أخوية  

أخوية سوريا: تجمع شبابي سوري (ثقافي، فكري، اجتماعي) بإطار حراك مجتمع مدني - ينشط في دعم الحرية المدنية، التعددية الديمقراطية، والتوعية بما نسميه الحد الأدنى من المسؤولية العامة. نحو عقد اجتماعي صحي سليم، به من الأكسجن ما يكف لجميع المواطنين والقاطنين.
أخذ مكانه في 2003 و توقف قسراً نهاية 2009 - النسخة الحالية هنا هي ارشيفية للتصفح فقط
ردني  لورا   أخوية > فن > المكتبة > قرأت لك

إضافة موضوع جديد  إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 14/08/2008   #325
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


عود الى مسألة الريادة في الشعر العربي الحديث! ماذا تعني لك مقولة الرواد؟ هل ما زالت هذه المقولة مستمرة أم انها باتت مرتبطة بزمن معين؟

- أعترف بأني لا أستطيع أن أقرأ شعر معظم الرواد. وشعر هؤلاء يحتاج الى قراءة نقدية جديدة والى غربلة. وأهمية الرواد هي أهمية تاريخية، فهم شكلوا بشعرهم أو بأسمائهم نقطة انعطاف أو تمرد على القصيدة الكلاسيكية عبر خلق كلاسيكية تفعيلية جديدة. أي انهم تمردوا على التقليدية بما يمكن أن أسميه تقليدية أخرى. أنا لا أستطيع أن أقرأهم. انهم يحتاجون الى اعادة نظر، ولكن هذا لا يعني انني أخفف من أهمية دورهم التاريخي. الجامعات العربية وللأسف الشديد، لا تعرف مرحلة ما بعد الرواد. وكل جيل ما بعد الرواد غير مقروء جيداً، نقدياً وأكاديمياً. فجيل الرواد احتل مفهوم حداثة الشعر العربية، وأغلق الباب في وجه من أتى بعده. كل هذه المسألة تحتاج الى قراءة جديدة وإعادة نظر. أين تضع سعدي يوسف هذا الشاعر الكبير؟ فلا هو مع الرواد ولا مع جيل الستينات أو السبعينات؟ أين تضعه؟


> وأنت أليس أمرك هو نفسه؟

- إذا كنت أنا شاعراً مهماً فأين تضعني؟ إذاً الريادة يجب ألا تقف عند مرحلة تاريخية وتتجمد. الريادة يجب ان تكون أشبه بالصيرورة المستمرة والمتواصلة. وهناك انقلابات في الشعر العربي في السبعينات والثمانينات والتسعينات، وكل جيل يقدم ريادة من نوع مختلف. فعلى النقد العربي أو على الاكاديميات العربية ان تجري تحقيقاً جديداً في شأن الريادة ويجب أن يظهر الخط المستمر من جيل الرواد الى الآن. وهكذا يصبح في الإمكان النظر الى الشعر العربي كحركة حيوية متقدمة باستمرار وتنقلب على نفسها وتجدد نفسها بنفسها. ويجب عدم وضع حواجز حديد بين جيل وجيل.


> من الذي ينفّرك من الشعراء الرواد مثلاً إذا عدت الى قراءة آثاره؟

- لم أعد قادراً على قراءة شعر خليل حاوي مثلاً. والبياتي كذلك. لكنني أحترمهما. فهما غير قريبين الى ذائقتي. ومن المعروف أن الذائقة الشعرية مسألة ذاتية جداً، وأود ألا أذكر أسماء...


> هل عدت مرة الى كتب كنت تحبها ثم وجدت نفسك لا تحبها؟

- طبعاً، إننا نتعرض لخدع شعرية وفنية وثقافية. فما كان يبدو لنا جميلاً في زمن معين وعمر معين أو مرحلة معينة لم يعد يحمل حياة جديدة في ذاته تجعله قابلاً للقراءة في زمننا. لذلك فإن الأدب الباقي هو الأدب الذي يستطيع أن يخترق الأزمنة والأجيال ويحافظ على حداثته ومعاصرته، وعلى قابليته لأن يقرأ في زمن غير الزمن الذي كتب فيه.


> أحياناً نحس أن بعض القصائد تشيخ مثل الانسان!

- هذا إحساس مؤلم ولكنه مطمئن، فالخديعة لا تعمّر طويلاً.


> كيف تقرأ الآن شاعراً مثل نزار قباني؟

- لا أقرأه الآن بالبهجة التي كنت أقرأه بها من قبل، لكن هذا لا يعني أنني لا أحبه.


> نلاحظ أنك لم تكتب أي نص نظري في الشعر، علماً أن قصيدتك تحمل ما يشبه «البيان» الشعري بصمت! هل كتبت نقداً عندما عملت في الصحافة الفلسطينية في الداخل؟

- كنت أكتب مراجعات كتب، ولكن إذا قلت ان نظرتي الشعرية أو بياني الشعر موجودان في قصيدتي نفسها، فهذا يكفي. لماذا أضع نفسي في إطار نظري يصعب عليّ التخلص منه. وهذا لا يعني انني لا أحترم المنظرين، بل على العكس. لكن الملاحظ أن معظم الشعراء الذين ينظرون فإنما ينظرون لشعرهم، ويدافعون عن خيارهم الشعري، ولا يكونون منفتحين على تجارب الشعراء الآخرين ومستعدين لاستيعابها. ثم ليس لدي ميل الى التنظير، لأنني أخاف أن أخطئ.


> لكنك في الاحاديث الصحافية تنم عن ناقد يملك ذائقة ووعياً نقدياً!

- اكتفي بوضع ملاحظات، وهي ليست ناجمة عن مقولات أو نظريات متماسكة. ربما ليس لدي مؤهلات لهذا الأمر. ليس لدي هذا الميل.


> ألا تحس أحياناً انك في حاجة الى أن توضح أمراً ما في شعرك أو قصيدتك؟

- بين حين وآخر أكتب بعض النصوص عن الشعر وعن التجربة الشعرية، وأحاول أن أجيب على اسئلة تتعلق بهذه التجربة، ساعياً الى توضيح سوء فهم بريء أو مقصود حول تجربتي. عندما وقعت ديواني الجديد «كزهر اللوز...» في رام الله أخيراً كنت مضطراً على أن أرد على حملة قام بها شعراء فلسطينيون تحديداً، يريدون أن يتدرّبوا على الملاكمة وهم يرون ان شعري لم يعد شعر مقاومة، فقدمت بعض الملاحظات المكتوبة حول فهمي للشعر الوطني وشعر المقاومة، وأن علينا أن نفهم المقاومة في معناها الواسع وليس الضيق. وقلت أيضاً إن الحداثة لا تعرّف فقط بقصيدة النثر... أحياناً في بعض الحوارات الصحافية أو اللقاءات والمداخلات أعبّر عن مفهومي للشعر.


> هل تقرأ ما يكتب الشعراء من تنظير شعري؟

- ليس كل الشعراء.

شُذَّ، شُذَّ بكل قواك عن القاعدة
لا تضع نجمتين على لفظة واحدة
وضع الهامشيّ إلى جانب الجوهريّ
لتكتمل النشوة الصاعدة
  رد مع اقتباس
قديم 14/08/2008   #326
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


أعود الى مسألة الريادة في الشعر العربي الحديث! ماذا تعني لك مقولة الرواد؟ هل ما زالت هذه المقولة مستمرة أم انها باتت مرتبطة بزمن معين؟

- أعترف بأني لا أستطيع أن أقرأ شعر معظم الرواد. وشعر هؤلاء يحتاج الى قراءة نقدية جديدة والى غربلة. وأهمية الرواد هي أهمية تاريخية، فهم شكلوا بشعرهم أو بأسمائهم نقطة انعطاف أو تمرد على القصيدة الكلاسيكية عبر خلق كلاسيكية تفعيلية جديدة. أي انهم تمردوا على التقليدية بما يمكن أن أسميه تقليدية أخرى. أنا لا أستطيع أن أقرأهم. انهم يحتاجون الى اعادة نظر، ولكن هذا لا يعني انني أخفف من أهمية دورهم التاريخي. الجامعات العربية وللأسف الشديد، لا تعرف مرحلة ما بعد الرواد. وكل جيل ما بعد الرواد غير مقروء جيداً، نقدياً وأكاديمياً. فجيل الرواد احتل مفهوم حداثة الشعر العربية، وأغلق الباب في وجه من أتى بعده. كل هذه المسألة تحتاج الى قراءة جديدة وإعادة نظر. أين تضع سعدي يوسف هذا الشاعر الكبير؟ فلا هو مع الرواد ولا مع جيل الستينات أو السبعينات؟ أين تضعه؟


> وأنت أليس أمرك هو نفسه؟

- إذا كنت أنا شاعراً مهماً فأين تضعني؟ إذاً الريادة يجب ألا تقف عند مرحلة تاريخية وتتجمد. الريادة يجب ان تكون أشبه بالصيرورة المستمرة والمتواصلة. وهناك انقلابات في الشعر العربي في السبعينات والثمانينات والتسعينات، وكل جيل يقدم ريادة من نوع مختلف. فعلى النقد العربي أو على الاكاديميات العربية ان تجري تحقيقاً جديداً في شأن الريادة ويجب أن يظهر الخط المستمر من جيل الرواد الى الآن. وهكذا يصبح في الإمكان النظر الى الشعر العربي كحركة حيوية متقدمة باستمرار وتنقلب على نفسها وتجدد نفسها بنفسها. ويجب عدم وضع حواجز حديد بين جيل وجيل.


> من الذي ينفّرك من الشعراء الرواد مثلاً إذا عدت الى قراءة آثاره؟

- لم أعد قادراً على قراءة شعر خليل حاوي مثلاً. والبياتي كذلك. لكنني أحترمهما. فهما غير قريبين الى ذائقتي. ومن المعروف أن الذائقة الشعرية مسألة ذاتية جداً، وأود ألا أذكر أسماء...


> هل عدت مرة الى كتب كنت تحبها ثم وجدت نفسك لا تحبها؟

- طبعاً، إننا نتعرض لخدع شعرية وفنية وثقافية. فما كان يبدو لنا جميلاً في زمن معين وعمر معين أو مرحلة معينة لم يعد يحمل حياة جديدة في ذاته تجعله قابلاً للقراءة في زمننا. لذلك فإن الأدب الباقي هو الأدب الذي يستطيع أن يخترق الأزمنة والأجيال ويحافظ على حداثته ومعاصرته، وعلى قابليته لأن يقرأ في زمن غير الزمن الذي كتب فيه.


> أحياناً نحس أن بعض القصائد تشيخ مثل الانسان!

- هذا إحساس مؤلم ولكنه مطمئن، فالخديعة لا تعمّر طويلاً.


> كيف تقرأ الآن شاعراً مثل نزار قباني؟

- لا أقرأه الآن بالبهجة التي كنت أقرأه بها من قبل، لكن هذا لا يعني أنني لا أحبه.


> نلاحظ أنك لم تكتب أي نص نظري في الشعر، علماً أن قصيدتك تحمل ما يشبه «البيان» الشعري بصمت! هل كتبت نقداً عندما عملت في الصحافة الفلسطينية في الداخل؟

-
كنت أكتب مراجعات كتب، ولكن إذا قلت ان نظرتي الشعرية أو بياني الشعر موجودان في قصيدتي نفسها، فهذا يكفي. لماذا أضع نفسي في إطار نظري يصعب عليّ التخلص منه. وهذا لا يعني انني لا أحترم المنظرين، بل على العكس. لكن الملاحظ أن معظم الشعراء الذين ينظرون فإنما ينظرون لشعرهم، ويدافعون عن خيارهم الشعري، ولا يكونون منفتحين على تجارب الشعراء الآخرين ومستعدين لاستيعابها. ثم ليس لدي ميل الى التنظير، لأنني أخاف أن أخطئ.


> لكنك في الاحاديث الصحافية تنم عن ناقد يملك ذائقة ووعياً نقدياً!

- اكتفي بوضع ملاحظات، وهي ليست ناجمة عن مقولات أو نظريات متماسكة. ربما ليس لدي مؤهلات لهذا الأمر. ليس لدي هذا الميل.


> ألا تحس أحياناً انك في حاجة الى أن توضح أمراً ما في شعرك أو قصيدتك؟

- بين حين وآخر أكتب بعض النصوص عن الشعر وعن التجربة الشعرية، وأحاول أن أجيب على اسئلة تتعلق بهذه التجربة، ساعياً الى توضيح سوء فهم بريء أو مقصود حول تجربتي. عندما وقعت ديواني الجديد «كزهر اللوز...» في رام الله أخيراً كنت مضطراً على أن أرد على حملة قام بها شعراء فلسطينيون تحديداً، يريدون أن يتدرّبوا على الملاكمة وهم يرون ان شعري لم يعد شعر مقاومة، فقدمت بعض الملاحظات المكتوبة حول فهمي للشعر الوطني وشعر المقاومة، وأن علينا أن نفهم المقاومة في معناها الواسع وليس الضيق. وقلت أيضاً إن الحداثة لا تعرّف فقط بقصيدة النثر... أحياناً في بعض الحوارات الصحافية أو اللقاءات والمداخلات أعبّر عن مفهومي للشعر.
  رد مع اقتباس
قديم 14/08/2008   #327
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


> هل تقرأ ما يكتب الشعراء من تنظير شعري؟

- ليس كل الشعراء.

> يبدو أن سيرتك الشعرية لا تظهر إلا في شعرك وخصوصاً في ديوان «لماذا تركت الحصان وحيداً» وفي «جدارية»، وكأن لا سيرة لك مع أنك تحب قراءة السيَر! ما سر غياب سيرة محمود درويش وطغيان الشعر عليها؟

- أولاً ما يعني القارئ في سيرتي مكتوب في القصائد. وهناك قول مفاده ان كل قصيدة غنائية هي قصيدة أوتو – بيوغرافية أو سير – ذاتية، علماً بأن هناك نظرية تقول ان القارئ لا يحتاج الى معرفة سيرة الشاعر كي يفهم شعره ويتواصل معه. ثانياً يجب أن أشعر بأن في سيرتي الذاتية ما يفيد، أو ما يقدم فائدة. ولا أخفيك ان سيرتي الذاتية عادية جداً.


> على العكس، أجد انها سيرة مثيرة جداً وصاخبة... فماذا عن طفولتك؟ ماذا عن أمك وأبيك؟ ماذا عن المنفى؟...

- لم أفكر حتى الآن في كتابة سيرتي.


> هل تخاف هذه السيرة؟

- لا. لا. لكنني لا أحب الإفراط في الشكوى من الحياة الشخصية ومشكلاتها. ولا أريد بالتالي أن أتبجّح بنفسي، فالسيرة الذاتية تدفع أحياناً الى التبجح بالنفس، فيصوّر الكاتب نفسه وكأنه شخص مختلف. وقد كتبت ملامح من سيرتي في كتب نثرية مثل «يوميات الحزن العادي» أو «ذاكرة للنسيان» ولا سيما الطفولة والنكبة... لا أريد أن أكرر هذا الموضوع وربما عندما أشعر بأن من الضروري أن أكتب سيرتي فسأكتبها. ربما عندما انقطع عن كتابة الشعر.


> والدتك التي غنيتها في قصيدة «أمي» ماذا تمثل لك الآن؟

- انها أمي. وهي ما زالت على قيد الحياة. أما الوالد فتوفي منذ عشر سنوات وقد أصيب بضربة شمس في الحج.


> وكيف علاقتك الآن بوالدتك؟

- أنا ابنها المفضل، والسبب بسيط لأنني الابن الغائب. غبت عنها سنوات طويلة ولكن كنا نلتقي قبل «الاغلاقات» من حين الى آخر.

ماذا تعني لك مقولة «عرب 1948» ولماذا يُسمى الفلسطينيون بـ «عرب 48»؟ وأنت كنت منهم؟

- أنا منهم أجل. انني ولدت في قرية تدعى البروة ثم انتقلنا كعائلة الى لبنان خلال حرب 1948. شُرّدنا وهُجّرنا. اضطررنا على الهروب مع أهل القرية الى شمال فلسطين ثم الى لبنان وأول قرية لبنانية أتذكرها هي رميش ثم سكنا في جزين في البداية، الى أن هبط الثلج في الشتاء. وفي جزين شاهدت للمرة الأولى في حياتي شلالاً عظيماً. وقبل سنتين زرت جزين ولم أجد الشلال. ثم انتقلنا الى الناعمة قرب الدامور. وأتذكر الدامور في تلك الفترة جيداً: البحر وحقول الموز... كنت في السادسة من عمري، لكن ذاكرتي قوية وعيناي ما زالتا تسترجعان تلك المشاهد. كنا نتصرّف وكأننا سياح... فنحن خرجنا من القرى كي يتمكّن جيش الانقاذ العربي من مواصلة الحرب وتحرير الأراضي. وكنا ننتظر انتهاء الحرب لنعود الى قرانا. لكن جدي وأبي عرفا ان المسألة انتهت فعدنا متسللين مع دليل فلسطيني يعرف الطرق السرية الى شمال الجليل. وقد بقينا لدى أصدقاء الى ان اكتشفنا ان قريتنا البروة لم تعد موجودة. فالعودة الى مكان الولادة لم يتحقق. عشنا لاجئين في قرية أخرى اسمها دير الأسد في الشمال. كنا نسمى لاجئين ووجدنا صعوبة بالغة في الحصول على بطاقات إقامة، لأننا دخلنا في طريقة غير شرعية، فعندما أجري تسجيل السكان كنا غائبين. وكانت صفتنا في القانون الاسرائيلي: «الحاضرون – الغائبون»، أي اننا حاضرون جسدياً ولكن بلا أوراق. صودرت أراضينا وعشنا لاجئين.


> ولكن أين كانت نشأتك؟

- أنا نشأت في حيفا بعدما انتقلت العائلة الى قرية أخرى اسمها الجديدة بنى أبي فيها بيتاً. وفي حيفا عشت عشر سنين وأنهيت فيها دراستي الثانوية ثم عملت محرراً في جريدة «الاتحاد» وكنت ممنوعاً من مغادرة حيفا مدة عشر سنوات. كانت إقامتي في حيفا إقامة جبرية. ثم استرجعنا هويتنا، هوية حمراء في البداية ثم زرقاء لاحقاً وكانت أشبه ببطاقة إقامة. كان ممنوعاً عليّ طوال السنوات العشر أن أغادر مدينة حيفا. ومن العام 1967 لغاية العام 1970 كنت ممنوعاً من مغادرة منزلي، وكان من حق الشرطة أن تأتي ليلاً لتتحقق من وجودي. وكنت أعتقل في كل سنة وأدخل السجن من دون محاكمة. ثم اضطررت على الخروج.


> الى أين خرجت حينذاك؟

- الى موسكو.


> سنعود الى الكلام عن مدن محمود درويش. ولكن أسألك مرة أخرى: لماذا كنتم تسمّون عرباً وليس فلسطينيين؟ ولماذا ما زالت هذه التسمية قائمة حتى الآن؟

- الاسرائيليون سمّونا عرباً والعرب سمّونا فلسطينيين. لماذا عرب؟ للتمييز بيننا وبين اليهود ولمحو هديتنا الحقيقية. فهذه الدولة الاسرائيلية الجديدة تضمّ عرباً. والفلسطينيون للأسف لهم أسماء عدة: عرب 1948، فلسطينيو 1948، فلسطينيو 1967، فلسطينيو 1993 أو فلسطينيو أوسلو... أي ان عندنا أرقاماً وأننا «محقّبون» جيداً.


> هل ما زلت على تواصل مع ثقافة الداخل؟

- بمقدار ما يتاح لي من اتصال بالانتاج الثقافي والابداعي.

> لماذا نحسّ أن ثقافة الداخل يشوبها بعض «الفوات» عربياً وبعض الاغتراب؟

- هذه قضية تحتاج الى قراءة خاصة.
  رد مع اقتباس
قديم 14/08/2008   #328
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


ما رأيك بالأدب العربي المكتوب باللغة العبرية، خصوصاً أن ثمة أسماء ولو قليلة لمعت في هذه اللغة؟

- لم أقرأ من هذا الأدب إلا رواية مهمة هي «أرابيسك» للكاتب انطون شماس. الآن هناك ما يشبه «الموضة» وهناك أيضاً روائيون وشعراء شباب وجدد اختاروا العبرية للكتابة. ربما تسعى هذه البادرة الى الاندماج الثقافي في المجتمع الاسرائيلي. هذا لدى بعضهم. ولدى البعض الآخر قد يكون هذا الخيار نوعاً من المقاومة ضد الاسرائيليين في لغتهم نفسها. هكذا يقول هؤلاء. وقد يحسن البعض، بسبب تكوينهم ونشأتهم عبرياً، التعبير باللغة العبرية أفضل من العربية. هناك تفسيرات عدة. ولكن هذا خيار لدى أقلية محدودة.


> هناك أصوات شعرية وروائية اسرائيلية مهمة كما يظهر لنا من خلال الترجمات الأجنبية والعربية، وكيف ترى الى هذا الأدب؟ هل يجب علينا أن نقرأه كأدب عدوّ من خلال موقف سلبي مسبق؟

- بصراحة لم أعد أطلع في السنوات الأخيرة على الأدب العبري مثلما كنت أطلع عليها في السابق، عندما كنت أعيش هناك. انقطعت صلتي بهذا الأدب. ولكن هناك اسماء مكرّسة في أوروبا وأميركا، وهي تترجم في الوقت الذي تكتب فيه. ففي وزارة الخارجية الاسرائيلية مكتب لترجمة الأدب العبري الى اللغات الأجنبية. والدولة الاسرائيلية تشرف بنفسها على تسويق الأدب العبري عالمياً. وهذا يدل على الصلة بين المؤسسة والأدب. أمّا ان نقرأه أو لا نقرأه فهذا أمر آخر. وأود أن أشير الى أن سيدة اسرائيلية أسست داراً لنشر الأدب العربي مترجماً الى العبرية وترجمت حنان الشيخ وإلياس خوري ومحمد شكري وقصائد لي وآخرين. بعض الكتاب العرب رفضوا ان يُترجموا الى العبرية، بينما الاسرائيليون لا يحتاجون الى إذن خطي لكي يترجموا. فأنا تُرجم الكثير من شعري الى العبرية من دون ان أُستأذن. وفي المحصلة تبيّن أن الكتاب العرب لا يريدون أن يقرأهم الاسرائيليون وأن الاسرائيليين غير معنيين بقراءة الأدب العربي. فالفجوة في العلاقة بين الطرفين ما زالت قائمة وما زال كل طرف يقرأ الآخر من باب: اعرف عدوك. لم نصل بعد الى قراءة بعضنا بعضاً قراءة أدبية صرفاً أو للمتعة الأدبية، والشروط التاريخية لا تسمح لنا بذلك. انهم لا يجدون متعة في قراءتنا ولا نجد نحن بدورنا متعة في قراءتهم. وهذا الأمر يندرج في سياق الصراع المستمر بيننا وبينهم.


> ولكن لك قرار اسرائيليون كثيرون!


- لا أعرف إن كانوا كثيرين. لكنني أُقرأ من باب الاطلاع على المفهوم السوسيولوجي الفلسطيني وعلى سيكولوجية الشعب الفلسطيني. وأكاد أقول انني أُقرأ أيضاً قراءة أمنية من ناحية، ومن ناحية أخرى هناك اليساريون الذين يقرأونني كنوع من التعبير عن التعاطف مع حقوق الفلسطينيين. اما ان أقرأ قراءة أدبية محضة فلا أعرف، بل قد أشك في ذلك.


شارون والوجدان الفلسطيني


> هناك بعض المسؤولين يقرأون شعرك!

- مثل من؟


> شارون! وذلك الوزير الذي سبب مشكلة كبيرة انطلاقاً من قصيدتك «عابرون في كلام عابر».

- الضجة الكبرى أثارها الوزير الاسرائيلي سريد وهو من حزب «ميريتس»، عندما أدرج بعض قصائدي في المدارس. لم تكن القراءة الزامية بل اختيارية وكما ان من حق الطالب ان يطلع على الشعر البولندي والهولندي والفرنسي يحق له أن يطلع على الشعر الفلسطيني أو العربي. والأمر يتوقف على رغبة المعلم والطالب معاً. والمسألة من أولها الى آخرها لم تكن تستحق تلك الضجة، وكادت الحكومة الاسرائيلية ان تسقط والفرق كان في ثلاثة أصوات. حينذاك سألتني احدى الصحف الاسرائيلية فقلت لها: كنت أعتقد انكم دولة تحترمون أنفسكم الى حد انكم تسقطون الحكومة لأسباب داخلية سياسية ولكن ليس لأسباب شعرية، كنت أعتبر انكم أقوى من ذلك. الوزيرة الجديدة وهي من حزب «ليكود» ألغت للتو قصائدي من البرنامج. أما ما قاله شارون عن شعري فقاله بعدما خرج كلامه عن سياقه. سئل شارون في مقابلة صحافية عما يقرأ، فقال انه يقرأ رواية لكاتب اسرائيلي. فقال له الصحافي ان هذا الكاتب يساري ويكرهك، فقال له شارون: إنني أميز بين الابداع والسياسة، صحيح انني ضد أفكاره وهو ضد أفكاري، لكنني مستمتع بروايته. وأضاف: أنا أقرأ حتى محمود درويش وأنا معجب بديوان «لماذا تركت الحصان وحيداً؟» لأن هذا الاعجاب قادني الى الاعجاب بتعلق الشعب الفلسطيني بقضيته وأرضه. في هذا السياق جاء كلام شارون.
  رد مع اقتباس
قديم 14/08/2008   #329
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


> هل تجوز المقارنة برأيك بين الشعر الاسرائيلي الحديث والشعر الفلسطيني الحديث مثلما فعل أحد الباحثين الفلسطينيين في «الداخل»؟

- من حيث المبدأ، أكاديمياً أو ثقافياً، قد يكون من الممكن المقارنة بين شعرين مكتوبين بلغتين مختلفتين، ومن وجهتي نظر متضادتين، على أرض واحدة. وقد تغري المقارنة هنا بالدراسة. ولكن لا أعرف أي منهج يمكن أن يعتمد وأي موضوع يمكن تناوله: الصراع على الهوية، الصراع على الذاكرة...؟ يمكن اجراء مقارنة بين علاقتين مختلفتين مع الأرض. وثمة بين الشعر الفلسطيني والشعر الاسرائيلي حال من الصراع، صراع في اللغة حول من يمتلك المكان واللغة وحول مَن يسيطر على موضوع المكان أفضل من الآخر. الصراع قائم.


> عندما تقرأ شاعراً اسرائيلياً يتغنى بأرض فلسطين، ماذا يكون شعورك؟

- يأخذني شعوري الى أن الصراع بيننا ليس عسكرياً فقط واننا نحن مدفوعون الى صراع ثقافي عميق. مثلاً هناك شاعر اسرائيلي كبير أحب شعره هو يهودا عميحاي، لم يدع مكاناً في فلسطين، وهو يسميها أرض اسرائيل، إلا وكتب فيه قصائد وبعضها جميل جداً وتحرج الشاعر الفلسطيني حقاً. تحرجه في أي معنى؟ الشاعر الفلسطيني لم يشعر يوماً بأنه محتاج الى تقديم براهين على حقه بالمكان، وعلاقته بالأرض تلقائية وعفوية ولا تحتاج الى أي ايديولوجيا أو تبرير. الشاعر الاسرائيلي الذي يعرف كيف تمّ مشروعه وماذا كان قبل اسرائيل، والذي يعرف أيضاً ان هذا المكان له اسم آخر وسابق هو فلسطين، يبدو هذا الشاعر في حاجة الى شحذ كل طاقته الابداعية من أجل امتلاك المكان باللغة كجزء مكمل للمشروع الاستيطاني. وبالتالي فهذه المسألة مخيفة فعلاً: من يكتب المكان في شكل أجمل يستحق المكان أكثر من الآخر؟ قد يكون هناك شعب لا شعراء له، فهل يكون من حق الآخر ان يحتله؟ الجدارة الأدبية لا تعطي حقاً للسلاح في أن يملك شرعيته. هناك مسائل صعبة. كأن تقول ان صاحب الحق الأكبر هو صاحب التعبير الأجمل. طبعاً يحاولون في اسرائيل دائماً تجريد الشعب الفلسطيني من قدراته الابداعية لكي يقولوا انهم جاؤوا الى أرض شعبها غير متحضر وغير متمدن، وانهم يحملون رسالة تحضير وتحديث أي رسالة كولونيالية. كيف يكون ردّي على شارون مثلاً: عوض أن يحسد الفلسطينيين على العلاقة بأرضهم يستطيع أن يشفي نفسه من هذا الحسد بأن ينسحب من أرضهم. ولكن من جهة أخرى، ان الشعر الفلسطيني بحسب مقولة شارون، استطاع أن يخترق الحصار السياسي والتاريخي.


> كيف تصف نفسك الآن، كمواطن فلسطيني؟

- أنا الآن في فلسطين، مواطن فلسطيني، محاصر بكل شروط الاحتلال والحصار والعزلة التي تفرضها اسرائيل. وأدافع عن حقنا في امتلاك مستقبل أفضل على أرض أوسع، مع الاحتفاظ بحريتنا في أن نحلم بشيء يبدو مستحيلاً مثل العدل والسلام والتحرر. لا استطيع ان أتكلم عن فلسطين في هذه اللحظة إلا بكثير من الاحباط. ففلسطين تتناقص جغرافياً، مع انها لا تزال في مكانها، لكن الواقع الاسرائيلي يقضمها كل يوم، ويحيط ما يريده أن يكون لنا وطناً نهائياً، بالاسوار والجدران. فلسطين تتناقص أيضاً في مدى مشاركة العالم في الدفاع عن حقها بالضغط على دولة ينظر اليها العالم بأنها فوق القانون، ويعاملها كقيمة أخلاقية غير قابلة للمحاسبة. والعالم العربي المحيط بفلسطين يتعرّض أيضاً للمزيد من الاحتلال أي انه «يُفلسطن» في شكل أو في آخر. صورة المستقبل القريب غير مشعّة إذا نظرنا اليها من منظور الحاضر. وللأسف المستقبل القريب أكثر وضوحاً مما ينبغي، لأن معالم الحل الاسرائيلي محددة ومعروفة: ان نعيش في كانتونات تثبت ان الأبارتايد أو التمييز العنصري ينتهي في بلد ويبدأ في بلد آخر. والبعد العربي للقضية الفلسطينية معرّض أيضاً للاحتلال والتهديد. فكل ما حولنا وما فينا يشير الى الحزن والغضب معاً. والاسرائيليون يعطون للنكبة عمراً جديداً، انهم يريدون للنكبة ان تستمر وان تتناسل. وكأن حرب 1948 ما زالت، كما يقول الاسرائيليون، مستمرة. واستمرارها يعني انهم يشعرون بأنهم لم ينتصروا تماماً، أي انهم في حاجة الى انتصار جديد. لكنّ هذا لا يعني أن الفلسطينيين تخلّوا عن حقهم، بل على العكس. لكن تجربة الشعب الفلسطيني في علاقته بأرضه تعني انه شعب غير قابل للخروج من التاريخ ولا من الجغرافيا كما يحاول الاسرائيليون أن يفعلوا. ضاقت الخيارات على الشعب الفلسطيني ولم يبق أمامه سوى خيارين، إما الحياة وإما الحياة. ومن حقه ان يدافع عن نفسه وأول سلاح هو أن حافظ على ذاته وحقه وهويته، وثانياً أن يلجأ الى الوسائل التي تحفظ صورته الانسانية والوطنية ولا تمدّ المحتل بما يريد لها من تشويش واضمحلال. مقاومة الاحتلال ليست حقاً فلسطينياً فقط بل هي واجب، والمقاومة تتخذ أشكالاً متعددة منها الصمود وعدم القبول بالمقترحات الاسرائيلية التي تعني الغاء الذات الفلسطينية، والبحث عن وسائل نضالية تخدم المصلحة الوطنية العليا.


> هل من علاقة لك بالسلطة الفلسطينية؟

- رسمياً أنا لا علاقة لي بأي سلطة، ولكن على المستوى الشخصي علاقتي ممتازة مع رئيس السلطة ورئيس الحكومة ومعظم الوزراء. ومهما كان هناك من مشكلات داخلية فما يجمع الفلسطينيين الآن هو السؤال الوطني، أكثر من أي سؤال داخلي. لكن ذلك لا يعني أن نغضّ النظر عن المشكلات الداخلية. والقضية الأساسية هي كيف نحل المشكلة الوطنية وهي مشكلة الاحتلال. لا أمارس دوراً كبيراً سياسياً بل أمارس دوراً ثقافياً. وينتابني شعور بالغربة، إلا ان واجبي الوطني يناديني كي أكون هناك. وهذا أضعف الإيمان. أنا إذاً هنا وهناك وأشعر بحزن وإحباط.


> عندما تكون في رام الله هل تشعر بأنك فعلاً في وطنك فلسطين أم ان وطنك استحال بقعة ما في ذاتك وشعرك وذاكرتك؟

- شعوري خجول جداً، ولغتي خجولة. لا أشعر كثيراً بأنني في الوطن. أشعر بأنني في سجن كبير مقام على أرض الوطن وكأنني لم أتحرر من منفاي. فمن كان يحمل الوطن في المنفى ما زال يحمل المنفى في الوطن. والحدود ملتبسة جداً، بين مفهومي الوطن والمنفى. الحرية شرسة جداً وجميلة جداً ويجب أن نبقى أسرى لها. وفي هذا الأسر، أسر الحرية نستطيع ان نتحرر. المجازات كثيرة هناك والاستعارات كثيرة والحدود بين الاشياء مختلطة. لا تعرف أحياناً حدود المعنى، وأحياناً تبحث عن المعنى ولا تجده. ولكن أهم أمر هو ألا نسقط الوطن من يدنا ولا من مخيلتنا. تعرضنا كثيراً لمحاولة الوقيعة بيننا وبين هذه البلاد. فالاسرائيليون يقيمون الجدران ليس بيننا وبينهم فحسب ولكن بيننا وبين أنفسنا، بيننا وبين ذواتنا، وهم محتاجون الى إقامة أسوار أخرى بين التاريخ والخرافة، بين الاسطورة والواقع، وهذا ما لا يفعلونه. إنهم متمترسون وراء أسطورة مسلحة برؤوس نووية. لم نسمع في التاريخ عن أساطير تتسلّح بهذا السلاح الفتاك.
  رد مع اقتباس
قديم 14/08/2008   #330
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


كيف ترى الى العمليات الاستشهادية أو الانتحارية التي تقوم بها بعض المجموعات الفلسطينية الأصولية؟

- هذا سؤال يتأرجح بين الاحساس بالمسؤولية والبعد الاخلاقي. من حق الفلسطينيين أن يقاوموا الاحتلال بوسائل تخدم قضيتهم. ولكن يجب أن يكون الفلسطينيون حريصين على التفوّق الأخلاقي للضحية، وأن يميزوا بين صورتهم وحقهم في العدالة وصورة المحتل. تحفظي الشديد هو على العمليات التي تمسّ المدنيين مما قد يقلّص الفارق بين الصورتين، فنصبح نحن والاسرائيليين كأننا جيشان في حرب. الاستشهادي يقدم حياته. ولا نستطيع أن نحاكم استشهادياً يهاجم موقعاً عسكرياً، ولكن نستطيع أن نقول له ان مهاجمة مطعم أو دار سينما لا تخدم قضيته ولا صورته.


> كيف تستعيد صورة الرئيس ياسر عرفات بعد مضي سنة على رحيله؟

- أريد أن أرى ياسر عرفات وقد رفض الغياب. أريد أن أراه رمزاً، ونحن محتاجون الى الرموز، رمزاً لتاريخ شعب وتحولات هذا الشعب من الغياب الكامل الى لاجئين فإلى مقاتلين فإلى مؤسسي مشروع وطني ثقافي، ثم الى حضور كثيف في خريطة العالم. ياسر عرفات من الذين استطاعوا أن يعيدوا اسم فلسطين الى الوعي العالمي. قدّم كل حياته للقضية ولم يعش لنفسه أبداً. أريد أن أرى هذه الصورة باقية. نفتقد عرفات لكننا لا نريد عرفات آخر. وأنا من الذين يقولون اننا لا نحتاج الى عرفات آخر. لا نحتاج الى رمزية عالية، نحتاج الى مدراء جيدين. كان عرفات يتمتع بمزايا لا يمكن أن تُورث وأن تُورّث. ومن الصعب أن نستنسخ شخصية مثله، وهذه الشخصية أنهت دورها ولم تعد قابلة للاستعادة. لكن تاريخه هو القابل للاستعادة، وكذلك تضحياته. انه سجل مضيء في ذاكرة الفلسطينيين. لكننا لسنا في حاجة الى عرفات جديد.


> يقول إدوارد سعيد انك لعبت دوراً سياسياً في منظمة التحرير مضيفاً عبارة «على مضض». ماذا تعني لك هذه العبارة، مع انك كنت شديد القرب من عرفات، مستشاراً وعضواً في اللجنة التنفيذية للمنظمة؟

- «على مضض» تعني انني لم أرغب، بيني وبين نفسي، في أن أكون عضواً في القيادة الفلسطينية. كنت أفضل أن أبقى في مجالي الحيوي فلا أحتل موقعاً يتعارض مع نزعات الشاعر الخاصة. كوني عضواً في اللجنة التنفيذية تسبّب في تأويلات مبالغ فيها لما أقول أو أكتب، وكأن هناك شعراً رسمياً أو مقالات رسمية. وهذا بعيد كثيراً من طبيعتي ومن حقيقة كتابتي الشعرية. ثم انني لا أصلح للعمل الرسمي والاداري والاجتماعات الطويلة والسهر الطويل والزيارات الرسمية والسفر المضني. لقد انتخبت وأنا غائب، سمعت الخبر في الراديو وكنت في النورماندي في فرنسا فبكيت. وأول مقال كتبته حينذاك عنوانه «قبل كتابة الاستقالة». لكن خضوعي لضغوط معنوية وأخلاقية عالية جعلني امتثل لهذه العضوية لفترة محددة، نحو خمس سنوات. وأقول مازحاً ان من حسنات أوسلو انها أتاحت لي الفرصة للاستقالة من اللجنة التنفيذية.


> ماذا عنى لك خروجك من المنظمة عام 1993؟


- شعرت بسهولة التنفس مثل شخص أطلق سراحه.


> سياسياً؟

- لا شخصياً. شخصياً شعرت انني بت أستطيع أن أنصرف الى همومي الخاصة، الى حياتي، الى شعري والى عشوائيتي أو فوضاي. صحيح أن في الانسان أكثر من شخصية، وأن فيّ السياسيّ والشاعر والكاتب، لكن طبيعة التعبير عن كل شخصية تختلف. طبيعة السياسي تختلف عن طبيعة الشاعر، ثم إن لهما لغتين مختلفتين، من دون أن يعني ذلك أن الشاعر متخلٍّ عن السياسة. فالسياسة فينا والسياسة تعني في وضعنا الفلسطيني أن نكون منتمين الى قضية وطنية. لا يستطيع الشاعر أن يتخلى عن السياسة التي فيه. لكن طبيعة التعبير عن العلاقة هي التي تختلف. أما على المستوى السياسي فكنت حائراً. قرأت نص اتفاق أوسلو قبل أن يذاع وعندما علمت بأنه وقّع بالحروف الأولية قدمت استقالتي وخضعت استقالتي لتأويلات كثيرة ومجحفة وظالمة، وبعضها غير أخلاقي. وكنت من الخلقية حتى انني لم أقل لماذا، كل ما قلته:إننا مقبلون على مغامرة لا أريد أن أكون جزءاً منها، وكانت هناك، للأسف، تفسيرات مزرية. مع ذلك، عندما قبلت المؤسسة الفلسطينية هذه الصيغة وأصبحت هي التي تمثل السياسة الرسمية الفلسطينية، قلت انني لا أستطيع أن أرفضها في المطلق، مرتاح الضمير، ولا أن أقبلها أيضاً، مرتاح الضمير. لذلك كان وضعي هو وضع المتحفظ والممتنع، وليس وضع الذي سيعارض. كان في قلبي نداء ما يقول انه قد ينتج عن ذلك شيء، خصوصاً ان هذا المشروع جاء بعد محاصرة سياسية خانقة لمنظمة التحرير في أعقاب حرب الخليج وانعدام الخيارات أمامها. كنت حائراً بين قلبي وعقلي، العقل كان يقول لي إن هذا الاتفاق لن يؤدي الى حل ولن يؤدي الى سلام حقيقي ولا الى دولة. فنص الاتفاق غامض والمرحلة الانتقالية معدومة الربط نهائياً، وليس لدى اسرائيل أي التزام بالانسحاب، وليس هناك من تسمية للأرض المحتلة بأنها محتلة. ولكن كنت أتمنى أن يكون فهمي مخطئاً، كنت أتمنى أن يكون الذين قبلوا على خطأ، ففي خطأي مصلحة للجميع. ولكن للأسف الشديد، كانت النتائج أسوا مما تصورت. لقد انتقلنا من منفى الى سجن كبير. وعرفات قضى سنوات في زنزانة، في غرفة. أين آفاق أوسلو؟ ما هي هذه الآفاق؟ ومع ذلك رضي القتيل ولم يرضَ القاتل.


> هل كان من حل آخر في رأيك؟

- هذا ما يحير فعلاً. كان من الممكن الوصول الى اتفاق آخر. لو عرف عرفات والمنظمة مدى حاجة اسرائيل الى اتفاق ما مع اسرائيل لكي يفتحوا بوابتهم أمام العالم العربي، لكانت مكافأتنا كحراس للبوابة أفضل وأكبر. ليتنا صبرنا أكثر، لو طلبنا مثلاً فك الاستيطان من غزة كنا سنحصل عليه. لكن الاستعجال كان يحجب القراءة الدقيقة للنصوص.


> ما أجمل خطاب كتبته لعرفات؟


- عرفات يقول ان أجمل نص كتبته له هو نص إعلان الدولة. وأعتقد شخصياً انه أجمل نص كتبته في هذا القبيل. والمفارقة انني كتبته بعد أوسلو. كنت حينذاك في باريس وجاء عرفات وطلب مني أن أكتب النص وكان موضوعه فكرياً، حول مشكلات العالم... وفي الاجتماع كان رؤساء العالم موجودين، وأستشهد أكثر من رئيس بالنص الذي قرأه عرفات، فقال لي «أرأيت كم ان خطابك جيد»، فقلت له: هذا أصبح خطابك أنت.


> كتبت النص على رغم اعتراضك على اتفاق أوسلو!

- اختلافي مع عرفات حول موضوع أوسلو لم يمسّ العلاقة الشخصية التي جمعتني به. والدليل انني ذهبت أو عدت الى الوطن في شروط أوسلو.


> والخطاب الشهير في السبعينات: «لا تسقطوا غصن الزيتون»؟

- لا لم أكتبه وحدي. كنا مجموعة وكتبناه معاً. لكن الصحافة ركّزت عليّ وكأنني أنا الذي كتبته.
  رد مع اقتباس
قديم 14/08/2008   #331
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي





حياة خاصة



> قلت لي انك لم تخرج من البيت منذ ثلاثة!


- وأحياناً أبقى أكثر.


> ماذا يعني لك البيت؟ ألا تشعر أحياناً بسأم ما، بوحدة ما...؟

- البيت يعني لي الجلوس مع النفس ومع الكتب ومع الموسيقى ومع الورق الأبيض. البيت هو أشبه بغرفة إصغاء الى الداخل ومحاولة لتوظيف الوقت في شكل أفضل. ففي الستين يشعر المرء بأنه لم يبق لديه وقت طويل. وشخصياً اعترف بأنني أهدرت وقتاً طويلاً في ما لا يجدي، في السفر، في العلاقات وغير ذلك. انني حريص الآن على ان أوظف وقتي لمصلحة ما اعتقد بأنه افضل وهو الكتابة والقراءة. يشكو كثير من الناس من العزلة، أما أنا فإنني أدمنت العزلة، ربيتها وعقدت صداقة حميمة معها. العزلة هي أحد الاختبارات الكبرى لقدرة المرء على التماسك. وطرد الضجر هو أيضاً قوة روحية عالية جداً. وأشعر بأنني إذا فقدت العزلة فقدت نفسي. أنا حريص على البقاء في هذه العزلة، وهذا لا يعني انه انقطاع عن الحياة والواقع والناس... انني انظم وقتي في شكل لا يسمح لي بأن انغمر في علاقات اجتماعية قد لا تكون كلها مفيدة.

> لم تعد حياتك صاخبة سياسياً مثلما كانت من قبل؟


- الصخب لا أستطيع ان أتحرر منه. مصيرنا الوطني والإنساني يعذب النفس ويعذب الفكر. ونحن الآن في لحظة تاريخية يسود فيها، لا أريد ان أقول، قانون الغاب، ولكن استبداد كوني لا يصيبنا وحدنا، لكننا نشعر به اكثر من سوانا، لأننا نحن الأضعف الآن في العالم. ولدينا أزمة حضور وأزمة علاقة بتاريخنا ومستقبلنا. والأخطر هو أزمة العلاقة بالمستقبل. من هنا، فهذا الصخب قوي جداً ولكن يجب ألا نرد عليه بصخب كتابي. فأنت لا تستطيع ان تصارع الصخب بصخب لغوي، فالصخب المادي أقوى من الصوت الذاتي. عليك ان تقاوم هذا الصخب بنقيضه، بل بلغة أهدأ وبالتأمل وبارتباط أعلى بالحياة، وبتمجيد جماليات الحياة وبالبحث عن الطاقة الكامنة في النفس البشرية... هكذا تستطيع ان تسمع صوتك. فالصخب الخارجي العالي يستطيع ان يبتلع صوتك. انني أقاوم الصخب بالسكينة.
.
> قلت مرة ان «البيت اجمل من الطريق الى البيت»؟ هل يذكرك هذا القول بكلام الشاعر الألماني هولدرلن عن «العودة الى البيت»؟

-
كثيرون من الشعراء منذ هوميروس كتبوا عن ثنائية الطريق والبيت. كنت دائماً أميل الى تمجيد الطريق، والطريق بؤرة أساسية في الرؤيا الشعرية والصوفية. هذه الثنائية تتناوبها أوليات مختلفة. عندما كنت خارج الوطن، كنت اعتقد ان الطريق سيؤدي الى البيت وان البيت اجمل من الطريق الى البيت. ولكن عندما عدت الى ما يُسمى البيت وهو ليس بيتاً حقيقياً غيّرت هذا القول وقلت: ما زال الطريق الى البيت اجمل من البيت لأن الحلم ما زال اكثر جمالاً وصفاء من الواقع الذي أسفر عنه هذا الحلم. الحلم يتيم الآن. لقد عدت الى القول بأولية الطريق على البيت.


> إنها حالة عوليس إذاً؟

أجل، حالة عوليس الذي لم يجد نفسه ولا ما كان يتوقع، ولم يجد كذلك بينيلوب. وبحسب الحالة الراهنة عدت شعرياً الى التأمل أكثر في الدرب والسبب بسيط لأنني لم أجد البيت.


> متى توطدت علاقتك القوية بالبيت؟ في أي مرحلة من حياتك؟

- علاقتي القوية بالبيت نمت في المنفى أو في الشتات. عندما تكون في بيتك لا تمجد البيت ولا تشعر بأهميته وحميميته، ولكن عندما تحرم من البيت يتحوّل الى صبابة والى مشتهى، وكأنه هو الغاية القصوى من الرحلة كلها. المنفى هو الذي عمّق مفهوم البيت والوطن، كون المنفى نقيضاً لهما. أما الآن فلا أستطيع أن أعرّف المنفى بنقيضه ولا الوطن بنقيضه، الآن اختلف الأمر وأصبح الوطن والمنفى أمرين ملتبسين.


> أي بيت أحببت خلال منفاك؟ وهل من علاقة بين البيت والمدينة التي تكون فيها؟

- لا شك في هذه العلاقة. فالبيت لا ينفصل عن محيطه. بيت في حيفا يختلف عن بيت في باريس أو القاهرة أو بيروت. نوافذ البيت مفتوحة على أصوات الخارج. أما البيت المجازي الذي يخلقه الشاعر لنفسه فإنما هو بيت داخلي يخترعه الشاعر نفسه. إنه عبارة عن بيت شعري. هكذا يتحول البيت الى بيت شعر وبيت الشعر يصبح مسكناً أو مأوى. لذلك أحب كثيراً عثور العرب على كلمة واحدة ذات معنيين البيت أي المنزل والبيت الشعري، وهذا تطابق جميل.


> أول بيت سكنته بعد خروجك من فلسطين أين كان؟

- أول رحلة لي خارج فلسطين كانت الى موسكو. وكنت طالباً في معهد العلوم الاجتماعية، ولكن لم يكن لي هناك بيت في المعنى الحقيقي. كان غرفة في مبنى جامعي.

> كم أقمت في موسكو؟

- سنة. وكانت موسكو أول لقاء لي بالعالم الخارجي. حاولت السفر قبلاً الى باريس لكن السلطات الفرنسية رفضت دخولي الى أرضها. كان هذا في العام 1968. كان لدي وثيقة اسرائيلية لكنّ الجنسية غير محددة فيها. الأمن الفرنسي لم يكن مطلوباً منه أن يفهم تعقيدات القضية الفلسطينية. كيف أحمل وثيقة اسرائيلية وجنسيتي غير محددة فيها وأقول له بإصرار انني فلسطيني. أبقوني ساعات في المطار ثم سفّروني الى الوطن المحتل.


> هل أحببت موسكو؟

- كانت أول مدينة أوروبية وأول مدينة كبيرة أعيش فيها. طبعاً اكتشفت معالمها الضخمة ونهرها ومتاحفها ومسارحها... تصور ما يكون رد فعل طالب فتيّ ينتقل من إقامة محاصرة الى عاصمة ضخمة! تعلمت الروسية قليلاً لأتدبر أمور الشخصية. لكن اصطدامي بمشكلات الروس يومياً جعل فكرة «فردوس» الفقراء التي هي موسكو، تتبخر من ذهني وتتضاءل. لم أجدها أبداً جنة الفقراء، كما كانوا يعلّموننا.
  رد مع اقتباس
قديم 14/08/2008   #332
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


> هل فقدت فكرتك المثالية عن الشيوعية في تلك اللحظة؟

- فقدت الفكرة المثالية لكنني لم أفقد ثقتي بالماركسية أو بالشيوعية. كان هناك تناقض كبير بين تصوّرنا أو ما يقوله الإعلام السوفياتي عن موسكو والواقع الذي يعيشه الناس، وهو مملوء بالحرمان والفقر والخوف. وأكثر ما هزّني لدى الناس هو الخوف. عندما كنت أتكلم معهم أشعر بأنهم يتكلمون بسرية تامة. وإضافة الى هذا الخوف كنت أشعر بأن الدولة موجودة في كل مكان بكثافة. وهذا ما حوّل مدينة موسكو من مثال الى مدينة عادية.


> الى أين سافرت بعد موسكو؟

- الى القاهرة.


> كم بقيت في القاهرة؟


- سنتين هما 1971 و1972.


> كيف كانت حياتك في القاهرة؟

- الدخول الى القاهرة كان من أهم الأحداث في حياتي الشخصية. في القاهرة ترسخ قرار خروجي من فلسطين وعدم عودتي اليها. ولم يكن هذا القرار سهلاً. كنت أصحو من النوم وكأنني غير متأكد من مكان وجودي. افتح الشباك وعندما أرى النيل أتأكد من أنني في القاهرة. خامرتني هواجس ووساوس كثيرة، لكنني فتنت بكوني في مدينة عربية، اسماء شوارعها عربية والناس فيها يتكلمون بالعربية. وأكثر من ذلك،وجدت نفسي أسكن النصوص الأدبية التي كنت أقرأها وأعجب بها. فأنا أحد أبناء الثقافة المصرية تقريباً والأدب المصري. التقيت بهؤلاء الكتّاب الذين كنت من قرائهم وكنت أعدّهم من آبائي الروحيين.


> هل التقيت طه حسين قبيل وفاته؟

- من سوء حظي أنني لم ألتقِ طه حسين، كان في وسعي أن ألتقي به، ولم يحصل اللقاء. وكذلك أم كلثوم لم ألتقِ بها. وحسرتي الكبرى انني لم ألتقِ هذه المطربة الكبيرة. كنت أقول انني ما دمت في القاهرة فلديّ متسع من الوقت لألتقي مثل هذه الشخصيات. التقيت محمد عبدالوهاب، عبدالحليم حافظ وسواهما والتقيت كبار الكتاب مثل نجيب محفوظ ويوسف إدريس وتوفيق الحكيم.


> هل عملت في القاهرة؟

- عيّنني محمد حسنين هيكل مشكوراً في نادي كتّاب «الأهرام»، وكان مكتبي في الطابق السادس، وهناك كان مكتب توفيق الحكيم ونجيب محفوظ ويوسف إدريس وبنت الشاطئ. وكان توفيق الحكيم في مكتب فردي ونحن البقية في مكتب واحد. وعقدت صداقة عميقة مع محفوظ وادريس، الشخصيتين المتناقضتين: محفوظ شخص دقيق في مواعيده، ومنضبط، يأتي في ساعة محددة ويذهب في ساعة محددة. وكنت عندما أسأله: هل تريد فنجان قهوة استاذ نجيب؟ كان ينظر الى ساعته قبل أن يجيب، ليعرف إن كان حان وقت القهوة أم لا. أما يوسف ادريس فكان يعيش حياة فوضوية وبوهيمية، وكان رجلاً مشرقاً. وفي القاهرة صادقت أيضاً الشعراء الذين كنت أحبهم: صلاح عبدالصبور وأحمد حجازي وأمل دنقل. كان هؤلاء من الأصدقاء القريبين جداً. وكذلك الابنودي. كل الشعراء والكتاب الذين أحببتهم توطدت علاقتي بهم. والقاهرة كانت من أهم المحطات في حياتي.


> هل كانت القاهرة منطلقك الشعري الثاني بعد انطلاقتك الاولى في الأرض المحتلة؟

- نعم. ولكنني سأروي لك هذه الوقيعة: عندما كنت في القاهرة راحت الصحافة العربية وخصوصاً بعض الصحافة اللبنانية تهاجمني. وخصّت مجلة «الحوادث» غلافها مرة لي قائلة: ليته يعود الى اسرائيل. وراحوا يؤبنونني شعرياً معلنين انني انتهيت كشاعر. قبل أن أكتب، حكموا على ما سأكتب. في القاهرة تمّت ملامح تحوّل في تجربتي الشعرية وكأن منعطفاً جديداً يبدأ.


> ولماذا قامت هذه الحملة عليك؟

- كان يُنظر إليّ عندما كنت في الأرض المحتلة كوني شاعر المقاومة. وبعد هزيمة 1967 كان العالم العربي يصفق لكل الشعر أو الأدب الذي يخرج من فلسطين، سواء كان رديئاً أم جيداً. اكتشف العرب أنّ في فلسطين المحتلة عرباً صامدين ويدافعون عن حقهم وعن هويتهم. اكتسبت إذاً النظرة الى هؤلاء طابع التقديس، وخلت من أي ذائقة أدبية عامة. هكذا أُسقطت المعايير الأدبية عن نظرة العرب الى هذه الأصوات المقاومة بالشعر والأدب في الداخل. ومن القصائد المهمة التي كتبتها في القاهرة هي قصيدة «سرحان سرحان يشرب القهوة في الكافيتاريا» ونشرت في صحيفة «الأهرام» وصدرت في كتاب «أحبك أو لا أحبك».


> ما هي المحطة الثانية عربياً في مسارك الشعري؟

- انها بيروت، بلا شك. فبعد القاهرة انتقلت الى بيروت مباشرة. وأمضيت فيها نحو اثنتي عشرة سنة الى حين الخروج. عشت فيها من العام 1970 الى العام 1982. حنيني الى بيروت ما زلت أحمله حتى الآن. وعندي مرض جميل اسمه الحنين الدائم الى بيروت. ولا أعرف ما هي أسبابه. وأعرف أن اللبنانيين لا يحبون مديح مدينتهم في هذا الشكل. ولكن لبيروت في قلبي مكانة خاصة جداً. ولسوء حظي انني بعد سنوات قليلة من سكني في بيروت، وهي كانت ورشة أفكار ومختبراً لتيارات أدبية وفكرية وسياسية، متصارعة ومتعايشة في وقت واحد، لسوء حظي أن الحرب اندلعت. واعتقد ان عملي الشعري تعثر حينذاك.


> لكنك كتبت قصائد جميلة في بيروت؟

- أعتقد أن أجمل ما كتبت ديوان «تلك صورتها وهذا انتحار العاشق». ولكن بعد اندلاع الحرب صار الدم والقصف والموت والكراهية والقتل... كل هذه صارت تهيمن على أفق بيروت وتعكره. وبعض اصدقائي هناك ماتوا وكان عليّ أن أرثيهم. وأول من فقدت هناك غسان كنفاني. وأعتقد ان الحرب الأهلية في لبنان عطلت الكثير من المشاريع الثقافية والفكرية التي كانت تجتاح بيروت. وانتقل الناس الى جبهات مختلفة ومتناقضة ومتحاربة.


> هل شعرت يوماً انك طرف في الحرب اللبنانية؟

- لا، أبداً. أنا منذ البداية كنت أعبّر لأصدقائي ومعارفي عن تشاؤمي من نتائج هذه الحرب. وكنت أطرح السؤال الآتي: هل كان في وسعنا ألا نُستدرج كفلسطينيين الى هذه الحرب؟ كانت هناك أجوبة رسمية تقول أن دور الفلسطينيين في الحرب هو الدفاع عن النفس ومواجهة محاولة إقصائنا. ولكننا أخطأنا في بيروت عندما أنشأنا ما يشبه الدولة داخل الدولة.


> هل أزعجك هذا الأمر؟


- كثيراً. وكنت أخجل من اللبنانيين إزاء الحواجز التي كان يقيمها الفلسطينيون في الأرض اللبنانية ويسألون اللبناني عن هويته. طبعاً لكل هذه الأمور تفسيرات وتبريرات. ولكن كنت أشعر دوماً بالخجل. وكنت أطرح على نفسي أسئلة عدة حول هذه الأمور، حتى أمام أصدقائي المتحمسين للقضية الفلسطينية والحركة الوطنية. ومن هذه الأسئلة: ماذا يعني أن ننتصر في لبنان؟ هذا سؤال كان يلح عليّ دوماً. ولنفترض أننا انهينا الحرب وانتصرنا، فماذا يعني الانتصار هنا؟ أن نحتل لبنان ونتسلّم الحكم في لبنان؟ كنت متشائماً جداً. ولم أكتب عن الحرب اللبنانية إلا كتابة شبه نقدية.


> لكنك أسست مجلة «الكرمل» في بيروت وكأن لديك مشروعاً ثقافياً!

- هنا المفارقة.


> الوجود الفلسطيني في بيروت كان له بعد ثقافي وساهم في منح بيروت دلالة ثقافية عربية.

- تستطيع أن تقول هذا الآن، بعدما وضعت الحروب أوزارها، الحروب الفلسطينية – اللبنانية أو الحروب الأهلية... تستطيع من خلال رؤية محايدة أن تنظر الى الآثار الايجابية للتفاعل الفلسطيني مع الحياة الثقافية اللبنانية أو التفاعل اللبناني مع القضية الفلسطينية. هناك جوانب ايجابية فعلاً. هناك مركز الأبحاث الفلسطينية، مجلة «شؤون فلسطينية» ومجلة «الكرمل» وسواها... كنت أشعر بأن وجودي في بيروت سيطول ولم أكن أشعر بالحرج وكأنني مقيم في شكل شرعي. ولكن أن أكون مقيماً في شكل اجباري ومضاد لرغبة اللبنانيين عبر تعايشهم القسري معنا، فهذا كان يزعجني. وعندما خرجت القيادة الفلسطينية والمقاتلون الفلسطينيون من بيروت لم أخرج. بقيت في بيروت أشهراً عدة. لم أتوقع أن الاسرائيليين سيحتلون بيروت. ولم أجد معنى لخروجي في السفن مع المقاتلين. ولكن في صباح ذات يوم وكنت أسكن في منطقة الحمراء، خرجت لأشتري خبزاً وإذا بي أشاهد دبابة اسرائيلية ضخمة. دخلت اسرائيل قبل الإعلان عن الدخول. حينذاك وجدت نفسي وحيداً أتجوّل في الشوارع ولا أرى سوى الدبابات والجنود الاسرائيليين ورجالاً ملثمين. قضيت فعلاً أياماً صعبة جداً ولم أكن أعرف أين أنام.


> هل بقيت في الحمراء؟

- لا. قمت بحيلة. كنت أنام خارج البيت في مطعم، واتصل بجيراني لأسألهم ان كان الاسرائيليون سألوا عني. إذا قالوا: نعم جاؤوا، فكنت أدرك انهم لن يأتوا مرة أخرى، فأذهب الى بيتي، أتجمّم وأرتاح ثم أعود الى المطعم. الى أن حصلت الكارثة الكبرى وهي مجزرة صبرا وشاتيلا. عندذاك تيقنت من أن بقائي هناك ضرب من العبث والطيش.
عندما احتل الاسرائيليون بيروت عام 1982.



> وكيف خرجت؟


- رتّبت الأمر مع السفير الليبي في بيروت حينذاك، فهو كان في مقدوره أن يأخذني من منطقة الأشرفية التي كانت «الكتائب» تسيطر عليها، الى سورية. ولكن كان عليه أن يجد طريقاً ليأخذني من بيتي الى مدخل الأشرفية. اتفقنا مع ضابط لبناني أوجد لنا شارعاً كان سيمر به الرئيس الراحل شفيق الوزان، وكان هناك اتفاق بين الاسرائيليين والحكومة على ألا يتعرضوا لهذا الشارع. وفعلاً سلكنا هذا الطريق وخرجنا من بيروت. وعندما وصلنا الى طرابلس، ذهبنا الى مطعم لنأكل السمك بعدما مللنا أكل المعلبات. وبعدما دخلت الحمام لأغسل يديّ نظرت الى المرآة فرأيت أنفاً عليه نظارتان. لم أعرف صاحب هذا الوجه لثوانٍ. كأنني كنت أنظر الى وجه آخر. وعندما وصلت الى دمشق أقمت هناك أسبوعاً. وكان حصل حادث طريف جداً على الحدود السورية – اللبنانية. فالضابط اللبناني على الحدود الذي طلب أوراقي، وكنت أحمل جواز سفر تونسياً ديبلوماسياً، وجد ان اقامتي قد انتهت وهذه مخالفة قانونية. قلت له: صحيح، ولكن ألا تسمع الأخبار؟ ألا تعرف ان ما من سفارات أو دوائر تعمل؟


> الى أين سافرت من دمشق؟


- الى تونس. وكانت زيارة ورأيت خلالها الرئيس عرفات والأخوان في مشهد تراجيدي. رأيت كل الثورة الفلسطينية تقيم في فندق على شاطئ بحر. كان المشهد مؤلماً جداً ويستدعي كتابة رواية عن هذا المصير. لكن عرفات سرعان ما أعاد بناء مؤسسته. وقال لي للحين: واصل إصدار «الكرمل». كان مهتماً حتى بالجانب الثقافي. فقلت له أين أصدرها؟ قال لي: حيث تشاء، في لندن، في باريس، في قبرص... ذهبت من ثم الى قبرص كي أرتب شؤون الرخصة. وصدرت «الكرمل» من قبرص فيما كنت أنا أحررها في باريس وأطبعها في نيقوسيا وكان معاوني الكبير هو الشاعر سليم بركات.


> كم دامت إقامتك في باريس؟

- نحو عشر سنوات ولكن في شكل متقطع، إذ كنت أسافر باستمرار. وكنت هكذا قريباً من منظمة التحرير في تونس.


> كيف كان انطباعك عن باريس؟

- كانت باريس عبارة عن محطة أكثر منها إقامة أو سكناً.


> هل ساهمت باريس في انطلاقك عالمياً وفتحت لك الآفاق الرحبة؟


- لا أعرف. لكنني أعرف بأن في باريس تمت ولادتي الشعرية الحقيقية. وإذا أردت أن أميّز شعري فأنا أتمسك كثيراً بشعري الذي كتبته في باريس في مرحلة الثمانينات وما بعدها. هناك اتيحت لي فرصة التأمل والنظر الى الوطن والعالم والأشياء من خلال مسافة، هي مسافة ضوء. فأنت عندما ترى من بُعد، ترى أفضل، وترى المشهد في شمولتيه. علاوة على أن باريس جمالياً تحرّضك على الشعر والابداع. كل ما فيها جميل. حتى مناخها جميل. في باريس كتب وفي وصف يوم خريفي: «أفي مثل هذا اليوم يموت أحد؟». ومدينة باريس أيضاً هي مدينة الكتّاب المنفيين الآتين من كل أنحاء العالم. تجد العالم كله ملخصاً في هذه المدينة. وكانت لي صداقات مع كتّاب أجانب كثيرين. وأتاحت باريس لي فرصة التفرّغ أكثر للقراءة والكتابة. ولا أعرف فعلاً ان كانت باريس هي التي أصابتني أم ان مرحلة نضج ما تمت في باريس، أم انه تطابق العنصرين بعضهما مع بعض؟ في باريس كتبت ديوان «ورد أقل» وديوان «هي اغنية» و«أحد عشر كوكباً» و«أرى ما أريد» وكذلك ديوان «لماذا تركت الحصان وحيداً؟» ونصف قصائد «سرير الغريبة». وكتبت نصوص «ذاكرة للنسيان» وغاية هذا الكتاب النثري التحرر من أثر بيروت، وفيه وصفت يوماً من أيام الحصار. معظم أعمالي الجديدة كتبتها في باريس. كنت هناك متفرّغاً للكتابة على رغم انتخابي عضواً في اللجنة التنفيذية. وفي باريس كتبت نص إعلان الدولة الفلسطينية. مثلما كتبت نصوصاً كثيرة ومقالاً اسبوعياً في مجلة «اليوم السابع». كأنني أردت أن أعوّض عن الصخب الذي كان يلاحقني في مدن أخرى.
  رد مع اقتباس
قديم 14/08/2008   #333
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


> عندما تركت بيروت حصل نوع من سوء الفهم بينك وبين بيروت... ماذا عن سوء الفهم هذا؟

- لم يحصل سوء فهم أبداً، بل كان لديّ حب عميق لهذه المدينة. لكنّ العلاقة بين المحبين ينتابها عتاب أحياناً. فعلاقتي ببيروت كانت علاقة حب. وقد شعرت في تلك اللحظة المأسوية بأن بيروت ستنسانا. هذا كل ما قلته وهو لا يجرح أحداً. وفعلاً مرّت بيروت لبضعة أيام في حال تراجع تجاه نفسها وتجاه الآخرين. أنت لبناني وتعرف اكثر مني. كانت بيروت محتاجة الى وقت أطول كي تتوازن. لكنها ما لبثت أن مرّت بحروب أهلية أخرى في غياب الفلسطينيين. وهذا دليل على أن الفلسطينيين لم يكونوا السبب الوحيد لهذه الحرب التي استحالت حروباً. لا. أنا لم أكتب عن بيروت سوى الحب. وكتبت بشجاعة العاشق المطمئن الى استعداد الحبيبة للاستماع إليه.


> مدينة عمان، هل هي لك بمثابة المستقر، اضافة الى رام الله؟

- بعدما أصبح في إمكاني أن أعود الى «جزء» من فلسطين وليس الى «جزء» شخصي بل الى «جزء» من وطن عام، وقفت طويلاً أمام خيار العودة. وشعرت بأن من واجبي الوطني والأخلاقي ألا أبقى في المنفى. فأنا أولاً لن أكون مرتاحاً، ثم سأتعرض الى سهام من التجريح لا نهاية لها، ثم سيقال انني أفضل باريس على رام الله أو على غزة. وبالتالي اتخذت الخطوة الشجاعة الثانية بعد الخروج وهي خطوة العودة. وهاتان الخطوتان من أصعب الأمور التي واجهتها في حياتي: الخروج والعودة. اخترت عمان لأنها قريبة من فلسطين ثم لأنها مدينة هادئة وشعبها طيب. وفيها أستطيع أن أعيش حياتي. وعندما أريد أن أكتب أخرج من رام الله لأستفيد من عزلتي في عمان.


> أليس من هدوء في بيتك في رام الله؟

- لا. التوتر عالٍ جداً في رام الله. ومشاغل الحياة الوطنية واليومية تسرق وقت الكتابة. انني أمضي نصف وقتي في رام الله والنصف الآخر في عمان وفي بعض الأسفار. في رام الله اشرف على إصدار مجلة «الكرمل».


> أين أصبحت «الكرمل» الآن؟ هل أكملت مشروعها؟


- كل مجلة يجب أن يكون لها تاريخ انتهاء. لا أعرف إن كانت «الكرمل» وصلت الى هذا التاريخ أم لا. لكنني أبحث فعلاً منذ سنوات عن طريقة لتجديد المجلة طابعاً وروحاً، من خلال تجديد محرريها. أي انني أبحث عن وسيلة للخروج لكي أعطي للجيل الجديد فرصة الاضافة والتطوير. لكنني أشعر حتى الآن بأن المجلة ضرورية ومطلوبة وتقوم بدورها الإبداعي والثقافي إضافة الى الترجمة.


> هل حاولتم التحاور مع المثقفين الاسرائيليين مثل بعض المجلات الفلسطينية في الداخل؟

- ليس كثيراً. هذه مسألة فردية. أنا لا أعترض على أي كاتب فلسطيني يحاور كاتباً اسرائيلياً معتدلاً ويجمعهما الحد الأدنى المشترك وهو القبول بالدولة الفلسطينية والحق الفلسطيني. ولكنني لا أقترح هذا الحوار كمقترح عام. وقد حقق زميلنا حسن خضر مساجلات مهمة مع بعض الكتاب الاسرائيليين وهي ليست حواراً مقدار ما هي مواجهة فكرية.


> هل تتدخل كثيراً في محتويات المجلة؟

- أقرأها حرفاً حرفاً. وأمارس دوري كرئيس تحرير. لأنني لم أقرر حتى الآن من هو رئيس التحرير المقبل. وهذا لا يتعلق بي وحدي بل بمجلس الأمناء وبمتطلبات الثقافة الفلسطينية في الداخل. فتوقيف مجلة مثل «الكرمل» يشكل تراجعاً كبيراً في الحياة الثقافية الفلسطينية. إننا في حاجة إليها. ولكن يجب أن يتسلّمها شخص سواي.


> هل ضجرت منها؟

- لا. لكنني أحررها منذ العام 1981 أي منذ أربع وعشرين سنة. وطبيعة الأشياء أن يتغيّر الأشخاص.


المرأة والمرأة – الأرض


> «سرير الغريبة» هو من كتب الحب الجميلة جداً وأعتقد انه استطاع ان يضع حداً لمقولة المرأة – الأرض أو الحبيبة – الوطن التي طالما تكلم عنها النقد إزاء شِعرك. كيف ترى الى هذه المقولة وهل من علاقة لها بـ «سرير الغريبة»؟ هل سئمت هذه المقولة؟

- لا لم أسأمها، ولكن هناك خطر من استمرار التمسك بالترمز. المرأة كائن بشري وليست وسيلة للتعبير عن أشياء أخرى. الوردة كائن جمالي من دون أن يرمز الى جرح أو دم. هذه محاولة لتطبيع علاقتي مع اللغة أو الكلمات والأشياء، ولتطبيع علاقتي أيضاً بالنظر الى الفلسطيني ككائن بشري أولاً، قبل أن يكون قضية. فالهوية الانسانية للفلسطيني سابقة للهوية الوطنية. صحيح اننا في صراع طويل يستلزم أن يقوم الشاعر خلاله بدور في بلورة الهوية الثقافية وفي حماية الروح من الانكسار، ولكن يجب ألا يلغي هذا الأمر حقنا الانساني في التأمل في طبيعتنا البشرية. فالفلسطيني إنسان يحب ويكره ويتمتع بمنظر الربيع ويتزوج... إذاً المرأة تحمل معاني أخرى غير الأرض. جميل أن تكون المرأة وعاء للوجود كله. ولكن يجب أن تكون لها شخصيتها كامرأة. عندما تعرضت في ديواني «سرير الغريبة» للنقد واتهمت بالتخلي عن ارتباطي بالقضية، قلت ان هذا تعميق للتجربة. ثم ان شعر الحب يمثل البعد الذاتي من أبعاد المقاومة الثقافية، فأن نكون قادرين على الكتابة عن الحب والوجود والموت والماوراء، فهذا يعمق من قيمتنا الوطنية وهويتنا. نحن لسنا خطاباً، نحن لسنا بياناً. وكما قلت أكثر من مرة وأكرر: الفلسطيني ليس مهنة بل كائن بشري يناضل ويدافع عن أرضه وحقه.


> هل يضيرك أن تُسمى مثلاً شاعر حب وليس شاعر غزل طبعاً؟


- أتمنى أن أكون شاعر حب أو أتمنى أن تسمح لي ظروفي التاريخية في أن أكون شاعر حب، لأن شعر الحب هو أجمل ما يمكن أن يكتب من شعر. والحب لا ينتهي. شعر النضال ابن مرحلة ما وهو ضروري، ولكنه لا يقدر على الاستمرار. الصراع عملية مستمرة، الصراع في معناه الايجابي، وهو يأخذ أشكالاً متعددة، منها صراع الانسان مع قلبه، الصراع بين العقل والقلب، نداء الغريزة، حق الرغبة في التعبير عن نفسها.


> هل عشت قصص حب وخيبات حقيقية؟ وهل كتبت انطلاقاً من تجارب عشق حية؟


- كل ما أكتبه في الحب أم في سواه، ناجم عن تجارب حية.


> هل هناك امرأة معينة كتبت عنها أو لها؟


- ربما. ولكن ليس كما يعبر عنها شعري. لماذا؟ لأنك إذا بدأت في كتابة قصيدة حب لا يمكنك ان تكتب عن المطلق في الحب، أنت تكتب عن امرأة معينة. لكن الكتابة تأخذ مجرى يخرج من سياق حادثة الحب. حينذاك تختلط ملامح المرأة التي تكتب عنها بملامح امرأة أخرى أو نسوة أخريات، وكذلك، بملامح الشجر والماء والتراب. النص يبدأ دائماً من المحدد ثم ينتقل الى الكلي. أما أن يكون لدي امرأة مثل «إلسا» حبيبة الشاعر أراغون فهذا صعب. ليس لدي «إلسا». هذا مع اعتقادي بأن «إلسا» كانت ذريعة للشاعر أراغون.


> سأنتقل الى الكلام عن «نوبل». ففي كل سنة يتجدد الكلام عربياً عن «نوبل» وتطرح دائماً أسماء عربية، وكان اسمك بارزاً هذه السنة من خلال الاحصاء الذي قامت به صحيفة «النهار» البيروتية وقد احتللت فيه المرتبة الأولى بحسب ترشيح بعض المثقفين العرب اسمك للجائزة! كيف ترى الى هذه القضية الاشكالية؟ هل فكرت بالجائزة يوماً؟

- لم أفكر بجائزة نوبل ولم أحلم بها وأشعر في داخلي بأن على الانسان أن يحلم بما هو ممكن وألا يتحول هذا الموضوع الى «وسواس». القضية غير شخصية وأشكر المثقفين الذين اختاروني للجائزة. ولكن كنت أتمنى ألا يكون اسمي مطروحاً بين الأسماء، لأنني لا أحب دخول هذه «البورصة». كل سنة ترتفع أسهم وتسقط أخرى. وعموماً هناك مشكلة في نظرة العرب الى صورتهم. الأدب العربي لا يحتل مكانته في العالم كما يظن الأدباء العرب. وجائزة نوبل ليست جائزة للأدب العربي. العرب فازوا بها بعد 87 سنة من تأسيسها وحازها نجيب محفوظ باستحقاق عالٍ. ومكانة العرب الأدبية ترتبط أيضاً بمكانتهم العالمية والسياسية وبحضورهم في العالم. ولا يمكن أن يستبعد هذا الشرط. يقيم العرب كل سنة زفة مما جعل القضية هذه محرجة حقاً. ومن حسن حظ العرب ان اعضاء اللجنة السويدية لا يقرأون العربية ولا يضحكون من إصرار العرب على انتزاع الجائزة. وإن فاز بها أي عربي فستكون الفرحة عربية. ولكن علينا أن نتصرف بلياقة أفضل وألا نصاب بمرض أو بهوس اسمه «نوبل». والمشكلة أن بعض الكتاب العرب إذا ترجم لهم كتاب يضعون نفسهم رأساً في قائمة المرشحين للجائزة هذه. وأنا أعتقد ان المرشحين لهذه الجائزة هم بالآلاف. وأي كاتب يمكن أن يُرشحّ الى هذه الجائزة. لكن هذا لا يعني شيئاً. فلماذا يقف العرب كل سنة في «طابور» الانتظار؟ إذا جاءت تكون جاءت وإذا لا فلا.. وعلى الذين يفكرون فيها يجب أن ينسوها، لعلها تتذكرهم.

> ماذا يعني أن يقول شاعر في حجمك ومرتبتك: «أنا لست لي أنا لست لي...»؟ هل هي الغربة التي يحياها الشاعر الذي فيك؟

- في آخر الأمر لا يبقى من الشاعر إلا بعض شعره، إذا كان استحق أن يصمد في غربال الزمن. أما هو فليس لنفسه، إنه منذور للغة ولتقديم مسوّغ وجوده على هذه الأرض. انه، في ختام الأمر زائل واللغة هي الباقية. «أنا لست لي» على المستوى الشخصي، ولكن ربما «أكون لي» على المستوى الشعري، وإذا كانت لي قيمة ما، فهي لن تكون لي، بل للغة وللآخرين.


> هل تخاف الموت؟

- لم أعد أخشاه كما كنت من قبل. لكنني أخشى موت قدرتي على الكتابة وعلى تذوّق الحياة. لكنني لن أخفيك أن الطريقة التي مات فيها الشاعر معين بسيسو في الفندق، وكانت غرفته مغلقة وعلى الباب إشارة «الرجاء عدم الازعاج» جعلتني أخشى هذه الاشارة أو اللافتة. فجثته اكتشفت بعد يومين. الآن كلما نزلت في فندق لا أضع هذه الاشارة على الباب. ولا أخفيك أيضاً انني لا أضع مفتاح باب البيت في القفل عندما أنام.


> أليست الفنون قادرة على هزم الموت كما قلت في قصيدتك «جدارية»؟

- هذا وهم نختلقه كي نبرر وجودنا على الأرض، لكنه وهم جميل
.
  رد مع اقتباس
قديم 25/08/2008   #334
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


احمد فؤاد نجم وتميم البرغوتى فى حوار مفتوح

على اليوتيوب

- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا -
 

  رد مع اقتباس
قديم 25/08/2008   #335
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


حوار مع تميم البرغوتى منفرد

- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا -
 

  رد مع اقتباس
قديم 08/09/2008   #336
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


حوار مع الشاعر العراقى عدنان الصائغ
  رد مع اقتباس
قديم 08/09/2008   #337
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي






حوار مع الشاعر عدنان الصائغ
حاوره د.إسماعيل نوري الربيعي
- عمان -

بإزميل من فضة وقلب من بلّور يعكف هذا الصائغ على صياغة الصور والتراتيل والنشيج،في بوح يعزّ على تحديد نقطة الابتداء،مفتوحاً على النهاية التي لا تعرف الوصول الى الانتهاء.إنه الكوفيّ الذي ضمرته المراثي وأذى القصائد التي تعشعش في حشاشةٍ تسع الدنيا من دون الخضوع لتراتب عدد أو توزيع مكان،ينسج كوفيته من خيوط الكلام المنتقى مجمل الأوجاع الشفيف.

هو الخارج من الموت والحرب سهواً،متأبطاً معجم الأوجاع المغمّس بتراب الأولياء وصلوات القديسين، المذبوحين على باحة ورد الفجر.من أقصى الضياء يطالع سرب طيور حلقت نحو جنوب، علّها تنتظره هناك تحت نصب الحرية.لكنه واثق أنها ما أن تبدأ هجرتها حتى تبدأ بتلاوة نشيد أوروك،عند مستوى الرصيف الذي توارثه المحبون،وهم يدلفون زقورة الارتقاء نحو الشمس التي تلملم الاتساع في حركات عيونهم.
على القلق الذي تفرده سنابك خيل الطغاة،يثبّت عدنان بصيرته صوب أشجار الصنوبر الناحل،يغمد بشارة تنّز أذى وارتحالات، ومرورا يتعقبّه المخلصون الذين هالوا التراب على رؤوسهم، من فرط أصقاع الظلال التي خيّمت على دعاء المرمّلات والنائحات،المصطليات بنار الخفاء الذي يتغوّل العقول يروم تمزيق أوصالها.

حميم هذا النزف المشتهى،راعف كأنه بشارة المخلّص جاءت تستبيح جسد الخطيئة الذي ألف الرطوبة وتفسّخ الخطوات.من على أهداب ترنيمة الولوج الهادئ الشفيف،يستمطر عدنان حروفاً يُفردها على مساحة الكلام،يستنشق فيها عبير العطور التي توشحها نحاة الكوفة،وطلاب مرحلة السطوح في الحوزة وهم يستذكرون ألفية ابن مالك وأبيات الشنفرى والمتنبي ودعبل الخزاعي.مكوّن من حوار يقوده الشعر الى بواّبات الحفاوة وخزائن يقود إليها المسير الحثيث للنمل المجتهد والمقتصد.يدلفون جميعاً في الأقصى من نار التباريح واستباقات المعاني،حيث زهور النارنج تزدهي بها البساتين،تؤثل لحقول تكتوي بنار الشقاء وإشارات المستحيل،تصبوا من دون أن ينفطر قلبها لأسى الارتحال أو فراق العيون.

خرجت من الموت سهوا، أين الشاعر من الإنسان والإنسان من الشاعر؟

- في جدلية الحياة والموت، الجمال والقبح، الحب والحرب، الحرية والقمع، يكمن فن الشعر القادر على مزج الواقعي بالحلمي، والإنسان بالشاعر، تدويناً نصياً له قوة السحر (أن من البيان لسحرا)، ووهجاً عصياً على التدجين، وصرخة احتجاج أبدية، لا توقفها مقصات الرقيب، عابرة الأزمنة والكتب والذائقات والمدارس النقدية باتجاه ربيع الانسان وروحه المغمورة بالينابيع،
وفي هذا الإلتحام الجدلي: فنياً، وروحياً، وفلسفياً وتاريخياً يمكننا أن نتلمس هذا التماهي بين النص والحياة على مرِّ تأريخ الإبداع الإنساني، فليس بالمكان الفصل بين أصابع الشاعر وقصيدته، و بين احساس الفنان ولوحته، وبين روح الثائر وصرخته. وكلما ازداد هذا التماهي بينهما ازداد المنتج شفافية روحية وتوهجاً تعبيرياً وصلابة مبدئية في آن...
ولك ان تأخذ من تشكك ناقة المتنبي مثلاً يغنيك عن الكثير في شرح هذا التماهي بين الفضاء وروح الشاعر. لنسمعه يقول:
"شيم الليالي أن تشكك ناقتي
صدري بها أفضى أم البيداءُ"
واستبدل الفضاء بالورقة والناقة بالقلم، أو استبدل الورقة بالمخميلة والقلم بالحلم، أو استبدل المخيلة بالدهشة والحلم بالكلمات، تجد أن التماهي يصل إلى أقصاه وإنْ باشكال شتى، من نظرية الحلول الصوفي عند الحلاج، إلى اختلاط الحواس عند رامبو، إلى حمل الكلمة خشبة للصلب عند دعبل، والخ، والخ..
ومن هذه الثيمة، خرجتُ من الحرب سهواً، جندياً أمضى أكثر من 13 عاماً راكضاً بين السواتر والقنابل والاسلاك.. وشاعراً تسلل من بين مقصات الرقيب وتقارير بعض المخبرين بـ ستة دواوين حاولت أن تؤرخ لتلك السنوات المرة بصراخها الملتاع.

كأنك تمارس الحياة من خلال الشعر، تصطف هكذا مع حزمة الضوء من دون كلل، تحث الروح نحو الاستغراق في الشعر.

- لم يكن لي خيار سوى هذا، ففي أزمنة الموت والطغيان والطوفان، لابد لك من طوق نجاة.. وهكذا وجدتُ في الشعر نجاتي، وملاذي وسلواي..
البعض اتجه إلى الابديولوجيا أو الدين أو الصمت.. غير أني وجدتُ في الشعر تسامياً روحياً يرقى إلى أكثر الطقوس والمثل الانسانية شفافيةً وصفاءً، كما وجدتُ فيه تحدياً يوازي أكثر أسلحة الرفض قوةً وتأثيراً، فتلبسني وتلبستهُ - على الكفاف - أعيش حياتي به سلوكاً ووعياً، ويعيش بي تعبيراً وتذوقاً وتمرداً وتمايزاً..
فمنذ أن تفتح قلبي ووعيي على الدنيا، كنتُ أراه ملاصقاً لي، يسندني ويمدنّي بالكثير..
في طفولتي كان هو الحقل السرمدي، أركضُ فيه بلا كلل، خلف فراشاته الضوئية.. وفي صباي كان ملعبي وحلمي وسامري في الطريق... وفي شبابي كان مرآتي وصرختي وصلاتي في معركة الوجود.. وأجده الآن – في بدايات كهولتي - المصباح الأبهى في تلك الحلكة..

تنشد بحرقة، هكذا أنت في ((نشيد أوروك))، تستحضر كل شيء الأماكن والتواريخ والأسماء والتراب، إلى أين يسعى عدنان ((الشاعر)) الصائغ؟

- حاولت في النشيد أن أؤرخ كل ما مرّ في وطني من حروب وطغاة وحضارات وأغانٍ وأحلام وملوك وشهداء وصعاليك، لوّنوا تاريخنا بأغانيهم وخطبهم وطبولهم وأنينهم فكانت حياتنا - وكان الوطن - مسرحاً كبيراً لهم.. ونحن - المتفرجين - لا نملك غير التصفيق أو الصفير أو الصراخ أو الإنفجار أو النواح.
كنتُ أريد أن أقرأ في وجه "عبود" بطل النشيد كل هذه التلاوين وأفجّر في مساماته، مسامات الورقة، ذلك الغضب الخفي، والحكايات المسكوت عنها..
بدأتُ في كتابة النشيد عام 1984 في اسطبل مهجور للحيوانات في قرية شيخ اوصال في السليمانية، عندما كنتُ جندياً.. بقيتُ فيه قرابة العام والنصف مع رائحة البول والبارود والعناكب، وانتهيتُ منه عام 1996 في بيروت.. وكان يعيش معي، تحت جلدي، خلال تلك السنوات الاثنتي عشرة، في حلي وترحالي وخيباتي وأحلامي وأندفاعاتي وانكساراتي.. أدوّنُ وأدوّنُ في كل يوم بعضاً من صفحاته، دون أن أدري أنه سيكون على شكل قصيدة طويلة واحدة تربو على حوالي 500 صفحة..
وكان لتشجيع الناقد جبرا ابراهيم جبرا وخالي الشاعر والناقد د. عبد الاله الصائغ والشاعر عبد الرزاق الربيعي وبعض الأصدقاء، أثر كبير في مواصلة هذا المشروع المجنون...
ترى هل وصلتُ إلى ما كنتُ أسعى إليه؟
ولكن إلى أين أردت أن أصل!؟
وهل يبتغي الشعرُ الوصولَ!؟.. الوصول إلى أين!! كما ذهب الصديق الشاعر سركون بولص في عنوان إحدى مجموعاته الشعرية..

أنت من جيل عاش لوثة الخراب والحروب والانقطاعات، جيل عاش الحروب، حتى لتقترب من توصيف الشيخ محمد رضا الشبيبي:
بكرت عليك تريك هول الموعد
حرب تروح بنا وأخرى تغتدي


- سلسلة حروب أو حلقات كوارث أو تقاسيم فواجع، لدكتاتور واحد، كان متوزعاً بصور وأشكال شتى..
ما أن فتحتُ عيني على الدنيا ذات يوم من عام 1955 حتى وجدتُ الفقر أمامي مكشّراً أنيابه، ثم تلتهُ الانقلابات السياسية الدموبة، وصولاً إلى مطحنة الحرب التي لم تبقِ لنا شيئاً ولم تذر..
انها إذن، سنوات طاعنة في الخيبات، ألقت بظلالها الكابية على جبيلنا وتجاربنا وحياتنا.. وحملتنا – ذات هروب شبه جماعي بعد حرب الخليج الثانية – إلى أصقاع المنافي البعيدة..
نعم، انها حروب وفواجع تروح بنا وتغتدي، ولذلك ما أن تفتح ديوان أي شاعر من جيلنا حتى تقفز عليك فئران الحرب وشظايا الروح وطفح الخيبات..
وهذه المفردات أصبحت السمة المميزة لجيلنا.. افترشت أغلب تفاصيل كتاباتنا حتى في الحب والمرأة والأصدقاء والذكريات والمدن والموضوعات الأخرى...
وليس غريباً ذلك وقد عاشت معنا وفينا وحولنا أكثر من نصف أعمارنا..

تجليات الواقع، حيث الخروج من الوصف إلى الممارسة، أين بتقديرك تكمن قدرات الشاعر؟

- لم يعد الوصف من مهمات الشعر الرئيسة، كما كان في عصور الشعر القديمة، ولم يعد أيضاً مقياساً لقدرات الشاعر ومهارته.
لقد تخطى الشعر في مسيرته الحداثوية تلك المساحات المكررة إلى طرقٍ أكثر عشباً وضوءاً..
قد حفل الشعر العربي طيلة عقوده المنصرمة بأطنان الوصف والمديح اللذين أثقلا كاهل القصيدة إلى حد كبير فلم تعد تقوى على السير إلى أبعد من لسان المنشد أو أذن السامع...
كأن الوصف يشيد جدراناً أمام حقول القصيدة...
كأنه يكممها، مختزلاً لسانها وصورها ورؤاها...
كأنه يسعى أن يكون بديلاً..
لكن الشاعر الخلاق هو الذي يخترق هذه الجدران، ليدخل بنا في اللهب.
والقصيدة الحية هي التي تكسر أو تقفز تلك الحواجز، وتحفر عميقاً في بواطن الأرض والتاريخ والانسان لتستكشف طرقاً بكراً غير مأهولة..
ولا يتآتي ذلك بالجاهزية والوصف، بل في تلبس الحالة، في الامتزاج بها، في تعريتها، في الإصغاء إلى هسيسها الخفي..
وهنا تكمن موهبة الشاعر المتفرد وقدرته على الإختراق..


  رد مع اقتباس
قديم 08/09/2008   #338
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


عامرة بلادنا بالأحزان، كأنها النقيع الذي تستحم فيه الاحتدامات والاشكالات،الحزن والشعر، أم أن هناك معادلا آخر لهذه العلاقة؟

- لم يكن الحزن وحده سر هذا التفجر والثورات الذي عرفته أرض الرافدين على مختلف الأصعدة: الفنية، والأدبية، والسياسية، والإجتماعية، والإقتصادية، والخ، منذ فجر حظاراتها حتى اليوم..
فنهراها الخالدان اللذان اصطبغا بالدم والرماد والكتب، تلوّنا أيضاًُ بشموع النذورات وأغاني المحبين وطمي الحضارات. وسماؤها المشمسة التي حجبتها أدخنة الحرائق وذرق الطائرات، أضاءتها أيضاً ابتهالات الصوفيين وقباب الذهب وأعذاق النخيل.
ربما بين طياتي هذه المفارقة أو بين طيات التاريخ والأرض، يكمن السر الذي توقف عنده المؤرخون ملياً، كالطبري في تاريخه، وابن خلدون في مقدمته والخ..
وشد إليه الملوك والفاتحون والغزاة رحالهم واطماعهم وجيوشهم.
وندبته آله سومر، وفرشته أخيلة الشعراء والمغنين على مر تاريخه بأكاليل الغزل وأطواق الورود والأغنيات كما لم يغن ويندب لبلد.
ودكته صواريخ التوماهوك كما لم يدك بلد في الأرض.. والخ.
وهذه الإحتدامات والفيوضات التي جرت في عروق أبنائه، هي المعادل الموضوعي لكل ذلك الموروث الضخم والمذهل والفاجع الذي قرأناه في التاريخ وعاصرناه في الحاضر، والذي حمل في نفوس أهله - وشعرائه بالأخص - الكثير من التوتر والاحتدام من جانب والشفافية والطيبة من جانب آخر، فطفحت في أغانيه ومواويله نبرة الحزن والشجن منذ أغاني اينانا السومرية وحتى انشودة المطر لبدر شاكر السياب، وإلى آخر شاعر تسعيني يسطر – اليوم - نصه الجديد.
لقد عبرتُ عن تلك المعادلة أو المفارقة، في قصيدة لي بعنوان "العراق" ضمها ديواني الأخير "تأبط منفى"، أقول فيها:

"العراقُ الذي يبتعدْ
كلما اتسعتْ في المنافي خطاهْ
والعراقُ الذي يتئدْ
كلما انفتحتْ نصفُ نافذةٍ..
قلتُ: آهْ
والعراقُ الذي يرتعدْ
كلما مرَّ ظلٌّ
تخيلّتُ فوّهةً تترصدني،
أو متاهْ
والعراقُ الذي نفتقدْ
نصفُ تاريخه أغانٍ وكحلٌ..
ونصفٌ طغاهْ"
.......

هل اكتفيت من تأبطك المنفى، هذا الجليد الاسكندنافي الكثيف، حدثنا كيف يطبق على الروح؟

- أفتح نافذتي على مدار أغلب شهور العام فلا أجد أمامي سوى قطوف الثلج تملأ شوارع الروح بالغياب والغربة..
الجليد بمد لي لسانه الأبيض، وكذلك الورقة البيضاء التي أمامي. ثم يطبقان علي.. كأنني مسجون أبدي بالبياض أو الغياب.
"أيهذا الغريبُ الذي لمْ يجدْ لحظةً مبهجهْ
كيف تغدو المنافي سجوناً بلا أسيجةْ"
حين تأبطت منفاي صيف 1993، وألقى بي وبحقائبي في غرفة صغيرة قرب الساحة الهاشمية في عمان، لم أكن أفكر أو أحلم أن رحلتي هذه، ستعبر بي مدناً، وصحارى، وبحاراً، ومقاهٍ، وأصدقاء، وساحات، لم تكن تخطر لي على بال، وصولاً إلى جنوب القطب الشمالي.
حيث تصل درجة الحرارة الى 36 تحت الصفر، ودرجة الحرية إلى أقصى مدى يتخيله المرء، أنا القادم من بلد الهجير والحروب والقمع حيث تصل درجة الحرارة إلى فوق 50 مؤوية، وتصل درجة قمعك إلى حد أنك لا تستطيع أن تفتح فمك من وقع سياطهم وجزماتهم لتصرخ: آه..
هنا وضعتني هذه المفارقة، صافناً، ومندهشاً، على ضفاف نص جديد مفتوح، أسميته "نرد النص" يبتعد إلى حد كبير، ايقاعاً وشكلاً ولغةً وجرأة، عن كل تجربتي الشعرية..

مسالة الأجيال تؤرق البعض من الشعراء والنقاد، حتى لترى المزيد منهم يسفحون الكثير من الجهد في التوزيعات والتقسيمات.

- مصطلح "الجيل الشعري" وليد اصطراع أدبي، هو أقرب إلى لغة الصحافة وصراعاتها الهامشية منه إلى متن النقد الأدبي الجاد.. وقد وجد من يصفق ويهلل له، وخاصة ممن فاتهم قطار الإبداع، فتمسك بعربات هذا المصطلح المتوقفة على السكة منذ زمن، ظناً منه أنهم في قلب الحركة أو القطار..
وسايرهم أيضاً بعض النقاد ممن لم يستطع غور سبر التجربة، فتعكز على هذا المصطلح، يقلبه ذات اليمين وذات اليسار، مثيراً ما وجد تحته أو فوقه من غبار، ظاناً أنه يقود معركة في النقد بينما هو لم يتجاوز حدود عجاج المسطلح..
ولا أدري - لعمري - ما علاقة طالب عبد العزيز برعد بندر مثلاً وهما من جيل ثمانيني واحد. أو علاقة رعد عبد القادر بغزاي درع الطائي مثلاً وهما من جيل سبعيني واحد. أو علاقة فاضل العزاوي بحميد سعيد مثلاً وهما من جيل ستيني واحد. أو علاقة سعدي يوسف براضي مهدي السعيد... مثلاً وهما من جيل خمسيني واحد، والخ، والخ.. وصولاً إلى علاقة أبي تمام والبحتري بـ "الخمسمئة شاعر" الذين طووهما تحت إبطيهما، كما يروي أبن رشيق القيرواني، في كتابه "العمدة".
وإلى علاقة شكسبير بشعراء جيله الذين لم يذكرهم أحد إلا لماماً في الوقت الذي يصدر عنه يومياً من الكتب ما معدله - وفقاً لما تقول إحدى الاحصائيات البريطانيبة - كتابٌ واحدٌ في كل يوم..
وتعال مرة أخرى وقل لي من أي جيل هو شكسبير والمتنبي.
إنهما كل الأجيال وكل العصور وكل الثقافات وكل الأوطان، لا يحد إبداعهما حد، ولا يحصر تجربتهما جيل أو مذهب أدبي.
لهذا لا أرى من ضرورة لسفح الحبر والجهد على توزيعات وتقسيمات آنية لن تصمد أمام رياح السنين .
فلن يبقى من معمعة المصطلح الجيلي سوى النص المبدع المتوهج بتفرده.

حالم بالحياة لافظ للموت، بطريقة لا تقبل الالتباس، هذا ما تقوله قصيدتك، هل يتمكن الشاعر من صنع الدهشة فقط؟

- الشاعر الرائي – كما تسميه ملحمة كلكامش – والصانع الأمهر - كما يصفه ت. س. اليوت - وسارق النار - كما يجسده بروميثيوس - والحلم المكتوب كما يذهب إليه باشلار، وسمير وادي عبقر - كما يراه نقاد العرب القدامى -..
وهو سيد الدهشة، بإمتياز، ماضياً بنا إلى تلك الأرخبيلات أو اليوتوبيا ليرينا عوالمها ويقف بنا على أسرارها وأطيافها، أو صاعداً بنا إلى الجلجلة، منشداً لربيع الإنسان القادم من مخاضات عذابه، إلى شواطيء الحرية والحب والجمال..
وتلك – برأيي – أولى رسالات الشاعر وأبهاها منذ أن سرق بروميثيوس النار حتى آخر شاعر يحمل كبريته في غابات اللغة.

بارع في صنع المعادلات، لنتأمل قصيدة ((ثقب)) على سبيل المثال، من مجموعة ((تحت سماء غريبة))، تعمد إلى اختزال العالم في ثقب نوم، الإحالة إلى اقتطاع العلاقة بين القاتل والمقتول في تجريد ملفت.

- القصيدة تقول:
"طلقةٌ عابرةْ
ثقبتْ نومَهُ
فتدفقَ
- فوق وسادتهِ -
لزجاً
دمُ أحلامهِ الخاسرةْ"
حياتنا التي ظلت عرضة للرصاص على مدار تاريخ الوطن.
وحين كنا نخبئها من عيون الرصاص والمخبرين في الخنادق أو الدواليب، تاركين أحلامنا، تتسكع لوحدها على الأرصفة مع المطر والحبيبة والكلمات والأمل، وكان في هذا زهونا وتحدينا ونصنا.
ولم يكن يخطر على بالنا أن الجلاد سيطلق الرصاص على أحلامنا ليرديها، على أسرتنا، مسربلة بقطرات خساراتنا ودمائنا.. هكذا تذهب القصيدة في مدياتها إلى آخر المرارت.
وهكذا تذهب معادلة الكلمة والرصاصة إلى آخر مديات إصطراعهما، لترينا أنه كلما تفتق القلم عن فنون الإبداع والجمال والحب والتفرد، كلما ازدادت الرصاصة تفنناً في شراسة القتل.
وتلك - لعمري - معادلة أزلية أرقت الوجود الإنساني برمته منذ مقتل هابيل، وحتى تفجيرات الطف، تنويعاً وترويعاً في وسائل القتل وتلويناً في الأهداف الآيديولوجية
  رد مع اقتباس
قديم 08/09/2008   #339
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


حوار مع الشاعر العراقي عدنان الصائغ
أجرى الحوار: مصطفى عبادة
- القاهرة -
في قصائدك نزعة تشاؤمية عالية رغم ذلك تنهي أغلبها ببارقة أمل.. هل ما زال هذا الأمل لديك؟

- الحياة المرّة التي عشناها هناك، خلف أسوار أعتى دكتاتورية شهدها التاريخ المعاصر، وبين دخان الحروب، صبغت نصوصنا بلونها الكابي وثقبّت أحلامنا وأيامنا بشظاياها.. فكنتَ ترى اللوعة والشجن والاغتراب في نصوصنا داخل الوطن.. وترى الحنين والخيبات والغياب في نصوصنا الملتاعة خارج الوطن..
لكن بين هذا وذاك، كانت ثمة أعشاب ندية وزهور متفتحة وينابيع متفجرة تجدها هنا وهناك, في هذا النص أو ذاك, تتغذى بأنساغ الأمل المترقرة في أرواحنا الحالمة بالغد، والعاشقة الأبدية للحرية. ولولا ذاك لغدت حياتنا – بل ونصوصنا - يأساً ويباساً وموتاً..
وإلى ذلك أشار الطغرائي:
"أعلل النفس بالآمال أرقبها
ما أضيق العيش لولا فسحة الأملِ"..
هذه الفسحة التي وجد الأنسان ظالته فيها، منذ بدء عذاب البشرية حتى يومنا هذا، ربما تكون هي أمنية, أو يوتوبيا، أو هي رغبة وتحدٍ وسعيّ لتحقيق ما لم يتحقق..

أنت من جيل الثمانينيات الشعري في العراق, ما الذي بقي من هذا الجيل؟

- ظل من هذا الجيل الكثير: نصوصاً وأشخاصاً وشهادات وخيبات.. ظل منه هذا النسغ الملتاع الموصل بين الأرض والثمار الجديدة: تأثراً وتأثيراً، تستطيع أن تتلمسه في بعض ما يكتبه التسعينيون وغيرهم مثلاً..
إن جيلنا الثمانيني الذي عاش ثلاثة حروب طاحنة وحصارات طويلة وتهميش قاسٍ, كان أقوى في الانتصار على موته ويأسه.. لقد ظل الرائعون والأصيلون منهم يواصلوان مشوارهم الابداعي بمختلف الاتجاهات, مؤسسين ومرسخين مفاهيمهم الجمالية والفنية على خريطة القصيدة المعاصرة عراقياً وعربياً وعالمياً..

في عز معمعة القصائد التي تمجد الحرب في العراق كتبت ديواناً بعنوان: "العصافير لا تحب الرصاص.. ألم تخشَ على نفسك من العقاب سيما أنك كنت جندياً لفترة 12 عاماً متواصلة؟

- كنا نستخدم لغة الخطاب المستتر أثناء هيمنة الخطاب الاعلامي الرسمي وتصاعد دوي القنابل والشعارات الرنانة في تلك الحقبة الكالحة من سنوات الحرب والموت المجاني وقد ألقت بنا أقدارنا جنوداً أو أحطاباً على تلك السواتر البعيدة, أو أقلاماً بين حقول الألغام..
كنا نلوذ بنصوصنا المشاكسة إلى التاريخ والميثولوجيا والحب خوفاً من مقصات الرقيب والتأويلات القاتلة..
وكان البعض يميل إلى الرمز أو التورية أيضاً تجنباً لمتاعب قد لا تخطر على بال....
في احدى قصائدي التي نشرتها بعد خروجي من الوطن أقول فيها:-
"في وطني..
يجمعني الخوف
ويقسمني
رجلاً يكتب
والآخر خلف ستائر نافذتي
يرقبني.."

قصيدتك "نشيد أوروك" محاولة لكتابة سيرة شعرية للوطن هل قصدت ذلك.. أم أردت استحضار الوطن الغائب في الواقع، إلى القصيدة؟

- بدأتُ في كتابة نشيد أوروك عام 1984 في اسطبل مهجور للحيوانات عشتُ فيه قرابة عام ونصف جندياً معاقباً.. والحرب العراقية الايرانية في أشدها. وذات يوم ملأوا الاسطبل بصناديق العتاد المكدّسة لفوجنا, كنا نجلس وننام ونأكل ونستمني, على تلك الصناديق المرعبة..
أحسستُ وقتها أن مجرد صدفة أو طلقة أو شرارة نار يمكن أن تحيلنا إلى ذرات لامتناهية من الشظايا المتناثرة في فضاء هذا الكون الأجرد.. في تلك الأجواء الكابوسية المديدة جاء أحد الجنود، يوماً، يحمل بقايا صحيفة وجدها قرب حاوية النفايات، بسطها أمامي ليريني صورتي وسط مقال كتبه الناقد المرحوم عبد الجبار داود البصري محتفياً بديواني الأول.. "انتظريني تحت نصب الحرية". انهمكت في بكاء مرّ، وأنا أرثي حالي البائس هنا وثمة أناس وقراء ربما يقرؤونني الآن..
أمسكتُ قلمي، وعلى ضوء الفانوس الشاحب، المتراقص الضوء، بدأتُ أسطر أولى كلمات قصيدتي "هذيانات داخل جمجمة زرقاء" والتي أسميتها فيما بعد "نشيد أوروك"..
كنت أحاول أن أسطر فيها كل ما مرّ ويمر بي من فصول وهواجس وفواجع وقراءات وأحاديث وأحلام وذكريات.. و.. و.. ومن خلال ذلك استحضر عذابات وطني المرمى هناك على سواتر الحرب منخوب الروح من الطلقات والشعارات.. ولم أكن أدري أنها ستمتد على أوراقي وحياتي وطوافي لتصل إلى مئات الصفحات ولتخرج بعد 12 عاماً من الكتابة بهذا الشكل وهذا العويل..

قصائدك تحتفي باللحظات الحميمية والأصدقاء بما يشكل ثيمة رئيسية من شعرك.. هل هو هروب من قتامة الواقع؟

- في التفاصيل الصغيرة يمكنك أن ترى العالم, وفي تلك اللحظات الخفية تتلمس سخونة الواقع, قتامته أو فتنته. وما الشعر إلا سابر أغوار تلك العوالم العصية, مستكشفاً ومدوناً ومستبصراً..
كنتُ أرى أن الثيمة الحقيقية للحياة والتاريخ تكمن في تلك التفاصيل المسكوت عنها, وفي خفايا الروح وفي قاع المدينة السحيق..
ومهارة الشاعر هنا تكمن في قدرته على التقاط تلك التفاصيل التي ربما لا ينتبه لها الآخرون على رصيف الحياة..

ما مصير هذا الشعر الذي كان يمجد الحرب.. ما الذي سيبقى منه؟

- هذه النصوص مصيرها الزوال – إن لم أقل شيئاً آخر - نعم ستزول هذه الأبواق والنصوص واللوحات والمسرحيات والروايات والقصص والأغاني التي زجّها النظام السابق – بالترهيب والترغيب - في أتون معركتهِ، أبواقاً ووسائل ايضاح لإيديولوجيته البائسة..
ما يتبقى من نصوص الحرب فقط هي تلك النصوص الصادقة المتفردة المعجونة بالدم والرماد, النصوص الحية التي كانت تعبر – بصدق وفنية عالية - عن معاناة الناس وحياتهم المفجوعة ومخاوفهم وأحلامهم وأفراحهم المبتسرة وخيباتهم داخل تلك الطاحونة التي دارت بنا لسنوات طويلة ومريرة..
يمكن للناقد النزيه وللقاريء الجاد أن يخرجا - من بين تلك الأطنان المكدسة من الروايات والدواوين ببضعة منها حافظت على صدقها وابداعها وهي تستحق منا الاحترام والاهتمام كنموذج حي على أن آلة الموت لم تستطع أن تقتل أو تفسده روح الابداع العراقي أبداً.

ما الاضافة التي قدمها جيلك (الثمانينيات) للشعرية العربية من العراق؟

- تختلف الإضافة التي يقدمها جيل عن جيل باختلاف منسوبه الابداعي من جهة واختلافات الزمان والمكان والمتلقي- من جهة أخرى –
هذا المتلقي سواء كان قارئاً أم شاعراً أم جيلاً..
وقد امتد جيلنا الثمانيني بتجاربه المتفاوتة والمتشعبة إلى التجارب الأخرى سواء كانت ذلك في العراق أو خارجه.
ويمكنك أن ترى تلك الإضافة من منظورين: تاريخي وابداعي.
الأول طبيعي يتأتى من تأثير السابق على اللاحق في كل تجربة جيل ومدرسة ومذهب وحضارة.. وهو دورة شاملة في تاريخ الانسانية عموماً.
أما الثاني فهو ذلك التأثير الخلاق الذي يولد من ديمومة الابداع نفسه وقوة جذبه وتجاوبه مع الآخر..

أنت تنتمي شعرياً إلى مدرسة سعدي يوسف.. ألا ترى أن هذه الشعرية استهلكت تقنياتها.. ولم تعد تقدم الآن جديداً؟

- لا أنتمي إلاّ إلى مدرسة الشعر بحشد شعرائها من امرئ القيس إلى أحمد الصافي النجفي, ومن كافافي إلى سعدي يوسف, ومن ملحمة كلكامش إلى انشودة المطر, ومن المتنبي إلى شكسبير, ومن انخدوانا إلى سافو, ومن الحلاج إلى محمود درويش.. ومن ديك الجن الرومي إلى أدونيس, ومن لوركا إلى حسب الشيخ جعفر، والخ, الخ من دورة الأجيال والاتجاهات والمشارب..
ولك أن ترى في التأثر والتأثير سنة الحياة الشعرية, ولك ان ترى في التفرد سنة الابداع الذي لا يتكرر في كل عصر وجيل..
واخالفك الرأي بأن مدرسة سعدي قد استهلكت تقنياتها, فما زالت حية بجديدها. وما جديد الكواكب إلا ضوؤها المتجدد.. وليس بتغير أشكالها ومساراتها وفصولها..

هل تعتقد أن المنفى خلق جماليات جديدة في القصيدة العربية؟

- فتح المنفى أمام الشاعر العربي تجربة مهمة في النظر الحر إلى الوطن من شرفة الحرية.. والكتابة المفتوحة عنه بعيداً عن سلطة الرقيب الحكومي..
وتأتي قصيدة المنفى تنويعاً حاراً على ايقاع الشعر العربي على مستوى المضمون والشكل والرؤية والاتجاه.. ومثلما كان للموشحات الاندلسية تأثيرها على حركة الشعر وخلخلة نظامه الايقاعي.. ومثلما كان لتجربة شعراء المهجر (جبران خليل جبران, والياس أبو شبكة وغيرهم) تأثيرها المهم على المضامين الجديدة.. فأنني أرى أن قصيدة المنفى العربي استفادت من هذا التجارب العالمية وأشياء أخرى كثيرة.. وسيكون لها تأثير واضح على بنية الشعر العربي اليوم..

أنت تعيش في السويد بتراثك العربي, كيف كانت لحظة الالتقاء؟

- وجدتُ نفسي وشعري بين قطبين مختلفين لا يلتقيان, أنا القادم من بلد الحروب والدكتاتوريات والنفط والقمع إلى بلد الحرية والرفاهية والسلام والأمان, حيث تغدو الحرية لديهم أعلى قيمة في الوجود الانساني وأعلى من أي سلطة.. وحيث لم تعرف هذه الأرض حرباً منذ ما يقرب المئتي عامٍ..
كما وجدتني بين مناخين غاية في الافتراق.. من بلد تصل درجة حرارته إلى 50 أو 60 مئوية، إلى بلد تصل درجة انجماده إلى 36 أو 45 تحت الصفر..
وإلى آخر تناقضات هذين الواقعين المختلفين سلوكاً وثقافة وفكراً وديناً ومجتمعاً وعاداتٍ والخ.. والخ..
وقد انعكست هذه المتناقضات على نصي بالدرجة الأولى, فحملت صوري الشعرية الكثير من هذه المرايا المتعاكسة.. التي تريك الوجود الإنساني بصوره المختلفة, وثقافاته وأحلامه وانكساراته المتدرجة، صعوداً وهبوطاً، بين الحرية والقمع، بين الانسحاق والأمل, بين الاستشراف والخيبات والخ.. والخ..

هل المنفى بالنسبة لك هو استراحة المحارب أم أنه معركة أخرى.. وكيف تخوضها؟

- لم يكن المنفى محطة راحة أبداً, رغم قسوة المحطات والدروب الوعرة التي سلكتها طيلة ربع قرن من تاريخ الكتابة.. لكنها بالتأكيد كانت محطة مختلفة, بابتعادها إلى حدّ ما عن مصدر الخطر الرئيسي على حياتي وقلمي, لكن الهواجس والكوابيس ظلت تطاردني باستمرار, وتقظ عليّ مضجعي وهدوئي في هذه البقعة الحالمة المتكئة على كتف القطب..
وكان هذا بصورة أو بأخرى محفزاً دائماً لي.. يضاف إليه اصراري الأبدي على مواصلة مشروع الكتابة رغم كل الضروف.. وما الكتابة – على مدار تاريخها- إلا معركة مستمرة ضد قوى الظلام وأعداء الحياة والجمال والحرية..

كيف تعاملت مع فكرة المنفى في الواقع؟ وما مردودها على شعرك؟

- لم يكن المنفى وليد لحظة خروجي من الوطن, بل كان يعيش داخلي وأنا داخل الوطن بالمعنى الذي عناه أبو حيان التوحيدي وهو يصف الغريب في وطنه بأنه أغرب الغرباء.. وتلك لعمري محنة لم تواجهني لوحدي أو تواجه جيلي فحسب, بل امتدت على مختلف الأجيال الشعرية في العراق تحديداً وفي الوطن العربي والأوطان المقهورة في العالم بهذا الشكل أو ذاك,..
فأنت يمكنك أن تجد لوعة الغربة وعذابات النفى مبثوثة في الكثير من نصوصنا التي كتبناها في الداخل، فكان المنفى الداخلي رمزاً للاغتراب عن الواقع الكابوسي الذي عشناه طيلة تلك السنوات المرّة..
غير انه حمل في بلاد الغربة رمزاً ومعنىً آخرين أقرب إلى الصليب والصرخة منه إلى الحنين والتأوه والاستذكار..

لماذا – أصلاً - قررت الاغتراب والنفي منذ البداية؟

- في الأجواء الكابوسية والقمعية التي عشناها في بلادنا, كانت مساحة الحرية المتاحة للكتابة تضيق وتضيق يوماً بعد الآخر, حتى لم يعد ثمة مساحة لأي كلمة خارج قوس الرقيب..
ولهذا كان لا بد من الهجرة حفاظاً على عافية نصي وحياتي, بمعنى انه لم يعد أمام الكتابة من خيار غير الاختناق أو الصمت أو التلوث أو الانفجار.. وكل تلك الخيارات صعبة أو مميتة إلى حد أنه لم يكن بالامكان المحافظة على قلمك ورأسك في آن..

وكيف خرجت من العراق.. ما ظروف خروجك؟

بعد عرض مسرحيتي "الذي ظل في هذيانه يقظاً" وما جرّت من تأويلات وملابسات ووشايات.. وايقاف عرضها, أصبحت كأني أقف على كف عفريت..
وحين وصلتني دعوة مهرجان جرش التي رتبها بعض الأصدقاء، خرجت من العراق إلى عمان صيف 1993، ثم تسللت عائلتي بعد ذلك لتستقر معي في ضروف غاية في الصعوبة, وبعد أن أصدرت "تحت سماء غريبة" أخذت أجهزة السفارة العراقية تضيق الخناق على أنفاسي وحركاتي وعملي في الصحافة.. وظلت تلاحقني من مكان إلى مكان وأنا انتقل من عمان إلى صنعاء فالخرطوم فدمشق فبيروت، وبعد صدور "نشيد أوروك" هناك وجدت أن وجودي فيها أصبح مستحيلاً فقررت منظمة UN منحي حق اللجوء السياسي ورتبت سفري وعائلتي إلى أقصى الأرض, إلى السويد..

بعض المثقفين العرب الذين يعيشون في الغرب ينظرون إلى المقاومة العراقية الآن بأنها تخريبية.. كيف تراها أنت؟

- ليس هناك مثقف أو حزب أو شجرة أو موطن عاقل وشريف يقبل باحتلال وطنه.. مثلما ليس هناك عاقل وشريف يقبل بالدكتاتورية أيضاً..
لكن مقاومة الاحتلال لا تأتي عن طريق تفجير أنبوب غاز أو مجمع سكني أو تفخيخ مطعم أو قصف مرقد ديني أو مرقص..
يمكن للمقاومة الحقيقية أن تأخذ طرقاً آخرى غير هذا.. وتعتمد وسائل ناجعة تنظر بالدرجة الأولى إلى مصلحة الوطن والشعب قبل أي شيء..
  رد مع اقتباس
قديم 09/12/2008   #340
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


حوار مع الشاعر المصرى محمد ابراهيم ابو سنة
  رد مع اقتباس
قديم 09/12/2008   #341
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي




القاهرة - العرب اونلاين - سمير درويش: عندمااستقبلنى حسب الموعد الذى اتفقنا عليه، وجدت عنده طالبة دراسات عليا تعد رسالةماجستير عن شعره هى ليست الأولى. حاول أن يؤجل الحديث قليلاً لما بعد طقوس الضيافة،ولكننى فضلت ألا أنتظر، كنت أحاول أن أكسر دفاعاته، لذلك قلت له إننى لم آتيهبأسئلة مسبقة، فاندهش، لكنه وجدها فرصة ليقول كل ما يريده وليقودنى إلى حيث يشاء،وذلك هو ما أردته بالضبط!
هذا هو الشاعر الكبير محمد إبراهيم أبو سنة الذى أردتمواجهته لا حواره، فهو الذى قال: "الزمان اختلف"، فهل يؤمن بأن الزمان يختلف دائما؟من موقعك فى البرنامج الثقافى بالإذاعة المصرية، ومن خلال برنامجك ألوان منالشعر، استطعت أن تتابع الحركة الشعرية فى مصر بدقة. كيف ترى الواقع الشعرى الراهن؟الواقع الشعرى الراهن يتخذ صورة كرنفالية صارخة الألوان، ولكنها للأسف لا تنتمىللدلالة التى يعطيها الكرنفال، فهى صورة مأساوية إلى حد كبير، فبينما يتعاطفالروائيون والقصاصون بعضهم مع بعض كما نرى على صفحات الصحف الأدبية ، فإن الأجيالالشعرية تتناحر حول المساحات الضئيلة التى تركها الهامش الثقافى للشعر ، من الواضحأن ثمة موجة جديدة تتسلح بالقطيعة مع الواقع وتدعى التعالى عليه، وهذه الموجة فىالواقع لا يقتصر وجودها على الشعر النثري، بل هى ظاهرة واضحة فى كل الأقطارالعربية، وربما كان الشام مركزها وبؤرة إدارتها، وكذلك المغرب يعد جناحها الغربي،بينما تتناثر بقايا الموجة فى الجزيرة العربية والعراق وأطراف الأمة العربية، ويمكنأن نلاحظ أن بيروت والمغرب يستقبلان بصورة مباشرة انعكاسات التجارب الشعريةالفرنسية بشكل خاص، والأوروبية بشكل عام، ويعيدان تصديرها إلى العالم العربى ، هذابالإضافة إلى وجود صفحات ثقافية قوية فى الصحافة العربية التى تصدر فى العواصمالأوروبية، وهذه الصحف تتبنى شكلاً ربما يمكن أن نصفه بالتطرف فى الحداثة الشعرية،ويمكننا أن نتبين على ضوء المصادر والمراجع المتاحة أن ثمة منظمة لها فروعها ولهامركزها ولها سدنتها وكهنتها، هذه المنظمة تدير حركة الحداثة المعاصرة التى تتمثلتجلياتها فى أحدث الأصوات الشعرية التى تطالعنا الآن فى مصر والشام والعراق والمغرببما يسمى قصيدة النثر. ولا أظن أن المجال يتسع للخوض فى مرجعيات هذه الحداثةووثائقها، فهناك كتاب "سوزان برنار" وهناك نصوص "أدونيس" وكتابات "كمال أبو ديب" و"جابر عصفور" و"صلاح فضل" و"محمد بنيس"، هذه الموجة التى تشكل الآن الهامش الذىيحتل السياق الشعري، وشعراء هذا النموذج بعضهم يمتلك بكل تأكيد موهبة الخيال الخلاقوالدفقة الشعورية التى يمكن أن تصنع القصيدة، ولكن لا يوجد مبرر منطقى للغيابالمطلق للموسيقى فى هذه النماذج التى تتفجر بلون جديد من التعبير، ولكنها فى نفسالوقت لا تقنع الذوق العام بأنها تنتمى إلى الشعر، لأن الشعر فطرة موسيقية فى كلأبجديات العالم، ولست فى حاجة إلى تكرار الحجج التى سوف تضعنى فى صف الرجعيين الذينثرنا عليهم فى الستينيات، خاصة وأننى أنا نفسى كتبت قصيدة من قصائد النثر ، فالحركةالشعرية بإيجاز شديد تتمثل في: تراجع واضح لصوت الجيل الأول الذى ينتهى بالموت، فلميعد باقياً من الجيل الأول على قيد الحياة سوى عدد محدود من الشعراء الرواد، أماجيل الستينيات فيبدو أنه يضع اللمسات الأخيرة فوق تجربته التى نضجت، ولا أقول حتىاحترقت، بينما ينشط جيل السبعينيات، وربما أقول إن ما يمثل جسد الحركة الشعرية الآنهو عطاء جيل السبعينيات الذى يتدفق فى عدد من الدواوين المتميزة والتى أعتبرهاإضافة لحركة الشعر الحديث، إن هذا الجيل فى حاجة إلى الاهتمام لإعادة التوازن إلىالحركة الشعرية فى مواجهة هذا الاندياح النثرى ، إذن فنحن أمام ظاهرة تتمثل فىأربعة أشكال أو ألوان: ضمور إبداع الريادة، اكتمال شعر الستينيات، تدفق شعراءالسبعينيات، وصراخ التسعينيات بهدف الإعلان عن وجودهم? ثم هناك حيرة القارئ وحيرةالنقد وتعالى المنظمة الغامضة المريبة التى تقف وراء إدارة حركة الحداثة الشعرية.

دواووين جديدة

أنت الذى أطلقت أهم مقولة فى العقدين الأخيرين: الزمان اختلف، إلى أى مدى ـ إذن ـ ترى أن الزمان قد اختلف فعلا؟

إننى أبنى
رؤيتى لعطاء شعراء السبعينيات الآن على أساس ما يصدر لهم من دواوين جديدة، وأرجومراجعة إصدارات حسن طلب وحلمى سالم وفريد أبو سعدة ووليد منير ومحمد سليمان وعبدالمنعم رمضان وجمال القصاص، واللبس قد حدث لأن النقاد الآن فى موقف لا يحسدون عليه،فهم إما أن يغامروا بالقطيعة مع الرأى العام كلياً ليدافعوا عن هذا الهلام النثرىالذى ينطلق بعيداً عن سياق القصيدة كما عرفها الشعر العربي، وإما أن يجازفوابالخروج من المرحلة، وكثير منهم يفضلون البقاء فى دائرة الاهتمام حتى ولو دافعوا عنالأوهام.
إن الزمان قد اختلف، وهذا واضح فى كل شيء، فى شكل الشعر الذى يكتبهالشعراء الجدد، وفى خطابهم النقدى الذى يكاد يكون بلا محتوى اجتماعى أو فكرى أوسياسى وإنما له دلالاته الاجتماعية والسيكولوجية، كما أن شكل الخطاب النقدى أيضاًقد ابتعد عن الأيديولوجية، ولكنه أخفق فى تأسيس معيار يمكن أن يكون أساساً للحواربين أطراف العملية الشعرية ، الزمان اختلف أيضاً، فالبعض يقول نحن فى عصر الرواية،بينما أرى أننا فى عصر الصورة.
إن عدد القراء ينحسر وتوزيع الكتب يتراجعوالاهتمام بالأدب يدخل الظلال المعتمة والثقافة بأكملها تتوارى فى الهامش الخلفىلهذا العصر الذى يضج بالمدهشات والمثيرات، إننى أدعو هؤلاء الذين يقتلهم الخيلاءوالزهو بأنفسهم أن يتأملوا قليلاً عدد قرائهم بعيداً عن أصدقائهم الذين ينافقونهم،وسيكتشفون أننا نعيش كارثة قرائية بالفعل، ولهذا فأنا أدعو إلى مراجعة الخطابالنقدي، وإلى مراجعة النموذج الشعري، وإلى التضامن بين المبدعين لمواجهة موقفهمالراهن خاصة وأننا أمام تدفق إبداعى وتراجع قرائى وجزر منفصلة لا تتداخل ولا تتحاورولا تتفاعل بين من يعتبرون أنفسهم ممثلين للعصر، وبين من يعتبرون أنفسهم واجهة.
إننا يا سيدى نواجه كرنفالاً حزيناً، وسيركاً ثقافياً يخلو من البهجة!!


  رد مع اقتباس
قديم 09/12/2008   #342
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


تنوع ابداعي

الشعر العربى ـ خلافاً لما ذكرت ـ لم يكن له شكل ثابت
حديدي، بل إن محاولات الخروج عن العمود قديمة ودائمة. وقلتَ أيضاً أنك كتبت قصيدةنثر: ألا ترى أن هناك تناقضاً فى أقوالك؟

أولاً: دعنى أؤكد أننى من أنصارالتنوع الإبداعي، ولكننى ضد الإرهاب الشعرى القائم حالياً، فهناك محاولات لنفىالأصوات الشعرية المغايرة، وتعميم نموذج قصيدة النثر بإطلاق الرصاص على قصيدةالتفعيلة، فضلاً عن القصيدة العمودية التى يتصور البعض أن أحداً لم يعد يقرأها،بينما هذا ليس صحيحاً، إننى أؤمن بأن النهضة الحقيقية تحمل فى ثناياها التنوع، وأنالزخم الإبداعى الشعرى يدفع إلى ابتكار أساليب جديدة ومتنوعة، بينما تدعو الحاجةأيضاً إلى الحفاظ على التراث الشعرى الذى يمتد إلى ألف وخمسمائة عام باعتبارهمحيطاً حيوياً لتنفس التجربة الشعرية ، إننا دائماً فى ثقافتنا العربية ندعو إلىوحدة الصوت، وإلى اختزال المجموع فى واحد، هذه روح القبيلة التى تؤمن بهيمنة البطلالفرد.
إننى لا أريد أن أنفى قصيدة النثر، بل أرى فى بعض نماذجها نوعاً منالخيال الخلاق، ولا أدعو إلى نفى شعراء قصيدة النثر، بل أدعو بالعكس إلى منحهمالفرصة كاملة للتفتح والنمو والازدهار والنضج، لأننا سنرى قطافاً شعرياً مختلفاًبعد سنوات من الآن كما حدث بالضبط مع شعراء السبعينيات ، إن ما يزعجنى هو الإرهابالشعرى ونفى الآخرين وإخلاء الساحة لبعض المهرة من الحواة الذين يخرجون لنا القططالبيضاء من القبعات السوداء، أو القطط السوداء من القبعات البيضاء ، إن النقدالأدبى يتعالى على الواقع لأنه يريد أن يؤسس مجده الخاص بوحى من النرجسية النقدية،ولابد أن نسلم إذا كنا نؤمن بمقولة "الزمان اختلف" ـ أننا فى حاجة إلى خطاب جديد فىالشعر والقصة والرواية.. إلخ، ولكن أيضاً علينا أن نعلم أننا نتواصل بلغة بشرية هىأداة الكاتب، وإذا لم تكن هذه اللغة قادرة على القيام برسالتها وباعتبارها أداةاتصال فإننا نكون قد فشلنا فى المهمة الأدبية بأكملها أما أننى كتبت قصيدة النثرفلأننى حاولت دائماً أن أطور تجربتى والخروج بها من أفق الغنائية مرة إلى الدرامامرة ثانية، والكتابة بهذا الشكل تعنى طموحاً لملامسة آفاق جديدة فى التجربةالشعرية، ولكننى لم أعد منذ السبعينيات لكتابة قصيدة النثر مرة أخرى. ويثير دهشتىأن بعضاً من شعراء السبعينيات الذين استطاعوا الوصول إلى أصواتهم الخاصة وتأسيسبنية إيقاعية مختلفةقد خضعوا للإرهاب الشعرى وانفرطت تجربتهم فى كتابات نثريةهلامية، ومنذ أعوام قليلة قرأت ديواناً لشاعر سورى هو "نزيه أبو عفش" بعنوان "مايشبه كلاماً أخيراً" ووجدت هذا الشاعر يقدم نموذجاً متفجراً لما أسميه الخيالالخلاق والإيقاع التفعيلى وحداثة الرؤية، وتساءلت: ألا يعد هذا النموذج حلاً للمشكلالشعرى الآن؟إننى على ثقة بأن مقولة: "الزمان اختلف"، تعمل فى كل وقت، ولهذافإننى أقول للنقاد وللقراء وللشعراء: سوف ينتهى الكرنفال وستأتى القصيدة مشبعةبخبرة الأجيال كلها، قصيدة لا تنفى غيرها، بل تستوعب هذا الغير وتحمله فى أحشائها،وتقدمه لاختبار الزمن.


  رد مع اقتباس
إضافة موضوع جديد  إضافة رد



ضوابط المشاركة
لافيك تكتب موضوع جديد
لافيك تكتب مشاركات
لافيك تضيف مرفقات
لا فيك تعدل مشاركاتك

وسوم vB : حرك
شيفرة [IMG] : حرك
شيفرة HTML : بليد
طير و علّي


الساعة بإيدك هلق يا سيدي 18:03 (بحسب عمك غرينتش الكبير +3)


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
ما بخفيك.. في قسم لا بأس به من الحقوق محفوظة، بس كمان من شان الحق والباطل في جزء مالنا علاقة فيه ولا محفوظ ولا من يحزنون
Page generated in 0.40655 seconds with 15 queries