أخوية  

أخوية سوريا: تجمع شبابي سوري (ثقافي، فكري، اجتماعي) بإطار حراك مجتمع مدني - ينشط في دعم الحرية المدنية، التعددية الديمقراطية، والتوعية بما نسميه الحد الأدنى من المسؤولية العامة. نحو عقد اجتماعي صحي سليم، به من الأكسجن ما يكف لجميع المواطنين والقاطنين.
أخذ مكانه في 2003 و توقف قسراً نهاية 2009 - النسخة الحالية هنا هي ارشيفية للتصفح فقط
ردني  لورا   أخوية > فن > المكتبة > قرأت لك

إضافة موضوع جديد  إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 19/07/2008   #307
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


التخصص في الصهيونية وإنجاز الموسوعة

سامي كليب: حين ظهر كتاب "نهاية التاريخ" في الولايات المتحدة الأميركية قبل سنوات قليلة ضج العالم به وجعل كاتبه فرانسيس فوكوياما من أشهر الكتاب، ولكن من يقرأ مؤلفات المفكر العربي الدكتور عبد الوهاب المسيري سيجد أنه سبق فوكوياما بأكثر من ربع قرن في الكتابة عن الموضوع نفسه، هو اعتبر أن النموذج الأميركي آيل للسقوط وراح يقارع الأميركيين في عقر دارهم لتفنيد آرائهم حين كان مدرسا في الولايات المتحدة أو مستشارا لوفد الجامعة العربية هناك.
عبد الوهاب المسيري: شوف هو كل عقيدة دينية فيها جزء غيبي و {..فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ..}[الكهف:29]. المشكلة في اليهودية بقى أنه منذ البداية هناك صراع بين التوحيد والحلول، في التوحيد الشعب اليهودي لا يختلف عن الشعوب الأخرى وده موجود في كتب الأنبياء بالذات، كتب الأنبياء كتب إنسانية إلى أقصى حد وتوحيدية.
سامي كليب: الأنبياء اليهود.
عبد الوهاب المسيري: آه في الكتاب المقدس العهد القديم. يعني مثلا صورة آخر الأيام سيكون هناك طريق من مصر إلى فلسطين ومن آشور إلى كذا، يعني العالم في وئام ولا يوجد شعب مختار، بقى بالعكس في كتب الأنبياء في تعنيف للشعب لارتكابه الكذا، ده الجانب التوحيدي. الجانب الحلولي الذي ساد في نهاية الأمر يرى أن الله قد حل أي نزل وتماهى مع الأرض والشعب بحيث أصبحا مقدسين. وحينما..
سامي كليب (مقاطعا): الطريف لو سمحت لي بالمقاطعة أنه حين تتحدث لا أدري إذا كان في الموسوعة أو في كتاب آخر تقول إن اليهود أو الصهاينة بشكل عام يتحدثون عن الأرض المقدسة وأن هذه الأرض سكنتها شعوب وحضارات غير مقدسة أساسا يعني.
عبد الوهاب المسيري: آه. ما هو ده شكّل الخريطة الإدراكية الصهيونية، ولكن المعادين لإسرائيل يسمونه عبادة العجل الذهبي، الانحراف عن اليهودية لكن الحلولية اليهودية هذه هي التي سادت وهي جوهر الفكر الصهيوني.
سامي كليب: فقط سأطلب منك ولو سؤال تبسيطي يعني ربما المشاهد الآن ليس كل المشاهدين يعرفون أو يدركون جوهر الحلولية لو اختصرتها يعني ولو بعبارات بسيطة ليفهمها أي مشاهد يعني ما هو جوهرها ولماذا ركزت عليها في الكثير مما كتبت؟
عبد الوهاب المسيري: أنا أرى كلمة حل أي نزل وهبط وسكن في الأرض أو في الشعب أو في الزعيم أو كذا ثم يتماهى معه، بحيث أن يصبح الإله لا وجود له خارج هذه الأشياء ولكن هذا يعني غياب الله.
سامي كليب: طيب بهذا المعنى ولذلك سؤالي أن مثلا عند المسيحيين يقال إن الله أو ابن الله هو يسوع المسيح وأن الله حل به، عند البوذيين أن الكارما أو الله في الداخل وليس في الخارج وكأنه في داخلك وحل بك، يعني شو الفرق؟ أين أخطأ اليهود في هذا المعنى إذا صح التعبير؟
عبد الوهاب المسيري: هو في نزعة نحو الحلول عند الإنسان، أنا بأميز بين لحظتين لحظة أسميها اللحظة الرحمية وهي الجنين في رحم أمه يظن أنه جزء لا يتجزأ منها وتستمر هذه العلاقة بعد الولادة مدة ثلاثة أربعة أشهر بحيث أنه حينما يطلب الثدي يأتيه فورا فلا يوجد أي مسافة بين المثير والاستجابة وهذه طبيعة الحيوانات بالمناسبة، لأنه بالنسبة للإنسان المثير يفصله ذكريات وأوهام وكذا عن الاستجابة. فالنزعة الرحمية هذه بتعني أن الإنسان غير مسؤول لأنه جزء من كل، هي دي نزعة وحدة الوجود التي تعبر عن نفسها في كل الأديان بشكل مختلف يعني مثلا الإيمان بالأولياء وأن الوساطة الشفاعة وهكذا هي الإنسان العادي يود أن يشعر بالإله من خلال حواسه الخمس وهذا لأنه غير قادر على التجاوز فهو.. النزعة الربانية بقى هي العكس الإنسان يعرف أنه جزء من كل ولكنه جزء متفرد وأن المثير منفصل عن الاستجابة وأن المسافة هذه مسألة مهمة.
سامي كليب: ولكن بهذا المعنى قد تلغي الكثير من المفاهيم القائمة، يعني مثلا الإمام المغيّب مثلا.. الصالحين..
عبد الوهاب المسيري (مقاطعا): آه كل هذه مفاهيم حلولية أنا أعتقد أنها تهدد كل الأديان وهذا الخطر الأكبر أن علينا أن نتنبه كل المؤمنين سنة شيعة أقباط دروز علينا أن نتبنه إلى هذا.
سامي كليب: صاحب المؤلفات الكثيرة وفي مقدمها "موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية" يستكمل حديث الذكريات ابتداء من مغامرة هذه الموسوعة التي شجعه عليها الدكتور أسامة الباز المستشار السياسي لرئيس الجمهورية.
عبد الوهاب المسيري: هو أنا تعرفت على الدكتور أسامة ونشأت صداقة قوية مستمرة حتى الآن في الستينيات في الولايات المتحدة وكان أيامها التوجه الناصري ثم حينما عدت قدمني للأستاذ هيكل بعد أن أنبأني أو أخبرني أن لا بد أن أتخصص في الصهيونية، فهو بشكل من الأشكال كان مسؤولا ليس عن الموسوعة وإنما توجهي للتخصص، وحينما قابلت الأستاذ هيكل أنا كنت أرغب أن أكون ناقدا أدبيا قدمت له مشروع كتاب "نهاية التاريخ" وطلبت منه أنه لو يعين مساعدي باحث أنا ممكن أشرف عليه.
سامي كليب: اقترحَ أن تكون أنت.
عبد الوهاب المسيري: آه، قال لا يمكن أن يكتب مثل هذا الكلام غيرك ثم أعطاني كمية هائلة من المال وأرسلني إلى الولايات المتحدة اشتريت كل ما أريد من مراجع التي تشكل نواة لمكتبة مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية وبدأ الغرق في المسار الصهيوني.
سامي كليب: طبعا كان الوقت آنذاك منتصف السبعينات يعني 1974- 1975.
عبد الوهاب المسيري: لحد 1975.
سامي كليب: وكان بدأ يعني الدخول في بعض الصراعات الداخلية في مصر في الدول العربية وما إلى ذلك وحسب ما فهمت أنه حين بدأت جديا بكتابة الموسوعة ووصلت إلى درجة متقدمة حاول البعض مسحها وأن القول لك نصحك بأن اذهب وسافر ونحن سنتابع الأمر وكأنه كان هناك نية لعدم صدور هذه الموسوعة.
عبد الوهاب المسيري: في الواقع عرفت فيما بعد أن في البنود السرية في اتفاقية الفصل بين القوات كان المطلوب التخلص من الموسوعة، وبالفعل حينما عدت من الولايات المتحدة عام 1979 كنت كي أشتري نسخة أو نسختين من الموسوعة من مكتبة.. من الأهرام تأخذ أياما طويلة ثم تقرر أنها تفرم لكن بائع كتب سعودي برضه مرة أخرى ذكي اشترى المجموعة كلها ولذلك هذه الموسوعة معروفة في السعودية جدا وغير معروفة خارجها.
سامي كليب: خليني أرجع فقط لنقطة لأنها مهمة كان بالاتفاق الإسرائيلي المصري أنه أن تلغى هذه الموسوعة أن تحذف؟
عبد الوهاب المسيري: نعم.
سامي كليب: كيف عرفت يعني ولا قرأت البند ولا؟
عبد الوهاب المسيري: أحد المتمكنين جدا أخبرني بالبنود السرية وكانت هذه أحداها.
سامي كليب: شو في بنود أخرى خطيرة؟
عبد الوهاب المسيري: في الوقت ده اللي بقي في ذاكرتي أنه يخصني، لكن يعني اتكشفت الأمور في كامب ديفد نزع السلاح سيناء التصريح للإسرائيليين بكذا.
سامي كليب: بعض المسلسلات التلفزيونية الخطاب الإعلامي على ما يبدو أيضا.
عبد الوهاب المسيري: آه. ولو أنه طبعا هناك إخفاق إسرائيلي كامل في رغم التطبيع مع الحكومات تظل الجماهير والحمد لله بفطرتها السليمة معادية للصهيونية.
سامي كليب: تعرف حين مرضت يعني صدرت شائعات وسرت شائعات كثيرة تقول إن هناك مؤامرة أيضا صهيونية إمبريالية لقتلك وأنه دس لك شيء معين في الجسم، طبعا حضرتك سخرت من كل ذلك وكتبت ضده ولكن هل تعرضت مثلا لمضايقات لمحاولات اغتيال بعد خصوصا توجهك في تشريح هذا المجتمع الإسرائيلي الصهيوني؟
عبد الوهاب المسيري: عام 1982 أرسل لي مايير كاهانا 13 خطابات تهديد بالقتل، ستة في القاهرة وكنت أثناء ذلك أدرّس في جامعة الملك سعود فأرسل لي ستة هناك، الثالث عشر وصلني في القاهرة بعد وصولي بيوم يقولون نعرف إنك وصلت ولذا نحن نحفر لك قبرا، وأرسلوا لمساعدي الدكتور محمد هشام خطابات مماثلة يعني.
سامي كليب: من الصعب الإحاطة بكل ما ألف الدكتور عبد الوهاب المسيري من كتب وموسوعة ومقالات وهو إذ اشتهر في موسوعته عن اليهود واليهودية والصهيونية والتي سنفصلها في الحلقة المقبلة فإنه كتب أيضا في الكثير الكثير من القضايا التي كان همه فيها نصرة أمته العربية ضد مشاريع الهيمنة. وقبل أن أودعه على أمل اللقاء به وبكم في الأسبوع المقبل مع حلقة ثانية وأخيرة معه تمنيت له فقط موفور صحة لأن صحة أمثاله هي من صحة الأمة.

شُذَّ، شُذَّ بكل قواك عن القاعدة
لا تضع نجمتين على لفظة واحدة
وضع الهامشيّ إلى جانب الجوهريّ
لتكتمل النشوة الصاعدة
  رد مع اقتباس
قديم 25/07/2008   #308
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


حوار مع عبد الوهاب المسيرى ج2
  رد مع اقتباس
قديم 25/07/2008   #309
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي




اجرى الحوار مالك التريكى


رغم التباعد الظاهري بين التكوين الأكاديمي لعبد الوهاب المسيري وبين اهتماماته الفكرية فإن انتقاله من دراسة الأدب الإنجليزي والأميركي إلى التخصص في دراسة الصهيونية والجماعات اليهودية في العالم لم يمثل تحولا جذريا في مساره الفكري، ذلك أن ميزة مشروعه الأدبي تكمن في أنه ذو طبيعة فكرية بالأساس ولهذا فإن دراسته للأدب لم تكن دراسة فنية للنصوص بقدر ما كانت دراسة إشكاليات فكرية كما تكمن أو تتجلَّى في النصوص.

التحول من دراسة الأدب إلى دراسة الصهيونية

عبد الوهاب المسيري – كاتب ومفكر مصري : أنا حينما كنت أدرس الشعر الإنجليزي والأميركي كنت متخصص أساسا في شعر القرن التاسع عشر وبالتالي كنت أقرأ تاريخ الأفكار أو تاريخ الفكر في ذلك الوقت، هيغل، ماركس، الأفكار العنصرية، الإمبريالية، الفلسفة النفعية، العلمانية، الاحتجاج على التصنيع كل هذه الأمور التي تحوَّلت إلى مقولات تحليلية فيما بعد ولذلك نجد إنه المقولات التحليلية التي استخدمتها في رسالتي للدكتوراه عن أثر وردس ورث على ويتمان لكن كان عنوانها الفرعي هو دراسة في الوجدان التاريخي والمُعادي للتاريخ نجد أن نفس المقولات التحليلية هي التي استخدمتها فيما بعد في دراسة الصهيونية حتى أثناء مناقشة رسالتي للدكتوراه قلت للأساتذة مازحا في الولايات المتحدة إن رسالتي ليست عن الشاعر الإنجليزي وردس ورث ولا عن الشاعر الأميركي ويتمان وإنما هي عن الصراع العربي الإسرائيلي، أنه وردس ورث بيمثل المجتمعات التاريخية التي عندها إحساس بالتاريخ أما ويتمان فهو نتاج مجتمع استيطاني والمجتمع الأميركي المبني على إنكار التاريخ ومن ثم كانت أول دراسة لي عن الصهيونية تُسمى نهاية التاريخ وهذا يعني ما يقرب من..

مالك التريكي [مقاطعاً]: عام 1972 أصدرت الكتاب.

عبد الوهاب المسيري: عام 1972 يعني.

مالك التريكي: وفوكوياما أصدر مقاله عام 1989 ثم كتابه عام 1992.

"عبد الوهاب المسيري: نعم حتى هو في حوار بيني وبينه من خلال البريد الإلكتروني نُشر في الأهرام فوجئ بهذا وطلب أن يتعرف علي وهكذا لأنه طبعا أنا فكرتي في نهاية التاريخ مختلفة، هو نهاية التاريخ عنده هي انتصار الليبرالية الديمقراطية أما بالنسبة لي أن فكرة نهاية التاريخ هي فكرة فاشية في جوهرها وأن كل الأيدلوجيات الفاشية مبنية على فكرة نهاية التاريخ لأن نهاية التاريخ بتعني نهاية الإنسان وكما قلت لفوكوياما في الحوار أنها بتعني نهاية التاريخ الإنساني وبداية التاريخ الطبيعي أي تحول الإنسان إلى ظاهرة طبيعية.

مالك التريكي: بالنسبة لدراسة الأدب في.. من منتصف الخمسينيات حتى نهاية التسعينيات.. نهاية الستينيات بالأحرى تلك كانت المرحلة التي درست فيها الأدب الإنجليزي والأميركي، في تلك الفترة كانت النزعة الهيومانية الإنسانية هي السائدة لم تكن النزعة الشكلانية قد ظهرت بعد هل تتصور أن تطورك الفكري كان سيكون مغايرا لو كانت الشكلانية هي السائدة آنذاك؟

عبد الوهاب المسيري: نعم لأنه الفلسفة الهيومانية التي تعلمتها أولا هنا في مصر من خلال أساتذتي في الإسكندرية ثم حين ذهبت إلى الولايات المتحدة لكن كان بدأ الصراع بين الشكلانيين والإنسانيين في القسم الذي ذهبت إليه لكن لحسن حظي كان المُشرف على رسالتي من الإنسانيين البروفيسور وايمان هو دافع عني أثناء الحوار ولولاه لا أعتقد أن أنا كنت حصلت رسالة درجة الدكتوراه. لي طالبة الآن في الولايات المتحدة تتحدث عن الاتجاه الشكلاني، دلوقتي تطوروا وبدءوا يبقى هناك اتجاه أيديولوجي يؤكد الجندر النوع والجنس (sex) بتخبرني أنها حينما تأخذ قصيدة من القصائد التي تعلمتها هنا واللي كان متفق على معناها المباشر مع اختلافات في التفاسير تقول لي إنهم يرفضون هذا تماما ويا إما تفسر في إطار الجندر وال (sex) والجنس وإلا تعتبر قراءة زائفة ومنافقة وهكذا.

مالك التريكي: ما هو تفسيرك لهذا التناقض الصارخ بين المحافظة السمة المحافظة التي تطبع المجتمع الأميركي في ثقافته العامة وبين هذه الثورية الزائفة الـ (Political Correctness) هذه التي تحتمي بالقواعد أكاديمية أو غير أكاديمية أيديولوجية تُسقَط على الأكاديمي لكنها تحتمي بصورة الجامعة، ما هو تفسير هذا التناقض؟

عبد الوهاب المسيري: هو أولا من الواضح كما قال علي عزت بيجوفيتش إن الإنسان كائن ميتافيزيقي يعني لا يمكنه أن يدور في إطار النموذج المادي وحسب المنفعة المادية اللذة لا كائن ميتافيزيقي فلابد أن يؤمن الإنسان بميتافيزيقا ما فإن لم يؤمن بالله فسيؤمن بالآيس كريم يؤمن بالجنس يؤمن بأي شيء وهذا ما حدث.

مالك التريكي: الأطباق الطائرة.

عبد الوهاب المسيري: نعم الأطباق الطائرة مثلا وإن كنت أسميها أنها ميتافيزيقا بلا أعباء أخلاقية بمعنى الإيمان بالأطباق الطائرة أو بالجنس..

مالك التريكي [مقاطعاً]: ليس فيه حساب أو ثواب أو عقاب.

عبد الوهاب المسيري: ما فيهوش تكليف لا يوجد فيه..

مالك التريكي: تكليف أخلاقي.

عبد الوهاب المسيري: فنفس الشيء بأعتقد أنه هذا الفراغ الأخلاقي الذي يُملأ بفكرة القوى على المستوى السياسي بيُملأ بأشياء مثل الجنس مثل الجندر، أشياء أحيانا إيجابية الحرب ضد الاستعمار، الحرب ضد إسرائيل لكن أشياء برضه غير إنسانية زي الدفاع عن الشذوذ الجنسي وهكذا يعني فهذا هو ما يحدث أنه الفراغ بيُملأ لكن حيث إنها ميتافيزيقا بلا أعباء أخلاقية بنجد أنها بتظل تدور في الإطار المادي لا تُحاول تجاوز الواقع ومَن لا يحاول أن يتجاوز الواقع هو الرجعية في حد ذاتها ولا تنسى أن الفلسفة المسيطرة على أميركا هي الفلسفة البرجماتية وهي فلسفة في ظاهرها ثورية لكن في جوهرها رجعية بل داروينية، إنه البرجماتية بترى أن المعيار الأساسي في الحكم على الأمور هو ما ينجح معنى ذلك أنه لا توجد معايير أخلاقية أو معايير إنسانية حتى ومن ثم يملأ هذا الفراغ الفلسفة الداروينية لكن الفلسفة الداروينية هذه فلسفة ناجحة بالنسبة للأقوياء ماذا يفعل الضعفاء؟ فبنجد أنه بتنقسم إلى قسمين الأقوياء الذين يسيطرون والضعفاء الذين عليهم التكيُّف وبالمناسبة هذا واضح في الخطاب الغربي تجاه القضية الفلسطينية يعني هم مُعجبون للغاية بالصهاينة لأنهم عادوا بعد ثلاثة آلاف عام نتيجة لإيمانهم بالأساطير مثل أرض العودة، أرض الميعاد وهكذا لكن حينما يتوجهون للعرب يقولون هناك حقائق جديدة عليهم التكيُّف معها. فما بين ما أسميه السوبرمان الإنسان الأعلى و الـ (Sub-Man) الإنسان ما دون الإنسان، الفلسفة البرجماتية بتعبر عن نفسها وفي تلك الحالتين بنجد أن الحالة الإنسانية يتم إنكاره.
  رد مع اقتباس
قديم 25/07/2008   #310
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


مالك التريكي: وهذه البرجماتية الذرائعية والداروينية تظهر أيضا في الخطاب الاقتصادي العالمي الآن العولمة الاقتصادية لأنها في مصلحة الأقوياء ولذلك حتى كيسنغر يقول العولمة هي اسم آخر للأمركة لأن أميركا هي الأقوى فمن صالحها أن تنتشر العولمة ويُطلب من الضعفاء اقتصاديا الدول الضعيفة أن تتكيف يعني أن تفتح أسواقها مثلا للمنافسة بينما صناعاتها ضعيفة ولا تستطيع أن تنافس مثلا فهذا يبدو أن الذرائعية بهذا الشكل صارت الأيديولوجيا العامة يعني في العالم.
عبد الوهاب المسيري: نعم ولذلك نفتح أبوابنا لرأس المال الأجنبي والبضائع لكن هم لا يفتحون أبوابهم للمهاجرين مثلا، يعني هي حرية انتقال للأشياء وليس حرية انتقال للأشخاص وبالمناسبة كيسنغر أيضا قال أن (Power is an Aphrodisiac) أن القوة منشط جنسيK يعني عملية اقتحام هنا بتأخد شكل صورة مجازية أيضا.
مالك التريكي: عودا إلى هيغل دكتور بما أننا ذكرنا رسالتك للدكتوراه التي أصدرتها بعد في كتاب بعنوان نهاية التاريخ وبما أن فكرة نهاية التاريخ هي فكرة هيغيلة ولو أن ما كان يقصده هيغل لا علاقة له بما يقصده فوكوياما ولذلك يوصف فوكوياما يصفه بعض المعلقين الصحفيين بأنه هيغل (Light) يعني نسخة مُخففة أو مُبسطة جدا عن هيغل طبعا ما كان يقصده هيغل هو أن العقل المطلق سيتحقق في التاريخ والتاريخ عنده كان آنذاك الدولة البروسية المحافظة الرجعية الإقطاعية في ذلك الوقت هذا ما كان يقصده، هيغل له جانب آخر كان يهمك أيضا هو الجانب المعلوماتي الرغبة في الإحاطة الشاملة بكل الظواهر وبكل المعلومات في إطار نسقي نظري، هذا الجانب سميته بالذئب الهيغلي وإضافة إلى ذئب الثروة وذئب الشهرة وقلت أإك جاهدت لكي تتخلص من هذه الذئاب الثلاثة كيف جاهدت للتخلص من الذئب الهيغلي؟
عبد الوهاب المسيري: أنا في الواقع أقول في رحلتي الفكرية لم أتخلص منه روضته فقط لأنه لا يزال رابض داخلي، في الواقع أنا نجحت في ترويضه لأن هناك في حياتي ثلاثة عباقرة لم يخطوا حرفا لأن الذئب قد التهمهم، كانوا يرون علاقة كل شيء بكل شيء آخر، يعني كان لي صديق رحمه الله الأستاذ علي زيد كنت مثلا نبدأ أطلب منه يكتب مقال عن البرجماتية والداروينية فينتهي به الأمر أنه يقرأ كتب عن القبائل العرب وعنده كان مكتبة وكان يعرف كل شيء وليس بطريقة معلوماتية وإنما بطريقة مترابطة، أستاذي الحقيقي الأستاذ محمد سعيد البسيوني رحمه الله أيضا كان نفس الشيء يعني يربط كل شيء بكل شيء آخر بذكاء غير عادي لكنه يظل في ربط الأمور، فكان لابد من ترويض هذا الذئب ومن ثم نجحت، يعني أنا كان طموحي إن أنا أكتب نظرية عامة على طريقة هيغل لكنها في ذات الوقت تضم كل المعلومات وهذا مستحيل إنسانيا، عام 1984 شعرت أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يُرغمني على كتابة الموسوعة فرضخت قلت فلأنسى مشروعي المعرفي الأكبر ولأنخرط وانتهيت كتابة الموسوعة، لكن أعتقد أن مكافأة الله سبحانه وتعالى لكي كانت أنه هذه الموسوعة تحولت إلى دراسة حالة وقدمت ما أتصور أن هو إطار معرفي عام لتحليل كثير من الظواهر سواء كان مفهوم الحلولية أو مفهوم العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة وأخيرا مفهوم الجماعة الوظيفية، هذه ثلاثة مفاهيم يمكن استخدامها في تفسير كثير من الظواهر الإنسانية لكني أعرف أن فوق كل ذي علم عليم.
دراسة الصهيونية من منطلق فكري بحت
مالك التريكي: من الطريف دكتور وأنت تُلامس هذا الموضوع بالضبط الآن أنك تناولت تاريخ اليهودية وتاريخ الصهيونية والجماعات الوظيفية.. الجماعات اليهودية الوظيفية في العالم من منطلق فكري بحت وفي هذا تتميز عن بقية المفكرين العرب لأن المفكرين العرب والآخرين حتى المُختصين في الفلسفة كحقل عندما يتناولون مسألة الصهيونية ومسألة إسرائيل لا يكادون يخرجون عن سياق التناول الصحفي المعهود بينما أنت في تناولك للظاهرة الصهيونية تستعمل مفاهيم تحليلية مثل إشكالية الإنسان وعلاقاته بالطبيعة والتاريخ، الغنوسية الواحدية المادية، الأسطورة منفصلة عن التاريخ؟
عبد الوهاب المسيري: أنا شأني شأن كثير من المفكرين كنت أنظر إلى الصهيونية النظرة السياسية التحليلية العادية لكن قرأت بعض الكتب من بينها كتب الدكتور إسماعيل راجي الفاروقي رحمه الله كتب كتيبين كتابين صغيرين عن اليهودية وعن الصهيونية وكتابات جمال حمدان إلى جانب بداية اهتمامي بالبُعد المعرفي أي البُعد الكُلي والنهائي، كل هذه الأمور تلاحمت وأنا من طبيعتي لا أفصل بين مثلا الفكر والشعر وحتى أثاث منزلي وحياتي الخاصة بمعنى أنني دائما أحاول أن أعيش فكري وهذه لها مزايا ولها عيوب أيضا يعني، بمعنى إني أحيانا يفوتني ملاحظة بعض التفاصيل نتيجة لانشغالي بالنماذج.
مالك التريكي: بالصورة التي تتعامل معها.
"

عبد الوهاب المسيري: أه وفكرة النموذج التحليلي فكرة أساسية عندي والنموذج بطبيعته يتجاوز الموضوع، يربط بين المواضيع المختلفة، يعني دائما أضرب مثل بالنموذج بالحديثين الشريفين الحديث الذي عن القطة التي عذبتها المرأة حبستها حتى ماتت جوعا فدخلت فيها النار والحديث الآخر عن الكلب الذي كان يعض الثرى من العطش فنزل رجل بئر وسقاه فدخل فيه الجنة، يعني هنا على مستوى الموضوع سنجد إنه ثمة تضاد رجل امرأة كلب قطة جوع عطش وهكذا لكن على مستوى النموذج سنجد إنه الرؤية واحدة إنه هو الإنسان فاعل والحيوان مفعول به وإن الإنسان هو خليفة الله بمعنى أنه استُخلف وإنه مسؤول عن هذه الحياة وهكذا أربط هذا بالمفهوم الإسلامي للإنسان وللطبيعة، أربط هذا بمفهوم الذبح الشرعي في الإسلام وهكذا مهمة إحدى مزايا النموذج إنها تُسهل الانتقال من مجال تحليلي إلى آخر من مثلا شكل في الشعر إلى ظاهرة تاريخية إلى قضية فلسفية، فالنموذج يربط بينها جميعا وهذا ما حدث في حالتي، أنا درست الشعر لكن درست فكر القرن التاسع عشر وحاولت الوصول إلى نماذج تحليلية تصلح لدراسة الشعر وتصلح لدراسة الظاهرة الصهيونية ولذلك دائما أقول إن اليهودية والصهيونية في الموسوعة هي دراسات حالة (Case Studies) ولذلك بأجد إن المجلد الأول هو أهم المجلدات لأنه يعبر عن الرؤية وما الصهيونية واليهودية إلا تطبيقات حالة. حدث نفس الشيء في قصص الأطفال التي أكتبها يعني يتساءل الناس يعني كيف يمكن لكاتب جاد..

مالك التريكي [مقاطعاً]: أن يجمع بينهما.
عبد الوهاب المسيري: يعني لا ده شيء جزء من رؤيتي إنه مثلا في قصة نور والذئب الشهير بالمكَّار الذئب سقط في النموذج الهيغيلي المعلوماتي بمعنى إنه بيقرأ القصة القديمة وحسب القصة القديمة إن هو سيسبق ذات الرداء الأحمر اللي هي نور في هذه القصة وسيلتهم الجدة ثم يلتهمها هي لكن نور تعيش في العصر الحديث ولذلك سلسلة القصص اسمها حكايات هذا الزمان فتسبقه وتصل إلى منزل الجدة وتخبرها أن الذئب.. الذئب يضيع وقته في محاولة التنكر

ويسقط في الأرض وهكذا وحينما يطرق الباب يُفتح الباب ويأخذ علقة ساخنة وفي أثناء العلقة يقول يعني هذا مخالف.
مالك التريكي: للنظرية يعني.
عبد الوهاب المسيري: أه لأنه غير مدرك لا يحاول تفسير الواقع وهو يعيش داخل هذا النموذج الهيغيلي المعلوماتي. نفس الشيء في منزلي يعني أثاث منزلي هو تعبير عن هذه الرؤية إنه لابد أن تكون هناك لنا خصوصيتنا تحيزاتنا العربية الإسلامية. في الواقع أنا بأعتقد إنه الطريقة الوحيدة لتجاوز التحيز هي التنبه له لأنه لا يمكن إن الإنسان يرصد الواقع كأنه آلة يعني إن رأيت حجر يسقط من الدور الثاني وطفل يسقط السلوك في كلتا الحالتين مختلف يعني فحينما أرى الجيش الإسرائيلي بيضرب أطفال ورجال ونساء ويهدم بيوت لا يمكن أن أرصد هذه المسألة بطريقة مُحايدة باردة ولذلك أنا أسقطت كلمة موضوعية وذاتية وبأتحدث عن التفسيرية، الجيش الإسرائيلي بيهدم المنازل فأقدم وجهة نظري المُتحيزة لكنها ذاتها مقدرة تفسيرية، فمثلا نأخذ تعريف الصهيونية يقولون في المراجع الغربية إن الصهيونية هي القومية اليهودية وهي عودة اليهود إلى وطنهم طيب سآخذ هذا التعريف وأقول لن أقول إنه متحيز أو غير متحيز وأحاول أن اختبر مقدرته التفسيرية، إن كان الأمر كذلك نفسر إذاً وجود مخيمات اللاجئين فلسطينيين والحروب المستمرة والدعم الأميركي والغربي لهذه الدولة في هذه الحالة يُفتح باب الاجتهاد وسأطرح تصوري وتعريفي وهي أن الصهيونية حركة استيطانية استعمارية إحلالية لا تختلف في جوهرها عن الجيوب الاستيطانية في أفريقيا والجزائر وأن نقطة الاختلاف الوحيدة هي أنها تقدم اعتذارايات ودباجات يهودية لتبرير الفعل الاستيطاني ولتأخذوا هذا ولتختبروا ولا تسألوني هل أنت أتيت بهذا لأنك عربي أو مسلم لا اختبر مقدرته التفسيرية سنجد أن هذا التعريف يُفسر مخيمات اللاجئين، يُفسر المقاومة الفلسطينية، يفسر الدعم الغربي لهذا الجانب الاستيطاني.
  رد مع اقتباس
قديم 25/07/2008   #311
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


مالك التريكي: ولهذا تقول إنك واجبك الأخلاقي هو مُناهضة الصهيونية حتى لو كانت أقامت دولة في موزمبيق أو في أي بلد آخر فالوقوف ضدها لا يتعلق بكونها في فلسطين فقط بل أنها ظاهرة استعمارية يجب مناهضتها. هنا السؤال دكتور لأن هنالك حالة خاصة أيضا وأنت تعرف هي ظاهرة استعمارية مثل بقية الظواهر الاستعمارية لكنها أكثر شراسة ولأن مصير إسرائيل نوعا ما يتداخل مع تصور الغرب لمصير العالم بصفة عامة، الجوانب الأسطورية هي المسيطرة على الموقف في أميركا أليس هنالك أيضا تناقض صارخ مثل الذي ذكرناه قبلا عن أميركا بين الثقافة العامة وبين الثقافة الأكاديمية؟ أليس هنالك تناقض صارخ بين القول بالعلمانية ولك أيضا مفاهيم تحليلية في العلمانية الشاملة والعلمانية الجزئية بين القول بالعلمانية بصفة عامة في الغرب عامة وفي أميركا خاصة وبين تصديق هذه الخرافات عن إسرائيل وعن الشعب الإسرائيلي وعن هذه الأرض؟
عبد الوهاب المسيري: هو الخريطة الإدراكية مقولات قبلية بتحدد رؤية الإنسان للواقع يعني أنا دائما بأضرب مثل بقصة شهيرة قصة ماري أنطوانيت حين أتوا لها بفلاح جائع وأُغمى عليه من الجوع فلا الجوع ولا الفقر جزء من خريطته الإدراكية فقالت له يعني الرجيم قاسي لا داعي أو في رواية أخرى..
مالك التريكي: فليأكل..
عبد الوهاب المسيري: يأكل جاتوه يعني.
مالك التريكي: طبعا ماري أنطوانيت هي زوجة الملك لويس السادس عشر ملكة فرنسا الأخيرة يعني بس للتوضيح.

"عبد الوهاب المسيري: فالخريطة الإداركية الغربية من البداية بترى أن العالم العربي والعالم الإسلامي هو مادة استعمالية مجال للبضائع للاستثمارات ولذلك كما قلنا من قبل إنهم يريدون فتح الحدود للرأسمال وللبضائع لكن لا يفتحون حدودهم للهجرة الإنسانية من بلادنا إلى بلادهم، فنفس الشيء هم يرون إن إحنا مادة استعمالية وإن من ثم الحقوق المطلقة هي حقوق للإنسان الغربي والإنسان اليهودي جزء من هذا، يعني تماما مثل الاستعمار الغربي يعني كان يتحدث عن نقل الحضارة عن عبء الرجل الأبيض هكذا.

مالك التريكي: طبعا المهمة التمدينية هذه قال بها الاستعمار الفرنسي ومهمة عبء الرجل الأبيض هذه قولة كيتنيك الشهيرة قال بها الاستعمار البريطاني وهذا يندرج في إطار هذه النظرة المادية وما سميته بالواحدية المادية التي تقول إنها باطلة وإن ما يصلح أساسا لنظرة متكاملة ومتوازنة للعالم هي الثنائية.
عبد الوهاب المسيري: الثنائية هي إن العالم دائما مُكون من عنصرين يتفاعلان لكنهما لا يمتزجان وبداية هذه الثنائية هي ثنائية الخالق والمخلوق التي لُخصت في الإسلام في كلمة قاب قوسين أو أدنى إن أشرف المخلوقات في أشرف اللحظات لم يمتزج بالإله والإله هو أقرب إلينا من حبل الوريد لكنه لا يجري في عروقنا.
  رد مع اقتباس
قديم 25/07/2008   #312
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


حوار مع المفكر على اليوتيوب

- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا -
 

  رد مع اقتباس
قديم 13/08/2008   #313
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


حوار مع الشاعر محمود درويش
  رد مع اقتباس
قديم 14/08/2008   #314
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


الآن مع صدور مجموعتك الكاملة للمرة الثامنة عشرة كيف ترى إليها؟ ما الذي تحبه فيها وما الذي تكرهه؟ كيف تنظر الى البدايات التي أصبحت جزءاً من الذاكرة الفلسطينية؟

- حين اضطر الى قراءة أعمالي الأولى من أجل تصحيح الأخطاء الطباعية استعداداً لطبعة جديدة، وليس من قبيل مراقبة تطوّري أو مراقبة ماضيّ الشعري، أشعر بكثير من الحرج. أي انني لا أنظر الى ماضيّ برضا، وأتمنى عندما أقرأ هذه الأعمال، ألا أكون قد نشرتها كلها، أو ألا أكون نشرت جزءاً كبيراً منها. لكنّ هذه مسألة لم تعد منوطة بي، انها جزء من تراثي. لكن تطوري الشعري تم من خلال هذا التراكم وليس من خلال القفز في الفراغ. لذلك عليّ أن أقبل بطاقة الهوية هذه كما هي، وليس من حقي اجراء تعديلات إلا بقدر المستطاع، أي تعديلات على بعض الجمل وعلى بعض الفقرات أو حذف بعض الأسطر، من منظور الاعتبار الجمالي وليس من أي منظور آخر. ولو أتيح لي لكنت دائم التنقيح في أعمالي. ولكن لو أتيح لي أيضاً أن أحذف لكنت ربما حذفت أكثر من نصف أعمالي. لكن هذا الأمر ليس في يدي وليس من حقي على ما يبدو. هذا أنا في مراهقتي الشعرية وفي صباي وفي شيخوختي، أنا كما أنا. وأعتقد أن كل شاعر لديه حاسة نقد ذاتية، ينظر النظرة نفسها الى أعماله. وأريد أن أقول هنا إن الشعراء يولدون في طريقتين: بعضهم يولد دفعة واحدة، ولدينا أمثلة كثيرة على ذلك. ففي التراث العربي مثلاً عندنا طرفة بن العبد وفي التراث العالمي هناك رامبو. ثم هناك شعراء يولدون «بالتقسيط» وأنا من هؤلاء الشعراء. ولادتي لم تتم مرة واحدة. وأرى أن مشكلة الولادة في دفعة واحدة عمرها قصير.


> هناك ظاهرة عجائبية في مثل هذه الولادات!

- هناك عبقرية خاصة وربما مأسوية. فالشاعر الذي يولد دفعة واحدة لا يستطيع أن يواصل عمره الشعري. أما الشعراء الذين يولدون على مهل فتتاح لهم فرصة من التجربة والكتابة لا تتاح لمن يصبّون تجربتهم في دفعة واحدة، ويصمتون مثلما فعل رامبو. هذا السؤال صعب أصلاً على كل شاعر يستطيع أن يكتب شعراً في العشرينات، ولكن هل يستطيع كل شاعر أن يكتب بعد الستين؟ هذا هو السؤال الصعب.


> ولكن هناك أمثلة متضاربة في هذه القضية!


- كل شاعر يملك جواباً خاصاً أو ربما هو يملك حظاً خاصاً. وأعتقد ان الحظ في آخر الأمر هو الذي يلعب دوراً في نشأة الشاعر، وفي قدرته على التطور. ولكن قبل الحظ هناك انتباه الشاعر الى عيوبه الشعرية، انتباه الشاعر الى مأزقه الشعري. وكل شاعر يحل مأزقه في طريقته الخاصة، ولكن ليس التكرار هو أفضل الطرق، أي تكرار ما قاله الشاعر أو كتابة تنويعات على ما كان كتب من شعر.


> ما رأيك بالمبادرة التي يقوم بها شعراء بحذف شعرهم الأول وانكاره؟ وهذا ما قام به مثلاً الفرنسي رينه شار أو الشاعر أدونيس؟ هل أخفيت أنت قصائد أولى، لك وخصوصاً عندما كنت في فلسطين؟

- أنا لم أنشر في كتب كل ما كتبت من شعر. بعضه نشر في الصحافة، وبعضه لم ينشر. مجموعتي الشعرية الأولى حذفتها كلياً ولا أعترف بها البتة وكانت صدرت في فلسطين أيام الفتوّة. وهي عبارة عن قصائد مراهقة شخصية وشعرية. وأنا أتمنى أن أواصل الحذف. هذه هي المسألة الشائكة. حتى في مرحلتي الراهنة، كتبت قصائد عدة لم أدرجها في مجموعاتي الشعرية. نشرتها في الصحف ولكنني لم أضمّنها كتبي. من حق الشاعر أن يحذف ما يشاء من شعره. لكن السؤال هو: هل رأيه هو الصواب أم لا؟ هناك رأي القارئ أيضاً.


> بودلير يتحدّث دوماً عن الناقد الكامن في الشاعر والذي يوجهه!

- صحيح. ولكن قد يؤثر الشاعر نصاً له على آخر، وقد لا يشاركه القارئ هذا الإيثار بل قد يخالفه فيه.


> ما كان عنوان مجموعتك الأولى التي أسقطتها من أعمالك؟

- كان عنوانها «عصافير بلا أجنحة».


> ماذا تعني لك اليوم قصائد راسخة في ذاكرة الجمهور مثل «سجّل أنا عربي» و «جواز السفر» بعدما اجتزت ما اجتزت من مراحل شعرية؟

- هذا النوع من الشعر كتبته تلبية للنداءات الداخلية والخارجية. كان سؤال الهوية هو السؤال الملح في شبابي الشعري أو صباي. وهو ما زال مطروحاً حتى الآن، ولكن في طرق مختلفة، وفي أشكال تعبير مختلفة. كانت ظروف الحياة هناك تقتضي ربما مثل هذه المخاطبة المباشرة. هذا أولاً. ثانياً أصبحت هذه القصائد جزءاً من ذاكرة جماعية لا أستطيع أن أتحكم بها أو أتصرف في شأنها. إنها لم تعد ملكي أبداً. وهي ساهمت أيضاً في انتشاري شعرياً. ويجب ألا أكون مجحفاً أو ناكراً للجميل في حق هذا النوع من الشعر. هذا إذاً ساهم في شق الطريق أمامي، وفي تمهيدها لكي أضيف تجارب شعرية جديدة ومختلفة عما سبقها، من حيث التناول الشعري واللغة الشعرية والاسلوبية. لكن التأسيس الذي تم في العلاقة بين القارئ وبيني أذن لي في أن أتتطور، وأتاح للقارئ أن يقبل هذا التطور. فنحن نكبر معاً، أنا وقارئي.
  رد مع اقتباس
قديم 14/08/2008   #315
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


ماذا باتت تعني لك القصيدة السياسية؟

- القصيدة السياسية اليوم لا تعني لي أكثر من خطبة، قد تكون جميلة أو غير جميلة. إنها تخلو من الشعرية أكثر من القصيدة التي تحرص على أن تنتبه لدورها الإبداعي ودورها الاجتماعي. أي على الشاعر أن ينتبه الى مهنته وليس فقط الى دوره. القصيدة السياسية استنفدت أغراضها في رأيي، إلا في حالات الطوارئ الكبرى. ربما أصرخ غداً غضباً، تعبيراً عن أمر ما، ولكن لم تعد القصيدة السياسية جزءاً من فهمي المختلف للشعر. أعتقد إنني الآن في مرحلة، أحاول فيها أن أنظف القصيدة مما ليس شعراً إذا أمكن التعبير. ولكن وما هو الشعري وما هو غير الشعري؟ هذه مسألة أيضاً. السياسة لا يمكنها أن تغيب تماماً من هوامش القصيدة أو خلاياها. لكن السؤال هو كيف نعبر عن هذه السياسة. كل انسان فينا مسكون بهاجس سياسي، ولا يستطيع أي كاتب في أي منطقة من العالم أن يقول: أنا نظيف من السياسة. فالسياسة هي شكل من أشكال الصراع، صراع البقاء وصراع الحياة. ومن طبيعة الأمور أن يكون هناك سياسة. والسؤال هو: هل تكون القصيدة سياسية أم ان عليها أن تحمل في كينونتها بعداً سياسياً؟ أو هل هناك إمكان لتأويل سياسي للنص الشعري أم لا؟ اما أن تكون القصيدة عبارة عن خطاب مباشر بتعابير مستهلكة ومستنفدة وعادية فهذا لم يعد يعني لي شيئاً.


> ما رأيك بظاهرة الشعر السياسي الجديد الذي يكتبه شعراء جدد عرب أو في العالم أو الذي كتبه شعراء مثل ريتسوس وغينسبرغ وجيل «البيت» جنريشين وقد أعادوا النظر في القصيدة السياسية وفي الواقعية؟

- ريتسوس يجب أن نميزه عن الآخرين.


> لكنه كتب قصائد سياسية عبر لغة مختلفة.

- حاول ريتسوس أن يكتب اليومي، لكنّ هذا اليومي الذي يبدو لنا عادياً يخبّئ بعداً اسطورياً ما. ولعل القصيدة التي تسمى يومية لدى ريتسوس ليست قصيدة يومية، ففي هذا «اليومي» بُعد أسطوري وميتافيزيقي. أما في شأن ألن غينسبرغ وبعض الشعراء الأميركيين فهم يكتبون شعراً سياسياً في المعنى المباشر للكلمة. لكن الشعر الغربي والأميركي مشبع بالجماليات، وقد انتهى البحث في هذا الموضوع، الموضوع الجمالي. وحاول الشعراء أن يعودوا الى ما هو مختلف، محاولين أن يجعلوا الشعر يمارس دوراً سياسياً واجتماعياً، على خلافنا نحن. فنحن خارجون من تراث شعري سياسي مباشر في محاولة لتطوير هذا الشعر ورفعه الى مستوى جمالي أفضل. والطريقان متعاكسان ومختلفان. ربما عندما تبلغ الجمالية العربية مستوى أرقى بكثير، قد نحنّ الى أن نهجو الواقع، في المعنى السياسي، في معنى الاحتجاج والرفض. وشعر الاحتجاج أصلاً لم ينته في العالم، ولكن هل يحتج الشعر بكونه شعراً أم بكونه كلاماً أو موقفاً؟


> ماذا بات يعني لك وصفك بشاعر القضية أو شاعر المقاومة وفلسطين؟

- المسألة لا تتعلّق بي ولا أستطيع أن احتج إلا على محاولة محاصرتي في نمطية معينة. هذه التسميات بعضها بريء، وينطلق من حب القضية الفلسطينية وحب الشعب الفلسطيني، وبعضها نوع من اضفاء الاحترام والتشريف على القول الشعري المتعلق بالقضية. لكن الرأي النقدي هو أخبث من ذلك. الرأي النقدي يحاول أن يجرّد الشاعر الفلسطيني من شعريته ليبقيه معبّراً عما يسمى مدونات القضية الفلسطينية. هناك طبعاً اختلاف جوهري كبير بين النظرتين: نظرة بريئة ونظرة خبيثة. طبعاً أنا فلسطيني وشاعر فلسطيني، ولكن لا أستطيع أن أقبل بأن أعرّف بأنني شاعر القضية الفلسطينية فقط، وبأن يدرج شعري في سياق الكلام عن القضية فقط وكأنني مؤرّخ بالشعر لهذه القضية.


> ولكن شئت أم أبيت أنت الشاعر - الرمز!

- كل شاعر يتمنى أن يكون صوته الخاص معبّراً عن صوت عام أو جماعي. قلائل هم الشعراء الذين يلتقي داخلهم بخارجهم في طريقة تخلق التباساً بين رمزية الشاعر وشعريته. لكنني لم أسع شخصياً الى ذلك. ربما هو الحظ الذي وفّر لي هذه المكانة. اما ان أسعى الى أن أكون رمزاً وأحرص على أن أكون رمزاً، فأنا لا أريد ذلك، أريد أن ينظر إليّ من دون أن أُحمّل أعباء رمزية مبالغاً فيها، ولكن يشرّفني أن ينظر الى صوتي الشخصي وكأنه أكثر من صوت، أو أن «أناي» الشعري لا تمثل ذاتي فقط وإنما الذات الجماعية أيضاً. كل شاعر يتمنى أن يصل شعره الى مدى أوسع. وأنا لا أصدّق الشعراء الذين يحددون القيمة الشعرية من خلال عزلتهم عن القراء. أنا لا أقيس أهمية الشعر بمدى انتشاره ولا بمدى انعزاله.

ولكن أن تتحقق المسألتان أي الانتشار مع الجودة الشعرية، فهذا ما يتمناه أي شاعر، وإلا لماذا يقرأ الشعراء شعرهم في الأمسيات؟ لماذا يطبعون دواوينهم إذا كان القارئ لا يهمهم؟


> تجاوزت الستين لكنك تزداد نضارة شعرية.

- سرّي بسيط جداً.
  رد مع اقتباس
قديم 14/08/2008   #316
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


لا أشعر بأنه بسيط.

- بسيط في كلامي العام عنه وليس في المعنى الشعري. أولاً أنا لا أصدق شعري. وأشعر بأنني في حاجة الى لغة شعرية تعبيرية تحقق الشعرية في القصيدة في شكل يجعلها أكثر شعرية إذا أمكن. أي انني أحاول أن أخفف من ضغط اللحظة التاريخية على جمالية الشعر، من دون أن أتخلّى عن الشرط التاريخي. السر الثاني انني لا أصدق التصفيق. فأنا أعرف انه عابر أو آني، وقابل للتغيير والتعديل وللاعتذار أيضاً وللتمرّد على الشعر. انني مسكون بهاجس هو عدو كتابتي حتى الآن ما أريد أن أكتبه. تسألني: ما الذي تودّ أن تكتبه؟ فأقول لك: لا أعرف. إن رحلتي هي الى المجهول الشعري بحثاً عن قصيدة ذات قدرة على أن تخترق زمنها التاريخي وتحقق شرط حياتها في زمن آخر. هذا ما أسعى إليه، ولكن كيف أعرّف بهذه المسألة؟ هنا أيضاً لا جواب نظرياً ولا فكرياً. الجواب هو جواب ابداعي. كل الاسئلة حول الشعر لا تقنعنا إلا اذا تحققت شعرياً أو في الكتابة الشعرية. فأنا دائم القلق وهذا سرّي، ومتمرّد على نفسي. وأقول لك إنني لا أقرأ شعري بيني وبين نفسي، لا أقرأه البتة، فلا أعرف ما كتبت. لكن كل ديوان لي أعيد قراءته قبل طباعته عشرات المرات وأنقحه عشرات المرات، الى أن أشعر بأنه أصبح قابلاً للنشر. وعندما يصدر الديوان أتحرر منه كلياً ويصبح ملك غيري، ملك النقد وملك القارئ. وهنا يكون السؤال الصعب: ماذا بعد؟ الآن أشعر بأنني خالي الوفاض كما يقال، ومسكون بقلق ربما يكون وجودياً. هل أستطيع أن أكتب من جديد، أم لا؟ دائماً عندما أصدر كتاباً أشعر بأنه الكتاب الأخير.


> لكنني أشعر أن كل كتاب لديك يحمل معه بداية ما...

- إذا كان رأيك هذا مصيباً فهو يفرحني.


> أنت شاعر مراحل، وإذا عدنا الى أعمالك الكاملة نشعر بأن هناك محطات وأن كل محطة بداية...

- أجل هناك مراحل ومحطات.


> وأعتقد ان ثمة خيطاً داخلياً يربط بينها.

- أجل، انها مراحل متصلة، ومن خلال مراقبتي لعملي الشعري ألاحظ أن في كل كتاب جديد تستطيع أن تجد بذرة كانت في كتاب سابق أو كتب سابقة. لكن البذرة هذه تجد إمكان تفتح، ورعايتها في طريقة جديدة تحوّلها نصاً جديداً. الشاعر يتوالد من تلقاء نفسه، من تلقاء تجربته ومن علاقته بالعالم وعلاقته بالوجود وبثقافته ومن وعيه الشعري، وكذلك لا وعيه الإبداعي. أما كيف يولد الشعر؟ أو ما هو الشعر؟ مثل هذه الأسئلة أشبه بالأسرار. فالشعر سر، والسر هو ما يجعل الشعر مستمراً. ليس هناك من اكتشاف شعري نهائي وكل كتابة هي محاولة إجراء تعديل على مفهوم عام للشعر. ولكن كل كتابة جديدة تملك اضافات ما، هي عبارة عن إعادة التعريف بالشعر.


> صفتك شاعراً مكرّساً وصاحب سلطة شعرية، هل أثرت عليك؟ ماذا تعني لك هذه الصفة؟

- إذا كنت شاعراً مكرّساً، فأنا مكرّس في الحياة الثقافية أو لدى القارئ. ولكن في العلاقة بيني وبين نفسي لست مكرّساً. أنا لم أكرّس نفسي حتى الآن. وقد يبدو هذا الكلام ادعاء للتواضع، ولكن هذه حقيقة ما أشعر به. أنا لم أكرّس نفسي في معنى إنني لم أطمئن الى تجربتي الشعرية، لم أطمئن اليها أبداً، وما زلت أعتقد بأنها في حاجة الى تجربة وتجريب جديدين، والى تطوير دائم والى التمرد على ما نسميه الانجاز الراهن. أنا لست راضياً عن نفسي أو لست أشارك الآخرين في المكانة التي احتلها في الذائقة العامة أو الوعي العام.


> هل تخشى أن تتوقف ذات يوم عن الكتابة؟

- نعم.


> هل أحسست هذه الخشية فعلاً؟


- هذه خشية دائمة خصوصاً عندما أنهي عملاً جديداً. إنني دائم الخوف من هذه القضية. إنها بمثابة هاجس. وأعزّي نفسي بأنني عندما أشعر، أو عندما اعترف بجفاف الماء في تجربتي الشعرية أو في لغتي، أجد المناسبة حسنة لأكتب النثر. فأنا أحب النثر كثيراً.


> لكنك لم تكتب قصيدة نثر مع انك كتبت الكثير من النثر؟

- كتبت الكثير من النثر لكنني ظلمت نثري لأنني لم أمنحه صفة المشروع. أكتب نثراً على هامش الشعر أو أكتب فائضاً كتابياً أسميه نثراً. ولكن لم أُولِ النثر الأهمية التي يستحقها،. علماً انني من الشديدي الانحياز الى الكتابة النثرية. والنثر لا يقل أهمية عن الشعر. بل على العكس، قد يكون في النثر مساحة من الحرية أكثر من النثر. فإذا جفّ نصّي الشعري فقد ألجأ الى النثر وأمنحه وقتاً أكثر وأولية جدية أكثر. عندما كنت أكتب نثراً كنت أشعر أن النثر يسرق مني الشعر. فالنثر جذاب وسريع الانتشار، ويتحمّل أجناساً أدبية أكثر من الشعر. ويستطيع أن يهضم الشعر ويعطيه مساحة وحركة أكبر. وكنت عندما أكتب النثر انتبه الى انني نسيت القصيدة وأن عليّ أن أعود اليها. هكذا أكون بين النثر والشعر، لكنني معروف بأنني شاعر ولا أسمّى ناثراً.
  رد مع اقتباس
قديم 14/08/2008   #317
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


> لكنك لم تكتب قصيدة النثر، لماذا؟

- ما دمت أكتب نثراً فأنا أكتب النثر، من دون أن أسميه قصيدة. لماذا ننظر الى النثر نظرة دونية ونقول انه أقل من الشعر؟ صحيح أن النثر يطمح الى الشعر والشعر يطمح الى النثر... يعجبني قول للشاعر باسترناك: "أجمل ما في القصيدة ذلك السطر الذي يبدو نثرياً". انني لا أريد أن أفرّق كثيراً بين الشعر والنثر، ولكن انطلاقاً من التجنيس الأدبي ما زلت أعطي للنثر اسمه وللشعر اسمه. لكن السؤال هو: كيف تتحقق الشعرية في قوام قصيدة؟ وأعتقد أن علينا أن نوقف النقاش حول الفارق أو الاختلاف أو الائتلاف أو الابتعاد أو الاقتراب بين قصيدة النثر والقصيدة. هذا السجال تجاوزه العالم. أما إذا سألتني عن رغبتي في كتابة قصيدة نثر فأرجو أن أكتب نصاً نثرياً من دون أن أسميه قصيدة نثر.


> ولكن من الملاحظ في شعرك ولا سيما في المرحلة الأخيرة أن ثمة حواراً بين النثر والشعر، وقد عرفت تماماً كيف تستفيد من قصيدة النثر، لا سيما أنك شاعر تفعيلة، وقد استشهدت بجملة بديعة لأبي حيان التوحيدي في ديوانك الأخير "كزهر اللوز أو أبعد"! وما يميز القصيدة لديك هو هذا الفضاء الرحب، الفضاء النثري والموسيقى الداخلية القائمة على تناغم الحروف!

- أولاً، أود أن أقول ان ليس لدي أي تحفظ على قصيدة النثر. والتهمة التي لاحقتني في انني ضد قصيدة النثر زمناً هي باطلة.

قلت وأقول دائماً ان من الانجازات الشعرية المهمة في العالم العربي بروز قصيدة النثر، أي تأسيس طريقة كتابة مغايرة للشعر التقليدي والحداثة التقليدية. قصيدة النثر تريد أن تميز نفسها وتريد أن تطور أو أن تضيف نصاً مختلفاً عن القصيدة الكلاسيكية وعن القصيدة الحديثة التي صنعها جيل الرواد. هذا أولاً. ثانياً، أنا من المعجبين جداً بشعراء كثيرين يكتبون قصيدة النثر. وأقول دائماً إن هناك أزمة في ما يسمى قصيدة التفعيلة، وأنا أكره هذه التسمية، ولكن لا بديل لها. والأزمة أصلاً تكمن في الكتابتين.


> الشعر العمودي أيضاً شهد أزمة.

- لا بل انها الأزمة التي تشهدها الثقافة العربية في كل أبعادها. ولكن إذا أجرينا احصاء، اذا أردنا ان نختار عشر مجموعات شعرية صدرت في هذا العام أو عشرين، سنرى ان الكمية الكبرى أفضل هي لقصيدة النثر التي تحمل النوعية الفضلى. ولكن هذا يعني أن دور قصيدة التفعيلة انتهى أو انتهت قدرتها على استيعاب ايقاع الزمن الحديث! أو انها لم تعد قادرة على تطوير اللغة في طريقتها الخاصة! أنا من آخر المدافعين عن قدرة قصيدة التفعيلة على أن تستفيد من اقتراحات أو من تصورات قصيدة النثر ومشروعها، وأن تكتب الرؤيا الجديدة لقصيدة النثر كتابة موزونة. أنا من الشعراء الذين لا يفتخرون إلا بمدى إخلاصهم لإيقاع الشعر. انني أحب الموسيقى في الشعر. انني مشبع بجماليات الايقاع في الشعر العربي. ولا أستطيع أن أعبّر عن نفسي شعرياً إلا في الكتابة الشعرية الموزونة، ولكنها ليست موزونة في المعنى التقليدي. لا. ففي داخل الوزن نستطيع ان نشتق ايقاعات جديدة وطريقة تنفس شعرية جديدة تخرج الشعر من الرتابة ومن القرقعة الخارجية. لذلك فإن أحد أسباب خلافي مع بعض الأصدقاء من شعراء قصيدة النثر هو مصدر الايقاع الشعري، الموسيقى الداخلية. فهم يرون أن الموسيقى الداخلية لا تتأتى إلا من النثر، أما انا فأرى ان الموسيقى الداخلية تأتي من النثر ومن الايقاع أيضاً. وعلى العكس، فإن وضوح الايقاع الآتي من الوزن يطغى على الايقاع المنبثق من النثر. وأصلاً كل كتابة فيها ايقاع. في النثر إيقاع وفي الشعر إيقاع وفي الكلام اليومي والعادي ايقاع. إذاً الايقاع موجود. لكن الأمر هو: كيف نضبط هذا الايقاع وكيف نجعله مسموعاً أو حتى بصرياً. أعتقد أن ما زال في قدرة الوزن الشعري، إذا نظر اليه الشاعر في طريقة مختلفة وإذا عرف كيف يمزج بين السردية والغنائية والملحمية وكيف يستفيد حتى من النثرية العادية، ما زال في قدرته أن يحل بعض الصعوبات في البحث عن ايقاع شعري جديد. هذا هو عملي الشعري، أي ان أكتب الوزن كأنه يسرد وأكتب النثر كأنه يغني. هذه هي المعادلة، بل هذا هو الحوار بين الشعر والنثر.

> الموسيقى داخل القصيدة أقوى من الوزن الخارجي... ألا توافقني أن قصيدة التفعيلة تعاني أزمة؟

- هناك مشكلة فعلاً. لكن المشكلة هذه تتعلق بالشعر نفسه وبالموهبة الشعرية والخبرة الشعرية. قصيدة التفعيلة تستمد شرعيتها الايقاعية من كونها كسراً للنظام التقليدي، ولكن عندما تقع في نظام تقليدي آخر تفقد شرعيتها. لذلك تستطيع هذه القصيدة أن تطور ايقاعاتها وبنيتها. مثلاً: أنا ليس لديّ سطر شعري، القصيدة لديّ تتحرك كلها مثل كتلة دائرية، إنها تتدوّر. القافية عندي أخفيها في أول الجملة أو في وسطها. إذاً هناك طريقة إصغاء الى اللغة، يجب أن تحرر الشاعر من الرتابة، وعلى الشاعر أن يعرف كيف يتمرّد على الرتابة الموسيقية. وأحياناً يكون هناك ايقاع عالٍ لا يُجمّل إلا برتابة ما. هناك تبادل إذاً، بين البعد الايقاعي والنثر.


> لماذا قلت انك اذا واجهت أزمة شعرية ستخرج الى النثر. لماذا لم تقل انك ستخرج الى قصيدة النثر؟ لماذا ترفض مصطلح قصيدة النثر؟

- لأنني عندها سأكتب شعراً. وقصيدة النثر هي شعر. صحيح أن هناك تزاوجاً أو لقاحاً بين النثر والشعر، وأن هناك جنساً أدبياً اسمه نثر وجنساً آخر اسمه شعر. وفي هذا الجنس هناك القصيدة الموزونة وهناك أيضاً قصيدة النثر. والنثر كجنس أمر آخر. إذا خرجت من الشعر سأخرج من الشعر كله. ربما جوابي هذا خطأ. لا أستطيع أن أعرف ما هو مستقبلي الشعري. لماذا أتجادل معك حول هذه النقطة؟ وأعترف ان ما أعمل عليه الآن هو نص نثري. بين يديّ الآن – فعلاً – نص نثري. وهذا ما اعترف به للمرة الأولى. اما أن أضع على مستقبلي قيداً يمنعني من كتابة قصيدة النثر فهذا جواب خاطئ أرجو أن تصححه. لكن النقاش الدائر حول أن مستقبل الشعر والحداثة الشعرية العربية لا يعرّفان إلا في قصيدة النثر فهذا كما أعتقد إجحاف حقاً. هذا استبداد فكري، وكذلك أن الموسيقى الداخلية لا تأتي إلا من النثر... أعتقد أن علينا أن نرفع الحدود بين كل هذه الخيارات الشعرية، لأن المشهد الشعري العربي الحقيقي لا يمكن النظر اليه إلا من زاوية المصالحة بين كل الخيارات الشعرية. ليس من حل نهائي لمسألة الشعر. الشعر غامض ولا محدود، وتبلغ لا محدوديته حداً اننا لا نعرف إزاءه أي كتابة هي الأصح. الكتابة الصحيحة في رأيي هي أن نجرّب وأن نسعى الى أن نخطئ. لأننا من دون أن نرتكب أخطاء لا نستطيع أن نتطور. لذلك أفضل دائماً التجريب غير المضمون النتائج على تقليد مضمون النتائج. وفي رأيي أيضاً أن لا شعر من دون مغامرة.

> لماذا يصرّ الكثيرون على الكلام على ثنائية القصيدة التفعيلية وقصيدة النثر، علماً أن هذا السجال انتهى في الغرب منذ القرن التاسع عشر؟

- صحيح، هذا السجال انتهى في الغرب. الطرف التقليدي هو الذي حارب مشروع الشعر الحر أو الشعر التفعيلي. كان شعر التفعيلة يحتاج الى شرعية والى دفاع فكري وإبداعي عن خياره. جيل قصيدة النثر خاض معركة أظن انها من أشرس المعارك لتثبيت شرعيته. وكانت ثمة عدوانية ما لدى بعض المنظرين لقصيدة النثر. ولكن علينا أن نفهم الدوافع وفي مقدمها البحث عن شرعية هذه القصيدة. اليوم أصبحت شرعيتها قائمة، وعلى شعراء هذه القصيدة أو منظريها ان يعترفوا بالشرعيات الأخرى. علينا أن ننهي لغة الخصومة بين الخيارات الشعرية والاقتراحات الشعرية. حتى الشاعر الواحد يمكنه ان يكتب قصيدة تفعيلة وقصيدة نثر. الشاعر الاسباني لوركا كتب قصيدة نثر وكذلك بودلير ورامبو. لم تعد قصيدة النثر موضوعاً مطروحاً على جدول الشعر أو الأدب. أصبحت قضية مسلّماً بها، ولم يعد القارئ ينظر الآن الى الاختلاف بين الشعريات. وأود أن أقول ان كثيرين من الشعراء والقراء يقرأون كتبي الأخيرة باعتبارها تضم قصائد نثر.


> هذا أمر جميل!

- ويفرحني أيضاً، فهم يحسّون ان أطروحات قصيدة النثر تمّ استيعابها في شعري.
  رد مع اقتباس
قديم 14/08/2008   #318
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


تصر على ما تسميه المعنى في الشعر وهو يختلف عن الجدلية؟ هل اللحظة الشعرية لديك هي لحظة فكرية أم حدسية؟

- أولاً أود أن أقول ان مفهوم المعنى لا متناه. الكلمات بحد ذاتها لا تحمل معنى. علاقة الكلمات بعضها ببعض هي التي تمنح المعنى الشعري. وبما أن هذه العلاقات غير متناهية، فإن المعنى بالتالي غير متناهٍ. أما في شأن المعرفة الشعرية، فإنني أعتقد ان هناك ثلاثة أنواع من هذه المعرفة. هناك المعرفة الحدسية والمعرفة الرؤيوية والمعرفة التحليلية. الشعر ميال الى المعرفة الحدسية والمعرفة الرؤيوية، وقد يستفيد من المعرفة التحليلية، لكن أساس العملية الشعرية أو المنطقة التي يعمل الشعر فيها هي المعرفة الحدسية والرؤيوية. لكن هاتين المعرفتين لا تتحرران كلياً من المعرفة التحليلية. القصيدة تبدأ وفق طرق مختلفة ترتبط بالشعراء أنفسهم. تبدأ القصيدة عندي من الحدس، الحدس يأخذ شكل الصورة أي يصير الغامض والحلمي مجموعة صور. لكن هذا حتى الآن لا يفتتح مجرى القصيدة، يجب ان تتحول الصور الى ايقاعات. وعندما تحمل الصور ايقاعاتها أحس ان القصيدة بدأت تحفر مجرى لها داخل أجناس أدبية غير محددة. هنا تكمن صعوبة الكتابة الشعرية. القصيدة تحفر مجراها في كتابات لا تنتهي. وصعوبة تحقق القصيدة هي كيف تكشف عن نفسها وتنجز هويتها الشعرية داخل كل هذه الأجناس والنصوص. إذاً، الايقاع هو الذي يقودني الى الكتابة. وإذا لم يكن هناك من ايقاع، ومهما كانت عندي أفكار أو حدوس وصور، فهي ما لم تتحول ذبذبات موسيقية لا أستطيع أن أكتب. إنني أبدأ من اللحظة الموسيقية إذاً. ولكن في كل كتابة هناك فكر ما. فالشاعر ليس آتياً من اللغة فقط، بل من التاريخ والمعرفة والواقع. والذات الكاتبة لدى الشاعر ليست ذاتاً واحدة، انها مجموعة ذوات. إذاً هناك فكر ما يقود عمل القصيدة. أحياناً تتمرد الكتابة على الفكرة التي تقودها وتصبح الكتابة هي التي تقود الفكرة. وهنا يجوز لنا أن نقول ان الغد يأتي الى الماضي، وليس العكس. كل تخطيط لقصيدة هو عمل فكري واعٍ، وإذا ظهرت ملامحه تتحول القصيدة مجموعة مقولات وتتحول أيضاً فلسفة وتصبح العلاقة بين الفلسفة والشعر علاقة إطراد متبادل. على الفكر والفلسفة والمعارف كلها أن تعبّر عن نفسها في الشعر عبر الحواس، عليها ان تنصهر في الحواس وإلا تحولت مقولات كما أشرت.


> ولكن من الملاحظ ان معظم قصائدك، ولا سيما القصائد ذات النفس الملحمي، تحمل بنية قائمة على الايقاع وعلى اللوازم الايقاعية والغنائية. كيف تتم مرحلة بناء القصيدة لديك؟

- تكلّمنا قبل قليل عن اللحظة التي تدفع الشاعر الى كتابة القصيدة. إن مفتاحي كما قلت هو الايقاع. هذا بالنسبة الى الحافز الشعري. ولكن لدي إصرار على أن أبني القصيدة بناء هندسياً، وهذا ينطبق على القصائد الطويلة والقصيرة في آن واحد. وأعتقد ان قصيدة بلا بنية قد تهددها النزعة الهلامية. أحب أن يكون للقصيدة قوام. وهذا ليس قانوناً أحذوه بل هو خياري الشعري. لماذا أتحدث عن القوام؟ لأعرف العلاقة بين السطوح والأعماق، العلاقة بين الايقاع والصورة والمجاز والاستعارة. يجب أن تكون هناك علاقات دقيقة جداً بين كمية الملح وكمية الورد والدم والطين... يجب أن يكون هناك تصور لهندسة معمارية تقوم القصيدة على أساسها. قد تقود القصيدة الى مبنى آخر، حينذاك على المهندس أن يغيّر خرائطه. ولكن في المحصّلة لا أنشر قصيدة إلا إذا كان لها شكل أو بنية أو ما سمّيته قواماً.


> يقول الشاعر الفرنسي بول فاليري ان الالهام يأتي الشاعر بأول بيت ثم عليه أن يواصل كتابة القصيدة. أنت تكتب القصيدة في مراحل عدة ثم تصوغها مرة تلو مرة، كيف تولد القصيدة لديك وكيف تنتهي؟

- تولد عبر الايقاع. أكتب سطراً أولاً ثم تتدفق القصيدة. هكذا أكتبها ولكن عندما أجري عليها تعديلات أو تجري هي تعديلات على نفسها، تصبح قصيدة أخرى. كثيرون من أصدقائي النقاد يحاولون الحصول على مسوّداتي الشعرية. وأقول لهم انني أتلفها فوراً لأن هناك فضائح وأسراراً، فما من علاقة بتاتاً بين النص الأول والنص الأخير في أحيان. ولعل تغيير سطر شعري قد يغير كل بناء القصيدة فيخضع بناؤها لمحاولة ترميم وبناء جديدين. إنني معجب جداً ببول فاليري ناقداً وقارئاً وكاتباً ذا إرهاف عالٍ وذكاء ولا أستطيع أن أقول انني معجب به كشاعر. تماماً كما انني معجب بأوكتافيو باث كناقد ومنظر للشعر أكثر مما أنا معجب به كشاعر.


> وماذا عن الإلهام إذاً؟

- أعتقد ان هناك إلهاماً ما! ولكن ما هو هذا الإلهام؟ مرة حاولت أن أعرّف به فقلت انه عثور اللاوعي على كلامه. ولكن هذا تعريف غير دقيق وغير ملموس. الإلهام هو أحياناً توافق عناصر خارجية مع عناصر داخلية، انفتاح الذهن على الصفاء وعلى طريقة يحوّل بها المرئي الى لا مرئي واللامرئي الى مرئي من خلال عملية كيميائية لا يمكن تحديد عناصرها. أعتقد ان هناك سراً ما للحافز الشعري. لماذا ينهض الشاعر ويكتب؟ لماذا يأتي بالورق الأبيض ويعذب نفسه ولا يعرف الى أين هو ذاهب؟ خطورة العمل الشعري تكمن في أن لا ضمانات أكيدة للنجاح. الكتابة مغامرة دائمة وخطرة ولا تأمين لها، بل ليس هناك «شركة» تأمين توافق على المغامرة الشعرية بتاتاً و«حوادث المرور» في الشعر كثيرة جداً (يضحك). أحياناً تشعر بأن لديك رغبة طافحة في الكتابة. تجلس الى الطاولة فلا تكتب شيئاً. أحياناً تذهب متكاسلاً الى الطاولة فتفاجأ بأن الإلهام موجود فيك فتنكب على الكتابة. بعض الكتاب كانوا يترددون حيال الإلهام، إن كان موجوداً أم لا. ولكن إذا كان هناك إلهام فعلينا أن نعرف كيف ننتظره فهو لا يأتي وحده. علينا أن نتعاون معه مثلما نتعاون مع الغامض والمجهول ليتضح شيء ما.

> وماذا عن البيت الأول الذي يتحدث عنه فاليري!

- البيت الأول، من خلال تجربتي يكون أقل أهمية من السطور الأخرى. الشعر يبدأ من اللاشعر. والطريق الى القصيدة تكون متعثرة في البداية. وشخصياً ليس لدي بيت أول مهم لأن لا أبيات شعرية لدي أصلاً. القصيدة تتوالد وتتصاعد تدريجاً. وأحياناً قد يكون الإلهام الشعري سيئاً لكنه يعطيك نتيجة حسنة. ليس من مشكلة. وأسأل من جديد ما معنى الإلهام: الإلهام يقول لك: اجلس واعمل، اشتغل ويذهب. انه يحضّرك شعرياً، يغسلك داخلياً أو يوترك داخلياً أو يقيم توازناً بين الحرارة والبرودة، والبقية عليك، كشاعر، فأنت تعتمد على نفسك وعلى خبرتك وعلى طريقة العثور على نصك الخاص بك الذي يحمل ذاكرة كتاباتك كلها. فالورقة البيضاء أمامك هي مملوءة بالكتابات السابقة، كتاباتك. وأتذكر قولاً لإليوت مفاده أن النضج الأدبي هو أن نتذكر أسلافنا وأن نشعر بأن وراء هذا النص الشعري أسلافاً.
  رد مع اقتباس
قديم 14/08/2008   #319
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


حتى في القصائد التي تنطلق من موضوع معين أو واقعة معينة؟ مثلاً قصيدتك في ذكرى السياب أو قصيدتك عن محمد الدرّة أو عن ادوارد سعيد! كان هناك موضوع هو حافزك على الكتابة؟ هل هي الطريقة نفسها في الكتابة؟ أي ان الموضوع سابق للقصيدة؟

- هناك شعر يخلق موضوعه. ولكن عندما تكتب تذهب وفي ذهنك شيء غير محدد تماماً ولكنه مسمّى. هناك اسم لما تريد ان تكتبه، فأنت ستكتب شعراً في النهاية. وما تكتبه من مواقف وأفكار لا يعرّف بموضوعك بل بطريقة تعبيرك عن هذا الموضوع. هناك قصائد لا موضوع لها، أو ان موضوعها قائم في ذاتها وهي حافلة بالتوتر اللغوي، باللعب اللغوي أو بتمرّد اللغة عليك، أو محاولة سيطرتك على اللغة. المشكلة أن الشاعر يظن انه يقود اللغة. ليس هذا صحيحاً. اللغة أشدّ سيطرة على الشاعر لأن لها ذاكرتها ومنظومتها ونسقها وتاريخها وتراثها. ما يقدر أن يفعله الشاعر هو أن يعيد الحياة الى لغة أصبحت مألوفة وعادية. وكما يقول هيدغر الشاعر هو وسيلة اللغة وليست اللغة هي وسيلة الشاعر.


> هل تعاني من مأزق الورقة البيضاء، هذا المأزق الذي يتحدث عنه كثيرون من الشعراء؟

- عندما تكتب تذهب الى مصيرك وحدك، من دون معاونة أحد. وإذا وجدت من يعاونك فهو يلغيك من شدة حضوره. في كل شاعر آلاف من الشعراء. ليس هناك من شاعر يبدأ من الفراغ أو البياض، قد ينتهي الشاعر في البياض. فالبياض لون غير موجود في الكتابة. في كل شاعر تاريخ الشعر منذ الرعويات الشفهية الى الشعر المكتوب، من الشعر الكلاسيكي الى الشعر الحديث. ثم ان الشاعر يخاف من قراءاته، أن يقفز منها شيء الى نصه في طريقة لا واعية، شيء ملتبس يكون في ذهنه. وأعتقد ان ليس من نص خاص لشاعر معين. الشاعر يحمل خصائص أو ملامح جميع الشعراء الذين قرأهم ولكن من دون أن يخفي ملامحه، أي مثل الحفيد الذي يحمل ملامح جدّه من دون أن تختفي ملامحه الخاصة. السؤال الصعب المطروح على كل شاعر هو: في أي جهة من الورقة البيضاء تستطيع أن تضيف جديداً؟ هذه هي الصعوبة. ولذلك الشعر الحقيقي قليل ونادر.


> عندما أقرأ قصائدك لا أشعر بأن لديك أزمة في الكتابة أو في التعبير! فمعجمك الشعري واسع جداً مما يدل على انك تتخطى أزمة «الورقة البيضاء». شعرك سيّال ومتدفق! من أين يأتي هذا الاتساع الشعري أو الرحابة وهذا السطوع؟ هل من المراس الشعري أم من التجربة الداخلية؟

- أولاً أشكرك على هذا الرأي وهو رأي نقدي أعتز به كثيراً. لماذا؟ لأن أزمتي لا تظهر في قصيدتي، بل في ما قبل القصيدة. أزمتي هي مع ماضي القصيدة. في القصيدة يجب ألا تظهر معاناتك كشاعر، ولا عذابك الذي يسبقها. القارئ يرى المولود ولا يعرف ما هو المخاض. يرى الشيء في هيئته الناضجة. أما ما وراء ذلك فلا. ولو كان الشعر في هذه السهولة لما كان الورق الأبيض يتسع للقصائد. لا. على الشاعر أن يخفي معاناته وأن يبدو وكأن قصيدته كتبت نفسها. يجب ألا يظهر الجهد. أتذكّر ما يقول الشاعر الألماني ريلكه في هذا الصدد: إذا أردت أن تكتب سطراً شعرياً واحداً يجب أن تكون قد زرت مدناً كثيرة ورأيت أشياء كثيرة وقطفت زهوراً كثيرة. فالقصيدة هي خلاصة كل هذه المعاناة والتجربة.


> ولكن من أن تأتي رحابة معجمك الشعري؟ ثمة شعراء كبار في العالم معجمهم ضيق؟

- كان خوفي أن يكون معجمي الشعري أخطر من ذلك. كنت أخاف فعلاً. فأنا ألاحظ مثلاً أن بعض الشعراء العرب المهمين لديهم معجم شعري فقير. ولا أريد أن أسمي أحداً هنا.


> أنا أسمي سعيد عقل مثلاً، هو الشاعر الكبير معجمه محدود.

- لن أسمي أحداً. ربما عوالمي المتناقضة التي أشعر بها من حولي، لكل منها معجم مختلف عن الآخر. يعني انني أضع السماوي الى جانب الأرضي، الميتافيزيقي الى جانب المادي...


> والأروسي مع الصوفي...!


- أحب هذه العلاقات القائمة بين المتناقضات وهي تحتاج الى لغة تحمل هذا التوتر. ولا أخفيك انني أقرأ كثيراً. وربما للمرة الأولى أفصح عن أمر في حياتي: لديّ رياضة يومية، أفتح «لسان العرب» كل صباح في طريقة عشوائية وأقرأ عن كلمة ما وعن تاريخها وأصلها وعن الاشتقاقات التي خرجت منها. واكتشف دائماً انني لا أكتب العربية جيداً.


> وربما هنا قوتك.


- الاعتراف بالجهل يعلّم. أحسن معلّم أو أحسن حافز على التعلّم هو أن تعرف انك جاهل.


> شعرك لا يعبّر عن كونك شاعر فصاحة وبلاغة وشاعر معاجم...!


- أحاول أن أبسّط لغتي وأطرد منها المفردات الميتة، ولكن لديّ تمارين دائمة على فهم اللغة في طريقة أفضل.


> هل تقرأ الروايات مثلاً؟

- طبعاً.
  رد مع اقتباس
قديم 14/08/2008   #320
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


هل تقرأ الشعر، أنت الذي تدعو الشاعر الى عدم الإكثار من قراءة الشعر؟

- أعتقد أنها نصيحة جيدة في عمر معيّن. لأن الشعر مثل أي شيء جميل يصيب بما يشبه الاشباع أو التخمة. لا أحد يقدر على أن يأكل كيلو عسل. يقع في الاشمئزاز. الشعر مكثف كثيراً حتى إن الذائقة المتلقية لا تستطيع أن تستوعبه. وبالتالي فإن القليل منه هو الذي يجعله يأخذ مكانه أو وظيفته الحقيقية. ولكن في البداية، على الشاعر أن يقرأ الكثير من الشعر كي يسلس له الإيقاع وتسلس له اللغة ويربّي السليقة لديه فالسليقة إذا صقلت تساعد الشاعر على التخلص من النكد الشعري. فالشعر، مهما كان يحمل من أفكار وأبعاد فلسفية، يجب أن يبدو كأنه عفوي، وهذا يعود الى فعل السليقة المهذبة. إنني أقرأ كتب التاريخ كثيراً، أقرأ الكتب الفكرية والفلسفية وبعض الكتب التي لا علاقة لها بالشعر مثل «تاريخ القراصنة» أو «تاريخ الملح». أحب أن أنوّع قراءاتي خصوصاً في حقل الجغرافيا والبحار والبلدان.


> هل تشاهد السينما والمسرح؟

- نعم، طبعاً.


> هل هما من مصادرك الشعرية؟

- السينما من مصادري البصرية نعم. لكنها مصدر غير واضح كثيراً. لكنني أعترف إنني عاشق كبير للرواية.


> هل فكرت يوماً في أن تكتب رواية مثل الكثير من الشعراء الذين كتبوا الرواية على هامش شعرهم؟

- مع حبي غير المحدود للرواية لم أفكر يوماً في كتابتها. لكنني أغبط الروائيين لأن عالمهم أوسع. والرواية تستطيع أن تستوعب كل أشكال المعرفة والثقافة والمشاكل والهموم والتجارب الحياتية. وتستطيع أن تمتصّ الشعر وسائر الأجناس الأدبية وتستفيد منها الى أقصى الحدود. والجميل في الرواية انها غير عرضة للأزمات، ذلك ان في كل كائن بشري رواية. وهذا ما يكفي لملايين السنين، وليس على الروائي إلا أن يستوحي التجارب. لم أفكر في كتابة الرواية لأنني لا أستطيع أن أضمن النتائج. والرواية تحتاج الى جهد وصبر هما غير متوافرين فيّ. هناك شعراء كثيرون أتقنوا الشعر والرواية. وبعضهم سطت روايتهم على شعرهم وبعضهم سطا شعرهم على روايتهم فغدت رواية متشعرنة، فيما يجب أن تتوافر في الرواية لغة السرد ومنطق الشخصيات وسواهما. إنني أحب الرواية – الحكاية. رواية اللارواية لا أحبها كثيراً وأعدّها عبارة عن ثرثرة لغوية. قد تكون جميلة لكنها ليست من النوع الروائي الذي أحبه. قرأت أخيراً رواية أدهشتني هي «عمارة يعقوبيان» للكاتب المصري علاء الاسواني، وما أدهشني في هذه الرواية انها لا تحتاج الى كتابة ولا الى لغة أدبية، وقوة التجربة الانسانية فيها أغنتها عن اللغة.


> ما رأيك بمقولة ان المستقبل هو للرواية وليس للشعر؟ وأن الزمن الآن هو زمن الرواية؟

- أود أن أذكرك انه كان ذات مرة زمن للقصة القصيرة. والقصة هذه لها مواسم. أحياناً تزدهر وأحياناً تنطفئ وتغيب. الرواية هي كتابة جديدة في معنى ما، فالشعر سبقها بآلاف السنين. وقد تغري بالقول ان الزمن الآن هو زمنها وانها أصبحت «ديوان العرب» كما يقال. شخصياً لا أحب هذا الاشتباك بين الكتابتين. الرواية لها عالمها والشعر عالمه. وفي بعض المجتمعات الرواية متطورة أكثر من الشعر وفي مجتمعات أخرى الشعر متطور أكثر من الرواية. لا أحد يستطيع أن يرسم صورة المستقبل أو أن يحتكرها. وأعتقد ان المستقبل هو للشعر كما هو للرواية.


> ولكن هل تعتقد ان الشعر قادر على ان يعبّر عن كل ما يجيش في نفسك وما يدور في رأسك من أفكار؟

- هناك شعراء يقولون ان اللغة لا تتسع لهم وانهم أكبر من اللغة. وجموح الشعراء الى إصدار مقولات كبيرة قد يكون مقبولاً. هل سمح لي الشعر أن أقول كل ما أريد أن أقول؟ ليس هذا هو السؤال الذي أطرحه على نفسي. بل هو: هل أستطيع أن أقول أكثر مما قلت؟ هذا ما يؤرقني. ولكن لا أحد يستطيع أن يكتب كل ما في داخله. هناك أدباء كتبوا أكثر مما في قدرتهم، أي انّ كلماتهم أكبر من عالمهم الداخلي ومن تجربتهم الحياتية والانسانية. شخصياً لا أشكو من هذا الأمر. وأعتقد انني قادر على قول ما أشعر به وما أحلم به وما هو غامض في أشكاله المختلفة. ولكن في نهاية الأمر قد يكون من الصحيح ان الشاعر يقول شيئاً واحداً وأن الروائي يقول شيئاً واحداً. ولكن ما هو هذا الشيء؟ يكتب الشاعر ليصل الى هذا الشيء، ليكتشف ما يريد أن يقوله.
  رد مع اقتباس
قديم 14/08/2008   #321
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


مادمنا تحدثنا عن الصوفية، أعترف انني أحس ان لديك نزعة صوفية محفوفة ببعد ميتافيزيقي وخصوصاً في قصيدتك الطويلة «جدارية» التي اختبرت فيها تجربة الموت؟ ماذا يعني لك الشعر الصوفي؟ هل تقرأه؟

- قرأت الأدب الصوفي وأقرأه. وملاحظتي أن ليس الشعر هو أفضل ما فيه، بل النص النثري. مثلاً ابن عربي، نصه النثري أغنى كثيراً من نصه الشعري، ومملوء بالدلالات بل هو حافل بالألغاز والأسرار أكثر من شعره. أنظر الى الصوفية نظرة فكرية أو فلسفية، أنظر اليها نظرة شعرية من حيث هي مغامرة الذهاب الى الأقصى ومحاولة اتصال مختلفة بالكون ومحاولة بحث عمّا وراء هذا الكون، وما وراء الطبيعة، وعن الأسئلة الوجودية. ولا يعنيني في التجربة الصوفية معناها مقدار ما يعنيني سعيها اللغوي والعرفاني في بلوغ ما لا تبلغه المغامرات الأخرى. فهي مغامرة أدبية جعلت النثر أرقى من الشعر في الكتابة. وإذا أردنا أن نبحث عن المصادر الحقيقية التي أثْرت قصيدة النثر نجد الكتابة الصوفية النثرية مثل النفري والبسطامي والسهروردي وابن عربي. وهؤلاء كانوا شعراء من نوع آخر، أي بما يحملون من شحنات للسفر الى أبعد ما يمكن. ونحن لا نستطيع أن نذهب الى ما ذهب هؤلاء اليه. هذا هو الجانب الابداعي في الصوفية، ولكن هناك صوفية تشبه الشعوذة والسحر.


> ما رأيك بالشعراء الذين يستعينون بالمصطلحات الصوفية القديمة ليكتبوا شعراً صوفياً حديثاً؟

- أنا شخصياً غير مهتم بهذه المسألة. ولا أعتقد أن في عصرنا الحديث والصاخب هذا هناك مكان للشعر الصوفي.


> والصوفية الجديدة التي لا علاقة لها بالمصطلحات القديمة؟

- الصوفية الحديثة هذه هي شكل من أشكال التمرّد على طبيعة الحياة المعاصرة وعلى تشيّؤ الانسان وابتعاده عن السؤال الروحي والديني. وما نقرأه في الشعر هو ترصيع لبعض المصطلحات الصوفية الخارجة عن سياقها.


> وماذا عن البعد الميتافيزيقي الكامن في شعرك؟

- لعل سؤال الموت في شعري شديد الصلة بالبعد الميتافيزيقي. هناك نظرتان الى الموت: نظرة دينية تقول ان الموت هو انتقال من الزائل الى الخالد، ومن الفاني الى الباقي، ومن الدنيا الى الآخرة. وهناك نظرة أخرى أو فلسفية تعتبره نوعاً من الصيرورة، وترى ان الحياة والموت مترافقان في جدلية أرضية. أحياناً أكتب عن الموت ولكن من دون أن أتعمق كثيراً في السؤال الى أقصى حدوده. فالذهاب في السؤال الى أقصاه هو أمر مملوء بالألغام التي لا أستطيع أن أنزعها ولا أن أفجرها. في «جدارية» كتبت عن تجربة شخصية، كانت مناسبة لي للذهاب في سؤال الموت، منذ أقدم النصوص التي تحدثت عن الموت، ومنها ملحمة جلجامش التي تحدثت أيضاً عن الخلود والحياة. هذه التجربة كانت لي اطاراً صالحاً للسرد أو لما يشبه السيرة الذاتية. ففي لحظة الموت تمر حياتك أمامك وكأنها في شريط سريع. انني عشت هذا ورأيته. كل الرؤى التي كتبتها في القصيدة كانت حقيقية: المعرّي ولقاء هيدغر ورينيه شار... رأيت الكثير ولم أكتب كل شيء. لكنني لاحظت ان القصيدة كانت مشدودة الى سؤال الحياة أكثر من سؤال الموت. والقصيدة في الختام كانت نشيداً للحياة. أهم عبرة استخلصتها من هذه المسألة ان الحياة معطى جميل، هدية جميلة، كرم إلهي غير محدود، وعلينا أن نحياها في كل دقيقة. أما سؤال الخلود فلا جواب عليه منذ ملحمة غلغامش حتى اليوم. هناك جواب ديني ولكن كشاعر لا أحب أن أدخل في الجدال الديني. الانسان يؤمن بما يعرف وبما لا يعرف. بل هو مشدود الى الإيمان بما لا يعرف، وأهم أمر في الصراع بين الحياة والموت أن ننحاز الى الحياة.


> ما دمنا نتكلم عن الدين نلاحظ أن في شعرك أثراً توراتياً ولا سيما من «نشيد الأناشيد»، يتمثل في غنائيتك العالية في ديوان «سرير الغريبة» وسواه! ما الذي يجذبك كشاعر في النص التوراتي وكيف أثر فيك؟

- في البداية، درست في الأرض المحتلة، وكانت بعض أسفار التوراة مقررة في البرنامج باللغة العبرية، ودرستها حينذاك. لكنني لا أنظر الى التوراة نظرة دينية، أقرأها كعمل أدبي وليس دينياً ولا تاريخياً. حتى المؤرخون اليهود الجادون لا يقبلون أن تكون التوراة مرجعاً تاريخياً. أو لأقل انني انظر الى الجانب الأدبي في التوراة. وهناك ثلاثة أسفار مملوءة بالشعر، وتعبر عن خبرة انسانية عالية وهي: سفر أيوب، سفر الجامعة الذي يطرح سؤال الموت، ونشيد الأناشيد.


> والمزامير؟

- بعض المزامير، فهي أقل أدبية من الأسفار التي ذكرتها. إذاً التوراة هي كتاب أدبي بالنسبة إليّ، وفيها فصول أدبية راقية وشعرية عالية.


> هل التوراة مصدر من مصادرك؟


- لا شك في أنها أحد مصادري الأدبية.
  رد مع اقتباس
قديم 14/08/2008   #322
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


هل أعدت قراءة التوراة بالعربية؟

- أجل، قرأت ترجمات عربية عدة ومنها الحديثة. وأحب فيها بعض الركاكة. فمثل هذه الكتب يجب أن يترجم في طريقة خاصة. و«نشيد الأناشيد» يعتبره كبار الشعراء في العالم من أهم الأناشيد الرعوية في تاريخ الشعر، مع غض النظر عن مصادر هذا النشيد الفرعونية أو الآشورية.


> هل يمكن الكلام برأيك عن حداثة محمود درويش، هذه الحداثة الممكن وصفها بـ «الحداثة الاستخلاصية» التي تتآلف فيها مدارس عدة ولكنها تبدو كأنها بلا مدرسة أو كأنها مدرسة بنفسها؟ حداثة خاصة خارج حداثة مجلة «شعر» وسائر الحداثات الأخرى؟

- يبدو لي انك تفهم حداثتي أكثر مني. سؤال الحداثة سؤال محيّر. وأن تُحصر الحداثة في الحداثة الشعرية، فهذا يعني ان لا حداثة أخرى في المجتمع العربي. ومن مآزق الحداثة العربية انها متحققة في الشعر وربما في مراكز الشرطة أو الأمن. حاولت الحداثة الشعرية ان تقوم مقام الحداثة الفكرية والفلسفية والعلمية والاجتماعية، أي انها حمّلت نفسها مهمات لا تستطيع فعلاً أن تتحملها. اطلعت طبعاً على مفاهيم الحداثة بعدما جئت الى العالم العربي هاجراً فلسطين. قبل ذلك لم أكن قد اطلعت على تلك المفاهيم. ففي فلسطين المحتلة كنت أعيش في ظروف صعبة وكنت أطلع على الشعر العربي والعالمي من دون أن يكون سؤال الحداثة ملحاً عليّ مثلما كان ملحاً على الشعراء العرب. كان لدينا حينذاك سؤال المقاومة الثقافية، سؤال الهوية، وكان علينا أن نصونها من الذوبان. كيف ندافع عن حقنا في الوجود؟ كيف نزيل الاشكالية بين الجنسية والهوية؟ كيف يقوم الشعر في تغيير ما، أو هل يستطيع الشعر أن يغيّر؟ كانت الأسئلة بعيدة الى حد ما عن انشغال الساحة بأسئلة الحداثة. وأنا نشأت في هذا الجو وكتبت فيه. وعندما خرجت الى العالم العربي كنت الى حد ما معروفاً، وكنت أسمّى شاعر المقاومة وشاعر الأرض المحتلة... لكن اصطدامي بسؤال الحداثة والتجارب الشعرية الحديثة جاء متأخراً. ولا أعرف ان كنت وضعت داخل الحداثة العربية أم ما زلت خارجها. لا أعرف.


> وما رأيك بما يقوله بعضهم عن «حداثة» محمود درويش؟

- أنا لست جزءاً من مدرسة، ولست طالباً لمعلم معين وهذا عيــب. كنت أتمنى أن يكون لي معلم شعـــري، فهو كـان ليوفر عليّ ربما أعباء تعليمية كثيرة. كنت شديد الاصغاء والتأمل والتأثـر حيال سؤال الحداثـة الشعـريـــة العربية. لكنني لم أتخلّ عن ربط الحداثة بمشروع تحرري، أي ان نتمكن من تحرير المجتمع بالقصيدة الحديثة. أو ان على الحداثة الحقيقية أن تكون منظومة أفكار تشمل كل مستويات المجتمع وليس الشعر وحده. ولكن بما أن الشعر هو حقل عملنا ولا إمكان آخر لنا، فليكن ذلك. ولنعش هذا الوهم الجميل. وما زلت أرى أن لا حداثة شعرية عربية حقيقية خارج جماليات الشعر العربي. فهذه الجماليات يجب على الحداثة العربية أن ترتكز اليها لتتميز عالمياً. لم أدخل في أفق التنظير ولم أسع الى أن أكون حديثاً أم غير حديث، ولكن أعتقد ان قصيدتي حديثة. و في أي معنى هي حديثة؟ أي أنها تصغي الى ايقاع الزمن الجديد وتجري تحولات في العلاقة بين الكلمات والأشياء وتحاول أن تبقي اللغة حية وتعيد الى هذه اللغة حياتها باستمرار، وأن تطوّر أدواتها من خلال علاقة هذه الأدوات بما كنا نسميه الدور الذي تلعبه القصيدة الحديثة في الذائقة الشعرية وفي مشروع التحرر.

> نشرت في مجلة «شعر» بضع قصائد...

- أنا لم أنشر، المجلة أخذت القصائد من صحافة الداخل الفلسطيني. ولعلها المرة الوحيدة التي نشرت لي قصائد في «شعر».


> كيف تنظر الى مجلة «شعر»؟

- لا شك في أن مجلة «شعر» كان لها دورها وكانت لها أوهامها أيضاً. ومن أوهامها انها احتكرت مفهوم الحداثة الشعرية وحاولت ان تقصي التجارب الأخرى خارج «جنة» الحداثة، إذا جاز التعبير. وأعتقد بأن مجلة «شعر» مثلت تياراً من تيارات الشعر العربي الحديث وليس كل الشعر العربي الحديث. ومن عيوب التعامل مع هذه الظاهرة ان هناك دراسات جامعية تدرس الشعر الحديث من خلال مجلة «شعر» فقط. ويجب ألا ننسى أنّ كان هناك مجلة «الآداب» وكان هناك الشعر العراقي والشعر المصري... وهذه تيارات أساسية في الشعر العربي الجديد. ليس كل شعراء مجلة «شعر» استطاعوا أن يُكرِّسوا أو أن يحققوا مكانة شعرية كبيرة. هناك بضعة شعراء فقط.


> كانت مجلة شعراء أكثر مما كانت مجلة منفردة بذاتها أو مجلة تيار واحد!

- حاولت أن تكون مجلة تيار وانشغل بعض شعرائها بالتنظير الزائد عن اللزوم أحياناً. إنها مثل أي حركة شعرية، خرج منها في نهاية الأمر بضعة شعراء مهمّين.


> والمعركة الفكرية الحداثية التي خاضتها هذه المجلة هل عنت لك شيئاً؟

- إنني اطلعت على المجلة متأخراً أي بعدما خرجت من فلسطين وكانت قد توقفت عن الصدور. وكانت المعركة التي أعلنتها قد انتهت، خصوصاً بينها وبين مجلة «الآداب». إلا أن المعركة الشعرية الحداثية مستمرة حتى الآن ولكن عبر أدوات أخرى: هل الشعر يعرّف بما يقوله أي بموضوعه أم في كيفية ما يقول؟ هل للشعر دور ما؟ هل يجب أن يكون على علاقة بالقارئ أم لا؟ وما هي العلاقة بين المتلقي والشاعر؟ هل الذات الكاتبة هي وحدها في العملية الشعرية أم ان ثمة ما يشاركها، كاللغة مثلاً؟ مثل هذه الأسئلة ما زال مستمراً حتى الآن. هل عزلة الشعر هي مقياس من مقاييس جودة الشعر؟ ذيول المعركة ما زالت قائمة حتى يومنا. وأعتقد ان من الجميل أن يكون هناك تيارات، عوض أن يكون هناك تيار واحد متسلّط على الساحة الشعرية.


> لكن «شعر» لعبت الدور الرئيس في ترسيخ القصيدة الحديثة!

- لمَ لا؟ لكن «الآداب» لعبت مثل هذا الدور أيضاً.


> لكن «شعر» حصرت مشروعها في الشعر بينما «الآداب» كان مشروعها أدبياً ورفضت قصيدة النثر؟

- أنا لم أطلع على المشهد عندما كان قائماً. جئت متأخراً، ذلك انني خرجت في العام 1971. وكانت وقعت هزيمة 1967 التي غيّرت مفاهيم مجلة «شعر» نفسها.
مع الشاعر المصري أحمد عبدالمعطي حجازي


> «مواقف» مجلة الشاعر أدونيس هل تابعتها حينذاك؟

- صدرت «مواقف» عندما كنت في بيروت وكنت في مرحلة من أسرة تحريرها.


> كيف ترى الى «مواقف» لا سيما في تلك الفترة؟

- مجلة «مواقف» أضافت بدورها. وحاولت أن تقيم علاقة بين الابداع والفكر والثورة والتغيير، بين الابداع والحرية. كانت «مواقف» تمثل حالاً من القطيعة مع مجلة «شعر»، لكنها قطيعة تطويرية. واتجهت نحو السؤال الفكري ولم تكن مجلة ابداعية فقط.
  رد مع اقتباس
قديم 14/08/2008   #323
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


> لماذا انسحبت من أسرة تحريرها؟

- لم أنسحب لخلاف أو سواه، ولكن كان عندي مجلة «شؤون فلسطينية» ثم أصدرت «الكرمل» في العام 1981.


> الإشكال الذي أثاره تصريحك قبل فترة حول شعر الحداثة كيف توضحه، خصوصاً بعدما ترك التباساً أو سوء فهم؟

- أولاً لم أتعرّض للشعر الجديد وشعر الحداثة. سئلت في تونس في لقاء صحافي كبير جداً، عن أزمة العلاقة بين المتلقي والشعر الجديد. وقلت إن هناك أزمة فعلاً لأن بعض الشعراء يستمرئون عزلتهم ويضعونها هدفاً، من غير أن تكون نتيجة طبيعية لتطور ما في نص شعري جديد على الذائقة. هناك شعراء يقيسون جمالية شعرهم بمدى عزلتهم عن القارئ. وهناك سبب آخر وهو أن القارئ لا يريد أن يقترب من شعر يرفضه كمتلقٍ. وأنت تعرف أن الشاعر ليس وحيداً في الكتابة، إنه طرف في المعادلة الشعرية، هناك الشاعر، هناك اللغة التي تفرض نفسها على الشاعر، وهناك طرف ثالث لا يتم الفعل الابداعي من دونه وهو القارئ. هذا الثلاثي هو الذي يساهم في تطوير الفعل الشعري وفي تحقق القصيدة. وهذا التحقق لا يتم إلا من خلال تفاعل ما، بين القارئ والشاعر. لم أتعرّض لأحد ولا أحب أصلاً التعرض لأحد. كل شاعر حر. وأردد دوماً أن على السجال الشعري اللامجدي أن ينتهي. قصيدة النثر هي خيار شعري مكرّس وفيها أعمال ابداعية جميلة جداً. ويجب أن ننظر الى الشعر في كل خياراته، العمودي والتفعيلي والنثري، والى مدى تحقق الشعرية في القصيدة. هذه نظرتي العامة ولا يمكنني أن أكون تقليدياً أو رجعياً، الى حد أن أرفض أي اضافة أو أي اقتراح شعري جديد.


> هل تقرأ الشعراء الجدد والشباب؟

- أقرأهم دوماً وأتعلّم منهم وأراقب دوماً التوجهات الجديدة في علاقة الشعراء باللغة والنص والبناء والايقاع، لكي أستوعب ايقاع العصر الجديد. قد أكون هرمت من دون أن أدري. قد أكون تحولت الى تقليدي من دون أن أعلم. تجارب الشعراء الجدد ولو لم تكن ناضجة، تلفت نظري الى مسارات جديدة عليّ أن أنتبه لها وأن استفيد منها إذا كانت قادرة على امداد النص الشعري بدم جديد وحياة جديدة. ولكن لنعترف، هناك فوضى، سواء في الشعر العمودي أم التفعيلي أو النثري، هناك فوضى. وهذا طبيعي، لأن لا رقابة على النشر، وأقصد بالرقابة الرقابة الأدبية والابداعية التي تضع معايير وتحدد للقارئ، مفاتيح ما هو شعري وما ليس شعرياً. سهولة النشر كبيرة جداً وكل الصحف العربية فيها صفحات ثقافية يجب أن تمتلئ بما توافر، والمحررون يكونون أحياناً في مستوى لا يؤهلهم لتقويم الشعر. لذلك تعمّ الفوضى، وهي ليست من سمات عصرنا، ففي كل العصور كان هنا فوضى. لكنّ صعوبة النظم كانت تحول الى حد ما دون استتباب الفوضى. فالنظم يتطلب أدوات عروضية ولغوية قوية وقد يكون مجرد نظم خالٍ من الشعر.


> مَن يتحمل مسؤولية هذا الفلتان الشعري؟

- الفوضى النظرية التي عرّفت الحداثة بها، كل شيء غير منضبط في شكل، يستطيع أن يدّعي شاعره أنه ينتمي الى الحداثة. والآن عندنا تسمية جديدة هي ما بعد الحداثة. ونحن ما زلنا نعيش في عصر ما قبل الحداثة.


> لكن الشاعر الفرنسي لو تريامون يقول إن على الشعر ان يكتبه الجميع!

- أعتقد أن كل كائن بشري يحاول أن يكتب شعراً. والفرق ان هذا الشعر لم تُتح له فرصة النشر، أو ربما فرصة التكوّن. وكما تعرف في فترة المراهقة يكتب المرء ما يشبه الخواطر ويقلّد بعض الأدباء. وهذه الكتابات غالباً ما تكون شخصية. يجب أن يكتب كل الناس، كما قال لوتريامون، لكي يخرج من هؤلاء شعراء وروائيون وكتّاب...


> لا تزال تصرّ على «صدمة» جمهورك، وما زال هذا الجمهور يتابعك في أمسياتك الشعرية. كيف تنظر الى هذا الجمهور والى «الصدمة» التي تحدثها فيه عندما تقرأ له قصائدك الجديدة التي تختلف عن القصائد الأولى التي يميل اليها عادة؟

- لا أعرف ان كان الجمهور يميل الى القصائد الأولى حقاً. لم يعد الجمهور يطالبني كما في السابق بأن أقرأ ما في ذاكرته من شعري. وهذا حسن. واستطعت أن أجد ما يشبه الثقة المتبادلة بيني وبين القراء. إنني لا أحب كلمة جمهور. لنقل المتلقي أو القارئ. فالجمهور ليس كتلة واحدة متجانسة. وأنا لا أستطيع أن أتكلم عن الجمهور بطلاقة، لأنني سأرتكب أخطاء كثيرة. ثم من هو الجمهور؟ قد يكون مجموعة من الشعراء والمثقفين، قد يكون من سائقي التاكسي أو ربات البيوت أو الطلاب، وقد يكون لكل مجموعة الحق في أن تقيم علاقة مع الشعر. المشكلة عندنا ان القارئ العربي يشعر بأن من حقه أن يتدخل في تحديد مفهوم الشعر. وكل قضية من هذا النوع تتحول قضية عامة قد يهددها خطر التبسيط، لئلا أقول الابتذال. إنني أواكب قرائي مثلما هم يواكبونني وهم يتطورون ويتغيرون. وأكثر ما يسعدني في هذا الوقت، انني أفاجأ أينما ذهبت بأن الذين يحضرون الأمسيات الشعرية هم في ما يقارب التسعين في المئة من الجيل الجديد ومن الشباب في العشرينات. وهذا يعني أن قرائي الذين يحبون قصيدة «سجل أنا عربي» رحلوا وتركوني أو أنهم اكتفوا بذلك. إذاً اقتراحي الشعري هو أن من حق الشاعر أن يواصل تطوير لغته وأن يحميها من التكرار والارهاق. حتى اللغة الشعرية تصاب بالارهاق، وعلى الشاعر أن يجدد صورها واستعاراتها. هناك إذاً علاقة تتجدد مع تجدد الذائقة والعصر والزمن. هناك ثقة متبادلة، وإذا حقق الشاعر الثقة مع قرائه فقراؤه يعطونه الحرية في أن يطور نفسه كما يشاء. وإذا لم يكن هناك من ثقة أو إن كان ثمة جدار بين الشاعر والقراء، فالأمر يصبح قيداً ثقيلاً. بعض الشعراء يستهزئون بهذا القارئ وبعضهم يقدمون له تنازلات ويسمعونه ما يريد أن يسمع، ويكتبون له ما يريد أن يقرأ.
  رد مع اقتباس
قديم 14/08/2008   #324
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


أي شعراء تركوا فيك أثراً شعرياً منذ البدايات؟

- أوه...


> مَن كنت تقرأ عندما كنت في فلسطين؟

- لم يكن عندي شاعر واحد أتعلّم عليه. كانت الكتب المتوافرة عندنا في الداخل هي ما تبقى من مرحلة الانتداب البريطاني. كنا في حالة حصار ثقافي حقيقي. كنت أعرف السياب جيداً والبياتي وكنت أقرأ نزار قباني أيضاً، وهو كان حاضراً في مراهقتي الشعرية. قرأت في تلك الفترة «الداخلية» غارثيا لوركا وبابلو نيرودا وتأثرت بهما وخصوصاً لوركا. كان المتاح لنا من الشعر العربي الحديث قليلاً. فيما الشعر الكلاسيكي العربي متوافر وكذلك الشعر المهجري، وكنت أميل الى غنائية هذا الشعر والى بساطته. وفي الشعر المصري اطلعت على بعض أعمال صلاح عبدالصبور وأحمد عبدالمعطي حجازي. أدونيس لم يكن معروفاً في الداخل ولم يكن شعره وصل إلينا. القصيدة الأولى التي قرأتها لأدونيس كانت في العام 1968 على ما أعتقد، وكانت فدوى طوقان تزورنا في حيفا ومعها مجلة فيها قصيدة لأدونيس، لم أعد أذكر ان كانت «هذا هو إسمي» وأعجبتني كثيراً. ولكن لم يكن لأدونيس حضور في فلسطين، في تلك المرحلة كما الآن. مصادرنا الأخرى كنا نقتبسها من الصحافة مثل «الاتحاد» و«الجديد» في حيفا.


> كتبت أنت في الصحافة حينذاك!


- كنت رئيس تحرير مجلة «الجديد» ومحرراً في جريدة «الاتحاد» وكنت أكتب افتتاحيات ومقالات سياسية. دخلت عالم الصحافة باكراً، في العشرين من عمري وأقل. وكانت خياراتنا الأدبية خاضعة لاعتبارات يسارية.


> كنت في الحزب الشيوعي الاسرائيلي!


- نعم.


> من هم الشعراء الذين تفضلهم الآن وتقرأهم؟

- هناك شعراء أجانب كثيرون أقرأهم. والأكثر قرباً هو ديريك والكت. في السنوات الأخيرة كان والكت شاعري المفضل في اللغة الانكليزية. وربما هو أفضل من يكتب في هذه اللغة الآن. وهناك شيموس هيني. أعجبت كثيراً بالشاعر البولندي ميلوش وبالشاعرة تشمبرسكا. وكذلك أنا شديد الاعجاب بالشاعر اليوناني ريتسوس، وكنت على صداقة معه. فرنسياً إنني شديد الإعجاب بسان جون بيرس ولويس أراغون ورينه شار... وهؤلاء أقرأهم مترجمين الى الانكليزية أو العربية، ففرنسيتي لا تسمح لي بأن أحتك بنصوصهم في اللغة الأم. وفي الشعر الأميركي اللاتيني شاعري المفضل هو بابلو نيرودا. وفي الشعر الإيطالي أحب أوجينيو مونتالي شاعراً وناقداً. المشهد الشعري عالمياً في النصف الثاني من القرن العشرين، أو في القرن العشرين كله، كان من أغنى المشاهد الشعرية في التاريخ. أحب أيضاً الشاعر اليوناني جورج سيفيريس وكذلك الشاعر اليوناني إيليتس.


> وما قصتك مع المتنبي؟

- المتنبي، على الاختلاف الكبير معه حول نزعته الى السلطة ومدائحه وهجاءاته، أعتبر انه يلخص الشعر العربي الكلاسيكي. واذا أردنا أن نقرأ الشعر العربي كله مجازاً في شاعر واحد نقرأه في المتنبي. ثم إذا أردنا أن نقرأ الشعر المختلف عن شعر المتنبي نقرأ أبا العلاء المعري.


> وأبو تمام أين تضعه؟

- أبو تمام، مشروعه التحديثي (بين موسين) هو الذي سمح للحركة الشعرية العربية أن تتجدد. طبعاً هو من الشعراء الكبار، لكنه شديد التقعّر ومشغول بنحت الكلمات وخلق الصور الغامضة.


> وأبو نواس أليس هو من أوائل الشعراء «المدنيين»؟

- طبعاً طبعاً، أبو نواس نقل الشعر من البداوة الى المدنية. العصر العباسي هو العصر الذهبي للشعر العربي الكلاسيكي، ولكن في موازاة الشعر الجاهلي.


> ألا تعتقد ان المتنبي في «الأنا» المتضخمة عنده والنرجسية ترك أثراً سلبياً في الشعر العربي؟ كأن يقول: «أنا الذي نظر الأعمى الى أدبي...». من هو هذا الشاعر الذي يجرؤ أن يقول إن الأعمى قرأ أدبه؟ ما هذه المغالاة؟ ما هذا الاعتداد؟

- قد تصلح شخصية المتنبي وتناقضاته لكتابة مسرحية عنه. ربما هذه الجوانب سلبية لديه ولكن ما يعنيني في المتنبي هو شعره. لا شك في أن شعره يتمتع بجزالة رهيبة وفيه تختلط الحكمة مع العاطفة المتأججة. وهو يضع علامات لا يمكن أن تخطئها العين ولا الأذن. أنت تعرف المتنبي من غير أن يوقع قصيدته. وقدرته على أن يخلق سلطاناً شعرياً في هذا المستوى، لا نستطيع أن نمرّ بها مروراً محايداً.


> لكنّ هذا لا ينطبق على كل شعره.

- ليس من شاعر كل شعره جميل. وعندما أقرأ مدائحه وهجائياته أنسى الممدوح والمهجو وتطربني الجزالة الشعرية والبلاغة. القوة الداخلية لدى المتنبي حجبت عني أخلاقيته. أما انه ورّث «الأنا» المتضخمة الى غيره فإن «الأنا» لا تورّث. هناك شعراء آخرون متضخمون وفي كل العصور.


> ومشروع «التنبؤ» لديه!

- هذا المشروع ليس مشروع المتنبي وحده. العصر الرومانسي شهد مثل هذا المشروع، بل ان الرومانسية نفسها تقوم على هذا المشروع الرؤيوي ولا سيما الرومانسية الألمانية.


> ولكن هناك فرق بين الرؤيا والادعاء؟

- هذه الظاهرة موجودة عبر العصور حتى في عصرنا الحديث. وعلى الشاعر في عصرنا أنني خفف من دلالات فهمه لدوره. الشعر الآن يهتم بالهامشي أكثر مما يهتم بالقضايا الكبيرة. فكرة البطولة أو الفرادة ألغتها الحداثة الشعرية أصلاً. وأكرر ان هذا المشروع لا أعتقد انه من ميراث المتنبي. هذه خصائص بشرية. عندما تريد وصف وضع ما، في شكل تلقائي تلجأ الى الاستشهاد ببيت للمتنبي. وإن قلت ان المتنبي أكثر حداثة وحياة منا جميعاً فإنما قلت هذا من قبيل المجاز. وقامت عليّ القيامة لأن البعض أخرج كلامي من سياقه.
  رد مع اقتباس
إضافة موضوع جديد  إضافة رد



ضوابط المشاركة
لافيك تكتب موضوع جديد
لافيك تكتب مشاركات
لافيك تضيف مرفقات
لا فيك تعدل مشاركاتك

وسوم vB : حرك
شيفرة [IMG] : حرك
شيفرة HTML : بليد
طير و علّي


الساعة بإيدك هلق يا سيدي 23:58 (بحسب عمك غرينتش الكبير +3)


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
ما بخفيك.. في قسم لا بأس به من الحقوق محفوظة، بس كمان من شان الحق والباطل في جزء مالنا علاقة فيه ولا محفوظ ولا من يحزنون
Page generated in 0.39228 seconds with 15 queries