "فرنسوا ميتران" و"أمين معلوف"! ورغم أن المبالغة واضحة فإن المقولة تكشف عن قيمة أدب أمين معلوف أحد أهم وأشهر الكتاب الفرانكفونيين، هذا هو الاسم الذي تطلقه الأوساط الأدبية والثقافية الفرنسية على مجموعة الكتاب ذوي الأصول العربية الذين يكتبون بالفرنسية. ومن هؤلاء المغربي "الطاهر بن جلون" والجزائريان "محمد ديب" و"مالك حداد" والموريتاني "محمد عبيد هوندو" والمصريون "أندريه شديد" و"ألبير قصير" و"أحمد راسم" و"جورج حنين".


ولد أمين معلوف في بيروت عام 1949، ودرس الاقتصاد والعلوم الاجتماعية بمدرسة الآداب العليا بالجامعة اليسوعية في بيروت، وامتهن الصحافة بعد تخرجه فعمل في الملحق الاقتصادي لجريدة "النهار" البيروتية الشهيرة التي تعتبر من أهم الصحف اللبنانية. عمل أيضا إلى جانب عمله كمحرر اقتصادي محررا للشئون الدولية بالجريدة، وهو ما أتاح له الاطلاع على الكثير من التطورات السياسية والدبلوماسية في العالم خاصة أن "غسان تويني" صاحب الجريدة ورئيس تحريرها كان من أهم رجال الدولة في لبنان في فترة الستينيات وأوائل السبعينيات إبان حكم الرئيسين "شارل حلو" و"سليمان فرنجية".

وفي عام 1976 ومع بداية الحرب الأهلية اللبنانية ترك معلوف لبنان وانتقل إلى فرنسا حيث عمل في مجلة "إيكونوميا" الاقتصادية، واستمر في عمله الصحفي فرأس تحرير مجلة "إفريقيا الشابة" أو"جين أفريك"، وكذلك استمر في العمل مع جريدة "النهار" اللبنانية وفي ربيبتها المسماة "النهار العربي والدولي".

ومنذ الثمانينيات تفرغ للأدب وأصدر أول رواياته "الحروب الصليبية كما رآها العرب" عام 1983 عن دار النشر "لاتيس" التي صارت دار النشر المتخصصة في أعماله. ترجمت أعماله إلى لغات عديدة ونال عدة جوائز أدبية فرنسية منها جائزة الصداقة الفرنسية العربية عام 1986 عن روايته "ليون الإفريقي"، ورشح لجائزة "الجونكور" أكبر الجوائز الأدبية الفرنسية. ومن أهم أعماله بالإضافة لما ذكرنا "سمرقند" و"القرن الأول بعد بياتريس" و"حدائق النور" و"موانئ المشرق" "وصخرة طانيوس".

لا يكفي أن نقول: إن أمين معلوف روائي كبير، أو أن نقول: إنه مرشح لنيل جائزة نوبل أو غير ذلك، فكل هذا مجرد أوصاف لا تضيف شيئا للرجل أو لأدبه، ما نريده حقا هو تحليل السمات العامة المميزة لأدب معلوف سواء أكانت تلك السمات تمثل أسلوبه في السرد، أو الخصائص الروائية المضمونية في هذا الأدب.

التسامح
أول سمات أدب معلوف والتي تمثل خاصية واضحة في كل أعماله وخيطا رابطا بين هذه الأعمال هي التسامح.
التسامح الذي هو علاقة إيجابية بين الأنا بكل دوائرها والآخر بكل ألوان طيفه، وهذه السمة جزء من تكوين معلوف ذاته المسيحي العربي اللبناني، التسامح هنا صفة شخصية ولكنه يتحول إلى سمة أدبية في أعماله المختلفة، ففي أول أعماله: "الحروب الصليبية كما يراها العرب" يتحدث معلوف إلى المجتمعات الأوربية مناقشا المفاهيم الأساسية للحضارة ذاتها، فالحروب الصليبية في الذهنية الأوربية تعني فعلا إيجابيا، ولعلنا نتذكر كيف استخدم "بوش" هذا المفهوم في كلامه عن حملة أفغانستان وكيف أثار هذا الاستخدام ثائرة العرب والمسلمين، وربما كان ما يريده معلوف تحديدا هو تجنب مثل هذا الاستخدام وكأنه يقول للغرب: في الوقت الذي تتكلمون فيه عن إلغاء المركزية الأوربية لا بد من إعادة النظر في المفاهيم التي تعتبرونها بديهية وإعادة النظر هي بداية الطريق للتسامح.

الصور المرفقة
نوع الملف : jpg Amin_01.jpg_200_-1.jpg‏ (8.9 كيلو بايت, 0 قراءة)
 
قديم 28/09/2006   #66
صبيّة و ست الصبايا سرسورة
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ سرسورة
سرسورة is offline
 
نورنا ب:
Nov 2005
المطرح:
syria-homs-damascus
مشاركات:
2,252

افتراضي


شكلت روايات أمين معلوف عند صدورها حدثا أدبيا وثقافيا لا لمتعتها التي تعيد إلى الذاكرة قصص ألف ليلة وليلة التي كتبها أجداد أمين معلوف, بل لأنها نقلت إلى الغرب, ومباشرة عبر لغة من لغاته, وجهة نظر شقيق له, هو الشرق, ساهمت الغربة وبعد المزار, وكذلك الحروب القديمة والحديثة التي نشأت بينهما, في إحداث فرقة أدت مع الوقت إلى جهل أحدهما للآخر وانطوائه على وجهات نظر عن هذا الآخر ليست دائماً صحيحة أو دقيقة. وما فعل أمين معلوف في أعماله الروائية المتكئة في أكثرها على التاريخ, هو أنه نقل إلى الغربيين وجهة نظر الشرقيين, كما قدم لهم جوانب مشرقة في حضارتنا, هدف من ورائها إلى إقامة حوار من نوع مختلف, كما إلى مراجعة الكثير من صفحات التاريخ المشترك فهمها الغربيون, في الأعم الأغلب, على نحو مشوه.

وقد احتفى الغربيون أيّما احتفاء بكتب أمين معلوف: (الحروب الصليبية كما رآها العرب), و(ليون الإفريقي), و(سمرقند), و(حدائق النور) وسواها من الأعمال التي أضافت إلى المتعة والفائدة صفة أخرى شديدة الأهمية, هي أنها ألفت فصلاً جديداً في الحوار بين الشرق والغرب, وهو حوار قديم وحديث ومتجدد باستمرار. وإذا شئنا التخصيص قلنا إن هذا الحوار الذي بدأ به أمين معلوف في كتبه إنما كان حواراً بين العرب والمسلمين وبين أوربا بالذات, وهما عالمان قريبان وبعيدان في آن, يفصل بينهما, كما يجمع بينهما, بحر طالما ازدهرت حضارات مشتركة بينهما على ضفافه, كما قامت حروب مدمّرة. وإذا كان مارون عبود قد أطلق مرة اسم (صقر لبنان) على الرائد النهضوي أحمد فارس الشدياق استناداً إلى دوره في النهضة, وهو دور تجاوز لبنان إلى آفاق بعيدة, فإن أمين معلوف يستحق اللقب نفسه في وقتنا الراهن نظرا للدور الفائق الأهمية الذي أداه للبنان والعرب في ديار الغرب, ولنبل الخطاب الوطني والثقافي الذي حمله.

يتحدث أمين معلوف في احدى الحوارات عن هذه العلاقة المعقدة بين أوربا والعالم العربي, وعن مستقبل هذه العلاقة. هو يرى أن العالم العربي قريب من أوربا وبعيد عنها في آن, والذي ساهم في إحداث الشرخ بينهما هو أن أوربا عندما (انفجرت) في القرنين الخامس عشر والسادس عشر, كان العالم العربي هو أول من تلقى الضربة منها بصورة مباشرة, وتعذر عليه بعدها أن ينهض على قدميه لأن الذي تلا هذه الضربة هو الاستعمار الذي خضعت له بلادنا, وامتنع عليها بعده النهوض من كبوتها وقيام أي تطور مستقل لها. وفي الوقت الراهن مازالت الهوّة شاسعة بين العالمين, ومن مظاهرها أن مدينة في جنوب إسبانيا محاذية لمدينة في شمال المغرب لا يفصل بينها سوى مضيق بسيط, هي أقرب إلى ليتوانيا منها إلى هذه المدينة المغربية.

ولكن أمين معلوف يرى أن أوربا والعالم العربي يحتاج كل منهما إلى الآخر حاجة ماسّة , ويحلم بقيام رابطة وثيقة بينهما يتمنى أن تصل إلى حدّ (الشراكة العضوية) بحيث تقوم (وحدة عربية - أوربية) من شأنها أن تحقق لدول العالم العربي, وفي خلال فترة زمنية قصيرة, فورة حضارية واقتصادية واجتماعية غير متوقعة, تلحقنا بالعصر, تماماً كما حصل في إسبانيا واليونان وقبرص التي انتقلت بعد عملية (تلاقح) مع أوربا من حال إلى حال.

يقول أمين معلوف: (علينا نحن العرب أن نتخذ المبادرة, أن نخرج من تزمّتنا. إنني أحلم بوحدة أوربية متوسطية تشمل حزمة من الدول المجاورة لأوربا مثل تركيا, ومعظم دول الشرق الأوسط, ودولة مثل المغرب, تمهيدا لالتحاق كل دول المغرب, وحدة أو شراكة عضوية بين أوربا والعالم العربي).

يقيم أمين معلوف في فرنسا منذ 27 عاماً, ترك لبنان في خضم الحرب اللبنانية إلى فرنسا التي يجيد لغتها, وعمل في الصحافة الفرنسية قبل أن يتخصص بهذا النوع من الكتابة الروائية الذي لقي إقبالا عالميا منقطع النظير, والغريب أنه يتحدّر من أسرة لبنانية تخصص أبناؤها بالأدب العربي, وقد قدّمت هذه الأسرة للشعر العربي وحده أكثر من سبعين شاعرا يأتي في طليعتهم شفيق المعلوف صاحب (عبقر) وفوزي المعلوف صاحب (على بساط الريح). وكان والده رشدي المعلوف صحفيا وأديبا وشاعرا أيضا.

نقل أمين معلوف للقارئ الغربي صورة مشرقة عن الحضارة العربية, صورة أمينة بالدرجة الأولى. روى جوانب من سيرة بغداد, وسمرقند, وبخارى, وغرناطة, والأندلس عموما. قدّم للقارئ الغربي وجهة نظر المسلمين في الحروب الصليبية لتكون لديهم صور مختلفة عمّا سمّاه المؤرخون العرب بـ(حروب الفرنجة). لم يتملق القارئ الغربي أو يدغدغ غرائزه بالقول إن تاريخ العرب كان تاريخ الدم والمجازر والمذابح, وإنما ترك هذا الحديث لسواه من بعض الكتّاب الصغار الذين يعيشون في الغرب, وانطلق يروي تاريخ منطقته وحضارته رواية مشرّفة
 
قديم 28/09/2006   #67
صبيّة و ست الصبايا سرسورة
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ سرسورة
سرسورة is offline
 
نورنا ب:
Nov 2005
المطرح:
syria-homs-damascus
مشاركات:
2,252

افتراضي


كتبت بالفرنسية لأصحح فكرة الآخر عنا
في احدى المقابلات سؤل معلوف عن سبب كتابته باللغة الفرنسية.....

لماذا كتبت باللغة الفرنسية مع أنك تعرف العربية جيدا, وبذلك خرجت على تقاليد آل المعلوف الأسرة التي قدّمت للغة العربية والأدب والشعر العربي العشرات, بل المئات من الأدباء والشعراء.
- اختياري الكتابة باللغة الفرنسية له أسباب مختلفة, السبب الأولي, وربما الأساسي, كان الحرب في لبنان, واضطراري للانتقال إلى مجتمع آخر, وربما استسهال الكتابة بلغة المجتمع الذي انتقلت إليه.
في لبنان درست اللغة الفرنسية ولكن في الوقت نفسه, كانت اللغة الطبيعية بالنسبة إليّ هي اللغة العربية, وقد بدأت حياتي المهنية في جريدة (النهار) باللغة العربية. كنت في مرحلة معينة من عملي فيها أكتب مقالا يوميا تقريبا بالعربية, وفي مواضيع سياسية. وأتصور أنني لولا ظروف الحرب والهجرة, كنت استمررت بالكتابة بالعربية, وكان من المفروض أن يحصل هذا بشكل تلقائي.
عند انتقالي إلى فرنسا, وجدت من السهولة أن أكتب بالفرنسية إذ كانت لدي معرفة مسبقة وجيدة بها. في لبنان درست في مدرسة كانت اللغة الفرنسية تُدرّس فيها تدريساً جيداً, وربما بصورة أفضل من اللغة العربية.
بالنسبة لي شخصياً, كان مناخ اللغة العربية في المنزل, يؤمّن لي نوعا من التوازن في علاقتي باللغة الفرنسية. ويومها لو كنت منصرفا إلى اللغة الفرنسية وحدها, لكانت هذه اللغة بالنسبة إلي أقوى بكثير من لغتي العربية. ولكن بيتنا كان يتوافر على تقاليد: في هذا البيت لم أتكلم مرة إلا بالعربية. كان والدي رشدي المعلوف كاتبا وأديبا وشاعرا وصحفيا يكتب طبعا بالعربية. وكان لدينا كأسرة نوع من الفخر بما قدمه آل المعلوف للغة العربية والأدب العربي. وبالطبع كان للأسرة تاريخ معروف وعريق بهذه اللغة, ولذلك كان لابد من توافر نوع من التوازن بين اللغتين, بعدهما جاءت الإنجليزية بالنسبة لي في الموقع الثالث.
كان السبب الأول لانصرافي إلى الكتابة باللغة الفرنسية, سفري إلى فرنسا. إن الشخص الذي يعيش في مجتمع, ويندمج في هذا المجتمع, لابد له من أن يتوقع ردود فعل على ما يكتبه في هذا المجتمع, وهذا أمر طبيعي, ولا ننسى أيضا أن الشخص الذي يعيش في مجتمع ما, ولا يكتب بلغته, لا يكون وضعه سهلاً أيضا. لهذا لم أشعر يوماً وأنا في لبنان, وقبل مغادرتي إلى فرنسا, بأن من الممكن أن أكتب بالفرنسية باستمرار, وكنت كتبت بالعربية أولا, كما كتبت بالفرنسية.
سبب آخر دفعني إلى الكتابة بالفرنسية هو أنني شعرت في فرنسا بحاجة إلى نقل أشياء معينة إلى قارئ أوربي. ليس صدفة أن الكتاب الأول الذي كتبته بالفرنسية كان عن الحروب الصليبية, كما رآها العرب. كان لدي شعور بأن هناك أشياء قدمت معي من المنطقة العربية التي عشت فيها, غير معروفة في الغرب, أو أنها معروفة ولكن بشكل خاطئ أو مشوّه. شعرت بضرورة نقل صورة أخرى عن الحضارة العربية والعالم العربي, هي غير الصورة الموجودة لدى الغربيين, أو غير الصورة التي كانت ترد تقليدياً إلى الغرب عن طريق الرحّالة الغربيين الذين كانوا يجيئون إلى الشرق ثم يصفونه عند عودتهم.
هذه الناحية بدأ بها قبلي كتّاب شرقيون آخرون كتبوا عن الشرق بلغات الغرب. ثمة ظاهرة بدأت تتكثف في العقدين الأخيرين من القرن الماضي تتمثل في كتّاب قدموا أصلا من دول بعيدة بدأوا يعبّرون بلغات أوربية كالفرنسية والإنجليزية والإسبانية والألمانية عن تاريخهم وتراثهم وأحوال بلدانهم وتطلعاتهم. هناك - مثلاً - كتّاب أتراك يعيشون في ألمانيا ويكتبون بالألمانية. لأول مرة, بدأ القارئ الألماني يسمع بلغته أصواتاً قادمة من تركيا, أو من سواها, وعن قضايا كان يقرأ عنها من خلال الرحالة أو المستشرقين الغربيين.
هذه الظاهرة, ظاهرة جديدة تماما. كان الألمان في السابق يترجمون لكتّاب أتراك ولكن تلك الترجمات لم تكن مقروءة إلا من عدد محدود من الألمان, ولكن عندما يأتي كاتب أجنبي ويكتب بلغة أهل البلد, فإنه يخلق علاقة أخرى. وهذا الأمر شعرت به لأول مرة عندما انتقلت من لبنان إلى فرنسا. شعرت بداية بأن هناك سوء معرفة بالاخر, وسوء المعرفة هذا متأتٍ من الضفتين معا: من هنا ومن هناك أيضا. ثمة صورة مشوّهة, وغير واقعية, عند الغربيين عن العرب, تقابلها صورة مشوّهة وغير واقعية عند العرب عن الغربيين, لذلك أرى أن من واجب أيّ كاتب ينتقل من هذه الضفة إلى تلك, أن يعمل على تقديم الصورة الصحيحة عن بلده, أو أن يعمل على الأقل على تصحيح هذه الصورة ولو في إطار الممكن والمعقول.
أول كتاب كتبته انطلق من هذا الشعور, وكذلك كان الكتاب الثاني, وهو كتاب (ليون الإفريقي). جوهر هذا الكتاب الثاني هو ما ورد في صفحاته السبعين أو الثمانين الأولى, وهو عن سقوط غرناطة وبالتالي الأندلس, أردت أن أروي سقوط غرناطة والأندلس. لا من وجهة نظر الإسبان المنتصرين المزهوين باسترداد غرناطة, بل من وجهة نظر الآخرين الذين طُردوا منها. وكانت هذه الفكرة هي السبب الموجب الأول بالنسبة إلي لوضع (ليون الإفريقي).
وأنا أتصور أن من الطبيعي أن يتم عرض وجهة النظر العربية هذه بلغة الغربي نفسه.
وهناك - بالطبع - أسباب أخرى كثيرة دفعتني للكتابة باللغة الفرنسية.
 
قديم 29/09/2006   #68
صبيّة و ست الصبايا سرسورة
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ سرسورة
سرسورة is offline
 
نورنا ب:
Nov 2005
المطرح:
syria-homs-damascus
مشاركات:
2,252

افتراضي


الفكرة اني حابة اعطي فكرة عن الطريقة اللي بيكتب فيا و الصورة اللي بينقلها عن الحضارة العربية و الغربية قبل ما بلش بالروايات أو حياتو بشكل مفصل.....

و هون جزء من كلام منقول لامين معلوف حين سؤاله عن الصورة التي ينقلها عن الحضارة العربية...لانه دائما كان معروف بنزاهته في تصوير الجوانب الجيدة و السيئة من مختلف الحضارات
  • أول ما يلاحظه قارئ رواياتك هو أنك تحدثت بنزاهة عن الجوانب التي نقلتها للقارئ الغربي. لم تساير هذا القارئ, بل تعمدت أن تقدم وجهة النظر الأخرى, منطلقاً من انتسابك إلى الحضارة العربية.
- في مناخ البيت الذي تربيت فيه كان هناك شعور راسخ بالانتماء إلى الحضارة العربية, وشعور آخر بضرورة استخلاص ما هو مشعّ ونبيل وأصيل فيها, ثم نقله إلى الآخرين, وبالفعل عندما يكون هناك شخص مخلص لحضارة كبرى كالحضارة العربية الإسلامية, لا يمكنه أن يتقوقع ضمن (وضع خاص), هو وضع المجموعة الدينية أو الطائفية أو المذهبية التي ينتمي إليها, ثم يغسّل يديه من كل شيء آخر في هذه الحضارة, هذا أمر لم يرد في ذهني أبداً.
عندما نريد أن نتحدث عن الحضارة العربية لابد أن نتحدث عن كل جوانب هذه الحضارة, عن قرون من التاريخ, عن بلدان مختلفة ليست كلها عربية. عندما ينتمي المرء إلى الحضارة العربية. لابد أن يحب ابن سينا, والبيروني, وابن رشد. ويمكن أن يصل به المطاف إلى أواسط آسيا. ولاشك أن هذا المطاف سيصل به أيضا إلى أقاصي المغرب, ولابد أن يشعر بانتماء إلى شتى جوانب هذه الحضارة.
لذلك كان طبيعياً أن أعرض جوانب مختلفة من هذه الحضارة للغربيين بحبّ فُطرت عليه تجاهها, وليس لدي أي فضل في ذلك, فهذا من طبيعة ما ندبت نفسي له, وهو نابع من طبيعة المناخ العائلي الوطني الذي تربيت فيه.
لذلك لا يمكن أن أجزئ أو أقسّم هذه الحضارة, كأن أنتقي هذا الجانب منها وأستبعد الآخر, أو كأن أقول إن هذا الجانب يخص العربي (الآخر) ولا يخصني أنا.
هذه هي الحضارة العربية كما رأيتها, وكما تعاملت معها بشكل موحد ومتكامل. حضارة بدأت في مرحلة معينة في التاريخ. ربما كانت انطلاقتها ذات صلة بالدين, من الناحية التاريخية البحتة لا يمكن فصل هذه الحضارة عن الدين, فهو الذي أوصلها إلى أواسط آسيا وإلى أقاصي الغرب.
ثم إن الحضارة العربية التي بُنيت وكان لها علاقة بالإسلام, لا تقتصر على المؤمنين به من العرب, فهي أيضا حضارة الشعوب الأخرى التي ساهمت أيما إسهام في بنائها وصياغتها.
ولا ننسى أيضا أن الحضارة الغربية لها أيضا علاقة بالمسيحية, ولكن المسيحية لا تختصر وحدها الحضارة الغربية, ففي المسيحية جزء كبير لا علاقة له بالحضارة الغربية, وفي الحضارة الغربية أشياء أساسية لا علاقة لها بالمسيحية. الديمقراطية في أثينا وجدت قبل المسيحية, والقانون الروماني الذي هو أساس الحضارة الغربية إلى الآن, وجد قبل المسيحية, ولكن يبدو الآن وكأن الديمقراطية والقانون والحقوق هي عماد الحضارة الغربية.
  • وهذا ما حصل في الحضارة العربية أيضا عندما استوعبت ثقافات وحضارات سابقة عليها.
- طبعا. الحضارة العربية في أعظم لحظاتها استوعبت الحضارة اليونانية, كما استوعبت الحضارة الفارسية, والحضارة الهندية, وانفتحت أيّما انفتاح على المسيحية وبقية الثقافات الدينية.
لقد أصبحت الحضارة العربية حضارة كل شعوب المنطقة وهذا سرّ من أسرار عظمتها.
 
قديم 30/09/2006   #69
صبيّة و ست الصبايا سرسورة
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ سرسورة
سرسورة is offline
 
نورنا ب:
Nov 2005
المطرح:
syria-homs-damascus
مشاركات:
2,252

افتراضي


بدايات أمين معلوف...اختياره للصحافة.....تأثيرها على رواياته.....بداياته في فرنسا....حياته فيها كأديب لبناني.....في مقابلة أجريت معه(منقولة).....يجيب فبها عن هذه الأسئلة



والدي كان صحافيًا وشاعرًا
ولدت في بيروت في البسطة. وعائلتي أيضًا عاشت في رأس بيروت من جهة شارع جان دارك. درست عند الآباء اليسوعيين، باللغة الفرنسية... مع أن تأهيل عائلتي كان عند الأمريكان. لم أدرس الصحافة، بل علم الاجتماع في كلية الآداب... واليوم أتساءل: لماذا لم أدرس التاريخ بما أن هذا المجال هو الذي شدَّني أكثر من غيره.

لماذا اخترتَ الصحافة؟
أنا متحدِّر من عائلة صحافيين. وقد قمت ببعض الدراسات لتحسين معارفي العامة، وربما أيضًا لأني كنت أرغب في اكتساب خبرة جامعية... لكن والدي كان صحافيًا، وكان هناك صحافيون آخرون في العائلة. لقد كنت أهتم بذلك منذ طفولتي: فقد ترعرعت في هذا الوسط. في البداية كنت أكتب مقالات هنا وهناك؛ ثم بدأت العمل في جريدة النهار في صورة منتظمة في نيسان العام 71، وكان عمري وقتئذٍ 22 سنة. كنت أهتم في صورة أساسية بالسياسة الدولية. وقد سافرت آنذاك كثيرًا: ذهبت إلى الهند وبنغلادش وفيتنام والحبشة والصومال وكينيا وتنزانيا والمغرب... وبعد رحيلي إلى فرنسا، زرت أيضًا أمريكا الجنوبية...

ما الذي استبقيتَه من كلِّ هذا التنوع؟
يُراكِم المرءُ في داخله خبرات كثيرة من اللقاءات ومن المناظر الجديدة ومن الثقافات الجديدة ومن المدن المختلفة... نحن لا نعرف دومًا ماذا يفيدنا هذا، إلا أن هذه الخبرات تعاود الظهور في كتاباتنا من خلال الأماكن والشخصيات والحساسيات.

يجب أن نتعلَّم كيف نصغي
وربما أيضًا من خلال فلسفة حياة معينة... في كتابك موانئ المشرق كتبتَ: "المعلِّمون القديرون هم الذين يعلِّمون حقائق مختلفة."
أجل، يجب أن نتعلَّم الإصغاء لأصوات لا تقول دائمًا ما نتوقعه, ولا تكرِّر دائمًا حقائق مقبولة، بل حقائق أخرى قد تكون مستنكَرة أكثر، إنما أكثر فائدة وسَدادًا... ولهذا فأنا أحب السفر دائمًا والالتقاء بأشخاص جُدُد. أحب الإصغاء والرَّصد، وأقل منهما الكلام. بعد ذلك أكتب الأشياء التي تُروى لي. يبدأ المرء بالتحصيل؛ ثم يخرج هذا بعملية لا ينبغي أن نحاول فهمها كثيرًا، بل نتركها تجري على هواها.

هل كان لخبرتك الطويلة في الصحافة تأثير على رواياتك؟
الصحافة حاضرة في كل ما أفعل: أحيانًا من خلال طريقة معينة في الحكي؛ أحيانًا أخرى من من جراء توجُّهي لجمهور واسع نسبيًا، وأحيانًا من خلال تقصِّي الأحداث... كما أن هناك اهتمام بالأحداث وبالوقائع يُستَشَفُّ في ثنايا رواياتي، ومصدرُه الصحافة هو الآخر.

أحاول أن أبني شيئًا، أينما حللت

أنا أعيش في فرنسا منذ 20 عامًا. اندلعت الحربُ في نيسان 1975 ورحلتُ في حزيران 1976. إذًا لقد أمضيت الأشهر الأربعة عشر الأولى من الحرب في لبنان. لم أكن أستطيع وقتها الذهاب بشكل طبيعي إلى العمل لأن الانتقال من بيتي إلى مكتبي كان يضطرني إلى عبور مناطق خطرة كان يقبع فيها قنَّاصون. عندما كنت أذهب للعمل كان عليَّ إذن النوم عدة أيام في فندق صغير على مقربة من مكتبي... لم تكن حياة طبيعية، وفي لحظة معينة قررت الابتعاد...
الصور المرفقة
نوع الملف : jpg maaloufX.jpg‏ (20.4 كيلو بايت, 0 قراءة)

آخر تعديل butterfly يوم 27/11/2006 في 11:59.
 
قديم 30/09/2006   #70
صبيّة و ست الصبايا سرسورة
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ سرسورة
سرسورة is offline
 
نورنا ب:
Nov 2005
المطرح:
syria-homs-damascus
مشاركات:
2,252

افتراضي


كيف استمر بك العيش في فرنسا في البدايات؟
بدأت العمل فيها كصحافي. بدأت بإرسال بعض المقالات إلى صحف متنوعة؛ حتى استخدمتْني جماعة صحافيي أفريقيا الفتاة. لكن قبل ذلك كتبتُ في مجلة شهرية تدعى اقتصاد؛ تلتها أفريقيا الفتاة نفسها. وبعدها صرت أكتب في النهار العربي والدولي التي كانت تُحرَّر لفترة من الزمن في باريس، لكني كتبت في جرائد أخرى أيضًا. استمر نشاطي الصحافي المكثف حتى 1985، عندما قررت أن أكرِّس نفسي بالكلِّية لروايتي الأولى.

هل أنتَ مرحَّبٌ بك في فرنسا كلبناني، أم أنك تشعر بالغربة؟
لا أشعر بالغربة في أيِّ مكان. إنها مسألة اختيار. لكن هناك تقليد مهجري طويل في لبنان. قررتُ ذات مرة أن أحسم المسألة عندي نهائيًّا. أنا كائن بشري يسافر حول العالم، يحطُّ الرِّحال ويحاول أن يبني شيئًا حيثما يستقر.

كلُّ كتابٍ لقاءٌ
أنا أرى التاريخ بدايةً كمخزون لا ينضب من الأشخاص والأحداث والأمثولات والعصور، والمطلوب إعادة اكتشافها. نحن بالطبع نختار من التاريخ ما نرغب في اختياره، وفي وسعنا أن نبرهن على أي شيء انطلاقًا منه. لذا لا أعتقد أبدًا أنه ينطوي على تعليم مطلق، إلا أنه مادة مهمة لأنه الذاكرة، وهو عمق المجتمعات... لأنه ما كان لأيِّ شيء موجود اليوم أن يكون على ما هو عليه لولا كثافة التاريخ. ليس ثمة تاريخ "موضوعي" بحدِّ ذاته. وأعتقد أن لكلِّ شخص ذاكرة خاصة به، وهي تضفي على الحدث قيمة تختلف عن القيمة التي يضفيها عليه آخرون.

لماذا يروي المرء تفسيره الخاص للعالم؟
عندما نروي نساهم في إغناء ذاكرة الآخرين. فحكاية القصص هو جزء من حياتنا اليومية: كل واحد منَّا يحكي بطريقة أو بأخرى. إلا أني جعلت من الحكي مهنتي؛ ورواية التاريخ، كما أراه, تعني نقل عدد من المعارف والقيم والمواقف والحساسيات... وذلك، بنظري، وظيفة من وظائف الرواية.

هل تعتقد أن الكاتب يستطيع التأثير على مجريات الأمور؟
بعد قراءتي كتابًا لا أبقى أنا أنا. إنه لقاء... هنالك أمور نتوقف عندها، نتفكر، نتجاوب. لكني لا أكتب لأستثير ردَّات فعل معينة. فعلى المرء أن يعبِّر عما يرغب في التعبير عنه في كلِّ لحظة. وإذا كان كتابي يؤثر بطريقة ما فأنا أفضل أن يكون تأثيرًا على المدى الطويل: أنا لا أبحث أبدًا عن وَقْعٍ آني. عندما أكتب أركز على حساسياتي لحظتذاك، على حالتي الذهنية، وعلى بؤر اهتمامي. في هذا الكتاب آتي على ذكر التعايش في منطقة البحر المتوسط، وفي ذاك أتكلَّم على الصلات الصعبة بين العلم والأخلاق... المهم إذًا أن نستطيع التعبير بحرية... حقُّ الكينونة أسبق من حقِّ الكلام! قد لا نشعر برغبة في الكلام... لكن من حقِّنا أن نكون ما نرغب أن نكون، وليس ما يريدنا الآخرون أن نكون.
 
قديم 30/09/2006   #71
صبيّة و ست الصبايا سرسورة
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ سرسورة
سرسورة is offline
 
نورنا ب:
Nov 2005
المطرح:
syria-homs-damascus
مشاركات:
2,252

افتراضي


هلأ بعد ما أخدنا فكرة عن أمين معلوف و الطريقة اللي بيكتب فيها ...و اللي بيفكر فيها....
وقبل ما بلش برواياتو بشكل مفصل...رح حط هيك متل لمحة سريعة عن حياته الشخصية و الجوائز اللي حصل عليها....


ينحدر أمين معلوف من عائلة معلوف التي قدمت إلى راشيا الفخار من مدينة زحلة الواقعة شرقي لبنان منذ أكثر من 200 عام. وقد عُرفت عائلة معلوف بالفضل والكرم والأخلاق، وحب أبنائها الشديد للثقافة والأدب والعلوم. وقد هاجر عدد كبير من عائلة معلوف إلى الولايات المتحدة وأوروبا والبرازيل وسجلوا نجاحات باهرة.

- هو من مواليد بيروت في 14 فبراير 1949،

- تلقى تعليمه الابتدائي والتكميلي في مدرسة السيدة، والثانوي في كلية الجمهور، والجامعي في جامعة القديس يوسف في بيروت وتخرج فيها حاملاً إجازة في العلوم الاجتماعية،

- متزوج من السيدة أندريه معلوف، ولهما ثلاثة أبناء هم: رشدي وطارق وزياد،

- عمل في الصحافة اللبنانية خلال الفترة 1971 – 1976 في جريدة (النهار) . كما عمل خلال الفترة 1976 – 1979 في المجلة الفرنسية (جان أفريك)، وخلال الفترة 1979 – 1982 مديراً لمكتب جريدة (النهار) في باريس. وخلال الفترة ما بين 1982 - 1985 عمل مديراً للتحرير في مجلة (جان أفريك)،

- نال عدة جوائز ثقافية أبرزها جائزة (الكونكور) الفرنسية عام 1993، لروايته (صخرة طانيوس) وهي رواية لبنانية مستوحاة من حياة طانيوس في القرن الثامن عشر، والتي مزج فيها أمين معلوف بين التاريخ والخيال، وركز على مظاهر الحب والخيانة. أما روايته (حدائق تحت الضوء) فقد ركز أمين معلوف على شرح قصة غير عادية لأحد الأنبياء ويدعى (ماني) الذي استمد عقيدته من الأديان المختلفة في زمانه، ويحض فيها على التسامح والمحبة. ويشير إلى أن النبي (ماني) كان يهدف إلى نشر رسالته في زمن الحرب، حيث تدور أحداث الرواية حول العديد من المحاور الإنسانية، وخصوصاً المحبة والحزن والظلم والخداع. أما روايته الرائعة (الصليبيون بعيون عربية) يستعرض فيها أمين معلوف رؤية العرب ووجهة نظرهم تجاه الصليبيين وما ارتكبوه خلال حملاتهم من جرائم وانتهاكات. ثم يخلص إلى إجراء مقارنة بين الصليبية والبيئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحالية في العالم العربي. وفي العديد من الأحاديث والمقابلات الصحافية والتلفزيونية شاطر أمين معلوف الكثير من المفكرين والأدباء والمؤرخين العرب قولهم بأن الصليبيين كانوا غزاة برابرة أكثر منهم شعوباً حضارية متمدنة. ومع ذلك يشير إلى أنه على الرغم من مرور فترة زمنية طويلة على انتهاء الحملات الصليبية، فإنها ما تزال تُلقي بظلالها المأساوية على واقع العلاقة بين أوروبا والإسلام. وأقر أمين معلوف بخطر وتهديدات الإرهاب ولا سيما بعد الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها واشنطن ونيويورك في 11 سبتمبر 2001، ولكنه يرفض مقولة احتمال أن يصبح الإسلام عدواً جديداً للغرب بعد سقوط النظام الشيوعي.

وكان أمين معلوف نال في السادس من يونيو الماضي (جائزة المتوسط) التي منحته إياها محافظات بربنيان ولونغ روك روسيون وبيرينيه أورينتال الفرنسية، وذلك تقديراً لروايته الجديدة (أُصول) التي تسلط الضوء على تاريخ عائلته (معلوف) في لبنان، كما يسرد فيها جوانب مهمة من الانفتاح في مداه المتعدد الجوانب في البلدان الواقعة على ضفتي البحر الأبيض المتوسط.

وخلال حفل تسليم الجائزة لأمين معلوف بحضور حشد من كبار المسؤولين والأدباء والمفكرين والشعراء الفرنسيين والعرب، تحدثت سفيرة لبنان في باريس السيدة سيلفي فضل الله، فاشادت بأهمية الجائزة التي مُنحت لتكريم كاتب لبناني مرموق لجأ إلى لغة بودلير وشق ثلماً في الإنتاج الأدبي الفرنكوفوني. وأوضحت قولها بأن أمين معلوف ومنذ روايته (ليون الأفريقي): (ما برح يدفعنا إلى اكتشاف مصادر غير معروفة كثيراً، وذلك بعد تحري دقتها ومصداقيتها التاريخية، مزاوجاً إياها بمعرفة عميقة للمسائل ذات الصلة بالوجودية التي تعتمل داخل المجتمعات المضطربة. وأعربت السفيرة فضل الله عن اعتقادها بأن أمين معلوف، ومع رواته (أصول) باشر في إطلاق حنينه والعودة إلى منابع طفولته. إذ بعدما توفي والده الأديب والصحافي المعروف رشدي المعلوف، يلمس قارئ الرواية كيف غاص أمين معلوف في نبش تاريخ عائلته في لبنان، ومعرفة ما فيها، وفك أسرارها من خلال إجراء تحقيق أدبي موثق). وخلصت السفيرة اللبنانية إلى مخاطبة الحضور قائلةً: (إنكم حين تكرمون أمين معلوف، فإنما تكرمون لبنان وفرنسا بنفس الوقت، هذا اللبنان الحديقة الأخيرة للغة الفرنسية في الشرق الأوسط. وإذا كنا نحرص على إثراء هذه اللغة فلأنها تدافع عن المُثل وقيم الحرية والعدالة والمساواة والديمقراطية والتقدم التي نشاطركم إياها منذ زمن بعيد).

أما أمين معلوف فقد ارتجل كلمة قصيرة أعرب فيها عن اعتزازه القوي بانتمائه إلى لبنان وطنه الأم الذي أنجب الكثير من العلماء والأدباء والمفكرين والفلاسفة في شتى حقول المعارف والعلوم الإنسانية، وإلى فرنسا وطنه الثاني في وقت واحد من خلال منطقة البحر الأبيض المتوسط، مشيراً إلى أن هذا المدى المتعدد الوجوه يحتاج إلى عملية بناء وتطوير دائمة.
 
قديم 02/10/2006   #72
صبيّة و ست الصبايا سرسورة
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ سرسورة
سرسورة is offline
 
نورنا ب:
Nov 2005
المطرح:
syria-homs-damascus
مشاركات:
2,252

افتراضي


عندما أصدر أمين معلوف كتاب «الحروب الصليبية كما رآها العرب» بالفرنسية عام 1983 لم يكن يُهيأ له أن هذا الكتاب الفريد سيفتح له أفقاً واسعاً بعد النجاح الذي لقيه في فرنسا وسائر البلدان التي ترجم الى لغاتها. صدر هذا الكتاب في مرحلة دقيقة كان الحوار فيها بين الشرق والغرب مشوباً بالكثير من التناقص وسوء الفهم، وكانت قضية الحروب الصليبية نفسها مثار جدل تاريخي وديني بين المؤرخين والعلماء العرب والمستشرقين الغربيين والمؤرخين وعلماء الاجتماع والسياسة. جاء كتاب معلوف ليلقي ضوءاً ساطعاً على هذه القضية انطلاقاً من نظرة المؤرخين والرواة العرب اليها، معتمداً الموضوعية التامة في قراءة تلك الحقبة. وبدا الكتاب هذا أشبه بـ «الرواية الحقيقية» التي تميل الى فعل التأريخ أكثر مما تميل الى فعل القص والسرد.

إلا أن هذا الكتاب فتح أمام أمين معلوف باب الرواية التاريخية ممهداً أمامه الطريق التي سيسلكها.
و خصوصا ان "الحروب الصليبية"كانت ولا تزال تشغل حيزا كبيرا من الكتابات التاريخية في الشرق والغرب لما لها من شأن وخطر على الصعد السياسية والاجتماعية والفكرية والاقتصادية والحضارية.
ولما كان الغرب باكثريته- ولا سيما غير المتخصصة- لا يعرف من هذه "الحروب" سوى الصورة الرائجة التي قدمها بعض من اشتركوا في الحملات الصليبية- وقد تكون تلك الصورة صادرة في كثير من الاحيان عن هوى وغرض- فقد عمد امين معلوف الى صورة مقابلة تركها المؤرخون العرب ولم تعرف طريقها الى جمهور الغربيين فقدمها- في حلة بسيطة وجذابة....
وينطلق هذا الكتاب من فكرة بسيطة سرد قصة الحروب الصليبية كما نظر اليها و عاشها و رويت تفاصيلها في (المعسكر الاخر) أي في الجانب العربي، ويعتمد محتواه بشكل حصري تقريباً على شهادات المؤرخين والإخبارين العرب في تلك الحقبة. ولا يتحدث هؤلاء عن حروب صليبية بل عن حروب أو غزوات إفرنجية. وقد كتبت الكلمة التي تدل على الإفرنج بأشكال مختلفة باختلاف المناطق والمؤلفين والأزمنة: فرنج، فرنجة، إفرنج، إفرنجة... وقد اختير الشكل الذي لا يزال مستخدماً حتى اليوم في المحكية الشعبية لتسمية ''الغربيين'' وبصورة أخص "الفرنسيين" "فرنج". وهدف المؤلف من وراء هذا الكتاب، ليس تقديم كتاب تاريخ ولكن تقديم كتاب يوضح وجهة نظر أهملت حتى الآن، ''رواية حقيقية'' عن الحروب الصليبية وعن هذين القرنين المضطربين اللذين صنعا الغرب والعالم العربي ولا يزالان يحددان حتى اليوم علاقتهما
الصور المرفقة
نوع الملف : jpg 4959.jpg‏ (18.4 كيلو بايت, 2 قراءة)

آخر تعديل butterfly يوم 27/11/2006 في 12:04.
 
إضافة موضوع جديد  و الله هالموضوع مقفول ترى



ضوابط المشاركة
لافيك تكتب موضوع جديد
لافيك تكتب مشاركات
لافيك تضيف مرفقات
لا فيك تعدل مشاركاتك

وسوم vB : حرك
شيفرة [IMG] : حرك
شيفرة HTML : بليد
طير و علّي


الساعة بإيدك هلق يا سيدي 12:42 (بحسب عمك غرينتش الكبير +3)


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
ما بخفيك.. في قسم لا بأس به من الحقوق محفوظة، بس كمان من شان الحق والباطل في جزء مالنا علاقة فيه ولا محفوظ ولا من يحزنون
Page generated in 0.38005 seconds with 13 queries