أخوية  

أخوية سوريا: تجمع شبابي سوري (ثقافي، فكري، اجتماعي) بإطار حراك مجتمع مدني - ينشط في دعم الحرية المدنية، التعددية الديمقراطية، والتوعية بما نسميه الحد الأدنى من المسؤولية العامة. نحو عقد اجتماعي صحي سليم، به من الأكسجن ما يكف لجميع المواطنين والقاطنين.
أخذ مكانه في 2003 و توقف قسراً نهاية 2009 - النسخة الحالية هنا هي ارشيفية للتصفح فقط
ردني  لورا   أخوية > مجتمع > منبــر أخويـــة الحــــــر > حصاد المواقع

إضافة موضوع جديد  إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 18/08/2008   #1
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي مقالات لجوزيف سماحة


نصر الله ... الفرنكوفوني



استقبل الأمين العام لحزب الله القمة الفرنكوفونية بترحيب. حسن نصر الله فرنكوفوني؟ لقد استغرب البعض ذلك. والترحيب، إذا كان مفاجئاً، فهو مفاجئ بالمعنى الإيجابي للكلمة. لا يفعل سوى تأكيد أن هناك أصوليين أكثر تعقيداً بكثير مما يريد لهم خصومهم أن يكونوا، ومن الصورة التي يقدمها أصوليون آخرون عن أنفسهم.
أشاد نصر الله بالفرنكوفونية كرابطة ثقافية. كان في وسعه، حسب التبسيطات السائدة، اعتبارها غزواً ثقافياً يهدد الروابط الوحيدة التي يرفض الغلاة أن تشوبها شائبة. لم يصل إلى حد المجازفة بالحديث عن أن كل هوية هي، تعريفاً، مركبة. غير أنه تجاوز عتبة الحديث عن حوار الثقافات، عنوان المؤتمر، من أجل أن يمارسه فعلاً. واما أنه استسهل الأمر الصعب فلم يعد وارداً أن يتردد أمام الدعوة إلى تدعيم الفرنكوفونية لتحويلها الى رابطة سياسية. وفي الحالين كانت التعددية هدفاً يحاول الدفاع عنه. وهذا الهدف، عدا مصالحته مع واقع الحال، يمثل منحى سجالياً مع أحادية ثقافية وسياسية (واستراتيجية) تسعى لأن تفرض نفسها ولأن ترغم كل متباين عنها على أن يعيش وكأنه على حافة الانقراض.
وإذا كانت فرنسا هي القلب النابض للفرنكوفونية فإنها، في ممارستها السياسية، تبدو كمن يحاول الدفاع عن قدر من التعددية. لا داعي لبناء الأوهام في هذا المجال. ولكن لا بد من التسجيل أن باريس عندما تتصلب بعض الشيء، كما في مجلس الأمن هذه الأيام، فإنها تشجع أصواتاً على الارتفاع وترغم »انفراديي« الولايات المتحدة على إجراء حسابات تبدو لهم مهينة: استئذان الشرعية الدولية.
إن دول عدم الانحياز هي التي فرضت النقاش العراقي في نيويورك. والمزاج العام في القمة الفرنكوفونية معارض للجموح الأميركي. وفرنسا، في الموقعين، عنصر فعال. وهو يصبح أكثر فعالية إذا وجد صدى لتمايزه. ولقد أراد نصر الله، بحدود ما ومن يمثل، الإيحاء بأن الصمم عن »الاستثناء« الفرنسي خطأ. وتصرف في ذلك كمن يدرك أن الثنائية، في أسوأ الأحوال، هي شرط للتعددية وأنه ضروري التشبث بكل موقف مغاير من أجل توسيع ثغرة الخروج من الحصار.
حضور نصر الله إلى بيال كرر، بمعنى ما، صورة الوزاني. لا بل يمكن القول إن النجاح (المؤقت؟) في الوزاني لم يكن ممكناً لولا إدارة جيدة للعبة: الاحتماء بالقوانين الدولية، استنفار الوحدة الوطنية الداخلية، توزيع العمل بين الدولة والمقاومة، انتهاز الظرف السياسي. ففي هذه اللعبة يتداخل السياسي بموازين القوى العسكرية بالشروط الدولية والإقليمية، وهي أمور يصعب التقاطها على من يعجز عن فهم المغزى من الجلوس في الصف الأمامي يستمع إلى جاك شيراك يلقي كلمته. ولقد كان لافتاً أن الرئيس الفرنسي أسقط المطلب الصريح بإرسال الجيش اللبناني الى الحدود. وهو مطلب لو كان تحقق لما كانت قضية الوزاني عرفت المسلك الذي سلكته.
ثم إن حضور نصر الله موصول بتطورات تفاعلت منذ عدوان 96 وكان لفرنسا إسهام مباشر فيها. ففي ذلك الوقت كسر شيراك، عبر هيرفيه دو شاريت، الانفراد الأميركي. ونجح في الدفع نحو »لجنة التفاهم« التي حيّدت المدنيين وأمكن القول، آنذاك، إن العد العكسي للاحتلال بدأ. لم يكن متبقياً سوى أن تكون المقاومة فعالة، وقد كانت، خاصة أنها تمتعت، بعد فترة، بتواصل من نوع جديد مع السلطة الرسمية.
كان صعباً لمن شاهد نصر الله حيث كان أمس ألا يتنبّه إلى أن الأصولية متعددة.
فقبل أيام ارتأى البعض أن ضرب ناقلة نفط فرنسية في ميناء عدن هو عمل محبذ. ولم يدر في خلده ان الخطوة مجانية، وعدمية. ولم يهتم بانعدام الصلة بين العملية وبين أي ترتيب للأولويات سواء في فلسطين أو العراق. وقبل أيام، أيضاً، قال أحدهم إن المطلوب استهداف المصالح الألمانية علماً أن غيرهارد شرودر، حالياً، يتحمل الكثير جراء اعتراضه على السياسة الأميركية. وتنتمي هذه الآراء الى التبسيط المشكو منه عند الأميركيين. لا بل تفوقه بؤساً لأنها، ببساطة، لا تملك أدوات أفكارها ومشروعها ولا تفعل سوى زيادة العقبات في وجه الساعين، بما أمكنهم، إلى تعديل موازين القوى.
إن حضور نصر الله إشارة تبرؤ من حادثة عدن ومن تبريراتها. لا بل إنها رسالة تساجل ضد خلط الإرهاب بالمقاومة. فالحضور دليل قدرة على التمييز بين ما يستوجب رفع الصوت تهديداً، كما عشية تدشين الوزاني، وما يفرض مد اليد حواراً.
إن حضور نصر الله الجلسة الافتتاحية لقمة الفرنكوفونية هو عمل ديالكتيكي بامتياز. وليس مهماً إذا رفض اعتبار التوصيف مدحاً... علماً أن هذا هو القصد منه.
10/19/2002

قم واضرب المستحيل بقبضتك اليسرى
انت تستطيع ذلك
http://themanofpapers.wordpress.com

آخر تعديل رجل من ورق يوم 18/08/2008 في 19:53. السبب: ولا شي
  رد مع اقتباس
قديم 18/08/2008   #2
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


النصف الأول من الشهر الجاري



المراصد المعنية بمتابعة »الأنشطة الإرهابية« في العالم يُفترض ان تكون مُنهَكة. لقد كان النصف الأول من الشهر الحالي حافلا. وتشكل حصيلته مادة محيّرة بعض الشيء: هل الحملة التي تقودها الولايات المتحدة ناجحة، أم ان الخصم غيّر طبيعته وأثبت قدرة على التأقلم وربما يكون انتقل إلى هجوم مضاد؟
يصعب تقديم جردة حصرية بما جرى في الأسبوعين الأخيرين. لذا يمكن الاكتفاء بعيّنة ذات مغزى.
لقد جرت اعتقالات في لبنان وايطاليا والمانيا وماليزيا والفليبين والكويت والولايات المتحدة... والواضح فيها ان جنسيات المعتقلين أكثر تنوعا من »بلدان الاعتقال«، وان التهمة كانت، باستمرار، صلة ما، غامضة، مع تنظيم »القاعدة«.
وشهدت ألمانيا وهولندا وفرنسا والولايات المتحدة محاكمات حملت بعضها مفاجآت ليست أقل من ان هجمات 11 أيلول كان مخطَّطا لها ان تشمل البيت الأبيض.
وحصلت تفجيرات في السعودية وفنلندا. كما تعرّض جنود أميركيون للهجوم في الفليبين والكويت (مرتين). وأصيبت ناقلة نفط فرنسية في ميناء عدن، ووقعت كارثة التفجير في أندونيسيا، وهي مروعة بالمقاييس كلها، وتأتي بعد أنباء جرت محاولات لنفيها عن إحباط »شيء ما« ضد السفارة الأميركية.
وفي هذه الأثناء كان قياديو »القاعدة« يُكثرون من البث الاعلامي عبر البيانات والكاسيتات فيهددون، ويدعون الى العمل، ويتبنون ما حصل. وكثرت التسريبات عن ان الاتصالات بينهم لم تنقطع وان حرارة تدب في البريد الالكتروني تنذر بعواصف قادمة.
وحتى لا يعتقد أحد ان هؤلاء القادة يتحدثون في فراغ فإن الوضع في أفغانستان (وأيضا في كشمير) لم يكن هادئا. ففي الولاية المتنازَع عليها يكاد الخبر »العسكري« يكون يوميا. وفي الارض الأهلية للمعركة كانت الاشتباكات بين الفصائل توقع عشرات القتلى، وكان جنود التحالف الدولي يتعرضون لإطلاق نار، وكانت القواعد تصاب بالصواريخ، وكان الأميركيون يوالون الاعلانات عن اكتشاف مخابئ أسلحة وصواريخ.
وفي وقت يزيد الأميركيون انتشارهم العسكري في العالم فإنهم يقلّصون وجودهم المدني، ويحذّرون رعاياهم في العالم، ويرحّلون عائلات دبلوماسييهم، ويفرضون قيودا على القادمين الى عندهم، ويجازفون بتلقي معاملة بالمثل، ويحتارون: هل يُعقل ان نكون هدفا في الكويت؟
وفي هذه الأثناء، تعجز الأجهزة عن اكتشاف ولو خيط يوضح سر »الجمرة الخبيثة«، ويوالي »قناص واشنطن« ترويع العاصمة الفدرالية فيُردي مواطنا بكل طلقة ولا يترك اثرا عنه إلا هذا الاعلان المرَضي: »حضرة الشرطي، أنا الله«! والمثير في هاتين الظاهرتين انهما تؤشران الى منحى خطير يمكن ان يسلكه لا العُصابيون فقط بل كل من يبحث عن وسيلة جديدة تزيد الحرب غير المتوازية انعداما في التوازي.
إن العملية في بالي، بعد الانتخابات الأخيرة في باكستان، تشي باحتمال دخول كتل بشرية هائلة حلبة التجذر الراديكالي. ولكن هذا الدخول لن يلغي ظواهر مستجدة يجدر التوقف عندها:
1 يشهد »الإرهاب العالمي« عملية خصخصة متنامية. فبعد انتقاله من دول الى منظمات ها هو ينتقل من كارتيلات كبرى الى فروع لا حصر لها فيتفتت ويزداد هلامية ويهدد، كما في البلد الذي يقدس حرية الأسواق، أميركا، بالتحول الى »مبادرات فردية« لا تحصى.
2 تزداد إمكانية الاندماج بين قضايا محلية ووطنية وبين توجيه العداء الى من يضع نفسه في المواجهة ولو قاده الأمر
الى عزلة يعتبرها استئثارا بالموقع القيادي. إن استهداف الاوستراليين في بالي ذو صلة بما يجري في أندونيسيا من تفكك، وصراعات إتنية، واشتباكات طائفية. وليس صدفة، والحالة هذه، ان يكون الاوستراليون الأكثر حماسا في ما يخص المشاركة في حرب العراق بعد ان كانوا الأكثر حماسا في حماية استقلال تيمور.
3 إذا كان جورج بوش يعتبر الدول المتعثرة مصدر خطر فإن سياسته تدفع بدول تعاني مشاكل الى ان تصبح »متعثرة«. ويكفي للسلطة الأندونيسية ان تراقب باكستان حتى لا تعمل بالنصائح التي توجهها واشنطن اليها.
لا شك في ان هذا المشهد العالمي يعزز حجة القائلين بعدم الإقدام على حرب ضد العراق. فهذه الحرب ستزيد الاحقاد، وتنمّي الفوضى، وتهدد التركيز المطلوب على مكافحة الإرهاب. غير ان الإدارة الأميركية سترفض التعاطي الايجابي مع هذه الخطة.
لنفترض أن مؤرخا وأكاديميا مثل برنارد لويس هو الناصح الرئيسي لجورج بوش و»حزب الحرب« الأميركي. ماذا كان قال؟ سألته »لوموند« عما إذا كان اقترع لصالح الحرب لو كان عضوا في الكونغرس (حائز نوبل للسلام جيمي كارتر أجاب على السؤال بأنه كان صوّت ضد الحرب). أجاب لويس انه كان اقترع للحرب وبرر ذلك بخوفه من ان تفقد الأمم المتحدة دورها (!). سئل عما إذا كان يعتبر »الامتناع عن الحرب ضد صدام حسين خدمة لقضية أسامة بن لادن وأنصاره« فأجاب: »نعم، بالتأكيد. ان عدم فعل شيء يخدم القضايا المعادية للغرب«.
عندما سيفعلون شيئا، ويحصل بعده ما يحصل، لن يحاسب أحد لويس. فالفوضى الموعود بها العالم قد تجعل من النصف الأول من الشهر الجاري واحة سلام.

10/15/2002

آخر تعديل رجل من ورق يوم 18/08/2008 في 19:55.
  رد مع اقتباس
قديم 18/08/2008   #3
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


نصيحة مجانية



قرّرت الولايات المتحدة إنفاق ملايين الدولارات من أجل تشجيع الديموقراطية في العالم العربي. من لبنان إلى البحرين إلى المغرب سترعى الإدارة دورات تدريب لصحافيين وناشطين سياسيين ونقابيين، وستدعم مؤسسات لتحسين النقاش السياسي المفتوح.
وتوحي واشنطن أن التقدم العربي على هذه الطريق هو تقدم نحوها، باتجاه الصداقة معها، وتدجين العداء لها.
إذا كانت تصدق ذلك فعلاً فإن من واجب أي صديق لها أن ينصحها بألا تفعل ذلك. إذ كلما خطا العرب خطوة نحو الديموقراطية كلما ازدادت خصومتهم لها، و»الأخطر« من ذلك، كلما ازدادت قدرتهم على حسم هذه الخصومة لصالحهم. فما يسمى العداء العربي لأميركا ليس هواية. ولا علاقة له بجينات تكوينية. وهو بعيد، كما قيل للرأي العام الأميركي، عن أن يكون رفضاً لقيم الحداثة والحرية والتطور. إن ما يسمى »العداء العربي لأميركا« هو، في الجوهر، تعبير عن وجود قضايا عالقة معها، وعن اعتراضها طريق العرب الى الحداثة والحرية والتقدم. وهو، فوق ذلك، تعبير عن الاستياء مما نجحت في فرضه على شعوب المنطقة، بعد كسر حركتها التحررية، من أنظمة مغالية ومتطرفة في التجاوب مع الإملاءات الأجنبية. ولقد مهّد لذلك، ولا يزال، عملية جراحية مديدة، من دون مخدر أحياناً، أعادت تشكيل البنى العربية كلها لجعلها مطواعة.
إذا كانت الولايات المتحدة تصدق فعلاً ما تقول فواجب أصدقائها الإسراع إلى إفهامها أن المزاج الشعبي أكثر خصومة لها من السلوك الرسمي لا بل أنه يأخذ على هذا السلوك انسحابه من معركة الدفاع عن الحد الأدنى المطلوب من المصالح الوطنية والقومية. وإذا كان هذا المزاج الشعبي يعبّر عن نفسه بتشنجات بشعة أحياناً فذلك لأن النجاح حصل في ضرب المشاريع العقلانية ولأن البديل عنها كان أنظمة حكم تحطم الأعصاب من فرط خنوعها.
هل يملك أحد في الولايات المتحدة إحصاءً دقيقاً عن عدد السجناء السياسيين في البلاد العربية؟ إذا استثنينا قلّة، بينها سعد الدين إبراهيم، فإن أكثرية ساحقة من هؤلاء السجناء موجودة حيث هي لأنها أكثر جذرية في العداء لإسرائيل والولايات المتحدة مما تحتمل حكوماتهم. صحيح أن حفنة من العملاء في المعتقل ولكن القمع الفعلي مسلط، بشكل غير ديموقراطي إطلاقاً، على من يدين العلاقة الدونية بواشنطن. وهذا مؤشر له دلالاته. ويمكن، أيضاً، إجراء مسح دقيق لانتخابات النقابات المهنية. فالديموقراطية هنا، عندما تمارس، تأتي بنتائج لا ترضي الدعاة السذج إلى الارتباط التبعي.
المصالح. فهي ستقود الى تعريف آخر لمصطلح »مناسب« عند الحديث عن سعر النفط. وهي ستؤمن تعبئة أكبر للانخراط في الصراع الذي يخوضه الفلسطينيون بالأصالة عن نفسهم والنيابة عن الآخرين. وهي ستنتج وعياً حاداً برفض أي نزع للسلاح من طرف واحد.
لنصدق بعض الوقت أن الولايات المتحدة تصدق ما تقول. نستنتج من ذلك أنها واهمة وأنها واقعة في خطأ تسببه لها تجربتها التاريخية في مناطق أخرى من العالم. إن الديموقراطية تقود (قادت) شعوب أوروبا الغربية الى الصداقة مع أميركا. هزيمة النازية والحماية من حلف وارسو هما السبب. نعم إن شعوب أوروبا الشرقية رفعت لواء الديموقراطية قبل سقوط الجدار. فمن الطبيعي استعارة إيديولوجيا الخصم العالمي لروسيا الاشتراكية. ولكن، هنا، سرعان ما تبين ان التطلب الوطني مختبئ وراء الشعار الديموقراطي. نعم أمكن فرض الديموقراطية على ألمانيا بعد دخول برلين وعلى اليابان بعد القنبلتين النوويتين. غير
أن ذلك حصل بسهولة لأن الدولتين المهزومتين كانتا في موقع المعتدي.
لا شيء مما تقدم يماثل ما لدينا، نحن في موقع المعتدى عليه من إسرائيل وأميركا. ونعيش تشبعاً بأفكار قومية ويسارية وإسلامية وليبرالية يختبئ وراءها تطلب وطني يتعارض مع تعريف أميركا لمصالحها لدينا. ولذلك فإن تعميم الديموقراطية هو أقصر الطرق الى امتلاك أداة فعالة من أجل خوض مواجهة ناجحة مع الولايات المتحدة.
هل تغيب هذه الحقائق عن ذهن الأميركيين؟ هل تخفي »شجرة« سعد الدين إبراهيم (وغيره) الغابة؟ هل يمكن الفرز بين ما تريده أميركا فعلاً في فلسطين (كسر الممانعة الوطنية) وما تدعيه (الإصلاح والشفافية)، بين ما تريده فعلاً في العراق (السيطرة السياسية على البلد وإمساك المشرق العربي) وما تدعيه (الخلاص من الديكتاتورية)، بين ما تريده فعلاً في إيران (الاحتراب الداخلي) وبين ما تدعيه (الرهان على التحركات الشعبية)، الخ... نعم ان الفرز ممكن والميل واضح الى عدم تصديق الادعاءات.
لسنا، في الواقع، أمام خطأ ترتكبه الولايات المتحدة بحق نفسها وحلفائها عبر تشجيع الديموقراطية. فهذا الشعار يقصد منه شيء آخر. يقصد منه التسلل لتعميم ثقافة يطلق عليها »ثقافة السلام والتسامح والاعتدال«. إن هذه الثقافة قابلة للهزيمة في أي معركة ديموقراطية فعلاً في العالم العربي. تهزمها ثقافة تجعل العدالة مطلباً، والحرية مطلباً، والسيادة المنفتحة على العالم مطلباً. وتهزمها أيضاً ثقافة »السلام العادل« والذي لا يسعه أن يكون دائماً ما لم يكن عادلاً.
إن الديموقراطية مطلب عربي لا مصلحة لأميركا فيه وهي لن تسعى الى تحقيقه أصلاً. فكل ما تريده هو بناء أوضاع قائمة على استبطان لا يُحتمل لانكسار مثالي العدالة والمساواة، وهذا الاستبطان ينفي، جوهرياً، وجود مواطنين أحرار.
08/22/2002

آخر تعديل رجل من ورق يوم 18/08/2008 في 19:56.
  رد مع اقتباس
قديم 18/08/2008   #4
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


اقتراحات إلى شارلوت



كانت متقاعدة. إلا أنها كانت نجمة من نجوم ماديسون أفنيو التي تصنع، مع هوليود، المخيّلة الجماعية للعالم. جاؤوا بها إلى الإدارة. وليس إلى أي موقع كان. إلى وزارة الخارجية مباشرة لتصبح نائبة الوزير لشؤون »الدبلوماسية العامة«. يوحي سجلّها بنجاح بارز في الترويج لسلع عادية. غير أن جورج بوش وكولن باول يريدان من شارلوت بيرز (66 عاماً) أن تبيع ما لم تعتد، أو يعتد غيرها، على بيعه رسمياً: أميركا أو، بالأحرى، صورة أميركا.
فبعد 11 أيلول طرح سؤال في واشنطن: »لماذا يكرهوننا؟«. ووظيفة بيرز هي ألا يعود أحد يكره بلادها فهي تريد، كما تقول، أن تعلّم »مليار مسلم أنه ليس ضرورياً أن تقتلونا للفت انتباهنا«. وبما أنها متواضعة بعض الشيء فإنها تعتبر حسب مقاييس الشركات الكبرى أن »اكتساب حصة ثلاثين في المئة من السوق هو إنجاز كبير«.
عمل شارلوت هو تعليب الولايات المتحدة وتسويقها في العالمين العربي والإسلامي. »نريد أن نبيع سلعة« قال
باول. وهذه السلعة ماركة مسجلة: القيم الأميركية.
الوسائل التي ستستخدمها شارلوت متنوعة: كتب، أقراص مدمجة، مجلة شبابية، رحلات، تبادل بعثات مدرسية، استقصاءات رأي، دروس لغة إنكليزية، كليبات تلفزيونية، إعلانات صحافية...
وقبل الاستطراد يجدر القول إن الكليبات باتت موجودة في بيروت وإننا »معرّضون« لرؤيتها قريباً من أجل أن ننام متحفّظين على أميركا ونستفيق معجبين بها. ولقد صرّحت شارلوت في شهادة لها أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ (11 حزيران) بما حرفيته: »نستطيع العمل مع المحطات الفضائية البارزة مثل أم. بي. سي. وإل. بي. سي. والمستقبل والجزيرة. وهي محطات متجهة لبرمجة جديدة ووعدتنا بأنها مفتوحة لموادنا«. أضافت انها أجرت الاتصالات اللازمة في أميركا وستؤمن الأشرطة اللازمة. هل يبادر بيار الضاهر ونديم المنلا إلى نفي ذلك؟

يمكن التقدير، مسبقاً، أن مهمة شارلوت صعبة لأن المشكلة هي في مضمون الرسالة الأميركية إلى العرب وليس في شكلها. ولكن، ريثما تكتشف ذلك بنفسها، وبعد أن تكون أكملت دورتها في معاهد البحث وهيئات التشريع والتقرير، هذه اقتراحات لها قد تفيدها.
أولاً عليها أن تطالب بميزانية تفوق ال600 مليون دولار المرصودة لها. فهي تعلم أن إطلاق منتوج جديد يحتاج إلى نفقات أكبر بكثير من ذلك.
ثانياً يستحسن ألا تكتفي بأن تبيع »صورة أميركا« أي »نمط الحياة الأميركي«. فالجمهور يعرف، مسبقاً، أن ثمة مسلمين وعرباً يصعدون السلم الاجتماعي، وأن المجتمع التعددي هناك يتمتع بقدر من التسامح. عليها أن تركّز، أكثر، على ما تصدّره أميركا إلى العالم، وإلى منطقتنا تحديداً، عبر سياستها الخارجية.
لن تكون مقنعة، هنا، إذا رددت، كما فعلت أمام مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (15 5 2002) بأنه يفترض تجاهل الصراع مع إسرائيل مثلاً من »أجل أن نخلق مواضيع أخرى للتحاور«!
ثالثاً قد يكون جيداً لو أنها تذهب في التحدي إلى نهايته. فهي تتحدث عن 700 ألف زاروا أميركا في إطار برامج منظمة وتدعو إلى تفعيلهم. وواجبها أن تقول لنا من الذي قبل »التفعيل« وما هو دوره. ولا بأس من الذهاب في الشفافية حتى النهاية بالإعلان عن أسماء جميع المتعاونين في البرامج المتعددة التي تنوي إطلاقها من إذاعة
»سوا« إلى التلفزيون إلى الصحف المحلية وسواها.
رابعاً أحسنت شارلوت فعلاً باختيار الشباب، في حدود العشرين، هدفاً مركزياً لبيع السلعة. ولكنها إذا اعتقدت أن الإكثار من موسيقى البوب يكفي وحده تكون ترضى لهم ما لا ترضاه للأميركيين.
خامساً يجب أن تحسم أمرها. إذا أرادت تعليب السلعة بالخطاب الأميركي التقليدي عن الحريات وحقوق الإنسان فإنها مهددة بخسارة أصدقاء أميركا بين الحكام. وإذا اختارت التعليب بواسطة شرح الأهداف الأميركية الفعلية فإنها ستواجه مشكلة مع الأكثرية الساحقة. وربما اضطرت، والحال هذه، إلى إنهاء حياتها المهنية بفشل.
تعرف شارلوت بيرز جيداً أن الإعلان، كصناعة، يبرز عند انتهاء المنافسة بواسطة الجودة والسعر. فعندما تصبح مساحيق الغسيل، مثلاً، متقاربة في النوعية والثمن يكون للإعلان دور. وبهذا المعنى فإن السلعة »أميركا« لا حظ
لها لأنها رديئة أولاً، وغالية ثانياً. ولذا ربما كان الأفضل، من ناحية تسويقية، التركيز، لدى المستهلكين، على أن لا بديل عن هذا المنتوج. ويعني ذلك أن شارلوت تتوفق أكثر إذا نجحت في إفهامنا أن سلعتها هي الوحيدة المطروحة في السوق وذلك بغض النظر عن مدى فائدتها. عندها لا يعود علينا سوى التكيّف مع ذلك. أي، التصاغر قدر الإمكان من أجل أن نكون صالحين لتقبّل هذه الحالة الاحتكارية. ويقود ذلك، عملياً، إلى تقديس هذه السلعة وتغيير طبيعة المستهلكين بحيث يصبحون في خدمتها بدل أن يكون العكس هو الصحيح.
قد تنجح شارلوت في عملية الإغراء هذه. ولو أن المرأة القادمة إلينا من اختيارات مجلة »غلامور« ترتكب هفوات مضحكة. فلقد شرعت، ذات مرة، في حديث عن الإسلام مستخدمة فيه مصطلح »إيمان« بدلاً من »إمام«. ولما جرى استدراك ذلك تبيّن أنها استخدمت »إيمان« لأنها كلمة أليفة إليها ليس لمعناها الفعلي، معتقد، وإنما لأنها الإسم العلم لعارضة الأزياء الشهيرة!

08/30/2002
  رد مع اقتباس
قديم 18/08/2008   #5
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


التأزّم اللبناني في إطاره الإقليمي



لبنان مرشح إلى قدر من التأزم السياسي. نستطيع رؤية النذائر بسهولة. ليس هو التأزم الخاص بعلاقات الرؤساء. ولا ذلك المرتبط بالسياسات الاقتصادية والاجتماعية. ولا بقضايا التعيينات. هذه كلها ستتراجع ليتقدم ما له علاقة ب»انفتاح« البلد على التجاذبات الدولية والإقليمية في الشرق الأوسط.
تكمن، في خلفية هذا التأزم، قراءتان تبسيطيتان للعلاقة السورية الأميركية. فمن قائل إنها في حالة سيئة جدا ولذلك لا بد من رصّ الصفوف. ومن قائل إنها في حالة جيدة جداً ولذلك لا بأس من المضي في المطالبة بتوازن لبناني سوري لا يمكن تفسيرها بأنها استقواء بواشنطن على دمشق. ثمة تلاوين أخرى وقراءات أكثر تعقيدا ولكنها تندرج، بشكل عام، في هاتين المدرستين.
إن الرئيس الأميركي جورج بوش (شخصيا!) هو أفضل مساجل مع التصورين المشار اليهما. »إن إدارة علاقاتنا المعقدة مع سوريا«، يقول، »تتطلب استخداما دقيقا ومدروسا لجميع الخيارات المتوافرة لنا لخدمة المصالح الأميركية«. جاء هذا التوصيف للعلاقات بأنها »معقدة« في رسالة من بوش إلى أحد النواب الأميركيين، روبرت ويكسلر، العاملين على تمرير »قانون محاسبة سوريا«. يقول الرئيس الاميركي إن خلافات بلاده مع سوريا »جدية« وإنها »قد تكبّدها أي سوريا أكلافا حقيقية«. ويعبّر عن القلق من الصلات الاقتصادية المتنامية بين سوريا والعراق، ويعلن مواصلة »العمل على عدد من الخيارات لوقف هذا السلوك غير المقبول«. غير أنه يعترض على فرض مزيد من العقوبات، حسب ما يطالب مشروع القانون، لأن ذلك »سوف يقلص من خياراتنا ويقيّد قدرتنا على التعامل مع الوضع الصعب والخطير في المنطقة في هذه المرحلة الحرجة«.
لم ينجح بوش في تأجيل البحث بقانون محاسبة سوريا. ولكن لما انعقدت الجلسة، 12 ايلول، تغيّب عنها مندوب الادارة ديفيد ساترفيلد بداعي المرض. لم يلاحظ لبنانيون سوى ان الجلسة التأمت، وأن تصويتا حصل، وأن هجوما عنيفا شنّه دعاة المشروع على سوريا. لقد فاتهم أمران. الأول هو أن مهاجمي دمشق لم يكونوا شديدي الاهتمام ب»السيادة اللبنانية« وإنما بالأمن الإسرائيلي حصرا. ومن لا يصدق عليه مراجعة الخطابات. الثاني هو ان المداخلة الأهم، بالمطلق، هي تلك التي ألقيت باسم ساترفيلد، وهي أهم لأنها التعبير الأدق عن السياسة الأميركية الفعلية في الأمد المنظور.
لقد طوّر ساترفيلد ما جاء في رسالة رئيسه إلى ويكسلر. أعلن الموافقة الكاملة للادارة على الأهداف الموجودة في القانون. وقال إن بوش شديد الاهتمام بالتجارة السورية غير المشروعة مع العراق، وبانتشار أسلحة الدمار الشامل، وبدعم الإرهاب، وبلبنان خال من القوات السورية. وأوضح أن ثمة عقوبات مفروضة، الآن، على دمشق.
غير انه تساءل عما يخدم، في هذه اللحظة، المصالح الواسعة لاميركا في المنطقة وأمن الصديق الإسرائيلي. واعتبر ان افضل نهج هو ذلك الذي يدمج الحوافز مع غيرها خاصة »إذا نظرنا إلى خياراتنا حيال العراق«. ومرّ على التعاون في مطاردة »القاعدة« ليصل الى خلاصة تقول: »ليس هذا الوقت المناسب لمبادرات تشريعية قد تعقد أو تنسف جهودنا«.
ما يمكن استنتاجه من كلام الرئيس والموظف هو ان العلاقات بين البلدين من وجهة نظر واشنطن، مأزومة الى حد ما، ومعقدة بالتأكيد، ولكنها ضرورية في هذا الوقت، وقابلة للانتكاس في المستقبل. ويمكن، لمن يحسن القراءة، ان يستنتج ان الموضوع السوري، واللبناني استطرادا، لن يرفع الى رأس جدول الاولويات قبل حسم ما يسبقه في هذا المجال: العراق بشكل أساسي. ويمكن، وأيضا لمن يحسن القراءة، ان يستنتج من خطاب فاروق الشرع في الأمم المتحدة أن الميزان يميل نحو المواجهة. فهذا الخطاب قيل بعد خطاب بوش، وخاصة بعد أن تبينت آثار الخطاب الاميركي على مواقف دولية وعربية تحولت في حين بقي موقف دمشق على حاله.
يصح القول، والحالة هذه، ان التوتر سيتصاعد في علاقات الطرفين وأن لبنان يمكنه ان يكون عنوانا اساسيا من عناوين المرحلة ما بعد العراقية.
إذا كان ما تقدم صحيحا وهو، على الارجح صحيح، يصبح ممكنا فهم التشدد الذي تظهره السلطة اللبنانية تجاه معارضة تضع نفسها في موقع واضح الى جانب الأميركيين او في موقع ملتبس. أي ان الحكم اللبناني، يطبق، سياسيا نظرية بوش في »الضربة الاستباقية«. فهذا الحكم يلاحظ، عن حق الى حد بعيد، ان ثمة قوى لبنانية تراهن علنا على الخراب الاقليمي الذي ستقوده الولايات المتحدة (وإسرائيل في فلسطين) من أجل الاعلاء من شأن مشروعه (ميشال عون هو النموذج). وثمة قوى أخرى تضع نفسها في موقع من يقدر على الاستفادة لاحقا من هذا الخراب من دون ان تمضي بعيدا في التورط العلني الراهن لأنها ملدوغة سابقا. ويتقصّد بعض من في الحكم غضّ النظر عن التباينات في هذه الجبهة وإلقاء الشبهة على سلوكيات تحاول العقلنة وشق الطريق نحو »خط آخر« (نسيب لحود) وذلك تصفية لحسابات قد لا تكون موصولة بهموم المواجهات الكبرى.
واللافت في هذه »الضربة السياسية الاستباقية« انها تقوم على تقدير دقيق لموازين القوى الراهنة، وفي المقابل يعيش الذين يتلقون الضربة أوهاما تكاد تكون مضحكة. يعبر عن هذه الاوهام ان نائبا يهدد بالاستقالة في حين انه، في العمق، مهدد بالمثول أمام محكمة بتهمة الخيانة العظمى! والمنطق الضمني لهذه »الضربة الاستباقية« هو ان التحالف السوري اللبناني قد يكون ضعيفا في المرحلة ما بعد العراقية لذا فإنه يريد استخدام الوقت الضائع من أجل
ايصال خصومه إلى تلك اللحظة وهم اشد ضعفا.
لذا فإن الوسائل كلها تستخدم: من »أم.تي.في«، الى عدم التصريح عن ثروة، الى إعادة تركيب المشهد السياسي، الى تحريك استنابات، الى التلويح بقانون انتخاب كارثي...
ومن المقدّر لهذه الوجهة ان تستمر وتعنف فارضة على اللبنانيين جميعا ان يكونوا في واحد من المعسكرين وعلى آلطريقة التي باتت سائدة في »المانوية« المشتركة بين بوش وبن لادن: من ليس معنا فهو ضدنا.
أي »فسطاط« يختار من يدعو إلى صد الهجمة الأميركية وتداعياتها الاقليمية واللبنانية ولكنه يعتبر ان ثمة وسائل أخرى غير تلك المستخدمة؟ لا مجال لكثير من الترف في لحظة الحقيقة هذه. وإذا كان هناك من هو واثق من درجة الدمار التي ستحدثها السياسة الأميركية في المنطقة ولبنان فما عليه إلا ان يكون في صف الخيار الاقليمي الاجمالي للحكم. وهو يستطيع، من أجل حماية نفسه أخلاقيا وسياسيا، ان يبدي بعض الاشمئزاز من سياسات يقال له إنها تخدم أهدافا يوافق عليها.
  رد مع اقتباس
قديم 18/08/2008   #6
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


قرضاي« صفة ومنصب، لا اسم


»قرضاي« صفة لا اسم علم. مرتبة أيضاً أو منصب. يتهم فلان فلاناً أنه »قرضاي«. أو ينفي أحد هذه الوصمة عن نفسه. ولا يمنع أن يعبّر سياسي عن تمنياته لبلدة بأن يحكمه شخص سمته الأولى »قرضاي«.
ميزة هذه الصفة أن الاتفاق على معناها لم يتم. ويمكن القول، إجمالاً، إنها تحتمل تفسيرين.
قرضاي (1): إنها صفة شخص موال للأجانب. يرتضي ترقيته بواسطتهم ولو أنه معدوم القاعدة الاجتماعية. مدين لهم وممثل لمصالحهم وموصول بها. يكرر، بلهجة محلية، آراء أسياده الفعليين. يقبل وضع بلاده في الخدمة. يوافق على صيغة حكم هي الأكثر تناسباً مع القوى العالمية النافذة. حلت هذه الصفة محل »عميل« أو »خائن«.
قرضاي (2): إنها صفة لشخص يرفض الظلامية والديكتاتورية. يريد إنقاذ بلده من قبضة موتورين يفرضون نظاماً قمعياً. يهتم بفتح الوطن على الخارج. يسعى إلى استعارة مؤسسات حديثة من أجل تطوير المجتمع. يشيع ثقافة متنورة ومتسامحة. يدرك استحالة الانغلاق وضرورة الاندراج في مزاج اللحظة. لا يحمل ضغينة للأجنبي لأنه، بالنسبة إليه، صديق ومنقذ وشريك.
يبدو أصحاب التفسير الأول سائرين في الاتجاه الحالي للرياح. إنهم عصريون. حديثون. وهم أشد تصلباً في الدفاع عن رأيهم بقدر ما كانوا، في زمن مضى، على الضفة الأخرى. إنهم المستقبل. دعاة التفسير الثاني متهمون بأنهم لا يريدون الاعتراف بأنهم ينتمون إلى عالم ينقضي، يندثر. يردون على ذلك بأنهم قابضون على الجمر. ولكن يجب الاعتراف، بحسرة، بأن المطلوب أحياناً إزالة رماد كثيف قبل الوصول إلى الجمر.
واشنطن، هذه الأيام، هي مصنع تفريخ »القرضايات«. وهي فخورة بذلك وعدائية حيال كل من لا يشاركها التقويم الإيجابي لهذه السلعة. ولقد عاشت العاصمة الأميركية ازدحاماً عربياً من نوع خاص في الأيام الماضية. استقبلت وفداً من »السلطة« الفلسطينية ووفداً من المعارضة العراقية.
يحاذر الفلسطينيون، حتى الآن، فخ »قرضاي«. يعتبرونه تهمة. يطمح المعارضون العراقيون إلى »قرضاي«، الصفة والمنصب. يعتبرونه ترقية.
ومع أن الفلسطينيين يحاذرون الفخ فإن ذلك لا يمنع أن المشهد الخرافي حقيقة: مصير الثورة الفلسطينية
المعاصرة يُبحث مع المخابرات المركزية الأميركية. وما كان أقل منه يمكنه أن يكون أمراً جللاً وخطيراً، بات يبدو شبه عادي. لقد انكسر المحرّم.ومن دون تبرئة القيادة الفلسطينية يجب القول إن الوضع العربي الرسمي هو الذي بادر إلى الكسر. فالمناخ المسيطر عليه اليوم يمنع النظر إلى الولايات المتحدة كما تقدم نفسها: العدو والخصم. وهكذا فإن وزير خارجية عربي يعتبر »سخيفاً« كل كلام أميركي عن إشكال ما مع بلاده. ويرد بشرح مستفيض لحسن هذه العلاقات متصرفاً كمن يدفع عن نفسه شائنة. ويذهب رئيس وزراء إلى تعريف المؤامرة الإسرائيلية بأنها محاولة للإيقاع بين العرب والولايات المتحدة. وهكذا يصبح التقدير العلمي والموضوعي لواقع العلاقات العربية الأميركية، كما تريده واشنطن وتدفع إليه، يصبح هذا التقدير ضلوعاً في مؤامرة إسرائيلية!
إذا كان هذا هو »الإجماع« العربي الرسمي لا يعود غريباً أن تسود نظرية وضع البيض في سلة واحدة، أميركية، طالما أن 99 في المئة من الأوراق هناك. ومع ذلك يقف الوضع الفلسطيني عند حافة »قرضاي« ويمانع، حتى الآن، وأكثر من غيره، الوقوع فيه.
ليست هذه حالة المعارضة العراقية. فإذا ما وصف أحد أحمد الجلبي ب»قرضاي« رد المعني شاكراً ودغدغته آمال لا حدود لها. فالصفة محببة لديه والمنصب غاية طموحه. هذه هي »الجلبية«. إنها سعي دائم نحو »قرضاي«. غير أن المشكلة التي برزت في الزيارة الأخيرة هي انضمام »المجلس الأعلى للثورة الإسلامية« إلى هذا التيار. دخل، طبعاً، من زاوية بشاعة النظام التي تصل إلى حد أنها تُسقط محاذير تسليم المقادير إلى الولايات المتحدة. ليس الانضمام تفصيلاً من تنظيم مقيم في طهران.
أمام هذه اللوحة يبدو تحفظ »الحركة الدستورية الإسلامية« في الكويت مضحكاً. فهي تدعو، عملياً، إلى عدم مخالفة أميركا في ضرب العراق ولكنها تحذر من أن »ينجح العدو الإسرائيلي ومؤسسات نفوذه في الولايات المتحدة في هندسة العمل العسكري ضد النظام على نحو يحقق أهدافه الإقليمية«. أمام هذا الهذيان لا يمكن سوى
الترحم على ناجي العلي. فلقد كان الأقدر على كشف ما هو مضحك ومبك في هذا التحفظ الذي يستر عورة الانضواء الكبير بورقة العداء اللفظي للوكيل الصغير.
ولا يشذ الحاكم السوداني عن هذا السياق. فهو ماض في التأقلم مع إملاءات ما بعد 11 أيلول إلى حد ارتضاء المجازفة بوحدة بلاده. ومن يقل له »لقد أضعت الوطن« يلقَ جواباً: »كان هذا شرطاً لإنقاذ تطبيق الشريعة«. فإسلام الرجل لا يكتمل إلا بسودان ناقص. واللعب بالنسيج الاجتماعي جائز لتطبيق شريعة العسكر على من يتبقى من مواطنين. أما التناغم بين الحل والمطالب الأميركية المزمنة فمصادفة!
أمام هذه اللوحة لا يعود اللبنانيون الطامحون الى »قرضاي« شديدي الاستثنائية. يرتضون الصفة ولكن واشنطن تتأخر في منحهم المنصب. مشاكلهم مع نظامهم معروفة. تظاهروا أنهم مع حلول وطنية لها. غير أنهم باتوا يمعنون
في إشهار الرهان على حاجة أميركية إليهم في حال اتخذ القرار بالعلاج الجذري للمنطقة وهو علاج مفتوح، خلافاً لعقد التسعينيات، على تحمّل قدر لا بأس به من الفوضى.
لا خصوصية لبنانية لجهة الاستعداد. ولكن الأخطر من ذلك ان لا خصوصية لبنانية لجهة توظيف هذا الاستعداد ومآله.
لنعد إلى قرضاي الأصلي. إلى حميد. إن الحالة الأفغانية الحالية هي، في العمق، حالة فدرالية. السلطة في كابول راجحة ل»تحالف الشمال« وأمراء الحرب يمسكون البلاد. وحتى المركز نفسه فهو توليفة لا يمكنها أن تنتج استقراراً.
الحل المقترح في السودان حل يمثل التقسيم أفقه المحتمل. وكل حديث عن تغيير في العراق يشير إلى ان التعددية الفدرالية هي »الحل«. إنها رشوة الأميركيين لجماعات من أجل اجتذابها (إلا بقدر ما تمارس تركيا ضغطاً
في الحالة الكردية) وتعبير عن توازنات مجتمعية لا يعود يجمعها جامع بعد انكسار العمود الفقري. ويمكن الزعم، في لبنان، نتيجة لاعتبارات كثيرة، ان المشروع المسمى »قرضاي« هو مشروع تقسيمي يطل برأسه مجدداً بديلاً عن »وحدة« لم نحسن إنشاءها ودليلاً على انبعاث شياطين الماضي القريب لدى فئة لا ترفض إلا التدخل الخارجي الذي لم تختره هي. لن تُنتج هذه الفئة »قرضاي« لبنانياً. ستُنتج، في الحالة القصوى، أمراء حرب يطلقون، لحظة اقتتالهم الحتمي، الحشرجة الأخيرة وبعدها سيكون هناك، جدياً، غالب ومغلوب.
08/13/2002
  رد مع اقتباس
قديم 18/08/2008   #7
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


ليوت أنجل في أنطلياس



»إن السلطة الوطنية الفلسطينية هي طالبان الشرق الاوسط« (3/11/2001). »من الدلائل على دعم سوريا للارهاب احتلالها لبنان وبقاؤها في حالة حرب مع اسرائيل« (5/11/2001). »عرفات قائد ارهابي ومسؤول عن الهجمات الانتحارية« (24/1/2002). »نحن نقف موحّدين مع الاسرائيليين في الحرب على الارهاب« (في استقبال الوزير الاسرائيلي بنيامين ايلون وريث رحبعام زئيفي وأحد ابرز دعاة »الترانسفير«). »يجب ضم منظمة التحرير الفلسطينية الى لائحة المنظمات الارهابية« (24/1/2002). »لم تكتف سوريا برفض العروض الاسرائيلية السخية للسلام وانما ابقت سيطرتها على العملية السياسية في لبنان وسمحت لحزب الله بمهاجمة اهداف اسرائيلية من مناطق في لبنان«. »هل لاحظ أحد انه منذ ان بدأت اسرائيل عمليتها السور الواقي لسحق البنية التحتية للارهاب في الضفة الغربية لم تحصل عملية إرهابية واحدة في اسرائيل. انها عملية ناجحة جدا وأنا ادعم حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها« (8/4/2002). »لقد تعلمنا في الآونة الاخيرة ان اصدقاء اميركا الحقيقيين هي الديموقراطيات. والديموقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط هي اسرائيل« (25/4/2002). »قال الرئيس بوش إما معنا وإما مع الارهاب. وسوريا تُظهر المرة تلو المرة انها مع الارهابيين... والمندوب السوري في مجلس الأمن يتهم اسرائيل كذبا بذبح الفلسطينيين. سأراقب سوريا عن كثب في الشهر المقبل« (31/5/2002، بمناسبة تسلم سوريا رئاسة مجلس الأمن لشهر). »لقد اخطأ الرئيس بوش بدعوته الى اقامة دولة فلسطينية... هذه مكافأة للسلطة وياسر عرفات على استخدام الارهاب« (4/6/2002). »ان المسؤولين الاوروبيين يقارنون الضربات الاسرائيلية الاستباقية دفاعا عن المواطنين في وجه الفلسطينيين، بالاعمال الوحشية النازية... يجب بالاحرى محاربة النفوذ السوري البشع في الشرق الاوسط« (11/6/2002). »حان الوقت لنقول وداعا لياسر عرفات« (12/6/2002). »ان ادانة اميركا اسرائيل لقتلها زعيما ارهابيا من حماس عبثية... فالجيش الاسرائيلي اظهر باستمرار التزامه بحماية المدنيين. وصلاح شحادة هو المسؤول عن قتل الاطفال لانه اختبأ بينهم« (23/7/2002). »ان تقرير التنمية الانمائية عن الاوضاع العربية يؤكد ان لا حليف لنا سوى اسرائيل وليس الزعماء العرب الفاسدين والاوتوقراطيين«.
... ويمكن الاسترسال، غير ان ما سبق يعطي صورة واضحة بعض الشيء. فهذه العبارات مقتطفة كلها من تصريحات رجل واحد. إنه عضو مجلس النواب الأميركي عن ولاية نيويورك الديموقراطي إليوت أنجل. والرجل هو القوة الدافعة وراء مجموعة قرارات في الهيئات التشريعية الأميركية منها قانون محاسبة سوريا، وقانون تأكيد الحق الإسرائيلي في الدفاع عن النفس، وقانون قطع الاتصالات مع السلطة الوطنية، وقانون مصادرة أموال عربية لإعادة بناء برجي نيويورك...
إن مجرد ذكر اسم هذا الرجل ألهب القاعة تصفيقاً أول من أمس في انطلياس. لقد وجّه برقية الى المؤتمرين وعدهم فيها بأنه سيتابع استخدام مقعده في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي »من أجل استعادة السيادة اللبنانية والاستقلال السياسي وتمرير قانون محاسبة سوريا«. وإذا كان الجنرال ميشال عون بدا وكأنه أكثر المتجاوبين حماسة، فإن الخطباء الآخرين لم يخرجوا عن هذا الجو.
إن المغزى السياسي الوحيد لمهرجان 7 آب هو أن هناك تحالفاً سياسياً لبنانياً يوجه رسالة الى الولايات المتحدة يقول فيها إنه جاهز للخدمة إذا استدعت الظروف ذلك. وليست هذه حالة لبنانية فريدة. فثمة وفد عراقي في الولايات المتحدة اليوم يقول الشيء نفسه. وربما كان في وسع هذا الوفد أن يقدّم مبررات لفعلته هذه أكثر وزناً من تلك التي يقدمها المجتمعون في انطلياس. غير أن الفرق بين الحالتين هو أن »العراقيين« لا يخشون كشف أوراقهم، وأن واشنطن تتعامل معهم على هذا الأساس. أما »اللبنانيون« فلقد اقتربوا خطوة (بعد لوس انجلس) من احتلال هذه الوضعية من دون أن يمتلكوا الجرأة الكافية للإفصاح.
إن من يعامل إليوت أنجل كمرشد روحي، ومن يراهن على هذا التيار المتشدد في الولايات المتحدة، ومن لا يخشى وجود قنوات تحتية تربطه بالاستراتيجية الأميركية في المنطقة واستهدافاتها المتعددة بما في ذلك تأمين الغلبة الإسرائيلية، إن من يفعل ذلك كله لا يجوز له أن يتصرف كالأطفال ويستغرب ردود فعل عنيفة من آخرين يعتبرون ان العاصفة الهوجاء شديدة الخطورة وتستدعي المقاومة.
يُفترض بمؤتمر انطلياس ان يزيل التباسات لوس انجلس. ولقد بادرت حركة التجدد الديموقراطي الى شيء من هذا القبيل. ولكن يبقى الكثير مما يتوجب القيام به حتى تبقى الاختلافات اللبنانية ضمن دائرة إجماعات واسعة (ولو هشة) تعزل من يريد تأسيس نهجه على تجاذبات إقليمية يتراءى له أن المحور الأميركي الإسرائيلي سيخرج منها منتصراً.

08/09/2002
  رد مع اقتباس
قديم 18/08/2008   #8
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


معنى أن تكون ناصرياً اليوم



ليست هذه زيارة الى ثورة يوليو. فقط الى حقبة فيها. الحقبة الناصرية. لا نوستالجيا في الأمر. فعبور الزمن سيتم ذهابا من احداث راهنة الى تجربة سابقة، وإيابا منها الى محاولة استكشاف منطق في التعاطي مع مشكلات حالية. والقصد طرح السؤال التالي: هل يمكن للعربي ان يكون ناصريا اليوم؟
البداية، وهي ذريعة، ما حصل لهدى عبد الناصر في »الأهرام«. انه تحريف في عنوان مقال. لكنه تحريف يقول الكثير. ارادت ان تنقل عن والدها شرحه لقبول مبادرة وليام روجرز. فهو يسعى الى تجنب ظرفي لمواجهة مع الولايات المتحدة من أجل ان يتمكن من بناء سد الصواريخ في سياق حرب الاستنزاف. غير ان العنوان اوحى ان الرجل يعتزم الانسحاب الكامل من المواجهة. فبدل موقف »ناصري« معقّد بتنا أمام موقف »ساداتي« بسيط.
موقف جمال عبد الناصر، في هذه الحالة، مركّب. وهو نموذج عن نهج. فهو يسمح لنفسه بالتراجع التكتيكي في معركة. يحيّد خصوما. يكسب اصدقاء ويورطهم. يستخدم الوقت لتعديل موازين القوى. لا يضيّع هدفه النهائي. يحسن تقدير نفوذ القوى الخارجية ومعنى التفوق الاسرائيلي. يستفيد، قدر المستطاع، من تناقضات. يبحث عن تحالفات ثابتة وراسخة تقوم على تبادل المصالح. يظهر معرفة بالعالم كما هو فعلا وكما يحدد سياساته. يراهن على صدقيته الوطنية والقومية بما يوسع هامش المناورة لديه. يتراجع خطوة إعدادا للتقدم خطوتين. يفهم الصلات العميقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل ولا يمنعه ذلك من احراج الطرف الاقوى، عبر استعارة مظلته، من أجل اتقاء هجوم الطرف المحلي او تكبيل يديه. يطوّق بالسياسة ارجحية الخصم العسكرية في انتظار استعادة القدرة الدفاعية في طور ارقى من المواجهة. يميّز بين لحظة هجوم ولحظة دفاع لجهة الشعارات واساليب العمل الخاصة بكل منهما.
من وقف، آنذاك، ضد هذا السلوك. فعل ذلك حشد من فرسان الجملة الثورية. من المزايدين. من الذين اعتبروا هزيمة 67 ازاحة لآخر عقبة من درب الثورة الحقيقية. من الذين خلطوا بين خدش اسرائيل عند القشرة وبين الاعداد لمواجهة جدية معها. من الذين اشتروا راحة الضمير بدولارات يدفعونها لمن يبدو تجاوزا لعبد الناصر عن يساره. من المأخوذين بثورات الطلاب في العالم. من »الخواجات« اليسراويين. من القطريين في فلسطين وغيرها. من اصحاب نظرية التوريط الصبيانية. كان هؤلاء كلهم قلة. لكنهم اعتبروا قبول المبادرة خيانة وعملوا، من حيث يدرون او لا يدرون، في خدمة عرب آخرين وقفوا ضد المبادرة شكلا ومع صاحبها ودولته وإدارته فعلا ومضمونا.
لقد كانت تلك المرحلة مهمة (حوادث أيلول 1970 بعدها، وموت عبد الناصر). ومنذ ذلك الوقت لم نعد نشهد في الحياة السياسية العربية خطا يجمع بين الواقعية الباردة في الحساب وبين التمسك بأهداف بعيدة مع تسخير الوقت والجهد لاحداث التعديلات التي تقيم وصلا بين الوضع الملموس والقصد المنشود.
بتنا أمام واقعية مبتذلة تفهم التغيير انتقالا أي تراجعا من تأقلم الى آخر. وامام نزعة تمردية اخلاقية تخلط بين »ان الحق معنا« وبين توفير امكانات وطنية وقومية ودولية لانتزاعه. وأمام سياسات »قنفذية« تتمسك بالمطالب ولا تنتهج سياسة تراكم الانجازات لكسر التقوقع والاقتراب من الاهداف.
انتهت بموت ناصر هذه المحاولة الفريدة في تاريخ العرب الحديث للمشي على حد الشفرة (مع خطر السقوط دائما)، للمشي باستقامة على حبل حاملا ما يساعده على التوازن: معرفة بالواقع من جهة وحرص على تغييره من جهة ثانية. لم نعد نعيش في ظل سياسات تعرف امكاناتها في بلدها وامتها وعالمها وتطرح الشعارات الملائمة ليس لتأبيد الأمر الواقع وإنما لتحريكه، ولو جزئيا، نحو تأمين مصالح محددة.

صدر، قبل أيام، تقرير التنمية الانسانية العربية. كل صفحة صفعة. نحن أمة في القاع تنمويا وديموقراطيا واندماجا وثقافة وإنتاجا. انه عرض حال مزر. يكاد يكون بيان إفلاس.
سال حبر كثير في عرض التقرير والتعليق عليه. ولأن 23 يوليو كان يقترب ذهب البعض الى اكتشاف العلة في الناصرية. ان جمال عبد الناصر هو الذي سقى جذور هذا التخلف المريع. تناسى اصحاب هذا الرأي ان الناصرية دامت، عمليا، 15 سنة فقط (1955 1970) وأننا نعيش منذ 32 سنة مرحلة لاحقة عليها تحمل، في جوانب كثيرة منها، سمات الارتداد عليها. لقد حصل انعطاف مذهل بعد 1970. وما نحن عليه، اليوم، تعود مسؤوليته الى الفئات التي تولت السلطة بعد ذلك. او، بالاحرى، تعود اليها وإلى مثيلاتها ممن كانت حاكمة قبل 1970 في بلدان عديدة بأكثر مما الى عهد الثورة. خاصة ان هذه الفئات، مهما بدت مختلفة مع بعضها اليوم، كانت على خلاف، من مواقع متباينة، مع عبد الناصر.
ان حكامنا اليوم هم ممثلو الشقاق ما بعد 1970 بين الواقعية المبتذلة والهوبرة الجذرية. وإذا وضعنا جانبا فشلهم المتمادي في حل المسألة الوطنية والقومية فاننا نبقى، بشهادة تقرير التنمية، أمام فشل مذهل في الجواب عن سؤال التنمية.
كانت التنمية هما ناصريا بامتياز. وكانت كذلك الى حد ان قوميين مشارقة اعتبروا ذلك مذمة. دعا عبد الناصر (ومارس) الى السيطرة على ثروات البلاد، وإدارتها من دون انغلاق، وتوسيع رقعة المستفيدين منها. وسعى الى بناء قاعدة صناعية، والاهتمام بالريف، والاصرار على اعلى قدر ممكن من التكامل العربي. وفتح باب التعليم أمام أبناء الفقراء. ان هذه بعض من معالم تلك المرحلة. لم تكن موفقة يقول بعض النقاد. صحيح لم تكن موفقة تماما. ولكنها، في المعايير التي كانت سائدة في ذلك الوقت، عربيا وعالمثالثيا، كانت أفضل من غيرها ضمن الشروط المتاحة لها. ولقد شكل ضغط القضية الوطنية، بفعل وجود اسرائيل وتوسعها ولعبها دورها
في قفل طريق الاستقلال، شكل هذا الضغط عنصرا معرقلا لأن المصالح الغربية المتضررة، ومعها ركائز عربية نافذة وداعمة لها، وجدت رأس الحربة النموذجي... والناجح.
ان السياسات التي اتبعت (في عهد عبد الناصر وبعده) تؤكد اننا كنا امام مشروع قاصر للتنمية فبتنا امام مشروع ناجح للتبعية. فمن طفرات الريع النفطي، الى تسخير القطاع العام لمصالح ما دون وطنية، الى إعادة الهيكلة، الى الانفتاح، الى حفز المزاج الاستهلاكي، الى اعدام قيمة العمل والانتاج، الى الارتكاز على سلع تصدير أحادية، الى رفض أي نهج تكاملي، الى... إن ذلك كله هو الذي دفع باتجاه ان تكون حالتنا على ما يصفها التقرير. لقد انتهى التحدي الناصري للآخرين عبر نموذج اقتصادي، اجتماعي مغاير ومع ذلك فإن الفوارق بيننا وبين العالم المتقدم تزداد. ومن دون الادعاء بأن النموذج قابل للاستعادة، في عالم اليوم، فإن فيه توجهات عامة تبقى أكثر قدرة على اعانة العرب في مواجهة عصر العولمة وبناء القدرة الذاتية للخوض في هذا الغمار.
أجرى ثلاثة وزراء خارجية عرب محادثات في واشنطن تناولت الموضوع الفلسطيني في لحظة تأزم خطيرة.
الشكل شكل تضامن عربي. الواقع غير ذلك. غاب السوريون. غاب اللبنانيون برغم ترؤس العمل المشترك حتى القمة المقبلة. وغابت، الى حد بعيد، المبادرة الاجماعية التي اقرت في بيروت. ومن يدقق النظر يكتشف تباينات بين اعضاء الوفد انفسهم. يمكن، لمن يحب المقارنات السريعة، ان يرى في الجهد العربي للتأقلم مع رؤية جورج بوش شيئاً يشبه قبول عبد الناصز مبادرة روجرز. ان في ذلك قدراً من التسرع. فهذا التأقلم لا يريد كسب الوقت لتعديل أي شيء، وهو يأتي، اصلا، في استطراد مبادرة غير مرفقة ببدائل. ان التأقلم هدفه ايجاد امتداد عربي يمارس وصاية »قومية« على قضية فلسطين من دون اي ادعاء بامتلاك تصور ارقى يقود الى بذل جهد اكبر من اجل حل اكثر عدلاً.
لم يكن جمال عبد الناصر فلسطينياً. كان عربياً. او، اصبح عربياً. ولا حاجة، اصلا، لزعيم مصر لان يكون عربياً كما قد تكون حاجة زعيم مشرقي. وعلى الارجح ان الناصرية، كتجربة، تهزأ من الفكرة القائلة ان قضية فلسطين هي قضية العرب المركزية. وهذه الفكرة، بالمناسبة، تستحق الهزء. ان قضية العرب المركزية هي سيرهم نحو مشروع جامع بينهم يؤمن لهم مصالحهم في هذا العالم بأفضل طريقة ممكنة، واسرائيل، بالاصالة عن نفسها والنيابة عن غيرها، هي واحدة من اهم العقبات امام هذا المشروع. لقد وُجدت من اجل ذلك. ومن هنا فإن العرب، في سعيهم الى تحقيق قضيتهم المركزية، مضطرون للتعاطي مع المسألة الاسرائيلية. ويحق للفلسطينيين اعتبار هذه المسألة قضيتهم الوجودية لا المركزية فحسب بحكم الطابع الاستيطاني للصهيونية.
تمثل الناصرية، بهذا المعنى، ارقى حالة عربية (واسلامية طبعاً) في التعاطي مع الموضوع. لقد اكتشفت، بالتجربة، عشية وأثناء وغداة العدوان الثلاثي، معنى اسرائيل المستمد من الاعتراض الاستعماري على نهضة العرب. وحاولت تقديم جواب مركب بقضي بالاستمرار في إيقاظ مصر والعرب وفي خوض اشكال من الحرب الباردة (او الساخنة بمقدار) مع اسرائيل. وتحكم بالصراع مفهوم يقول انه مدعاة الى الترقي العام من اجل الوصول الى حالة تسمح برد التحدي. يصب الصراع، اذاً، في مجرى اوسع منه: انه يستفز التقدم ويوجد مناعة داخلية، بالمعنى الممتد من الاقتصاد الى الثقافة، تحرم اسرائيل من لعب دورها التعطيلي.
يستند هذا الوعي الناصري (المصري؟) الى تقدير لجدلية العلاقة بين القطري والقومي. فضغط القطري يفرض اجوبة خاصة به كمستوى مستقل. وتطلب القومي يشترط وعياً بالمصالح المشتركة المستقبلية وبالتدرج الطوعي نحوها. وهكذا ما لم تنشأ مصلحة قطرية في التحرر والتقدم، وما لم يتم اكتشاف الصدام بين ذلك وبين وظيفة الكيان الاستعماري وادوات الهيمنة الغربية الاخرى، فلا مجال لاقناع شعوب بأكملها وزجها في معارك الدفاع عن طموحاتها.
ان تفسيراً محتملا للناصرية يقول انها تشرط وجود »القومي الجيد« في »القطري الجيد«. لذلك تردد عبد الناصر امام الدعوة السورية الى الاندماج الفوري. ولذلك لم يحبط الانفصال وكان في وسعه ذلك (ليته فعل؟). ولذلك رعى صيغة ما للقطرية الفلسطينية. ولذلك عقد صفقة مع فؤاد شهاب. الناصرية تقود الى، في آن معا، الى تشذيب للقطري وتهذيب للقومي من اجل ضمان مسار مديد يبدأ بتحصين الوحدات الوطنية الداخلية ليصل الى عدم التنابذ بين الدول ثم يتدرج نحو التكامل لتكون الوحدة في الافق البعيد.
والمأساة »القطرية« الفلسطينية واجبة العلاج عبر تطويق اسرائيل وإضعافها وحصارها بالتقدم العربي لانه متى تم الارتضاء بالتعايش مع هذه المأساة باتت المطالبة صعبة بحقوق اخرى تبدأ بحقوق العمال وتمر بحقوق الاقليات ولا تنتهي بحقوق النساء.
ان رغبة في الاستفزاز تدفع الى القول بأن عبد الناصر لامس، ذات مرة، فكرة القبول بالكيانية الاسرائيلية نفسها في عملية مقايضة تاريخية كبرى يحصل فيها العرب، والفلسطينيون ضمنهم، على انجاز حقيقي في ما يخص قضيتهم المركزية. ولكنه، هنا ايضاً، اكتشف استحالة ذلك لانه يعني نسفاً للعلة الجوهرية للكيان الصهيوني وهي علة غبر ذات صلة بتجميع اليهود المضطهدين في العالم.
ان ما يحصل عربياً اليوم هو محطة في التسليم بانتصار المشروع الصهيوني: يأخذ الاسرائيليون ما يريدون وتأخذ القوى الاجنبية الباقي وتستمر في تأقلم انحداري لا قعر له.
***
يمكن الاستطراد في هذه الزيارة، انطلاقاً من وقائع راهنة، الى الناصرية. ويمكن، من دون خجل، التطرق الى مسألة الديموقراطية تقييماً ونقداً للرجل الذي حرك كتلة الملايين الهامدة، غير ان الدليل السياحي منحاز لصالح ترجيح الايجابيات الماضية في ضوء الواقع الحالي.

... ومع ذلك هزم جمال عبد الناصر. لقد حورب لايجابياته وهزم للنواقص الفادحة في نظامه، فهل نرمي الولد مع ماء الغسيل الوسخ؟
أن تكون ناصرياً، اليوم، يعني ان تتمثل نقدياً هذه التجربة لتؤسس على دروسها وتتجاوزها. ليست هذه حالة الناصريين ولا حالة الآخرين على تنوعهم. فالثورة المضادة التي اندلعت عام 1970 تأخذ في طريقها كل شيء بما في ذلك الوعي. وهي ما زالت عاتية وتخبئ لنا ما تعتبره سداداً من جانبنا عن فترة حاولنا فيها حضوراً عاقلا وكريماً.

07/23/2002
  رد مع اقتباس
قديم 18/08/2008   #9
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


الخلوي« يستحق خلافاً




يمكن، بسهولة، الوقوع في فخ »شعبوية« تريد التشهير بالطبقة السياسية اللبنانية في ضوء ما يجري في فلسطين. يقال، في هذه الحال، ان حكام لبنان يخوضون في صراعات »خلوية« بينما اسرائيل تهدد استقرار المنطقة، وبينما تستعد الولايات المتحدة لاعادة رسم التوازنات فيها عبر ضرب العراق. وفي حين يبدو المصير الوطني اللبناني مرتبطاً بقوة بما يجري في فلسطين وسيجري في العراق، يتلهّى المسؤولون في بيروت، حسب وجهة النظر هذه، بهوامش لا قيمة لها.
يُستحسن عدم الوقوع في هذا الفخ. فموضوع الخلوي، في لبنان، واليوم، موضوع شديد الاهمية.
له علاقة، اولاً، بفكرة ما عن ممارسة السلطة. فنحن أمام حالة نموذجية من حالات نزاع المصالح. في مثلها يستقيل القاضي أو تُعتبر العدالة مطعونة فيها. لا يعقل، في بلد يحترم نفسه، تقبُّل نزاع مصالح من هذا النوع، فكيف بالقفز اليه قفزاً. وحتى لو اعتبرنا ان المسؤولين لدينا ملائكة من نوع خاص، وحتى لو اعتبرنا انهم يكنّون احتقاراً استثنائياً لحصصهم في كل ما له علاقة بالدولة، وحتى لو استنتجنا من تجربة ماضية معهم انهم فوق كل الشبهات، فإن ما جرى ويجري استفزاز لألف باء المسؤولية في إدارة الشأن العام. ليس في الأمر تهمة لأحد، لا لمن هو موجود في القطاع ولا لمن يسعى، كما يقال، الى التواجد فيه. وليس في الأمر تشهيراً. الموضوع، ببساطة، هو انه ممنوع بالمطلق الوصول الى وضع من هذا النوع. ومن يرتضِ هذا الوضع فليس جديرا بأن يتحكم بمصائر مواطنين يُفترض، من حيث المبدأ، انهم يدفعون راتبه.
ثم إن لموضوع الخلوي علاقة بممارسة الرقابة. فلقد ابدى وزير سابق اسفه لان القضية انتقلت الى وسائل الاعلام. وإذا كان من اسف فهو على هذا الاسف أولا. ثانياً، كان يجب على الوزير المشار اليه ان يوجه انتقادات عنيفة الى وسائل الاعلام جميعاً التي لا زالت تمارس قدراً من الرقابة الذاتية يجعلها تعفّ عن نشر كل ما تعرفه. هذا في ما يخص الاعلام. ولكن الرقابة تتجاوز ذلك الى هيئات المجتمع كلها. فليس هناك من يمارس ضغطاً من اجل شفافية اكبر، وقلائل هم من يحاسبون شركات الخلوي على اسعارها وخدماتها وتقديماتها للخزينة، ولا تبدو الحشرية كبيرة في متابعة الاتصالات مع رساميل اجنبية قد تكون متحمسة للمشاركة، ولا يوجد تطلُّب كبير لنشر تقارير وضعتها هيئات تتناول تقديم التعويضات وعناصر دفتر الشروط.
ثم ان للموضوع علاقة مهمة جداً بالعجوزات التي تعاني منها المالية العامة والسبل المعتمدة من اجل معالجتها. يقال لنا ان الاموال الناجمة عن نقل ملكية الشركتين، أو نقل ادارتهما، او استخدام العائدات في حساب خاص، ان كل ذلك محكوم بهمّ واحد هو إطفاء جزء من الدين من اجل خفض الفوائد فالعجز في الميزانية، علّ ذلك يؤدي الى تراجع الفوائد وتشجيع العملية الاقتصادية. ان الازمة التي نعيشها جعلت البعض يوافق على شر لا بد منه هو كناية عن بيع موجودات عامة لاستخدام الموارد في معالجة المديونية لا في اطلاق عجلة التنمية. ولذلك، فإن ما تجبيه الدولة، وما قد تحصل عليه، والتأكد مما اذا كان المردود عادلا، ان هذا كله في غاية الاهمية ويستحق ان يختلف المسؤولون في شأنه، كما يستحق اللبنانيون ان يعرفوا الاكثر عنه وان يحظوا بنقاش على مستوى الأزمة التي يعيشونها والتي تكاد تطحنهم.
ليس في امكان موظف في القطاع العام، حتى لو كان كسولا، ان يعيش يومياً في موقع المتهم بانه سبب الكوارث المالية كلها، وانه رمز الفساد كله، وان راتبه مصدر العجز، وان مصيره هو التعاقد بدل طمأنينة العمل. ليس في امكانه ذلك وهو يتابع هذا التراشق الذي تساوي كل عبارة فيه ملايين الدولارات.
واخيراً، ان للموضوع علاقة بقضية الخصخصة كلها. ان هذه التعويذة المكتشَفة في العقدين الاخيرين في العالم، وفي لبنان قبل سنوات، استثارت أدباً كثيراً. هناك من حوّلها الى ايديولوجيا جديدة. وهناك من يعارضها من موقع ايديولوجي. ويجب الاعتراف بأنه، في لبنان، ثمة مجال للحديث عن مزاج عام لا يعارضها او بات ميالا الى عدم معارضتها. ان السبب المباشر في ذلك ليس طلب المؤسسات الخارجية ولا الحاح صندوق النقد. ان السبب هو تشكيك المواطنين في القطاع العام، وفي كفاءته، وتحوله الى مزرعة يتقاسمها النافذون.
إلا ان ما يجري في لبنان وما جرى في بلدان كثيرة تعرّضت لهذه الظاهرة هو اجتياح لقطاع خاص فاسد للملكية العامة وذلك عبر الصلة بمواقع في السلطة فاسدة هي الاخرى. لا نكون والحالة هذه امام خصخصة يمكنها ان تحل مشكلة. نكون امام مشكلة جديدة تعرّي الدولة وتضعفها. ويمكن ان نضيف، في ظل الخصوصية اللبنانية، ان إضعاف الدولة ضرب لحيز عام لا تستفيد منه الا القوى النافذة التي تهدد الاقتصاد طبعاً وتهدد، فوق ذلك واهم منه، النسيج الوطني كله.
يقال ان وساطات تجري لطي الخلافات في حين ان المطلوب ضغوطات من اجل بلورة هذه الخلافات في سياقات واضحة ومفهومة تطالب المواطنين بالانحياز الى واحد منها، وتستقوي بالرأي العام، وتوضح له ان التباينات ليست مجرد عدم تناغم في الامزجة.

10/05/2002
  رد مع اقتباس
قديم 18/08/2008   #10
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


جارحة... لكنها حقائق



كان يقال، عن حق، ان الشعب الفلسطيني، وحده، لا يستطيع تحرير فلسطين. ويعني ذلك ان ما قد ينطبق على حركات وطنية عديدة لا ينطبق عليه. والسبب في ذلك هو الطبيعة الاستيطانية للمشروع الصهيوني.
كان يقال أيضاً، عن حق، ان التصدي لاسرائيل مهمة عربية عامة. ليس من باب التضامن مع شعب شقيق بل من باب تأكيد المصلحة المشتركة التي يوحدها، عملياً، ارتباط المشروع الصهيوني بالاستهدافات الاجنبية العامة في المنطقة.
ومن باب أولى يجدر ان يقال اليوم ان »شعب الضفة الغربية« لا يستطيع تحريرها. ان توفير أفضل الشروط الذاتية يُبقي هذا الهدف بعيد المنال ومستحيلا. فلو كانت القيادة اكثر حكمة وجذرية، والتنظيمات اكثر وحدة ونضالية، وادارة الحكم الذاتي اكثر شفافية وديموقراطية، لو توفرت هذه العوامل كلها، واكثر، لما كان ثمة مجال لحسم الثنائية مع الاحتلال لصالح التحرير والاستقلال.
هذه حقيقة جارحة. لكنها حقيقة. وما شهدته الارض الفلسطينية المحتلة في العقد الاخير هو، في العمق، نكسة لخيارين استراتيجيين ينطلقان من الثقة بقدرة الفلسطينيين وحدهم. يقول الخيار الأول ان الالتصاق باسرائيل، وطمأنتها، وكسب ود الولايات المتحدة، والاستعداد للدوران في هذا الفلك الشرق اوسطي المرعي اميركياً، ان ذلك كله سيقنع اسرائيل باحقاق بعض الحقوق الوطنية الفلسطينية وذلك بغض النظر عن الصلة بالمسارات العربية الاخرى وبالوضع العربي العام.
ويقول الخيار الثاني ان الدخول في مواجهة عسكرية شاملة مع اسرائيل سيقود الى استنزافها، واضعافها، وارغامها على الجلاء، من دون قيد او شرط تقريباً، من الضفة والقطاع. ويؤدي ذلك الى قيام دولة فلسطينية تُبقي المعركة مفتوحة. ويجادل دعاة هذا الخيار بأن الدور العربي يمكنه ان يكون داعماً من بعيد لان القدرات الفلسطينية، خاصة في صيغتها الاستشهادية، تكتفي بذاتها. وقد جاء نموذج الانسحاب الاسرائيلي من لبنان ليزكي هذا الوهم.
لقد بدا لوهلة ان الوضع الفلسطيني انشق الى تيارين احدهما دون مستوى الممانعة العربية الضعيفة، وثانيهما فوق مستوى هذه الممانعة. ولقد انعكس ذلك تعايشاً بين خطين فلسطينيين يختلفان حول الكثير ولكنهما يلتقيان عند حدود الرهان على القدرة الذاتية الوطنية سواء كانت سلمية أم حربية.
لقد آن الأوان لمراجعة نقدية لهذا الرهان.
ان صعوبة المراجعة كامنة في ان التدهور في الوضع العربي وصل الى حد مقلق. لم تعد انظمة حاكمة تجد مصلحة نظرية ووطنية لها في منع الهزيمة الفلسطينية امام ارييل شارون وجيشه. فتعريف هذه المصلحة بات جغرافياً بالمعنى الحصري للكلمة لا يستطيع ان يستشرف الآثار الدراماتيكية لبزوغ قوة اقليمية عظمى في هذه المنطقة الحساسة والواقعة على تماس مع العرب الافارقة، وعرب الخليج، وعرب المشرق.
تعيد الانظمة العربية صياغة مفهومها لأمنها الوطني باتجاه اكثر تواضعاً اي اكثر اعترافاً بالهزيمة. وهي، إذ تضطر لمراعاة فورات شعبية، فانها تدرك ان في الامكان تطويق الاحتجاج ومنعه من ان يجد حبل الصرة الذي يشده الى قضية فلسطين.
ان مراجعة فلسطينية »واقعية« لاساليب العمل واستراتيجياته في ظل هذا الوضع العربي، ستقود، للوهلة الاولى، الى التسليم بالارجحية الاسرائيلية. ان هذه الواقعية خادعة لاسباب عديدة اهمها ان اسرائيل لا تملك صيغة واقعية لممارسة هذه الارجحية. لقد فاض بها جموحها فوضعت لنفسها اهدافاً يكفي منعها من تحقيقها حتى يكون ذلك مساوياً لالحاق هزيمة بها. إلا ان هذا الانجاز يقتضي توافقاً فلسطينياً داخلياً على وقف التأرجح بين التصدي المسلح المفتوح الآفاق والتراجع بسرعة نحو الانضباط تحت سقف املاءات صعبة. عدا عن ضرورة الخلاص من ممارسة الأمرين في الوقت نفسه وبشكل يهدد بجعل الاقتتال الاهلي شبحاً دائم الحضور. يجب الكف عن سياسة الانتحار الجماعي عبر تنازلات لا قعر لها والكف عن السياسة المراهنة على تحويل الانتفاضة الى عملية استشهادية جماعية.
وعلى قاعدة هذا التوافق يمكن تجديد نسج العلاقات العربية، الرسمية والشعبية، وعلى اساس ان المواجهة مديدة وانه من غير الجائز الزج بالقوى الحية كلها في مواجهات ذات توقيت سياسي خاطئ بل مدهش في تجاهله للخطأ.
اذا حصل ذلك فانه لن يعني انتزاع انتصار سهل. يمكنه ان يعني فقط عدم ارتهان المستقبل وتدمير الاحتمالات التي يحتويها من اجل اشباع نرجسية وطنية وتنظيمية تكاد تصبح خطراً داهماً.
هذه الحقائق جارحة. ولقد كان الأجدى مواجهتها بعد العدوان الاسرائيلي الاخير بدل تسريع الاحداث بطريقة تزيد التفارق ضمن الصف الفلسطيني، وتقفز فوق حقائق الوضع العربي، وتوفر لشارون توسيعاً، ولو مؤقتاً، لهامش المبادرة.

09/05/2002
  رد مع اقتباس
قديم 18/08/2008   #11
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


في قلب الإعصار



تواجه المنطقة العربية حالة غير مسبوقة، لم تعرفها في الماضي القريب. فالعقيدة المنسوبة الى رئيس الدولة العظمى جورج بوش تضع هذه المنطقة والعالم الاسلامي المحيط بها في قلب الاعصار.
لم تعتد سياساتنا على هذا المستجد. وفي حين يتحكم بالقرار الأميركي أشخاص اختبروا »الحرب الباردة« جيداً، وأداروها، وانتصروا فيها، تسيطر على التجربة السياسية لحكامنا الدروس المستقاة من تجربة كنا فيها على أطراف هذه الحرب ولو اننا كنا على أطرافها المهمة.
منذ 11 أيلول حدد بوش فلسفة سياسته الخارجية »إما معنا أو ضدنا«، ثم أضاف الى ذلك تشخيصاً ل»محور الشر«، ثم بدا واضحاً أن التركيز سيتم على »الشر« في هذه المنطقة. وبما انه يفعل ذلك بعد انهيار »امبراطورية الشر« التي كانت تقيم توازناً مع الولايات المتحدة، فإنه يشعر بأن المواجهة ليست مضطرة الى ان تكون »باردة« لا بل ان السخونة مطلوبة فيها من فلسطين الى العراق، وان شعاراتها يمكن ألا تخجل من التعبير عن الرغبة في تغييرات جذرية.
كان الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي »ضد« الولايات المتحدة. غير ان الرد الأميركي اكتفى ب»الاحتواء«. وليس صدفة ان يكون »الاحتواء« هو الاسم الذي اعطي، في العقد الماضي، للسياسة المتبعة حيال العراق وإيران.
الجديد في الامر هو اعلان فشل هذا التوجه من أجل برمجة الخلاص السريع من الخصوم. والجديد في الأمر، أيضاً، التغيير الطارئ على مضمون »معنا«. لم يعد مصطلح »معنا« يشمل العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية والاستراتيجية المعقودة، وبقدر من الالتحاق، بين حكومة عربية والحكومة الأميركية. فلو كان الأمر كذلك لكانت الأنظمة العربية، في معظمها ، »معنا«. أصبح لا بد من تضمين هذه ال»معنا« شروطاً إسرائيلية تقتضي الاصطفاف في محاربة »ارهاب« لا يسعه، تكوينياً، ان يكون مقاومة لأنه موجه نحو الهدف الخاطئ! أكثر من ذلك ان هذه الشروط الاسرائيلية، كما هي مطروحة حالياً، مقدمة في صيغة شارونية قصوى تستصعبها »صحة« النظام العربي الراهن بالرغم من تهالكه المريع.
لا ضرورة، والحالة هذه، لاستهجان الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة على الحكومات العربية. ان هذه الضغوط توازي التعريف الجديد، من جانب واشنطن، للمنطقة بأنها مسرح العمليات ضد الحرب الكونية على الارهاب.
في أيام »الحرب الباردة« كانت أوروبا هي المسرح. ومن الواجب استذكار الضراوة التي خاضت بها الولايات المتحدة المعركة هناك (التهديد بالسلاح النووي حاضر باستمرار) من أجل ان نحسن تقدير المعاملة التي سنلقاها. لقد اقيمت أحلاف عسكرية عبر أطلسية، وتأمّن حضور أميركي عسكري مباشر، وتم تهميش القوى المعادية كلها، ولاح شبح انقلابات في دول ديموقراطية اذا تغيرت الأكثرية فيها بالاقتراع الحر (ايطاليا)، وأخضعت المبادرات السياسية كلها لمنطق المواجهة من مؤتمر هلسنكي الى »الاوست بوليتيك«. بكلام آخر حكم منطق الاستقطاب تفاصيل التوجهات كلها بحيث يمكن ضبط الوضع في دول التحالف ونقل المعركة الى معسكر الخصم حتى لو كان »الناقل« عدداً محدوداً من »المنشقين«. لم تكن منطقتنا بمنجاة عن هذا الصراع ولو انها لم تكن في قلبه. ولا شك في ان تطورات شديدة الأهمية حصلت بالارتباط مع هذه الثنائية وبتقدير الموقف من التحالفات الدولية ومنطقها والمصالح العربية فيها.
لقد كانت اسرائيل، في تلك الفترة، مرتكزاً مهماً للسياسة الأميركية (منذ أواسط الستينيات على أقل تقدير) . ولكن عرباً كثيرين فضلوا العلاقة مع واشنطن على أي شيء آخر، وتحديداً، على حركة القومية العربية وتخالفاتها مع »الشيوعية العالمية«. ثم مر عقد التسعينيات حيث كبر الطموح الأميركي ليحاول بناء نظام شرق أوسطي يكون لإسرائيل فيه الموقع المميز. وفي هذا العقد الماضي كانت واشنطن ترى، بين العرب، أصدقاء وخصوماً، لأنها لم تكن حددت هذه الرقعة وجوارها بصفتها المسرح المقبل لحربها الكونية الجديدة.
أما وان الوضع انقلب وانتقلنا من الهامش الذي تصارع واشنطن عليه الى المتن الذي تصارع فيه فكان لا بد من أخذ ذلك بالحساب من أجل استباق ما قد يحصل. لم ينجح حكامنا في عملية التكيف هذه بالرغم من ان الولايات المتحدة اعطت اشارات، سابقة على 11 ايلول، الى هذا »التصعيد« في اهتمامها. من هذه الاشارات تغيير العقيدة الدفاعية ل»الناتو«. ومنها تطوير »المبادرة المتوسطية للأطلسي«. ومنها تكثيف الحضور المباشر والمناورات. وتصب هذه العناوين كلها في مجرى واحد نشهد اليوم آثاره.
لقد ارتقى الاهتمام الأميركي بالشرق الأوسط درجات وأصبحت المطالب منه شديدة الجذرية. انه »القلب النابض« ل»محور الشر«. وهو ان لم يكن »معنا« بشروط صعبة فلن يكون مسموحاً به ان يتنعم بحرب باردة مديدة. فهذه الحرب تكون »باردة« اذا كانت موازين القوى تفرض ذلك. أما الخلل الحالي فيغري بقدر لا بأس به من السخونة

04/26/2002
  رد مع اقتباس
قديم 18/08/2008   #12
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


8 مقابل 67



عرّبت القمة المبادرة السعودية. لم تسجل دولة تحفظاً. نحن، إذاً، أمام حدث تاريخي فعلاً. وهو كذلك لأنه، في الوقت نفسه، ثمرة تطورات تمتد عقوداً إلى الوراء ونقطة قطع معها.
أما التطورات فذات صلة بتراجع الموقف العربي الإجمالي في مواجهة إسرائيل بنسبة توطد العلاقات مع الولايات المتحدة. أما القطع فهو في الإقدام على صياغة »مبادرة سلام عربية« تقيم فصلاً واضحاً بين مرحلتين من مراحل الصراع مع إسرائيل ما قبل حرب حزيران وما بعدها.
وإذا كان جائزاً إطلاق توصيف مختصر ينفذ إلى جوهر ما خرجت به القمة فهو: 48 مقابل 67.
مرت مرحلة كان الخطاب المسيطر في عالمنا يطالب باسترجاع فلسطين كاملة. وهو مسيطر لأن الأحداث التي خرجت عليه بدت نشازاً. ثم جاءت مرحلة تميزت بوجود خطين يصر الأول على التمسك بالشعارات الماضية ويطالب الثاني باعتماد قدر من البراغماتية أي بتنازل عن بعض الحقوق ويصر على بعض آخر ولو باسم »المرحلية« و»خذ وطالب«.
ومنذ مدريد حتى أمس كان واضحاً أن النظام العربي سلّم بقيام إسرائيل فوق الأرض المحتلة عام 48، ووافق على الاعتراف بها، وإقامة علاقات سلام معها مقابل الانسحاب من المناطق التي احتلت في 67. غير أن قضية واحدة بقيت عالقة من المرحلة الأولى هي قضية حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم بما في ذلك تلك الواقعة ضمن ما يعرف بدولة إسرائيل.
إن ما فعلته قمة بيروت هو قطع حبل الصرة بين حرب 48 ونتائجها وحرب 67 ونتائجها. لقد بات العرب يسلمون لإسرائيل، في أي تسوية محتملة معها، بكل ما حصلت عليه في »معركة الاستقلال«، بما في ذلك حقها في التحكم بحق العودة الفلسطيني.
إذا وضعنا الكلام التزويقي جانباً فإن هذا هو جوهر المغزى السياسي للقمة. ومن لا يصدق فعليه أن يراجع المبادرة في صياغتها الأخيرة. سيلحظ تشديداً استثنائياً على مطلب الانسحاب من الأرض المحتلة. وسيلحظ، من جهة أخرى، تمييعاً مقصوداً في الحديث عن قضية اللاجئين. ف»الحل العادل« المشار إليه هو أي حل يتوافق طرفان على أنه كذلك في ما يخصهما. والمطلوب لم يعد تطبيق القرار 194 بل البناء عليه والانطلاق منه.
إن مراجعة سريعة لتجربة المفاوضات العربية الإسرائيلية وصولاً إلى كامب ديفيد 2 وطابا تظهر الأهمية التي تعلقها إسرائيل، كل إسرائيل بما في ذلك أقصى اليسار فيها، على رفض حق العودة. وإذا كان هناك بين القوى الدولية النافذة من يصر على طلب الانسحاب الكامل فما من دولة أوروبية (ناهيك عن الولايات المتحدة وروسيا) تدعم ما كان حتى الأمس شرطاً عربياً للسلام. ويبدو ان النظام العربي استبطن هذا المعطى وأدرك أن لا مبادرة يمكن لها أن تعيش إلا إذا وازنت بين تصلب في طلب الانسحاب وتراخٍ في طلب العودة.
وبما أن تجربة المفاوضات نفسها تقول إن إسرائيل توافق على »حق العودة« إلى أرض الدولة الفلسطينية المقبلة، بشروط، فإن ذلك يكمل توضيح الصورة. فما يريده العرب هو الحصول في الأرض المحتلة عام 67 على »كل حقوقهم« (الانسحاب الكامل، الدولة، حق العودة) لقاء التنازل لإسرائيل عن كل ما حصلت عليه في 48 بما في ذلك طرد الفلسطينيين.
* * *
إن هذه المعادلة الجديدة، 48 مقابل 67، لن تكون مقبولة من إسرائيل. ليس الحديث هنا عن حكومة آرييل شارون وحدها. فإيهود باراك هو الذي رفض الانسحاب حتى حدود 4 حزيران في الجولان. وهو نفسه الذي أصر على الاحتفاظ بنسبة عالية من الأرض الفلسطينية المحتلة في حرب حزيران.
إن المؤسسة الحاكمة في إسرائيل تتصرف على أساس أن العرب يريدون بيعها مما تملك. ولذلك فإنها ترد بأن ما حصل في 48 حصل والمطلوب تقاسم ما حصل في 67 أي الاحتفاظ بمكاسب من تلك الحرب. وبما أن شارون هو الحاكم اليوم فإن خلافه مع شريكه العمالي لا يتجاوز التباين في تقدير حجم المكاسب التي يمكن »انقاذها« ضمن الشروط الإقليمية والدولية للصراع. فحتى يوسي بيلين ينسب أي انسحاب محتمل إلى عجز عن البقاء لا إلى رغبة في الانكفاء عن شطر من أرض إسرائيل التاريخية.
* * *
إذا كان صحيحاً أن هذا هو الجوهر السياسي لقمة بيروت فإن التساؤل مشروع عن البند الخاص ب»ضمان رفض كل أشكال التوطين الفلسطيني الذي يتنافى والوضع الخاص في البلدان العربية المضيفة«. هذا »البند اللبناني« هو بمعنى ما، ثمن استضافة بيروت للقمة.
لنلاحظ، أولاً، انه لم يرد في سياق الحديث عن »التوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين«. أي انه لم يرد في ما يطالب العرب إسرائيل بالقيام به. لقد ورد مستقلاً وتحت عنوان »تقوم الدول العربية بما يلي«، أي إنه ضمانة عربية للبنان غير ذات صلة ب»حق العودة« وإنما ب»رفض كل أشكال التوطين«.
إن الموضوع، لأهميته، يستحق تعليقاً على حدة.

03/29/2002
  رد مع اقتباس
قديم 18/08/2008   #13
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


بوش يستمع إلى نداءات تاريخية!



»إن التاريخ دعانا إلى التحرك بهدف جعل العالم أكثر سلاماً وأكثر حرية ولن نفوّت هذه الفرصة«. لم يجد التاريخ سوى جورج بوش يدعوه. والرجل لا يسعه رد دعوة من هذا النوع. لذا قرر »الدفاع عن الحرية«، أي قرّر، أو اقترب من أن يقرّر، ضرب العراق.
لم يكن هذا الجو سائداً في أثناء جولة ديك تشيني في المنطقة. ولكنه ما إن وصل واشنطن حتى قرر الأخذ بالنصيحة القائلة إنه لا ضرورة لأخذ نصائح الأصدقاء العرب بالاعتبار. لقد استمع منهم، كما قيل لنا، إلى اعتراضات على عملية ضد العراق. ولمرة، لم تقل الصحافة الأميركية إن زعماءنا مارسوا التقية فأبلغونا، عبر الإعلام، غير ما أسرّوا به أمام ضيفهم الأميركي. غير أن ذلك لم يمنع تشيني، أمام الدعوة الموجهة من التاريخ، من أن ينسب إلى القادة العرب قلقاً يوازي القلق الأميركي »عندما يرون ما يقوم به صدام حسين لتطوير أسلحة كيميائية وجرثومية وجهوده على صعيد الأسلحة النووية«. نحن لم نر ما رآه القادة، ولكن سمعنا أنهم لم يروا ما يبرّر العمل العسكري.
إن »معركة العراق« هي عنوان رئيسي من عناوين القمة العربية. وحتى إذا كانت فلسطين حاضرة بقوة، وهي يجب أن تكون كذلك، فإن نصرة فلسطين فعلياً لا يمكنها إلا أن تمر بضرب طوق من الحماية العربية للعراق.
إن هذا الطوق ممكن.
فالإدارة الأميركية تزداد توحُّداً حول موقف الصقور المغالين في تأييدهم المطلق لإسرائيل. ويستند هذا التوحد إلى ميل قوي في الرأي العام يؤيد حرباً. إلا أن هذا التقارب ليس معطى ثابتاً ولا هو قدَر. فلم يكن الأمر كذلك قبل شهور. وكان هناك من هو مستعد لجعل العقوبات أكثر »ذكاءً«، أي للتقدم خطوة في اتجاه مخالف للمنحى الذي تجري فيه الأمور هذه الأيام. ومن شأن موقف عربي جديّ أن يختبر هذه الصلابة المستجدة، ومن حقه أن يراهن على إحداث تصدعات فيها.
لقد استبق مسؤولون في الإدارة الأميركية التحفظات وأكدوا أنهم سيواجهون العراق ولو من دون حلفاء. ولقد شكل ذلك عنصر ضغط أنتج تحولاً في الاتجاه السيئ لكل من روسيا وفرنسا وكوفي أنان. إلى ذلك، أقدم رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير على العبور إلى »الضفة الحربجية«. ولكن الصراع على الموقفين الروسي والفرنسي مفتوح. وكذلك يمكن إحراج أنان في حال قررت واشنطن التهرّب من استصدار قرار جديد من مجلس الأمن. أما بلير فإنه يواجه، اليوم، رأياً عاماً يخالف مزاجه، وهذه حالة نادرة، ومزاج الرأي العام الأميركي. وثمة أصوات في حزبه وفي حكومته تدعو إلى سياسة أكثر اعتدالاً، وفي الإمكان تطوير هذه الحالة الضاغطة عليه.
لم يتشكل تحالف دولي حتى الآن. ومن المفترض، بالقمة، أن توجه رسالة واضحة مؤداها أن العرب الجاهزين ل»سلام كامل« مع إسرائيل ليسوا في وارد تغطية حرب كاملة ضد بلد شقيق. لا مجال لأن تكون تلبية بوش »دعوة التاريخ« سهلة إذا كانت الجغرافيا الإقليمية ممانعة، وإذا كان العرب يعتبرون أن العالم يكون »أكثر سلاماً وأكثر حرية« بلجم أرييل شارون وليس بفتح أبواب المجهول في العراق.
إن هذا »المجهول« هو عامل من العوامل التي تلعب ضد الجموح الأميركي. فبوش يكتفي بإعلان النوايا حيال بغداد ولكن الواضح أنه لا يملك تصوراً للعملية التي يُفترض بها أن تقود إلى تغيير النظام هناك. ولعله يخلط بين الدعوة التي تلقّاها من التاريخ وتلك التي يوجهها، منذ سنوات، أحمد الجلبي الذي تعلو أسهمه وتهبط، في الكونغرس، بفعل عنصرين: الأول، مدى اقترابه من هواجس اللوبي الصهيوني، والثاني، والأقل نبلاً، نوع التقرير الذي يصدره بحقه أي مدقق وضيع في حسابات ما يسمى »المؤتمر الوطني« الواضع يده على فتات المساعدة المرصودة ل»تحرير العراق«.
يمكن أن نضيف إلى ما تقدم، أن السلوك العراقي في الأسابيع الأخيرة يعقّد المهمة الأميركية. فالسلطة في بغداد اختلفت عن الصورة التي تحب أن ترسمها لها الإدارة الأميركية. والمبعوثون العراقيون يتحدثون بلطف غير معهود، وذلك منذ أن حاولوا تكليف عمرو موسى بإيجاد مخرج. ولعل المطلوب منهم أن يتذكروا، حرفياً، ما قاموا به في قمة عمّان من أجل أن يفعلوا عكسه في قمة بيروت.
لقد واكبت رحلةَ تشيني العراقية انعطافةٌ جزئية أميركية تجلّت في حد أدنى من التوازن بين الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية. ولكن ما إن غادر الرجل المنطقة، برفض لقاء ياسر عرفات، حتى عادت واشنطن إلى الاصطفاف مع أرييل شارون. وفي هذا التحول، وحده، درسٌ يجدر بالقمة أن تستفيد منه قبل أن يباشر بوش »التحرك« تلبية للدعوة التاريخية (الإلهية؟) المزعومة.

03/22/2002
  رد مع اقتباس
قديم 18/08/2008   #14
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


الدوحة كابول: »العولمة السعيدة« ... بأعدائها



تشارف الجولة الأولى من الحرب الأميركية على الإرهاب، على نهايتها. وتوشك الدورة الجديدة من مفاوضات التجارة العالمية على أن تبدأ. سقطت كابول ونجحت الدوحة.
للحرب بُعد كوني مؤكد. والمفاوضات التجارية كونية بالتعريف. القوى الدافعة في الحالة الأولى تكاد تكون نفسها في الثانية. ومثلها مواقع النفوذ الأقل أهمية. وفي حين بدا أن قناة »الجزيرة« هي التي »استضافت« الحرب، فإن قطر استضافت الاجتماعات.
أي نوع من العلاقة بين حدثين بهذا الحجم؟
لا بد، قبل الإجابة، من ملاحظتين تمهيديتين.
1 شهدت العولمة الاقتصادية اندفاعة كبيرة بعد انتهاء الحرب الباردة. وصاحب ذلك تركز كبير للسلطة العالمية في الولايات المتحدة. أصبح نموذجها الليبرالي البوصلة التي تقود البشر. أسعفها ازدهار التسعينيات في ربط النجاح بتصفية دولة الرعاية، والانقضاض على »الرأسمالية ذات الوجه الإنساني«. تأكدت أرجحيتها العلمية والتكنولوجية. اكتسح بثها الثقافي (ما دون الثقافي بالأحرى) المعمورة، فباتت أوروبا، وهي مَن هي، تطالب ب»استثناء«. تمّ إحكام الإمساك بالشرق الأوسط بعد حرب الخليج، وبجزء من أوروبا بعد حروب البلقان. وترافق ذلك مع توسع حلف شمال الأطلسي برغم التلعثم الأوروبي عن »مكوّن خاص« وسياسة خارجية وأمنية مستقلة. وثبتت الهندسة الأمنية الآسيوية. وتزامن هذا كله مع استخدام ذرائعي لافت لصندوق النقد والبنك الدوليين ومنظمة التجارة. وبات ميثاق الأمم المتحدة مثل لائحة المطاعم، تنتقي منها واشنطن ما يعجبها.
وكانت النتيجة أن برز تفاوت كبير بين عالم شديد التداخل وبين الافتقاد إلى مؤسسات سياسية دولية (وإقليمية) تدير شؤونه بحد أدنى من الديموقراطية. لا شيء سوى هذه »الهوة الديموقراطية« يوازي، عمقاً، »الهوة الرقمية« الشهيرة.
2 في مقابل هذه الحركة التوحيدية، ونتيجة طبيعتها المالية والتجارية، وبحكم رغبتها في القفز فوق الخصوصيات، كان العالم يعيش، في اللحظة نفسها، تذرراً لا سابق له. لم يعد استقطاب الحرب الباردة يلعب دوراً ناظماً. انفجرت نزاعات إتنية، وطائفية، وقومية، ولغوية يصعب حصرها. من كندا، إلى أميركا نفسها، إلى المكسيك، والبرازيل، وأوستراليا، وفرنسا، وإسبانيا، وبريطانيا، وإيطاليا، وجمهوريات المعسكر الاشتراكي، والاتحاد السوفياتي، ومعظم البلدان العربية، والهند، والصين، والفيليبين، وأندونيسيا، والقارة الأفريقية بأسرها... إلخ. في كل هذه المناطق والبلدان، وأينما نظرنا في العالم، نجد صعوداً مدوياً للهويات على أنواعها، وبعدوانية تطال الأقربين والأبعدين.
إن هذا التشظي، وحده، يدحض أسطورة »صدام الحضارات«، لأن الدول المركّبة اجتماعياً، شهدت، كلها، توترات أفضت إلى طلاق سلمي، كما في حالة تشيكيا وسلوفاكيا، أو إلى احترابات دموية. إن عدد الحروب الأهلية ضمن حدود »السيادات الوطنية« يفوق بأضعاف عدد الحروب بين الدول وعبر الحدود في العقد الماضي.
إن هاتين »الميزتين« المتناقضتين شكلتا سمتي السنوات التي أعقبت سقوط الجدار وحرب الخليج.
لقد كان للعولمة »رب« يحميها فلم يجد المتضررون، بعضهم، ردا على ذلك سوى الالتجاء إلى آلهتهم، إلى أصنامهم بالأحرى.
بزغت، في الأعوام الماضية، حركات لمناهضة العولمة. وكان واضحا أنها، في كل بلد وعلى صعيد كوني، أقرب إلى تركيبة هجينة تضم قوى من أقصى اليمين العنصري إلى أقصى اليسار الفوضوي. اليمين أكثر كرهاً للعولمة، أي لأي تواصل، واليسار أكثر كرهاً لمضمونها الليبرالي المناقض لأمميته المفترضة وحس العدالة لديه.
غير أن فرزاً سرعان ما أصاب هذه الحركات. ويمكن الحديث، اليوم، عن تيار يعادي العولمة باسم الانغلاق، وآخر (تعددي) ينتقدها باسم عولمة بديلة وأكثر ديموقراطية.
ويمكن القول، مع قدر من المجازفة، إن أسامة بن لادن يرمز إلى التيار الأول. أما الرمز الأكثر تمثيلاً للتيار الثاني فعلينا أن نذهب إلى المكسيك لنجده: القومندان ماركوس. استفاد الاثنان من العولمة وما أنتجته: حرية الانتقال النسبية، حركة الأموال، سرعة التواصل الإعلامي، إنترنت، تنظيم الشبكات... إلخ، غير أن كل واحد من الاثنين سار في طريق.
عبّر بن لادن عن طرح شديد المحافظة والرجعية في تأكيد الهوية في هذا العالم المضطرب، ضد الآخر، أي آخر، ولمجرد أنه ليس أنا أو نحن. وسعى ماركوس إلى وصل هويته الهندية المجروحة في تشاباس، بآلام الآخرين جميعاً في المكسيك والعالم كله وأميركا الجنوبية خاصة. غرس رجلاه في التربة المحلية وبقي رأسه يراقب حركة الكون (بن لادن فعل العكس).
اختار أسامة العنف العاري ولو ضد المدنيين. وانحاز ماركوس، بعد كفاح مسلح دام ساعات وبرغم توفر الأسلحة، إلى العمل السلمي، الدؤوب. يريد الأول أن يقهر. يريد الثاني أن يُقنع. يعبّر الأول عن نموذج رديء للعولمة: ثقافة العنف السينمائي الأميركي، والذكوري تحديداً. يعبّر الثاني عن نموذج راق: ثقافة الحوار عبر إنترنت. ومن يقل حوار يقل وداعة تستتر الصلابة وراءها.
استنفر الأول الجميع ضده فاحتشدوا. أربك الثاني الخصوم فانشقوا. شُنت حرب على الأول وهي في الطريق إلى تحقيق أهدافها. أما الثاني فاضطر رئيسَ المكسيك إلى استقباله في القصر.
وتشاء الصدف، في اليومين الماضيين، أن يتم الدخول إلى كابول لحظة اقتراب مؤتمر الدوحة من نهايته. ينهار نظام طالبان أمام »عولمة مسلحة وسعيدة« تواصل مسيرتها الظافرة. لو كان لها أن تختار أعداءها لما وقعت على من هو »أفضل« من بن لادن.
لقد ألحقت العولمة الليبرالية هزيمة بالشق المحافظ من أعدائها في العالم الثالث (أقرانه في البلدان المتقدمة لم يُمَسوا بعد. حتى هنا ثمة تمييز!). قد لا تكون الهزيمة نهائية. غير أنها ترسم، بالحديد والنار، حدود القدرة على الممانعة المنغلقة على نفسها والرافضة الاندراج في سياق مشروع، ولو جنيني، لبناء عالم بديل.
ليس من الجائز أن يُفرض على الآخرين التعرف إلى أنفسهم في هذه الهزيمة. فهم يدركون أنهم مهزومون سلفاً، وأن سبيلهم إلى الخروج من حيث هم لا تختصره المسافة بين المطار والبرجين، ولا تصادره كلمات قليلة مهما حظيت بنسبة مشاهدة واستماع عالية.
إن رهان هؤلاء على تغيير العالم لا تدميره. وهم يدركون أن الموجة التي تجتاح مواقع المقاومة عاتية جداً. ولعل دليلهم على ذلك، فضلاً عن كابول، الدوحة. فلقد تقرر في العاصمة القطرية المضي في النهج الماضي نفسه معزَّزاً بحراسة الذين أسقطوا العاصمة الأفغانية. هناك مَن يعارض النهج والحراسة ويرفض أن يكون في »فسطاط« بن لادن، أو »معسكر الخير« لصاحبه جورج بوش.

11/15/2001
  رد مع اقتباس
قديم 18/08/2008   #15
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


تعويذة 11 أيلول »الملبننة«



لا شيء مثل أحداث دولية كبرى، بحجم ما بعد 11 أيلول، يكشف هزال الحياة السياسية اللبنانية. فعندما »نلبنن« ما جرى نجمع ما بين ادعاء المعرفة وبين التصرف انطلاقاً ممّا كنا عليه عشية الحدث.
ادعاء المعرفة يظهر جلياً في أن عندنا، في لبنان، ودون سائر الكرة الأرضية، من يزعم امتلاك تقديرات دقيقة لما ستكون عليه أحوال العالم. وفي حين ينصرف الكثيرون، في الخارج، إلى طرح الأسئلة وتلمس الأجوبة الأولية، يتصرف الكثيرون، في لبنان، مسترشدين بالجواب الوحيد، المسبق، عن أسئلة لا يطرحونها.
من كان يريد، أصلاً، أن يعدل في سياسته يقل لك إنه يتجاوب مع الزلزال العالمي. ومن كان يعتبر أن وجوده في المعارضة وصمة يصرخ أن الرسالة التعايشية اللبنانية لن تصل إلى العالم إلا إذا أدخل، وخطابه، جنة السلطة. ومن كان يملك ميلاً إلى التشدد الأمني يؤشر على ما حصل في أميركا والغرب فيحول الولايات المتحدة، المكروهة، إلى القدوة التي يتوجب تقليدها. ومن كان يود زيادة »الانفتاح« الاقتصادي أصبح يوده أكثر بعد 11 أيلول. ويصعب أن نجد في لبنان طرفاً سياسياً واحداً لا يفاخر، باسم ضرورة تعديل السياسات، بأن التطورات أثبتت صحة تحليلاته. إن لبنان السياسي في 12 أيلول هو نفسه ما قبل 11 أيلول. والفارق الوحيد، ربما، هو أن كل طرف يطالب الآخرين بتغيير سياساتهم تدليلاً على استيعابهم ما جرى. وتشاء »الصدفة« وحدها أن يكون عنوان هذه المطالبة هو: تبنوا مواقفي المعروفة منذ ما قبل 11 أيلول لتبرهنوا أنكم أدركتم حجم التحول!
برزت لتفجيرات نيويورك وواشنطن وللحرب على أفغانستان
نتيجتان لبنانيتان: التشدد في طلب الرقابة المصرفية على ودائع مشبوهة، وإيراد اسم حزب الله في اللائحة الأميركية الثالثة.
ويمكن القول، من دون مبالغة، إن ثمة توافقات لبنانية جدية حول المواقف المطلوب اتخاذها في هاتين القضيتين. إن أنصار رفع السرية المصرفية خفت صوتهم، ومالوا إلى التيار العام الموافق على تدابير محدودة وملموسة تجنّب لبنان ضغطاً مركزاً. ولم ترتفع أصوات تتكئ على المواقف الأميركية الأخيرة من أجل عرض الخدمات على واشنطن. لا »تحالف شمال« أفغانياً في لبنان، ولا نسخة رديئة عنه مثل »المؤتمر الوطني العراقي«.
لا يعني ذلك أن التمايزات اختفت. ولا يعني أن المعارضة زالت للخيارات الاستراتيجية التي أعاد الرئيس إميل لحود التذكير بها في خطابه الاستقلالي. ولكن لا بد من الاعتراف بأن التوافقات قابلة لأن يبنى فوقها، وقابلة بالتالي، لأن تقود إلى انفراجات لا ضرورة معها لأي تشدد أمني يتجاوز التنبه إلى أننا نعيش في منطقة مضطربة في عالم يشهد اضطراباً.
من المبكر الحديث عن آثار لبنانية لما بعد 11 أيلول غير ما سبقت الإشارة إليه. وربما كان الأجدى التوقف عند آثار جانبية هي تلك التي ستثيرها عودة الاهتمام الأميركي بشؤون التسوية. ولعل بعض التشدد الأميركي مع لبنان مرده أن نوعاً معيناً من التداخل مع ما يجري في فلسطين لا يعجب واشنطن. وسيكون هذا الموضوع مطروحاً بإلحاح في الأسابيع المقبلة، لا بل في الأيام المقبلة.
غير أن هذا الأمر، في شقه اللبناني السوري، كما في شقه اللبناني الفلسطيني، كان مُثاراً في السابق. والجديد فيه أنه مُثار، هذه الأيام، بطريقة جدية أكثر. وسيتضح ذلك مع وصول »العائدَين من أفغانستان« وليام بيرنز وأنطوني زيني إلى المنطقة.
يكاد يكون معروفاً ما سيقوله الرجلان. ويكاد يكون معروفاً ما سيسمعانه من المسؤولين اللبنانيين والسوريين. ويكاد يكون معروفاً ما سيقوله معارضون تعليقاً على الأجوبة الرسمية. لن نسمع جديداً ذا صلة بمواقف تبلورت في ما بعد 11 أيلول. ربما كان رد فعل وليد جنبلاط لافتاً. ولكن، هنا أيضاً، يكفي أن نراجع ما قاله الرجل في 10 أيلول حتى نكتشف أن لا جديد فعلاً.
إن ما بعد 11 أيلول تعويذة لبنانية بامتياز: حاضرة بقوة ولكنها لا تقول شيئاً ولا تفعل شيئاً.

11/23/2001
  رد مع اقتباس
قديم 18/08/2008   #16
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


مَن يملك »سلاح« الديموقراطية



قيل ذات مرة، عن حق، إن »الاشتراكية« تحولت إلى أداة من أدوات السياسة الخارجية الروسية. ويمكن القول اليوم، عن حق، إن »الديموقراطية« كانت أداة من أدوات السياسة الخارجية الأميركية. ويعني ذلك أن تعميمها، ومعها ترسانة المفاهيم الخاصة بحقوق الإنسان والأقليات، ليس مطلوباً في ذاته. يصبح هدفاً عند التقائه بالمصالح الوطنية الأميركية. ويسقط بمجرد أن يبرز تناقض بينه وبينها.
ما لم تستوعبه واشنطن كفاية هو أن هذه الأداة باتت مثلومة منذ انهيار جدار برلين. أي إنها كانت فعالة جداً في سياق الحرب الباردة ومسرحها الأوروبي وتراجعت فعاليتها مع انتصار »العالم الحر« وانهيار حلف وارسو.
ففي أوروبا الوسطى والشرقية وفي ما كان يسمى الاتحاد السوفياتي نفسه تلاقى المطلب الديموقراطي مع المطلب القومي. فالشعوب الساعية إلى التحرر الوطني استعارت الشعار الديموقراطي بصفته »إيديولوجيا« الخصم العالمي للجهة التي كانت تعتبرها »استعمارية«. ويمكن أن نضيف إلى ذلك أن هذه الشعوب كانت على مستوى من التطور العام يسمح لها، كما شاهدنا، بخوض تجربة من هذا النوع. ولوحظ، بعد انهيار الجدار، وبعد التحولات الكبرى في الأحزاب العمالية الرئيسية، وبعد إنجاز الاستقلال، أن العودة إلى أطروحات يسارية معتدلة وديموقراطية هي الغالبة وأنها مترافقة مع نزوع شديد إلى الانضمام للاتحاد الأوروبي أو لحلف شمال الأطلسي.
إن الولايات المتحدة صاحبة فضل على الشطر الغربي من أوروبا لأنها ساهمت في تحريره من النازية. وهي صاحبة فضل على الشطر الشرقي لأنها لعبت دوراً حاسماً في إنقاذه من توتاليتاريات سبق لمركزها السوفياتي أن تحمّل العبء الأكبر من هزيمة النازية.
الاستنتاج مما تقدم هو أن الديموقراطية، في هذه البلدان، تقود، بشكل طبيعي جداً، إلى علاقة وثيقة مع الولايات المتحدة، ولو أنها علاقات تشوبها صراعات مصالح محدودة ومنضبطة بالإطار التحالفي الواسع.
لقد تغيّر العالم فعلاً عند منعطف التسعينيات. وإذا كانت الديموقراطية السياسية والليبرالية الاقتصادية سجلتا انتصارات مدوية فإن معطيات المرحلة الجديدة خففت، إلى حد بعيد، من فعالية الشعار الديموقراطي كأداة من أدوات السياسة الخارجية الأميركية.
لماذا؟ لأنه في العالم غير المتقدم، وفي العالمين العربي والإسلامي خاصة، ثمة تعارض واضح بين المطلب القومي وبين السياسة الأميركية. ويقود ذلك، حكماً، إلى تراجع من جانب واشنطن في التشديد على الديموقراطية منهجياً لصالح التمسك، لا بل الضغط المنظم، لتوسيع أفق الليبرالية الاقتصادية.
تأسيساً على ذلك يمكن القول إن الديموقراطية لم تعد مطلباً أميركياً في هذه المناطق. وبدل أن تكون، كما في أوروبا الشرقية، جسراً لعلاقة إيجابية مع الولايات المتحدة، تحولت، لارتباطها بالمطلب القومي (وأحياناً الاجتماعي)، إلى عنوان مواجهة.
إن جولة سريعة في ما يحصل في العالم، اليوم، تؤكد هذا الانطباع.
ففي بيروت، مثلاً، يطالب السفير الأميركي فنسنت باتل بمصادرة أموال »حزب الله«. ويضيف، بأريحية »ليس فوراً«. ويصر على مطلبه برغم أنه لا يجد أي صدى داخلي، وبالرغم من أن خيار احتضان المقاومة يحظى، ديموقراطياً، بأرجحية حاسمة. ويكاد المرء يقبل من باتل هذا الطلب إذا وافق من جانبه على شرط واحد: تأمين أكبر قدر من الحماية الديموقراطية له. ويعني ذلك أحد أمرين لا ثالث لهما. إما تحترم واشنطن رغبة اللبنانيين وإما تسمح لهم، في أقرب وقت ممكن، بالمشاركة في الانتخابات... الأميركية. كل ما عدا ذلك إملاء لا صلة له بالحريات.
وعلى محور كابول إسلام أباد لا يمكن لأحد إقناع أحد بأن الولايات المتحدة لا تفضل الاستقرار على حساب الديموقراطية. التجربة مع برويز مشرّف ذات معنى. والاستقرار المشار إليه هو ذلك الذي يسمح لواشنطن بتنفيذ سياساتها وليس الذي يسمح للباكستانيين والأفغان بهدوء يجعلهم أقدر على تقرير مصائرهم.
ولن نجد أميركياً واحداً، في موقع المسؤولية، يرتضي الديموقراطية للفلسطينيين إذا كانت تؤدي إلى أي نوع من أنواع الضرر بإسرائيل.
ولعل المثال الأكثر حراجة هو ما يحصل في الدوحة حالياً. فالمتظاهرون ضد اجتماع منظمة التجارة العالمية يرفعون شعاراً مركزياً يقول: »ماذا نريد؟ الديموقراطية!«. وهذا صحيح. فالمنظمة المعنية تريد التقرير بأوضاع العالم عبر مداولات تُحاط بأقصى قدر من السرية. وآلية العمل المعتمدة فيها تعطي لممثلي أكثرية المعمورة صوتاً أقل تأثيراً من صوت الدول الغنية. ولقد كان مثيراً، قبل سنوات، أن مجرد الكشف عن مشروع كانت تعده المنظمة أدى إلى إلغائه وسحبه من التداول في انتظار أوقات أفضل.
إن هذا المثال مهم جداً، وهو كذلك لأنه يضع موضع تساؤل البند الجوهري في السياسة الخارجية الأميركية: الليبرالية المعولمة. وهو يفعل ذلك باستخدام ما كان يفترض أن يكون الشقيق التوأم لهذه الليبرالية: الديموقراطية.
لقد شهد العقد الماضي، بدليل الأمثلة السابقة وغيرها الكثير، انتقالاً للسلاح الديموقراطي من يد إلى يد. لقد أدى اندماجه بالمطالب القومية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لشعوب بكاملها إلى تراجع واضح في القدرة الأميركية على استخدامه كأداة من أدوات السياسة الخارجية. لقد كان ذلك صحيحاً قبل 1990 لكنه، في 2001، أكثر وضوحاً.

11/10/2001
  رد مع اقتباس
قديم 18/08/2008   #17
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


قصة »يهودية«



احتج لورنس سامرز على الدعوة إلى مقاطعة إسرائيل في الجامعات الأميركية. قال إنه يهودي غير ممارس ولكنه بات يشعر برذاذ العداء للسامية يطاله. رد عليه ادوارد سعيد بأن من يكون رئيساً لمعهد هارفرد لا يمكنه ادعاء وجود تمييز ضده. وجاءت دراسة نشرت أمس عن أحوال يهود أميركا تؤكد رأي سعيد. فيهود الولايات المتحدة هم أكثر حضوراً في الفئات المحظوظة والنافذة من المجتمع من نسبتهم إلى عدد السكان. لم يتوقف سعيد كثيراً عند شكوى سامرز من انحياز اليسار الأميركي، والراديكالي منه تحديداً، إلى جانب الفلسطينيين.
* * *
يصعب اعتبار آل غور يسارياً. فهو، مع بيل كلينتون، قادا الحزب الديموقراطي إلى الوسط. ويستحيل الزعم أن نائب الرئيس السابق ليس شديد التعاطف مع إسرائيل. غير أن ذلك لم يمنعه من إعلان تمايزه الحاد عن السياسة الأميركية في ما يخص العراق. خلاف آل غور مع جورج بوش ليس حدثاً. ولكن الافتراق بينه وبين جوزف ليبرمان حدث كبير بالمقاييس كلها. فالثاني كان شريكه في معركة الرئاسة الماضية. ولكنه يتزعم حالياً تياراً في حزبه يحض الإدارة على المواجهة العسكرية وتغيير النظام في بغداد. ولقد كان حاضراً في البيت الأبيض لحظة الإعلان عن تباشير التوافق بين بوش والكونغرس حول صلاحية شن الحرب.
وفي وقت يلعب هذا العنوان دوراً محورياً في الحملة الانتخابية النصفية، وفي وقت يضعف الخلاف بين آل غور وليبرمان من حظوظ الحزب الديموقراطي، فإن التباين له أبعاد أخرى.
يقف ديموقراطيون إلى جانب آل غور بينهم ممثلون عن الأقليات (السود تحديداً) وعدد من النواب والشيوخ اليهود. ولكن الكتلة الرئيسية من يهود الحزب الديموقراطي تصطف وراء ليبرمان ومعها مرشحون يخشون فقدان معركتهم.
الجديد في هذه الحالة هو أنه، لأول مرة تقريباً، يحصل شقاق واضح بين اليهود الديموقراطيين وبين ممثل جدي لمزاج هذا الحزب يؤيده من هم في يساره (كنيدي مثلاً).
يؤكد هذا الشقاق (عدا شكوى سامرز) ظاهرة انحياز نخب يهودية أميركية إلى اليمين. ويطرح، في السياق نفسه، سؤالاً كبيراً على الحزب الديموقراطي ومصيره. وبهذا المعنى تصبح المتابعة واجبة لهذا الجانب في الانتخابات بعد أسابيع. فإذا تأكد أن الحزب الجمهوري زاد نفوذه في هذه البيئة فسيؤكد ذلك اتجاهاً عالمياً يقول إن »الدياسبورا« باتت تعاني من مشاكل جدية في علاقتها مع »الجناح المتنور من الإنسانية« وإن تحالفاتها تنحصر، أكثر فأكثر، باليمين واليمين الأقصى.
* * *
»لندن ريفيو أوف بوكس«، »نيويورك ريفيو أوف بوكس«، »لوموند«، ثلاث مؤسسات إعلامية شديدة النفوذ في بريطانيا والولايات المتحدة، وفرنسا على التوالي. من الأولى مقال عنوانه »الدفع باتجاه الحرب« لأناتول ليفين. من الثانية مقال عنوانه »جورج بوش والعالم« لفرانسيس فيتزجرالد. من الثالثة تحقيق عنوانه »كيف يؤثر المحافظون الجدد على السياسة الأميركية« لباتريك جارو. نقتطف من الثالث مقطعاً طويلاً بعض الشيء: »لأن بينهم من يسمى كوهين، أو كاغان، أو كراوتهامر، وعدداً من هورويتز، ولأنهم يدافعون عن إسرائيل بلا شروط، فإن خصومهم صنّفوهم في خانة مجموعات الضغط اليهودية. وهذا التصنيف معبأ بالأفكار المسبقة... ولكن الحقيقة هي أن مغامرة المحافظين الجدد هي، جزئياً، وفي البداية، قصة يهودية«. يعبّر هذا المقطع عن روحية المقالات المشار إليها.
ليس أسهل من ابتذال تهمة اللاسامية وإلصاقها بهذه المؤسسات الإعلامية. فهي، بحديثها عمّن يحيط ببوش من المتطرفين، وعمّن يدفع باتجاه الحرب على العراق، وعمن يمارس تأثيراً متزايداً في رسم توجهات السياسة الخارجية الأميركية، إنها، بهذا الحديث، لاحظت حضوراً قوياً ل»المحافظين الجدد« وهم، في معظمهم، يساريون متطرفون سابقون ويهود تحولوا في الثمانينيات وبعدها الى اليمين المتطرف. ويتضمن هذا التعريف الجديد ليس الموقف من »الآخر« فحسب وإنما، أيضاً، المواقف من مجموعة القضايا الداخلية في أميركا، وهي اقتصادية واجتماعية، التي تدور حولها الانقسامات الفكرية.
كل ما فعلته هذه المدرسة هو أنها جعلت »رسوليتها« الأممية السابقة في خدمة نزعة شديدة المحافظة وشديدة الاعتداد ب»القيم الأميركية«، ودعت، بناء على ذلك، الى ممارسة دور امبريالي متحرر من كل شعور بالذنب. ولقد التقت، في ذلك، مع تحول كان يعيشه المجتمع الإسرائيلي نفسه بحيث بات في الإمكان ليس الدفاع عن إسرائيل في أميركا بل الدفاع عن إسرائيل الليكودية.
ترمي هذه المدرسة بثقلها كله وراء الحرب على العراق. ولقد نجح تحالفها مع أصوليات مسيحية (ذات ماض لا سامٍ) ومع أصحاب مصالح نفطية وعسكرية في السيطرة على مراكز القرار. ولم يكن ذلك ليحصل لولا أن ال»واسب« الحاكمين يعيشون تماهياً بين رؤيتهم لمصالح أميركا ورؤية اليمين القومي الإسرائيلي لمصالحه. ويمكن، بناء على ذلك، فهم أن الحرب على العراق هي موضع نقاش حتى في الولايات المتحدة وبريطانيا وإنما ليس في إسرائيل!
* * *
عودة الى لورنس سامرز الذي كان مسؤولاً في إدارة كلينتون. دعا، ذات مرة، الى نقل الصناعات التلويثية الى العالم الثالث لأن الإنسان الذي قد تقتله هناك أقل كلفة من ذلك الذي قد تقتله في العالم المتقدم. كان ذلك قبل سنوات. ليس من حقه، اليوم، أن يشكو من ان قضايا عربية عادلة، من فلسطين إلى رفض الحرب على العراق، تخاطب المزاج الأكثر تقدمية في العالم. لا يستطيع المرء أن يحصل، في الوقت نفسه، على بوش وشارون و... راحة الضمير!

10/10/2001
  رد مع اقتباس
قديم 18/08/2008   #18
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


التفاهة داء غير قاتل



التفاهة داء. لكنه غير قاتل. لو أنه كذلك لخر ديك تشيني صريعاً فور تأكيده أمام وفد المعارضة العراقية أن واشنطن تريد إقامة نظام ديموقراطي في العراق ولن تحارب لمجرد استبدال ديكتاتور بآخر. وكان لحقه، أو سبقه، دونالد رامسفيلد لأنه قال كلمات »قاتلة« مماثلة.
لقد تفوها بذلك أمام وفد يتشكل من وريث عرش ضائع منح لأجداده في ظروف مشبوهة، ومن مسؤولين حزبيين كرديين أجريا مسرحية انتخابية ثم دخلا في قتال مديد، ومن شقيق لقائد ديني يشك في استعداده للامتثال لنتائج أي اقتراع، ومن شخصية شكلت حزبا لم يختره أحد لرئاسته، ومن »جلبي« تطارده الفضائح المالية ولا تكف المؤسسات الأميركية نفسها عن التشكيك في كيفية تصرفه بأموال معطاة إليه لقاء خدمات تدخل صاحبها السجن.
لا وجود، في هذا الوفد، لفرد ذي تقاليد ديموقراطية. أكثر من ذلك، لا وجود لتقاليد ديموقراطية في البلد المعني. وإذا أضيف الى ذلك سنوات الحروب والحصار، وتبديد الطبقات الوسطى، وتهميش الأحزاب وضربها، والتركيبة الاجتماعية الهجينة، إذا أضيف ذلك كله أصبح بالإمكان تخيير تشيني ورامسفيلد بين تهمتي التفاهة أو الكذب.
إن ما تريده واشنطن من العراق هو نظام موالٍ لها. تسعى الى سلطة في المركز تتحكم بالقرار العسكري الإجمالي
والنفطي. ويمكن لها أن تتعايش، عند أطرافها، مع اضطرابات محدودة. فهذا النظام الموالي هو، في عرف غلاة الأميركيين، أي الإدارة الراهنة وأغلبية الرأي العام الحالي، الطريق الى الإمساك بالشرق الأوسط كله.
لا شيء يحول دون أن تكون الديموقراطية حلماً عراقياً ومشروعاً سياسياً. ولكن القول بأن العدوان العسكري كفيل بنقل هذا البلد مما هو فيه الى الديموقراطية ترويج لا معنى له.
يمكن للولايات المتحدة أن تطمح الى شراء ولاءات في العراق. ولكنها مضطرة، من أجل ذلك، الى تسعير التباينات العرقية والمذهبية ووعد كل فئة بأن تجد لها مكاناً في المستقبل. لذلك لم يكن غريباً أن يتلازم الحديث عن »حل« بالحديث عن الفدرالية. فهذه الأخيرة يراد لها أن تستند الى تمايزات قد تكون موجودة من أجل دفعها الى الحد الأقصى. وسيقود الأمر، في حال حصوله، الى جعل الضوابط دون التقسيم الكامل خارجية فقط، والى نشوء تجمعات متعايشة بتجاور يصعب له أن يحتضن، في كل »كانتون«، تعددية جدية.
إذا استخدمنا أفغانستان مقياساً أمكن لنا أن ندرك بالملموس حجم الفارق بين الوعود التي تصاحب حرباً والنتائج الحاصلة بعد الانتصار. فالقوات الأميركية غير معنية إطلاقاً بأي أمن خارج العاصمة. وهي تقيم صلات مع أمراء حرب تسميهم »الزعماء المحليين«. وتراقب بسلبية ارتكاباتهم وصراعاتهم وترفض تعريض نفسها لمخاطر. أما نثر الوعود الاقتصادية، والتلويح بإعادة البناء، والتشديد على عدم تكرار خطأ الماضي بإدارة الظهر... هذه كلها تخلت عنها الولايات المتحدة إما لتتركها تسقط وإما لتكلف الأوروبيين بها.
يستحسن استرجاع ما قاله تشيني ورامسفيلد غداة 11 أيلول في معرض تحضير الحملة الأفغانية للمقارنة بواقع الممارسة اليوم. سيتضح أن الإمساك بالسلطة المركزية هو الهدف الأول وهو هدف تحقق بتدخل شديد الفظاظة لإرغام »لويا جيرغا« على تسمية من طاب لزلماي خليل زاد وتسميتهم في مواقعهم.
والاسترجاع ضروري استباقاً لما قد يحصل في العراق. ان أفق التدخل العسكري لا علاقة له بماك آرثر ولا بتحرير أوروبا الغربية ومشروع مارشال. الأفق هو قبضة من حديد تمسك بالبلد ويكون المعيار الوحيد لمحاكمتها اندراجها في السياسة الأميركية الإجمالية حيال المنطقة وهي سياسة شديدة العدائية والجذرية.

08/15/2001
  رد مع اقتباس
إضافة موضوع جديد  إضافة رد



ضوابط المشاركة
لافيك تكتب موضوع جديد
لافيك تكتب مشاركات
لافيك تضيف مرفقات
لا فيك تعدل مشاركاتك

وسوم vB : حرك
شيفرة [IMG] : حرك
شيفرة HTML : بليد
طير و علّي


الساعة بإيدك هلق يا سيدي 02:18 (بحسب عمك غرينتش الكبير +3)


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
ما بخفيك.. في قسم لا بأس به من الحقوق محفوظة، بس كمان من شان الحق والباطل في جزء مالنا علاقة فيه ولا محفوظ ولا من يحزنون
Page generated in 0.39398 seconds with 14 queries